باب : صلاة الخوف . وقول الله تعالى : (( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذىً من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذاباً مهيناً )) .
(( فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم )) إذا سجدوا أي: أتموا صلاتهم، هذا هو المعنى الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم بها فعلا، لأنه لو قال قائل: إذا أخذت اللفظ على ظاهره فالمعنى أنه إذا سجدوا انصرفوا من الصلاة بدون تشهد ولا تسليم؟
نقول: إن السنة تبين القرآن وتفسره، وقد جاءت بأن الطائفة التي تبتدئ الصلاة مع الإمام تتم الصلاة ثم تذهب (( فإذا سجدوا فليكونوا من ورائهم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك )) اللام في قوله: (( ولتأت )) لام الأمر بدليل أن الفعل معها مجزوم ولتأت.
(( طائفة أخرى )) من هي الطائفة الأخرى؟ التي كانت تجاه العدو (( لم يصلوا فليصلوا معك )) هنا قال فليصلوا معك إشارة إلى أنه لا يسلم حتى يقضوا صلاتهم ويكون تسليمهم مع تسليمه، وبناء على ذلك جاءت السنة، فإن هؤلاء الطائفة إذا دخلوا مع الإمام والإمام في الركعة الثانية دخلوا معه، صلوا معه الركعة، فإذا جلس للتشهد أتموا لأنفسهم، ثم سلم الإمام بهم ولهذا قال : (( فليصلوا معك ))، ولو أنه سلم ثم قضوا ما صاروا صلوا معه بل أدركوا ركعة من صلاتهم، وعلى هذا تكون السنة مبينة لمعنى قوله (( فليصلوا معك )).
(( وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم )) الضمير في ليأخذوا الأولى أو الثانية ؟ الثانية، وإنما أمرهم بالأمرين جميعا: بأخذ الحذر والأسلحة، لأن العدو يكون قد تربص بهم أكثر واستعد للهجوم، فلذلك أمرت الطائفة الثانية بأن تأخذ الحذر والأسلحة.
ثم قال عز وجل : (( ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة )) نعم، يودون هذا يودون بكل قلوبهم أن يغفل المسلمون عن السلاح والمتاع حتى يميل عليهم العدو ميلة واحدة، أي: قاضية، وكما أن هذا في السلاح الحسي فهو كذلك في السلاح المعنوي، يود الذين كفروا الآن أن نغفل عن أخلاقنا وعقيدتنا حتى يهجمونا بأخلاقهم الفاسدة وعقائدهم المنحرفة، ولذلك يجب على الأمة الإسلامية أن تكون يقظة لعدوان الكفار بالأسلحة أتموا؟ المعنوية كما يجب أن يكونوا حذرين بالنسبة للأسلحة الحسية.
ثم قال : (( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذىً من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم )) لأنه قال : (( وليأخذوا أسلحتهم )) فنفى الجناح عن حمل الأسلحة إذا كان هناك أذى من مطر بمعنى أنه كان مطر يؤذيهم حمل السلاح معه ويشق عليهم، أو كانوا مرضى والمراد مرضا لا يمنعهم من الجهاد، لأن المرض الذي يمنع من الجهاد يسقط به الجهاد كما قال تعالى : (( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج )) ولكنه قال : (( خذوا حذرهم )) يعني لا تضعوا السلاح من الأذى أو المرض وتغفلوا، خذوا حذركم، لأن الأعداء يتربصون بنا إيش؟ الدوائر.
(( إن الله أعد للكافرين عذاباً مهيناً )) وفي هذا التعليل إشارة إلى أن كل ما نعده للكافرين من الإهانة فإنه من مراد الله وقضاء الله لأنه أعد للكافرين عذابا مهينا في الدنيا والآخرة، أما عذاب الدنيا فإننا إذا سلطنا الله عليهم وغلبناهم سبينا الذرية والنساء وقتلنا المقاتلة، وهذا من أشد ما يكون عذابا، أما في الآخرة فالأمر أوضح من أن نتحدث عنه نعم.
الشاهد من هذه الآية تشير إلى صلاة الخوف، حيث إن القائد يقسم الجيش إلى قسمين، قسم يجعله في نحر العدو للدفاع، وقسم آخر إيش يعملون؟ يصلون معه الركعة الأولى، فإذا قام إلى الثانية أطال القراءة وقضوا هم لأنفسهم وأتموا الصلاة، ثم ذهبوا إلى نحر العدو، ورجعت الطائفة التي كانت في نحر العدو ودخلت مع الإمام في الركعة الثانية فيصلون معه، فإذا جلس للتشهد قاموا ولم يجلسوا وأتموا الصلاة وسلموا معه، وحينئذ يكون الإمام منتظرا لهذه الطائفة في القيام وإيش؟ والقعود، في القيام والقعود.
1 - باب : صلاة الخوف . وقول الله تعالى : (( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذىً من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذاباً مهيناً )) . أستمع حفظ
فوائد الآية : (( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ... ))
وربما يؤخذ منه الإشارة إلى ما ذكره الفقهاء رحمهم الله أن الإمام إذا أحس بداخل فإنه ينتظره ما لم يشق على المأمومين الذين كانوا معه، ولا يقال كما قاله بعض الناس: إن هذا بدعة، وأن الذي ينبغي للإمام أن يصلي الصلاة على ما هي عليه، يخفف في الثانية ويطيل في الأولى، ولا ينتظر أحدا، نقول هذا له أصل في الشريعة فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام أطال القيام انتظارا لهذه الطائفة دل ذلك على أنه لا بأس أن ينتظر المأموم لإكمال الصلاة للمأموم، هذه واحدة، وأيضا إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدخل في الصلاة وهو يريد أن يطيلها فيسمع بكاء الصبي ثم يخفف لمصلحة من ؟ لمصلحة فرد من المصلين، فيخفف ويقطع على الذين معه التطويل الذي قد يستفيدون به دعاء وذكرا من أجل مصلحة واحد من المأمومين.
وفي هذه الآية الكريمة دليل واضح على وجوب صلاة الجماعة، لأن فيها (( فلتقم طائفة منهم معك )) ومع للمعية والمصاحبة، وفي الثانية قال : (( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك )).
وفي هذه الآية دليل أيضا على ضعف قول من يقول إن صلاة الجماعة فرض كفاية، وجه ذلك: أنه لو كانت صلاة الجماعة فرض كفاية لسقط الفرض بصلاة الجماعة الأولى، ولم يجب الله تعالى الجماعة على الثانية.
وفيه أيضا دليل على أن صلاة الجماعة مقدمة على ما يحصل في الصلاة من خلل وقصور، لكن خلل وقصور في ما تقتضيه صلاة الجماعة، فمثلا صلاة الجماعة توجب على المأموم ألا يسلم قبل إمامه، أليس كذلك؟ طيب، وهنا سلمت الطائفة الأولى قبل الإمام لمصلحة الجماعة الثانية؟ واضح؟ ثم الثانية قضت الصلاة قبل سلام الإمام، والقاعدة في صلاة الجماعة أن المأموم لا يقوم لقضاء صلاة ما فاته حتى يسلم إمامه حتى إن العلماء قالوا لو قام لقضاء ما فاته قبل سلام إمامه بطلت صلاته، وهنا قامت الطائفة الثانية لقضاء ما فاتها قبل سلام الإمام، كل هذا تحصيل للجماعة.
وفي الآية أيضا وجوب العدل بين الناس حتى في العبادات، وإلا لقال الرسول عليه الصلاة والسلام أنتم الطائفة الأولى صلوا معي ثم ننصرف جميعا إلى نحر العدو وتأتي الطائفة الثانية وتصلي جماعة.
وفيه أيضا فيها دليل على وجوب المبادرة بالعدل وألا يؤخر، إذ من الجائز مثلا أن يقال يصلي بجماعة الظهر وحده وبالجماعة الثانية العصر مثلا، لكن يقال بينهما زمن، وربما تكون إحداهما أفضل من الأخرى، فمثلا صلاة العصر أفضل من صلاة الظهر، أليس كذلك؟ وصلاة الظهر يطلب فيها الإطالة أكثر من صلاة العصر، فهذه تفضلها في الزمن، وهذه تفضلها في الكيفية فيكون العدل عسيرا، مع أن العدل بينهما في الصلاة الحاضرة فيه المبادرة بالعدل بين أناس.
والحاصل أن الإنسان إذا تأمل مثل هذه الأمور ظهر له من أسرار الشريعة وكمالها ومراعاتها لمصالح العباد ما لا يظهر لرجل غافل يمر هذه الكلمات العظيمة على قلبه بدون تأمل، والله أعلم.
2 - فوائد الآية : (( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ... )) أستمع حفظ
حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال سألته هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني صلاة الخوف قال أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال ( غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا لهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا فقامت طائفة معه تصلي وأقبلت طائفة على العدو وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعةً وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعةً وسجد سجدتين )
فقد قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه :
باب صلاة الخوف:
حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: سألته هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني صلاة الخوف؟ قال أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فوازينا العدو فصاففنا لهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا فقامت طائفة معه تصلي وأقبلت طائفة على العدو وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعةً وسجد سجدتين، ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعةً وسجد سجدتين ).
الشيخ : هذا واضح أنه قريب من سياق الآية الكريمة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة معه ركعة فلما قام أتموا لنفسهم، وظاهر السياق الذي معنا أنهم لم يتموا لأنفسهم لأنه قال ( سجد سجدتين ثم انصرفوا ) مكان الطائفة التي لم تصل لكن في حديث صالح بن خوات أنهم أتموا لأنفسهم، ثم ذهبوا ووقفوا تجاه العدو، ثم جاءت الطائفة الأولى فدخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية وصلى بهم الركعة، ثم جلس للتشهد، وقاموا هم بأنفسهم فقضوا ما عليهم قبل أن يسلم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سلم بهم ولعل تنظر في الفتح لقوله : فسجد سجدتين ثم انصرفوا.
3 - حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال سألته هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني صلاة الخوف قال أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال ( غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا لهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا فقامت طائفة معه تصلي وأقبلت طائفة على العدو وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعةً وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعةً وسجد سجدتين ) أستمع حفظ
قراءة من الشرح
القارئ : " قوله ركعة وسجد سجدتين، زاد عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري مثل نصف صلاة الصبح.
وفي قوله: مثل نصف صلاة الصبح إشارة إلى أن الصلاة المذكورة كانت غير الصبح، فعلى هذا فهي رباعية وسيأتي في المغازي ما يدل على أنها كانت العصر.
وفيه دليل على أن الركعة المقضية لا بد فيها من القراءة لكل من الطائفتين، خلافا لمن أجاز للثانية ترك القراءة.
وقوله: فقام كل واحد منهم فركع لنفسه لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه: ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه: أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا، ولم نقف على ذلك في شيء من الطرق.
وبهذه الكيفية أخذ الحنفية، واختار الكيفية التي في حديث ابن مسعود أشهب والأوزاعي وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد، واستدل بقوله طائفة على أنه لا يشترط استواء الفريقين في العدد لكن لا بد أن تكون التي تحرس يحصل الثقة بها في ذلك، والطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد فلو كانوا ثلاثة ووقع لهم الخوف جاز لأحدهم أن يصلي بواحد ويحرس واحد ثم يصلي الآخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف جماعة على القول بأقل الجماعة مطلقا، لكن قال الشافعي أكره أن تكون كل طائفة أقل من ثلاثة، لأنه أعاد عليهم ضمير الجمع بقوله: أسلحتهم ".
الشيخ : خلاص؟
القارئ : خلاص.
الشيخ : على كل حال ظاهر الحديث هذا وقوله ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا أنهم لم يكملوا صلاتهم، انصرفوا تجاه العدو، ثم جاءت الطائفة الثانية فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم سلم فقام كل واحد منهم أي: من هذه الطائفة الثانية أو منهم أي من كل الطوائف، يحتمل هذا وهذا فإن كان كل واحد من الطائفة الثانية فلا إشكال يعني تقضي ثم تذهب وتحرس ثم تأتي الأولى وتقضي ركعتها، وإن كان المعنى أنهم كلهم قضوا جميعا ففيه إشكال، وهو أنهم إذا فعلوا ذلك فلا حراسة، وهولا يجوز أن يدعوا القوم بلا حراسة كما قال عز وجل (( خذوا حذركم)) (( وليأخذوا أسلحتهم )) وعلى هذا يتعين أن في الرواية طيا أي أن الرواة تركوا أو طووا ذكر الطائفة الأولى ماذا صنعت، وعلى هذا فتحمل على حديث سهل بن أبي حتمة أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قام من الركعة الأولى قضت الطائفة الأولى وهو قائم، ثم ذهبت إلى العدو، يتعين هذا.
وفي قوله ( ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين ) دليل على أنه ليس من المشروع أن الناس إذا فاتهم شيء من الصلاة ثم قاموا يقضون أنه يصلي بعضهم ببعض وهذا وإن أجازه بعض الفقهاء فقد منعهم آخرون، يعني مثل أن يقول لصاحبه نحن فاتنا ركعتان فإذا قمنا سأكون إماما لك، هذا ليس بمشروع، ولم يعهد من الصحابة على وجه صريح أنهم كانوا يصلون جماعة إذا سلم الإمام وهم يقضون صلاتهم.
ولهذا اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمنهم من قال إنه جائز أن يصلي المسبوق بمن معه بعد سلام الإمام، فينتقل أحدهم من ائتمام إلى إمامة، وينتقل الثاني من إمام إلى إمام آخر، ومن الفقهاء من منع هذا، نعم. الفتح الأول.
" قراءة من فتح الباري لابن رجب "
القارئ : " ذكر حديث ابن عمر وخرجه في موضع آخر من رواية معمر وخرجه مسلم من رواية معمر وفليح كلاهما، عن الزهري، به - بمعناه. وقد روي عن حذيفة نحو رواية ابن عمر - أيضا خرجه الطبراني من رواية حكام بن سلم، عن أبي جعفر الرازي، عن قتادة، عن أبي العالية، قال: صلى بنا أبو موسى الأشعري بأصبهان صلاة الخوف وما كان كبير خوفٍ، ليرينا صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقام فكبر، وكبر معه طائفة من القوم، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بهم ركعة أخرى، فانصرفوا وقاموا مقام إخوانهم فجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم، فصلى كل واحد منهم الركعة الثانية وحدانا. ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي العالية، أن أبا موسى كان بالدار من أرض أصبهان، وما بها كبير خوف، ولكن أحب أن يعلمهم دينهم وسنة نبيهم، فجعلهم صفين: طائفة معها السلاح مقبلة على عدوها، وطائفة من ورائها، فصلى بالذين بإزائه ركعة، ثم نكصوا على أدبارهم حتى قاموا مقام الأخرى، وجاءوا يتخللونهم حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم، فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة ركعة، ثم سلم بعضهم على بعض، فتمت للإمام ركعتان في جماعة، وللناس ركعة ركعة. يعني في جماعة، خرجه ابن أبي شيبة، وعنه بقي بن مخلد في مسنده وهو إسناد جيد، وهو في حكم المرفوع، لما ذكر فيه من تعليمهم سنة نبيهم، ورواه أبو داود الطيالسي، عن أبي قرة، عن الحسن، عن أبي موسى، أن رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بأصحابه -فذكر نحوه، وفيه زيادة على حديث ابن عمر: أن الطائفة الأولى لما صلت ركعة وذهبت لم تستدبر القبلة، بل نكصت على أدبارها، وروي - أيضا - عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحو ذلك، من رواية خصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الخوف، فقاموا صفين، فقام صف خلف رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصف مستقبل العدو، فصلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصف الذين يلونه ركعة، ثم قاموا فذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، وجاءوا أولئك فقاموا مقامهم، فصلى بهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعة، ثم سلم، ثم قاموا فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا ثم ذهبوا، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم، فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، خرجه الإمام أحمد -وهذا لفظه - وأبو داود - بمعناه وخصيف، مختلف في أمره، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه أخذها عن أهل بيته، فهي صحيحة عندهم.
وهذه الصفة توافق حديث ابن عمر وحذيفة، إلاّ في تقدم الطائفة الثانية في قضاء ركعة وذهابهم إلى مقام أولئك مستقبلي العدو، ثم مجيء الطائفة الأولى إلى مقامهم فقضوا ركعة، وحديث ابن عمر وحذيفة فيهما قيام الطائفتين يقضون لأنفسهم، وظاهره: أنهم قاموا جملة وقضوا ركعة ركعة وحدانا.
وقد رواه جماعة، عن خصيف، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، وزادوا فيه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر وكبر الصفان معه جميعاً. وقد خرجه كذلك الإمام أحمد وأبو داود.
وزاد الإمام أحمد: ( وهم في صلاة كلهم ) واختلف العلماء في صلاة الخوف على الصفة المذكورة في حديث ابن عمر وما وافقه، فذهب الأكثرون إلى أنها جائزة وحسنة، وإن كان غيرها أفضل منها، هذا قول الشافعي -في أصح قوليه - وأحمد وإسحاق وغيرهم.
وقالت طائفة: هي غير جائزة على هذه الصفة، لكثرة ما فيها من الأعمال المباينة للصلاة من استدبار القبلة والمشي الكثير، والتخلف عن الإمام، وادعوا أنها منسوخة، وهو أحد القولين للشافعي، ودعوى النسخ هاهنا لا دليل عليها. وقالت طائفة: هي جائزة كغيرها من أنواع صلاة الخوف الواردة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا فضل لبعضها على بعض، وهو قول إسحاق: نقله عن ابن منصور ونقل حرب، عن إسحاق، أن حديث ابن عمر وابن مسعود يعمل به إذا كان العدو في غير جهة القبلة وكذلك حكى بعض أصحاب سفيان كلام سفيان في العمل بحديث ابن عمر على ذلك، وقالت طائفة: هي أفضل انواع صلاة الخوف، هذا قول النخعي، وأهل الكوفة وأبي حنيفة وأصحابه، ورواية عن سفيان، وحكي عن الأوزاعي وأشهب المالكي وروى نافع، أن ابن عمر كان يعلم الناس صلاة الخوف على هذا الوجه. وحكي عن الحسن بن صالح، أنه ذهب إلى حديث ابن مسعود، وفيه: أن الطائفة الثانية تصلي مع الإمام الركعة الثانية، ثم إذا سلم قضت ركعة، ثم ذهبت إلى مكان الطائفة الأولى، ثم قضت الطائفة الأولى ركعة، ثم يسلم وقد قيل: إن هذا هو قول أشهب، وحكى ابن عبد البر، عن أحمد، أنه ذهب إلى هذا -أيضا.
وقال بعض أصحابنا: هو أحسن من الصلاة على حديث ابن عمر، لأن صلاة الطائفة الثانية خلت عن مفسد بالكلية.
وحكي عن أبي يوسف ومحمد والحسن بن زياد والمزني: أن صلاة الخوف لا تجوز بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لظاهر قول الله تعالى: (( وَإذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ )) الآية. قالوا: وإنما يصلي الناس صلاة الخوف بعده بإمامين، كل إمام يصلي بطائفة صلاة تامة، ويسلم بهم.
وهذا مردود بإجماع الصحابة على صلاتها في حروبهم بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد صلاها بعده: علي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الاشعري، مع حضور غيرهم من الصحابة، ولم ينكره أحد منهم، وكان ابن عمر وغيره يعلمون الناس صلاة الخوف، وجابر، وابن عباس وغيرهما يروونها للناس تعليما لهم، ولم يقل أحد منهم: أن ذلك من خصائص النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخطابه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يمنع مشاركة أمته له في الأحكام، كما في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ )) وقوله: (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِم )) وحكي عن مالك، أنها تجوز في السفر دون الحضر، وهو قول عبد الملك بن الماجشون من أصحابه، ويحتج له بحمل آية القصر على صلاة الخوف، وخرجه الإمام أحمد من رواية ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: غزا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ست مرار قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف في السابعة.
وقد تقدم في حديث أبي عياش، أن أول صلاة الخوف كانت بعسفان، وعلى المشركين خالد،
وقد روى الواقدي بإسناد له، عن خالد بن الوليد، أن ذلك كان في مخرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عمرة الحديبية، وقد تقدم أن أبا موسى صلى بأصبهان هذه الصلاة، ولم يكن هناك كبير خوف، وإنما صلى بهم ليعلمهم سنة صلاة الخوف، وهذا قد يحمل على أنه كان ثم خوف يبيح هذه الصلاة، ولم يكن وجد خوف شديد يبيح الصلاة بالإيماء.
وقد قال أصحابنا وأصحاب الشافعي: لو صلى صلاة الخوف على ما في حديث ابن عمر في غير خوف لم تصح صلاة المأمومين كلهم، لإتيانهم بما لا تصح معه الصلاة في غير حالة الخوف من المشي والتخلف عن الإمام، فأما الإمام فلأصحابنا في صلاته وجهان، بناء على أن الإمام إذا بطلت صلاة من خلفه، فهل تبطل صلاته لنيته الإمامة وهو منفرد، أو يتمها منفردا وتصح؟ وفيه وجهان للأصحاب ".
الشيخ : أحسنت، الخلاصة أن ظاهر حديث ابن عمر رضي الله عنه أن الطائفة الأولى انصرفوا على صلاتهم، بقوا على صلاتهم، وفي هذه الحال يلزم المشي الكثير والاتجاه إلى غير القبلة، لكن قد يقال إن هذا للضرورة وأن صلاة الخوف ليست كغيرها.
فوائد حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف .
وفي هذه الصفة فيها تطويل الركعة الثانية في القراءة أطول من الأولى، ولهذا استثناها الفقهاء رحمهم الله وقالوا إن المشروع في الصلاة أن تكون الركعة الثانية أقصر من الركعة الأولى، إلا إذا كان الشيء يسيرا مثل الجمعة والمنافقين وسبح والغاشية أو إذا كان في صلاة الخوف، فإذا كان في صلاة الخوف فإن الإمام سيطيل الركعة الثانية انتظارا لمن؟ للطائفة التي كانت تحرس.
واستدل العلماء رحمهم الله بمشروعية صلاة الخوف على هذا الوجه استدلوا بذلك على أن صلاة الجماعة واجبة، وأنها واجبة على الاعيان وأنها ليست بفرض الكفاية، لأنه لو كانت فرض كفاية لكانت تسقط عن الآخرين، وهذا هو الصواب أن صلاة الجماعة فرض على الأعيان، وأنها لا تسقط بفعل البعض، ولكن هل يجب أن تكون في المساجد أو لا ؟ المشهور عند فقهاء الحنابلة رحمهم الله أنه لا يجب أن تكون في المساجد، فلو صلوا في جماعة ولو في بيت قرب المسجد، ولكن هذا قول ضعيف، والصواب أنه يجب أن تكون صلاة الجماعة في المساجد، ولا يجوز التخلف عنها إلا لعذر شرعي كالمطر والوحل والبعد وما أشبه ذلك.
باب : صلاة الخوف رجالاً وركباناً ، راجل قائم .
فقد قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : كتاب صلاة الخوف :
باب صلاة الخوف رجالاً وركباناً ، راجل قائم.
حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي قال حدثني أبي قال حدثنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر نحواً من قول مجاهد إذا اختلطوا قياماً وزاد ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قياماً وركباناً )
الشيخ : نعم، صلاة الخوف رجالا يعني راجلين، يمشون على أرجلهم، ركبانا أي راكبين، فإذا اشتد الخوف صلوا رجالا وركبانا سواء كانوا ... أو قائمين على حسب ما تقتضيه الحال، وهذا قد ذكره الله عز وجل في كتابه حيث قال : (( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا )).
7 - حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي قال حدثني أبي قال حدثنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر نحواً من قول مجاهد إذا اختلطوا قياماً وزاد ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ( وإن كانوا أكثر من ذلك فليصلوا قياماً وركباناً ) أستمع حفظ
باب : يحرس بعضهم بعضاً في صلاة الخوف .
حدثنا حيوة بن شريح قال حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ( قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه فكبر وكبروا معه وركع وركع ناس منهم معه ثم سجد وسجدوا معه ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضهم بعضاً )
الشيخ : هذه أيضا من الصفات أنهم ينصرفون وهم على صلاتهم فيحرس بعضهم بعضا.
9 - حدثنا حيوة بن شريح قال حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ( قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه فكبر وكبروا معه وركع وركع ناس منهم معه ثم سجد وسجدوا معه ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه والناس كلهم في صلاة ولكن يحرس بعضهم بعضاً ) أستمع حفظ
باب : الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو . وقال الأوزاعي : إن كان تهيأ الفتح ، ولم يقدروا على الصلاة ، صلوا إيماء كل امرئ لنفسه ، فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة ، حتى ينكشف القتال أو يأمنوا ، فيصلوا ركعتين ، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين ، لا يجزئهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا . وبه قال مكحول . وقال أنس : حضرت عن مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر - واشتد اشتعال القتال - فلم يقدروا على الصلاة ، فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار ، فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا ، وقال أنس : وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها .
وقال الأوزاعي : ( إن كان تهيأ الفتح ، ولم يقدروا على الصلاة ، صلوا إيماء كل امرئ لنفسه ، فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة ، حتى ينكشف القتال أو يأمنوا ، فيصلوا ركعتين ، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين ، لا يجزئهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا )، وبه قال مكحول.
وقال أنس : ( حضرت عند مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر - واشتد اشتعال القتال - فلم يقدروا على الصلاة ، فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار ، فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا ) ، وقال أنس : ( وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها ).
الشيخ : الله أكبر، هذه المسألة مما اختلف فيها العلماء: إذا اشتد القتال وكان الناس لا يستطيعون أن يؤدوا الصلاة على أي وجه لشدة القتال يعني التحم الناس، فهل لهم أن يؤخروها إلى الوقت يعني إلى أن يأمنوا أو لا؟ أكثر العلماء يقولون لا، يصلون ولو كل واحد وحده ولا يؤخرونها، ومن العلماء من قال إنه لا بأس أن تؤخر عن الوقت، وهذا في غير التي تجمع إلى ما بعدها، أم التي تجمع إلى ما بعدها فلا إشكال فيها، لأنهم يؤخرون الأولى إلى الثانية لكن في غير ما يجمع كصلاة العصر مثلا وصلاة الفجر وصلاة العشاء، والصحيح أن لهم أن يؤخروها لأنهم إذا صلوا وقد زاغت الأبصار وقد بلغت القلوب الحناجر فكيف يمكن أن يتصور الصلاة، والإنسان ما دام في عافية ما يتصور الحال، لكن إذا وقعت وكانت المجازر يشاهد الرجال أمامه بالسلاح الأبيض لا يمكن أن يتصور الصلاة فله أن يؤخرها للضرورة، وهذا القول هو الراجح ما دام لا يمكن إطلاقا، أما إذا كان يمكن فلا يجوز، وانظر إلى القصة قصة مناهضة حصن تستر، اشتد اشتعال القتال فلم نقدر على الصلاة ولم يصلوا إلا بعد ارتفاع النهار، فصليناها ونحن مع ابي موسى الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح لنا قال أنس : " وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها " يعني لو أعطيت الدنيا وما فيها عوضا عن هذه الصلاة ما سرتني مع أنها مؤخرة عن وقتها، لكن مؤخرة لأجل إيش؟ لأجل الضرورة والجهاد في سبيل الله.
نقرأ ابن رجب على هذا.
القارئ : أقول كلاما يسيرا جدا.
الشيخ : يسير؟ سبحان الله.
القارئ : لما ذكره قال.
الشيخ : باب الصلاة.
القارئ : أول الباب ؟
الشيخ : إي الترجمة.
10 - باب : الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو . وقال الأوزاعي : إن كان تهيأ الفتح ، ولم يقدروا على الصلاة ، صلوا إيماء كل امرئ لنفسه ، فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة ، حتى ينكشف القتال أو يأمنوا ، فيصلوا ركعتين ، فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين ، لا يجزئهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا . وبه قال مكحول . وقال أنس : حضرت عن مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر - واشتد اشتعال القتال - فلم يقدروا على الصلاة ، فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار ، فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا ، وقال أنس : وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها . أستمع حفظ
قراءة من الشرح
القارئ : " باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو، ثم ذكر الحديث قال: إنما يقول مكحول بتأخير الصلاة ".
الشيخ : وقال الأوزاعي.
القارئ : قرأناه يا شيخ.
الشيخ : يعني ما جاب زيادة.
القارئ : لا بقرأ الشرح أنا الآن.
" إنما يقول مكحول بتأخير الصلاة للمطلوب دون الطالب، قال الفزاري، عن يزيد بن السمط، عن مكحول، قال: إذا حضر القتال فلزم بعضهم بعضا، لم يطيقوا أن يصلوا، أخروا الصلاة حتى يصلوا على الأرض، وقال: صلاة الطالب: أن ينزل فيصلي، فيؤثر صلاته على ما سواها، وصلاة الهارب: أن يصلي حيث كان ركعة.
قال أبو إسحاق، وقال الأوزاعي: الصلاة حيث وجهوا على كل حال، لأن الحديث جاء أن القصر لا يرفع ما دام الطلب، وصلاة الخوف: أن يصلي القوم كما صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن كان خوف أكثر من ذلك صلوا فرادى، مستقبلي القبلة، يركعون ويسجدون، فإن كان خوف أكثر من ذلك أخروا الصلاة حتى يقدروا، فيقضوها.
قال: وقال الأوزاعي: إن ثلموا في الحصن ثلمة، وحضرت الصلاة فإن قدروا أن يصلوا جلوسا أو يومئون إيماءً أو يتعاقبون فعلوا وإلاّ أخروا الصلاة وإن خافوا إن صلّوا أن يغلبوا عليهِ، وقد طمعوا في فتحه، صلوا حيث كانت وجوههم، ويتمموا إن خافوا.
وقد تضمن ما حكاه البخاري عن الأوزاعي مسائل، منها: أن الطالب يصلي صلاة شدة الخوف راكبا وماشيا كالمطلوب، وهو رواية عن أحمد، وقال إسحاق - فيما نقله عن حرب -: يصلي بالأرض ويومىء إيماءً، وفي صلاة الطالب ماشيا بالإيماء حديث خرجه أبو داود من حديث عبد الله بن أنيس، وهو مما تفرد به ابن إسحاق، وذهب الجمهور إلى أن الطالب لا يصلي إلاّ بالأرض صلاة الأمن، إلاّ أن يخاف، منهم: الحسن ومكحول ومالك والثوري والشافعي وأحمد في رواية عنه ".