كتاب الاستئذان .
قال البخاري رحمه الله تعالى: كتاب الاستئذان.
باب : بدأ السلام .
مقدمة في تعريف الإستئذان و بيان مشروعيته .
الاستئذان طلب الإذن، والمراد أن يستأذن الإنسان في الدخول إلى بيت غيره، بل أحيانا في الدخول إلى بيته.
وبدأ المؤلف بالسلام، لأن السلام استئذان (( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ))، وعندي نسخة باب بدوِ السلام بالواو، وهذا إما من باب التخفيف لأنه ما يصلح من باب بدا يبدو لأن بدا يبدو مصدرها بدوا، كغدا يغدو، لكن الظاهر أنها من باب التخفيف.
حدثنا يحيى بن جعفر قال : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن .
4 - حدثنا يحيى بن جعفر قال : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن . أستمع حفظ
فوائد حديث : ( ... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن )
وقد اختلف الناس في قوله : ( خلق الله آدم على صورته ) فمنهم من طعن في الحديث ورده، وقال هذا خبر آحاد مخالف للقرآن فلا عبرة به، وذلك أنهم توهموا أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( خلق الله آدم على صورته ) أن ذلك يستلزم التمثيل، فإذا لزم من ذلك التمثيل صار معارضا لقوله تعالى : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) ولغيره من النصوص الدالة على أن الله لا مماثل.
ومعلوم أن من كان هذا شأنه فإنه باطل لكن الشأن كل الشأن هل الحديث يدل على ما توهموه ؟
هذا هو موضع الخلاف، إنما هؤلاء ظنوا أن الحديث يستلزم التمثيل، والتمثيل معارض لصريح القرآن ولما يقتضيه العقل فوجب رده، وقالوا هذا خطأ من الناقل.
ومنهم من قال إن الحديث صحيح ولكن معناه أن الله خلق آدم على صورته على الوجه المذكور ( طوله ستون ذراعا ) فجعلوا هذه الجملة مبينة للصورة المبهمة أو المجملة في قوله : ( خلق آدم على صورته ) يعني خلقه على هذه الصورة، فتكون جملة : ( طوله ستون ذراعا ) مبينة للمجمل في قوله : ( صورته ) وعلى هذا فيكون الضمير عائدا على آدم باعتبار أن طوله ستون ذراعا، وعلى هذا لا يكون الكلام تحصيل حاصل، لأن من أهل العلم من رد القول بأن الضمير يعود على آدم بأنه تحصيل حاصل، ( خلق آدم على صورته ) كل شيء مخلوق على صورته، حتى الكلب مخلوق على صورته، والذباب مخلوق على صورته، لكن إذا قيل : إن الصورة مجملة بينت بقوله: ( طوله ستون ذراعا ) زال الإشكال وصار للإضافة معنى.
القول الثاني : ( إن الله خلق آدم على صورته ) أي : على صورة الرّب عز وجل، بمعنى أنه على صورة اختارها، أحسن الصور (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ))، (( لقد خلقنا الإنسان في كبد )) أي في علو ، لأن الكبد من الأرض الشيء العالي على أحد التفسيرات، فيكون على صورته أي صورة الله ، والإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، كما قال : ناقة الله، وبيت الله، ومسجد الله، وما أشبه ذلك، مع أن الناقة والبيت والمسجد مخلوق ؟ مخلوق لكن أضافه إلى نفسه تشريفا وتعظيما، فكأنه أضاف الله هذه الصورة صورة آدم إلى نفسه تشريفا وتعظيما بدليل أنه جاء في هذا الحديث أنه نهى أن يضرب الوجه وأن يُقبَّح، لأنه إذا ضرب عيب حسا، وإذا قبح عيب معنى، وشيء اختصه الله وصوره على ما تقتضيه حكمته لا ينبغي أن يقبح ولا ينبغي أن يضرب فيحلقه العيب حسا أو معنى.
كم هذا ؟ ثلاثة أوجه، أو ثلاثة أقوال.
القول الرابع : أن الله خلق آدم على صورة الرب عز وجل التي هي صورة الله وصفة الله، ولكن لا يلزم من كونه على صورته أن يكون مماثلا له، فإن الشيء قد يكون على صورة الشيء من حيث الجملة لا من حيث التفصيل، وضربوا لذلك مثلا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر : ( أن أول زمرة تدخل الجنة وجوههم على صورة القمر ) ، ومعلوم أنهم لم يماثلوا القمر من كل وجه، فالقمر ما فيه أنف ولا فيه أعين ولا فيه فم، وهم فيهم هذا الشيء، لكن على صورة القمر من حيث الجملة، وحينئذ نأخذ بظاهر الحديث ونأخذ بالنفي في قوله : (( ليس كمثله شيء )) فنقول آدم على صورة الله بدون مماثلة، ونكون عملنا بالنصوص كلها، وهذا كما ترون قوي جدا.
يبقى النظر ما محل الجملة وهي قوله : ( طوله ستون ذراعا ) مما قبلها ؟
نقول : محلها استئنافية لا للبيان، ولكنها لإيجاد معنى مستقل عن الصورة، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورته، ثم بين أن طوله ستون ذراعا.
وطول آدم ستون ذراعا ثبت في الصحيحين وغيرهما، ولكن ما العرض ؟ جاء في السنن عرضه سبعة أذرع.
وأهل الجنة يدخلون الجنة على هذه الصورة طولهم ستون ذراعا وعرض الواحد منهم سبعة أذرع، وهذا لا يستنكر ولا يستغرب إذا كان الناس كلهم على هذا السّواء يكون في استنكار أو لا ؟ ما فيه، بل لو كانوا أقل من ذلك أو أعلى لاستنكر واستغرب ونفر منه، ولذلك لو أن الله خلقنا على النصف مما نحن عليه الآن يستغرب أو لا؟ لا يستغرب، لكن لو يجي الآن واحد من الناس بالغ كبير على النصف منا استغربناه، فالمهم لا غرابة أن يكون الناس يوم القيامة يدخلون الجنة على هذه الصورة.
والشاهد من هذا الحديث أن الله قال له : ( اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال : السلام عليكم، قالوا : السلام عليك ورحمة الله، فزادوا : ورحمة الله ).
يستفاد من هذا الحديث أنك إذا سلمت على جماعة تقول : السلام عليكم بالجمع، وإذا ردوا عليك وأنت واحد يقولون : عليك السلام بالإفراد، ويجوز الجمع، وإذا سلمت على واحد تقول : السلام عليك، ويجوز أن تجمع فتقول : السلام عليكم.
شف الحديث عندك في الرد ؟
القارئ : كل الحديث.
الشيخ : لا بس في الرد، فقالوا السلام عليك ورحمة الله ... النسخة إذا كان عليك السلام فهي الأصح إيش يقول؟
5 - فوائد حديث : ( ... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ) أستمع حفظ
قراءة من شرح صحيح البخاري لابن حجر .
واسْتُدل برواية الأكثر لمن يقول يجزئ في الرد أن يقع باللفظ الذي يبتدأ به كما تقدم، قيل ويكفي أيضا الرد بلفظ الإفراد، وسيأتي البحث في ذلك في باب من رد فقال : عليك السلام.
هل في الحديث دليل على أن الواحد إذا سلم يلزم أن يرد عليه بـ : وعليك السلام ؟
الشيخ : ما هو لازم، هذا الواحد يسلم يقول السلام عليكم ورحمة الله وإن لم يكن معه إلا واحد في الصلاة.
السائل : .... .
العلماء ذكروا أنه يجوز الوجهان، وأظن فيها روايه في هذا، ما أتاكد أنها في الصحيحين لكن في غير الصحيحين فيها رواية جاءت.
وأولوا ذلك بأنه رد عليه وعلى من معه من الملائكة.
هل في الحديث دليل على أن الملائكة يتكلمون باللغة العربية ؟
الشيخ : لا، ما فيه دليل، كل ما نقل في القرآن والسنة من غير العرب فهو مترجم.
السائل : .... ؟
الشيخ : ما ندري لا نجزم لا بهذا ولا بهذا.
ما هو الراجح في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( خلق الله آدم على صورته) ؟
الشيخ : ... رجحنا وبينا وجه الرجحان، راجع الشريط.
هل ورد دليل في تحديد طول وعرض أهل النار ؟
الشيخ : أهل النار ورد فيهم أشد من هذا، أن ضرس الواحد منهم مثل أحد، نعوذ بالله، والحكمة من ذلك لأجل أن يتوسع عليهم العذاب، بدل ما يكون في كُتلة صغيرة يكون في كتلة كبيرة، ويتمدد عذابهم، نسأل الله العافية.
طيب، وفي قوله : ( فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ) الظاهر أنه بعد الآن لا ينقص، لأن هذه الأمة هي آخر الأمم، وعلى هذا فلا يمكن أن نقول الصحابة عندهم طول شاهق أطول منا بل هم من جنسنا، ومع ذلك فإن الناس يختلفون بحسب البيئة، فتجد مثلا قوم من الناس كبار الأجسام، وقوم من الناس صغار الأجسام لا باعتبار الأفراد باعبتار الأمة كلها، وهذا والله أعلم يرجع إلى الأب الأول لهؤلاء أو لطبيعة المكان الذي هم فيه.
باب : قول الله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم، ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ماتبدون وما تكتمون )) . وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن؟ قال: اصرف بصرك عنهن، يقول الله عز وجل : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم )) . قال قتادة : عما لا يحل لهم . (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن )) . (( خآئنة الأعين )) : من النظر إلى ما نهي عنه .
وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن؟ قال: اصرف بصرك عنهن، يقول الله عز وجل : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم )) قال قتادة : عما لا يحل لهم . (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ))، (( خآئنة الأعين )) : من النظر إلى ما نُهي عنه.
وقال الزهري : في النظر إلى التي لم تحض من النساء: لا يصلح النظر إلى شيء منهن، ممن يشتهى النظر إليه، وإن كانت صغيرة.
وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري .
11 - باب : قول الله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم، ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ماتبدون وما تكتمون )) . وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن؟ قال: اصرف بصرك عنهن، يقول الله عز وجل : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم )) . قال قتادة : عما لا يحل لهم . (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن )) . (( خآئنة الأعين )) : من النظر إلى ما نهي عنه . أستمع حفظ
شرح الشيخ لمعنى الترجمة : ( باب : قول الله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ... )
ولكن القراءة التي ساقها المؤلف أعم من القراءة التي فيها : حتى تستأذنوا، وذلك لأن الاستئناس قد يكون بالإذن وقد يكون بغير الإذن، قد يكون الاستئناس بخبر مسبَّق بين الداخل وصاحب البيت، مثل أن يقول له ائتني بالسّاعة الفلانية تجد الباب مفتوحا، فهنا إذا أتاه يدخل أو يستأذن ؟ يدخل وإن لم يستأذن، لأنه مستأنس، فالتلاوة : (( حتى تستأنسوا )) أعم.
وقوله : (( وتسلموا على أهلها )) يعني قبل الدخول، لأنه قال : لا تدخلوا حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها، فتقول مثلا تقرع الباب وتقول السلام عليكم، ويمكن أن نقول لا بأس أن تدخل وتسلم قبل أن تصل إلى المجلس مجلس المقر.
وقوله : (( ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون )) ذلكم أي عدم الدخول إلا باستئناس وتسليم خير لنا، من أي ناحية ؟ مطلق، ما قال في الدين ولا في الدنيا فيكون عاما، فهو خير في الدين لئلا تطّلع على عورات الناس، وخير في الدنيا لئلا تتهم فيما لو دخلت بدون استئذان، تتهم في عرضك، وتتهم في أمانتك، ربما تتهم في عرضك ويقال هذا دخل يا مهند هذا دخل بغير استئذان يريد غرة أهل البيت حتى يفجر بهم، أو يريد غرتهم حتى يسرق مالهم، فهو خير لنا في الدين وفي الدنيا.
وقوله : (( لعلكم تذكرون )) هذا تعليل للأمر ... باب قول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون )) انتهينا إلى هنا.
قال : (( فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم )) إن لم تجدوا في البيوت أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، من الذي يأذن لهم إذا لم يكن فيها أحد ؟ يعني يؤذن لكم من قبل بحيث يقول لك فلان اذهب إلى بيتي وائتني بكذا، فهنا قد أذن له.
(( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا )) يعني لو استأذنت على شخص في وقت غير مناسب فقال لك ارجع فارجع، لكن ما أكبر هذه الكلمة عند بعض الناس، أن تقول له ارجع، يظن أن في ذلك إهانة له وغضاضة عليه، ولكن استمع : (( هو أزكى لكم )) الله أكبر، شف جبر هذا، لما كان الإنسان قد يتوهم النقص على نفسه في قول صاحب البيت ارجع جبر الله هذا الوهم فقال : (( هو أزكى لكم ))، نعم (( فارجعوا هو أزكى لكم ))، هل أحد من الناس لا يريد الأزكى ؟ (( قد أفلح من زكاها )) كل واحد من الناس يحب أن يكون زكيا، فإذا قال لك صاحب البيت ارجع والله أنا مشغول، طبعا نفسك تنكسر وتظن أن الرجل أهانك، فإذا تذكرت الآية، (( هو أزكى لكم )) برد عليك ما احتمى في نفسك، وقلت الحمد لله ما دام هذا أزكى لي فأنا لا أريد إلا الزكاة.
(( هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم )) كل ما نعمل من أعمال القلوب وأعمال اللسان وأعمال الجوارح الظاهرة والخفية، من أين أخذنا هذه العمومات الخمسة ؟ من " ما " الاسم الموصول فإن ما الاسم الموصول يفيد العموم، كل ما نعمل بقلوبنا أو ألستنا أو جوارحنا ظاهرا للناس أو خفيا عنه فالله عليم به.
وهنا إشكال في الآية وهو : أنه من المقرر أن تقديم المعمول يفيد الحصر، والمعمول هنا مقدم، أين هنا ؟ بما تعملون، والعامل مؤخر وهو عليم، لأن الأصل : والله عليم بما تعملون، وإذا كان يفيد الحصر فإنه مشكل، يعني انحصر علم الله بما نعمل فقط.
ولكن مر علينا الجواب على هذا بأن المقصود بهذا الحصر التهديد، تهديد مَنْ ؟ تهديد المخاطب، يعني لو خفيَ على الله وحاشاه أن يخفى عليه شيء من الأشياء لكان علمه بعملك فالحصر هنا فائدته التهديد لا الاقتصار أو القصر، التهديد لا القصر، لأن الإنسان إذا علم هذا الشيء لا شك أنه يخشى الله عزّ وجل.
ثم قال : (( ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم )) لأن هذا الدخول ليش ؟ لحاجة، بيوت غير مسكونة فيها متاع، كالمخازن والمستودعات وما أشبهها، فليس علينا جناح أن ندخل بدون استئذان ولا سلام، لأنها ليست مسكونة ولنا فيها مصلحة، أما إن كانت غير مسكونة وليس لنا فيها مصلحة فلا ندخل حتى يؤذن لنا.
وفي الآية من حماية الأموال ما هو ظاهر معلوم، ألا يتجرأ الإنسان على شيء لغيره حتى البيوت التي ما فيها أحد لا تدخلها حتى يؤذن لك.
قال : ((والله يعلم ما تبدون وما تكتمون )) كل ما نبدي وما نكتم فالله عالم به، وختم هذه الآيات بهذا العلم المحيط فيه الإشارة البالغة إلى أنه يجب على الإنسان أن يخشى الله، وأن لا يقول والله ما حولي أحد أبي أدخل البيت، ما حولي أحد، نقول إذا لم يكن حولك أحد ففوقك الواحد الأحد عزّ وجل، يعلم كل شيء فاحذر.
وأما أثر سعيد بن أبي الحسن في نساء العجم ففيه دليل على أن الإنسان إذا رأى المنكر في أمر لا بد له منه، فإن عليه أن يصلح نفسه، يصرف بصره.
وهذا الأثر ينطبق على حالتنا اليوم، في بعض البلاد تدخل السوق تجد ما تكره.
من نساء العجم، والمراد بالعجم ما سوى العرب، يدخل به مثلا الأمريكان والإنجليز والفرنسيين وغيرهم، في بلاد المسلمين الآن من هؤلاء النساء ما يظهر المنكر العظيم الذي لا يقرّه الإسلام بل ولا العقل، فماذا تصنع ؟ هل تقول أترك حاجتي في السوق، أترك دكاني، أترك شراء متاعي، أترك العبور إلى المساجد لأنّ في الأسواق هذه المناكر؟
الجواب : لا، أنا إذا رأيت هذا الشيء الذي لا أطيقه لا أطيق تغييره عليّ بخاصة نفسي أن أصرف بصري، لا أنظر.
طيب، إذا قال قائل : صرفت بصري عن الذي أمامي لكن الذي عن يميني ؟ نقول اصرف لليسار، قال : اليسار فيه أحد ؟ انظر إلى الأرض، هذا من صرف البصر، ولك الأولى وليست لك الثانية، يعني لو بغتك أحد من النساء في هذه الحال ليس عليك إثم لكن لا تعد النظر.
كذلك أيضا قال الله : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم )) قرن حفظ الفرج بغض البصر حكمته واضحة، لأن إطلاق البصر سبب لهتك الفرج، وعدم حفظه، فإن بريد الزنا النظر، بريد موصل إلى الزنا والعياذ بالله.
وسواء كان النظر إلى المرأة مباشرة أو إلى امرأة مصورة، لأن تصوير النساء أيضا فتنة عظيمة، ربما يتأمل الإنسان في هذه المرأة المصورة ويطلب الوصول إليها بأي وسيلة.
وبهذا نعرف خطأ ما يسلكه بعض الناس الذي يخطب امرأة يقول لأهلها أروني الصورة، هذا حرام ما يجوز، لماذا ؟ لأن الصورة تبقى مع الرجل ... ثم إن الصورة لا تعطي الحقيقة، أليس كذلك ؟ كم إنسان نرى صورته نقول ما شاء الله ما أجمله، وإذا قابلته وإذا هو أشوه ممن هو دونه، وكم من إنسان بالعكس تعرف الرجل وتظهر صورته تقول سبحان الله ما هو هذا الرجل، تجدها متشوهة، يمكن المرأة المخطوبة هذه التي تعطى الرجل صورتها تذهب تتمكيج وتكتحل وتتورس وتنفخ أشداقها ثم تصور نفسها، وبعدين يأخذها الرجل يغتر بها.
فالمهم أن النظر للصورة لا يفيد وهو خطر جدا أن تبقى نساء المؤمنين كالسلع كل واحد يعرضها، إي نعم ... يقول : قال قتادة : " عما لا يحل لهم "، يغضوا من أبصارهم عما لا يحل لهم، وأما ما يحل لهم فلا يلزمهم أن يغضوا البصر عنه، كنظر الرجل إلى مخطوبته، ونظر الطبيب إلى المرأة عند الحاجة، وغير ذلك مما ذكره أهل العلم.
كذلك أيضا (( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن )) نقول فيها ما قلنا في الرجال، و " مِن " في الموضعين، من أبصارهم ومن أبصارهن لأيش ؟ للتبعيض، لأنه ليس كل بصر يجب أن يغض ولكن غض الرجل عن المرأة أشد يعني أضيق، يجب أن يغض البصر عن النساء، أما النساء فلا يجب عليهن أن يغضضن أبصارهن عن الرجال، إذا لم يكن ذلك عن تمتع أو تلذذ، فالمرأة لها أن تنظر إلى الرجل بشرط أن لا يكون ذلك لتمتع أو تلذذ، والفرق بين التمتع والتلذذ أن التمتع أن الإنسان يستأنس بما يرى يستأنس كما لو تمتع بالنظر إلى الأشجار وإلى الأنهار وإلى الجبال وما أشبه ذلك.
وأما التلذذ فهو تلذذ الشهوة الذي تتحرك به شهوتها، فلا يجوز للمرأة أن تنظر للرجل لا نظر تمتع ولا نظر تلذذ.
أما فيما عدا ذلك فيجوز، والدليل على هذا أن الله قال : (( من أبصارهن )) ومِن للتبعيض، والبعض مبهم أو مبيّن ؟ كل بعض فهو مبهم، لو قلت : وهبتك بعض هذا البيت، كم ؟ مبهم، ما ندري نصفه، ثلثه، ربعه، عشره.
فمِن أبصارهن مبهم ما ندري ما الذي يجب غضه، ولكن السّنة إيش ؟ السنة بيّنت ذلك.
ولهذا يحتج علينا بعض الناس ويقول : إذا منعتم من رؤية الرجل وجه المرأة، فامنعوا المرأة من رؤية وجه الرجل، لأن صيغة الأمر في الآية واحدة ؟
والحقيقة أن هذا لا شك أنه حجة، يعني له أن يقول هذا، أما أن نفرق بين الصيغتين بلا دليل فهذا تحكم، لكن نقول لدينا أدلة تدل على وجوب ستر وجه المرأة منفصلة عن الآية مبينة للتبعيض المبهم في الآية.
أما الآية الثانية في النساء فلدينا أيضا أدلة تبين المبهم، ففي حديث فاطمة بنت قيس الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ) ومعلوم أنها لا يريد أن تضع ثيابها كلها حتى تبقى عريانة لكن تضعين الثياب التي يجب أن تلبسيها عند الرجال، ولهذا كانت في الأول تريد أن تعتد في بيت أم هانئ فقال : ( تلك امرأة يخشاها أصحابي ) يعني يدخلون عليها كثيرا، ( اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ).
وكان عليه الصلاة والسلام يستر عائشة وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، وهو رجال أو غير رجال ؟ رجال، ولو كان نظر المرأة إلى الرجل محرما ما أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي أعف نساء العالمين أن تنظر إلى هؤلاء.
قال أهل العلم أيضا : ولو كان يحرم عليها النظر إلى الرجل لوجب على الرجل أن يحتجب عنها كما يجب عليها أن تحتجب عن الرجل، فكل واحد منا يخرج إلى السّوق لا بد أن يغطي وجهه بغترة، لأنه يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل، ولا وسيلة لمنع نظرها إلى الرجل إلا بهذا.
على كل حال القول الراجح في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من أن المرأة يجوز لها أن تنظر إلى الرجل لكن بالشرط الذي ذكرت، وهو ألا يكون ذلك مقرونا بتمتع أو تلذذ، فإن كان مقرونا بتمتع أو تلذذ صار حراما.
ولعلكم تذكرون القاعدة التي سبقت لنا، وهي أن كل مباح يمكن أن تجري فيها الأحكام الخمسة، أي أنه يمكن أن يكون واجبا أو حراما أو مسنونا أو مكروها أو الأصل، يمكن أن يكون واجبا أو حراما أو مكروها أو مندوبا، أما هو أصلا مباح، وذلك بحسب بما يكون وسيلة إليه، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
طيب، قال المؤلف رحمه الله : خائنة الأعين النظر إلى ما نهي عنه، فكأنه قال إن خائنة الأعين صفة مضافة إلى الموصوف يعني الأعين الخائنة، والأعين الخائنة هي الناظرة إلى ما يحرم عليها النظر إليه.
وقال بعض أهل العلم : إن معنى خائنة الأعين مسارقة النظر، وهذا أصح، لأن مسارقة النظر هي التي تخفى على الناس، كيف ذلك ؟ لنفرض أن رجلا والعياذ بالله مبتلى ينظر إلى المحرم ولكن الناس ما يدرون يستغفل الناس فإذا غفل نظر، مثلا امرأة بعيدة شوي إلى جانبه وهو يخاطب جلساءه فإذا رأى منهم غفلة التفت بسرعة، هذه خيانة أعين.
أو أحيانا الآن يوجه الأنسان وجهه لشخص وهو ينظر إلى شخص آخر، هذا كثيرا ما يقع، هذا من خيانة الأعين، هذا المعنى أصح أن الله سبحانه وتعالى هددنا بأن لا نخون ولا بالنظر والبصر، لأن الله عز وجل يعلم خائنة الأعين وإن خفيت على الجلساء والحاضرين فإن الله يعلمها، نسأل الله أن يحمينا وإياكم.
12 - شرح الشيخ لمعنى الترجمة : ( باب : قول الله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ... ) أستمع حفظ
وقال الزهري : في النظر إلى التي لم تحض من النساء : لا يصح النظر إلى شيء منهن، ممن يشتهى النظر إليه، وإن كانت صغيرة .
الشيخ : طيب، هذا صحيح، كلام الزهري رحمه الله هو غاية الفقه، أن الحكم منوط بالشهوة فمن تشتهى لا يجوز النظر إليها ولو كانت صغيرة، ومن لا تشتهى ولا تتعلق بها النفس وإن كبرت وقاربت البلوغ فلا حرج من النظر إليها، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإذا وجدنا طفلة نموها ضعيف ولها اثنتا عشرة سنة لكن النفس لا تتعلق بها إطلاقا لصغرها وربما تكون غير ذات جمال فهذا لا يجب عليها أن تحتجب، وربما تكون طفلة لها تسع سنوات لكنها نموها جيد وأعطاها الله تعالى شيئا من الجمال فهذه يجب أن تحتجب لأن النفوس تتعلق بها.
والدليل على هذا أن الله تعالى قال : (( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة )) والقاعدة بالغة أو غير بالغة ؟ بالغة كبيرة، نعم، لا ترجو النكاح لأنها عجوز لا يطلبها أحد، هذه لا بأس أن تضع ثوبها بشرط أيضا أن لا تتبرج بالزينة، فإن كانت عجوز تريد تشوف أحسن الثياب وتلبسه لعل الله يُهيئ لها أحد فهذه ترجو النكاح، لا يجوز أن تفعل، لكن فرضا أن لباسها عادي وهي كبيرة لا ترجو النكاح فليس عليها جناح أن تضع ثيابها كما قال الله عزّ وجل.
إذن نفهم أن العلة في وجوب الحجاب هو الشهوة وتعلق النفس بها، فلا تحدد بتسع.
وقال بعض العلماء بل تحدد بتسع، وأن من بلغت تسعا وجب عليها أن تحتجب كما قلنا إن التمييز معلق بتمام سبع سنين، ومن الناس من يميز قبل ذلك ومن الناس من لا يميز إلا بعد، فقالوا الأولى أن نحدّ شيئا معينا لأن ذلك أضبط، لأن مسألة تعلق النفس بها أيضا أمر غير منضبط، السبب ؟ أن الناس يختلفون، فبعض الناس تتعلق نفسه ولو بالصغيرة التي لا يتعلق بها نفس الآخر، فالناس يختلفون، فإذا ضبطنا المسألة بسنوات معينة محددة، وقلنا النادر لا حكم له، يعني كونه يوجد امرأة تبلغ ثنتي عشرة سنة ولا تتعلق بها النفس هذا أمر نادر فلا عبرة به.
هذا لا شك أنه أقرب إلى الانضباط، والأول أقرب إلى المعنى .
وبناء على ذلك يبقى النظر في نفس الإنسان المعين إذا رأى امرأة لم تبلغ صغيرة لكنها لم تتعلق بها نفسه إطلاقا فهذا قد نقول إنه لا يجب عليك أن تنكر عليها وأن تعرض عنها.
وإذا رأيت من نفسك أن نفسك تتعلق بها ولو كانت دون العاشرة فأنكر عليها وغض بصرك عنها، ما دامت أن المسألة غير منضبطة.
13 - وقال الزهري : في النظر إلى التي لم تحض من النساء : لا يصح النظر إلى شيء منهن، ممن يشتهى النظر إليه، وإن كانت صغيرة . أستمع حفظ
وكره عطاء النظر إلى الجواري الاتي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري .
الشيخ : " وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري ".
قوله : " يبعن بمكة " هذا بيان للواقع، لأن عطاء رحمه الله هو عالم مكة، ولهذا كانت اختياراته في المناسك من أقوى الاختيارات، يعني رأيه في المناسك والحج من أقوى آراء في التابعين.
يقول : " لا ينظر إليهن إلا أن يريد أن يشتري " وبشرط أيضا أن يأمن الفتنة، فإذا كان يريد أن يشتري الجارية وأمن الفتنة فلا بأس أن ينظر.