تتمة شرح الحديث : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب أنه سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة ( التمس لنا غلاماً من غلمانكم يخدمني ) فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل فكنت أسمعه يكثر أن يقول ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال ) فلم أزل أخدمه حتى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفية بنت حيي قد حازها فكنت أراه يحوي وراءه بعباءة أو كساء ثم يردفها وراءه حتى إذا كنا بالصهباء صنع حيساً في نطع ثم أرسلني فدعوت رجالًا فأكلوا وكان ذلك بناءه بها ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد قال ( هذا جبل يحبنا ونحبه ) فلما أشرف على المدينة قال ( اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم )
الشيخ : ثم ذكر هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلّم قال لأبي طلحة: ( التمس لنا غلاما من غلمانكم يخدمني ) ، يعني أنس بن مالك، وقد سبق أن أم سليم جاءت به إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ليخدمه، ولا منافاة فإنه يمكن أن يكون أبو طلحة جاء به ويمكن أيضا أن تكون أم سليم جاءت به من باب التأكيد، أو لم تعلم بأن أبا طلحة فعل ذلك.
الشيخ : وفيه دليل على أنه ينبغي أن يستعيذ الإنسان بهذا الشيء، أن يستعيذ بالله من هذا الشيء ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل ) الهم للمستقبل، والحزَن لإيش؟ السائل : ... . الشيخ : للماضي. والإنسان فيما يسوؤه في زمن بين زمنين، إما زمن لاحق وإما زمن سابق، فالذي يسوؤه في الزمن السابق يُحدث له حزنا، والذي يسوؤه في الزمن المستقبل ويخاف منه يُحدث له هما، فجمع النبي عليه الصلاة والسلام بين الأمرين. وأما العجز والكسل فالعجز هو عدم القدرة، والكسل عدم العزيمة، والإنسان لا يفعل الشيء إلا بأمرين: بعزيمة صادقة وقدرة كاملة، فإن لم يكن لديه عزيمة لم يفعل، وإن كان عنده عزيمة ولكنه عاجز لم يفعل، فجمع النبي صلى الله عليه وسلّم بينهما. طيب العجز يا صامت؟ السائل : العجز ... . الشيخ : ما هو العجز؟ السائل : العجز عدم القدرة. الشيخ : نعم، والكسل؟ السائل : والكسل عدم العزيمة. الشيخ : عدم العزيمة، وءادم ماذا يقول؟ السائل : نعم. الشيخ : أه؟ تقول مثله أو تخالفه؟ تقول مثله، طيب. ثم قال: ( والبخل والجبن ) الجبن شح بالنفس، والبخل شح بالمال. الجبن شح بالنفس، لا يقدم الإنسان على الجهاد مثلا لأن نفسه عنده غالية. والبخل شح بماذا؟ بالمال، شح بالمال، لا يبذل الإنسان شيئا من ماله يخشى أن ينقص ماله. وقوله: ( وضلع الدين وغلبة الرجل ) ضلع الدين يعني غلبة الدين بكثرته حتى يُصيب الإنسان على وجه قوي. وغلبة الرجال هذا الشاهد من الحديث. وفي هذا دليل على أنه ينبغي الحذر من الدين، لأن الدين في الحقيقة رق الحر وذل العزيز، فأنت احرص بقدر ما تستطيع على تجنّب الدين، ولهذا لم يُرشد الرسول صلى الله عليه وسلّم إليه الرجل الذي طلب منه أن يُزوّجه لما قال: ( ماذا تُصدقها؟ ) قال: إزاري، قال: إزاره ما يمكن، إن أصدقتها الإزار بقيت بلا إزار، وإن لم تأخذه يعني وبقي عليك فلا فائدة لها منه، ثم طلب منه أن يلتمس ولو خاتما من حديد فلم يجد، ثم قال ( زوّجتكها بما معك من القرءان ) ، ولا أرشده إلى أن يقترض أو يستدين، لأن القرض أو الدين ذل، ذل لمن؟ أه؟ ذل للعزيز، وأسر للحر الطليق. وإنك لتعجب من بعض الناس يستدين الديون الكثيرة من أجل أن يستزيد من المال، يعني يستدين ديون كثيرة علشان يتكسّب بها، أحيانا تكون النتيجة عكسية، يخسر فتكون الخسارة عليه مضاعفة. تجد بعض الناس أيضا يستدين من أجل أن يصل إلى مستوى الأغنياء، عنده سيارة قد كفته، وقامت بحاجته لكنه قال أنا أريد سيارة فخمة، سيارته التي عنده تساوي عشرين ألف وماشية، قال لا أنا أريد سيارة تساوي ثمانين ألف، ثم يذهب يستدين، هذا سفه. إنسان عنده بيت، عنده فراش للحجرة التي يجلس فيها والحجرة التي ينام فيها، لكن قال لا ما يكفي أبي فراش للصالة وأريد فراش للدرج، نعم، وأريد كذا وكذا من الأشياء التي على مستوى الأغنياء، هذا غلط عظيم وسفه في العقل. اجعل ما تحتاجه على قدر حاجتك فقط وإلا فتصبّر حتى لو قدّر أنك لا تأكل في اليوم إلا مرة واحدة فافعل، ولا تستدن. أي نعم. ولهذا قال: ( ضلع الدين وغلبة الرجال ) الغالب إن غلبة الرجال تأتي من ضلع الدين، لأنه إذا استدان وحلّ الأجل ضيّقوا عليه الرجال، ضيّقوا عليه وغلبوه، ولهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلّم بينهما. يقول وفي هذا الحديث أيضا دليل على مراعاة النبي صلى الله عليه وسلّم لأهله وقيامه بشؤونهم ولهذا يقول: ( كنت أراه يحوّي وراءه بعباءة أو كساء ثم يُردفها وراءه ) يعني يجعل كساء أو عباءة حاوية للمرأة يحجبها من الناس، وأردفها خلفه صلى الله عليه وسلّم. وفيه أيضا دليل على استحباب الوليمة وأنها تكون بالحيس، أتعرفون الحيس؟ الحيس تمر يُخلط مع الدقيق وأحيانا مع الأقط ويكون بسمن، عندنا يخلطونه مع الدقيق لكنهم يطبخون الدقيق أولا بالسمن حتى ينضج ثم يخلطونه بالتمر. إيه نعم. وفيه أيضا، فيه دليل على استحباب الدعوة للوليمة، وأنه يجوز أن يوكّل من يدعو الناس ولو لم يعيّن، ولهذا قال: فدعوت رجالا. السائل : ... وعلى رسول الله.
حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا موسى بن عقبة قال سمعت أم خالد بنت خالد قال ولم أسمع أحداً سمع من النبي صلى الله عليه وسلم غيرها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر
القارئ : حدثنا الحميدي، قال حدثنا سفيان، قال حدثنا موسى بن عقبة، قال: سمعت أم خالد بنت خالد، قال: ولم أسمع أحدا سمع من النبي صلى الله عليه وسلّم غيرها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم ( يتعوّذ من عذاب القبر ) .
حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك عن مصعب كان سعد يأمر بخمس ويذكرهن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بهن ( اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا يعني فتنة الدجال وأعوذ بك من عذاب القبر )
القارئ : وحدثنا ءادم، قال حدثنا شعبة، قال حدثنا عبد الملك، عن مصعب: قال كان سعد، يأمر بخمس، ويذكرهن عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه كان يأمر بهن: ( اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا يعني: فتنة الدجال، وأعوذ بك من عذاب القبر ) .
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا لي إن أهل القبور يعذبون في قبورهم فكذبتهما ولم أنعم أن أصدقهما فخرجتا ودخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له يا رسول الله إن عجوزين وذكرت له فقال ( صدقتا إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم كلها فما رأيته بعد في صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر )
القارئ : وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنه، قالت: دخلت علي عجوزان من عُجُز يهود المدينة، فقالتا لي: إن أهل القبور يعذّبون في قبورهم، فكذّبتهما، ولم أنعم أن أصدّقهما، فخرجتا، ودخل علي النبي صلى الله عليه وسلّم، فقلت: يا رسول الله، إن عجوزين، وذكرت له، فقال: ( صدقتا، إنهم يعذّبون عذابا تسمعه البهائم كلها ) ، فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوّذ من عذاب القبر. الشيخ : الله أكبر.
الشيخ : بسم الله الرحمان الرحيم، سبق لنا في حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما أقبل على المدينة فبدا له أحد قال: ( هذا جبل يحبّنا ونحبه ) ، ففيه دليل على إثبات المحبة من الجماد، وهذه المحبة محبة حقيقية يعني أن هذا الجبل يحب النبي صلى الله عليه وسلّم محبة حقيقية لكنها ليست كمحبة البشر للبشر، لأن المحبة إذا أضيفت إلى شيء اختصت به. وفيه دليل على أن قوله تعالى: (( جِدارًا يُريدُ أَن يَنقَضَّ )) أن هذه إرادة حقيقية أيضا وليست مجازا كما يدّعيه أهل المجاز، بل هي إرادة حقيقية لكن إرادة كل شيء بحسبه. وإنما كنا نحبه لما حصل فيه من البلاء والتمحيص على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم، فإنه كما تعلمون استشهد منهم سبعون رجلا، منهم حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلّم وأسد الله وأسد رسوله رضي الله عنه. وفيه أيضا الدعاء لأهل المدينة في مدّهم وصاعهم، والمراد فيما يُكال قليلا كان أو كثيرا، فأشار إلى القليل بقوله: مد، وإلى الكثير بقوله: صاع، والمراد أن الرسول صلى الله عليه وسلّم دعى لهم بالبركة في طعامهم.
الشيخ : أما هذا الذي الباب الجديد في درس الليلة، فهو التعوّذ من عذاب القبر. عذاب القبر ثابت بالقرءان وبالسنّة وبإجماع المسلمين. أما القرءان فقد قال الله تعالى: (( وَلَو تَرى إِذ يَتَوَفَّى الَّذينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضرِبونَ وُجوهَهُم وَأَدبارَهُم )) ، وقال الله تعالى: (( وَلَو تَرى إِذِ الظّالِمونَ في غَمَراتِ المَوتِ )) يعني سكراته، (( وَالمَلائِكَةُ باسِطو أَيديهِم أَخرِجوا أَنفُسَكُمُ )) طلعوها من أجسادكم لأن أنفس الكفار إذا بشّرت بالعذاب والغضب والعياذ بالله اشمأزت ونكصت وتفرّقت في البدن خوفا وهربا، ولهذا يكون الإنسان شحيحا بها فيُطالب مطالبة (( أَخرِجوا أَنفُسَكُمُ اليَومَ تُجزَونَ عَذابَ الهونِ )) اليوم "أل" هنا للعهد الحضوري، يعني هذا اليوم الذي هو يوم وفاتهم (( تُجزَونَ عَذابَ الهونِ بِما كُنتُم تَقولونَ عَلَى اللَّهِ غَيرَ الحَقِّ وَكُنتُم عَن ءاياتِهِ تَستَكبِرونَ )) . هاتان ءايتان. الأية الثالثة قوله تعالى في ءال فرعون (( النّارُ يُعرَضونَ عَلَيها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَومَ تَقومُ السّاعَةُ أَدخِلوا ءالَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذابِ )) ، فقوله: (( يُعرَضونَ عَلَيها غُدُوًّا وَعَشِيًّا )) واضح أنهم الأن، ويوم تقوم الساعة يدخَلون أشدّ العذاب، نسأل الله العافية. أما السنّة فتكاد تكون متواترة في ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلّم أخبر أصحابه أن الإنسان يُعذّب في قبره إذا سأله منكر بل إذا سأله الملكان عن ربه ودينه فلم يُجِب يُضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لهلك لصعق. وثبت عنه أنه مر بقبرين فقال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ) أي في أمر شاق عليهما، ( أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الأخر فكان لا يستنزه من البول ) . وأمر صلى الله عليه وسلّم أمته أن يتعوّذوا بالله من عذاب القبر. أما الإجماع فإن جميع المسلمين يقولون في صلاتهم: أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، عامتهم وخاصتهم. فإذن يكون عذاب القبر ثابتا بالقرءان والسنّة وإجماع المسلمين.
الشيخ : ولكن هل عذاب القبر على البدن أو على الروح؟ ظاهر النصوص إنه على البدن، (( أَخرِجوا أَنفُسَكُمُ اليَومَ تُجزَونَ )) ولم يقل تُجزى أنفسكم، (( تُجزَونَ عَذابَ الهونِ بِما كُنتُم تَقولونَ عَلَى اللَّهِ )) ، (( النّارُ يُعرَضونَ عَلَيها غُدُوًّا وَعَشِيًّا )) يعرضون هم دون أنفسهم. فظاهر النصوص أن العذاب على البدن، والروح ستتألّم بذلك، ولكن هذا العذاب الذي ينال البدن لا يظهر أثره ظهورا حسيا كما في الدنيا، يعني مثلا لا نرى عليه أثر الضرب بالمرزبة أو أثر الضيق حتى تختلف أضلاعه، ما نرى هذا لأن عذاب القبر عذاب غيبي ليس كعذاب الدنيا، كما أن نعيم القبر نعيم غيبي ليس كنعيم الدنيا، وحياة الشهداء والأنبياء حياة برزخية ليست كحياة الدنيا. فهذا العذاب ظاهر النصوص أنه على البدن. وقال بعض أهل العلم بل هو على الروح، أما البدن فلا يناله من هذا العذاب شيء. وقال ءاخرون بل العذاب في الأصل على الروح ولكن لها اتصالا بالبدن. والأقرب عندي القول الأول. فإذا أورد مورد علينا أننا لو حفرنا الميت من غده لوجدناه بحاله؟ فالجواب إن هذا من الأمور الغيبية التي لا يمكن أن تظهر في المشاهدة، اللهم إلا على وجه الأية ليري الله عباده هذا الشيء فيمكن، إنما الأصل أنه عذاب غيبي ونعيم غيبي. طيب.
الشيخ : البحث الثالث في عذاب القبر: هل هو دائم أو منقطع؟ فالجواب: أما عذاب الكفار فدائم (( النّارُ يُعرَضونَ عَلَيها غُدُوًّا وَعَشِيًّا )) ، كل يوم، في الصباح والمساء، نعوذ بالله من النار. وأما عذاب العصاة من المؤمنين فهذا حسب المعصية، قد تكون المعصية كبيرة يستحق الإنسان أن يعذب عليها إلى يوم القيامة، وقد تكون دون ذلك فيعذّب بقدرها، المهم أن القواعد قواعد الشرع تقتضي أن يعذّب بقدر ذنبه، قد يطول وقد يقصر.
الشيخ : ثم ذكر المؤلف حديث أم خالد بنت خالد قال: سمعت أم خالد بنت خالد، قال: ولم أسمع أحدا سمع من النبي صلى الله عليه وسلّم غيرها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم ( يتعوّذ من عذاب القبر ) . موسى بن عقبة صاحب المغازي المشهور قال هذه الكلمة جزاه الله خيرا من أجل أن يبيّن أن كل حديث يُسنده غير هذا الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم فإنه يُعتبر مرسلا لأن هو صرّح بأنه ما سمع من أحد سمع من النبي صلى الله عليه وسلّم إلا من هذه المرأة. قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يتعوّذ من عذاب القبر، وهو النبي صلى الله عليه وسلّم يتعوّذ من عذاب القبر، فما بالك بمن سواه، كان جدير به أن يتعوّذ أكثر.
الشيخ : ثم ذكر حديث سعد بن أبي وقاص أنه كان يأمر بخمس ويذكرونها عن النبي صلى الله عليه وسلّم: ( اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن ) وسبق الكلام عليهما، وأن الجبن. السائل : الجبن؟ الشيخ : إيه. الشيخ : الجبن طبعا، ... ، شح في النفس. الشيخ : طيب والبخل؟ السائل : البخل شح المال. الشيخ : نعم، ( وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ) أرذل العمر أنقصه، أرذل العمر يعني أنقصه وأردأه، وهذا يشمل أن يبلغ الإنسان مبلغا في الكبَر يزول منه تمييزه أو أن يُصاب بمرض يزول منه تمييزه، فأرذل العمر يشمل هذا وهذا لأن الإنسان إذا سقط تمييزه بعد الكبَر سواء لسبب أو من أجل كثرة السنين ملّه أهله وتعبوا منه، وصار عندهم بمنزلة السخريّة يلعبون به ويهزؤون به، والإنسان لا شك أنه لا يريد هذا، لو خُيّر الإنسان بين أن يموت أو أن يكون ألعوبة بين الصبيان في بيته لاختار أن يموت، ولهذا تعوّذ النبي صلى الله عليه وسلّم من أن يرد إلى أرذل العمر. ( وأعوذ بك من فتنة الدنيا يعني: فتنة الدجال، وأعوذ بك من عذاب القبر ) هذا هو الشاهد.
الشيخ : شف من فسّر؟ يعني القسطلاني. (القراءة من إرشاد الساري للقسطلاني) القارئ : ( وأعوذ بك من فتنة الدنيا ) يعني بفتنة الدنيا فتنة الدجال، قال الكرماني: إن قوله يعني فتنة الدجال من زيادات شعبة بن الحجاج، وردّه في "فتح الباري" بما في حديث الإِسماعيلي أنه من كلام عبد الملك بن عمير. الشيخ : نعم، طيب، إذًا هذا التفسير تفسير من بعض الرواة، ليس من سعد الذي هو الصحابي بل ممن دونه سواء كان شعبة أو غيره، لكن هذا التفسير غير صحيح لأنه تخصيص للنص بدون دليل، بل إن الدليل يدل على خلافه، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه أمر أن يتعوّذ الإنسان من فتنة الدنيا، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، وهذا يدل على أن فتنة الدنيا أعم من فتنة الدجال. ولعل من فسر هذا بفتنة الدجال يريد أن يبيّن أن أكبر فتنة في الدنيا هي فتنة الدجال كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلّم أما أن تكون فتنة الدنيا هي فتنة الدجال فقط فهذا ليس بصحيح. إذًا فتنة الدنيا تعم كل فتنة، ومنها فتنة الدجال. ( وأعوذ بك من فتنة القبر ) هذا هو الشاهد. نعم.
الشيخ : أما الثاني، الحديث الثالث حديث عائشة رضي الله عنها في قصة العجوزين من اليهود ففيه وجوب قَبول الحق ممن جاء به، من أي جنس كان، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم صدّق اليهوديتين مع أنهما شبّتا وشابتا عل اليهودية، لكن لما جاءا بالحق أو لما جاءتا بالحق صدّقهما النبي صلى الله عليه وسلّم قال: ( صدقتا ) ، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، وهو أن الإنسان إذا جاء بالحق أيا كان نوعه حتى لو كان من الفسقة أو من الفجرة أو من الكفار وجب علينا قَبوله لا لأنه جاء به ولكن لأنه حق، وكذلك بالعكس، لو جاءنا باطل من شخص ولو كان من أصدق الناس وجب علينا ردّه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لما أخبرته سبيعة الأسلمية أن أبا السنابل قال لها إنك لن تنكحي حتى تمر بك أربعة أشهر وعشر فلما أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ماذا قال؟ أه؟ قال: ( كذب أبو السنابل )( كذب ) فكذّبه، وكذلك لما قالوا في عامر بن الأكوع رضي الله عنه الذي عاد سيفه عليه فمات قالوا بطل أجر عامر، قال: ( كذبوا ما بطل أجر عامر بل له الأجر مرتين ) . أقول إنه يجب علينا أن نقبل الحق من أي من جاء به، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلّم قبل الحق من قائد كفار بني ءادم وهو الشيطان لما قال لأبي هريرة: ألا أدلك على ءاية من كتاب الله إذا قرأتها لم يزل عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح؟ ءاية الكرسي، قال النبي صلى الله عليه وسلّم له لأبي هريرة: ( صدقك ) معنى صدقك؟ السائل : ... . الشيخ : أه؟ أي أخبرك بالصدق، ( صدقك وهو كذوب ) ، وهو الشيطان. أما استنكاف بعض الناس من الحق إذا جاء به شخص فاسق أو ما أشبه ذلك فهذا خطأ عظيم، وأخطؤ منه وأشد إذا جاء به شخص ءاخر عدل لكنه عنده علم وذاك يريد أن لا يكون هو الذي عثر على هذا الحكم فتجده يردّه لأنه جاء به، ولو أنه هو الذي جاء بهذا لرأى ذلك مفخرة له. فالحاصل أن الحق يجب أن يُقبل من أي أحد جاء به. أي نعم. السائل : شيخ؟ الشيخ : نعم. السائل : ... القبر المحل المخصوص ... من النزع إلى ... ، هذا كله ... . الشيخ : أي نعم. القبر.
القبر هل المراد المكان المخصوص الذي يدفن فيه الميت أو ما هو أعم من ذلك ؟
الشيخ : يقول هل المراد المكان المخصوص الذي يُدفن فيه الميت أو ما هو أعم من ذلك؟ الشيخ : الجواب المراد ما هو أعم من ذلك، بعدما تخرج الروح إلى يوم القيامة كل هذا عذاب القبر، يعني فما بين موت الإنسان وقيام الساعة كله قبر، قال الله تعالى: (( وَمِن وَرائِهِم بَرزَخٌ إِلى يَومِ يُبعَثونَ )) ، فيشمل من ألقي في البحر، ومن مات في البر وأكلته السباع، كل أحد. نعم.
هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر في الصلاة وخارج الصلاة ؟
السائل : الرسول صلى الله عليه وسلّم كان يتعوّذ من هذه الأشياء يعني في الصلاة وخارج الصلاة؟ الشيخ : نعم. السائل : لأن الزيادة ... . الشيخ : أه؟ السائل : الزيادة ... والجبن على الحديث الأخر، ( أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ) . الشيخ : أي نعم، الرسول يتعوّذ بهذا في الصلاة وخارج الصلاة. السائل : يعني هذه يعني ... . الشيخ : حتى هذه في الصلاة تقولها، نعم، شاكر؟
إذا جاء أحد من أهل الكتاب بخبر والسامع ليس له علم لا بالموافقة ولا بالرفض فما يفعل ؟
السائل : جزاكم الله خيرا إذا جاء من أهل الكتاب من يأخذ بالخبر والسامع ليس له علم لا بالموافقة ولا بالرفض ... ؟ الشيخ : هذا بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلّم لنا، إذا أخبرنا أهل الكتاب بخبر إما أن يشهد له شرعنا بالصدق أو بالكذب، وهذا واضح، وإما أن لا يشهد له شرعنا بشيء فيجب علينا أن نتوقف، لا نصدّق ولا نكذّب. نعم.
حدثنا مسدد حدثنا المعتمر قال سمعت أبي قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول ( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات )
القارئ : حدثنا مسدد، قال حدثنا المعتمر، قال: سمعت أبي، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: كان نبي الله صلى الله عليه وسلّم يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ) .
حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ( اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى وأعوذ بك من فتنة الفقر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب )
القارئ : حدثنا معلى بن أسد، قال حدثنا وهيب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمأثم والمغرم، ومن فتنة القبر، وعذاب القبر، ومن فتنة النار وعذاب النار، ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ) . الشيخ : هذا الحديث فيه ألفاظ مرّت علينا، الكسل مر علينا، الهرم مر علينا. المأثم أي الإثم، المغرم أي الغُرم، وهذا يُشبه غلبة الدين. ومن فتنة القبر، فتنة القبر هي سؤال الميت عن ربه ودينه ونبيه، وهي أي هذه الفتنة اختبار يُختبر بها الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فيسألانه، من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيثبّت الله الذي ءامنوا بالقول الثابت نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم، ويُضل الله الظالمين. يقول: ( وعذاب القبر ) مر. ( فتنة النار ) يعني الفتنة التي تكون سببا لدخول النار وهي فتنة الإنسان بالشهوات أو بالشبهات. ( عذاب النار ) واضح، أن يعذّب الإنسان في نار جهنم. ( من شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر ) الغنى فتنة، والفقر فتنة، فيستعيذ الإنسان بالله من شر فتنة الغنى ومن فتنة الفقر. الغنى قد يحمل الإنسان على الأشر والبطر والكبرياء والخيلاء والغرور والإعراض عن الأخرة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى أن تُفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتُهلككم كما أهلكتهم ) ، وصدق نبي الله صلى الله عليه وسلّم، الذي أفسد هذه الأمة هو المال، هو كثرة المال، ففتنة بني إسرائيل في النساء، وفتنة هذه الأمة في المال، أفسد الناس، وصار الناس كأنما خلِقوا له، مع أن المال خلق لهم، لكن هم غفلوا أو اشتغلوا بما خلقوا له أو بما خلِق لهم؟ السائل : خلق لهم. الشيخ : اشتغلوا بما خلق لهم عما خلقوا له وهو عبادة الله. كذلك الفقر فتنة، له فتنة عظيمة يصد الإنسان عن عبادة الله، لأن الإنسان إذا جاع يطلب ما يُشبع بطنه، وربما يعتدي على الناس بالنهب والسرقة وربما يكذب ويغِش، وربما يبيع عرضه والعياذ بالله، فإن المرأة إذا اضطرت ربما تبيع عرضها، ولا يبعد عن بالكم قصة أحد الرجال الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار وتوسّلوا إلى الله بصالح الأعمال، أحدهم بماذا توسّل؟ توسّل بالعفاف التام، كان له بنت عم يُحبها حبا شديدا، فألمّت بها سنة من السنين واحتاجت إليه فجاءت تطلب منه المساعدة، فأبى إلا أن تمكّنه من نفسها فأبت، أبت، فاضطرت ذات يوم فجاءت إليه وطلبت منه المساعدة وأبى إلا أن تمكّنه من نفسها، فمن أجل الضرورة مكّنته من نفسها، فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت له: يا هذا اتق الله ولا تفضّ الخاتم إلا بحقه، فقام عنها وهي من أحب الناس إليه، يعني ما كرهها، لا زالت رغبته فيها، لكن قام تقوى لله عز وجل لأنها ذكّرته بالله، قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه. وأتيت بهذا الحديث استشهادا على أن الفقر قد يحمل الإنسان على بيع. السائل : ... . الشيخ : بيع عرضه، ونسمع أنه في بعض الجهات يبيعون أولادهم الذكور والإناث كل ذلك من إيش؟ من الفقر، يبيعون أولادهم ليأخذوا الدراهم يأكلون، خوفا من الهلاك. ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلّم من فتنة الفقر. ثم قال: ( وأعوذ بك م فتنة المسيح الدجال ) وسبق الكلام عليه. ( اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ) أيضا سبق الكلام عليه في دعاء إيش؟ في دعاء الاستفتاح. نعم. السائل : ... . الشيخ : نعم.
لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ومن شر فتنة الغنى ) ولم يقل من فتنة الغنى ؟
السائل : قال ( ومن شر فتنة الغنى ) ... ؟ الشيخ : نعم، إي نعم، لأن الإنسان قد يُفتن بالمال، لكن ما يناله شر، بمعنى أن المال لابد أن يشغله، ويفتتن به، ويحب البيع والشراء، ولكن قد لا يكون فيه الشر، قد يكون فيه خير في البذل ونفع الناس. نعم؟
كيف نجاوب على حديث أن الشهداء أرواحهم طيور خضر في الجنة ؟
السائل : طيب ورد حديث يعني في نعيم الأرواح. الشيخ : نعم. السائل : مثل أرواح الشهداء ... وأرواح المؤمنين تكون طيور خضر ... في الجنّة؟ الشيخ : نعم صحيح، ما يمنع هذا. السائل : يشمل الاثنين؟ الشيخ : أقول ما يمنع هذا، يكون نعيم في البدن والروح تنعّم فوق. نعم. السائل : ... يا شيخ في قوله اللهم ... بالماء والثلج والبرد ... . الشيخ : عكس هذا. السائل : ... . الشيخ : عكس هذا. الظاهر لي والله أعلم إن هذا من تصرف الرواة فيما يبدو لأن الترتيب الذي في دعاء الاستفتاح أنسب من هذا. المباعدة ثم التنقية ثم الغسل. نعم.
حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان قال حدثني عمرو بن أبي عمرو قال سمعت أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال )
القارئ : حدثنا خالد بن مخلد، قال حدثنا سليمان، قال: حدثني عمرو بن أبي عمرو، قال: سمعت أنس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلّم يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال ) .
حدثنا محمد بن المثنى حدثني غندر حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان يأمر بهؤلاء الخمس ويحدثهن عن النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر )
القارئ : حدثنا محمد بن المثنى، قال حدثني غندر، قال حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه كان يأمر بهؤلاء الخمس: ويحدثهن عن النبي صلى الله عليه وسلّم: ( اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر ) .
حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ يقول ( اللهم إني أعوذ بك من الكسل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من الهرم وأعوذ بك من البخل )
القارئ : حدثنا أبو معمر، قال حدثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتعوّذ يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الكسل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من البخل ) . الشيخ : صلى الله عليه وسلم، نعم، كل هذه مرّت.
حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد وانقل حماها إلى الجحفة اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا )
القارئ : حدثنا محمد بن يوسف، قال حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ( اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة أو أشدّ، وانقل حماها إلى الجحفة، اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا ) . الشيخ : صلى الله عليه وسلم.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب عن عامر بن سعد أن أباه قال عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من شكوى أشفيت منها على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بي ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال ( لا ) قلت فبشطره قال ( الثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت حتى ما تجعل في في امرأتك ) قلت آأخلف بعد أصحابي قال ( إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت درجةً ورفعةً ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة ) قال سعد رثى له النبي صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة
القارئ : وحدثنا موسى بن إسماعيل، قال حدثنا إبراهيم بن سعد، قال أخبرنا ابن شهاب، عن عامر بن سعد، أن أباه، قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلّم في حجة الوداع، من شكوى أشفيت منها على الموت، فقلت: يا رسول الله، بلَغ بي ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدّق بثلثي مالي؟ قال: ( لا ) قلت: فبشطره؟ قال: ( الثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت، حتى ما تجعل في في امرأتك ) ، قلت: أأخلَّف بعد .. الشيخ : آأخلّف. القارئ : قلت آأخلّفَ بعد أصحابي؟ الشيخ : ليش؟ القارئ : بالنصب يعني. الشيخ : ما لها وجه. القارئ : قلت آأخلّفُ بعد أصحابي؟ قال: ( إنك لن تخلف، فتعمل عملا تبتغي به وجه الله، إلا ازددت درجة ورفعة، ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك ءاخرون ) .. الشيخ : يضرَّ. القارئ : ( ويضرَّ بك ءاخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردّهم على أعقابهم، لكن البائس سعد ابن خولة ) ، قال سعد: رثى له النبي صلى الله عليه وسلّم من أن توفي بمكة. الشيخ : اللهم صلي وسلم عليه، هذا أيضا الدعاء برفع الوباء والوجع، وهذا يشمل رفعه عن المكان ورفعه عن المُصاب. أما رفعه عن المكان فكما دعا النبي صلى الله عليه وسلّم ربه عز وجل أن ينقل حمى المدينة إلى الجحفة، فإن هذا دعاء برفع الوباء عن المكان عامة. أما الرفع عن المصاب فمثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث سعد: ( اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ) فإن هذا الدعاء يتضمّن أن يشفي الله سعدا حتى لا يموت في مكة. ومثله الدعاء على المريض اللهم اشفه اللهم عافه وما أشبه ذلك، فهذا دعاء برفع الوباء عن المصاب لا عن المكان كله. في الحديث الأول قال: ( اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة أو أشدّ ) لا شك أن المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم أخرجوا من أحبّ البقاع إليهم لاسيما وأن فيها بيت الله عز وجل، وأنها أم القرى وأفضل بلاد الله، وأحب بلاد الله إلى الله، سوف يشُقّ عليهم، الإنسان لو أخرج من بلده وهي هدام إلى بلد كل بنائها قصور مشيّدة لكان ذلك عزيزا عليه وشاقا عليه، فكيف بهؤلاء المهاجرين رضي الله عنهم الذين أخرجوا من ديارهم وهي أحبّ شيء إليهم وفيها بيت الله، ومكة مأوى الناس ومثابة الناس، والمدينة كانت في ذلك الوقت سبخة وبيئة، كلها من نُقاعات الماء وفضُلات الماء التي تولّد البعوض وتولّد الأوبئة، وكانت ذات حمى، فدعا النبي صلى الله عليه وسلّم ربه عز وجل أن ينقل حماها إلى الجحفة التي هي ميقات أهل الشام، وإنما دعا الله أن ينقله إلى الجحفة لأن الجحفة في ذلك الوقت كانت بلاد كفر، وإذا نقلت الحمى إليهم فهذا عون للمسلمين على القضاء على الكفر.
الشيخ : وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان قد يحب الأماكن، لقوله: ( حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة أو أشدّ ) . وفيه أيضا أن الحب يختلف قوّة وضعفا وشدّة وخفّة.
الشيخ : أما حديث سعد ففيه مسائل: أولا: فيه دليل على جواز الإخبار عما بلغ الإنسان من المرض، لقوله: يا رسول الله بلغ بي ما ترى من الوجع، ولم يُنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلّم. والإخبار بما أصاب الإنسان من المرض ينقسم إلى أقسام في الواقع: القسم الأول: أن يقول ذلك على سبيل التوجّع والتشكّي فهذا يُنافي الصبر، لأن الصبر الجميل صبر بلا شكوى، وأنت إذا شكوت إلى ابن ءادم فإنه من سفهك، كما قال الشاعر: " وإذا شكوت إلى ابن ءادم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم " إذا أردت أن تشكو فاشكو إلى من؟ إلى الله الذي يرحمك أما أن تشكو إلى الخلق، فإن الخلق إما أن يرحموك، وإما أن يشمتوا بك. وتارة يكون المراد ... .