باب : قول الله تعالى : (( لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون )) .
كتاب الأيمان والنذور .
باب : قول الله تعالى : (( لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون )) .
الشيخ : قول المؤلف رحمه الله : " كتاب الأيمان والنذور "
الأيمان جمع يمين ، وهو الحلف ، والنذور جمع نذر وهو الالتزام بالشيء ، وإلزام الإنسان نفسه بالشيء يسمى نذراً .
والأيمان جمع يمين ، واعلم أن اليمين إما أن تكون على شيء ماضٍ ، أو على شيء مستقبل ، فإن كانت على ماضٍ فليس فيها كفارة إطلاقاً سواء كانت صدقاً أو كذباً لكن إن كان صادقاً أو ظاناً فلا إثم عليه ، وإن كان كاذباً فهو آثم، ثم إن تضمنت أكل مال مسلم صارت يمين غموساً .
أنتم فاهمون الآن ؟ إما أن تكون على ماضٍ أو على مستقبل ، التي على ماضٍ ليس فيها كفارة إطلاقاً ، كذب فيها الإنسان أم صدق ، لكن إما أن يكون صادقاً أو ظاناً صدقه أو كاذباً أو ظاناً كذبه ، فإذا كان صادقاً أو ظاناً الصدق فلا شيء وإن كان كاذباً أو ظاناً الكذب فهو آثم، ثم إن تضمنت أكل مال المسلم فهي اليمين الغموس .
طيب ، إذن نرجع للتي على المستقبل ، التي على المستقبل هذه هي اليمين المنعقدة فإذا حلف على شيءٍ مستقبل فإنه إن وفى بما حلف عليه فلا شيء عليه ، وإن لم يف فعليه أن يكفر كفارة يمين. ثم هل الأولى أن يحنث أو لا يحنث هذا فيه الأحكام الخمسة : الواجب والمندوب والمكروه والمباح والحرام ، حسب المحلوف عليه ، وسيأتي إن شاء الله في الأحاديث .
أما النذر فلنا إنه التزام الإنسان بالشيء ، مثل أن يقول لله علي نذر أن أصوم أن أتصدق أن أصلي ، وسيأتي إن شاء الله في الأحاديث حكمه .
ثم قال : قول الله تعالى : (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم )) إلى آخره ، (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم )) فاللغو إذن ما لم يقصد عقده ، ودليل هذا أنه قوبل بقوله : (( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان )) ، ومن القواعد المقررة في علم التفسير أن الكلمة قد يعرف معناها بذكر ما يقابلها ، ولهذا لو سألنا ما معنى قوله تعالى : (( فانفروا ثباتٍ أو انفروا جميعاً )) ما معنى ثبات ؟ (( فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً )) نحن قلنا إن الشيء يعرف معناه بذكر مقابله.
الطالب : متفرقين
الشيخ : ثبات متفرقين، لأن قوله جميعاً يقابله الانفراد ، كل واحد وحده، طيب، إذن (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم )) ما المراد بلغو اليمين ؟ ما لم يقصد عقده ، كل يمين لا تقصد عقدها فهي لغو، مثل ما يجري على اللسان، يقال مثلاً لإنسان هل أنت تريد تذهب لفلان؟ قال: لا والله ما أنا ذاهب، هل رأيت فلان؟ قال والله ما رأيته ، هل تريد تسافر غداً؟ قال والله ما أنا مسافر، هذا لو سافر لو خالف في يمينه ليس عليه حنث، لأنه لم يقصد ، كذلك ألحق العلماء بذلك من حلف على يمين يظن صدق نفسه في المستقبل مثل أن يقول والله ليقدمن فلان غداً، ولم يقدم فلان، هذا أيضاً ليس فيه كفارة، غير مؤاخذ عليه الإنسان لماذا؟ لأنه لم يقصد الإلزام ولا الالتزام وإنما قصد الإخبار عما في ضميره فهو يقول والله ليقدمنّ فلان غداً بناءً على ماذا؟ على ما في ضميره على ظنه، فإذا لم يقدم فليس شيء، هو حتى لو غابت الشمس غداً وقيل أمس حلفت والله ليقدم؟ قال : نعم إلى الآن، وأنا أقول: والله ليقدم يعني حسب ما في قلبي، ولست أريد الالتزام أن آتي به ولا الإلزام أن ألزمه أن يحضر، إنما أردت بذلك ماذا؟ الإخبار عما في نفسي، وهذا ما كنت أظن.
طيب، قال الله عز وجل: (( فكفارته إطعام عشرة مساكين )) كفارة اليمين مطلقاً أو إذا حنثت فيها؟ إذا حنثت فيها، وليس المراد كفارة اليمين إذا حلفت، لأن مجرد الحلف لا يوجب الكفارة، الذي يوجب الكفارة هو الحنث بأن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك على حلف على فعله. ولا بد في الحنث من شروط ثلاثة، انتبه، لا بد في الحنث من شروط ثلاثة يا فهد، نعم:
الأول : أن يكون عالماً
ثانيا : أن يكون ذاكراً
الثالث : أن يكون مختاراً
كم ؟ ثلاثة، أن يكون عالماً ذاكراً مختاراً. طيب، فضد العلم الجهل، فلو قال والله لا ألبس هذا الثوب، ثم لبسه يعني ذهب وخرج ورجع ولبس ثوباً يظنه غير الثوب الذي حلف عليه ثم تبين أنه هو فليس عليه شيء لأنه جاهل، ولو قال والله لا أكلم زيداً، ثم كلم شخصاً فقيل له هذا زيد الذي حلفت أن لا تكلمه فليس عليه شيء لماذا؟ لأنه جاهل لا يعلم أنه زيد، طيب، حلف أن لا يشرب ماء قبل العشاء فنسي وشرب؟ ليس عليه شيء لأنه ناسي ليس ذاكر ناسياً، حلف على أن لا يفعل شيئاً فجاء إنسان فأكرهه على فعله؟ فليس عليه شيء، لأنه ليس بمختار، إذن الحنث لا بد فيه من شروط ثلاثة وهي : العلم والذكر والاختيار، فالجاهل لا يحنث والناسي لا يحنث والمكره لا يحنث.
الشيخ : سبق لنا أن ذكرنا أن الأيمان جمع يمين، وهي الحلف، وأن النذور جمع نذر وهو إلزام الإنسان نفسه بالشيء وذكرنا أن الأيمان على قسمين أجب ؟ أجب الأيمان على قسمين ؟
الطالب : إذا كانت على ماض أو على مستقبل .
الشيخ : إما على ماض أو مستقبل، إذا كانت على ماضٍ فالبحث فيها في إيش؟
الطالب : إما أن يكون صادقاً أو يظن الصدق، أو يكون كاذباً أو يظن الكذب.
الشيخ : إن كان صادقا أو يظن الصدق ؟سليم ؟
الطالب : ما عليه شيء
الشيخ : فليس عليه شيء ، وإن كاذبا أو يظن الكذب؟
الطالب : إن كان كاذباً أو يظن الكذب فهو آثم.
الشيخ : فهو آثم ، طيب ما في زيادة بعد؟
الطالب : وليس فيه كفارة
الشيخ : إي نعم ليس فيه كفارة وهو آثم.
الطالب : سواء كان صادقاً كاذباً
الطالب : إن كان حلف على اقتطاع مال مسلم فهي اليمين الغموس
الشيخ : فهي اليمين الغموس تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في النار. طيب، إذا كانت على مستقبل ذكرنا أنه قصد عقدها
الطالب : فإذا فعل ما حلف عليه فليس عليه شيء إذا لم يفعل فعليه حنث
الشيخ : عليه ؟
الطالب : عليه كفارة
الشيخ : كفارة، أحسنت.
الطالب : إن كانت لغوا فلا شيء عليه
الشيخ :نعم ، لكن إذا قصد عقدها
الطالب : إذا قصد عقدها فهو إن وفى ما عليه..
الشيخ : إن وفى فلا شيء عليه، وإلا فعليه الكفارة، طيبب، الكفارة تجب يا محمد السلامة بشروط؟
الطالب : نعم شيخ أن يكون عالماً ذاكراً مختاراً.
الشيخ : أن يكون عالماً ذاكراً مختاراً، عالماً ضده
الطالب : الجاهل
الشيخ : مثاله؟
الطالب : أن يحلف على أن لا يسلم على زيد فيرى شبح في الظلام ما يعرف أن هذا زيد فيسلم عليه يصبح جاهل.
الشيخ : فليس عليه كفارة لأنه ؟
الطالب : جاهل.
الشيخ : جاهل ، طيب، ناسي ؟
الطالب : ذاكرا... يعني مثلاً يحلف أن لا يذهب إلى مكان..
الشيخ : قال : والله لا أذهب إلى المكان الفلاني
الطالب : ثم نسي وذهب
الشيخ : ثم نسي وذهب
الطالب : ما عليه شيء
الشيخ : فليس عليه كفارة. طيب، مختارا؟ ما ضده ؟ يا أبا بخاري، يا آدم.قل يا ولد.
الطالب : إذا كان مقصود
الشيخ : فإن كان غير مختار يعني مكره
الطالب : ليس عليه شيء.
الشيخ : ليس عليه شيء صح . طيب، مثاله يا شيبة ؟
الطالب : يعني المكره أن رجلا أمره أن يفعل شيئاً محرماً يعني مكره أكره عليه
الشيخ : لا كلامنا في اليمين ليس في الشيء المحرم خالد؟
الطالب : قال : والله لا أدخل هذه الدار، فأكرهه شخص على أن يدخلها فليس عليه شيء لأنه مكره.
الشيخ : طيب، فيه أيضاً إذا زالت الأعذار هذه، إذا زالت الأعذار ثبت حكم اليمين يعني مثلاً إذا علمت أن هذا الرجل الذي حلفت عليه أن لا أسلم عليه مثلاً، فإنه لا يجوز أن أسلم، لو قلت والله لا أدخل هذا البيت ثم دخلته ناسياً ثم ذكرت يجب علي أن أخرج، إن بقيت بعد الذكر وجبت الكفارة ، كذلك الاختيار لو أكرهني إنسان على شيء وزال الإكراه رفع الإكراه عني وجب علي أن أتخلص مما أنا حالف عليه وإلا وجبت علي الكفارة، مثل: قلت والله لا أبقى في هذا البيت ساعة فجاء رجل فأكرهني فبقيت ثم تولى فيجب علي أن أخرج.
طيب، يقول الله عز وجل: (( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم )) سبق الكلام على قوله باللغو في أيمانكم، (( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان )) عقدتم : يفسرها قوله تعالى : (( بما كسبت قلوبكم )) يعني: عقدتم بالقلب ونويتموه فما لم ينوى فليس بشيء ما فيه كفارة، مثل لو جرى على لسانه والله، أو أكره على أن يحلف فحلف فإنه لا تلزمه الكفارة لأنه يا محمد وش قلت؟
الطالب : لأنه لغو
الشيخ : لا
الطالب : إذا جرى على لسانه كلمة والله
الشيخ : لا ليست هذه
الطالب : لأنه مكره .
الشيخ : لأنه مكره شف لحظة وحدة فوتتك. إذا أكره على أن يحلف فإن اليمين لا تنعقد، مثل لو أمسكه شخص وقال: احلف أن لا تدخل هذا البيت، وإلا حبستك فحلف فإنه لا تنعقد يمينه لماذا؟ لأنه مكره ما عقد الأيمان. ثم قال : (( فكفارته إطعام عشرة مساكين )) سمى الله تعالى ذلك كفارة، لأن مقتضى تعظيم الله سبحانه وتعالى إذا حلفت به أن تلزم اليمين، ففي حل اليمين أو انتهاكها شيء من الإثم، ولهذا سمينا مخالفة اليمين سميناها حنثاً، والحنث في الأصل إثم، ولهذا اوجب الله الكفارة، ومن نعمته عز وجل ورحمته بالخلق أن أباح للإنسان أن يحنث في يمينه وإن كان يسمى حنثاً ولهذا سيأتي في آخر الآية : (( واحفظوا أيمانكم )). إذن لو سألنا سائل: لماذا سميت كفارة؟ نقول : لأن الأصل وجوب التزام الإنسان بما حلف عليه، لأن ذلك من تعظيم الله، فإذا خالف صار فيه شيء من عدم التعظيم، فصارت هذه الكفارة ستراً له، ويدل لهذا أننا نسمي، من خالف يمينه نسميه حانثاً، والحنث في الأصل الإثم. واضح ؟ طيب. (( كفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة )) أو هنا للتخيير، وهل هو تخيير اختياري أو تخيير مصلحة؟ نقول هو تخيير اختياري لا تخيير مصلحة، والقاعدة في ذلك أن ما قصد به التخفيف عن المكلف فهو تخيير اختيار، أو إن شئت فقل تخيير تشهي، وما قصد به مصلحة الغير فهو تخيير مصلحة، وهنا المقصود بذلك إيش؟ التخفيف عن المكلف والتيسير عليه، وعلى هذا فيكون تخيير اختيار وتشهي، يعني الذي تشتهي افعل. (( إطعام عشرة مساكين )) إطعام عشرة، فإذا قال قائل : لماذا كانت عشرة ؟ نقول: لماذا كانت الصلوات خمساً؟ أي أننا لا نعلم، هذا تعبدي، جائز أن يقول عشرين أو ثلاثين أو خمسة، لا ندري، الله أعلم، عشرة مساكين. وقوله إطعام، كيف هذا الإطعام ؟ الصحيح أن للإطعام صفتين:
الصفة الأولى : أن تصنع طعاماً غداً أو عشاء وتدعو إليه عشرة مساكين حتى يشبعوا ، كذا؟ هذه واحدة.
الصفة الثانية : أن تعطيهم تمليكاً من هذا الطعام، وإذا أعطيتهم تمليكاً فهو مد من البر أو نصف صاع من الشعير، وقال بعض العلماء : بل نصف صاع من البر أو الشعير، لكن أكثر أهل العلم يفرقون بين الشعير وغيره، وبناء على ذلك نقول إن الرز مثل البر أو أحسن، فيكفي فيه المد، مد من البر، ولكن بأي شيء نقدر هذا المد ؟ نقول: نقدره بمد صاع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ربع الصاع النبوي، والصاع الموجود عندنا الآن يزيد على الصاع النبوي بأن تضيف إليه ربع الصاع النبوي فيكون صاعاً لنا، وعلى هذا فيكون الصاع الموجود عندنا كم مدا؟ خمسة أمداد نبوية، فالصاعان إذن يكفيان للعشرة، لكن إذا أعطيتهم على سبيل التمليك فيحسن أن تجعل معه ما يأدمه من لحم أو ودك أو شبهه ليتم الإطعام، لأن الفقير ليس يأخذ الحب فيلهمه بل يأخذ الحب فيطبخه، وتمام الإطعام أن يوجد فيه ما يؤدمه. طيب، وقوله سبحانه وتعالى : (( من أوسط ما تطعمون )) هل هذا على سبيل الوجوب، أو لا؟ نقول : على سبيل الوجوب باعتبار ما تحته، وليس على سبيل الوجوب باعتبار ما فوقه، كيف باعتبار ما تحته؟ يعني لو أعطيتهم من أردى ما تطعم فهذا حرام ما يجزئ، ولو أعطيتهم من أعلى ما تطعم لكان هذا جائزاً بل هو خير، فالله ذكر الواجب فما فوقه فضل وما دونه ظلم فيعطى الوسط. (( من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم )) كسوة هذه معطوفة على إيش؟
الطالب : من أوسط
الشيخ : على من أوسط إذن نقول يا هداية الله: أو كسوتِهم
الطالب : بالجر
الشيخ : بالجر، وهكذا هي؟
الطالب : لا على كفارة
الشيخ : المهم وش هي عندك مجرورة أو مرفوعة ؟ على كل حال هي مرفوعة، أو كسوتُهم عطفاً على قوله: ((إطعام)) يعني أو كفارة كسوتهم.
والكسوة هنا مطلقة ولكنها لا شك أنها من أوسط ما نكسوا أهلينا كالإطعام فلا نعطيهم من الكسوة الفاخرة ولا من الرديئة، وهنا تختلف الكسوة باختلاف الأمكنة، فمثلاً نحن في هذه البلاد الكسوة عندنا قميص وخمار بالنسبة للأنثى ، وبالنسبة للرجل قميص وغترة، فهذا أدنى شيء، وإذا أتم وأعطى سراويل وأعطى طاقية فهذا طيب. (( أو تحرير رقبة )) تحرير رقبة أي تخليصها من الرق، يعني أن تتحرر عبداً مملوكاً سواء كان لك فتحرره أو لغيرك تشتريه وتعتقه.
طيب وقوله : ((رقبة)) لم تقيد هنا بالإيمان فهل نأخذوها على إطلاقها ونقول: تحرير رقبة ولو كافرة؟ أو نقيدها بالإيمان لأن الله سبحانه وتعالى قيد الرقبة بالإيمان في كفارة القتل ، فقال : (( ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبةٍ مؤمنة وديةٌمسلمةٌ إلى أهله )) اختلف في هذا أهل العلم، فقال بعضهم: نطلق ما أطلقه ونقيد ما قيده الله، لأن الله أطلق في موضعين وقيد في موضع، ففي كفارة الظهار أطلق قال : (( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا )) ، وفي كفارة اليمين أطلق قال : (( تحرير رقبة ))، وفي كفارة القتل قيدها بالإيمان، ولا نقول إن تقييد الرقبة بالإيمان في كفارة القتل لأن المقتول مؤمن، لأن الله ذكر ذلك حتى في غير المؤمن، حتى في قتل غير المؤمن حيث قال: (( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة )). ولهذا لا يظهر أن نحمل المطلق على المقيد، لأن الله أطلق في موضع آخر، وقيد في كفارة القتل لأن الحنث في القتل أعظم من الحنث في اليمين وفي الظهار، ولكن يمكن أن نقيد بالإيمان من باب دلالة الإيماء في قصة معاوية بن الحكم رضي الله عنه حين ذكر أنه لطم جارية له وأراد أن يتخلص من هذا الإثم فجاء بالجارية فسألها قال لها: ( أين الله ؟ ) قالت: في السماء، قال: ( من أنا؟ ) قالت أنت رسول الله، قال : ( أعتقها فإنها مؤمنة ) فأمر بإعتاقها وعلل ذلك بأنها مؤمنة، فإذا كان الإيمان مراعاً في العتق، عتق التطوع فمراعاته في العتق عن الواجب من باب أولى، وعلى هذا فيمكن أن نقول إنه لا بد من الإيمان بناء على دلالة حديث معاوية بن الحكم، وهو أحوط، لأن الكافر إذا أعتق ربما يهرب إلى أصله وهو بلاد الكفر، لأن أصل الرق الكفر، ربما إذا تحرر وعتق يذهب إلى بلاد الكفر ويكون ضداً لنا، طيب، فإذا قال قائل: هذه الثلاثة مخير بينها، والانتقال فيها من الأدنى إلى الأعلى أو من الأعلى إلى الأدنى؟
الطالب : مخير
الشيخ : هو مخير لكن هل الترقي فيها من الأدنى إلى الأعلى أو بالعكس؟ نقول: الغالب أنه من الأدنى إلى الأعلى، وإلا فقد يكون الإطعام خيراً من الكسوة أليس كذلك؟ مثلاً إنسان ميت من الجوع وعنده ألف ثوب، أيهما أحب إليه؟ الإطعام، وما تغني الثياب، وربما يكون أرقاء كثيرة، يكون الرقيق بريال والثوب بعشرة أريلة، يمكن ؟ كل شيء ممكن، ولذلك نقول: هنا الغالب أنه من باب الترقي من الأدنى إلى ما فوقه.
قال : (( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم )) من لم يجد إيش ؟ من لم يجد هذه الأشياء، أو من لم يجد من يصرف إليه هذه الأشياء؟
الطالب : يشمل
الشيخ : يشمل، يعني من لم يجد دراهم، أو من لم يجد رقبة وعنده دراهم كثيرة، أو لم يجد من يكسوه أو لم يجد من يطعمه، لأن في بعض البلاد الغنية لا تجد فقيراً تكسوه ولا تطعمه، ولهذا من بلاغة القرآن أنه حذف المفعول به فقال : (( فمن لم يجد )) ولم يعين، فيكون شاملاً لماذا؟ ، يعني من لم يجد ما يطعم، أو لم يجد من يطعم، أو يكسو أو يعتق، واضح؟
(( ثلاثة أيام )) ثلاثة أيام مطلقة، وظاهر الآية أنه لا يشترط فيها التتابع، وأنه يجوز أن تصوم يوماً وتفطر يوماً، أو تصوم يوماً وتفطر يومين، لأن الله لم يذكر التتابع، ولو كان التتابع واجباً لذكره كما ذكر ذلك في كفارة الظهار وفي كفارة القتل، وكما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في كفارة الوطء في نهار رمضان.
ولكن نقول إنه صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ: (( فصيام ثلاثة أيام متتابعة )) وقراءة ابن مسعود إذا صحت عنه حجة حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( من أراد أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد) يعني عبد الله بن مسعود، إن القراءة تدل على أنه لا بد من التتابع في الأيام الثلاثة.
قال الله تعالى : (( ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم )) قوله: (( إذا حلفتم )) قد يقول قائل: يغني عنها قوله: (( كفارة أيمانكم )) ولكن نقول هذا من باب التأكيد، والمراد إذا حلفتم وحنثتم. (( واحفظوا أيمانكم )) احفظوا أيمانكم فيها للعلماء أقوال:
القول الأول: احفظوها لا تحنثوا فيها فإن هذا من حفظها يعني إذا حلفت على شيء فلا تحثن استمر، فإذا قلت والله لأفعلن كذا افعل، والله لا أفعل لا تفعل.
وقيل المعنى : لا تكثروا الأيمان،احفظوا أيمانكم يعني لا تكثروها، لأن كثرة اليمين بالله عز وجل ربما تشعر بهون الله عند المرء أو بهو اليمين عند المرء، فإذا تأنى الإنسان وصار لا يحلف إلا في محله فقد حفظ يمينه، فيكون المراد بذلك احفظوا أيمانكم عن الحنث أو عن الإكثار من اليمين.
ثم قال الله تعالى : (( كذلك يبين الله لكم آياته لكم تشكرون )) أي مثل هذا البيان يبين الله لكم آياته، والمراد هنا آيات شرعية أو كونية ؟
الطالب : شرعية
الشيخ : هنا شرعية (( لعلكم تشكرون )) أي لأجل أن تشكروا، فلعل هنا للتعليل، لتشكروا الله، والشكر هو القيام بطاعة المنعم، ويكون في القلب واللسان والجوارح.
1 - باب : قول الله تعالى : (( لايؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون )) . أستمع حفظ
حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن أخبرنا عبد الله أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ( أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن يحنث في يمين قط حتى أنزل الله كفارة اليمين وقال لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني )
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا من مناقب أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يحفظ يمينه إذا حلف فلا يحنث حتى أنزل الله كفارة اليمين، ووسع سبحانه وتعالى على عباده وصار من حلف وأراد أن يفعل ما حلف عليه أو يتركه كفر عن يمينه وفعل. والكفارة إن كانت قبل الحنث تسمى تحلة، وإن كانت بعده فهي كفارة، قال الله تعالى : (( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم )) فإذا حلفت على شيء أن لا تفعله ثم أردت أن تفعله فلا حرج أن تفعله إذا كان مما يجوز شرعاً لكن إن كفرت قبل فعله فهذا تحلة يعني أنك حللت عقدة اليمين، وإن فعلت ثم كفرت فهي كفارة. وفي قوله : ( لا أحلف على يمين، فرأيت غيرها خيراً منها، إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني ) إن كان فعل ذلك بعد أن قال الرسول عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن سمرة ما قال فهو امتثالٌ لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان فعله قبل أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا فإنه يعتبر من موافقات أبي بكر رضي الله عنه لما جاءت به السنة.
2 - حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن أخبرنا عبد الله أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ( أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن يحنث في يمين قط حتى أنزل الله كفارة اليمين وقال لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ) أستمع حفظ
هل يجوز للإنسان أن يحلل قبل أن يحنث ؟
الشيخ : كله سواء، ما دام وجد اليمين فقد انعقد السبب.
السائل : ... إذا حلل ثم فعل
الشيخ : حتى أيضاً إذا انتظر حتى يفعل ربما يعدل عن الحنث فيحفظ اليمين من الحنث.
تكرار اليمين ؟
الشيخ : كرر يعني
السائل : نعم
الشيخ : إذا كان المحلوف عليه شيئاً واحداً كفته كفارةً واحدة ولو تعددت الأيمان، وإن كان المحلوف متعدداً فإنت اليمين واحدة كفته كفارة واحدة، وإن كانت أيمان متعددة فلكل يمين كفارة، فإذا قال والله لا أدخل هذا البيت ولا ألبس هذا الثوب ولا أكلم هذا الرجل ثم حنث فهذه كفارة واحدة، أما إذا قال والله لا أدخل هذا البيت، والله لا أكلم فلاناً، والله لا ألبس هذا الثوب، فثلاث كفارات.
السائل : في قوله تعالى : (( ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم )) قدرنا وحنثتم أي تقدير وحثتم
الشيخ : نعم
السائل : ولكن ألا يدل هذا أن تكون الكفارة بعد الحلف ؟
الشيخ : لا الكفارة تكون بعد الحنث، إذا كان قبل فهي تحلة كما قال الله تعالى: (( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ))
السائل : بعض العلماء قدروا : " وأردتم الحنث "
الشيخ : لا الصواب " وحنثتم " هذا الصواب لكنه لو فعل إذا أراد أن يحلف فلا بأس لأنه وجد السبب.
حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل حدثنا جرير بن حازم حدثنا الحسن حدثنا عبد الرحمن بن سمرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك وإت الذي هو خير )
الشيخ : الشاهد الأخير : ( إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير ) مثلاً : قال والله لا أصلي تطوعاً، فنقول الآن صلاة التطوع خير كفر عن يمينك وصل. قال والله لا أصل هذا الرجل وهو من قرابته، والله لا أصله، نقول الصلة خير، كفر عن يمينك وصله، وكذلك لو قال والله لأفعلن كذا، والله لأهجرن زيداً وهو من يحرم هجره، نقول لا، الهجر حرام، كفر عن يمينك وكلمه، وهكذا. وعلى هذا فنقول إن الحنث تجري فيه الأحكام الخمسة، فإذا قال والله لا أصلي مع الجماعة كان الحنث واجباً، وإذا قال والله لا أكلم فلان وهو ممن يحرم هجره كان الحنث واجباً، وإذا قال والله لأصلين مع الجماعة كان الحنث حراماً، وإذا قال والله لا أصلي الراتبة كان الحنث أولى، وإذا قال والله لأصلين الراتبة كان عدم الحنث أولى. المهم أنه على حسب المحلوف. وظاهر الحديث ( كفر، وأت ) أنه لا يضر أن يقدم الكفارة أو الحنث وذلك لأن الواو لا تقتضي الترتيب، فإن شئت فكفر أولاً ويسمى تحلة، وإن شئت كفر ثانياً ويسمى كفارة.
5 - حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل حدثنا جرير بن حازم حدثنا الحسن حدثنا عبد الرحمن بن سمرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك وإت الذي هو خير ) أستمع حفظ
حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبيه قال ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين أستحمله فقال والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه قال ثم لبثنا ما شاء الله أن نلبث ثم أتي بثلاث ذود غر الذرى فحملنا عليها فلما انطلقنا قلنا أو قال بعضنا والله لا يبارك لنا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم حملنا فارجعوا بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنذكره فأتيناه فقال ما أنا حملتكم بل الله حملكم وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني )
قال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن غيلان بن جرير، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين أستحمله، فقال : ( والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم عليه ) قال: ثم لبثنا ما شاء الله أن نلبث، ثم أتي بثلاث ذود غر الذرى، فحملنا عليها، فلما انطلقنا قلنا، أو قال بعضنا: والله لا يبارك لنا، أتينا النبي صلى الله عليه وسلم نستحمله فحلف أن لا يحملنا، ثم حملنا، فارجعوا بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنذكره، فأتيناه فقال : ( ما أنا حملتكم، بل الله حملكم، وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيراً منها، إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ) أو ( أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ).
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا الحديث دليل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على الجهاد في سبيل الله والغزو.
وفيه بيان جواز الحلف للطمأنينة طمأنينة المخاطب، وإن كان لم يستحلف لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( والله لا أحملكم ).
وفيه أيضاً دليل على أن الإنسان إذا حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه كفر عن يمينه وأتى الذي هو خير، وهذه قاعدة عامة، ولهذا أقسم النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا يحلف على يمين فيرى غيرها خيراً منها إلا كفر عن يمينه وأتى الذي هو خير.
وفيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز عليه النسيان ولهذا جوزه عليه أعلم الناس به وبحاله وهم الصحابة رضي الله عنهم، لكن هذا في غير أمور الشرع، فأما أمور الشرع فقد قال الله تعالى : (( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى )) فلا ينسي منها شيئاً إلا شيئاً نساه الله إياه.
6 - حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبيه قال ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين أستحمله فقال والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه قال ثم لبثنا ما شاء الله أن نلبث ثم أتي بثلاث ذود غر الذرى فحملنا عليها فلما انطلقنا قلنا أو قال بعضنا والله لا يبارك لنا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم حملنا فارجعوا بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنذكره فأتيناه فقال ما أنا حملتكم بل الله حملكم وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ) أستمع حفظ
شيخ الإسلام إشترط في الحنث قصد المخالفة فهل هذا الشرط صحيح ؟
الشيخ : هذا فيما إذا حلف على غيره، أنه ما يحنث إلا إذا قصد الغير المخالفة، أما إذا قصد الإكرام فإنه لا يحنث عند الشيخ، ولكن ظاهر النصوص خلاف كلامه، وأنه متى حنث وجب عليه أن يكفر عن يمينه.
السائل : حتى في الإكرام ؟
الشيخ : حتى في الإكرام .
في حديث ( والله لا أحملكم ) هل نسي الرسول صلى الله عليه وسلم أم هم اعتقدوا ذلك ؟
الشيخ : ما نسي
السائل : اعتقدوا عنه نسي
الشيخ : إي نعم، لولا أنه جائز ما اعتقدوه، هذا هو المقصود وإلا ما نسي بين أنه سيكفر عن يمينه.
السائل : قلنا أن النصوص تشمل حتى الإكرام ... حينما أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أنت أبرهم لله ثم أكرم الأضياف ولم يأمرهم بالكفارة
الشيخ : اي معروف لأن الأصل وجوب الكفارة الأصل هو وجوب الكفارة
السائل : ...
الشيخ : اي نبنيه على الأصل لأن عدم ذكر الشيء مع وجود أصل ينى عليه ليس ذكراً لعدمه