تتمة فوائد حديث كفارة الجماع في رمضان .
وفيه دليل على أن الكفارة تسقط عن العاجز عنها، وهذا هو الصحيح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر لهذا الرجل أن الكفارة بقيت في ذمته.
قال بعض العلماء : بل في هذا الحديث دليل على أن الكفارة لا تسقط عن العاجز وذلك لأن الرجل قال : لا أستطيع أن أطعم ستين مسكيناً، فلما جيء بالتمر قال : ( خذه فتصدق به )، ولكن في هذا نظر، وذلك لأن هذا التمر جاء في نفس الحال يعني في نفس القضية، فلو أن إنساناً حينما فعل شيئاً يوجب المال لم يكن عنده مال حين فعله لكنه في نفس الوقت جاءه المال فهنا نقول : يجب عليك أن تتصدق بما يلزمك.
فإذا قال قائل: هل تحددون هذا بيوم أو يومين أو ثلاثة أو شهر أو شهرين؟
فالجواب عن ذلك : لا نحدده لأن التحديد يحتاج إلى إيش؟ إلى دليل، ولكن نقول ما جرى به العرف، يعني إذا كان في نفس المكان فهذا يلزمه.
فإذن فالصحيح أن هذا الحديث يدل على أن العاجز عن الكفارة حين وجوبها تسقط عنه ولا تبقى في ذمته، وهذا الذي قلناه لا شك أنه هو ظاهر الحديث ويؤيده العمومات الدالة على أنه لا واجب مع العجز.
وفي هذا دليل على جواز الضحك من ذوي الهيئات والشرف والسيادة وأن الضحك لا يعد مخالفاً للمروءة ولكن يجب أن نعلم أن أكثر ضحك الرسول عليه الصلاة والسلام التبسم ولم يحفظ عنه أنه قهقه، وأما ما يفعله بعض الناس إذا ضحك حتى تكاد السقوف التي فوقه تسقط منه فهذا لا شك أنه خلاف المروءة لكن الضحك المعتاد الذي يدل على انبساط الإنسان وانشراح صدره هذا أمر محمود يحمد عليه الإنسان، ولهذا لما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى يضحك في حديث أبي رزين العقيلي قال : يا رسول الله، أو يضحك ربنا؟ قال : ( نعم )، قال : " لن نعدم من رب يضحك خيرا "، يعني أن الذي يضحك هو الذي يؤمل فيه ويرجى فيه الخير.
نعم، أنظر الشاهد من الحديث، وجه إدخال المؤلف هذا الحديث في الباب ؟
قراءة من الشرح
القارئ : قوله : باب متى تجب الكفارة على الغني والفقير، وقول الله تعالى: (( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم إلى قوله العليم الحكيم )).
كذا لأبي ذر، ولغيره: باب قول الله تعالى: (( قد فرض الله لكم )) وساقوا الآية، وبعدها.
قال ابن المنير: مقصوده أن ينبه على أن الكفارة إنما تجب بالحنث كما أن كفارة المواقع إنما تجب باقتحام الذنب، وأشار إلى أن الفقير لا يسقط عنه إيجاب الكفارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم فقره وأعطاه مع ذلك ما يكفر به كما لو أعطى الفقير ما يقضي به دينه. قال: ولعله كما نبه على احتجاج الكوفيين بالفدية نبه هنا على ما احتج به من خالفهم من إلحاقها بكفارة المواقع، وأنه مد لكل مسكين.
هل في الحديث دليل على أن الإنسان يجوز أن يسأل الصدقة لنفسه ؟
الشيخ : نعم، فيه دليل على أن الإنسان إذا كان محتاجاً فلا بأس أن يسأل لنفسه.
هل يأتي الفعل "فرض " بمعنى " شرع " ؟
الشيخ : شرع، لأن فرض إن جاءت بعلى إن تعدت بعلى فهي بمعنى أوجب، وإن جاءت باللام فهي بمعنى شرع أو أحل، مثل قول الله تعالى : (( ما جعل الله على النبي من حرج فيما فرض الله له )) أي فيما أحل له.
القارئ : ذكر يا شيخ مناسبة الحديث للباب
الشيخ : إي ما هو ماذا يقول ؟
القارئ : ذكر في حديث أبي هريرة المذكور قبله وهو ظاهر فيما ترجم له فكما جاز إعانة المعسر
الشيخ : لا هذا الباب الذي بعده .
السائل : الإطعام يا شيخ (( من أوسط ما تطعمون )) عامة الناس يا شيخ ولا نفس الرجل
الشيخ : لا نفس الرجل .
باب : من أعان المعسر في الكفارة
حدثنا محمد بن محبوب حدثنا عبد الواحد حدثنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلكت فقال وما ذاك قال وقعت بأهلي في رمضان قال تجد رقبةً قال لا قال هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً قال لا قال فجاء رجل من الأنصار بعرق والعرق المكتل فيه تمر فقال اذهب بهذا فتصدق به قال أعلى أحوج منا يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا ثم قال اذهب فأطعمه أهلك )
6 - حدثنا محمد بن محبوب حدثنا عبد الواحد حدثنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلكت فقال وما ذاك قال وقعت بأهلي في رمضان قال تجد رقبةً قال لا قال هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فتستطيع أن تطعم ستين مسكيناً قال لا قال فجاء رجل من الأنصار بعرق والعرق المكتل فيه تمر فقال اذهب بهذا فتصدق به قال أعلى أحوج منا يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا ثم قال اذهب فأطعمه أهلك ) أستمع حفظ
فوائد حديث الذي وقع على أهله في رمضان
وفيه أيضاً في هذا الحديث جواز الحلف بدون استحلاف، لأن الرجل قال : والذي بعثك بالحق.
وفيه أيضاً دليل على جواز الحلف على غلبة الظن، وذلك لأن هذا الرجل حلف أنه لا يوجد أهل بيت أفقر منه، ومن المعلوم أن هذا الرجل لم يطف في البيوت حتى يستبرأها وينظر هل هم أفقر منه أو لا؟ فمن الجائز أن يكون هناك من هو أفقر.
فإن قال قائل : إذا كان هذا الرجل ليس في بيته شيء فما هو الذي يمكن أن يكون أفقر منه؟
نقول: يمكن أن يكون الذي أفقر منه ليس عليه مثل لباسه، في قصة الرجل الذي قال للرسول عليه الصلاة والسلام في الواهبة نفسها قال: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة؟ فسأله عن صداقها، قال: إزاري، وليس عليه إلا إزار، وليس عنده طعام وليس عنده أي مال، وربما أيضاً يكون أحد أفقر بأن لا يكون في بيته شيء وعليه ديون. وعلى هذا فنقول: في هذا دليل على جواز اليمين على غلبة الظن، وأنه لا يحنث لو كان على مستقبل كما هو القول الراجح، فلو حلف على ظنه ليقدمن زيدٌ غداً، فلم يقدم فليس عليه كفارة، لماذا؟ لأنه إنما حلف على ما يغلب على ظنه أن فلاناً سيقدم، ولم يحلف على أنه سيلزم فلاناً بالحضور، أما لو كان نيته أن يلزمه بالحضور فإنه يحنث إذا لم يحضره، لكنه إنما حلف على غلبة ظنه.
هل هناك فرق بين الصدقة و الإعانة ؟
الشيخ : إي نعم، المتصدق يرى أنه أعلى يداً من المتصدق عليه، وأن المتصدق عليه نازل الرتبة، وأما الإعانة فهي تشبه الهبة كما لو أعان الرجل أخاه في حمل شيء، ما هو بمتصدق، فالصدقة يكون المتصدق عليه أدنى حالاً من الذي يعين.
هل يجوز أن يطعم مسكيناً واحداً ستين يوماً ؟
الشيخ : الحديث يقول تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً، لا بد من ستين مسكين.
السائل : هذا الرجل ما في بيته ستين مسكينا؟
الشيخ : هذا مما يدل على أن الرسول أعطاه ليس عن الكفارة، لم يعطه على الكفارة، إنما أعطاه على أنها صدقة له والكفارة سكت عنها.
من عليه كفارة هل يجب عليه أن يقبل الإعانة ؟
الشيخ : لا، من عليه يمين فإنه لا يلزمه أن يقبل الإعانة لما فيها من المنة، ولكن إن أعطي وقبل فلا بأس.
باب : يعطي في الكفارة عشرة مساكين، قريبا كان أو بعيدا
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سفيان عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة قال ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت قال وما شأنك قال وقعت على امرأتي في رمضان قال هل تجد ما تعتق رقبةً قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً قال لا أجد فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال خذ هذا فتصدق به فقال أعلى أفقر منا ما بين لابتيها أفقر منا ثم قال خذه فأطعمه أهلك )
12 - حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سفيان عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة قال ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت قال وما شأنك قال وقعت على امرأتي في رمضان قال هل تجد ما تعتق رقبةً قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً قال لا أجد فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال خذ هذا فتصدق به فقال أعلى أفقر منا ما بين لابتيها أفقر منا ثم قال خذه فأطعمه أهلك ) أستمع حفظ
فائدة : سبب إختلاف روايات الحديث حتى وإن كان الراوي واحد .
ومن المعلوم أن الأحاديث الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام تروى بالمعنى إلا ما كان متعبداً بلفظه بمعنى أنه مشروع على هذا الوجه، فإنهم يروونه بلفظه، مثل ألفاظ التشهد والتعوذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، على أن فيها اختلافاً في ألفاظها، لكن الغالب أن الأذكار التي يتعبد بها أنها تروى بلفظها، أما ما يقصد به المعنى فإنه يروى بالمعنى، ولهذا تختلف الألفاظ فيه كثيراً.
فلو قال قائل مثلاً حديث أبي هريرة الآن يروى على عدة أوجه، ألا يمكن أن نعد هذا اضطراباً في الحديث يوجب ضعفه ؟
الجواب: لا، لأن هذا الاختلاف لا يختلف به المعنى، كلهم يروونه بالمعنى، ومعلوم أن الإنسان لا يمكن أن يضبط كل ما يسمعه من غيره، لا يمكن أن يضبطه بلفظه ولكن يقرأه بالمعنى.
هل تسقط الكفارة بإطعام مسكين واحد لمن لم يجد ؟
الشيخ : كيف ؟
السائل : رجل عليه إطعام ستين مسكيناً ووجد طعام مسكين واحد، يعطى هذا المسكين وتسقط عنه الكفارة؟
الشيخ : يعني ما وجد إلا مسكيناً واحداً؟
السائل : لا، هو ما وجد إلا إطعام مسكين هل تسقط عنه الكفارة؟
الشيخ : اه، ما تسقط عنه الكفارة، لا بد أن يجد إطعام ستين مسكيناً، يعني لو كان عنده من الإطعام ما يكفي خمسين مسكيناً سقط عنه الوجوب وانتقل إلى الصوم، إذا كان يصوم.
السائل : لكن الرجل النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجلس حتى جاء هذا المكتل ليتصدق به؟
الشيخ : يحتمل أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد علم أن هذا الأنصاري يأتي بتمر ويحتمل أنه ما علم.
إذا أطعم مسكيناً واحداً أليس أفضل من أن لا يطعم أحد ؟
الشيخ : لا شك أنه أهون، وقد يقال يطعم الموجود الآن وربما يأتيه رزق ويطعم الباقي إذا قلنا بأنها لاتسقط.
هل قيدالنبي صلى الله عيه وسلم القريب بالإطعام ؟
الشيخ : الرسول عليه الصلاة والسلام ما قال القريب.
السائل : أن يعطي كفارة عشرة مساكين ؟
الشيخ : كفارة اليمين عشرة مساكين سواء كان قريبا أو بعيد، يعني الرسول ما قيد ما قال قريبين لك أو بعيدين عنك.
السائل : ألفاظ الحديث تعددت نفس رواية الصحابي... شواهد للحديث
الشيخ : لا لا، هو حديث واحد قصة واحدة، الشواهد يأتي يشهد له بالمعنى لكن في قصة أخرى.
باب : صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته، وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن.
17 - باب : صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته، وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن. أستمع حفظ
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا القاسم بن مالك المزني حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن عن السائب بن يزيد قال ( كان الصاع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مداً وثلثاً بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز )
18 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا القاسم بن مالك المزني حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن عن السائب بن يزيد قال ( كان الصاع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مداً وثلثاً بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز ) أستمع حفظ
حدثنا منذر بن الوليد الجارودي حدثنا أبو قتيبة وهو سلم حدثنا مالك عن نافع قال ( كان ابن عمر يعطي زكاة رمضان بمد النبي صلى الله عليه وسلم المد الأول وفي كفارة اليمين بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال ) أبو قتيبة قال لنا مالك مدنا أعظم من مدكم ولا نرى الفضل إلا في مد النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي مالك لو جاءكم أمير فضرب مدًا أصغر من مد النبي صلى الله عليه وسلم بأي شيء كنتم تعطون قلت كنا نعطي بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبوقتيبة: قال لنا مالك: " مدنا أعظم من مدكم، ولا نرى الفضل إلا في مد النبي صلى الله عليه وسلم ".
وقال لي مالك: لو جاءكم أمير فضرب مداً أصغر من مد النبي صلى الله عليه وسلم، بأي شيء كنتم تعطون؟ قلت: كنا نعطي بمد النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي صلى الله عليه وسلم.
19 - حدثنا منذر بن الوليد الجارودي حدثنا أبو قتيبة وهو سلم حدثنا مالك عن نافع قال ( كان ابن عمر يعطي زكاة رمضان بمد النبي صلى الله عليه وسلم المد الأول وفي كفارة اليمين بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال ) أبو قتيبة قال لنا مالك مدنا أعظم من مدكم ولا نرى الفضل إلا في مد النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي مالك لو جاءكم أمير فضرب مدًا أصغر من مد النبي صلى الله عليه وسلم بأي شيء كنتم تعطون قلت كنا نعطي بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي صلى الله عليه وسلم أستمع حفظ
حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم )
الشيخ : يمكن الشرح ؟
20 - حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم ) أستمع حفظ
قراءة من الشرح مع تعليق الشيخ
القارئ : قوله : " باب صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته ".
أشار في الترجمة إلى وجوب الإخراج في الواجبات بصاع أهل المدينة لأن التشريع وقع على ذلك أولاً، وأكد ذلك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالبركة في ذلك.
قوله: " وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن" أشار بذلك إلى أن مقدار المد والصاع في المدينة لم يتغير لتواتره عندهم إلى زمنه، وبهذا احتج مالك على أبي يوسف في القصة المشهورة بينهما، فرجع أبو يوسف عن قول الكوفيين في قدر الصاع إلى قول أهل المدينة.
ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث:
الأول: حديث السائب بن يزيد، قوله : كان الصاع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مداً وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز.
قال ابن بطال: هذا يدل على أن مدهم حين حدث به السائب كان أربعة أرطال، فإذا زيد عليه ثلثه وهو رطل وثلث قام منه خمسة أرطال وثلث وهو الصاع بدليل أن مده صلى الله عليه وسلم رطل وثلث وصاعه أربعة أمداد. ثم قال: مقدار ما زيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز لا نعلمه، وإنما الحديث يدل على أن مدهم ثلاثة أمداد بمده انتهى.
ومن لازم ما قال أن يكون صاعهم ستة عشر رطلاً، لكن لعله لم يعلم مقدار الرطل عندهم إذ ذاك، وقد تقدم في باب الوضوء بالمد من كتاب الطهارة بيان الاختلاف في مقدار المد والصاع، ومن فرق بين الماء وغيره من المكيلات فخص صاع الماء بكونه ثمانية أرطال ومده برطلين فقصر الخلاف على غير الماء من المكيلات.
الحديث الثاني: قوله: حدثنا أبو قتيبة وهو سلم بفتح المهملة وسكون اللام، وفي رواية الدارقطني من وجه آخر عن المنذر حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة.
قلت: وهو الشعيري بفتح الشين المعجمة وكسر المهملة، بصري، أصله من خراسان أدركه البخاري بالسن، ومات قبل أن يلقاه وهو غير سلم بن قتيبة الباهلي ولد أمير خراسان قتيبة بن سلم، وقد ولي هو إمرة البصرة وهو أكبر من الشعيري، ومات قبله بأكثر من خمسين سنة.
قوله: المد الأول هو نعت مد النبي صلى الله عليه وسلم وهي صفة لازمة له، وأراد نافع بذلك أنه كان لا يعطي بالمد الذي أحدثه هشام.
قال ابن بطال: وهو أكبر من مد النبي صلى الله عليه وسلم بثلثي رطل، وهو كما قال فإن المد الهشامي رطلان، والصاع منه ثمانية أرطال.
قوله: قال لنا مالك، هو مقول أبي قتيبة وهو موصول.
قوله: مدنا أعظم من مدكم يعني في البركة أي مد المدينة، وإن كان دون مد هشام في القدر، لكن مد المدينة مخصوص بالبركة الحاصلة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها، فهو أعظم من مد هشام، ثم فسر مالك مراده بقوله: ولا نرى الفضل إلا في مد النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: وقال لي مالك لو جاءكم أمير إلخ، أراد مالك بذلك إلزام مخالفه إذ لا فرق بين الزيادة والنقصان في مطلق المخالفة، فلو احتج الذي تمسك بالمد الهشامي في إخراج زكاة الفطر وغيرها مما شرع إخراجه بالمد كإطعام المساكين في كفارة اليمين بأن الأخذ بالزائد أولى قيل كفى باتباع ما قدره الشارع بركة فلو جازت المخالفة بالزيادة لجازت مخالفته بالنقص، فلما امتنع المخالف من الأخذ بالناقص قال له أفلا ترى أن الأمر إنما يرجع إلى مد النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه إذا تعارضت الأمداد الثلاثة الأول والحادث وهو الهشامي وهو زائد عليه والثالث المفروض وقوعه وإن لم يقع، وهو دون الأول، كان الرجوع إلى الأول أولى لأنه الذي تحققت شرعيته.
قال ابن بطال: والحجة فيه نقل أهل المدينة له قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل، قال: وقد رجع أبو يوسف بمثل هذا في تقدير المد والصاع إلى مالك وأخذ بقوله.
تنبيه: هذا الحديث غريب لم يروه عن مالك إلا أبو قتيبة ولا عنه إلا المنذر، وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي وعلى أبي نعيم فلم يستخرجاه بل ذكراه من طريق البخاري، وقد أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق البخاري، وأخرجه أيضاً عن بن عقدة عن الحسين بن القاسم.
الشيخ : كان مالك رحمه الله يرى أنه لا يزاد في المد ولا في الصاع عن مد النبي صلى الله عليه وسلم وصاعه حتى في صدقة الفطر، لو كان الصاع في عرفنا أكثر من صاع النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكره أن تؤدى زكاة الفطر بالصاع الموجود بل تؤدى بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.
وصاع النبي عليه الصلاة والسلام يقول لنا شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : إنه يزن ثمانين ريال فرنسي، الريال الفرنسي معروف، لا يزال موجوداً الآن، وأن الصاع صاعنا الحاضر هنا في القصيم يزن مائة وأربعة ريالات فرنسية، كم تكون الزيادة بالنسبة؟ الربع، زيادة الربع وزيادة أيضاً وخمس الربع، يعني صاعنا يفضل صاع النبي صلى الله عليه وسلم بالربع وخمس الربع، يعني أضف إلى صاع النبي صلى الله عليه وسلم ربعه وخمس ربعه يكن صاعنا.
وبناء على مذهب مالك رحمه الله يكره أن نؤدي زكاة الفطر بصاعنا بل لا بد أن ردها إلى صاع النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول رحمه الله ناظره مناظرة، قال : لو جاءكم أمير فضرب لكم مدا أصغر من مد النبي صلى الله عليه وسلم بأي شيء كنتم تعطون؟ بمد النبي عليه الصلاة والسلام وصاعه، فكذلك إذا جعل مداً أكبر فلا تعطون إلا بمد النبي عليه الصلاة والسلام وصاعه، والله أعلم.
باب قول الله تعالى : (( أو تحرير رقبة )) . وأي الرقاب أزكى.
حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد بن مسلم عن أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن علي بن حسين عن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أعتق رقبةً مسلمةً أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار حتى فرجه بفرجه )
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الباب أراد المؤلف رحمه الله أن يبين أن قوله تعالى : (( أو تحرير رقبة )) في كفارة الأيمان لفظ مطلق، واللفظ المطلق يبقى على إطلاقه.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يشترط الإيمان في كفارة اليمين أو لا؟
فمنهم من قال إنه يشترط، ومنهم من قال إنه لا يشترط، فمن قال إنه يشترط قال : يحمل هذا المطلق على المقيد في كفارة القتل، لأن كفارة القتل قال الله فيها : (( فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة )).
ومنهم من قال : يبقى القيد في كفارة القتل على ما هو عليه ، ويبقى الإطلاق في كفارة الظهار وفي كفارة اليمين على ما كان عليه، وعلل هذا بأن كفارة القتل كفارة في ذنب أشد وأعظم، فإن قتل النفس أعظم من الحنث في اليمين وأعظم من الظهار.
ولكن مع ذلك اتفقوا على أن الرقبة المؤمنة أفضل من الرقبة غير المؤمنة، وأنه كلما كانت الرقبة أزكى فهي أفضل كما ترجم له البخاري رحمه الله حيث قال : " وأي الرقاب أزكى ".
الرقاب أزكاها أقواها إيماناً بالله وأنفسها عند أهلها، وأغلاها ثمناً، لأن المؤمنة كانت أزكى لوصف قام فيها وهو الإيمان، والتي هي أغلى وأنفس عند أهلها لوصف في غيرها وهو المال، فإنه كلما كانت أغلى كان بذل المال فيها أدل على الإيمان بالنسبة للباذل، وكذلك كلما كانت أنفس عند أهلها.
وفي الحديث الذي ساقة المؤلف رحمه الله فضيلة العتق، ولكن لو قال قائل : ما مناسبته للترجمة؟
فلعل مناسبته أن فيه دليلاً على أن إعتاق الرقبة سبب للعتق من النار، والكفارة تكفر الذنب، وإذا كفر الذنب نجى به الإنسان من النار.
شف عندك الفتح ؟
23 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد بن مسلم عن أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن علي بن حسين عن سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أعتق رقبةً مسلمةً أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار حتى فرجه بفرجه ) أستمع حفظ
قراءة من الشرح مع تعليق الشيخ
القارئ : قوله باب قول الله عز وجل : (( أو تحرير رقبة ))
يشير إلى أن الرقبة في آية كفارة اليمين مطلقة بخلاف آية كفارة القتل فإنها قيدت بالإيمان.
قال ابن بطال: حمل الجمهور ومنهم الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق المطلق على المقيد كما حملوا المطلق في قوله تعالى: (( وأشهدوا إذا تبايعتم )) على المقيد في قوله: (( وأشهدوا ذوي عدل منكم )) وخالف الكوفيون فقالوا يجوز إعتاق الكافر، ووافقهم أبو ثور وابن المنذر، واحتج له في كتابه الكبير بأن كفارة القتل مغلظة بخلاف كفارة اليمين، ومن ثم اشترط التتابع في صيام القتل دون اليمين.
الشيخ : لعله تكلم على مناسبة الحديث للترجمة. عندك القسطلاني ذكر شيء هو بالعادة يذكر في آخر الحديث
القارئ : يقول سبق الحديث في أوائل العتق.
الشيخ : فقط
القارئ : ما ذكر شيء
الشيخ : ما ذكر شيء طيب، الظاهر والله أعلم هو ما ذكرته، أنه إذا كان العتق سبباً للإعتاق من النار فإنه يكون سبباً للإثم المتوقع بفعل الذنب الذي فيه الكفارة.
هل الإطعام أفضل أم العتق ؟
الشيخ : بس الحديث ما يدل على هذا، الحديث يدل على فضيلة العتق فقط، إنما لا شك أن العتق أفضل من الأطعام وأفضل من الكسوة، وأن الآية فيها البداءة بالأسهل فالأسهل.
السائل : ما يكون هذا مقصود البخاري
الشيخ : ما أظن
السائل : ما يكون المناسبة هي اشتراط الرقبة المسلمة ؟
الشيخ : يمكن لأن قوله أي الرقاب أزكى، لا شك أن المسلمة أزكى من غيرها، هذا أيضا وجه آخر.
باب : عتق المدبروأم الولد والمكاتب في الكفارة، وعتق ولد الزنا. وقال طاوس: يجزىء المدبر وأم الولد.
26 - باب : عتق المدبروأم الولد والمكاتب في الكفارة، وعتق ولد الزنا. وقال طاوس: يجزىء المدبر وأم الولد. أستمع حفظ
حدثنا أبو النعمان أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو عن جابر ( أن رجلاً من الأنصار دبر مملوكاً له ولم يكن له مال غيره فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن النحام بثمان مائة درهم فسمعت جابر بن عبد الله يقول عبداً قبطياً مات عام أول )
الشيخ : يقول المؤلف : " باب عتق المدبر وأم الولد والمكاتب في الكفارة، وعتق ولد الزنا " هؤلاء أربعة.
المدبر: وهو من علق عتقه بالموت مثل أن يقول إذا مت فعبدي حر، وسمي مدبراً لأن عتقه علق بدبر حياة الميت أي ما بعدها.
والمكاتب: هو الذي اشترى نفسه من سيده.
وأم الولد: هي التي أتت من سيدها بولد قد تبين فيه خلق إنسان.
وولد الزنا: هو ولد الأمة التي زني بها، لأن ولد الزنا ليس له أب.
يعني هل يصح عتقهم ؟
والجواب أنه يصح، يصح عتق المدبر، لأنه فيه تعجيل للعتق، والمكاتب كذلك لأن فيه تعجيلا، وأم الولد وولد الزنا.
أما الحديث ففيه دليل على أن الدين مقدم على العتق في التدبير وأن الإنسان إذا دبر عبده وكان عليه دين فإنه يباع العبد ويوفى الدين، ولا يقال إن العتق قوي السراية والنفوذ لأن العتق تطوع ووفاء الدين واجب، ولهذا كان القول الراجح أن من عليه دين واجب فإنه لا يجوز له أن يتبرع بشيء من ماله لا صدقة ولا هدية ولا وقفاً إلا بعد أن يقضي دينه، وذلك لأن الدين واجب وما سواه تطوع.
27 - حدثنا أبو النعمان أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو عن جابر ( أن رجلاً من الأنصار دبر مملوكاً له ولم يكن له مال غيره فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن النحام بثمان مائة درهم فسمعت جابر بن عبد الله يقول عبداً قبطياً مات عام أول ) أستمع حفظ
هل يجوز لمن عليه دين أن يتصدق ؟
الشيخ : ربما يقال الشيء القليل يتسامح فيه لأن صاحب الدين يسمح به في الغالب، وقد يقال إننا إذا سمحنا بالقليل وتصدق اليوم بريال مثلاً وقال إنه قليل، وغداً بريال صار يتجمع عليه كثير، فالأولى سد الباب، ويقال أنت إذا كنت تريد التقرب إلى الله فإن وفاء الدين أحب إلى الله عز وجل من الصدقة، لأنه ما تقرب أحد إلى الله بشيء أحب إليه مما افترض عليه، ووفاء الدين واجب.
السائل : الذي عليه دين يعني عنده بعض المال هل يجوز له أن يأخذ شيء للترفه أو أنه يجب أن يقتصر على الحاجة ؟
الشيخ : الذي أرى أنه لا يترفه ما دام المال الذي في يده لا يقابل الدين، أما إذا كان يقابل الدين فالأمر سهل.
السائل : قوله والمكاتب في الكفارة ؟
الشيخ : لأن عتق هؤلاء في غير الكفارة واضح، ما فيه إشكال، لأنه تعجيل للعتق.
الكلام في الكفارة هل يقال إن إعتاقهم يجزئ مع انعقاد سبب الحرية أو لا؟
السائل : طيب، وولد الزنا؟
الشيخ : مثله، يعني قد يظن أنه لما كان هذا ناشئاً عن وطئ حرام فإنه لا يجزئ.
باب : إذا أعتق عبدا بينه وبين آخر. باب : إذا أعتق في الكفارة، لمن يكون ولاؤه.
الشيخ : باب إذا أعتق في الكفارة لمن يكون ولاؤه
القارئ : يقدم هذا على هذا
الشيخ : لا هذا نسخة ثانية
القارئ : باب إذا عتق في الكفارة لمن يكون ولاؤه؟
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ( أنها أرادت أن تشتري بريرة فاشترطوا عليها الولاء فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتريها إنما الولاء لمن أعتق )
الشيخ : إذا أعتق في الكفارة لمن يكون الولاء ؟ هل يكون له؟ أو يكون للفقراء لأنهم هم أهل الكفارات؟ أو يكون لبيت المال؟ والمسألة فيها خلاف بين العلماء. فمنهم من قال إن الذي يعتق في الكفارة والزكاة يكون ولاؤه لبيت المال أو لمستحقي هذا الشيء، إن كان في زكاة فهو لمستحق الزكاة، إن كان في كفارة فهو للفقراء.
ومن العلماء من يقول الولاء لمن أعتق مطلقاً، ولو في كفارة أو في أي شيء كان، فإنه يكون ولاؤه لمن أعتقه.
والولاء هو العصوبة التي تكون على المعتق وقد يكون المال الذي يخلفه هذا العتيق مالاً كثيراً، ربما يتجر هذا العتيق إذا عتق ويكسب أموالاً كثيرة تبلغ الملايين.
المشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله أن الولاء لمن أعتق مطلقاً لعموم الحديث : ( إنما الولاء لمن أعتق ).
والقول الثاني في المسألة : أن ما أعتق في الزكاة يكون ولاؤه لأهل الزكاة، وما أعتق في كفارة يكون ولاؤه لأهل الكفارات الفقراء، وما أعتق تطوعاً وتقرباً إلى الله فولاؤه لمن أعتقه.
فإن نظرنا إلى عموم الحديث قلنا هذا الحديث عام، وأكثر الذين يعتقون إنما يعتقون في كفارة أو زكاة. وإذا نظرنا إلى المعنى وأنه كيف تعود ثمرة زكاته وكفارته عليه قلنا ينبغي أن نجعل الولاء فيما أعتق لكفارة للفقراء، والولاء فيما أعتق لزكاة لأهل الزكاة، وهذا أحوط، القول الثاني هذا أحوط.
السائل : إذا اشترط إنسان من يعتق عليه بمجرد العقد يجزئ في الكفارة؟
الشيخ : إي نعم، يجزئ، لأنه يصدق عليه أنه عتقه، بمجرد العقد يصح، لأنه لو شاء لم يشتره وبقي على رقه.
السائل : أورد البخاري رحمه الله تعالى بابين وذكر حديث واحد هذا يشكل ... ؟
الشيخ : الباب الأول لعل البخاري رحمه الله لم يجد حديثاً على شرطه فأشار إليه إشارة، يمكن نبه عليه الحافظ؟
30 - حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ( أنها أرادت أن تشتري بريرة فاشترطوا عليها الولاء فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتريها إنما الولاء لمن أعتق ) أستمع حفظ
قراءة من الشرح مع تعليق الشيخ
القارئ : قوله باب إذا أعتق عبداً بينه وبين آخر
أي في الكفارة، ثبتت هذه الترجمة للمستملي وحده بغير حديث، فكأن المصنف أراد أن يثبت فيها حديث الباب الذي بعده من وجه آخر فلم يتفق، أو تردد في الترجمتين فاقتصر الأكثر على الترجمة التي تلي هذه، وكتب المستملي الترجمتين احتياطاً، والحديث في الباب الذي يليه صالح لهما بضرب من التأويل، وجمع أبو نعيم الترجمتين في باب واحد. انتهى
القارئ : العيني تكلم
الشيخ : ماذا يقول ؟
" قراءة في عمدة القاري للعيني "
القارئ : باب إذا أعتق عبداً بينه وبين آخر
أي هذا باب في بيان حكم شخص إذا أعتق عبداً مشتركا بينه وبين آخر في الكفارة، هل يجوز أم لا؟ ولكن لم يذكر فيه حديثاً.
قال الكرماني: قالوا: إن البخاري ترجم الأبواب بين ترجمة وترجمة ليلحق الحديث بها، فلم يجد حديثاً بشرطه يناسبها، أو لم يف عمره بذلك. وقيل: بل أشار به إلى أن ما نقل فيه من الأحاديث ليست بشرطه، وقال بعضهم: ثبتت هذه الترجمة للمستملي وحده بغير حديث، فكأن المصنف أراد أن يكتب حديث الباب الذي بعده من وجه آخر فلم يتفق له، أو تردد في الترجمتين فاقتصر الأكثر على الترجمة التي تلي هذه، وكتب المستملي الترجمتين احتياطاً، والحديث
الشيخ : " قال بعضهم " يريد ابن حجر، لأن هذا كلام ابن حجر بعينه.
القارئ : والحديث الذي في الباب الذي يليه صالح لهما بضرب من التأويل. انتهى. قلت: هذا الذي ذكراه كله تخمين وحسبان، أما الوجه الأول: مما قاله الكرماني فليس بسديد، لأن الظاهر أنه كان لا يكتب ترجمة إلا بعد وقوفه على حديث يناسبها، وأما الوجه الثاني: فكذلك، وأما الوجه الثالث: فأبعد من الوجهين الأولين، لأن الإشارة تكون للحاضر، فكيف يطلع الناظر فيها على أن ههنا أحاديث ليست بشرطه؟ وأما الذي قال بعضهم: إن المستملي كتب الترجمتين احتياطاً، فأي احتياط فيه؟ وما وجه هذا الاحتياط؟ يعني: لو ترك الترجمة التي هي بلا حديث لكان يرتكب إثماً حتى ذكره احتياطاً؟ وأما قوله: والحديث الذي في الباب الذي يليه..إلى آخره، فليس بموجه أصلاً ولا صالح لما ذكره، لأن الولاء لمن أعتق فالعبد الذي أعتقه له ولاؤه أيضاً له، فأين الاشتراك بين الإثنين في هذا؟ غاية ما في الباب إذا أعتق عبداً بينه وبين آخر عن الكفارة فإنه إن كان موسراً أجزأه ويضمن لشريكه حصته، وإن كان معسراً لم يجزه، وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي وأبي ثور، وعند أبي حنيفة: لا يجزيه عن الكفارة مطلقا.
والصواب أن يقال: إن هذه الترجمة ليس لها وضع من البخاري، ولهذا لم تثبت عند غير المستملي من الرواة، ومع هذا في ثبوتها عنده نظر، والله أعلم بالصواب.
الشيخ : وهذا هو الأقرب، ما دام أنه انفرد بها واحد من الناس ممن نقلوا الكتاب فإنها تعتبر حتى على قاعدة المحدثين تعتبر شاذة، لا سيما وأنه لم يذكر فيها حديثاً.
وأما العبد المشترك فهذا أيضاً فيه خلاف بين العلماء، إذا كان عند الإنسان نصفا عبدين وعليه رقبة فهل يجزئ أن يعتق نصيبه من هذا العبد ونصيبه من هذا العبد؟
يرى بعض العلماء أنه لا يجزئ، ويرى آخرون التفصيل الذي أشار إليه العيني، وهو إن كان غنياً أجزأ لأنه إذا أعتق ما يملكه من العبد وهو غني سرى العتق إلى جميع العبد وألزم بدفع قيمه نصيب شريكه.