باب : ما يحذر من الحدود باب : الزنا وشرب الخمر. وقال ابن عباس: ينزع منه نور الإيمان في الزنا.
القارئ : " باب : ما يحذر من الحدود، باب : الزنا وشرب الخمر ". وقال ابن عباس : " ينزع منه نور الإيمان في الزنا ". الشيخ : نسأل الله العافية، نعوذ بالله. أولا : الحدود لها عدة تعاريف، الحدود هي ما حدده الشرع من الواجبات والمحرمات والعقوبات وغيرها، المهم أنه شيء له حد. فالحدود من الواجبات يقال فيها لا تعتدوها : (( تلك حدود الله فلا تعتدوها )). ومن المحرمات يقال : (( لا تقربوها )). وأما الحدود العقوبات فإنه يقال في تعريفها : كل عقوبة مقدرة شرعا في معصية ، لتمنع من الوقوع فيها وتكفر عن صاحبها. وقولنا : لتمنع، هذا تعليل أي بيان الحكمة من الحدود، وإلا فالتعريف ينتهي عند قولنا : كل عقوبة مقدرة شرعا في معصية . لكن الحكمة من الحدود أن تمنع من العودة إليها ، وتردع صاحبها ، وتمنع غيره أيضا، وهي أيضا تكفير لصاحبها لا يجمع عليه بين عقوبتين . إلا في قطاع الطريق فإن الله تعالى قال : (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم، إلا الذين تابوا )). إذن الحدود تعريفها : عقوبات مقدرة شرعا في معصية. وقولنا : في معصية، يعني لا تكون في ترك الواجب ، لأن ترك الواجب يعزر عليه ويؤدب عليه حتى يفعله ما له نهاية، فلو ضربنا شخصا عشرة أسواط ليصلي مع الجماعة ولم يصل ، ماذا نعمل ؟ . نضرب مرة أخرى وثالثة ورابعة حتى يصلي، لكن المحرمات إذا فعلها ضربناه مرة واحدة فقط. وقوله : " وما يحذر من الحدود "، أي ما يحذر مما يوجب الحد، فالحدود الثانية يظهر أن المراد بها المحرمات، وما يحذر من المحرمات، أو من أسباب الحدود، أي من أسباب العقوبات. ثم قال : " باب لا يشرب الخمر ". الخمر مر علينا في تعريفه أنه ما خامر العقل، - أي غطاه - على سبيل اللذة والطرب، فقولنا " على سبيل اللذة والطرب " ، خرج به البنج والبنزين وما أشبه ذلك، وما يذكر مما يشفط الآن، فيه بويا يقولون إنها تشفط وإذا شفطها الإنسان أغمي عليه، هذا ليس بسكر، وليس مما خامر العقل، لماذا ؟ . لأنه لا تحصل به لذة ولا طرب، يحصل فيه ما يسمى بالدوخة، يدوخ الإنسان ويفقد وعيه ، لكنه ليس على وجه اللذة والطرب. الخمر يجد الشارب والعياذ بالله نفسه في أبهة كبيرة وعظمة وتعال على الناس ، ويقول الشاعر فيها : نشربها فتتركنا ملوكا . وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه لما جاءه النبي عليه الصلاة والسلام وقد ثمل يعني سكر ، وكلمه في ناضحي علي بن أبي طالب، لأن علي بن أبي طالب له ناضحان مرا بحمزة وهو سكران تغنيه الجارية ، فأخذ السيف وبقر بطونهما ، وأكل من أكبادهما فيما أظن، جاء علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو عمه حمزة ، فلما جاء الرسول عليه الصلاة والسلام إلى حمزة جاء يكلمه ، وجد الرجل سكرانا ، فقال له أعني حمزة : ( هل أنتم إلا عبيد أبي ) يقوله لمن ؟. للرسول عليه الصلاة والسلام، ولو كان صاحيا ما قال هذا الكلام أبدا ، فرجع النبي عليه الصلاة والسلام ، عرف أن الرجل لم يصح بعد. فالمهم أن السكر يكون هناك لذة وطرب ونشوة وخفة، هذا هو الخمر، أما ما عدا ذلك مما يذهب العقل فإنه ليس بخمر. السائل : شيخ بعضهم يشرب النبزين والصمغ هذا بلذة ... ؟ الشيخ : ما أظنه يتلذذ كشرب الخمر. السائل : هو يتلذذ لكن ليس كالخمر . الشيخ : والله ما أدري، على كل حال إذا ثبت أنه يجد لذة وطربا صار خمرا. السائل : إذا ما وجد لذة يكون محرما من جهة .. ؟ الشيخ : إي يكون محرما من جهة أخرى، من جهة المخدرات.
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبةً يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن ) وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله إلا النهبة
القارئ : حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن ). وعن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، إلا النهبة. الشيخ : هذا والعياذ بالله فيه التحذير من هذه الأمور، وأن الإنسان حين فعلها يكون قد نزع الإيمان منه، ولهذا قال : ( لا يزني حين يزني وهو مؤمن ) فإن الإنسان حين فعله للزنا لا يكون عنده إيمان بالله عز وجل ، لأنه كيف يعلم أن الله تعالى حرم الزنا في كتابه وأوجب فيه العقوبة ثم يذهب يزني، فأنت فلو فتشت على قلبه في تلك الساعة لوجدته لا إيمان عنده كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ). لكنه لا يرتفع عنه الإيمان كاملا، لأنه إذا ذهبت عنه نشوة الشهوة فسوف يعود إلى رشده ويعلم أنه أخطأ، وليس هو الكفر الذي يرتفع به الإيمان ارتفاعا كاملا. وكذلك شرب الخمر وكذلك السرقة وكذلك النهبة. والفرق بين السرقة والنهبة أن السرقة يأخذوها على سبيل الاختفاء ، والنهبة على سبيل الخطف، مثل أن يقف معك ثم يتغافلك ويأخذ ما معك، كما يذكر عن بعض السراق أنه يتلاعب بالإنسان في تفكيره يبدأ يحدثه يحدثه يحدثه لين يكاد يغيب، ثم يأخذ ما معه. وذكر لي أحد الثقات عندي أن رجلا مر بالعراق قديما، وكان معه ساعة يد، وساعة اليد في ذلك الوقت لا توجد، فرآها بعض السراق فحاول أن يأخذها، المهم استغفل الرجل ثم أخذها من يده، استخرجها من يده وهو لا يشعر، هذا الرجل كان إبان تسلط الإنجليز على العراق، وكبرت عنده لأنه من الإنجليز الرجل، وأعلنوا في الصحف أن الذي يأتي بها له كذا وكذا من المال، فجاء بها السارق، فأتي به إلى الرجل، وقال له الرجل كيف أخذت الساعة من يدي ؟ قال : نحن لا نخبرك كيف أخذنا إلا إذا كنت تريد أن تكتب ما أقول كتابة، وكان السارق ينظر إلى قلمه قلم الرجل، قال : طيب، أكتب ما تقول لأن هذا مهم أن نعرف كيف سرقت حتى نتحرز منك ومن مثالك، قال : طيب، أخرج القلم، جاء يخرجه من مخباته ما وجد القلم ، سرقه السارق ، فاندهش تعجب، أين القلم أين ذهب ؟ قال : هذا القلم تفضل، قال : كيف أخذته ؟ فقال له : هذه مهنة لنا، لا يمكن أن نطلع عليها أحدا أبدا، لو أطلعنا الناس عليها ما تمكنا منها. فأقول بعض السراق يكون جيدا جدا، على كل حال هذه ليست سرقة لأنها ليست على وجه الاختفاء ، لكنها نهبة، والرسول عليه الصلاة والسلام : ( لا ينتهب نهبة يرفع الناس فيها أبصارهم وهو مؤمن ) فهذه الأشياء الأربعة لا يكون الإنسان مؤمنا حين فعلها أو حين مباشرة فعلها. وقد استدل بهذا الحديث الخوارج والمعتزلة، حيث قالوا إن فاعل الكبيرة يخرج من الإيمان، الخوارج قالوا يكفر، والمعتزلة قالوا في منزلة بين منزلتين. وأهل السنة يجيبون عن هذا بأن الإيمان ينفى أصله وينفى كماله، والمراد هنا نفي كماله. ولكن يرد على أهل السنة أن الأصل في النفي نفي الوجود، هذا الأصل، ثم نفي الصحة ، وهو حقيقة نفي للوجود، لكنه نفي للوجود الشرعي، ثم نفي الكمال، ولا نعدل عن الأول إلى الثاني إلا بدليل. فأجاب أهل السنة عن هذا الإيراد بأن الدليل عندنا هو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر في أحاديث كثيرة أن الإنسان لا يخرج من الإيمان بالزنا والسرقة كما في حديث أبي ذر أن الرسول قال له : ( وإن زنى وإن سرق وإن رغم أنف أبي ذر ). وبهذا يكون الصحيح ما ذهب إليه أهل السنة من أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الأيمان بل هو مؤمن ناقص الإيمان، أو نقول مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا هشام عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ح حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة حدثنا قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين )
القارئ : حدثنا حفص بن عمر، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، ح حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين ). الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم ، باب ما جاء في ضرب شارب الخمر. كأن البخاري رحمه الله لم يجزم بأن عقوبة شارب الخمر حد، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، فمنهم قال : إن عقوبة شارب الخمر حد أربعين جلدة بلا زيادة. ومنهم من قال : ثمانين جلدة بلا نقص. ومنهم من قال : ما بين الأربعين والثمانين إلى اجتهاد الإمام، ولا ينقص عن أربعين ولا يزاد على ثمانين، فهذه أقوال ثلاثة. أقوال ثلاثة، ما هي ؟ أربعون ، ثمانون، ما بينهما راجع للإمام لكن لا ينقص عن أربعين ولا يزيد على ثمانين. ومنهم من قال : إن عقوبة شارب الخمر ليست حدا، بل هي عقوبة راجعة إلى رأي الإمام، لكن لا تنقص عن أربعين، لأنها هذا أدنى ما يمكن أن ينزجر به شارب الخمر، وهذا القول هو الصحيح، أنها ليست بحد بل هي راجعة إلى رأي الإمام، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالشارب فيضربه بالجريد والنعال، هذا يضربه بثوبه وهذا بنعله ، وهذا بيده وهذا بجريدته، مثل هذا لا يمكن أن يضبط بعدد معين. ودليل آخر أن الناس لما كثر شربهم للخمر في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس فاستشارهم، فقال له عبد الرحمن بن عوف : " أخف الحدود ثمانون "، فجعله عمر ثمانين ، فقول : أخف الحدود ثمانون ، يدل على أن عقوبة الخمر ليست بحد، لأن عقوبة الخمر كما ذكر البخاري رحمه الله : " أن الرسول عليه الصلاة والسلام ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين ". الدليل الثالث : أنه لو كان عقوبة شارب الخمر حدا ما تجاوزها عمر ، لأنه لو تجاوزها لكان هذا من تعدي حدود الله، وقد قال الله تعالى : (( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه )) . ونحن نعلم أن الزنا لو كثر في الناس لم يصغ لعمر ولا لغيره أن يزيد على مائة جلدة التي هي حد الزاني ، كما قال الله تعالى : (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )) . وهذا القول كما ترى من أدلته هو الراجح، فإذا رأى ولي الأمر أن يجعلها تسعين أو مائة أو أكثر فله ذلك.
الشيخ : ثم اختلف العلماء هل يجلد الشارب هذا الجلد ولو تكرر مائة مرة ؟ أو أنه إذا تكرر ثلاثا قتل في الرابعة ؟ على ثلاثة أقوال : القول الأول : قول الجمهور وهو أنه يجلد هذا الجلد ولا يقتل ، ولو جلد ألف مرة. والقول الثاني قول الظاهرية : أنه إذا جلد ثلاث مرات في الخمر فإنه يقتل في الرابعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاقتلوه )، وهذا قول الظاهرية. هذان قولان متقابلان، قول لا يقتل مطلقا، وقول إذا جلد ثلاث مرات ففي الرابعة يقتل بكل حال. القول الثالث : يقتل إذا لم ينته الناس بدونه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يقتل إذا لم ينته الناس بدونه، يعني مثلا لو تركناه يشرب ونجلد ويشرب ونجلد ويشرب ونجلد ، استمر هو يفعل ذلك والناس مثله، فعلوا مثله، فإذا لم ينته الناس إلا بالقتل قتل. وهذا القول كما ترون فيه جمع بين الأدلة، ورفع لدعوى الجمهور أن الحديث منسوخ، لأن الجمهور يرون أن قتل الشارب في الرابعة منسوخ، ولكن كما نعلم أن شرط النسخ أن لا يمكن الجمع وأن يعلم التاريخ، فإن أمكن الجمع فلا نسخ، وإن لم يعلم التاريخ فلا نسخ أيضا، لأنه إذا لم يعلم التاريخ مع التعارض فلا ندري أيهما الأول، ليس ادعاء أن هذا ناسخ بأولى من ادعاء أنه منسوخ، ولهذا لا بد في النسخ من شرطين، هما : العلم بالتاريخ ، وأن لا يمكن الجمع. رأي شيخ الإسلام رحمه الله فيه جمع، يقول يحمل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل في الرابعة على هذه الحال، وهي إذا لم ينته الناس بدونه. وقوله هو الصحيح، ثم يليه قول الظاهرية أنه يقتل، والضعيف قول الجمهور، ولو أن الناس عملوا بهذا ما رأيت الناس يكثرون من شربها، كما يوجد في بعض البلاد الإسلامية أن شرب الخمر عندهم كشرب الببسي ، يجعل في الثلاجات ومتى شاء الإنسان والعياذ بالله شرب، مع قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ) يحرم دخول الجنة على قول ، أو يحرم التلذذ بخمر الجنة وإن دخلها على قول آخر في معنى الحديث.
السائل : أحسن الله إليك قلنا عقوبة الخمر لو كانت حدا ما تجاوزها عمر، أقول أحسن الله إليك لو قال قائل : الطلاق من الحدود، ولما رأى عمر الناس تتايعوا في الطلاق الثلاث أوقع الطلاق عليهم ثلاثا ؟ الشيخ : لا، ما هو من الحدود الطلاق، الطلاق حكم وضعي ما هو بحد عقوبة. السائل : هو ليس عقوبة لكنه من الحدود كما قال الله عز وجل لما قال : (( الطلاق مرتان ))، قال : (( تلك حدود الله )). الشيخ : إي، يعني معناه أنه لا بد أن تعتد العدة المشروعة ، ولا بد أن تبقى في مكان الزوج. أما فعل عمر فهو يقول : إن الناس هم الذين اختاروا لأنفسهم هذا، لأن المطلق ثلاثا وش قصده ؟ . البينونة، فيقول : ما دام تعجلوا في أمر لهم فيه أناة وهو حرام نلزمهم به. بخلاف عقوبة شارب الخمر ، عقوبة شارب الخمر واجبة.
المنطوق مقدم على المفهوم فكيف يأخذ الظاهرية بالمنطوق ويأخذ شيخ الإسلام بالمفهوم ؟
السائل : شيخ، من المعلوم أن المنطوق مقدم على المفهوم، والظاهرية أخذوا بالمنطوق، وشيخ الإسلام أخذ بالمفهوم، لماذا ؟ الشيخ : لا ما أخذ بالمفهوم، شيخ الإسلام أخذ بالمنطوق لكن حمله على حال من الأحوال . السائل : ... الشيخ : لأجل أنه يمكن الجمع بينه وبين الأدلة الأخرى الدالة على أن الشارب يحد أو يعاقب بالضرب.
حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال جيء بالنعيمان أو بابن النعيمان شاربًا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان بالبيت أن يضربوه قال فضربوه فكنت أنا فيمن ضربه بالنعال
القارئ : حدثنا قتيبة، حدثنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث، قال : ( جيء بالنعيمان، أو بابن النعيمان، شاربا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان بالبيت أن يضربوه، قال: فضربوه، فكنت أنا فيمن ضربه بالنعال ). الشيخ : نعم، هنا واضح أن حد الخمر أو عقوبة الخمر لا تشترط أن تكون في ملأ من الناس أو في الأسواق، لو ضرب في البيت أو في المحكمة أو في مكان الهيئة فلا بأس، إلا إذا رأى ولي الأمر أن المصلحة أن يضرب في الأسواق علنا فهنا تتعين المصلحة. وهذا الحديث ظاهره مشكل، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بضربه مع احتمال أن يكون جاهلا بالحكم، ومن المعروف أنه لا حد ولا تعزير إلا على عالم بالحكم، وذلك لأن الجاهل مرفوع عنه الإثم والعقوبة (( ربنا لا تآخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) ؟. فيقال : لعل النبي صلى الله عليه وسلم علم حال هذا الرجل وأنه عالم بالحكم وأن الخمر حرام، وإلا فلو أن رجلا لم يعش في بلاد المسلمين، أسلم حديثا وشرب الخمر بعد إسلامه ظانا أن الخمر ليس حراما ، فإننا لا نجلده ولا نحبسه ، لأن الجهل عذر ينتفي به الإثم في الآخرة ، وتنتفي به العقوبة في الدنيا.
فائدة : من كان عالماً بالحكم جاهلاً بالعقوبة لا تسقط عنه .
الشيخ : ولكن لو كان الإنسان عالما بالحكم جاهلا بالعقوبة، فهل تسقط عنه ؟ . لا تسقط، لو قال السارق لو علمت أن يدي تقطع ما سرقت، وقال الزاني المحصن : لو علمت أني أرجم ما زنيت، نقول : هذا ليس لك عذر. ومثله من قال : لو علمت أن الجماع في نهار رمضان يوجب العتق ثم الصيام شهرين متتابعين ثم الإطعام ما فعلت، ماذا نقول ؟. ليس لك عذر، لأن الرجل الذي جامع في نهار رمضان أتى النبي عليه الصلاة والسلام وهو لا يدري ما العقوبة، هو يدري أنه حرام لأنه قال : هلكت، لكن لا يدري العقوبة، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام بالكفارة ولم يجعل جهله بها مانعا من إلزامه بها، واضح يا جماعة ؟ إذن يجب أن نعرف الفرق بين الجهل بالحكم والجهل بما يترتب عليه. الجهل بالحكم عذر ، والجهل بما يترتب عليه ليس بعذر.
من قال أعرف أن هذا الفعل له عقوبة ولكن لا أدري أنه حرام هل يعاقب ؟
السائل : ... الشيخ : هل هناك عقوبة إلا على حرام ؟. السائل : ... الشيخ : لكن أقول : هل هناك عقوبة إلا على حرام، أو يقول ... ، يمكن يقول بعض الناس هكذا ، يقول العقوبة ما تهمني لكن الذي يهمني الإثم، وهو ما يدري أنه فيه إثم، فهل يعاقب أو لا ؟. لكن الذي يهمني الإثم ، وهو ما درى أنه فيه إثم ؟. فهل يعاقب أو لا ؟. هذا السؤال في محله. يعني يقول : أنا أعرف أن هذا الفعل حرام، أن أعرف أنه يعاقب عليه ويضرب عليه ، لكن ما أعرف هل هو حرام أو حلال ؟ وش تقولون ؟ يعذر أو لا ؟ تأملوها إلى الليلة القادمة. الطالب : لا يمكن، إذا علم بالعقوبة علم أن الفعل حرام . الشيخ : هو صحيح إذا علم العقوبة ، يقال : لا عقوبة إلا على حرام ، لكن قد يقول إن العقوبة من باب التأديب كما يؤدب الإنسان ولده إذا أخطأ في مروءة، قد يقول إنه يؤدب من أجل الإخلال المروءة ، لا من أجل أنه حرام، يمكن هذا أو لا ؟. أنت الآن تأمر ولدك بشيء ويخالف تضربه مع أنه ما هو حرام عليه. على كل حال هذه تحتاج إلى تأمل، تأملوها. وفي ظني أنه سيكون فيها للعلماء قولان.
السائل : هل يفهم من الحديث أن الرجل يقام عليه الحد وهو في حالة السكر ؟، هل يجوز أن يقال عليه الحد تعزيرا وهو في حالة السكر ؟. الشيخ : لا. السائل : أتي به شاربا. الشيخ : شاربا أمس، ما قال سكران. الطالب : تكلموا عليها. الشيخ : تكلم عليه، إي هذا الكلام الذي قلت، ما يلزم من كونه شاربا أن يكون سكرانا . بقي سؤال واحد يا جماعة.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا وهيب بن خالد عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بنعيمان أو بابن نعيمان وهو سكران فشق عليه وأمر من في البيت أن يضربوه فضربوه بالجريد والنعال وكنت فيمن ضربه )
القارئ : حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا وهيب بن خالد، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بنعيمان، أو بابن نعيمان، وهو سكران، فشق عليه، وأمر من في البيت أن يضربوه، فضربوه بالجريد والنعال، وكنت فيمن ضربه ). الشيخ : هذا هو سؤالك ياسر. هنا ( فشق عليه ) على من ؟ . على النبي صلى الله عليه وسلم، شق عليه أن يرى رجلا من أصحابه يؤتى به سكران ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يشق عليه أن يرى أمته على معصية كما قال تعالى : (( لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين )) ، (( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا )). ومع ذلك أمر من في البيت أن يضربوه بالجريد والنعال فضربوه إلى آخره. ففيه الضرب الجريد والنعال، مع الناس يرون أن الضرب بالنعال أكبر جرم، عندنا هنا في عرفنا، ما أدري عندكم أنتم ؟، يرون أن الضرب بالنعال أكبر جرم، ويقولون لا يضرب بالنعال إلا الكافر أو الأوزاغ، تعرفون الأوزاغ ؟ . السام الأبرص، على كل حال معروفة، العامة يقولون : لا يضرب إلا الكافر والوزغ، مع أن الرجل الذي شرب الخمر من الصحابة وضرب بالنعال بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم . بقي علينا قوله : ( وهو سكران )، يدل على أن قوله شاربا في اللفظ الأول حال مقارنة ، يعني مقارنة لإيش ؟ . لمجيئه. فهنا نقول إن السكران نوعان : نوع لا يحس بما فعل به ولا يتألم به لقوة سكره، فهذا لا يقام عليه الحد في هذه الحال، لأنه لا يؤثر فيه شيئا. والنوع الثاني من السكر : سكر في آخره بحيث يتألم ويحس بالضرب، فهذا يقام عليه الحد.
السائل : أحسن الله إليك شيخ هل يقاس على الخمر غيرها من المخدرات ... عند بعض الناس ؟ الشيخ : نعم، يقاس عليه من وجه دون وجه، فمن جهة أن الخمر تطلبه النفس وتدعو إليه يكون انتهاكه أعظم من المخدر، ومن جهة أن المخدر أعظم تأثيرا على البدن والعقل والروح يكون أولى بالحكم، فالذي يظهر أنه يلحق بالخمر ولا بد.
هل يؤخذ من هذا الحديث أن الإنسان إذا كان من الصالحين يستر عليه ويعاقب في بيته ؟
السائل : هل يمكن أن يؤخذ من الحديث أن الإنسان إذا كان من الصالحين وفيه خير وفعل هذا الشيء بالخطأ أن يستر عليه ويعاقب في بيته ، أما إذا كان معروفا ؟ الشيخ : ذكرنا هذا، سبحان الله، نائمون أنتم ؟! قلنا قبل قليل أن الإمام إذا رأى أن شارب الخمر يضرب في البيت أو في المكتب أو ما أشبه ذلك والمصلحة تقتضيه فلا بأس. إذا رأى أن المصلحة أن يضرب برا عند الناس فليفعل.
السائل : ذكرنا أن القصد من التعزير أن يتوب عن فعله هذا ، وإذا كان مريضا مرض القلب مثلا إذا ضرب يؤثر عليه ؟ الشيخ : هذه جميع الحدود إذا كان يخشى عليه الهلاك أو الضرر فإن كان يرجى زواله أجل، وإن كان لا يرجى زواله ضرب بشمراخ من النخل فيه مائة شمراخ يضرب مرة واحدة. السائل : لو ما يحس فيه ؟. الشيخ : بيحس، بس ما يؤلمه مثل ضرب الجريد.
حدثنا قتيبة حدثنا أبو ضمرة أنس عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب قال اضربوه قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان )
القارئ : حدثنا قتيبة، حدثنا أبو ضمرة أنس، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، قال : اضربوه ، قال أبو هريرة : فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه . فلما انصرف، قال بعض القوم : أخزاك الله، قال : لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان ). الشيخ : هذه ثلاثة أشياء، والرابع سبق، ما هو ؟. الجريد والنعال وطرف الثوب واليد، وقال : ( اضربوه ) ولم يحدد ، وهذا دليل يكاد يكون كالصريح في أن شارب الخمر ليس عقوبته حدا.
فوائد حديث : ( لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان )
الشيخ : وفي هذا دليل على أن من فعل معصية لا ينبغي أن يدعى عليه بما يزيدها فيقال : الله يخزيه أو الله يلعنه أو ما أشبه ذلك، فإن هذا مما يعين عليه الشيطان، بل ادع الله له بالهداية، وقل اللهم اجعل هذا موعظة له، اللهم انفعه بذلك ، وما أشبه هذا ، ولا شك أن الذين قالوا أخزاه الله ، إنما قالوا ذلك غيرة، لكن الغيرة لا بد أن تحكم بالشرع والعقل، الغيرة إذا أطلقت ولم تقيد بالشرع والعقل صار فيها غِيرة، الغَيرة غِيرة إذا لم تقيد بالشرع والعقل. الغِيرة ما تعرفونها ؟ التغير، الغيرة التغير وهي تطلق عندنا على التخمة، أتعرفون التخمة ؟ والله ما بقي شيء تعرفونه أبدا ؟! الطالب : السمنة . الشيخ : التخمة ما هي السمنة، التخمة أن يأكل الإنسان كثيرا حتى يتخم وتتغير معدته ، وإذا تجشأ يخرج منه رائحة كريهة، هذه التخمة، وقد صرح شيخ الإسلام رحمه الله بأنه يحرم عليه الأكل إذا خاف أذى أو تخمة، إذا خاف أذى أو تخمة فإنه يحرم عليه الأكل، إي نعم. الأذى معناه أنه يملأ بطنه حتى لا يكاد يشيله، والتخمة معروفة ، التغير.
هل في سياق الحديث دليل على أنه لا يجوز الدعاء على المسلم بالخذلان ؟
السائل : هل سياق الحديث يدل على أنه لا يجوز الدعاء على المسلم بالخذلان ... ؟ الشيخ : الخذلان للكافرين، الله قال : (( وانصرنا على القوم الكافرين )) وإذا انتصرنا عليهم لزم من ذلك خذلانهم. السائل : يجوز في هذا المقام ؟. الشيخ : نعم نعم، يجوز أن تقول : اللهم اخذلهم وانصرنا عليهم.
حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا خالد بن الحارث حدثنا سفيان حدثنا أبو حصين سمعت عمير بن سعيد النخعي قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ما كنت لأقيم حداً على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه
القارئ : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا سفيان، حدثنا أبو حصين، سمعت عمير بن سعيد النخعي، قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال : ( ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت، فأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه ). الشيخ : هذا أيضا صريح من علي بن أبي طالب أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يسن فيه حدا، وأنه يقول : " لا أقيم على أحد فيموت فأجده في نفسي " لأنني قمت بالواجب، فإذا أقيم الحد على شخص في حال تجوز فيه إقامته فمات فليس على الإمام ولا على القاضي ولا على المباشر شيء ، لا في الدنيا ولا في الآخرة. قال : " إلا شارب الخمر فإنه لو مات لوديته " وديته يعني أديت ديته، " وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه " يعني فيخشى أن يكون قد زاد كما أو كيفا فرأى أن يحتاط فيديه.
حدثنا مكي بن إبراهيم عن الجعيد عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين
القارئ : حدثنا مكي بن إبراهيم، عن الجعيد، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد، قال : ( كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين ). الشيخ : واضح .
حدثنا يحيى بن بكير حدثني الليث قال حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حماراً وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتي به يوماً فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله
القارئ : حدثنا يحيى بن بكير، حدثني الليث، قال : حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب : ( أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم : اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله ). الشيخ : طيب، هذا الرجل كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا، يعني يقولون : يا حمار، لكن هل يرضى بهذا اللقب أو لا يرضى ؟ إن كان يرضى به فلا حرج، وإن كان لا يرضى به فإنه يحرم، هذا مقتضى الأدلة، وتعرفون أن كلمة حمار في ذلك العهد قد يسمى بها الرجل، فقد مر عليكم : عن عياض بن حمار. طيب، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فيؤخذ من هذا أنه لا بأس أن يكون الرجل يضحك إذا رأى شخصا إما لخفته أو لدعابته أو ما أشبه ذلك.