تتمة شرح باب : المحاربين من أهل الكفر والردة . وقول الله تعالى : (( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض )) .
الشيخ :(( أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف )) يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى. (( أو ينفوا من الأرض )) أل هنا للعهد أو للجنس ؟ الظاهر أنها للعهد ، أي من أرضهم التي حصل فيها الإفساد، وإن قلنا للجنس صار المراد بالنفي حبسهم ، أن يحبسوا، لأن المحبوس كأن لم يكن في الأرض، ولهذا اختلف العلماء هل المراد بالنفي من الأرض أن يطردوا عن الأرض التي سعوا فيها بالفساد أو أن يحبسوا ؟. فذهب بعض العلماء إلى أن المراد بالنفي من الأرض الحبس، وذهب آخرون إلى أن المراد بالنفي من الأرض إبعادهم عن الأرض التي سعوا فيها بالفساد. ولو قال قائل : إنه ينبغي بل يجب أن ينظر إلى المصلحة، فإذا كان نفيهم من أرضهم يؤدي إلى شر أكبر وتتسع رقعة فسادهم ، فهنا نغلب جانب الحبس، ونقول أل للجنس. وإذا كان الأمر العكس ، أننا إذا طردناهم عن أرضهم ربما يستقيمون أو تكون الإمارة في الأرض التي طردناهم إليها أقوى، والسلطان أشد حزما فهنا نفضل . إيش ؟ أن المراد بالنفي من الأرض إبعادهم عن مكان السعي في الأرض فسادا، لأن كون البشر يبقى طليقا أحسن بكثير مما إذا حبس. طيب، على كل حال هذا معنى الآية الكريمة ، فالعلماء اختلفوا في معناها أولا ، وفي إجراء الجريمة ثانيا.
السائل : ... الشيخ : الظاهر لي أن الراجح أن المراد فيها التخيير ، لكن يجب على الإمام أن ينظر ما هو المصلحة. السائل : قوله كتاب ... الشيخ : لا عندنا كتاب ، عندي أنا كتاب ، ما تعرض لها الشارح ؟. قال كتاب أو باب ؟.
القارئ : " قوله : كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة ، كذا هذه الترجمة ثبتت للجميع هنا، وفي كونها في هذا الموضع إشكال، وأظنها مما انقلب على الذين نسخوا كتاب البخاري من المسودة، والذي يظهر لي أن محلها بين كتاب الديات وبين استتابة المرتدين، وذلك أنها تخللت بين أبواب الحدود ، فإن المصنف ترجم كتاب الحدود وصدره بحديث : ( لا يزني الزاني وهو مؤمن )، وفيه ذكر السرقة وشرب الخمر، ثم بدأ بما يتعلق بحد الخمر في أبواب ثم بالسرقة كذلك، فالذي يليق أن يثلث بأبواب الزنا على وفق ما جاء في الحديث الذي صدر به، ثم بعد ذلك إما أن يقدم كتاب المحاربين وإما أن يؤخره، والأولى أن يؤخره ليعقبه باب استتابة المرتدين ، فإنه يليق أن يكون من جملة أبوابه، ولم أر من نبه على ذلك إلا الكرماني فإنه تعرض لشيء من ذلك في باب إثم الزناة ولم يستوفه كما سأنبه عليه. ووقع في رواية النسفي زيادة قد يرتفع بها الإشكال، وذلك أنه قال بعد قوله : من أهل الكفر والردة، فزاد : ومن يجب عليه الحد في الزنا، فإن كان محفوظا فكأنه ضم حد الزنا إلى المحاربين لإفضائه إلى القتل في بعض صوره بخلاف الشرب والسرقة، وعلى هذا فالأولى أن يبدل لفظ كتاب بباب ، وتكون الأبواب كلها داخلة في كتاب الحدود ". الشيخ : خلوها على الكتاب، الأحسن كتاب، يعني نبه على أن الأولى أن يقال باب ، وإلا ففي النسخة الأصلية كتاب.
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو قلابة الجرمي عن أنس رضي الله عنه قال ( قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل فبعث في آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحسمهم حتى ماتوا )
القارئ : حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، قال : حدثني أبو قلابة الجرمي، عن أنس رضي الله عنه، قال : ( قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل، فأسلموا، فاجتووا المدينة ، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها وألبانها ، ففعلوا فصحوا ، فارتدوا ، وقتلوا رعاتها، واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم، فأتي بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا ).
حدثنا محمد بن الصلت أبو يعلى حدثنا الوليد حدثني الأوزاعي عن يحيى عن أبي قلابة عن أنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع العرنيين ولم يحسمهم حتى ماتوا )
القارئ : حدثنا محمد بن الصلت أبو يعلى، حدثنا الوليد، حدثني الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع العرنيين ولم يحسمهم حتى ماتوا ).
حدثنا موسى بن إسماعيل عن وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال ( قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في الصفة فاجتووا المدينة فقالوا يا رسول الله أبغنا رسلاً فقال ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله فأتوها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا وقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الصريخ فبعث الطلب في آثارهم فما ترجل النهار حتى أتي بهم فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا ) قال أبو قلابة سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله
القارئ : حدثنا موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه، قال : ( قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا في الصفة، فاجتووا المدينة، فقالوا : يا رسول الله، أبغنا رسلا، فقال : ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله ، فأتوها، فشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى صحوا وسمنوا وقتلوا الراعي واستاقوا الذود، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الصريخ، فبعث الطلب في آثارهم، فما ترجل النهار حتى أتي بهم، فأمر بمسامير فأحميت، فكحلهم، وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم، ثم ألقوا في الحرة، يستسقون فما سقوا حتى ماتوا ) . قال أبو قلابة : " سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله ".
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك ( أن رهطاً من عكل أو قال عرينة ولا أعلمه إلا قال من عكل قدموا المدينة فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها فشربوا حتى إذا برئوا قتلوا الراعي واستاقوا النعم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم غدوةً فبعث الطلب في إثرهم فما ارتفع النهار حتى جيء بهم فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم فألقوا بالحرة يستسقون فلا يسقون قال أبو قلابة هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله )
القارئ : حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك : ( أن رهطا من عكل، أو قال : عرينة، ولا أعلمه إلا قال: من عكل، قدموا المدينة ، فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها ، فشربوا حتى إذا برئوا قتلوا الراعي، واستاقوا النعم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم غدوة، فبعث الطلب في إثرهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم ، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم، فألقوا بالحرة يستسقون فلا يسقون ) . قال أبو قلابة : ( هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله ). الشيخ : هذا الحديث بجميع أسانيده وسياقاته ، القصة أن رهطا قوما سبعة أو ثمانية أو ستة، قدموا المدينة فاجتووا المدينة ، يعني نزلوا في جوها ، ومرضوا فيها، وكان من المعروف أن أبوال الإبل تفيد من هذا المرض، فأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام فلحقوا بإبل الصدقة وشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا ، فلما صحوا بدلوا نعمة الله كفرا ، قتلوا الراعي بعد أن مثلوا به وسمروا عينيه، وسمر العينين يعني أن تحمى المسامير بالنار حتى تكون كالجمر ثم تكحل بها العين حتى تنفضخ، فعلوا هذا ثم أخذوا الإبل وذهبوا. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في طلبهم فما ارتفع النهار حتى جيء بهم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وسمر أعينهم ، وألقاهم في الحرة، يستسقون يعني يطلبون الماء ولا يسقون، حتى ماتوا. هؤلاء القوم كما قال أبو قلابة : ارتدوا بعد إسلامهم وقتلوا الراعي ومثلوا به، وسمروا عينيه كما جاء ذلك في رواية أخرى غير صحيح البخاري، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ما فعل ، لأن هذا مقتضى الحزم (( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به )) . وهكذا يجب على ولي الأمر فيمن اعتدى أن ينكل به ، لأن الناس لو تركوا وعدوانهم اعتدوا من الصغير إلى الكبير ومن الكبير إلى الأكبر، فإذا ردعوا صار نكالا لهم ولغيرهم. وإلا فقد يقول قائل : كيف يكون من الرحمة أن قوما يلقون في الحرة يستسقون ولا يسقون حتى يموتوا ؟ . نقول : نعم لأنهم فعلوا ذلك بالراعي ، فبدلوا نعمة الله كفرا ، فهم جديرون بهذه النقمة العظيمة التي وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم وبأمره. فالمؤلف رحمه الله أتى بهذا الحديث وحده كأنه يريد أن يقول : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله هم الذين ارتدوا بعد إسلامهم ، وليسوا قطاع طريق.
السائل : ... هل نفر مفرد أو جمع ؟ الشيخ : نفر اسم جمع لما بين الثلاثة إلى عشرة. السائل : ... الشيخ : صحيح أن يفعل بالجاني كما فعل، وهذا هو معنى الآيات الكثيرة المتعددة، القصاص أصله تتبع الأثر، (( فمن اعتدى عليكم فاعتدى عليه بمثل ما اعتدى عليكم ))(( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به )). والسنة جاءت مؤيدة لذلك، فإن يهوديا رض رأس جارية من الأنصار على أوضاح لها، فجيء إليها وهي في آخر رمق ، وقيل لها : من فعل بك ؟ فلان فلان فلان ؟ حتى سموا اليهود فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي فاعترف، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين. السائل : ... تدل على التنويع ؟. الشيخ : التنويع ؟. ما تدل عليه ، الأحاديث التي ذكرها المؤلف ؟. كيف الدلالة ؟. السائل : عقابهم بمثله ، بقدر جرمهم . الشيخ : معناه للتخيير ، ويجب على الإمام أن ينزل العقوبة على الجريمة .
حدثنا محمد بن سلام أخبرنا عبد الله عن عبيد الله بن عمر عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه ورجل قلبه معلق في المسجد ورجلان تحابا في الله ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها قال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه )
القارئ : حدثنا محمد بن سلام، أخبرنا عبد الله، عن عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ( سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله، يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق في المسجد، ورجلان تحابا في الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، قال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه ). الشيخ : فضل من ترك الفواحش ظاهر من الحديث، وهو قوله : ( ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، قال : إني أخاف الله ). هؤلاء السبعة ليسوا أشخاصا بل هم أجناس، قد يتصف بالصفة الواحدة ملايين الناس، فالمراد سبعة أصناف. الأول : إمام عادل، وبدأ به لأنه أشدهم وأشقهم عملا، وأنفعهم للخلق إذا اتصف بالعدالة. وقوله عليه الصلاة والسلام : ( يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) فهم بعض الناس من هذا الحديث فهما خاطئا ، وقالوا : إن المراد : بظله ، ظل نفسه عز وجل، وهذا منكر عظيم، لو تدبره القائل به ما مشى حوله، لأنه من المعلوم أن الناس في الأرض، وأن من يظلك عن شيء إنما يظلك عن شيء فوقه، ويلزم من هذا التأويل الفاسد الخاطئ أن يكون الله فوقه شيء، وتكون نفسه المقدسة حائلا بين هذا الشيء وبين الناس، وإذا قلنا إن الظل من الشمس والشمس تدنو من الخلائق قدر ميل صار الله على هذا التأويل نازلا جدا أقرب إلى الناس من الميل ، وهو يظلهم كالسحابة بينهم وبين الشمس، وهذا منكر، وهذا أخذ بالظاهر الظاهر بطلانه. والمراد بالظل هنا ظله الذي يخلقه عزوجل، يخلق ظلا من أي مادة كانت ما نعرف، لأن ظل الدنيا نوعان : ظل من الله وظل من الخلق، فإذا بنى الإنسان عريشا فالذي يستظل به يستظل بظل الآدمي الذي صنعه الآدمي، وظل السحاب ظل الله، لا يصنعه الخلق. يوم القيامة ليس هناك ظل للبشر، لا يستطيع أحد أن يبني ظلا، بل الظل ظل الله عز وجل. وقد ورد في حديث لكنه ضعيف : ( يظلهم الله في ظل عرشه ) لكنه ضعيف أيضا، لأن الشمس تدنو من الخلائق بقدر ميل، والعرش فوق جميع المخلوقات ، وليس فوقه شمس حتى يظل الناس منها. فالصواب أن المراد بالظل هنا الظل الذي يخلقه الله عز وجل لا يصنعه الناس. ( إمام عادل ) لا بأس أن نشرح الحديث لأنه مهم. عادل في شرع الله وعادل في عباد الله، عادل في شرع الله لا يحكم غيره، ولا ينتهج سواه، ويضرب بما خالفه عرض الحائط، هذا عادل، عادل في إيش ؟ في شرع الله، لأن من أدخل شرعا غير شرع الله مزاحما لشرع الله أو غالبا على شرع الله فإنه لم يعدل لقول الله تعالى : (( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )). عادل في عباد الله، لا يحابي قريبا لقربه، ولا شريفا لشرفه، ولا ذا جاه لجاهه، لو أن ابنته سرقت لقطع يدها. فإذا وجد هذا الإمام العادل في شريعة الله العادل في عباد الله فإن الأمور ستستقيم. واضرب مثلا بعمر بن عبد العزيز رحمه الله ، فإن من سبقه كان في وقتهم الخوف والفتن والقلاقل، وذلك لعدم عدلهم إما في شرع الله وإما في عباد الله، ولما تولى رحمه الله لم يمكث في الحكم إلا سنتين وأشهرا ، ومع ذلك حصل في وقته من الأمن ورجوع كثير من الخوارج عن رأيهم ما لم يحصل بعشرات السنين ح لأنه رحمه الله إمام عادل، حتى إن بعض العلماء جعله أحد الخلفاء، وقال إن الخلفاء الراشدين خمسة، من هم ؟ الأربعة المعروفون، وعمر بن عبد العزيز. فالإمام العادل تتم له الأمور وتستقيم، كما يدين يدان، وإذا انحرف الإنسان عن شرع الله أو انحرف في الحكم بين عباد الله نقص من استقامة الأمور له بقدر ما انحرف جزاء وفاقا. ولو أن حكام المسلمين اليوم استيقظوا ورجعوا إلى الرشد ، لعلموا أنهم لو حكموا بالعدل على ما قلنا في شريعة الله وفي عباد الله لاستتبت لهم الأمور داخلا وخارجا ، ولصاروا مقام الهيبة بقوة القرآن وبقوة السلطان، بقوة القرآن بما عندهم من شريعة الله، وبقوة السلطان لأنهم سوف يمتثلون قول الله تعالى : (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوه )) وليست في المسلمين نقص في العدد الآن، العدد كثير، لكنهم غثاء كغثاء السيل، غالب ولاتهم لا يريدون إلا السيطرة والبقاء في رئاساتهم ، ولا يهمهم شيء وراء ذلك، وشعوبهم كذلك ليسوا على المستوى ، بل هم كما كانوا ولي عليهم جزاء وفاقا. فالحاصل أن الإمام العادل بدأ به النبي عليه الصلاة والسلام لأن بعدله تستقيم الأمة جميعا. ثم قال : ( شاب نشأ في طاعة الله ) خص الشاب لأن الشباب له نزوة بل نزوات، ولا أحد ينكر ما في الشباب من النزوات والأفكار ، يصبح على فكر ويمسي على فكر، وكل أحد يمكن أن يجتذبه إما بصورته أو بصوته أو ببيانه أو بأعماله الظاهرية. إما بصورته يعني هيئته، يعني يجد شخصا مظهره مظهر المتدين الخاشع، فيغتر به، وهو السم الناقع، وكم من شباب اغتروا بأمثال هؤلاء، يتظاهرون بالصلاح والإصلاح وينوحون على العصر وعلى أهل العصر وعلى ولاة العصر ، لأجل إفساد أهل العصر، لكن الشاب شاب ليس هناك عقل راسخ حتى يعرف ما يضره وما ينفعه، فيغتر بهؤلاء. يغتر بصوته، تجده عندما يخطب كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم، ارتفاع صوت، اهتزاز بدن، انفعال، فيقول هذا الرجل الذي لا تأخذه في الله لومة لائم فيغتر به. يغتر ببيانه أي فصاحته وأسلوبه بما يزخرفه له من البيان وتنسيق الكلام بعضه مع بعض ، والإتيان بالمقدمات والنتائج حتى يظن أن قوله وحي ينزل عليه. فالمهم أن الشاب إذا تخلص من هذا كله ونشأ في عبادة الله واتجه إلى الله ، وصار يمشى على هدى من الله، فإن هذا هو الشاب الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. والغالب أن الله عز وجل لا يخيب سعيه ، إذا نشأ من صغره في عبادة الله الغالب أن الله يثبته ويبقيه على ما هو عليه ، لأنه عز وجل أكرم من العامل ، ( من تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذراعا ، ومن تقرب إليه ذارعا تقرب إليه باعا ، ومن أتاه يمشى أتاه هرولة )، فهو بحكمته ورحمته يبعد أن شابا نشأ في عبادة الله حقا ورسخ الإيمان في قلبه أن يزله أو يزيغه بعد إذ هداه. الثالث : رجل ذكر الله ففاضت عيناه، وفي رواية : ( خاليا ) فهل الخلو هنا خلو البدن أو خلو الفكر أو هما جميعا ؟ خلو البدن بمعنى أنه ليس عنده أحد من الناس حتى يرائيه بالبكاء، خاليا ليس عنده أحد من الناس حتى يرائيه بالبكاء . أو خلو الفكر بمعنى أن قلبه متفرغ غاية التفرغ لله عز وجل، والغالب أن العين لا تفيض إلا إذا كان خالي الفكر أي في تلك الساعة التي يذكر الله عز وجل وقلبه متفرغ تماما لذكر الله ، فهذا هو الذي يدنو منه فيضان العين. أما الذي يذكر الله ولكن قلبه في وادي كما هي حالنا نسأل الله أن يعاملنا بعفوه، يذكر الله وقلبه في واد بعيد عن محل الذكر وعن زمنه وعن حاله، فهذا في الغالب لا تفيض عيناه، وجرب نفسك، تأتيك ساعات من الساعات تكون خاليا تقرأ القرآن فتفيض عينك ويخشك بدنك، وفي حال من الاحوال تقرأ نفس الآيات وكأنها تمر على صفاة ما تتأثر . الشيخ : ... في الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله، والثالث رجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه . الرابع قال : ( ورجل قلبه معلق بالمساجد ) يعني متعلقا بها، والمساجد يحتمل أن يكون المراد بها مكان السجود التي هي المساجد المعروفة. ويحتمل أن يكون المراد بالمساجد يعني السجود يعني بالصلوات، وذلك لأن كلمة مسجد قد تكون مصدرا ميميا ، وقد تكون اسم مكان، وقد تكون اسم زمان ، كما هو معروف في اللغة العربية. فالحديث يحتمل هذا وهذا، ولكن قد يقول قائل : إن المتبادر أن المراد به المساجد التي هي أمكنة الصلوات ، أي من شدة رغبته في الخير والصلاة خصوصا يكون قلبه متعلقا بمكانها. وأما الخامس : قال : ( رجلان تحابا في الله ) تحابا : أي تبادلا المحبة لا لمال ولا لجاه ولا لقرابة ولكن في الله عز وجل، يعني الذي حمل هذا أن يحب هذا هو ما عنده من عبادة الله سبحانه وتعالى فيحبه، ما عنده مثلا من نفع الخلق بالمال أو بالعلم أو ما أشبه ذلك فيحبه، لو سئل لماذا أحببت فلانا ؟ هل هو لماله أو حسبه أو قرابته أو ما أشبه ذلك ؟ . قال : لا ، أنا لا أحبه إلا في الله، فهذان المتحابان في الله يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي بعض ألفاظ الحديث هذا : ( اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) أي أن المودة بينهما كانت إلى الممات من حين اجتمعا إلى أن ماتا. السادس : ( رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، قال : إني أخاف الله ) إلى نفسها أي إلى جماعها، وهي ذات منصب وجمال ، أي أنها جميلة الصورة شريفة النسب لأنها ذات منصب، ليست من النساء السوقة أو المبذولات، وليست من النساء الدميمات، بل هي امرأة جميلة وامرأة ذات شرف بحيث لا يعد الاتصال بها سفلا لأنها شريفة. ( فقال : إني أخاف الله )، يعني لم يمنعه من ذلك إلا خوف الله، فليس هناك أحد من البشر يخشى منه أن يطلع على فعله، وليس هناك ضعف في قوته بل هو قادر على أن ينفذ لكن الذي منعه خوف الله عز وجل مع قوة الداعي الداخلي والخارجي لكن منعه خوف الله، قوة الداعي الخارجي هو كون المرأة ذات منصب وجمال، والداخلي كون الرجل عنده قوة وقدرة على الجماع ، ومع ذلك قال : إني أخاف الله ، لم يمنعه إلا الخوف. وأما السابع : ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه ) وهذا لكمال إخلاصه ، تصدق بصدقة فلم يطلع عليها أحد حتى لو كانت شماله ذات إرادة أو علم مستقل ما علمت ما أنفقت اليمين أو ما صنعت اليمين، وقيل معناه : حتى لا يعلم من في شماله ما أنفقته يمينه لكن الأول أبلغ ، لأن الشمال جزء من البدن المتصدق ومع ذلك لا تعلم وهذا أشد وأبلغ في الإخفاء. إذا نظرنا في هذا الحديث وجدناه يشتمل على معاني، لماذا كان هؤلاء ممن يظلهم الله في ظله ؟ فالأول لكمال عدله وهو الإمام العادل. والثاني لكمال عبادته ونشأته الصالحة. والثالث لكمال إخلاصه وتعلقه بالله عز وجل. والرابع لكمال حبه للمساجد وما يكون فيها من ذكر الله. والخامس لكمال ولايته في الله وأنه لا يوالي إلا أولياء الله. والسادس لكمال عفته. والسابع لكمال إخلاصه وبعده عن الرياء. أظهر مثل ينطبق على قوله : ( ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ) من ؟ . يوسف عليه الصلاة والسلام، فإنه دعته امرأة العزيز وهي ذات منصب وجمال وليس عندهما أحد ومع ذلك امتنع، (( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه )) يعني معناه أنه لقوة الداعي حصل الهم ولكن صار المانع أقوى ، وهو أنه رأى برهان الله فامتنع، ولبعض المفسرين هنا كلام مرفوض ، فالصواب ما ذكرناه أن الهم وقع ، ولكن قوة المانع صار أغلب من قوة الجالب والدافع فخاف الله. ومن ذلك أيضا أحد الثلاثة الذين أخبر عنهم النبي عليه الصلاة والسلام الذين انطبق عليهم الغار، فإنه لما جلس من ابنة عمه مجلس الرجل من أهله قالت له : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، وهي أحب الناس إليه، قام وهي أحب الناس إليه ، خوفا من الله عز وجل.
السائل : ذكر هذه الأشياء السبعة في الحديث ... لا يشمل إلا نوعا واحدا من الرجال ما شمل النساء ، كيف ؟ الشيخ : أما الإمام العادل فلا يكون إلا ذكرا ، الشاب الذي نشأ في عبادة الله شامل ، حتى المرأة التي شبت في طاعة الله تدخل في هذا . كثيرا ما يطلق أوصاف الرجال ويراد بها النساء (( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون )) والمؤمنات ؟ والباقي واضح. فيه : ( ورجل دعته امرأة ) هو الذي يمكن أن يكون خاصا بالرجال، وقلبه معلق بالمساجد إذا قلنا إن المراد بالمساجد مكان الصلاة، أما إذا قلنا السجود فهو يشمل ... السائل : أحسن الله إليكم يا شيخ قلتم : الرجل إذا دعته امرأة يكون خاصا بالرجال، ما يصلح المرأة إذا دعاها رجل ذو منصب وجمال ؟ الشيخ : والله ما أدري ، لأن قوة طلب الرجل أكثر، إي والله ما أدري، في النفس شيء.
حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عمر بن علي ح و حدثني خليفة حدثنا عمر بن علي حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من توكل لي ما بين رجليه وما بين لحييه توكلت له بالجنة )
القارئ : الحمد الله وصلى الله على رسول الله، قال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا عمر بن علي، ح وحدثني خليفة، حدثنا عمر بن علي، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد الساعدي، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من توكل لي ما بين رجليه وما بين لحييه، توكلت له بالجنة ). الشيخ : معنى توكل ، معناه ضمن كما يفسره اللفظ الآخر ، المراد ما بين رجليه يعني الفرج، والمراد ما بين لحييه اللسان، يعني من حفظ فرجه ولسانه ضمن له النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ، وذلك أن الفرج هو مدعاة الفواحش ، واللسان هو مدعاة الأقوال المنكرة سواء في العقائد أو في الأخلاق، فإذا ضمن الإنسان ما بين رجليه وما بين لحييه يقول : ( توكلت له بالجنة ) يعني ضمنت له الجنة.
السائل : ورجل قلبه معلق بالمسجد ... الشيخ : ... نحكم بالباطن، المدار على الباطن ، قد يكون الإنسان يتردد على المساجد رياء وسمعة وقلبه غير معلق بالمساجد، وإذا تعلق قلبه بالمساجد فلا بد أن يأتي ويحضر ، لأن القلب إذا صلح صلح الجسد كله.
هل يدخل في الحديث من تمنعه شيمته وحياؤه من الزنا ؟
السائل : فيه رجال تمنعهم من الفواحش الحياء ما دينهم ؟ الشيخ : لا يدخلون في الحديث ، هؤلاء ليس لهم نصيب في الحديث، الحديث يقول : ( إني أخاف الله ) أما من تمنعه شيمته ومروءته فهذا تكفيه الشيمة والمروءة في الدنيا.
باب : إثم الزناة. وقول الله تعالى : (( ولا يزنون )) . (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وسآء سبيلا )) .
القارئ : " باب إثم الزناة ". وقول الله تعالى : (( ولا يزنون )) . (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وسآء سبيلا )) . الشيخ : الزنا يقول العلماء هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر، هذا الزنا، فعل الفاحشة في قبل أو دبر، يعني جماع من لا يحل جماعه، هذا هو الزنا. وقوله تعالى : (( ولا يزنون )) هذا من أوصاف عباد الرحمن الذين ذكرهم الله تعالى في آخر سورة الفرقان. وقوله : (( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا )) فاحشة في نفسه وساء منهاجا وطريقا يمشى فيه الفاعل. وتأمل هنا قال في الزنا : (( إنه كان فاحشة وساء سبيلا ))، وفي نكاح نساء الآباء قال : (( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلق إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ))، وفي اللواط قال لوط لقومه : (( أتأتون الفاحشة )) فهذه ثلاثة تعبيرات. أما قوله : (( إنه كان فاحشة )) فهو أدناها يعني فاحشة من الفواحش، وأما قوله : (( الفاحشة )) اللي فيها ( أل ) فهو دليل على أن هذه الفعلة بلغت أقصى ما يكون من الفحش والعياذ بالله ، الفاحشة الكبرى، وأما قوله : (( إنه كان فاحشة ومقتا )) فهو نعم كان فاحشة من الفواحش لكن زاد على هذا مقت، ومقتا، فدل هذا على أن نكاح ذوات المحارم أقبح من الزنا . ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أن الزنا بذوات المحارم موجب للقتل مطلقا، سواء كان الزاني ثيابا أم غير ثيب ، لأنه أعظم ، إذ إن ذوات المحارم لا تحل فروجهن بأي حال من الأحوال، والزنا بغير ذوات المحارم زنا بفرج قد يباح بماذا ؟ . بالعقد، بعقد النكاح الصحيح، فصار ذاك أقبح وأشنع.
أخبرنا داود بن شبيب حدثنا همام عن قتادة أخبرنا أنس قال لأحدثنكم حديثًا لا يحدثكموه أحد بعدي سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا تقوم الساعة وإما قال من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأةً القيم الواحد )
القارئ : أخبرنا داود بن شبيب، حدثنا همام، عن قتادة، أخبرنا أنس، قال : لأحدثنكم حديثا لا يحدثكموه أحد بعدي، سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تقوم الساعة - وإما قال - من أشراط الساعة : أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون للخمسين امرأة القيم الواحد ). الشيخ : الشاهد قوله : ( ويظهر الزنا ) يعني ينتشر ويعلن ولا يبالى به.