شرح حديث : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال حفظناه من في الزهري قال أخبرني عبيد الله أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا ( كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل فقال أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله فقام خصمه وكان أفقه منه فقال اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي قال قل قال إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم ثم سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره المائة شاة والخادم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها ) قلت لسفيان لم يقل فأخبروني أن على ابني الرجم فقال الشك فيها من الزهري فربما قلتها وربما سكت
الشيخ : القصة هذه أن رجلا كان أجيرا عند شخص والرجل شاب لم يتزوج فزنى بامرأته بامرأة من ؟ المستأجر ، فقيل له إن على ابنك الرجم فافتدى منه بمائة شاة ووليدة ، الوليدة يعني الخادم المملوكة ، يعني دفع مائة شاة ومملوكة لأجل أن لا يرجم ابنه ثم سأل رجالا من أهل العلم فأخبروه بأن على ابنه جلد مائة وتغريب عام ، وعلى امرأة المستأجر الرجم ، لأن الزاني بكر ، والمزني بها يا ناصر ، هاه ... امرأة الرجل محصنة ، والزاني بكر ، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره المائة شاة والخادم رد ) يعني عليك ، لأنها أخذت بغير حق ، وما أخذ بغير حق وجب رده على المأخوذ منه ، ( وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ) جلد مائة لقوله تعالى : (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )) وتغريب عام بالسنة إذ ليس في القرآن التغريب لكن بالسنة أي يسفر عن بلده لمدة عام ، وفائدة هذا أنه يبعد عن مكان المزني بها وعن المزني بها أيضا ، لأنه إذا كان قريبا فربما تسول له نفسه أن يعود مرة أخرى ، وأيضا إذا ذهب واغترب فالغريب لا ينشرح صدره ولا تنبسط نفسه ويكون همه نفسه ، فيبعد عن الأحوال التي توجب النشوة والفرح وحب الجماع فيكون في ذلك حمية له عن مواقعة المحظور مرة أخرى ، وبناء على ذلك لا يجوز أن ننفيه إلى بلد يكثر فيها الفساد ، لأننا إذا نفيناه إلى بلد يكثر فيها الفساد فقد زدنا الطين بلة فلا يجوز لكن نسفره إلى بلد نزيه خال من هذه الشرور
الشيخ : وفي هذا الحديث أيضا دليل على جواز توكيل الإمام في إثبات الحد وإقامة الحد، لقوله : ( فإن اعترفت ) هذا إثبات الحد ، ( فارجمها ) هذا إقامة الحد وتنفيذه ، وفيه دليل أيضا على أنه لا يشترط تكرار الإقرار بالزنا لقوله : ( فإن اعترفت ) ولم يقل أربعا فارجمها ، والجمع بينها وبين قصة ماعز أن النبي صلى الله عليه وسلم شك في قضية ماعز، ووجه آخر أن هذه القصة كأنها والله أعلم اشتهرت وبانت ولهذا كان فيها أخذ ورد بين العوام وأهل العلم ، بخلاف قصة ماعز فإنما ثبتت بقوله وإقراره بعد التوبة ، وفيه أيضا قوله : ( واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ) وأن التوكيل في الأمر المستقبل لا يشترط أن يقول فيه إن شاء الله ، وهذا لا يعارض قوله تعالى : (( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله )) وقد ذكرنا في هذه المسألة ما ينبغي التنبه له ، وهو أن الإنسان إذا قال سأفعل كذا فإن كان قصده الإخبار عما في نفسه لم يلزمه الاستثناء أي لم يلزمه أن يقول إن شاء الله ...
في رواية البخاري ( وصلى عليه ) وفي روايات أخرى كثيرة ( ولم يصل عليه ) ؟
السائل : لماذا قال ... قال فصلى عليه ؟ الشيخ : أي في الحديث فصلى عليه ، في نفس البخاري. السائل : ... حديث البخاري ... الشيخ : أي ناقشه ؟ السائل : ... الشيخ : عندي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا وصلى عليه ، ولم يقل يونس وابن جريج عن الزهري : فصلى عليه أي نعم ولكن المثبِت ، نعم ، هاه ؟ السائل : ... الشيخ : النسخة الثانية ما هي بعندنا ، نعم ، ... ذكرنا إذا قال الإنسان سأفعل ذلك غدا خبرا فلا حاجة أن يقول إن شاء الله لأنه يخبر عما في نفسه ، أما إذا قال سأفعل بمعنى أنه سينفذ فإنه يقول إن شاء الله ، نعم
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال عمر ( لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف قال سفيان كذا حفظت ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده )
القارئ : حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال عمر: ( لقد خشيت أن يطول بالناس زمان ، حتى يقول قائل : لا نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن ، إذا قامت البينة ، أو كان الحمل أو الاعتراف - قال سفيان : كذا حفظت - ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ) الشيخ : نعم هذا الذي خشيه عمر وقع ، فقالوا إن الرجم ليس في كتاب الله ، لأن الذي في كتاب هو (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )) ولكن في لفظ آخر أطول مما ذكر المؤلف قال : " وإن الرجم حق في كتاب الله قرأناها وحفظناها ووعيناها ، ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده " فأثبت عمر على المنبر بأنهم قرؤوا الآية آية الرجم وحفظوها ووعوها وفهموها وطبقوها ، رجم النبي صلى الله عليه وسلم ورجموا بعده ، ويدل لذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث السابق : ( لأقضين بينكما بكتاب الله ) ثم ذكر الرجم ، ولكن قد يقول قائل : أين آية الرجم في كتاب الله ؟ والجواب على هذا أن نقول إنها نسخت لفظا وبقي حكمها.
الشيخ : لأن النسخ في كتاب الله ثلاثة أقسام : أحدها : ما نسخ لفظا لا حكما ، والثاني ما نسخ حكما لا لفظا ، والثالث : ما نسخ لفظا وحكما ، ثلاثة أقسام ، مثال ما نسخ لفظا لا حكما الرجم فإن حكمه باق إلى يوم القيامة ولكن لفظه منسوخ ، ومثال ما نسخ حكما لا لفظا قوله تعالى : (( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون، الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين )) فالآية الأولى نسخت حكما لا لفظا ، أما ما نسخ لفظا وحكما فآية الرضاع ، ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات ، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي فيما يتلى من القرآن ) ، هكذا أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها ، فالعشر رضعات نسخت لفظا وحكما ، والخمس لفظا لا حكما ، لأن خمس باقية ، فإذا قال قائل : ما الفائدة من نسخ اللفظ دون الحكم ؟ قلنا : الفائدة من ذلك امتحان هذه الأمة بقبولها ما جاء في القرآن ولو نسخ لفظه على عكس اليهود الذين حاولوا أن يكتموا ما جاء في التوراة في الرجم ، فآية الرجم ليست في القرآن والمسلمون ينفذونها ، وآية الرجم في التوراة واليهود يحاولون كتمانها ، فبهذا يتبين فضيلة هذه الأمة بتنفيذها حكم الله عز وجل حتى وإن نسخ لفظه ، هذا من فوائد نسخ اللفظ وهي امتحان هذه الأمة بالامتثال ، وفي حديث عمر رضي الله عنه يقول إن الرجم حق على من زنى وقد أحصن ، عرفتم الإحصان في باب حد الزنا ، وهو يا ناصر ؟ الطالب : ... الشيخ : وهما بالغان عاقلان حران ، كذا ؟ طيب يقول : " إذا قامت البينة " والبينة في باب الزنا أغلظ البينات ، لا بد من أربعة رجال عدول كما قال تعالى : (( لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء )) فلا بد من أربعة شهداء يشهدون شهادة صريحة في الجماع ، فيقولون رأينا ذكره في فرجها على فعل واحد من شخص واحد ، يعني معناها المشهود عليه واحد المرأة والرجل واحد ، والفعل واحد ، والتصريح لا بد منه ، لا بد من أن يصرحوا ، والشهادة على هذا الوصف يندر وجودها ، بل يتعذر حتى إن شيخ الإسلام رحمه الله يقول وهو في القرن الثامن : لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد الرسول إلى يومنا ، ومن باب أولى من عهد شيخ الإسلام إلى يومنا هذا أيضا ما سمعنا أنه ثبت عن طريق الشهادة ، لأنها مسألة كبيرة كما قال من اتهم به لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو كان بين أفخاذنا ما شهد علينا هذه الشهادة ، بين أفخاذينا يعني أفخاذ المرأة والرجل، ما شهد هذه الشهادة ، من يستطيع أن يرى ذكر الرجل في فرج المرأة هذا صعب جدا ، وكل هذا حكمته التحري في حفظ الأعراض ، ولهذا لو شهد ثلاثة رجال على أنهم رأوا شخصا يزني بامرأة ذكره في فرجها جلد كل واحد منهم ثمانين جلدة ولم يقم الحد على المشهود عليه ، كل هذا حماية لأعراض المسلمين من أن تنتهك ويأتي أي واحد يشهد بأن فلان زنى أو فلان تلوط والعياذ بالله ، المسألة خطيرة جدا ، إذن البينة في باب الزنا أربعة رجال عدول ، لو أتى أربعمائة امرأة يشهدن به لم يقبلن ، لا بد من رجال أربعة ، لو أتى ثلاثة ما قبلوا ، قال : " أو كان الحمل أو الاعتراف " الحمل من البينات ما لم تدّع المرأة شبهة ، ومتى يكون من البينات ؟ إذا حملت امرأة ليس لها زوج ولا سيد فإنه يقام عليها الحد ، لأنه لا يمكن أن تلد امرأة بدون ذكر ، إلا أن يكون ذلك آية من آيات الله كما حصل لمريم ، فإذا حملت امرأة وليس عندها زوج ولا سيد وجب أن ترجم إذا كانت محصنة ما لم تدع شبهة ، فإن ادعت شبهة بأن قالت إنها مكرهة أو إنها موطوءة بشبهة أو إنها تحملت بماء رجل يعني أخذت المني وأدخلته في فرجها حتى حملت فإنها لا تحد لأن هذا شبهة ، وهذا الذي قاله عمر وأعلنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحق أي أن الزنا يثبت بحمل المرأة إذا لم يكن لها زوج ولا سيد ما لم تدع شبهة ، وذهب بعض العلماء إلى أنها لا تحد بالحمل وإن لم يكن لها زوج ولا سيد ، قالوا لاحتمال الشبهة ، ولكن هذا القول ضعيف ولا يصلح لإقامة مجتمع لأننا لو قلنا بهذا القول لقامت البغايا تفعل ما شاءت ، وإذا حملت تركت لا يتعرض لها ولا يقال لها من أين لك هذا الحمل ، فالصحيح ما قاله عمر رضي الله عنه ، نعم
إذا رأى رجل من يزني وذهب للقاضي وشهد وهو لا يعلم أنه يجب عليه أن يأتي بثلاثة شهداء آخرين ؟
السائل : إذا رأى رجل من يزني وجاء إلى القاضي وقال أنا رأيت وهو لا يعرف أنه يجب عليه أن يأتي معه بثلاثة ، قال القاضي إما أن تأتي بثلاثة معك أو ، وهو لا يعرف الحكم يا شيخ ؟ الشيخ : أي وإن ما عرف الحكم ، هذا حق آدمي. السائل : يقول أنا لو أعرف أنني يجب أن آتي بثلاثة ما جئت شهدت . الشيخ : أي نقول لماذا تستعجل ، أي نعم
الشيخ : طيب، ما رأيكم لو أتي بالصورة، إنسان مثلا رأى شخصين يزنيان فصورهما هل تعتبر الصورة ؟ الطالب : لا تعتبر الشيخ : ليش ؟ الطالب : ... الشيخ : صحيح الصورة لا تثبت لأنه يمكن أن تدبلج يؤتى برجل ويؤتى بامرأة وتصور السائل : ... الشيخ : أي ولو كان متحركة كل شيء يصير ، ألم يصوروا صورا كثيرة خلاف الواقع ، نحن نشهد بأنها خلاف الواقع وصوروها وهي متحركة ، نعم
السائل : ... الشيخ : التغريب تغرب مع محرم إن أمكن ، وإن لم يمكن فمع ثقة وإن لم يمكن حبست لمدة سنة ، المرأة يعني إذا وجب تغريب المرأة فمع محرم فإن لم يمكن فمع ثقة فإن لم يوجد حبست لمدة سنة.
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال كنت أقري رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله بمنًى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتةً فتمت فغضب عمر ثم قال إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم قال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالةً يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكناً فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها فقال عمر أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلًا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليقولن العشية مقالةً لم يقلها منذ استخلف فأنكر علي وقال ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني قائل لكم مقالةً قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله "أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم " أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ألا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم وقولوا عبد الله ورسوله ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتةً وتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرةً أن يقتلا وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا فقالوا هذا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا يوعك فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالةً أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة قال عمر وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرةً أن يقتلا
القارئ : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، قال : ( كنت أقرئ رجالا من المهاجرين، منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب، في آخر حجة حجها، إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت، فغضب عمر، ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم ، قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها في مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها ، فقال عمر: أما والله إن شاء اللهلأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة ، قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زاغت الشمس، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب، فلما رأيته مقبلا، قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر علي وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله، فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، ألا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله ) ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايَع هو ولا الذي بايعه، تغرة أن يقتلا، وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم، لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك، فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يحضنونا من الأمر ، فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري، إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت، فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح، وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك من إثم، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن ، فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير، ومنكم أمير، يا معشر قريش. فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار. ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة: أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما نخالفهم فيكون فسادا ، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين، فلا يتابع هو ولا الذي بايعه، تغرة أن يقتلا ) الشيخ : الله أكبر ، هذا حديث طويل كما رأيتم لكن فيه فوائد عظيمة. فنقول وبالله نقول : يقول البخاري رحمه الله : باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، وقد سبق الكلام على هذا، وبينا أن القول الراجح أنها أي المرأة إذا حملت وليس لها زوج ولا سيد فإنها تحد ما لم تدع شبهة. والبخاري رحمه الله صرح في هذه الترجمة بما ذكر، قال : باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، وجزم بهذا جزما. ثم ذكر حديث عمر رضي الله عنه بل حديث ابن عباس قال : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف مع أنه رضي الله عنه من أصغر القوم ، لكن قد دعا له النبي عليه الصلاة والسلام فقال : ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) وكان رجلا حريصا على العلم، كان يذكر له الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجل من الصحابة فيذهب إليه في شدة الحر ويتوسد رداءه في ظل جداره حتى يخرج إلى الصلاة فيمشي معه ويسأله عن الحديث، فيقول له الرجل : يا ابن عم رسول الله، لماذا لم تستأذن علي حتى أخرج إليك وتأخذ الحديث وتنطلق ؟ فيقول له : إني متعلم وإن الحاجة لي، إنصاف وعدل، ثم إنه رضي الله عنه سئل : بم أدركت العلم ؟ قال : أدركت العلم بلسان سؤول وقلب عقول، وبدن غير ملول، ثلاثة أشياء يعني يسأل عن كل ما يخفى عليه، وقلب عقول يعني يفهم ويحفظ، وبدن غير ملول لا يمل، ولهذا صار آية في كل العلوم، في التفسير، في الفقه، في أشعار العرب، في كل شيء. يقول : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إلي عبد الرحمن فقال : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال : يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان رجل ، عندك تعيينه أو لا ؟ لم يعين ، هاه ، على كل حال ما يهم ، فقال : " يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا " يعني أن الرجل يتحدث عند الناس يقول : لو مات عمر بايعت فلانا، وكأنه معجب بهذا الرجل ويرى أنه صالح بأن يكون خليفة للمسلمين ، فوالله يقول هذا الرجل الذي يريد أن يبايع شخصا معينا : فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت. السائل : ... الذي أراد أن يبايع الشيخ : ما ذكره السائل : ... الشيخ : ماذا يقول ؟
قراءة من الشرح فيها أن المبايَع هو طلحة ابن عبيد الله .
القارئ : قوله : " لقد بايعت فلانا هو طلحة بن عبيد الله أخرجه البزار من طريق أبي معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه وعن عمير مولى غفرة بضم المعجمة وسكون الفاء قالا: قدم على أبي بكر مال فذكر قصة طويلة في قسم الفيء، ثم قال: حتى إذا كان في آخر السنة التي حج فيها عمر قال بعض الناس: لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانا يعنون طلحة بن عبيد الله. " الشيخ : أحسنت ، نعم يقول : فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت ، يعني فأنا سأبايع هذا الرجل بدون مشورة الناس، وستتم بيعتي ، فغضب عمر رضي الله عنه، ثم قال : " إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون يغصبونهم أمورهم "، إني قائم العشية يعني آخر النهار، لأن العشي ما بين الزوال إلى غروب الشمس ، يقول : " فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون يغصبونهم أمورهم " بماذا يغصبوهم أمورهم ؟ بمبايعة رجل دون مشورة المسلمين، وكان عمر رضي الله عنه يحب المشورة وأخذ الرأي وأن لا يولى على المسلمين إلا من رضوه حتى لا يحصل الإختلاف والنزاع ، وفي هذا دليل على أنه يجب على ولي الأمر من أمير أو وزير أو مدير أو ولي أمر في العلم، لأن أولياء الأمور طائفتان من الناس : أولياء الأمور في العلم والبيان، وأولياء الأمور في السلطة والقدرة ، يجب على أولياء الأمور من العلماء والأمراء أن يحذروا أمثال هؤلاء الذين يندسون في المسلمين ليفسدوهم ويفرقوهم ويثيروهم على ولاتهم، وإن كانوا يتصنعون ويأتون بطريق النصح، لكنهم في الحقيقة هم الفساد وهم الشر، ولهذا يقول : " محذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبونهم أمورهم "، فالواجب التحذير من هؤلاء الذين يندسون بين الناس بصورة الناصح وهم في الحقيقة أهل الغش، وبصورة المصلح وهم أهل الفساد، أن يحاولوا التفريق بين الناس وبين قادتهم في العلم والدين أو في السلطان والرعاية ، يقول فقال عبد الرحمن فقلت : " يا أمير المؤمنين، لا تفعل " وهو واحد من الرعية يقوله لأعظم خليفة بعد أبي بكر ، عمر عازم على أن يفعل ومؤكد ذلك بإن واللام، فيقول له واحد من رعيته: لا تفعل، لكن يقوله نصحا أو رياء ؟ نصحا ، وبين السبب : " فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم " يعني يجمع العامة الذين لا يفهمون ولا يفقهون، والناس يقولون العوام هوام تلدغك تقرصك تؤذيك ، " فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس " صحيح ، إذا قام الخطيب مثل ولي الأمر خطيبا ، من الذين يتزاحمون عنده ؟ الغوغاء ، إذا لم تحجز الأماكن للشرفاء والوجهاء فإن الغوغاء لا يستحون يجون يتراكضون حتى يهجموا على الخطيب مثلا، الشرفاء تجده بعيد يستحي ويخجل ، فغوغاء الناس كما قال عبد الرحمن رضي الله عنه : " هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة " صدق ، هؤلاء العامة ليس عندهم وعي ولا فهم يتلقفون الكلام ثم يطيرونه بمشارق الأرض ومغاربها دون فهم، هذا واقع أو متوقع ؟ هذا واقع وواضح ، ولكن يقول: " أمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة " دار الهجرة واضح ، مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودار السنة العلم سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأن الباقي إما من بادية أو من قرى بعيدة لكن أهل المدينة هم أهل السنة ، " فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس " أهل الفقه يعني أهل العلم ، وأشراف الناس ذوو الجاه ، لأن أهل العلم لهم شرف بعلمهم ، وأهل الجاه لهم شرف بجاههم ، وهاتان الطائفتان هما اللتان يمثلان المجتمع حقيقة ، " فتقول ما قلت متمكنا فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها ، فقال عمر أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة " سبحان الله، ولم يناقش لم يناقش عبد الرحمن بن عوف ، لماذا ؟ لأن الأمر واضح ، كلامه حق وواضح وبين ، ولهذا ما ناقش ولا تعصب لرأيه، ولا قال : لا ، سأقولها الآن لأن الناس أكثر جمعا مما إذا كنت في المدينة فدع الناس كلهم يفهمون ما أقول ، الواقع أن المقام يمكن فيه النقاش ، لكن لا شك أن الراجح ما قاله عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، ولهذا سلم عمر له وقال : لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة ، قال ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب في ذي الحجة ، عندكم في عَقِب ولا في عُقْب ؟ عَقِب ، إما في آخرها أو في أول المحرم ، يقول : " فلما كان يوم جمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل " وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، "جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب " أي لم ألبث إلا قليلا، " حتى أن خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف " من أين فهم ذلك ؟ من قول عمر : " لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة " ، يقول : " فأنكر علي " وقال : " ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله " يعني أنه ما الذي أعلمك وما الذي جعلك تجزم بهذا الشيء أن يقول شيئا لم يكن قاله من قبل ، " فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله " ، هذه الكلمة " المؤذنون " استدل بها من قال إن من السنة أن يتعدد المؤذنون في المسجد الواحد، ولكن فيها نظر فإن هذه الكلمة إن كانت محفوظة فالمراد بها الجنس، وإن لم تكن محفوظة وأن الصواب : سكت المؤذن فالأمر واضح ، لأنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن إلا مؤذن واحد فقط ، وسنرجع إليها عندما ننهي الكلام إن شاء الله تعالى ، قال " قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال : أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي " رضي الله عنه، وهذا التوقع الذي توقعه صار مطابقا للواقع فإنه قتل رضي الله عنه في آخر ذي الحجة أليس كذلك ؟ ، هكذا جاءت الأخبار، أنه قتل في آخر ذي الحجة بعد رجوعه من مكة، ولهذا ما توقعه صار هو الواقع. " فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت بها راحلته " من عقلها ووعاها، العقل الفهم، والوعي الحفظ، مأخوذ من الوعاء لأن الوعاء يحفظ ما فيه، " فليحدث بها حيث انتهت به راحلته " وش معنى هذا، معناه أن يحدث بها إلى أقصى مكان يبلغه ، في وقتنا الآن تنتهي الراحلة في أقصى الدنيا، وفي عهدهم معروف رواحلهم إبل وخيل وبغال وحمير لا تصل إلى ما يصل إليه الطائرات في الوقت الحاضر ، " ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي " رضي الله عنه ، الذي يخشى أن لا يعقلها لا يجوز أن يتحدث عني بها، أنه لو تحدث عني بها وهو لم يعقلها لزم من هذا إيش ؟ أن يكذب علي بتغيير أو تقديم أو تأخير أو زيادة ، ثم قال : " إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب " بالحق يعني أنه جاء بحق، وبالحق يعني أن بعثه حق، فلها معنيان: المعنى الأول أنه جاء بالحق، والمعنى الثاني : أن بعثه حق، وكلاهما صحيح ، " وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده " فبين رضي الله عنه أن الآية نزلت وأنها قرئت وأنها عقلت، وأنها وعيت حفظت، وأنها أحييت بالعمل بها، رجم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها لم تنسخ لقوله : " ورجمنا بعده " وإذا ثبت الحكم إلى وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام فلا نسخ، وكل هذا من باب التوكيد رضي الله عنه وجزاه عن أمة محمد خيرا ، قال : " فأخشى إن طال .. "