كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
الشيخ : يقول كتابة استتابة المرتدين، استتابة أي طلب توبة المرتدين، والمرتدون هم الخارجون عن الإسلام.
وأسباب الردة تعود إلى أمرين: التكذيب والجحود، أو الاستكبار، يعني لو أنك تتبعت جميع صور الردة التي ذكرها العلماء لوجدتها ترجع إلى هذين الأمرين إما التكذيب والجحود، وإما الاستكبار والعناد.
التكذيب والجحود لما أخبر الله به ورسوله.
والاستكبار والعناد عدم الامتثال وعدم الطاعة.
ومن ذلك مثلا: أن يشرك بالله، أو يكذب خبرا من أخباره، أو رسولا من رسوله، أو يكذب باليوم الآخر، أو غير ذلك.
فهل يستتاب أو يقتل بمجرد ردته ؟
المشهور من المذهب أن جميع المرتدين يستتابون إلا من لا تقبل ردته، من لا تقبل ردته فإنه لا يستتاب لأنه لا فائدة من استتابته، لأنه لو تاب لم تقبل توبته.
فممن لا تقبل توبته على المشهور من المذهب المنافق، قالوا المنافق لا تقبل توبته لأنه لم يبد من حاله إلا ما كان على الحال الأولى، هو منافق يظهر أنه مسلم، فإذا استتبناه ماذا يقول ؟ يقول إنه مسلم، وأنه ما كفر، وهو مسلم، لهذا قالوا: إن المنافق لا تقبل توبته حتى لو تاب فإننا نقتله وأمره إلى الله، قد يكون الله عز وجل قد علم أنه تاب توبة نصوحا فيغفر له، أما نحن في الدنيا فلا، لأنه سوف يلعب بنا، كلما أمسكناه يقول أنا مسلم، إذن لا تقبل توبته، هذا واحد.
الثاني : من عظمت ردته، بأن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله فإن هذا لا تقبل توبته، وكذلك من سب الله أو رسوله فإنها لا تقبل توبته، أو سب الدين الدين الإسلامي فإنها لا تقبل توبته، لعظم ردته.
أما الأول المنافق فلأنه لم يبد من لسانه إلا ما سبق، هو الآن يقول إنه مسلم كما قال في الأول إنه مسلم.
أما الثاني فلعظم ردته.
لكن الصحيح أنها تقبل توبة المنافق وتوبة السّاب وتوبة المستهزئ، وكل من تاب تاب الله عليه.
والدليل على ذلك:
أولا: العموم، مثل قوله تعالى : (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا )) والذنوب هذه لفظ عام يشمل كل ذنب، ثم أكد هذا بقوله : جميعا، هذه آية عامة.
وهناك خصوص آيات تدل على صحة توبة المنافق، مثل قوله تعالى : (( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين )) ولن يكونوا مع المؤمنين إلا إذا قبلت توبتهم، وكذلك فيمن استهزأ بالله، قال الله تعالى : (( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة ))، فقوله : (( إن نعف عن طائفة منكم )) يدل على إمكان توبة هؤلاء.
وهذا هو الصحيح، إلا أن هؤلاء يراقبون أكثر من غيرهم، ولهذا أكد التوبة في المنافقين قال : (( إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله )) فلا بد من مراقبة دقيقة على هؤلاء، وكذلك المستهزئون.
وعلى هذا فمن سب الله وتاب قبلنا توبتهم ورفعنا عنه القتل، وقلنا أنت منا ونحن منك.
وأما من سب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإننا نقبل توبته أيضا، ولكننا نقتله مسلما، وأما من سب الله فنقبل توبته ولا نقتله، لا لأن سب الرسول أعظم من سب الله، بل سب الرسول أعظم، ولكن سب الرسول صلى الله عليه وسلم حق له، ولا نعلم أنه أسقط هذا الحق، فيجب الأخذ بحقه من هذا الذي سبه، وأما سب الله فهو حق لمن ؟ لله، وقد أخبرنا الله عن نفسه أنه يغفر الذنوب جميعا، وأنه يغفر للمنافق و للساب المستهزئ، وهذا القول هو الذي حققه شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه " الصارم المسلول في تحتم قتل سابّ الرسول صلى الله عليه وسلم ".
وقول المؤلف: " والمعاندين " هذا من باب عطف عام على خاص، وقد نقول إنه ليس عاما على خاص، لأن المرتد قد يكون معاندا وقد يكون غير معاند، فيكون عطف غير على غير.
باب : إثم من أشرك بالله ، وعقوبته في الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : (( إن الشرك لظلم عظيم )) . و (( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )) .
الشيخ : نعم، الشرك ظلم عظيم، لأن أعظم الحقوق عليك حق الله، فإذا أشركت به صار إشراكك به أعظم ظلم.
الوالدان لهما حق، وإهدار حقهما ظلم، لكن ليس حقهما كحق الله، فعقوقهما أقل ظلما من الإشراك بالله، عرفتم؟ ومن سوى الوالدين من باب أولى.
إذن فالشرك ظلم عظيم، لأنه نقص في حق من حقه أعظم الحقوق وهو الله عز وجل.
وقال تعالى : (( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )) أول الآية : (( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )) والخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يقتضي جواز وقوع الشرك منه، لأن " إن " لا تقتضي وقوع الشرط، فقد تكون في أعظم الممتنعات كقوله تعالى : (( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين )) وكقوله تعالى : (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )) فالشرط لا يقتضي وقوع المشروط.
فقوله : (( لئن أشركت ليحبطن عملك )) لا يقتضي أنه يمكن أن يشرك، لكن خبر عن أمر مفروض لو وقع لكان هذا لو الحكم، وحينئذ لا يكون في هذا خدش لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل لبيان الواقع.
طيب، ولو أشرك غيره ؟ لكان أولى، (( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون )).
طيب، وهذا الآية ونحوها مقيدة بقيد ذكرها الله عز وجل في قوله : (( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم )) وهذا القيد لا بد، لأنه لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يحبط عمله، لكان عمله السابق ثابتا أجرا وحكما، ولهذا لو حج ثم ارتد بعد حجه ثم عاد إلى الإسلام لم يلزمه إعادة الحج، لماذا ؟ لأنه لم يمت على الردة بل تاب، حتى إن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الصحبة لا تبطل إذا ارتد الإنسان ثم عاد إلى الإسلام فإنه يكون صحابيا كما قال ابن حجر في النخبة : " ولو تخللت ردة على الأصح ".
2 - باب : إثم من أشرك بالله ، وعقوبته في الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : (( إن الشرك لظلم عظيم )) . و (( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )) . أستمع حفظ
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية (( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم )) شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنه ليس بذاك ألا تسمعون إلى قول لقمان (( إن الشرك لظلم عظيم )) )
الشيخ : هنا يقول : " عن عبد الله "، من عبد الله ؟
الطلاب : ابن مسعود.
الشيخ : ما الدليل ؟
الطلاب : علقمة يروي عنه.
الشيخ : لأنه تلميذ عبد الله.
طيب، لما نزلت هذه الآية (( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم )) أي لم يخلطوه بظلم، شق ذلك على الصحابة وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ كلنا عندنا ظلم، الإنسان ما يخلو، غيبة، نميمة، تقصير في واجب وما أشبه ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنه ليس بذاك ) يعني ليس بهذا الذي ظننتم أن المراد به أي ظلم، ( ألا تسمعون إلى قول لقمان: (( إن الشرك لظلم عظيم)) ).
وهنا قال : ( إلى قول لقمان ) مع أننا نقول : قال الله تعالى : (( إن الشرك لظلم عظيم ))، فكيف الجمع ؟
نقول : القول ينسب إلى قائله ابتدائه، وإلى ناقله بلاغا، عرفتم ؟
3 - حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية (( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم )) شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنه ليس بذاك ألا تسمعون إلى قول لقمان (( إن الشرك لظلم عظيم )) ) أستمع حفظ
فائدة : القول ينسب إلى قائله ابتداءً وإلى ناقله بلاغاً .
ألم تسمعوا إلى قوله تعالى : (( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين )) فنسب القول إلى جبريل، لأنه بلغه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال تعالى : (( إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر )) فنسبه إلى من ؟ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه بلغه أمته، فهنا نسب القول إلى المبلغ.
إذن قول لقمان ينسب إلى لقمان لأنه قاله ابتداء، وينسب إلى الله عز وجل لأنه بلغه عنه.
وفي هذا دليل على أنه لا يلزم من القول أن يكون باللفظ، لأن لقمان لم ينطق بالعربية وإنما كان ينطق بلغته، ومع هذا نسب القول إليه مع أنه باللغة العربية، وبهذا نعرف أن الحديث القدسي الذي أضافه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله لا يلزم أن يكون هو قول الله باللفظ بل هو قوله بالمعنى نقله عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظه، ولذلك لم يكن له حكم القرآن، ولو كان كلام الله حقيقة لكان له حكم القرآن إذ لا فرق بين أن يأتي به جبريل إلى محمد أو يرويه محمد عن الله بل قد نقول إنه لو قلنا بهذا القول للزم أن يكون الحديث القدسي أعلى سندا من القرآن، كيف ذلك ؟ لأن الرسول أخذه عن الله، والقرآن أخذه عن جبريل عن الله.
فوائد حديث : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ...
من سب الدين ولم يقصد ذلك وإنما هي كلمة درجت على ألسنتهم هل يكفر ؟
الشيخ : العلماء يقولون إذا نطق بها ولو كان مستهزئا أو ساخرا.
السائل : كلمة تجري على لسانه.
الشيخ : مثل إيش ؟
السائل : ...
يقول : يلعن دينك، هذا يؤخذ بها، وإذا لم يرد ذلك فأمره إلى الله، فيقال تب، الباب مفتوح، إذا قلنا بالقول الصحيح صار ما فيه إشكال.
السائل : ...
الشيخ : ما هو ؟ لا إله إلا الله، أما سمعتموه يا جماعة ؟
السائل : إذا قلنا الحديث القدسي لفظه من الله للزم أن يكون الحديث القدسي أعلى من القرآن ؟
الشيخ : أعلى سندا.
السائل : ...
الشيخ : كيف ؟ لأن الرسول غير مدلس، إذا نسب الحديث إلى الله فهو متصل.
بعض الناس يقول أن الإسلام أخرنا ؟
الشيخ : لا هذا خطأ، لأن إسلامنا نحن هو الذي أخرنا، ما هو الإسلام الحقيقي.
الإسلام يقدم أهله، لكن نحن المسلمون أضعنا كثيرا من الإسلام، فالذي أخرنا تأخرنا في الإسلام، ولو تقدمنا في الإسلام وأتينا بما يجب لكان لنا التقدم كما كان لأسلافنا.
أعرفت ؟ إي نعم.
حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري ح و حدثني قيس بن حفص حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا سعيد الجريري حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وشهادة الزور ثلاثاً أو قول الزور ) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت
الشيخ : أكبر الكبائر، أفادنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الذنوب كبائر وصغائر، وأن الكبائر أكبر وأصغر، واضح ؟ وكذلك الفضائل، الفضائل تختلف، بعضها أصول لا بد منها، وبعضها دون ذلك، وبعضها دون ذلك.
ففيه رد على قول من يقول إن الإيمان لا يتفاضل، وأن المؤمنين لا يتفاضلون.
وذكر الإشراك بالله لأنه حق الله، وعقوق الوالدين لأنه حق الوالدين، وشهادة الزور لما فيها من الفوضى والفساد.
بقي أن يقال : أين حق الرسول ؟ فماذا نقول ؟ نقول : داخل في حق الله.
وفي هذا الحديث دليل على عظم على شهادة الزور لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما زال يكررها حتى قالوا: ليته سكت.
تصوروا الآن الحالة: شهادة الزور، شهادة الزور، شهادة الزور، شهادة الزور، شهادة الزور، كرر كثيرا، حتى قالوا: ليته سكت.
وفي الحديث الآخر أو في السياق الآخر: ( وكان متكئا فجلس )، فعظم النبي صلى الله وعليه وآله وسلم شهادة الزور بقوله وفعله، أما قوله فالتكرار، وأما فعله فالجلوس من الاتكاء.
8 - حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري ح و حدثني قيس بن حفص حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا سعيد الجريري حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وشهادة الزور ثلاثاً أو قول الزور ) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت أستمع حفظ
هل نقول أن شهادة الزور أعظم جرماً من الشرك ؟
الشيخ : لا، أعظم فسادا، لأن المشرك ذنبه على جنبه على تقول العامة، لكن شاهد الزور يفسد كل شيء، ربما تقتل النفوس وتُسبى الأموال وتنتهك الأعراض بشهادته، أليس كذلك؟ قد يشهد زورا أن فلانا قتل فلانا عمدا فيقتل، أو يشهد زورا أن فلان عقد على هذه المرأة عقد نكاح فيبح الزنا بها، أو يشهد بأن فلانا أكل مال فلان فيضمَّن.
حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم أخبرنا عبيد الله بن موسى أخبرنا شيبان عن فراس عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر قال ( الإشراك بالله ) قال ثم ماذا قال ( ثم عقوق الوالدين ) قال ثم ماذا قال ( اليمين الغموس ) قلت وما اليمين الغموس قال ( الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب )
الشيخ : هنا جعل الدرجة الثالثة جعل فيها إيش ؟ في الحديث الأول جعل الثالثة شهادة الزور، وهنا جعلها اليمين الغموس، لأن في كليهما اقتطاع أموال الناس بغير الحق، فالشاهد بالزور يشهد بأن لفلان على فلان كذا، فيكون مقتطعا لمال أخيه، والحالف يحلف بأنه ليس لفلان عليه شيء، أو بأن لي على فلان شيئا ويأتي بشاهد فيحكم له.
10 - حدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم أخبرنا عبيد الله بن موسى أخبرنا شيبان عن فراس عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر قال ( الإشراك بالله ) قال ثم ماذا قال ( ثم عقوق الوالدين ) قال ثم ماذا قال ( اليمين الغموس ) قلت وما اليمين الغموس قال ( الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب ) أستمع حفظ
فوائد حديث الكبائر .
والفرق أنه لو قال قائل لك: والله لقد قدِم فلان، فهي يمين غموس عند بعض العلماء، والصحيح أنها ليست يمينا غموسا لكن إثمها أكبر من الكذب بلا يمين.
أما اليمين الغموس فهي التي يقتطع فيها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب.
بعضهم يتورع من قول الحديث متكئاً هل في ذلك شيء ؟
الشيخ : ما أظن أحدا يتورع من أجل الحديث، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثبت عنه أنه كان يقرأ القرآن وهو متكئ في حجر عائشة وهي حائض، لكن من الناس من يتورع لعله لسوء الأدب مع الجالسين.
هل يقال أن شهادة الزور أعم من يمين الغموس ؟
الشيخ : لا لا، متغايران، اليمين الغموس يشهد بها الإنسان لنفسه، وشهادة الزور يشهد بها على غيره لغيره.
واليمين ...، فهما متغايران.
السائل : ... ؟
الشيخ : إي نعم، لكن هذا يدعيها لنفسه يريد أن يثبت بها حقا لنفسه على غيره، والشهادة يريد أن يثبت بها حقا لغيره على غيره.
لماذا قال الصحابة رضي الله عنهم ليته سكت ؟
الشيخ : يعني كأنهم رضي الله عنهم، خافوا أن تنزل العقوبة، أو لعلهم رحموا النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة التكرار، أو لسبب من الأسباب.
حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا سفيان عن منصور والأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال ( من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر )
الشيخ : الجملة الأولى لأن الإسلام يَجُبّ ما قبله، وأما الثانية فلأنه إذا أساء في الإسلام إساءة تخرجه من الإسلام أخذ بالأول والآخر، وأما إذا أساء في الإسلام إساءة لا تخرجه من الإسلام فإن الأدلة تدل على أنه لا يؤاخذ بما عمله في حال الكفر.
ولننظر إلى الشرح.
15 - حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا سفيان عن منصور والأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال ( من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر ) أستمع حفظ
قراءة من الشرح مع تعليق الشيخ .
قال الخطابي: ظاهره خلاف ما أجمعت عليه الأمة أن الإسلام يجب ما قبله، وقال تعالى: (( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف )).
قال: ووجه هذا الحديث أن الكافر إذا أسلم لم يؤاخذ بما مضى، فإن أساء في الإسلام غاية الإساءة وركب أشد المعاصي وهو مستمر على الإسلام فإنه إنما يؤاخذ بما جناه من المعصية في الإسلام ويبكت بما كان منه في الكفر، كأن يقال له: ألست فعلت كذا وأنت كافر، فهلا منعك إسلامك عن معاودة مثله انتهى ملخصا.
وحاصله: أنه أوَّل المؤاخذة في الأول بالتبكيت، وفي الآخر بالعقوبة، والأولى قول غيره: إن المراد بالإساءة الكفر، لأنه غاية الإساءة وأشد المعاصي، فإذا ارتدّ ومات على كفره كان كمن لم يسلم فيعاقب على جميع ما قدمه، وإلى ذلك أشار البخاري بإيراد هذا الحديث بعد حديث: ( أكبر الكبائر الشرك )، وأورد كلا في أبواب المرتدين.
ونقل ابن بطال عن المهلب قال: معنى حديث الباب من أحسن في الإسلام بالتمادي على محافظته والقيام بشرائطه لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أي: في عقده بترك التوحيد، أخذ بكل ما أسلفه.
قال ابن بطال: فعرضته على جماعة من العلماء، فقالوا: لا معنى لهذا الحديث غير هذا، ولا تكون الإساءة هنا إلا الكفر للإجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية.
قلت: وبه جزم المحب الطبري، ونقل ابن التين عن الداودي معنى من أحسن مات على الإسلام ومن أساء مات على غير الإسلام، وعن أبي عبد الملك البوني معنى من أحسن في الإسلام أي: أسلم إسلاما صحيحا لا نفاق فيه ولا شك، ومن أساء في الإسلام أي: أسلم رياء وسمعة، وبهذا جزم القرطبي.
ولغيره معنى الإحسان الإخلاص حين دخل فيه ودوامه عليه إلى موته، والإساءة بضد ذلك فإنه إن لم يخلص إسلامه كان منافقا فلا ينهدم عنه ما عمل في الجاهلية فيضاف نفاقه المتأخر إلى كفره الماضي فيعاقب على جميع ذلك.
قلت: وحاصله أن الخطّابي حمل قوله في الإسلام على صفة خارجة عن ماهية الإسلام وحمله غيره على صفة في نفس الإسلام وهو أوجه.
تنبيه: حديث ابن مسعود هذا يقابل حديث أبي سعيد الماضي في كتاب الأيمان معلقا عن مالك، فإن ظاهر هذا أن من ارتكب المعاصي بعد أن أسلم يكتب عليه ما عمله من المعاصي قبل أن يسلم، وظاهر ذلك أن من عمل الحسنات بعد أن أسلم يكتب له ما عمله من الخيرات قبل أن يُسلم، وقد مضى القول في توجيه الثاني عند شرحه، ويحتمل أن يجيء هنا بعض ما ذكر هناك كقول من قال: إن معنى كتابة ما عمله من الخير في الكفر أنه كان سببا لعمله الخير في الإسلام، ثم وجدت في كتاب السنة لعبد العزيز بن جعفر وهو من رؤوس الحنابلة ما يدفع دعوة الخطابي وابن بطال الإجماع الذي نقلاه، وهو ما نقل عن الميموني عن أحمد أنه قال: بلغني أن أبا حنيفة يقول إن من أسلم لا يؤاخذ بما كان في الجاهلية، ثم رد عليه بحديث ابن مسعود، ففيه أن الذنوب التي كان الكافر يفعلها في جاهليته إذا أصر عليها في الإسلام فإنه يؤاخذ بها، لأنه بإصراره لا يكون تاب منها، وإنما تاب من الكفر، فلا يسقط عنه ذنب تلك المعصية لإصراره عليها.
وإلى هذا ذهب الحليمي من الشافعية.
وتأوّل بعض الحنابلة قوله: (( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف )) على أن المراد ما سلف مما انتهوا عنه.
قال : والاختلاف في هذه المسألة مبني على أن التوبة هي الندم على الذنب مع الإقلاع عنه والعزم على عدم العود إليه، والكافر إذا تاب من الكفر ولم يعزم على عدم العود إلى الفاحشة لا يكون تائبا منها، فلا تسقط عنه المطالبة بها.
والجواب عن الجمهور: أن هذا خاص بالمسلم وأما الكافر فإنه يكون بإسلامه كيوم ولدته أمه، والأخبار دالة على ذلك كحديث أسامة لما أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قتل الذي قال لا إله إلا الله حتى قال في آخره : حتى تمنيت أنني كنت أسلمت يومئذ ".
الشيخ : الظاهر كما قال الخطابي أن المراد بالإساءة الإساءة الكاملة التي هي الكفر، فإنه إذا ارتدّ بعد أن أسلم أخذ بالأول والآخر.
أما الإساءة الجزئية النسبية فلا تقتضي أن يؤاخذ بما فعل، اللهم إلا أن يسلم وفيه العزم على البقاء عليها والإصرار عليها، فربما يقال إنها لا تغفر له، مثل أن يكون مصرا على الربا وأسلم لكنه لم ينو التوبة من الربا، فهنا قد يكون إن إسلامه لا يجبّ ما قبله لأنه أصر على الربا، فلا يغفر له ما سبق، وهذا له وجه، فيكون في هذا تبعض التوبة فيقال أنت الآن أسلمت من الكفر فلا تؤاخذ بما حصل لك من كفر، لكن بالنسبة لعملك السيء الذي كنت تعمله في كفرك وأسررت عليه بعد إسلامك لا يغفر لك ما حصل من الكفر لأنك لم تتب منه ، ويكون في هذا تجزء التوبة، ولا مانع من ذلك.
وربما يؤيده قوله تعالى : (( قل للذين كفروا إن ينتهوا )) يعني عن كل ما فعلوا (( يغفر لهم ما قد سلف ))، ولم يقل : إن ينتهوا عن الكفر، أو إن ينتهوا عن الشرك أو ما أشبه ذلك، فيكون ما تابوا منه من الشرك لا يؤاخذون به، وما أصروا عليه من المعاصي يؤاخذون به.
وعليه فيصح أن نقول: من أساء في الإسلام يعني بقي على ما كان سيئا في حال كفره فإنه يؤخذ بالأول الذي عمله في الكفر، وبالثاني الذي عمله في الإسلام لأنه لم يتب منه.
السائل : ...؟
الشيخ : ... الصحيح أنه لا يقتص لكافر من مسلم إلا في الأموال كما قلنا، وأما في الدّماء سواء في النفس أو فيما دونها فإنه لا يقتص منه نعم.
الآن تبين المعنى: من أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر، أن المعنى بقي على إساءته ولم يتب منها.
كذلك لو أسلم مثلا وكان يشرب الخمر وبقي على شرب الخمر، فهل يغفر له : شربه الخمر في حال الكفر ؟ لا، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر ).
باب : حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم . وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم تقتل المرتدة . وقال الله تعالى : (( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون )) .
الشيخ : قوله : " وتقتل المرتدة " هذا فيه إشارة إلى رد قول من يقول : إن المرأة لا تقتل إذا ارتدَّت، ويستدل بعموم نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء.
والصواب أن النهي في قتال الكفار، فإن المرأة لا تقتل، أما المرتدة فإنها تقتل لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) نعم.
القارئ : وقال الله تعالى : (( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم )).
الشيخ : يعني بعد أن يئسوا أن يأخذ بقلوبنا لولا قوله : (( إلا الذين تابوا ))، وإلا ليئس الإنسان من نفسه لأن كثيرا من العصاة يعصون الله من بعد ما جاءهم البينات، وكذلك الكفار يكفرون بعد إيمانهم وبعد أن شهدوا أن الرسول حق بالبينات التي جاء بها، فيقول الله عز وجل : (( كيف يهديهم )) يعني استبعاد لهدايتهم، ثم قال : (( إلا الذين تابوا )) يعني رجعوا إلى الله ... فإن الله تعالى يغفر لهم.
القارئ : (( إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون )) .
الشيخ : ولهذا ينبغي لمن دعوا الكافر للإسلام أن يبينوا له شرائع الإسلام قبل أن يسلم، لأنه لو أسلم ثم بينت له الشرائع من بعد ثم استثقلها وأبى أن يسلم صار مرتدا بعد إسلامه، فإذا أردت أن تعرض على شخص كافر أن يسلم فبيّن له شرائع الإسلام قبل، قل: يجب عليك الصلاة الطهارة الصدقة الزكاة الصوم الحج أي نعم.
17 - باب : حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم . وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم تقتل المرتدة . وقال الله تعالى : (( كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون )) . أستمع حفظ
وقال : (( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين )) .
الشيخ : قوله : (( إن تطيعوا فريقا من الذين )) فيه إشارة إلى أن بعض الكفار قد لا يشير عليك بالكفر، وهذا هو الواقع، فإن الكفار ينقسمون إلى قسمين: دعاة، وغير دعاة، فالدعاة هم الذين يأمرننا أن نكفر بالله فيقول الله: لا تطيعوا هؤلاء (( إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين )) يعني بعد أن كنتم مؤمنين يردونكم إلى الكفر والعياذ بالله.
وفي هذه الآية تحذير من إطاعة الكافرين وأنهم لن يأمرننا بخير.
أما غير الدعاة الساكتون عنا والذين هم ماضون في كفرهم ولكن لا يتعرضون للدعوة فهؤلاء قد يأمرننا بما فيه مصلحة لنا.
18 - وقال : (( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين )) . أستمع حفظ
وقال : (( إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا )) .
الشيخ : هذا ممن لا تقبل توبته على المشهور من المذهب، وهو من تكررت ردته، يعني ارتد ثم آمن، ثم ارتد فاستتبناه فآمن ثم ارتد فاستتبناه فآمن في الرابعة قالوا: لا تقبل توبته، لماذا ؟ لأنه متلاعب بنا، ونخشى أن تكون توبته الرابعة مكرا بنا، فنقتله، لكن فيما بينه وبين الله قد يكون صادقا في الأخيرة، فالله لا يؤاخذه.
أما استدلالهم بهذه الآية ليس بوجيه، يقول : (( آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا )) هاتان مرتان، كفروا مرتين، لكن في النهاية (( ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم )).
19 - وقال : (( إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا )) . أستمع حفظ
ما الجمع بين هذه الآية (( لم يكن الله ليغفر لهم )) وبين قوله تعالى (( إن الله يغفر الذنوب جميعاً )) ؟
الشيخ : نعم، لأن هؤلاء بقوا على زيادة كفرهم، بقوا على ما هم عليه من ذلك ... ولو تابوا تاب الله عليهم.
20 - ما الجمع بين هذه الآية (( لم يكن الله ليغفر لهم )) وبين قوله تعالى (( إن الله يغفر الذنوب جميعاً )) ؟ أستمع حفظ
هل تقبل توبة المرتد ؟
الشيخ : الصحيح أنها تقبل توبته إذا علمنا صدقه نعم.