حدثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ) قالوا كيف إذنها قال أن تسكت وقال بعض الناس إن احتال إنسان بشاهدي زور على تزويج امرأة ثيب بأمرها فأثبت القاضي نكاحها إياه والزوج يعلم أنه لم يتزوجها قط فإنه يسعه هذا النكاح ولا بأس بالمقام له معها
القارئ : حدثنا أبو نعيم، حدثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، قالوا: كيف إذنها؟ قال: أن تسكت ). وقال بعض الناس: " إن احتال إنسان بشاهدي زور على تزويج امرأة ثيب بأمرها، فأثبت القاضي نكاحها إياه، والزوج يعلم أنه لم يتزوجها قط، فإنه يسعه هذا النكاح، ولا بأس بالمقام له معها ". الشيخ : هذا كالأول.
حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ذكوان عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( البكر تستأذن ) قلت إن البكر تستحيي قال ( إذنها صماتها ) وقال بعض الناس إن هوي رجل جاريةً يتيمةً أو بكراً فأبت فاحتال فجاء بشاهدي زور على أنه تزوجها فأدركت فرضيت اليتيمة فقبل القاضي شهادة الزور والزوج يعلم ببطلان ذلك حل له الوطء
القارئ : حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ذكوان، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( البكر تستأذن ، قلت: إن البكر تستحيي؟ قال: إذنها صماتها ). وقال بعض الناس: " إن هوي رجل جارية يتيمة أو بكرا، فأبت، فاحتال فجاء بشاهدي زور على أنه تزوجها، فأدركت، فرضيت اليتيمة، فقبل القاضي شهادة الزور، والزوج يعلم ببطلان ذلك، حل له الوطء ". الشيخ : كل هذه الباب واحد، كل هذا لا يجوز.
بعضهم يصححون كل هذا ويردون على البخاري رحمه الله ويقولون هذا إمام في الفقه وهذا رجل محدث كيف يرد المحدث على الفقيه ؟
السائل : ...؟ الشيخ : إي نعم، لكن متى تكون يتيمة ؟ قبل البلوغ، ورضاها قبل البلوغ غير معتبر إلا إذا كان من الأب، وهنا لا يمكن أن يكون من الأب لأنها يتيمة، يعني أن الأولياء غير الأب لا يزوجون إلا إذا بلغت. السائل : بعضهم يصححون كل هذا ويردون على البخاري رحمه الله ويقولون هذا إمام في الفقه وهذا رجل محدث كيف يرد المحدث على الفقيه ؟ الشيخ : لكن إذا صار الفقيه حيّالا مكّارا ؟ ما نرد عليه ؟ نرد عليه. السائل : ...؟ الشيخ : دعنا نتنازل نقول إن البخاري لا يعرف إلا النقل، ( ربّ مبلغ أوعى من سامع ). لكن هذا حيلة واضح، رجل يعلم أن هذه المرأة ما رضيته، وأن الشهود شهود زور، ما الذي ...
في بعض الأمصار يستدلون بحديث بيع التمر بالدراهم وشراء التمر ؟
السائل : شيخ حتى الآن في بعض الأمصار يستدلون بحديث بيع الجنيب بالدراهم، ويرد على ابن القيم؟ الشيخ : لا بأس هذه حيلة مباحة، نحن نقول بها، رجل عنده تمر رديء وهو يريد تمر جيد. لا يمكن أن يأخذ صاعا ... إذن ماذا يعمل ؟ يبقى لا يأكل إلا التمر الرديء ؟ لن يبقى كذلك، نقول بع التمر الرديء بالدراهم، واشتر بالدراهم تمرا طيبا، ما فيه شيء هذا، لا ربا ولا غيره. نعم، لو اتفق مع البائع، قال : أريد أن أبيع عليك التمر الرديء بعشرة على شرط أن تبيعني التمر الطيب بعشرة، ولكنه أقل، هذا لا يجوز، أما بغير ... فلا بأس به، ومع ذلك نقول الأفضل كما قال الإمام أحمد : أن لا يشتري من الذي باع عليه، يعني إذا بعت التمر الرديء على واحد، وعنده تمر طيب، فالأحسن أن لا أشتري منه، أذهب إلى السوق لآخذ التمر الطيب، إذا لم أجد رجعت إليه، وهذا لا شك أنه أحسن. الآن مثلا الحيلة التي فعلها اليهود لما حرمت عليهم الشحوم هل أكلوها ؟ ما أكلوها، أذابوها، لم يبيعوها على أنها شحم، أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها، هذه حيلة، لكن هذه الحيلة أبعد من حيلة بعض الناس، وأبعد من حيلة هذه المزور، الذي أتى بشاهدي الزور وهو يعلم أنها شهادة زور، والقاضي يحكم بحسب ما سمع. السائل : ...؟ الشيخ : إي، هذه دعوى منه، غير صحيحة، هي ما أدركت يتيمة.
حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء ويحب العسل وكان إذا صلى العصر أجاز على نسائه فيدنو منهن فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس فسألت عن ذلك فقال لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربةً فقلت أما والله لنحتالن له فذكرت ذلك لسودة قلت إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له يا رسول الله أكلت مغافير فإنه سيقول لا فقولي له ما هذه الريح وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح فإنه سيقول سقتني حفصة شربة عسل فقولي له جرست نحله العرفط وسأقول ذلك وقوليه أنت يا صفية فلما دخل على سودة قلت تقول سودة والذي لا إله إلا هو لقد كدت أن أبادره بالذي قلت لي وإنه لعلى الباب فرقاً منك فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله أكلت مغافير قال ( لا ) قلت فما هذه الريح قال ( سقتني حفصة شربة عسل ) قلت جرست نحله العرفط فلما دخل علي قلت له مثل ذلك ودخل على صفية فقالت له مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت له يا رسول الله ألا أسقيك منه قال ( لا حاجة لي به ) قالت تقول سودة سبحان الله لقد حرمناه قالت قلت لها اسكتي
القارئ : حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء، ويحب العسل، وكان إذا صلى العصر أجاز على نسائه فيدنو منهن، فدخل على حفصة، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك، فقال لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالن له، فذكرت ذلك لسودة، قلت: إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك، فقولي له: يا رسول الله، أكلت مغافير، فإنه سيقول: لا، فقولي له: ما هذه الريح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح، فإنه سيقول: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط، وسأقول ذلك: وقولي أنت يا صفية، فلما دخل على سودة، قلت: تقول سودة: والذي لا إله إلا هو، لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لي وإنه لعلى الباب، فرقا منك، فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: لا ، قلت: فما هذه الريح؟ قال: سقتني حفصة شربة عسل ، قلت: جرست نحله العرفط، فلما دخل عليّ قلت له مثل ذلك، ودخل على صفية فقالت له مثل ذلك، فلما دخل على حفصة قالت له: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لي به ، قالت: تقول سودة: سبحان الله، لقد حرمناه، قالت: قلت لها: اسكتي ). الشيخ : النساء مشكلة. يعني هؤلاء خير النساء لا شك، زوجات النبي عليه الصلاة والسلام، وتحيلن هذه الحيلة ليش يبطئ عند حفصة أكثر من غيرها، وتحيلن حيلة عجيبة. المغافير نبت له رائحة كريهة، فلما دنا منها أكلت المغافير، والرسول يكره أن يأكل ما فيه ريح كريهة حتى أنه كان يكره أكل البصل وشبهه، ... إني أناجي من لا تناجي، لما جيء بقدر فيه بقول وأدني إليه قال لبعض أصحابه : ( كل ) قال : كيف آكل يا رسول الله وأنت لم تأكل ؟ قال : ( كل، فإني أناجي من لا تناجي ) يعني جبريل، وليس يعني الله، لأن الله يناجيه كل مصل. فكان يكره الرائحة الكريهة فاتفقت عائشة رضي الله عنها وهي أصغر نسائه وهي التي جابت الحيلة هذه ، عفا الله عنها، وسودة وهي من أكبر نسائه أو أكبرهن، والثالثة صفية، اتفقوا على أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا دنا منهن يقلن هذا، أكلت مغافير، يعني هذا النبت الذي رائحته كريهة. فقال : ... إنما شربت عسلا عند حفصة، قالوا : إذن جرست نحله العُرفط، العرفط أيضا نبت له رائحة كريهة، فتحيلن، لعل العسل تغير بسبب أن النحل الذي حصل منه هذا العسل أكل العُرفط، فلما عاد النبي عليه الصلاة والسلام إلى حفصة وقربت منه العسل، قال : ( لا أريده ) بناء على إيه ؟ على كلام ثلاث نساء من نسائه، كلهن يقلن هذا. فتقول سودة: سبحان الله ، لقد حرمناه من هذا العسل، وهو يحب العسل عليه الصلاة والسلام فتقول لها عائشة : اسكتي، يعني لا تفضحينا ، اللهم ارض عنهن.
القارئ : " قوله: باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. قال ابن التين: معنى الترجمة ظاهر إلا أنه لم يبين ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهو قوله تعالى: (( لم تحرم ما أحل الله لك )). قلت: وقد ذكرت في التفسير الخلاف في المراد بذلك، وأن الذي في الصحيح هو العسل، وهو الذي وقع في قصة زينب بنت جحش، وقيل: في تحريم مارية، وأن الصحيح أنه نزل في كلا الأمرين، ثم وجدت في الطبراني وتفسير ابن مردويه من طريق أبي عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند سودة، فذكر نحو حديث الباب، وفي آخره فأنزلت: (( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ))، ورواته موثقون، إلا أن أبا عامر وهم في قوله سودة. وذكر فيه حديث عائشة كان يحب الحلواء والعسل، وكان إذا صلى العصر دخل على نسائه فيدنو منهن الحديث بطوله. وقد تقدم في كتاب الطلاق مشروحا، وذكر معه حديث عائشة من طريق عبيد بن عمير عنها وفيه: أن التي سقته العسل زينب بنت جحش. واستشكلت قصة حفصة بأن في الآية ما يدل على أن نزول ذلك كان في حق عائشة وحفصة فقط لتكرار التثنية في قوله: (( إن تتوبا ))(( وإن تظاهرا )) وهنا جاء فيه ذكر ثلاثة. وجمع الكرماني بينهما بأن قصة حفصة سابقة وليس فيها سبب نزول ولا تثنية، بخلاف قصة زينب ففيها: تواطأت أنا وحفصة، وفيها التصريح بأن الآية نزلت في ذلك. وحكى ابن التين عن الداودي أن قوله في هذا الحديث: إن التي سقته العسل حفصة غلط، لأن صفية هي التي تظاهرت مع عائشة في هذه القصة، وإنما شربه عند صفية، وقيل: عند زينب كذا. قال: وجزمه بأن الرواية التي فيها حفصة غلط مردود، فإنها ليست غلطا، بل هي قصة أخرى، والحديث الصحيح لا يرد بمثل هذا، ويكفي في الرد عليه أنه جعل قصة زينب لصفية، وأشار إلى أن نسبة ذلك لزينب ضعيف، والواقع أنه صحيح، وكلاهما متفق على صحته. وللداودي عجائب في شرحه ذكرت منها شيئا كثيرا، ومنها في هذا الحديث أنه قال في قوله: جرست نحله العرفط، جرست: معناه تغير طعم العسل لشيء يأكله النحل، والعرفط: موضع، وتفسير الجرس بالتغير والعرفط بالموضع مخالف للجميع. وقد تقدم بيانه مع شرح الحديث. وقوله في هذه الرواية: أجاز ثبت هكذا لهم وهو صحيح، يقال: أجزت الوادي إذا قطعته، والمراد أنه يقطع المسافة التي بين كل واحدة والتي تليها، ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي هنا: جاز، وحكى ابن التين: جاز على نسائه أي مرّ أو سلك، ووقع في رواية علي بن مسهر الماضية في الطلاق: إذا صلى العصر دخل. وقوله فيها: أبادئه بهمزة وموحدة وفيه اختلاف ذكرته فيما مضى ".
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. قال البخاري رحمه الله تعالى: باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون . الشيخ : الطاعون صيغة مبالغة من الطعن، وهو الوكز باليد أو بالرمح أو ما أشبه ذلك، وهذا داء فتاك معدي يسير سير الرياح. واختلف الناس فيه، فقيل إنه نوع معين من الأمراض وأنها أورام خبيثة تخرج في ... الجسم، وتهلك الرجل. ومنهم من قال هي أوجاع في البطن يصحبه إسهال وارتفاع في الحرارة حتى يهلك الرجل. ومنهم من قال: إن الطاعون اسم لكل وباء عام معدي، ولعل هذا أقرب، وهو وإن لم يدخل لفظا في الطاعون فهو داخل فيه معنى، إذ لا فرق بين أن يكون ورما أو داء في البطن أو ما أشبه ذلك، وبين أن يكون في غير هذا، المهم أنه مرض يكون عاما يعم البلد، ويكون معديا، هذا هو الطاعون. وطبيعة النفوس أن تفر من مثل هذا، كما تفر من النار، وكما تفر من السيل، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك، أن نخرج من البلد فرارا منه، من أجل ... جانب التوكل، وربما يكون المتوكل سالما، والفارّ عاطبا، (( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف )) ألوف مؤلفة (( حذر الموت )) فهل نجوا ؟ (( فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم )) ليعلموا أنه لا فرار من قدر الله عز وجل. وكم من وباء فتّاك طاعون نزل في البيت وأهلك أهله إلا واحدا منهم، وكان في هذه البلاد فيما سبق تحصل أوبئة عظيمة، يعني يقال لنا: إنه قد قدم لشيخ شيخنا إمام المسجد هنا، يقدم في الصلاة الواحدة سبع جنائز أو ثمان جنائز مع العلم بأنه في ذلك الوقت أهل البلد قليلون جدا، أنا أذكر أن المسجد الجامع كله أكبر من هذا قليلا، وليس في البلد إلا هذا المسجد ويسع الناس كلهم كل أهل البلد، وهو أقل من نصف هذا المسجد، فعلى قلة الناس ... في تلك السنة كان يموت أمم عظيمة إلى أن قال شيخ شيخنا: من مات عنده ميت فليصل عليه في مسجده ويدفنه، لأنه إذا جاءت الجنائز أرعبت الناس وخوفتهم، حتى صحيح ربما يصيبه بطنه ويموت. فالمهم أن هذه أوبئة عظيمة تكون أحيانا وتسمى هذه السنة عند العامة يسمونها سنة الرحمة، يعني تفاؤلا أن الله رحم الأمة بهذا الطاعون، ومع هذا يدخل البيت أحيانا ويهلكم كلهم إلا واحدا منهم ينجو، سبحان الله، ووقع في عدة بيوت أنه لما ... أهلكهم، لكن أحيانا يهلك كل أهل البيت إلا واحد أو إلا اثنين، وهذا من آيات الله.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشأم فلما جاء بسرغ بلغه أن الوباء وقع بالشأم فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ) فرجع عمر من سرغ وعن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عمر إنما انصرف من حديث عبد الرحمن
القارئ : حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة: ( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشأم، فلما جاء بسرغ، بلغه أن الوباء وقع بالشام، فأخبره عبد الرحمن بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ، فرجع عمر من سرغ ). وعن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أن عمر إنما انصرف من حديث عبد الرحمن. الشيخ : عبد الرحمن بن عوف، وذلك انه لما سمع عمر رضي الله عنه بخبر الوباء استشار الصحابة كعادته رضي الله عنه، هل يرجع أو يقدم ؟ فأشار بعضهم عليه بالرجوع وأشار بعضهم بعدم الرجوع، ومن جملة من أشار عليه بعدم الرجوع أبو عبيدة عامر بن الجراح الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إنه أمين هذه الأمة )، وقال عمر حين طعن : " لو كان أبو عبيدة حيا لجعلته ... " لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إنه أمين هذه الأمة ). فكان أبو عبيدة يحاجّ عمر في هذا، ويقول له: " يا أمير المؤمنين، أفرارا من قدر الله ؟ " يعني كيف تفر وترجع فقال عمر رضي الله عنه كلمة فيها قطع الخصومة، وإلا فبإمكانه أن يقول غيرها: " نفر من قدر الله إلى قدر الله " يعني إن ذهبنا فبقدر الله وإن رجعنا فبقدر الله، إذن نفر من قدر إلى قدر، ثم ضرب له مثلا، قال : " أرأيت لو كان لك إبل أو غنم وكانت في وادي له عدوتان، عدوة مخصبة وعدوة مجدبة، فبأيهما ترعى إبلك أو غنمك ؟"، قال : " بالمخصبة "، قال : " إن رعيتها بالمخصبة فبقدر الله أو بالمجدبة فبقدر الله "، ثم عزم على الرحيل بناء على ترجيح أكثر الصحابة رضي الله عنهم، وفي أثناء ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف وكان في حاجة له، فحدّثهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها، وإن وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منها ) فانظر كيف كانت بركة المشورة أن وفقوا للصواب والحق. وفي هذا عبرة وهو أنه إذا كان حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خفي على الصحابة كلهم الذين مع عمر وهم أكابر الصحابة فمن الجائز أن يخفى على واحد من العلماء، وهذا أحد الأعذار التي يعتذر بها عن بعض الأئمة الذين تخالف أقوالهم نصا من السنة، أن نقول : إن ذلك لم يبلغه، وهذا كثير، وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( فرارا منه ) دليل على أنه لو خرج لغير هذه العلة فهو جائز ، لو أن الرجل أراد أن يسافر من بلده التي وقع فيها الطاعون إلى مكة مثلا ليحج ويعتمر أو إلى لبلد آخر ليتجر فإن ذلك جائز لأنه قيّد هذا بقوله : ( فرارا منه ). وعلى هذا فلا يتوجه قول من قال: إن هذا من باب الحجر الصحي، لأن بعض المتأخرين جعلوا هذا الحديث أساسا للحجر الصحي، ما معنى الحجر الصحي ؟ أن البلد الوبيء أو الأرض الوبيئة يحجر على أهلها، لا يخرجون، ولكن الحديث له مغزى أهم من هذا، وهو صدق التوكل على الله عز وجل لقوله : ( فلا تخرجوا فرارا منه ) بل اعتمدوا على الله عز وجل، واصدقوا التوكل عليه. ثم إنه قد ورد في بعض الأحاديث أن الطاعون شهادة، يعني من مات به فهو شهيد، وهذا ليس ببعيد وإن كان في الأثر ما فيه لكن ليس ببعيد لأنه يشبه المبطون، إن لم يكن المبطون ممن مات بالطاعون، لأن هذه الأشياء التي تأتي بها هكذا كالحرق والهدم والغرق وما أشبهها كل هذه إذا مات بها الإنسان فإنه يكتب عند الله شهيدا والحمد لله، وهذه من رحمة الله. فإن تحيل ؟ كيف يتحيل على الفرار من أرض الطاعون ؟ يتحيل، يقول مثلا لصاحب له خارج البلد : اكتب لي كتاب قل أريد أن تتوجه إلينا، هذه حيلة أو لا ؟ حيلة، لأنه ما له غرض، لكنه تحيل لأجل أن يخرج، والحيلة كما مر لا تفيد المحتال، لا تزيده إلا انغماسا فيما فر منه، إن كان لإسقاط واجب زاد إثمه، إن كان لانتهاك محرم زاد إثمه أيضا نعم.
قول عمر رضي اللله عنه لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته ألا يدل هذا على أن أبا عبيدة أفضل من عثمان ؟
السائل : شيخ أحسن الله إليكم، قول عمر رضي اللله عنه: " لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته " ما يدل هذا على أن أبا عبيدة أفضل من عثمان ؟ الشيخ : لا، هو لأنه فيه نص أنه أمين، فيه نص، وهذه الفضلة الخاصة في شيء معين لا يدل على الفضل المطلق. السائل : لكن عمر يقول سيوليه ؟ الشيخ : ما يخالف، يكون أولى به بالخلافة لأن الرسول نص على أنه أمين هذه الأمة، ... وكما مرّ علينا من قبل: الفضل في شيء معين لا يدل على الفضل المطلق، فكون الرسول عليه الصلاة وسلم قال في غزوة خيبر : ( لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) ثم قام الناس يدوكون أيُّهم يعطاها، فلما أصبح دعا عليا، فقالوا : إن به رمد فأتى ثم بصق في عينه فبرأ ثم أعطاه الراية. لا نقول إنه بهذا يفضل أبا بكر وعمر، لأنّ القاعدة أن الفضيلة الخاصة لا تقتضي الفضل المطلق. وهذه مرت علينا قريبا في أي مكان ؟ في النونية. السائل : صحيح يا شيخ ، لكن عمر رضي الله عنه يعني أراد أن يجعله خليفة الآن مذهب أهل السنة والجماعة؟ الشيخ : أراد أن يجعله خليفة لقوله : أمين هذه الأمة، ما هو لأنه أفضل، لأن الرسول نص على أنه الأمين، ومعلوم أن الخلافة تقتضي أنه أمين، تقتضي الأمانة، فالأمانة صفة خاصة بالولاية، يعني من أخص ما يكون بالأمانة الولاية، فكونه منصوصا على أنه هو أمين هذه الأمة يقتضي أنه ما فيه أحد مثله في الأمانة، فإذا كان كذلك صلح، لكن لا يلزم من هذا أن يكون أفضل، كما أن بعض أهل السنة والجماعة يرون بأن عليا رضي الله عنه أفضل من عثمان، ومع ذلك لا يختلفون في أن أولى الناس بالخلافة بعد عمر هو عثمان.
بالنسبة للدخول والخروج من الأرض التي فيها الطاعون هل النهي للتحريم ؟
السائل : بالنسبة للدخول والخروج من البلاد التي فيها الطاعون ؟ الشيخ : الخروج عرفت، والدخول أيضا معروف قال : ( لا تدخلوا فيها ). السائل : يكون محرما ؟ الشيخ : ظاهر النهي التحريم، الأصل في النهي التحريم. السائل : ...؟ الشيخ : ... البخاري وغيره من العلماء الأقدمين إذا عبروا بالكراهة فإنهم يريدون بها التحريم.
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) أليس ظاهره التعارض مع هذا الحديث ؟
السائل : ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) أليس ظاهره التعارض مع هذا الحديث ؟ الشيخ : لا، لأن هذا أخص من العموم، المجذوم معك يخالطك، وهذا واقع في البلد عموما، ليس كهذا. ثم إنه قد يكون الجذام أشد عدوى من الطاعون فأمر الرسول عليه الصلاة بالفرار منه.
حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري حدثنا عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سعداً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الوجع فقال ( رجز أو عذاب عذب به بعض الأمم ثم بقي منه بقية فيذهب المرة ويأتي الأخرى فمن سمع به بأرض فلا يقدمن عليه ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فراراً منه )
القارئ : حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، حدثنا عامر بن سعد بن أبي وقاص: أنه سمع أسامة بن زيد، يحدث سعدا: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الوجع فقال: رجز، أو عذاب، عذب به بعض الأمم، ثم بقي منه بقية، فيذهب المرة ويأتي الأخرى، فمن سمع به بأرض فلا يقدمنّ عليه، ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فرارا منه ). الشيخ : هذا كالأول.
قلنا أن الحديث له مغزى أعظم من ذلك وهو التوكل لماذا لا نقول لمن علم به في بلد آخر إذهب وتوكل ؟
السائل : الذين قالوا : الحديث أصل للحجر الصحي، نحن قلنا إن الحديث له مغزى أعظم من ذلك وهو التوكل، طيب، لماذا لا نقول لمن علم به في بلد آخر: اذهب وتوكل ؟ الشيخ : قال : ( لا تدخلوا فيه ) لأنه هذا يعرض نفسه، الثاني الذي يدخل يعرض نفسه للخطر، هو الذي قاد نفسه إلى الخطر وهو منهي عنه. السائل : والذي يخرج ؟ الشيخ : الذي يخرج ما قاد نفسه للسلامة، لأنه قد لا يسلم، فنزول الطاعون في البلد ليس باختياري أنا، لكن دخولي إلى بلاد هو فيها باختياري. السائل : ... يخرج ؟ الشيخ : لا ما أصل، التوكل على الله هو الأصل. حتى في الفقه يقولون الدفع أسهل من الرفع، فكونك تدافع البلاء ولا تتعرض له أهون من كونك إذا وقع ذهبت تفر منه.
هل هذا خاص بالطاعون أم يشمل غيره كالأمراض الجنسية ؟
السائل : هل هذا خاص بالطاعون فقط أم يشمل غيره كالأمراض الجنسية، والأمراض المعدية ؟ الشيخ : الظاهر أن العلة واحدة، إذا انتشرت هذه في بلد فحكمها حكم الطاعون.
قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فراراً منه ) من خرج لا فراراً منه هل هذا يكون مباحاً له ؟
السائل : أحسن الله إليك، قوله عليه الصلاة والسلام : ( فرارا منه ) لو خرج لا فرارا منه هل يباح له ذلك، أو نقول قد يكون سببا للعدوى فلا يخرج ؟ الشيخ : يخرج لا بأس، ما دام سليما، أما لو كان مريضا فقد يقال إنه من ناحية الولاية أن ولي الأمر له يأمره بالبقاء لئلا ينتشر من جهته، مع أن الوباء نسأل الله لنا ولكم السلامة قد ينتشر عن طريق المصاب وقد ينتشر عن طريق الهواء، الرياح تحمل الأوبئة.
باب : في الهبة والشفعة . وقال بعض الناس إن وهب هبة ألف درهم أو أكثر حتى مكث عنده سنين واحتال في ذلك ثم رجع الواهب فيها فلا زكاة على واحد منهما فخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في الهبة وأسقط الزكاة .
القارئ : باب : في الهبة والشفعة . وقال بعض الناس: " إن وهب هبة ألف درهم أو أكثر حتى مكث عنده سنين واحتال في ذلك ثم رجع الواهب فيها، فلا زكاة على واحد منهما، فخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في الهبة وأسقط الزكاة " . الشيخ : ... نعم خالف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الهبة لأنه رجع فيها بعد قبضها، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ) وخالف أيضا في إسقاط الزكاة، لأن هذه المدة إما تكون في ملك الموهوب له وأما في ملك الواهب، ولا بد فيها من زكاة، لكن كأنهم يقولون إنه لما رجع فيها ارتفع حكم الملك في الموهوب له، فلا زكاة على الموهوب له، ولما كانت خرجت من يد الواهب لم يكن عليه زكاة لأنها خرجت عن ملكه. السائل : ...؟ الشيخ : أي نعم هو أصله عذب به أمة فإذا أصاب من لا يستحق العذاب كان شهادة، وهو قد ورد أنه شهادة.
السائل : الموهوب له هل له أن لا يعيد الهبة ؟ الشيخ : له الحق أن يمنع، لكن عندهم يفعل حيلة، الواهب يقول : هذه ليست ملكي أو أشبه ذلك، يفعل حيلة حتى ... .
حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ليس لنا مثل السوء )
القارئ : حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، ليس لنا مثل السوء ). الشيخ : مثله بهذا المثل القبيح تنفيرا من هذا الفعل، وقوله : ( ليس لنا مثل السوء ) هل المراد أن نتمثل بالحيوان مطلقا أو بالحيوان في هذه الحال ؟ الظاهر أن التمثل بالحيوان مطلقا لا يجوز، لأنه تنزل بمرتبة الإنسان إلى الحيوان، اللهم إلا إذا كان على سبيل الشرح أو العلم، مثل أن يقول : إن الأسد يقول في زئيره كذا وكذا ويزأر، فقد يقال إن هذا لا بأس به، لأنه من باب التعليم لا من باب التمثيل والتقليد. وقوله : ( يقيء ثم يعود في قيئه ) هذه من طبيعة القيء، إذا قاء ثم جاع رجع وأكل قيئه.
إذا وهب الواهب هبة وبعد قبضها اشترط الواهب شرطاً هل يعتبر عائداً في هبته ؟
السائل : إذا وهب الواهب هبة وبعد قبضها اشترط الواهب شرطاً هل يعتبر عائداً في هبته ؟ الشيخ : اضرب المثل. السائل : وهبت لشخص مبلغا من المال، وبعد أن قبضه اشترط عليه أي شرط ؟ الشيخ : وش قلت ؟ السائل : ...؟ الشيخ : إذا قبضها ثبتت في ملكه وليس لك فيه تدخل إطلاقا. السائل : ...؟ الشيخ : ما هو بحاصلك تعود. الموهوب له سوف يمنعك. السائل : إذا كان طيب وقال ما يخالف؟ الشيخ : إذا كان طيب وقال ما يخالف وعدت، فقد دخل العائد في هذا الحديث.
السائل : قول المؤلف: قال بعض الناس، هل يقصد به أحداً معين ؟ الشيخ : الغالب أنه إذا قال بعض الناس فهو يعني الحنفية لأنه دائما معهم في صراع، غفر الله للجميع.
إذا عاد الوالد في هبته التي وهبها لإبنه هل يدخل في هذا ؟
السائل : الولد يهب ولده ...؟ الشيخ : يرى بعض العلماء، في حديث ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( إلا الوالد فيما يعطي ولده ). لكن بشرط أن لا يتحيل الوالد أيضا، إذا أراد أن يفضل بعض الأولاد وهبهم جميعا ثم عاد في الهبة من الجميع إلا الولد الذي يريد أن يفضله فهذا لا يجوز، هذه حيلة. السائل : وإذا كان لمصلحة ...؟ الشيخ : لا بأس إن كان لمصلحة ما فيه بأس، ويمكن أن يقول أنا آخذ منك هذه الدراهم وأن تبت من الدخان رددتها عليك حتى يكون في ذلك تشجيع له على تركه. السائل : ...؟ الشيخ : كيف المحتال ؟ ذكرنا قاعدة يا أخ علي، لا حاجة أن نكررها: كل من احتال على محرم فإنه لا ينقلب الحرام حلالا بحيلته، وكل من تحيل على ترك واجب فإنه لا يسقط الواجب بحيلته.
حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
القارئ : حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله، قال: ( إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة ). الشيخ : انتبهوا ما هي الشفعة ؟ الشفعة أن ينتزع الشريك نصيب شريكه الذي باعه، مثال هذا : بيني وبينك أرض فبعت نصيبي من هذه الأرض فلي شريك، فلك أنت أيها الشريك - يرحمك الله - أن تأخذها من المشتري بالثمن الذي استقر عليه العقد قهرا عليه، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بذلك. والحكمة من تمكين الشريك من الشفعة إزالة الضرر بالشريك الجديد لأن هذا الشريك الجديد ربما يكون سيء العشرة والمعاملة فيشق على الأول أن يسير معه، فلهذا قضى صلى الله عليه وآله وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، انتبهوا بارك الله فيكم. مثال آخر : بيني وبينك بيت أنصاف ورثناه من أبينا، فبعت نصيبي منه على فلان فلك أن تأخذه من فلان الذي اشتراه بالثمن الذي استقر عليه العقد سواء رضي أم كره. وظاهر الحديث أنه لا فرق بين الأرض التي يمكن قسمها بلا ضرر والأرض التي لا يمكن قسمها إلا بضرر. واضح ؟ نمشي ؟ طيب. مثال الأرض التي يمكن قسمها بلا ضرر: أن يكون بيني وبين شخص أرض واسعة كبيرة، هذه يمكن أن أقسم نصيبي، يمكن أن نقسمها فآخذ نصيبي ويأخذ نصيبه بلا ضرر. وأما الذي فيه ضرر مثل أن يكون بيني وبين شخص أرض قليلة صغيرة لو قسمناها لم يصلح أن يكون نصيب أحدنا بيتا، صغيرة جدا، عشرة أمتار مثلا، هذه لا يمكن قسمها، إذا قسمنا عشرة أمتار صار لكل واحد خمسة أمتار، ماذا يصلح الخمسة أمتار، تصلح بيت للدجاج. وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن تكون الأرض المشتركة مما يمكن قسمته أو مما لا يمكن قسمته. خلافا لمن قال إن الشفعة لا تكون إلا في الأرض التي تمكن قسمتها، أما التي لا يمكن قسمتها فلا شفعة. كلام صحيح ؟ إي نعم. يقولون: لأن الأرض التي يمكن قسمتها هي التي جاءت في الحديث ( فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق ) والأرض التي لا يمكن قسمتها لا يمكن أن تقع فيها الحدود. ولكن نقول هذا القول من أضعف الأقوال، لأنه إذا جازت الشفعة في الأرض التي يمكن قسمتها، فالتي لا تمكن قسمتها من باب أولى، لأن الذي تمكن قسمته إذا جاء الشريك الجديد ورأى الأول أنه لا يمكن أن يستقيم معه ماذا يصنع ؟ يقسم وينتهي منه، فإذا كان هذا في الأرض التي تمكن قسمتها فالتي لا تمكن قسمتها من باب أولى. المذهب هو القول الضعيف أنه إنما يكون في أرض يمكن قسمتها، وهذا من غرائب العلم، أحيانا يأتي سبحان الله من غرائب العلم أشياء تتعجب. لها نظير من بعض الوجوه، قالوا : لو أن رجلا ذبح ذبيحة ونسي أن يسمي فالذبيحة حلال، ولو صاد صيدا ونسي أن يسمي فالصيد حرام. أيهما أولى بالعذر ؟ الصيد أولى بالعذر لأن الصيد يأتي على عجل، والإنسان مشفق أن يطير الطائر أو يعدو الظبي أو الأرنب قبل أن يدركه فتجده مع العجلة ينسى كثيرا، يقولون : الصيد إذا نسي التسمية فيه فهو حرام.