تتمة شرح قوله (( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ))
الشيخ : أكلنا الدهر وما أشبه ذلك، ومنه قول الشاعر: " عضنا الدهر بنابه *** ليت ما حل بنا به ". وهذا فيه جناس تام أو ناقص ؟ تام، بنابه واحد الأنياب، ليت ما حل بنا به، نا ضمير والباء حرف جر، لكن اللفظ لا يختلف. (( إلا قليلا مما تحصنون )) إلا مما تحرصون عليه وتجعلونه في حصن حصين، وهذا يدل على أن الناس في هذه السبع الشداد يطلبون الأكل، وأنهم إن لم يحصن عنهم أكلوه لشدة ما نالهم من الجدب.
الشيخ : فإذا قال قائل : ما هي المناسبة بين هذا التفسير وبين الرؤيا ؟ قلنا المناسبة ظاهرة، سبع بقرات سمان، هذه هي السبع التي كانوا يزرعون فيها، وإنما مثلت بالبقر لأن البقر يحرث عليها ويداس عليها، ويأكلهن سبع عجاف، ما هي السبع العجاف ؟ يناسبها سبع سنوات شداد مجدبة، يأكلون كل ما مضى، فمن أجل هذه المناسبة أولها عليه الصلاة والسلام بهذا التأويل. (( ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون )) كيف توصل إلى هذا الاستنتاج بأنه بعد السبع الشداد يأتي عام يغاث فيه الناس، يغاث فيه أي تزال شدتهم، ويعصرون أي تكثر عندهم الفواكه والأنعام حتى يكونوا يعتصرون هذه الفواكه ؟ نقول : علم ذلك بأن العدد محدد، سبع وسبع.
شرح قوله (( وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك ))
الشيخ :(( وقال الملك )) يعني أنّ الرسول الذي أرسل رجع وأخبر الملك، فقال الملك ائتوني به، (( فلما جاءه الرسول )) جاءه الهاء تعود على من ؟ على يوسف، الرسول أي من قبل الملك، قال أي يوسف ، (( ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عظيم )) وهذا من حلمه وأناته عليه الصلاة والسلام، هو سجين الآن وله مدة، وجاءه رسول الملك يقول احضر وكان مقتضى الطبيعة البشرية أن يبادر بالخروج لكنه أراد أن يخرج على شرف وعلى عزّة وكرامة، أراد أن لا يخرج حتى تظهر براءة ساحته مما اتهمته به امرأة العزيز، (( قال ارجع إلى ربك )) أي سيدك (( فسأله ما بال النسوة )) أي ما شأنهن، (( اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ))، وأظن تعرفون قصة النسوة هذه. في نساء وتعرفون أن النساء عندهن غيرة يتحدثن بامرأة العزيز بامرأة الملك ولعلها من أجمل النساء وهي بلا شك أرفع النساء مكانة في الأمور الدنيوية لأنها امرأة الملك، يتحدثن (( وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا )) تراوده تريد أن يفعل بها، شغفها حبا أي بلغ حبه شغاف قلبها، (( إنا لنراها في ضلال مبين )) كيف امرأة سيدة تقول لخادمها وعبدها يفعل بها ؟! ففهمت امرأة العزيز أنهن يردن الاطّلاع على هذا الفتى، لأنه لولا أن هذا الفتى نادر ما كانت امرأة العزيز لتضع نفسها حتى تراوده عن نفسه، فلما سمعت بمكرهن مكرت بهن، أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا أي مكانا يتكئن فيه ويطمأنن فيه ولعلها قدّمت لهن طعاما أو شيئا من الضيافة لزيادة الطمأنينة لأن المتكأ عادة إنما يكون عند الطمأنينة والراحة، (( وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن ))، فخرج، (( فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن )) يعني كأنهن أغمي عليهن من حسن الرجل وجماله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه أعطي شطر الحسن، نصف الحسن الذي في بني آدم كلهم، قطعن أيديهن، قيل إنهن أعطتهن أترجا، تعرفون الأترج ؟ يسمى باللغة العامية: ترنج بالنون، وأنها الواحدة منهن جعلت تقطع يدها تحسب أنها تقطع الأترج، ولكن هذا ليس في القرآن فيكون من أخبار بني إسرائيل، والقرآن ظاهره لا يخالفه ولا يوافقه فنقول الله أعلم، إنما الشأن كل الشأن أنهن قطعن أيديهن فصار ما أصابهن من الذهول أشد مما أصاب امرأة العزيز، ولهذا قالت لهن :(( فذلكن الذي لمتنني فيه )) ثم صرحت بما لا تستطيع دفعه، (( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم )) - سبحان الله كيف امرأة تقول هذا الكلام - ، تؤكد هذا بثلاث مؤكدات، وهي: القسم واللام وقد، باحت بشيء لا يبوح به أحد، عجزت تملك نفسها، (( ولئن يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين )) والله أعلم هل هي تريد أن يفعل ما تأمره أمام النساء هذه أو لا، المهم أنها هددته بالسجن، فهو عليه الصلاة والسلام أراد أن لا يخرج من سجنه إلا وهو بريء أتم البراءة وهذا من حلمه وطمأنينته. (( اسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم )) من ربه ؟ يحتمل أنه هو الله ويحتمل أنه الملك، ولكن الأصل أنه إذا وقع مثل هذا الكلام من موحد فهو يعود على رب العالمين عز وجل. (( قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه )) كيف قال هذا الكلام ؟ وهي دعوى، وهل تقبل الدعوى بلا بينة ؟ أجيبوا يا جماعة ؟ فيه بينة، (( إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين، فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن )) المسألة واضحة، المهم إلى آخر القصة. البخاري رحمه الله اقتصر على قوله (( ارجع إلى ربك )).
وادكر افتعل من ذكر أمة قرن وتقرأ أمه نسيان . وقال بن عباس يعصرون الأعناب والدهن تحصنون تحرسون .
الشيخ : وقال : " وادكر افتعل من ذكر، أمة قرن، ويقرأ أمَّهٍ نسيان " يعني ذكر بعد أن نسي، وهذه القراءة ما أعرف هل هي سبعية أو لا، ولكن الظاهر أنها ليست سبعية، ولذا قال: يقرأ. وقال ابن عباس: " يعصرون الأعناب والدهن، تحصنون تحرسون " ... الطالب : ... الشيخ : ذكرنا مسائل تحتاج إلى بحث، ما هي ؟ تراجعونها ؟ ...
هل النسوة كلهن راودن يوسف لأن الملك قال (( ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه )) ؟
السائل : المراودة ليوسف واحدة ؟ الشيخ :(( ما خطبكن )). السائل :(( اسأله ما بال النسوة )) ؟ الشيخ : معروف أنهن قطعن أيديهن عند امرأة العزيز وأنها أقرت عندهن بأنها راودته، لكن قال : (( ما خطبكن إذ راودتن )) يعني الخطاب للمجموع لا للجميع لا لكل واحدة، ولعله أي الملك يعني استعظم أن يخاطب امرأته بهذا فيقول: ما خطبكِ؟
السائل : قال (( يُغاث الناس )) ولم يقل : يغيث الله الناس ؟ الشيخ : الظاهر أنه يحذف الفاعل أو نائبه للعلم به، مثل قوله تعالى : (( وخلق الإنسان ضعيفا )). السائل : ...؟ الشيخ : ما أدري، لكن قد يقال هذا وقد يقال أنه للعلم به. الشيخ : كم نقطتين أو ثلاث ؟ ... ما ذكر شيء ؟ طيب، من يحقق لنا الأولى يأتي لنا بخبرها ؟ الطالب : ... الشيخ : عندك استعدادها ؟ طيب. الطالب : ... الشيخ : والثانية أنت. يمكن في التفاسير، تفسير الشيخ عبد الرحمن، إما في تفسيره أو في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف. السائل : ...؟ الشيخ : نحن قلنا إن المفتي إذا أراد أن يقطع الجدل يقول هذا الكلام.
حدثنا عبد الله حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد أخبراه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته )
القارئ : حدثنا عبد الله، حدثنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، أن سعيد بن المسيب، وأبا عبيد، أخبراه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم أتاني الداعي لأجبته ). الشيخ : هذا من تواضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن هذه الكلمة فيها ثناء عظيم على يوسف، وهذا من تواضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وينبغي لنا أن نقتدي به في هذا بأن لا نغمط الناس حقهم، كثير من الناس يذكر عنده الرجل الفاضل في دينه أو في علمه أو في خلقه أو في بذله للمال، ولا يذكر فضله، فهل يلحق هذا بالحاسد الذي يذكر السَّيء ؟ لأن الناس عند ذكر الغير ينقسمون إلى ثلاثة إقسام: قسم يذكره بما يكره، فهذا لا شك أنه غيبة. وقسم يذكره بما يحب وهو متصف به، فهذا قال الحق وأعطى الحق صاحبه. والثالث: ساكت مع علمه بحال صاحبه أنه أهل للثناء فهذا فيه نوع من الحسد، لأنه بسكوته كتم فضلا أعطاه الله سبحانه وتعالى هذا الرجل، وكمال العدل أن يذكر الإنسان بما يستحق كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( لو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم أتاني الدّاعي لأجبته )، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر هذا بمقتضى الطبيعة البشرية، فإن رجلا يبقى في السجن ثم يأتيه الداعي من قبل من سجنه لا شك أنه سوف يفرح ويبادر. السائل : ...؟ الشيخ : الله أعلم، الشيء الذي لم يبين في القرآن ولا في السنة الإعراض عنه أولى، لأنه لو كان خيرا لبُيّن.
هل قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لأجبته ) على حقيقته ؟
السائل : ... هذا ليس على الحقيقة ... ؟ الشيخ : كما قلت لك، هذا قاله الرسول حقا، لا يمكن أن يتكلم النبي عليه الصلاة والسلام بكلام ليس على الحقيقة، هذا على الحقيقة. السائل : ...؟ الشيخ : إي نعم، لكن يتميز بعض المفضول بخصيصة ليست في الثاني، أليس الرسول أخبر بأن موسى حين يصعق الناس فيكون الرسول عليه الصلاة والسلام أول ما يفيق فإذا موسى آخذ بقوائم الشرع، وقد ذكرنا هذه القاعدة يا عبد الرحمن، لا تنسها اجعلها على بالك، أن هناك فرقا بين الفضل المطلق والفضل المقيد، قد يكون المفضول له فضل خاص في شيء معين، وهذا لا يستلزم أن يكون له الفضل المطلق. السائل : ...؟ الشيخ : لأنه قد دعاه وأخبره ... الذي جاءه وأخبره هذا أحد السجينين. السائل : ...؟ الشيخ : حينما جاء إليه ما نعلم الله سبحانه وتعالى لم يبين شيئا في هذا الله أعلم ما نعلم.
حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي ) قال أبو عبد الله قال ابن سيرين إذا رآه في صورته
القارئ : حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، حدثني أبو سلمة، أن أبا هريرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي ). قال أبو عبد الله: قال ابن سيرين: " إذا رآه في صورته ".
حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد العزيز بن مختار حدثنا ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة )
القارئ : حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد العزيز بن مختار، حدثنا ثابت البناني، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ).
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر أخبرني أبو سلمة عن أبي قتادة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فمن رأى شيئاً يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثاً وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره وإن الشيطان لا يتراءى بي )
القارئ : وحدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، أخبرني أبو سلمة، عن أبي قتادة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان، فإنها لا تضره وإن الشيطان لا يتراءى بي ).
حدثنا خالد بن خلي حدثنا محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري قال أبو سلمة قال أبو قتادة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من رآني فقد رأى الحق ) تابعه يونس وابن أخي الزهري
القارئ : حدثنا خالد بن خلي، حدثنا محمد بن حرب، حدثني الزبيدي، عن الزهري: قال أبو سلمة: قال أبو قتادة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من رآني فقد رأى الحق ). تابعه يونس، وابن أخي الزهري
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني )
القارئ : وحدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من رآني فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتكونني ). الشيخ : هذه الأحاديث كلها تفيد ما ترجم له المؤلف أن من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقد رآه حقا، ولكن ... كما قال ابن سيرين رحمه الله : " إذا رآه في صورته "، وليس بمجرد أن يرى شخصا أو شبحا فيقع في نفسه أو يقال له إنه الرسول، ليس راء للرسول حتى يكون على صورته. ولكن هل نقول على صورته يوم شبابه أو على صورته بعد شيخوخته ؟ نقول : شباب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل النبوة لا عبرة به لأنه لم يكن نبيا، وبعد النبوة إذا رآه الإنسان على صورته في شبابه بعد النبوة إن صح أن نقول إن من بلغ الأربعين فهو شاب، لكن لنقل إنه كهل، أو بعد كبره عليه الصلاة والسلام حين أخذه اللحم ؟ الظاهر لي أنه عام، أنك إذا رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صورته قبل أن يبلغ سنا يأخذه به اللحم أو بعد ذلك، قبل أو بعد، لكن إذا تيقنت أنه على الوصف الذي ذكره به أهل العلم في التاريخ فهو الرسول عليه الصلاة والسلام. وقوله عليه الصلاة والسلام : ( فسيراني في اليقظة ) هذا لا يصح إلا قبل موته، وأما بعد موته فلا يمكن أن يراه، لأنه دفن عليه الصلاة والسلام ... في قبره. وفيه أيضا ألفاظ مختلفة: ( لا يتمثل الشيطان )، ( لا يتخيل بي )، ( لا يتزاي بي ) لا يتزايى يعني من الزي، ( لا يتكونني ). ( فإنها لا تضره فإن الشيطان )، عندنا ( لا يتزاي بي )، وعندكم لا يتراءى بي ؟ طيب، إذن نضيف الكلمة هذه، تكون خمسة، وهذا يدل على أحد أمرين، إما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكلم بذلك عدة مرات، فمرة قال بهذا ومرة قال بهذا، وإما أن الرّواة نقلوه بالمعنى، فأيهما نغلب، هل نقول إن الأصل أن الراوي أتى بالحديث على وجهه، وأن تحدث النبي صلى الله عليه وسلم به ليس بغريب. أو نقول إن الأصل عدم تكرار الحديث به وأن الرواة رووه بالمعنى ؟ الجواب أن نقول : ننظر إذا وجدنا أن السياق يختلف فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتحدث به مرارا، ونحمل رواية الراوي على اللفظ أو على المعنى ؟ على اللفظ، وهذا هو الأقرب إذا اختلف السّياق. أما إذا اتفق السياق واختلف الرواة في لفظة من الألفاظ فحينئذ نقول: رووه بالمعنى. ورواية الحديث بالمعنى أمر معلوم بالتتبع، وإن كان محل خلاف بين العلماء، ولكن من تتبع الأحاديث جزم جزما لا شك فيه أن الرواة يروونها بالمعنى لكنهم يحافظون ما استطاعوا على اللفظ، ولهذا أحيانا يقولون : أو كما قال، أو يأتون باللفظة هذا أو هذا، فتكون أو هذه للشك من الراوي.
الشيخ : وفي هذه الأحاديث دليل على أن الشيطان قد يتمثل بغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قد يأتيك الشيطان في المنام في صورة أخيك، في صورة أبيك، في صورة صاحبك، ممكن. وفيه أيضا دليل على أن الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، والحلم الذي من الشيطان هو شيئان: الأول ما يحزن المرء فهو من الشيطان، والثاني ما لا تعرف له رأسا ولا أسا، يسميه عندنا العامة خذارييف، يقول : " خذارييف ما لها أم ولا أب "، هذه أيضا من الشيطان. ولهذا رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقص عليه رؤيا يقول : يا رسول الله، رأيت كأن رأسي قطع واشتد، ذهب يركض الرأس، وذهبت أركض وراءه أشتد وراءه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تحدث الناس بتلاعب الشيطان بك في منامك ) ما له أصل، كيف رأسه يقطع ويروح يركض وراه ؟ على كل حال الذي من الشيطان أمران، ما يحزن، والثاني ؟ ما لا يعرف له أصل، ولا يقاس بشيء، فهذا من الشيطان.
الشيخ : ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( فمن رأى شيئا يكرهه فليتفل عن شماله ثلاثا، وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره ) وسبق لنا أنه قال : ( فليبصق )، فإما أن يقال إنه تفل قوي فيكون بصقا، أو أنه عبر بأحدهما عن الآخر. فكم الأشياء التي عرفناها الآن إذا رأى الإنسان ما يكره: يتفل عن يساره ثلاثا، ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويتعوذ من شر ما رأى، وينقلب إلى الجنب الآخر، ولا يخبِّر بها أحدا، وإن عادت عليه قام وتوضأ وصلى، وبهذا يسلم من شرها. ولا تقل كيف نحتاج إلى هذه العمليات، لأن كثيرا من الناس يسلم من هذه المرائي الكريهة ولا يقدر قدر المرائي الكريهة، وبعض الناس يبتلى بالمرائي ويقلق ويضجر لكن إذا استعمل ما أرشد إليه الهادي عليه الصلاة والسلام سلم منها. فهذه خمسة أشياء أو ستة يفعلها الإنسان إذا رأى ما يكره.
قال بعضهم أن سبب لبث يوسف في السجن أنه ابتغى الفرج من غير الله تعالى هل هذا صحيح ؟
السائل : قال بعضهم أن سبب لبث يوسف في السجن أنه ابتغى الفرج من غير الله تعالى ؟ الشيخ : ما هو بصحيح، أبدا ما هو صحيح! بل هو يدعو إلى الله. السائل : ...؟ الشيخ : ما هو. السائل : ...؟ الشيخ : الله أعلم، الرسول له خصائص، وأخبرنا بأن الشيطان لا يتمثل به، فالله أعلم.
النبي صلى الله عليه وسلم ما صار نبياً إلا بعد الأربعين هل معنى هذا أن العقل لا يكمل إلا بعد الأربعين ؟
السائل : ... هل يكون المعنى أن الإنسان لا يكمل عقله إلا بعد الأربعين ؟ الشيخ : إي نعم، يعني تمام العقل عند تمام الأربعين، (( فلما بلغ أشده واستوى )) أي كَمُل قال العلماء : أي بلغ أربعين، لأن قبل الأربعين مانضج النضج الكامل، حتى ولو كان من ذوي العقول والذكاء فإنه يحتاج إلى تجارب أيضا، يعني ليس مجرد ذكاء الإنسان وفراسته يكون كافيا في معاناة الأمور، لا بد من تجارب. السائل : قال العلماء عند قوله تعالى : (( وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين )) قالوا مثل ما قال الأخ أنه طلب منه أن يتوصل ولم يسأل الله عزّ وجل فعاقبه الله ...؟ الشيخ : الله أعلم، لكن هذا السؤال الأخ الذي سألني تو سبحان الله العظيم، سألني كم لبث في السجن ؟ وهذا مذكور في القرآن، بضع سنين كم ؟ ما بين ثلاثة إلى تسعة أو إلى عشر.
حدثنا أحمد بن المقدام العجلي حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي حدثنا أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي ) قال أبو هريرة فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتقلونها
القارئ : حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، حدثنا أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أعطيت مفاتيح الكلم، ونصرت بالرعب، وبينما أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي ). قال أبو هريرة: " فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتقلونها ". الشيخ : الله أكبر. الشاهد قوله : ( بينا أنا نائم البارحة ) والبارحة تطلق على الليلة التي طلع فجرها، فأما قبل طلوع الفجر فهي ليلتك، إذا طلع الفجر تقول البارحة، وليس بشرط أن تطلع الشمس. وقوله : ( أعطيت مفاتيح الكلم ) ما يُفتح به الكلم، لأن كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أبين الكلام، وأخصر الكلام، كما جاء في رواية أخرى : ( واختصر لي الكلام اختصارا ) يتكلم بالكلمة يمكن يتكلم الإنسان مجلدات ما يستطيع أن يتكلم بمثلها أو يأتي بالمعنى الذي جاءت به هذه الكلمة. كذلك أيضا : ( نصرت بالرعب ) وهذا مطلق لكنه مقيد بحديث جابر ( مسيرة شهر ). ( وأعطيت مفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي )، ولكن أبا هريرة فسّرها رضي الله عنه يقول : " ذهب وأنتم تنتقلونها "، وفي نسخة " تنتشلونها " لأن أمته ورثته في العلم والدعوة والعمل والجهاد، فما نالته فكأنه ناله، ولهذا قال هرقل لأبي سفيان : " إن كان ما تقول حقا فسيملك ما تحت قدمي هاتين " ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات قبل أن يفتح الشام، لكن فتحها خلفاؤها، فصار فتحوهم لها فتحا للرسول، وملكهم لها ملكا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
لو نازع منازع في أن يوسف لم يلبث في السجن بضع سنين لأن ذكر البضع هنا فيما كان بعد خروج الرجل فما الجواب ؟
السائل : أحسن الله إليك لو نازع منازع في أن يوسف لم يلبث في السجن بضع سنين لأن ذكر البضع هنا فيما كان بعد خروج الرجل، لكن قبل خروج الرجل الثاني السجين من السجن لم يتعرض له القرآن، إنما ذكر بعد خروج الرجل ، لأنه قال: (( وقال للذي ظن أنه ناج منهما أذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين )) يعني بعد خروج الرجل، أمّا قبل خروجه فلم يتعرض له القرآن ؟ الشيخ : لا لا ، كيف؟ تعرض. السائل : وين ؟ الشيخ : فلبث في السجن بضع سنين، لأنه لو أخبره بمجرد خروجه ما لبث بضع سنين، والآية لم تقيّد لم تقل: فلبث في السجن بضع سنين بعد خروج الرجل.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم. " ذكر ابن جرير رحمه الله تعالى وابن أبي حاتم وغيرهما آثارا عن ابن عباس وقتادة والسُّدي وغيرهم في أن الفتيين كان أحدهما خبازا للملك على طعامه، وأن الآخر كان ساقيه على شرابه ، وأن الملك غضب على خبازه حين بلغه أنه يريد أن يسمه، فحبسه وحبس صاحب شرابه ظنا منه أنه ملأه على ذلك فحبسهما جميعا. قلت: وبناء على ذلك، لعل المناسبة بين رؤيا أحدهما أنه يحمل فوق رأسه خبزا ، وبين تأويل يوسف عليه السلام أنه يصلب فتأكل الطير من رأسه، لعل المناسبة في ذكر الخبز الإشارة إلى سبب صلبه وهو أنه إنما كان بسبب مهمته عند الملك حيث كان خبّازا له وأراد أن يتوصل إلى قتل الملك عن طريق هذه المهمة وذلك بسمّ الطعام. وقوله : (( أحمل فوق رأسي خبزا )) دون قوله : يحمل في يده ونحوها، إشارة إلى أن موته سوف يكون عن طريق الصلب لا عن طريق شيء آخر ". انتهى. الطالب : أنا وجدت مناسبة في كتاب الشيخ عبد الرحمن. الشيخ : نعم. الطالب : يقول رحمه الله في الجزء الرابع صفحة 29: " قوله تعالى : (( فيصلب فتأكل الطير من رأسه )) فإنه عبر عن الخبز الذي تأكله الطير بلحم رأسه وشحمه، وما فيه من المخ، وأنه لا يقبر ويستر عن الطيور، بل يصلب ويجعل في محل تتمكن الطيور من أكله ". الشيخ : ليش يصلب عشان الخبز ؟ الطالب : هذا الذي ذكره الشيخ، والكتب الأخرى جميع كتب التفسير التي اطّلعت عليها ما فيها شيء. الشيخ : سبحان الله ، إلا هذا الأثر، وهذا لو صح واضح المناسبة فيه. الطالب : أحدهما كان خبازا والآخر مات ساقيا أما قول الفضيل: يا عبدالله، هذا ما وجدنا لا بالتفسير ولا بال ... الشيخ : يا عبد الله إيش ؟ الطالب : قول الفضيل بن عياض ... وقال الفضيل لبعض الأتباع يا عبد الله هذه ليس موجودة لا في كتب التفسير التي تهتم بالآثار ولا التي تهتم بـ ... أبدا. الشيخ : ولا ابن حجر ما تكلم عليها ؟ الطالب : تكلم عليها على أن وجوده في مكان دون آخر ... حديث ... في وسطه ورد. الشيخ : سبحان الله (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) نعم.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها تقطر ماءً متكئاً على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من هذا فقيل المسيح ابن مريم ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية فسألت من هذا فقيل المسيح الدجال )
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. قال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( أراني الليلة عند الكعبة، فرأيت رجلا آدم، كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال، له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها، تقطر ماء، متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين، يطوف بالبيت، فسألت: من هذا؟ فقيل: المسيح ابن مريم، ثم إذا أنا برجل جعد قطط، أعور العين اليمنى، كأنها عنبة طافية، فسألت: من هذا؟ فقيل: المسيح الدجال ). الشيخ : هنا المسيح ومسيح، المسيح الأول عيسى بن مريم وسمي عليه الصلاة والسلام بهذا الاسم أو لقب به لأنه كان لا يسمح ذا عاهة إلا برئ. وأما الثاني المسيح فسمي بذلك لأنه يسيح في الأرض ويجول فيها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يسير في الأرض كالغيث استدبرته الريح من سرعته. وفي هذا الحديث وصف لعيسى بن مريم، ووصف للدجال، وصف الدجال بأنه رجل جعد، يعني جعد الشعر شعره متجعد قوي ليس متسيب، قطط أعور العين اليمنى، القطط يعني المتجمع الخلقة مع قصر، وأعور عينه اليمنى يعني أن عينه اليمنى عوراء. وفي هذا نص صريح على أن العور في العين ، أن من قال إن معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الدجال أعور ) أي معيبا وليس المعنى أنه له عين عوراء، قالوا ذلك فرارا من إثبات العين لله، لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور )، قالوا فرارا من إثبات العين أعور ليس معيب، ونسوا الأحاديث الصريحة الصحيحة في أنه أعور العين، ولا إشكال فيها. وقد بينا أن كون الدجال أعور العين اليمنى دليل على أن الله له عينان اثنتان وليس به أكثر، ليس له واحدة. ومعلوم أن العين وردت في كتاب الله على وجهين: الإفراد والجمع، فالإفراد كقوله تعالى : (( ولتصنع على عيني ))، والجمع كقوله : (( تجري بأعيننا ))، ولا منافاة بينهما فإن المفرد المضاف يعم، فلا ينافي الجمع، والجمع يدل على التعدد، ولكن هذا التعدد هل هو ثلاثة فأكثر، أو عينان اثنتان ؟ أجمع أهل السنة أنهما عينان اثنتان بلا زيادة، وأن الجمع في قوله: (( تجري بأعيننا ))، (( فسبح بحمد ربك فإنك بأعيننا )) الجمع يراد به التعدد للتعظيم، وليس لحقيقة العدد الذي هو ثلاث فأكثر، على أن من علماء اللغة من يقول إن الجمع أقله اثنان، ويستدل بمثل قوله تعالى : (( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما )) وهما اثنتان، وهما ليسا لهما إلا قلبان، كما قال تعالى : (( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه )). وعلى كل حال فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة إثبات أن الله سبحانه وتعالى له عينان، وحديث الدجال صريح بذلك، لأنه لو كان له سبحانه أكثر من ثنتين لكان الزيادة على الثنتين كمالا، ولا يمكن أن يعدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الكمال إلى قوله : ( إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور ). فهنا جعل الفارق بين عين هذا الدجال وبين عين الرب عز وجل العور في العين، ولو كان له أكثر من عينين لقال : إن له عينين ولربكم.