حدثنا علي بن مسلم حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار مولى ابن عمر عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تر )
القارئ : حدثنا علي بن مسلم، حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، مولى ابن عمر، عن أبيه، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( إن من أفرى الفرى أن يري عينيه ما لم تر ). الشيخ : الظاهر أن هذا يحمل على المنام، كما ظاهر صنيع البخاري رحمه الله، وليس المعنى أن يري باليقظة بأن يقول رأيت وهو لم ير، مع أن ظاهر الحديث العموم. ما عندك في الشرح شيء ؟
القارئ : " قوله: ( إن من أفرى الفرى ) أفرى أفعل تفضيل، أي: أعظم الكذبات، والفرى بكسر الفاء والقصر جمع فرية، قال ابن بطال: الفرية الكذبة العظيمة التي يتعجب منها. وقال الطيبي: فأرى الرجل عينيه، وصفهما بما ليس فيهما، قال: ونسبة الكذبات إلى الكذب للمبالغة نحو قولهم: ليل أليل ... ". الشيخ : هذه ما فيها إشكال، تقول أفرى الفرى، ما فيها إشكال، كيف يجيب عنها بأنها للمبالغة، يعني أعظم الكذبات. القارئ : " قوله: أن يري بضم أوله وكسر الراء، قوله: عينه ما لم تر كذا فيه بحذف الفاعل وإفراد العين، ووقع في بعض النسخ ما لم يريا بالتثنية، ومعنى نسبة الرؤيا إلى عينيه مع أنهما لم يريا شيئا أنه أخبر عنهما بالرؤية وهو كاذب، وقد تقدم بيان كون هذا الكذب أعظم الأكاذيب في شرح الحديث الذي قبله ". الشيخ : ... هذا الفتح إيش يقول؟ الطالب : ... الشيخ : كذب ... نعم على كل حال هذا توجيه لكونها أفرى الفرى، يعني أكبر الكذب وأعظمه.
القارئ : يقول : " وقال ابن أبي جمرة: إنما سماه حلما ولم يسمه رؤيا لأنه ادّعى أنه رأى ولم ير شيئا فكان كاذبا، والكذب إنما هو من الشيطان، وقد قال: إن الحلم من الشيطان كما مضى في حديث أبي قتادة، وما كان من الشيطان فهو غير حق فصدق بعض الحديث بعضا ". الشيخ : على كل حال صنيع البخاري يدل على أنه في المنام، وكونه من أفرى الفرى هو لأن الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، هذا إذا قال رأيت رؤيا، أما الحلم فقد عرفتم أنه من الشيطان. السائل : ...؟ الشيخ : ... أي نعم من تسمع قوما وهم له كارهون ، يدخل في هذا، حتى وإن كان فيك.
حدثنا سعيد بن الربيع حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد قال سمعت أبا سلمة يقول لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً فإنها لن تضره )
القارئ : حدثنا سعيد بن الربيع، حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، قال: سمعت أبا سلمة، يقول: ( لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني، حتى سمعت أبا قتادة، يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني، حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثا، ولا يحدث بها أحدا، فإنها لن تضره ).
حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثني ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره )
القارئ : وحدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثني ابن أبي حازم، والدراوردي، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ( إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها، فإنها من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لن تضره ). الشيخ : قوله في هذا الحديث : ( وليحدث بها ) يقيد بإيش ؟ بمن يحب. وقوله هنا : ( فليستعذ من شرها ) وسبق في الذي قبله : ( يتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان ) فيؤخذ بالأول لأن فيه زيادة، وعلى هذا فيقول: أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت، وقد سبق أن الإنسان إذا رأى ما يكره ماذا يصنع ؟ أولا: يتفل عن يساره ثلاثا أو يبصق عن يساره ثلاثا، ويقول : أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت، ثانيا: ينقلب على الجنب الثاني، ثالثا: لا يخبر بها أحدا، رابعا: إذا عادت عليه بعد انقلابه على الجنب الثاني يقوم يتوضأ ويصلي، وبهذا يندفع شرها مهما كانت، يعني مهما كانت عظيمة ومروعة سواء فيه أو في الناس، أحيانا الإنسان في الناس مثلا عموما رؤيا ينزعج ويكرهها فهذا هو الدواء والحمد الله.
كيف نجمع بين هذا الحديث وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال رجل أعوذ بالله من الشيطان فقال ( لا تقل كذلك ) أنه يكبر ؟
السائل : كيف التوفيق بين هذا الحديث وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عثرت به الدابة قال رجل: أعوذ بالله من الشيطان، فقال ( لا تقل كذلك، فإنه يكبر حتى يصير كالجبل ) ؟ الشيخ : لا لا، واهم أنت، لعن الشيطان، فقال: ( لا تلعنه )، فرق بين لعن الشيطان والتعوذ بالله من شره.
بعض الناس عندما يأتي لينام يقرأ ما أمر به شرعاً ثم يأتيه الشيطان فيلعب به ويرى حلماً مزعجاً ثم في الليالي الأخرى ينام ولا يقرأ الورد قبل النوم فلا يأتيه شيء فما علة هذا ؟
السائل : بعض الناس عندما يأتي للنوم يقرأ ما أمر به شرعاً ثم يأتيه الشيطان فيلعب به ويرى حُلماً مزعجاً ثم في الليالي الأخرى ينام ولا يقرأ الورد قبل النوم فلا يأتيه شيء فما علة هذا ؟ الشيخ : أما من قرأ ولكنه أصيب، فهو ليس من شرط القراءة أن يحصل ما رتب عليها لأنها سبب، والسبب قد يكون له موانع إما غفلة أو قرأه وهو لم يتدبر ما قال، أو ما أشبه ذلك، فهناك موانع. ولا يلزم من عدم قراءة الورد عند النوم لا يلزم منه أن لا يسلم بل قد لا يقرأ ويسلم، كما أنه كما قلت ربما يقرأ ولا يسلم لسبب من الأسباب أو لمانع من الموانع. السائل : أليس من تلاعب الشيطان ؟ الشيخ : إي نعم، لكن لا بد أن يكون هناك موانع، وإلا فلا شك أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيمن قرأ آية الكرسي : ( لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح ) لا شك في هذا، لكن قد يكون هناك موانع، الآن نحن نؤمن بأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ونصلي والقلوب كما هي، ما نرى أن قلوبنا صلحت وأنها انتهت عن الفحشاء والمنكر، مع أن الصلاة لا شك تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكن قد يكون هناك موانع تمنع من نفوذ هذه الأسباب.
في الحديث ( ولا يحدث بها إلا من يحب ) وقد سبق أنه لا يحدث بها إلا من يحبه فكيف ذلك ؟
السائل : في الحديث ( ولا يحدث بها إلا من يحب ) وقد سبق أنه لا يحدث بها إلا من يحبه ؟ الشيخ : لأن الغالب أن من تحبه فهو يحبك، ولهذا عجب النبي عليه الصلاة والسلام بل قال : ( ألا تعجبون من حب مغيث لبريرة وبغض بريرة لمغيث ).
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الليلة في المنام ظلةً تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها فالمستكثر والمستقل وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل فقال أبو بكر يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( اعبرها ) قال أما الظلة فالإسلام وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً ) قال فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت قال ( لا تقسم )
القارئ : حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن ابن عباس، رضي الله عنهما، كان يحدث: ( أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل. فقال أبو بكر: يا رسول الله، بأبي أنت، والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعبرها ، قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن، حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحقّ الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله، بأبي أنت، أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضا وأخطأت بعضا ، قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت، قال: لا تقسم ). الشيخ : هذا الحديث مر علينا، لكن البخاري رحمه الله جاء به في هذا الباب مستدلا به على أن الرؤيا إذا طلب من شخص أن يعبرها فعبرها وأخطأ ثم عبرها ثان بعده فأصاب فإنها لا تكون لأول عابر، يعني أنها لا تكون لأول عابر بل لأول عابر إن أصاب، وإلا فهي للعابر الثاني. تصورتموها الآن؟ يعني رجل قص رؤياه على شخص قال: تفسير هذه الرؤيا كذا وكذا وكذا، لكنه لم يطمئن إليه فذهب إلى آخر فقصها عليه ففسرها بتفسير آخر، قد يكون المصيب هو الثاني لا الأول، وكأن في المسألة خلافا أن الرؤيا تكون لأول عابر، لكن هذا الحديث يدل على أنها لا تكون لأول عابر، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي بكر: ( أصبت بعضا وأخطأت بعضا )، ولو كانت لأول عابر لكان مصيبا في كل ما قال. هل عندك بيان فيما أصاب وما أخطأ ؟ مع أن الظاهر ما نحن عارفين، لأن أبا بكر ما عرف، كيف هذا ؟ هو سبق قريبا.
القارئ : " قوله: ( أصبت بعضا وأخطأت بعضا ) في رواية سليمان بن كثير وسفيان بن حسين: أصبت وأخطأت. قوله: ( قال: فوالله ) زاد ابن وهب: يا رسول الله، ثم اتفقا: لتحدثني بالذي أخطأت، في رواية ابن وهب: ما الذي أخطأت، وفي رواية سفيان بن عيينة عند ابن ماجه: فقال أبو بكر أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بالذي أصبت من الذي أخطأت، وفي رواية معمر مثله لكن قال: ما الذي أخطأت، ولم يذكر الباقي. قوله: قال لا تقسم، في رواية ابن ماجه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقسم يا أبا بكر، ومثله لمعمر لكن دون قوله: يا أبا بكر، وفي رواية سليمان بن كثير: ما الذي أصبت وما الذي أخطأت فأبى أن يخبره. قال الداودي: قوله: ( لا تقسم ) أي لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك. وقال المهلب: توجيه تعبير أبي بكر أن الظلة نعمة من نعم الله على أهل الجنة، وكذلك كانت على بني إسرائيل ". الشيخ :( لا تقسم ) يقول معناه لا تكرر القسم، وهذا خلاف الظاهر، لأننا في عرفنا الآن ما زالت هذه العبارة موجودة، يقول: والله تفعل كذا، تقول لا تحلف، ولا يخطر في بالك أن المعنى لا تكرر الحلف، فهذا هو الظاهر، لا تقسم يعني لماذا أقسمت، ما حاجة لقسمك، نعم كمّل. القارئ : " وكذلك الإسلام يقي الأذى، وينعم به المؤمن في الدنيا والآخرة، وأما العسل فإن الله جعله شفاء للناس، وقال تعالى أن القرآن شفاء لما في الصدور، وقال إنه شفاء ورحمة للمؤمنين ". الشيخ :(( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )). القارئ : " وهو حلو على الأسماع كحلاوة العسل في المذاق، وكذلك جاء في الحديث أن في السمن شفاء. قال القاضي عياض: وقد يكون عبر الظلة بذلك لما نطفت العسل والسمن اللذين عبر بهما بالقرآن، وذلك إنما كان عن الإسلام والشريعة، والسبب في اللغة الحبل والعهد والميثاق، والذين أخذوا به بعد النبي صلى الله عليه وسلم واحدا بعد واحد هم الخلفاء الثلاثة، وعثمان هو الذي انقطع به ثم اتصل. انتهى ملخصا. قال المهلب: وموضع الخطأ في قوله: ثم وصل له، لأن في الحديث ثم وصل ولم يذكر له. قلت: بل هذه اللفظة وهي قوله: له وإن سقطت من رواية الليث عند الأصيلي وكريمة فهي ثابتة في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة، وكذا في رواية النسفي، وهي ثابتة في رواية ابن وهب وغيره كلهم عن يونس عند مسلم وغيره، وفي رواية معمر عند الترمذي، وفي رواية سفيان بن عيينة عند النسائي وابن ماجه، وفي رواية سفيان بن حسين عند أحمد، وفي رواية سليمان بن كثير عند الدارمي وأبي عوانة كلهم عن الزهري، وزاد سليمان بن كثير في روايته: فوصل له فاتصل. ثم بني المهلب على ما توهمه فقال: كان ينبغي لأبي بكر أن يقف حيث وقفت الرؤيا، ولا يذكر الموصول له، فإن المعنى أن عثمان انقطع به الحبل، ثم وصل لغيره أي وصلت الخلافة لغيره انتهى. وقد عرفت أن لفظة له ثابتة في نفس الخبر، فالمعنى على هذا: أن عثمان كاد ينقطع عن اللّحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعُبر عنها بانقطاع الحبل، ثم وقعت له الشهادة فاتصل بهم، فعُبر عنه بأن الحبل وصل له فاتصل فالتحق بهم فلم يتم في تبيين الخطأ في التعبير المذكور ما توهمه المهلب. والعجب من القاضي عياض فإنه قال في الإكمال: قيل خطؤه في قوله: فيوصل له، وليس في الرؤيا إلا أنه يوصل، وليس فيها له، ولذلك لم يوصل لعثمان، وإنما وصلت الخلافة لعلي، وموضع التعجب سكوته عن تعقب هذا الكلام مع كون هذه اللفظة وهي له ثابتة في صحيح مسلم الذي يتكلم عليه، ثم قال: وكأن الخطأ هنا بمعنى الترك، أي تركت بعضا لم تفسره. وقال الإسماعيلي: قيل السبب في قوله: ( وأخطأت بعضا ) أن الرجل لما قص على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياه كان النبي صلى الله عليه وسلم أحق بتعبيرها من غيره، فلما طلب تعبيرها كان ذلك خطأ فقال أخطأت بعضا لهذا المعنى. والمراد بقوله: قيل، ابن قتيبة فإنه القائل لذلك فقال إنما أخطأ في مبادرته بتفسيرها قبل أن يأمره به ووافقه جماعة على ذلك، وتعقبه النووي تبعا لغيره فقال: هذا فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قد أذن له في ذلك، وقال: اعبرها. قلت: مراد ابن قتيبة أنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو فسأل أن يأذن له في تعبيرها، فأذن له فقال: أخطأت في مبادرتك للسؤال أن تتولى تعبيرها لا أنه أراد أخطأت في تعبيرك، لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر، لأنه خلاف ما يتبادر للسامع من جواب قوله: هل أصبت فإن الظاهر أنه أراد الإصابة والخطأ في تعبيره لا لكونه التمس التعبير، ومن ثم قال ابن التين ومن بعده: الأشبه بظاهر الحديث أن الخطأ في تأويل الرؤيا أي أخطأت في بعض تأويلك. قلت: ويؤيده تبويب البخاري حيث قال: من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب، ونقل ابن التين عن أبي محمد بن أبي زيد وأبي محمد الأصيلي والداودي نحو ما نقله الإسماعيلي ولفظهم: أخطأ في سؤاله أن يعبرها وفي تعبيره لها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن هبيرة: إنما كان الخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان الخطأ في التعبير لم يقرّه عليه. وأما قوله: لا تقسم فمعناه أنك إذا تفكرت فيما أخطأت به علمته، قال: والذي يظهر أن أبا بكر أراد أن يعبرها فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقوله، فيعرف أبو بكر بذلك علم نفسه لتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن التين: وقيل أخطأ لكون المذكور في الرؤيا شيئين العسل والسمن ففسرهما بشيء واحد، وكان ينبغي أن يفسرهما بالقرآن والسنة ذكر ذلك عن الطحاوي. قلت: وحكاه الخطيب عن أهل العلم بالتعبير، وجزم به ابن العربي فقال: قالوا هنا وهم أبو بكر فإنه جعل السمن والعسل معنى واحدا وهما معنيان القرآن والسنة، قال: ويحتمل أن يكون السمن والعسل العلم والعمل، ويحتمل أن يكونا الفهم والحفظ، وأيد ابن الجوزي ما نسب للطحاوي بما أخرجه أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى إصبعي سمنا وفي الأخرى عسلا فألعقهما، فلما أصبحت ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( تقرأ الكتابين التوراة والفرقان )، فكان يقرؤهما قلت ففسر العسل بشيء والسمن بشيء. قال النووي: قيل إنما لم يبرّ النبي صلى الله عليه وسلم قسم أبي بكر لأن إبرار القسم مخصوص بما إذا لم يكن هناك مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن وجد ذلك فلا إبرار، ولعل المفسدة في ذلك ما علمه من سبب انقطاع السبب بعثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المترتبة عليه فكره ذكرها خوف شيوعها، ويحتمل أن يكون سبب ذلك أنه لو ذكر له السبب للزم منه أن يوبخه بين الناس لمبادرته، ويحتمل أن يكون خطؤه في ترك تعيين الرجال المذكورين فلو أبر قسمه للزم أن يعينهم ولم يؤمر بذلك، إذ لو عينهم لكان نصا على خلافتهم، وقد سبقت مشيئة الله أن الخلافة تكون على هذا الوجه فترك تعيينهم خشية أن يقع في ذلك مفسدة، وقيل هو علم غيب فجاز أن يختص به ويخفيه عن غيره، وقيل المراد بقوله: ( أخطأت وأصبت ) أن تعبير الرؤيا مرجعه الظن والظن يخطئ ويصيب، وقيل لما أراد الاستبداد ولم يصبر حتى يفاد جاز منعه ما يستفاد فكان المنع كالتأديب له على ذلك. قلت: وجميع ما تقدم من لفظ الخطأ والتوهم والتأديب وغيرهما إنما أحكيه عن قائله، ولست راضيا بإطلاقه في حق الصديق. وقيل: الخطأ في خلع عثمان لأنه في المنام رأى أنه آخذ بالسبب فانقطع به، وذلك يدل على انخلاعه بنفسه، وتفسير أبي بكر بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ثم يوصل له، وعثمان قد قتل قهرا ولم يخلع نفسه، فالصّواب أن يحمل وصله على ولاية غيره، وقيل يحتمل أن يكون ترك إبرار القسم لما يدخل في النفوس لا سيما من الذي انقطع في يده السبب، وإن كان وصل ". الشيخ : أنا عندي أن الذي حصل من الخطأ قوله: " فينقطع به ثم يوصل له " لأنه لما انقطع بعثمان ما وصل له، واللفظة هذه صحيحة، فهذا وجه الخطأ، قول أبي بكر: " فينقطع به ثم يوصل له "، لأنه انقطع بعثمان ولم يوصل له، قتل ثم جاء من بعده علي بن أبي طالب.
حدثني مؤمل بن هشام أبو هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عوف حدثنا أبو رجاء حدثنا سمرة بن جندب رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه ( هل رأى أحد منكم من رؤيا ) قال فيقص عليه من شاء الله أن يقص وإنه قال ذات غداة ( إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى قال قلت لهما سبحان الله ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه قال وربما قال أبو رجاء فيشق قال ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى قال قلت سبحان الله ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور قال فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت لهما ما هؤلاء قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارةً كثيرةً وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجراً فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً قال قلت لهما ما هذان قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلاً مرآةً وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها قال قلت لهما ما هذا قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت لهما ما هذا ما هؤلاء قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضةً قط أعظم منها ولا أحسن قال قالا لي ارق فيها قال فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قال قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر قال وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قال قالا لي هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسما بصري صعداً فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قالا لي هذاك منزلك قال قلت لهما بارك الله فيكما ذراني فأدخله قالا أما الآن فلا وأنت داخله قال قلت لهما فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً فما هذا الذي رأيت قال قالا لي أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة ) قال فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسناً وشطر قبيحاً فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم )
القارئ : حدثني مؤّمل بن هشام أبو هشام، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عوف، حدثنا أبو رجاء، حدثنا سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا ، قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى ). قال: ( قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ ) قال: ( قالا لي: انطلق انطلق ) قال: ( فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلَّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، - قال: وربما قال أبو رجاء: فيشق - ) قال: ( ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى ) قال: ( قلت: سبحان الله ما هذان؟ ) قال: ( قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور - قال: فأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات ) قال: ( فاطّلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ) قال: ( قلت لهما: ما هؤلاء؟ ) قال: ( قالا لي: انطلق انطلق ) قال: ( فانطلقنا، فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا ) قال: ( قلت لهما: ما هذان؟ ) قال: ( قالا لي: انطلق انطلق ) قال: (فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها ) قال: ( قلت لهما: ما هذا؟ ) قال: ( قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط ) قال: ( قلت لهما: ما هذا ما هؤلاء؟ ) قال: ( قالا لي: انطلق انطلق ) قال: ( فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن ) قال: ( قالا لي: ارق فيها ) قال: ( فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء ) قال: ( قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر ) قال: ( وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة ) قال: ( قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك ) قال: ( فسما بصري صُعُدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء ) قال: ( قالا لي: هذاك منزلك ) قال: ( قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله ) قال: ( قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا، فما هذا الذي رأيت؟ ) قال: ( قالا لي: أما إنا سنخبرك، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه، يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر، فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة، الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة ) قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا وشطر قبيحا، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز الله عنهم ). الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. هذا الحديث الطويل يقول : " باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح " وهذا بيان لما يقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان إذا صلى الصبح سأل أصحابه : ( من رأى منكم رؤيا ) فتقص عليه ويعبرها أحيانا ويتركها أحيانا. وكان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يترفع على أصحابه بل يتواضع، فكما أنه يخبرونه بما يرونه أخبرهم بما رأى في هذا الحديث الطويل، ومن المعلوم أن رؤيا صلى الله عليه وآله وسلم حق ووحي، فرأى هذه الرؤيا العجيبة.
الشيخ : التي قال عنها البخاري : حدثني مؤمل بن هشام أبو هشام، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عوف، حدثنا أبو رجاء، حدثنا سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره. هذا الحديث فيه تسلسل في صيغة الأداء لأن جميع الرواة كانوا يقولون : حدثنا. والتسلسل كما تعلمون يكون بالأحوال ويكون بالأشخاص ويكون بصيغ الأداء، ويكون بما يصحبها من قول أو فعل، كما ذكر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: ( إني أحبك فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة أن تقول: اللهم أعني عن ذكرك )، فكان كل من حدث به يقول لتلميذه : إني أحبك فلا تدعن، فهذا مسلسل. كذلك حديث القضاء والقدر: آمنت بالقضاء والقدر خيره وشره وحلوه ومره، ثم يقبض كل واحد من المحدثين يد تلميذه عندما يحدثه. إلى غير ذلك من أنواع التسلسل المعروف في المصطلح. والفائدة من التسلسل هو ضبط الراوي لما روى بحيث ضبط حتى الصيغة، أو الحال التي كان عليها محدثه.
تتمة شرح حديث : ( إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما ... )
الشيخ : هذا الحديث يقول عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: ( هل رأى أحد منكم من رؤيا )، ومن هنا زائدة، لأنها في سياق الاستفهام، والنكرة في سياق الاستفهام تكون للعموم وربما تتصل بها من الزائدة. قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال ذات غداة: ( إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق ) وهذان اللذان أتياه الظاهر أنهما ملكان أرسلهما الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليرياه ما ستسمعون. ( قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا ) يعني وها هنا، ( فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه ) يعني إلى الذي ثلغ رأسه، (حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى )، قال: ( قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ )، سبحان الله يعني تنزيها لله عز وجل، والله عز وجل منزه عن كل نقص وعيب وعن مماثلة الخلق، والتسبيح يؤتى به عند العجب، وكذلك يؤتى أحيانا بالتكبير عند العجب، لكن الغالب أن التكبير يؤتى به فيما يكون به الفرح والسرور، وأما التسبيح فيكون فيما فيه خلاف ذلك، ووجهه أن التكبير تعظيم لله عز وجل فإذا جاء ما يفرح العبد كبر الله لعظم ما سمعه أو ما حصل له من نعمة الله، وأما التسبيح فهو في الأمر الذي يكون على خلاف ذلك، لأن الإنسان يسبح الله عز وجل أن يقع منه مثل هذا الشيء الذي يسوء العبد إلا لحكمة. فهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سبحان الله، ما هذان ؟) المشار إليهما من ؟ الرجل الذي يضرب الرجل الآخر. قال: ( قالا لي: انطلق انطلق ) قال: ( فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد ) الكلوب هو الحديدة المنحنية الرأس، هذه الكلوب، وتسمى عند العامة عندنا تسمى كالوبة، مثل المحجان التي تعلق به القِربة. يقول: (وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ) يعني يشقه إلى قفاه، ( ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، - قال: وربما قال أبو رجاء: فيشق - ) بدل فيشرشر. قال: ( ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى )، وهكذا العذاب والعياذ بالله، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها، فهذا يعذب كلما شق منخره وعينه وشدقه ذهب إلى الشق الآخر صح الأول، ثم إذا شرشره مرة ثانية صح الثاني وهكذا. قال: ( قلت: سبحان الله ما هذان؟ ) قال: ( قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور - قال: فأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات ) قال: ( فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ) يعني ضجوا وصار لهم صياح من هذا اللهب الذي تحتهم. قال: ( قلت لهما: ما هؤلاء؟ ) قال: ( قالا لي: انطلق انطلق ) قال: ( فانطلقنا، فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ) يعني يمضي فيسبح ما شاء الله أن يسبح، ( ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه ) يعني يفتحه، ( فيلقمه حجرا فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا ) قال: ( قلت لهما: ما هذان؟ ) قال: ( قالا لي: انطلق انطلق ).