الشيخ محمد بن صالح العثيمين-صحيح البخاري-شرح كتاب التوحيد-الشريط 01b

السائل : قوله عليه السلام : ( تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم ) هل يؤخذ من هذا الحديث أن الصدقات أو الزكاة التي تؤخذ من أغنياء هذا البلد لا ينبغي أن تخرج من هذا البلد ... ؟
الشيخ : قوله : ( تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم ) أخذ العلماء بعضهم من هذا الحديث لا يجوز نقل الزكاة عن البلد الذي فيه الأغنياء إلى بلد آخر لأن قوله غني كما أنه خاص بأغنياء أهل اليمن فقيرهم هو أيضا خاص بفقراء أهل اليمن.
ووجهوا ذلك أيضا من حيث المعنى أنه إذا نقلت الزكاة من بلد الغني إلى بلد آخر ، صارت في هذا إيغار لصدور الفقراء الذين في البلد وكرهوا الأغنياء ، وربما صار ذلك فتحا للعدوان على الأغنياء ، وأخذ أموالهم فيكون في هذا فتنة .وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، أنه يحرم نقل الزكاة من خارج البلد ، ولكن قيدوها بمسافة القصر، إلا إذا لم يكن في البلد مستحقا فإنها تصرف في بلد آخر.

الشيخ : سبق لنا في الدرس الماضي أن أقسام التوحيد ثلاثة ما هي ؟ توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، ما هو الدليل على انحصارها في هذه الأقسام الثلاثة ؟ تتبعوا واستقرؤوا الأدلة.
الطالب : وجدوا أنها تنحصر في هذه الثلاثة.
الشيخ : تمام ما هو الذي اتفق المسلمون والمشركون عليه من هذه الأقسام؟
الطالب : ...
الشيخ : توحيد الربوبية ما هو الدليل على اقرار المشركين على توحيد الربوبية؟
الطالب : ...
الشيخ : (( ليقولن الله ) طيب ما هو الذي اختلف به المشركون والمسلمون من هذه الأقسام؟
الطالب : توحيد الألوهية.
الشيخ : الدليل على مخالفة المشركين للمسلمين؟ الطالب : ...
الشيخ : (( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون * ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون )) طيب ما الذي اختلف به المسلمون من هذه الأقسام؟
الطالب : توحيد الأسماء والصفات.
الشيخ : تمام أحسنت. اختلاف المسلمين في هذا القسم ذكره شيخ الاسلام أنه على ستة أنحاء والبارحة لم نذكره هل يستطيع أحد منكم أن يجيب عن هذا السؤال؟ ستة أقسام يقول شيخ الاسلام أنهم انقسموا ستة أقسام. القسم الأول: من أجروا النصوص على ظاهرا اللائق بالله فقالوا : أن نثبت ما أثبته الله لنفسه من غير تمثيل ولا تكييف. والثاني: من أجروا النصوص على ظاهرها وجعلوا ظاهرها من جنس صفات المخلوقين. والثالث : صرفوها على خلاف ظاهرها، من حملوها على خلاف ظاهرها وعينوا لها معاني، هم عينوها بأنفسهم فقالوا مثلا معنى استوى استولى. والرابع : من خالفوا ظاهرها لكن قالوا الله أعلم بما أراد، لم يثبتوا الظاهر ولم يثبتوا معنى من قال بالظاهر، بل قالوا الله أعلم بما أراد. ومنهم الخامس : من قال يجوز أن يكون المراد بها إثبات صفة تليق بالله أو ألا يكون المراد ذلك. والسادس: من أعرضوا عن هذا كله واقتصروا على قراءة القرآن والحديث ولم يثبتوا معنى ظاهرا ولا معنى قولا، ولا يجوزون شيئا. هذه ستة أقسام ذكرها رحمه الله في الفتوى الحموية.
القسم الأول : الذين أثبتوها على ظاهرها اللائق بالله هم السلف، أهل السنة والجماعة.
والقسم الثاني : الذين أجروها على ظاهرها وجعلوا ظاهرها من جنس صفات المخلوقين هم الممثلة.
والقسم الثالث : الذين صرفوها عن ظاهرها ، وأحدثوا لها معنى بأنفسهم هؤلاء أهل التحريف المؤولة، مثل الأشاعرة والمعتزلة ونحوهم. والقسم الرابع :كالذين قالوا لا يجوز أن يكون كذا ولا يجوز أن يكون كذا ، صرفوها على خلاف الظاهر ولكن قالوا إننا نعلم أن الله لم يرد الصفة هؤلاء قوم من المتكلمين ولم يعينهم الشيخ.
والخامس: من قالوا يجوز أن يكون المراد كذا ويجوز أن يكون كذا ، هؤلاء قوم من المتفقهة ولم يعينهم.
والسادس: الذين قالوا لا تكلموننا عن شيء عن هذا ، نقرأ القرآن والحديث ولا ندري ما المراد ولا ندري ما أراد الله الظاهر، أو خلاف الظاهر لا نتعدى أن نقرأ القرآن لفظا والأحاديث في باب الصفات لفظا ولا نتكلم شيئا ، وهؤلاء أيضا لم يعينهم الشيخ رحمه الله. لكن الواقع أن الأصول في هذا ثلاثة : الممثلة، والمعطلة، والسلف. هذه الأقوال مشهورة في باب الأسماء والصفات وهي الأصول.
الشيخ : طيب أوردنا إشكالا على توحيد الربوبية يا خالد على انفراد الله بالخلق.
الطالب : ...
الشيخ : يعني هل ينسب الخلق للمخلوقين؟ يعني يقال :فلان خالق
الطالب : نعم ينسب .
الشيخ : لكن ليس الخلق الموافق لخلق الله ،لأن خلق الله خلقي جاء، وخلق تغيير وتبديل. وخلق الآدمي مجرد تبديل وتغيير وتحويل لكن الخالق المنشيء هو الله عز وجل.
الشيخ : وأوردنا إشكالا على الملك ؟
الطالب : ...
الشيخ : الملك محدود ومقيد بحسب ما تقتضيه الشريعة تمام طيب. أوردنا كذلك عن التدبير. الطالب : ...
الشيخ : بعكس المخلوق فإن تدبيره مقيد بما تقتضيه الشريعة. ذكرنا حديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن، الذي ساقه البخاري في هذا الباب ما هو الذي ساقه في هذا الباب لا اقرأه من دماغك ؟
الطالب : ... روايتين.
الشيخ : فيه عدة روايات اللي ساق المؤلف في هذا الباب.
الطالب : إلى أن يوحدوا الله .
الشيخ : إلى أن يوحدوا الله لأنه في باب التوحيد. طيب في لفظ في سياق الذي ذكر المؤلف ، اللفظ الذي ذكره في بعض ألفاظ الحديث فإن هم أطاعوك لذلك، وهنا إيش قال ؟ اللفظ الذي ساق البخاري إذا عرفوا ذلك. ما المراد بالمعرفة التي قال عنها المتكلمون.؟ يعني عرفوا ما تأمرهم به؟ طيب كيف يكون للعباد حق على الله والله هو الذي يوجب على الخلق؟
الطالب : ...
الشيخ : ولله يوجب على نفسه ما يشاء أما نحن فلا نوجب على الله شيئا. توحيد الأسماء والصفات ما معناه؟
الطالب : ...
الشيخ : لا بد فيه من إثبات ونفي، (( ليس كمثله شيء )) نفي المماثلة وإثبات الكمال.
نأخذ درس جديد الآن في سورة (( قل هو الله أحد )) قال إنها تعدل ثلث القرآن كيف كان ذلك؟
الطالب : ...
الشيخ : الإخبار عن الله صح هل تضمنت سورة (( قل هو الله أحد )) جميع أنواع التوحيد؟
الطالب : نعم.
الشيخ : كيف في قوله قول هو الله توحيد إيش الربوبية ؟
الطالب : توحيد الأسماء ن والصفات ...
الشيخ : طيب سمع.

القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، قال البخاري رحمه الله تعالى :حدثنا محمد : قال حدثنا أحمد بن صالح، قال :حدثنا بن وهب قال : حدثنا عمرو عن ابن أبي هلال ، أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته ويختم بقل هو الله أحد ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه لأي شيء يصنع ذلك، فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال صلى الله عليه وسلم : أخبروه أن الله يحبه ).
الشيخ : طيب على العموم حطوها ما دام موجودة في الشرح أثبتوها أنا ما عندي ما أشار إليها ... يعني هذا الراوي عن البخاري فيه احتمال لكن ما دام موجودة النسخة الأصل لا هو فيه احتمال أن الراوي عن البخاري حدثنا محمد لكن هذا خلاف العادة العادة إذا قال قال أبو عبد الله يذكره بكنيته وهي عندنا أصل.
بسم الله الرحمن الرحيم، الشاهد من هذا الحديث ، هذا الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على سرية فكان يقرأ لأصحابه ويختم بقل هو الله أحد، وقوله : يختم بقل هو الله أحد يحتمل أن يكون يختم قراءة كل ركعة أو أنه يختم الصلاة عموما. فعلى الاحتمال الأول : إذا كان في الصلاة الرباعية فإنه يقرأ (( قل هو الله أحد )) أربع مرات، وعلى الاحتمال الثاني : يقرؤها مرة واحدة، وقد استدل به الفقهاء على جواز جمع سورتين في ركعة واحدة. وقوله : ( لأنها صفة الرحمن ) هذا هو الشاهد لأنها أي قل هو الله أحد صفة الرحمن، ولا يريد أنها كلام الله صفته ، لأن هذا الوصف لا يختص بقل هو الله أحد بل شامل للقرآن كله : ولكن مراده لأنها تشتمل على صفة الرحمن، فإن جميع صفات الله عز وجل تتضمنها هذه السورة وتشتمل عليها.

الشيخ : وفي هذا الحديث إثبات الصفة لله كما جرى على ذلك علماء السلف، أن لله أسماء وصفات. وأنكر ابن حزم الظاهري ذكر الصفة، وقال إن ذكر الصفة مما أحدثه المتكلمون، ولكن قوله مردود بالقرآن وبالسنة، أما القرآن فقد قال الله سبحانه وتعالى : (( سبحان ربك رب العزة عما يصفون )) فنفى ما وصفه به المشركون عن نفسه ، أو تنزيه نفسه عما وصفه المشركون، يدل على ثبوت صفة الكمال له، وهو كذلك، وأما الحديث : فظاهر ( صفة الرحمن ) فأثبت للرحمن صفة، ومن المعلوم أن ابن حزم لم يحتج بقول إلا أن الصفة لا تقوم إلا بجسم، والجسم ممتنع عن الله، ونحن نتكلم عن الجسم الآن ، والخير والجهة وما أِشبه ذلك من العبارات التي توصل أهل التعطيل بها، أي بنفيها، إلى نفي الصفات عن الله فقالوا لا نصف الله بصفة ، لأن هذا يقتضي أن يكون لله جسما ، والجسم محدث والله عز وجل الأول الذي ليس مثله شيء ، فنقول لهم : إن كان يلزم من إثبات الصفة أن يكون لله جسما ، فهذا لازم من كتاب الله وسنة رسوله وكتاب الله وسنة رسوله حق، واللازم من الحق حق، وإن كان لا يلزم فقد حصل الانفكاك عما ألزمنا به، ثم نقول له : ما هو الجسم.؟ نقول له ولغيره حتى الأشاعرة ينكرون الصفات بناء على هذا ، نقول : ما هو الجسم الذي تريدون أن تنفوه عن الله ؟ هل مرادكم بذلك الجسم المركب الذي يفتقر بعضه إلى بعض ويتجزأ ؟ أم مرادكم بذلك الشيء القائم بنفسه المتصف بالصفات الفاعل لما يريده الذي يجيء ويأتي ويأخذ ويقبض ويبسط ؟ إن أردتم الأول : فنحن نوافقكم على أن الله لا يوصف بالجسم بهذا المعنى ، وإن أردتم الثاني :فنحن نصف الله به وسموه ما شئتم، سموه جسما أو غير جسم، فنحن نصف بأن الله عز وجل قائم بنفسه، متصف بالصفات التي تليق به، يجيء، وينزل، ويستوي، ويأخذ، ويقبض ويبسط، ويتكلم، نقول بذلك، ولا يمكن أن ننكر هذا لأن إنكار هذا هو التعطيل المحض، ثم نقول لهم أنتم تقولون أن الصفات لا تصف إلا بالجسم ، فهذا خطأ مخالف للواقع ، فإنه يوصف بالصفات ما ليس بجسم، فاللغة العربية مملوءة من وصف الأزمان بالصفات فيقال مثلا : هذا ليل طويل، وهذا نهار قصير، وهل الليل والنهار أجسام؟ أجيبوا لا، ويقال حر شديد، وبرد شديد، والحر والبرد ليس بجسم. فدعواكم أن الصفات لا تقوم إلا بجسم دعوى باطلة ، تكذبها اللغة ويكذبها الحس، وبناء على ذلك، يتبين أن نفي الجسمية عن الله خطأ وأن إثباتها كذلك خطأ، هذا من حيث اللفظ أما من حيث المعنى : وإن أريد بها معنى لا يليق بالله فوجب نفيها، وإن أريد بها معنى يليق بالله فهي حق ، لكن لا تطلق لفظا على الله، لا تطلق إثباتا ولا نفيا، لأنه لم يرد إثباتها ولا نفيها والعجب أن هؤلاء القوم اعتمدوا في نفي الصفات عن الله ، على نفي الجسمية قالوا : إن الله لا يحزن ، لأنه لو حزن لكان جسما. لأن الحزن صفة والصفة لا تقوم إلا بجسم ، فانظر كيف أدى بهم هذا الخطأ إلى هذا الخطأ الفادح. أيهما أعظم أن نصف الله بالحزن ، والعجز ، والتعب ، وما أِشبهه ذلك ، أو نصفه بأنه جسم ؟ الأول. فذهبوا ينفون الأوضح في الفساد بناء على ما هو أخفى، فعكسوا القضية لأن القضية أن يستدل بالأوضح على الأخفى ، أما هؤلاء استدلوا بما هو أخفى على ما هو أوضح، فنقول لهم : هذا الكلام من أبطل ما يكون ، أنتم إذا قلتم أننا لو أثبتنا الحزن لله يجب أن يكون جسما لمن أثبت الحزن أن يقول : أنا أثبت الحزن ولا أثبت أن يكون له جسما ،كما قال السلف :نحن نثبت القدرة ولا نقول أنه جسم يمكن أن نقول هكذا، ثم نقول :كلامكم هذا يؤدي إلى أن يكون الرد على السلف والرد على المعطلة بطريق واحد وهو إثبات الجسمية إن ثبت الحزن أو إثبات الجسمية إن ثبت القدرة عرفتم ، على كل حال هذه وجهة نظر ابن حزم في إنكار الصفة حيث قال: إن الله ليس له صفة، ولا يجوز أن يكون له صفة، لأن ذلك يستلزم أن يكون ذلك جسما، إذ أن الصفات أعراض ، والأعراض لا تقوم إلا بأجسام ، ولا يخفى علينا أن هذا استعمال للقياس وهو ينكر القياس في الأحكام العملية، ويأتي به في الأحكام العقدية، سبحان الله.
طيب إذن يستفاد من هذا الحديث : إثبات الصفة لله عز وجل، ومما يتعلق بهذا الحديث في مسألة التوحيد أو العقيدة إثبات المحبة لله، لقوله : ( أخبروه أن الله يحبه ) وهذه المحبة حقيقة، يجب أن نؤمن بأن الله يحب، لأن القرآن مملوء بذلك، (( إن الله يحب المتقين )) ، (( إن الله يحب المحسنين ))، (( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ))، (( والله يحب التوابين ويجب المتطهرين )) ، (( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه )) القرآن مملوء بهذا. وذكر محبة الله لمن علقت محبة الله به أكثر من ذكر محبتنا لله، في القرآن ذكر إضافة المحبة لله عز وجل أكثر من إضافتها للمخلوق، ومع ذلك أنكرها أهل التعطيل. من الأشاعرة وغيرهم قال : إن الله ما يحب ولا يجوز أن نثبت أن الله يحب. لماذا ؟ قالوا : لأن المحبة لا تكون إلا بين شيئين متجانسين، والخالق لا يماثل المخلوق.
فالجواب على هذا : وهو قولهم أن المحبة لا تكون إلا بين شيئين متجانسين غلط وخطأ وليس بصواب، المحبة تكون بين شيئين متجانسين كمحبة الرجل لامرأته مثلا هذا واضح كما قال تعالى: (( وجعل بينكم مودة ورحمة )) وتكون أيضا بين الجماد والإنسان أليس كذلك ؟ في الحديث الصحيح : ( أحد جبل يحبنا ونحبه )، وأنت بنفسك تحب بعض مالك أكثر من بعض، لك قلم ريشته سهلة لينة لا تشقق الورق ، وقلم آخر ريشته صعبة تشقق الورق مرة تكون الكتابة غليظة ومرة تكون دقيقة . أيهما أحب إليك ؟ الأول تحبه وهو جماد. ساعتك كل يوم تخبط عليك ، وتؤذيك ، وتغرك بالوقت تقدم ومرة تؤخر، وساعة أخرى مضبوطة ولم تر منها شيئا أيهما أحب إليك ؟ الثانية حتى البهائم.