شرح كتاب التوحيد-05b
تتمة شرح باب : قول الله تعالى : (( وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق )) .
الشيخ : الباء للملابسة والغاية يعني خلقها حقا لم يخلقها أحد سواه وخلقها بالحق الغاية منها الحق كما قال تعالى : (( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق )) وخلق بمعنى أوجد من عدم فالسماوات كانت عدم والأرضون كانت عدم وخلقها الله عز وجل وبين لنا سبحانه وتعالى أنه خلقها في ستة أيام بين ذلك إجمالا وبينه تفصيلا وهذا من حسن التعليم من حسن تعليم الله أنه يذكر الشيء إجمالا ثم يذكر تفصيلا (( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت )) لماذا ؟ لأن الإجمال يوجب قرار هذا الشيء في النفس ثم تشوف النفس إلى التفصيل فيرد عليها التفصيل وهي متهيأة لقبول ما يرد عليها هذه الأيام الستة فصلها الله عز وجل في سورة فصلت ولهذا سميت فصلت قال تعالى : (( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا )) هذه يومين خلقها في يومين (( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها )) هذه ثلاثة أمور (( في أربعة أيام )) مع اليومين السابقين بمعنى اليومان السابقان واليومين في الأمور الثلاثة ولهذا قال : (( سواء للسائلين )) سواء يعني لا تزيد كم هذه ؟ أربعة أيام خلق الأرض في يومين جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في يومين فالجميع في أربعة أيام ولا بأس أن نستطرد على هذه الآية لأنها مهمة قال : (( جعل فيها رواسي من فوقها )) ولم يقل في وسطها أو من تحتها لأن هذه الرواسي التي جعلت من فوق لها مصلحة عظيمة أن كانت فوق الأرض لأنها أضبط للتوازن ولما يحصل من هذه الجبال العظيمة من كهوفها ومغاراتها وغير ذلك من المصالح العظيمة، الشعاب العظيمة التي تملأ الرياض من أين تأتي ؟ من الجبال لأن الأراضي المنبسطة ما تأتي منها الأودية ولذلك تجد الأودية التي فيها الجبال الشامخة تجدها أقوى انتفاعا وأعظم كذلك أيضا هذه الجبال العظيمة من فوق الأرض تصد الرياح العظيمة العاتية التي تأتي من هنا وهناك ففيها مصالح يعرفها أهل الجغرافيا حيث قال : (( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها )) أنزل الله فيها البركة ولهذا تحمل بني آدم وأنعام بني آدم وأرزاق بني آدم على كثرة من يولد ويموت في هذه الأرض هي مباركة لها قدر فيها أقواتها جعل في كل إقليم قوته الذي يحتاج إليه وجعل هذه الأقوات توجد في إقليم دون إقليم وفي بلد دون بلد ليتبادل الناس التجارة فيما بينهم فينقل هؤلاء إلى هؤلاء وهؤلاء إلى هؤلاء ولهذا قال : (( قدر فيها أقواتها )) وقبلها قال : (( وجعل فيها رواسي )) لأن الأقوات مقدرة بحسب الحاجة وبحسب المصلحة التي تقوم بين بني آدم في أربعة أيام سواء للسائلين (( ثم استوى إلى السماء )) بعد أن خلق الأرض وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام استوى إلى السماء وهي دخان أي كالدخان قال بعض العلماء : إن هذا بخار الماء لأن الأرض والسماء كانت ماء كما قال تعالى : (( وكان عرشه على الماء )) استوى إلى السماء وهي دخان (( فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين )) (( فقضاهن سبع سماوات في يومين )) انظر الحكمة العظيمة السماوات ما فصل فيها كما فصل في الأرض ولا مدّد خلقها كما مدّد خلق الأرض مع أنها أعظم من الأرض بأضعاف مضاعفة لكن ليتبين للناس عناية الله سبحانه وتعالى بما يباشرهم من المصالح والناس أين هم في السماء أم في الأرض ؟ في الأرض فانظر عناية الله ثم ليتبين لك أن كون الله خلق السماوات والأرض في أربعة أيام والسماء في يومين ليس عجزا منه أين يخلق الأرض بلحظة ولذلك خلق السماوات وهي أعظم منها في يومين نصف مدة الأرض فإذا تمديد الله خلق الأرض إلى أربعة أيام ليس لعجز أو لضعف لكن لحكمة بدليل أنه خلق السماء وهي أعظم منها بمدة أقصر من خلق الأرض ومع ذلك : (( قال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها )) هذا يحتمل أنه للتهديد أو للتخيير لينظر عز وجل كيف انقياد السماوات والأرض إليه ماذا قالتا ؟ (( أتينا طائعين )) وهنا قال أتينا طائعين مع أن السماء والأرض جماد والجماد لا يجمع جمع مذكر سالم لأن شرط جمع المذكر السالم كما عرفتم في الألفية أن يكون اسما أو صفة لمذكر عاقل فكيف قال أتينا طائعين قال بعض المفسرين قولا عجيبا قال : قالتا أتينا بمن فينا والذي فيهما إنس وجن وملائكة طائعين فغلب العاقل على غير العاقل والصواب خلاف ذلك لأن الناس لم يخلقوا بعد حين خلق السماوات والأرض لكن المعنى أنهما لما كانا يخاطَبان ويخاطِبان صارا بمنزلة العاقل فقال أتينا طائعين وهذا أمر لا شك فيه.
الخلاصة أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ذكر مجملا وذكر ذلك مفصلا ولو شاء لخلقهما بلحظة كن فيكون ( قال للقلم اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) والقلم جماد ومع ذلك كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة لأن أمر الله لا يرد لو قال للسماء والأرض كونا أرضا كونا سماء كانتا بلحظة لكن قال العلماء : إن الله عز وجل مدد الخلق إلى ستة أيام تعليما للعباد إذا فعلوا أن يفعلوا على وجه الجودة والتأني وإتقان الشيء دون التسرع والتعجل هذه من جهة من جهة أخرى أن الله حكيم الخلق يحتاج إلى تدرج فكانت الحكمة تقتضي أن يخلقهما بالتدرج حتى يصل إلى الكمال كما أن النخل يبذر ثم تنمو شيئا فشيئا حتى تصل إلى الكمال وأيا قلنا من التعليل هذا أو هذا فما هو إلا تعليل ظني وإلا فلله من الحكم والأسرار وراء عقولنا لأن جعل الخلق في ستة أيام دون أن يكون في لحظة يعني لنا أن نقول خلقها في ستة أيام مع قدرته على خلقها بلحظة لأمر لا نعلمه ونقول بذلك صادقين أو غير صادقين ؟ صادقين ونكون بذلك عاجزين أو قادرين ؟ عاجزين عن الحكمة قادرين على الجواب نعم نحن عاجزون عن إدراك الحكمة لكننا قادرون على الجواب أن نقول الله أعلم. فإن استنبطنا حكمة وكانت هي الموافقة فهذا من لطف الله بنا وفتحه علينا وإن لم تكن فنسأل الله أن يعفو عن خطئنا طيب صار خلق السماوات والأرض ابتداء من غير وجود سابق هو بيد الله عز وجل وقوله سبحانه وتعالى بالحق عرفتم معناه.
الخلاصة أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ذكر مجملا وذكر ذلك مفصلا ولو شاء لخلقهما بلحظة كن فيكون ( قال للقلم اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) والقلم جماد ومع ذلك كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة لأن أمر الله لا يرد لو قال للسماء والأرض كونا أرضا كونا سماء كانتا بلحظة لكن قال العلماء : إن الله عز وجل مدد الخلق إلى ستة أيام تعليما للعباد إذا فعلوا أن يفعلوا على وجه الجودة والتأني وإتقان الشيء دون التسرع والتعجل هذه من جهة من جهة أخرى أن الله حكيم الخلق يحتاج إلى تدرج فكانت الحكمة تقتضي أن يخلقهما بالتدرج حتى يصل إلى الكمال كما أن النخل يبذر ثم تنمو شيئا فشيئا حتى تصل إلى الكمال وأيا قلنا من التعليل هذا أو هذا فما هو إلا تعليل ظني وإلا فلله من الحكم والأسرار وراء عقولنا لأن جعل الخلق في ستة أيام دون أن يكون في لحظة يعني لنا أن نقول خلقها في ستة أيام مع قدرته على خلقها بلحظة لأمر لا نعلمه ونقول بذلك صادقين أو غير صادقين ؟ صادقين ونكون بذلك عاجزين أو قادرين ؟ عاجزين عن الحكمة قادرين على الجواب نعم نحن عاجزون عن إدراك الحكمة لكننا قادرون على الجواب أن نقول الله أعلم. فإن استنبطنا حكمة وكانت هي الموافقة فهذا من لطف الله بنا وفتحه علينا وإن لم تكن فنسأل الله أن يعفو عن خطئنا طيب صار خلق السماوات والأرض ابتداء من غير وجود سابق هو بيد الله عز وجل وقوله سبحانه وتعالى بالحق عرفتم معناه.
سؤال يتعلق بخلق السماء والأرض؟
السائل : أحسن الله إليكم في قوله تعالى : (( إنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين )) ثم قال : (( ثم استوى إلى السماء )) وهذا يقتضي أن خلق السماء بعد خلق الأرض وقال في سورة النازعات : (( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها )) والأرض بعد ذلك دحاها فجعل خلق الأرض بعد خلق السماء.
الشيخ : جعل خلق الأرض بعد خلق السماء؟! أنا أخاطب واحد يسأل وإذا كان عندكم علم خلو علمكم عندكم حتى يستتم البحث.
السائل : أحسن الله إليكم هو ما فيه تصريح بخلق الأرض لكنه قال : (( والأرض بعد ذلك دحاها )).
الشيخ : أنت ماذا تفهم من كلمة دحاها.
السائل : أنا لا أعرف ما معنى دحاها حقيقة.
الشيخ : اقرأ الذي بعدها .
السائل : (( والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها )).
الشيخ : إذن هذا هو الدحو هذا هو الصحيح لمعنى الدحو فيكون خلق الأرض وجعل الرواسي فيها قبل خلق السماء أما الدحو الذي جعل الأرض مهيأة بكل المنافع فيها وإخراج ماءها ومرعاها فهذا بعد ذلك.
السائل : لكن أحسن الله إليكم ما زال في إشكال أنتم فسرتم الدحو بأنه أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها هذا هو معنى الآية.
الشيخ : لا هذه مستقلة.
السائل : (( والجبال أرساها )) مستقلة .
الشيخ : يعني وأرساها للجبال.
الشيخ : جعل خلق الأرض بعد خلق السماء؟! أنا أخاطب واحد يسأل وإذا كان عندكم علم خلو علمكم عندكم حتى يستتم البحث.
السائل : أحسن الله إليكم هو ما فيه تصريح بخلق الأرض لكنه قال : (( والأرض بعد ذلك دحاها )).
الشيخ : أنت ماذا تفهم من كلمة دحاها.
السائل : أنا لا أعرف ما معنى دحاها حقيقة.
الشيخ : اقرأ الذي بعدها .
السائل : (( والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها )).
الشيخ : إذن هذا هو الدحو هذا هو الصحيح لمعنى الدحو فيكون خلق الأرض وجعل الرواسي فيها قبل خلق السماء أما الدحو الذي جعل الأرض مهيأة بكل المنافع فيها وإخراج ماءها ومرعاها فهذا بعد ذلك.
السائل : لكن أحسن الله إليكم ما زال في إشكال أنتم فسرتم الدحو بأنه أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها هذا هو معنى الآية.
الشيخ : لا هذه مستقلة.
السائل : (( والجبال أرساها )) مستقلة .
الشيخ : يعني وأرساها للجبال.
فائدة حول فهم نصوص القرآن الكريم؟
الشيخ : وهنا مسألة دائما نكررها بأنه لا تعارض بين آيات القرآن الكريم وأن الإنسان يجب أن ينظر ويتأمل حتى يعرف الفرق الذي به يزول التعارض لو قال والأرض بعد ذلك خلقها لكان فيه تعارض لكن دحاها فنحن نعلم أن الدحو غير الخلق لأنه ذكر في آيات أخرى أكثر من آية أنه خلق الأرض قبل السماء .
يظهر من حال هؤلاء المعطلة أنهم تعمقوا في باب الصفات ولم يتعمقوا في المأمورات؟
السائل : التعمق في الصفات ... .
الشيخ : الله يجزاك الخير ما شاء الله هذا فتح الله عليه مبينا يقول عجبا لهؤلاء الناس يتعمقون في أمر لم يكلفوا به في باب الصفات ولكن لم يتعمقوا في المأمورات والمنهيات يفهمون الأمور فهما سطحيا والمنهي فهما سطحيا ويرتكبون المنهي ويتركون المأمور ما تقولون في هذا الكلام ؟ كلام جيد صحيح الناس يهملون ما كلفوا به ويتكلفون ما لم يكلفوا به بل ما نهوا عن التعمق فيه وهذه مصيبة .
الشيخ : الله يجزاك الخير ما شاء الله هذا فتح الله عليه مبينا يقول عجبا لهؤلاء الناس يتعمقون في أمر لم يكلفوا به في باب الصفات ولكن لم يتعمقوا في المأمورات والمنهيات يفهمون الأمور فهما سطحيا والمنهي فهما سطحيا ويرتكبون المنهي ويتركون المأمور ما تقولون في هذا الكلام ؟ كلام جيد صحيح الناس يهملون ما كلفوا به ويتكلفون ما لم يكلفوا به بل ما نهوا عن التعمق فيه وهذه مصيبة .
ألا يظهر بأن تأويلهم القدم بالمقدم من أهل النار مردود بأنه في آخر الحديث لما أراد الكلام على إنشاء الخلق صرح به؟
السائل : في حديث أنس السابق يضع رب العزة قدمه وفي رواية رجله المؤولة ذهبوا إلى أن الاقدم والرجل مقدم الخلق ولكن بما يجيبون في آخر الحديث عندما أراد الخلق صرح قال : ( ينشئ الله لها خلقا ).
الشيخ : حتى في نفس الحديث ينزوي بعضها إلى بعض في نفس الحديث على النار قل أعوذ بك أن تطبع على قلبي. الإنسان والعياذ بالله إذا حرم الخير والنور صار النور في حقه ظلمة وسبب ذلك يا جماعة سبب ذلك كما قال شيخ الاسلام وأنا أقول وأنتم أظنكم تقولونه الإعراض عن الكتاب والسنة والرجوع إلى العقل بهذا الأمر هو الذي دمرهم لو أنهم رجعوا إلى الكتاب والسنة والتزموا بما دل عليه الكتاب والسنة وأعرضوا عما سوى ذلك استراحوا والله ما سأل أبو بكر عن هذا ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا ابن مسعود ولا ابن عباس ولا حذيفة ولا غيرهم كلهم ما سألوا عن هذا وهم لا شك أنهم أعلم بالله من هؤلاء وأتقى لله وحبهم لله أعظم من حب هؤلاء هذا أمر معروف لو أننا سلكنا هذا المسلك استرحنا وأنتم اسلكوه أولا في أنفسكم ثم فيمن سألكم قل له يا أخي اتق الله لا تسأل هذا السؤال هذه بدعة من سأل عنه من الصحابة؟ من سأل؟! وخوفه بالله لا تسأل هذا قل آمنت بالله آمنت أن لله قدما يضعها على النار فينزوي بعضها إلى بعض ولا أقول أكثر من ذلك ثم إن الرب عز وجل كما قال شيخ الاسلام رحمه الله : " ليس من مادة منها مادة الإنسان " الروح مادتها ليست من مادة خلقها الإنسان ليست من النار ولا من النور ولا من الطين ما نعلم مادة الروح التي هي حقيقة الروح وكنهها ليست كطبيعة البدن تختلف اختلافا عظيما مع أنها جسم على القول الراجح لكن جسم لا يشبه الأجسام وهي من مادة أخرى ما نعلم عنها أفهمتم فكيف بالخالق عز وجل الخالق لا تتصور حتى لو أثبت له رجلا على الحقيقة أو قدما على الحقيقة لا تتصور أنها من جنس يدك أو رجلك لا في الحقيقة والكنه ولا بالكيفية ولا بالمثل أبدا شيء لا نعلمه أكبر من عقولنا وأعظم وأنا أخشى أن الشيطان نعوذ بالله منه ونسأل الله أن يعيذكم منه أنا أخشى أن الشيطان يأتي للإنسان ويجعله يتصور أن هذه الرِّجل من حيث الكنه والحقيقة مثل رجل المخلوق بقطع النظر عن الكيفية نقول أن هذا لا يجوز هذا حرام نحن نعلم أن الخالق ليس كالمخلوق في كل شيء (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وأنه جل وعلا نور السماوات والأرض ولا نتصور كيف كان نور السماوات والأرض هو أعظم من ذلك فالمهم أن الواجب في هذه الأمور التسليم أن نقول آمنا وصدقنا ولا نتصور شيئا وراء ذلك خذ هذه الصفات وما تقتضيه من المعاني وما فيها من العظمة والجلال واسترح أما أن تكلف نفسك في شيء لم يكلفك الله به بل نهيت عنه في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون ).
الشيخ : حتى في نفس الحديث ينزوي بعضها إلى بعض في نفس الحديث على النار قل أعوذ بك أن تطبع على قلبي. الإنسان والعياذ بالله إذا حرم الخير والنور صار النور في حقه ظلمة وسبب ذلك يا جماعة سبب ذلك كما قال شيخ الاسلام وأنا أقول وأنتم أظنكم تقولونه الإعراض عن الكتاب والسنة والرجوع إلى العقل بهذا الأمر هو الذي دمرهم لو أنهم رجعوا إلى الكتاب والسنة والتزموا بما دل عليه الكتاب والسنة وأعرضوا عما سوى ذلك استراحوا والله ما سأل أبو بكر عن هذا ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا ابن مسعود ولا ابن عباس ولا حذيفة ولا غيرهم كلهم ما سألوا عن هذا وهم لا شك أنهم أعلم بالله من هؤلاء وأتقى لله وحبهم لله أعظم من حب هؤلاء هذا أمر معروف لو أننا سلكنا هذا المسلك استرحنا وأنتم اسلكوه أولا في أنفسكم ثم فيمن سألكم قل له يا أخي اتق الله لا تسأل هذا السؤال هذه بدعة من سأل عنه من الصحابة؟ من سأل؟! وخوفه بالله لا تسأل هذا قل آمنت بالله آمنت أن لله قدما يضعها على النار فينزوي بعضها إلى بعض ولا أقول أكثر من ذلك ثم إن الرب عز وجل كما قال شيخ الاسلام رحمه الله : " ليس من مادة منها مادة الإنسان " الروح مادتها ليست من مادة خلقها الإنسان ليست من النار ولا من النور ولا من الطين ما نعلم مادة الروح التي هي حقيقة الروح وكنهها ليست كطبيعة البدن تختلف اختلافا عظيما مع أنها جسم على القول الراجح لكن جسم لا يشبه الأجسام وهي من مادة أخرى ما نعلم عنها أفهمتم فكيف بالخالق عز وجل الخالق لا تتصور حتى لو أثبت له رجلا على الحقيقة أو قدما على الحقيقة لا تتصور أنها من جنس يدك أو رجلك لا في الحقيقة والكنه ولا بالكيفية ولا بالمثل أبدا شيء لا نعلمه أكبر من عقولنا وأعظم وأنا أخشى أن الشيطان نعوذ بالله منه ونسأل الله أن يعيذكم منه أنا أخشى أن الشيطان يأتي للإنسان ويجعله يتصور أن هذه الرِّجل من حيث الكنه والحقيقة مثل رجل المخلوق بقطع النظر عن الكيفية نقول أن هذا لا يجوز هذا حرام نحن نعلم أن الخالق ليس كالمخلوق في كل شيء (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وأنه جل وعلا نور السماوات والأرض ولا نتصور كيف كان نور السماوات والأرض هو أعظم من ذلك فالمهم أن الواجب في هذه الأمور التسليم أن نقول آمنا وصدقنا ولا نتصور شيئا وراء ذلك خذ هذه الصفات وما تقتضيه من المعاني وما فيها من العظمة والجلال واسترح أما أن تكلف نفسك في شيء لم يكلفك الله به بل نهيت عنه في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون ).
5 - ألا يظهر بأن تأويلهم القدم بالمقدم من أهل النار مردود بأنه في آخر الحديث لما أراد الكلام على إنشاء الخلق صرح به؟ أستمع حفظ
حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ابن جريج عن سليمان عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو من الليل اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن لك الحمد أنت نور السموات والأرض قولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت أنت إلهي لا إله لي غيرك حدثنا ثابت بن محمد حدثنا سفيان بهذا وقال أنت الحق وقولك الحق
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله قال البخاري رحمه الله تعالى :
باب قول الله تعالى : (( هو الذي خلق السماوات والأرض بالحق )) حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان عن جريح عن سليمان عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو من الليل اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن لك الحمد أنت نور السماوات والأرض قولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت أنت إلهي لا إله لي غيرك ) .
باب قول الله تعالى : (( هو الذي خلق السماوات والأرض بالحق )) حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان عن جريح عن سليمان عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو من الليل اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن لك الحمد أنت نور السماوات والأرض قولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت أنت إلهي لا إله لي غيرك ) .
6 - حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ابن جريج عن سليمان عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو من الليل اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن لك الحمد أنت نور السموات والأرض قولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت أنت إلهي لا إله لي غيرك حدثنا ثابت بن محمد حدثنا سفيان بهذا وقال أنت الحق وقولك الحق أستمع حفظ
مراجعة الشيخ ما سبق في الدرس الماضي؟
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم سبق لنا الكلام على خلق السماوات والأرض وبينا أن الله خلق السماوات والأرض خلقهما في ستة أيام بين ذلك مجملا ومفصلا، مفصلا ومجمل طيب هل هذه الأيام كأيام الدنيا ؟ كأيام الدنيا لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنها أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة طيب أيهما أول خلق الحبيب أيهما خلق أولا السماوات أم الأرض. السماوات أولا ما الدليل ؟ يحيى الأرض أولا ما الدليل ؟
الطالب : ... .
الشيخ : كيف نجيب عن قوله تعالى شرافي عن قوله تعالى : (( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها أخرج منها ماءها ومرعاها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها )).
الطالب : أن هذه الآية ليس فيها الخلق إنما فيها الدحو.
الشيخ : في الدحو هذا هو الجمع بين الآيات نعم صحيح.
الشيخ : ما معنى قوله بالحق.
الطالب : ... .
الشيخ : من أجل الحق وغير نحن ذكرنا قولين يعني خلقناهما للحق مثل ما قال الثاني للغاية يعني خلقناهما للحق والملابسة يعني للتأكيد كما لو قلت لك أقول لك هذا بالصدق .
الطالب : ... .
الشيخ : كيف نجيب عن قوله تعالى شرافي عن قوله تعالى : (( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها أخرج منها ماءها ومرعاها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها )).
الطالب : أن هذه الآية ليس فيها الخلق إنما فيها الدحو.
الشيخ : في الدحو هذا هو الجمع بين الآيات نعم صحيح.
الشيخ : ما معنى قوله بالحق.
الطالب : ... .
الشيخ : من أجل الحق وغير نحن ذكرنا قولين يعني خلقناهما للحق مثل ما قال الثاني للغاية يعني خلقناهما للحق والملابسة يعني للتأكيد كما لو قلت لك أقول لك هذا بالصدق .
شرح حديث ابن عباس في دعاء الليل
الشيخ : ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو من الليل ) وذلك إذا قام لصلاة الليل يقول : ( اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض ) فبدأ بحمده ثم قال : ( أنت رب السماوات والأرض ) إذا ربوبيته سبحانه وتعالى مبنية على الحمد والحمد هو وصف المحمود بالكمال مع الحب والتعظيم هذا الحمد وصف المحمود بالكمال مع الحب والتعظيم فإن كرر وصف الكمال سمي ثناء والدليل على هذا قوله تعالى في الحديث القدسي : ( إذ قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي ) وقوله : ( رب السماوات والأرض ) سبق أن معنى الربوبية يدور على ثلاثة أشياء : على الخلق والملك والتدبير فهو خالقهما ومالكهما والمدبر لهما وجمع السماوات باعتبار العدد وأفرد الأرض باعتبار الجنس طيب السماوات سبع بنص القرآن (( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم )) الأرض ليس في القرآن تصريح بأنها سبع لكن فيها ما يدل على ذلك مثل قوله تعالى : (( والله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن )) والمماثلة هنا لم يكن أن تتأتى إلا بالعدد لأن الكيفية والحجم والعظمة لا تماثل بين السماء والأرض فتعين أن يكون المراد مثلهن في العدد والنص صريحة يثبت ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من اقتطع من الأرض شبرا طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين ) ( لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ) أي بك تقوم السماوات والأرض وأنت القيوم عليهن فبه سبحانه وتعالى تقوم السماء والأرض ولا غنى للسماوات والأرض ولا من فيهما عن الله طرفة عين وهو القيم عليها أيضا القيومية هنا إذن تتضمن الايجاد والإعداد والقيامة على الشيء كقوله تعالى : (( الرجال قوامون على النساء )) أي يقومون على النساء ويتولون أمورهن فالله قيم السماوات أي به قامت السماوات والأرض وهو الذي يقوم على السماوات والأرض ويتولى أمر السماوات والأرض قال الله تعالى : (( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره )) هذا أحد المعنيين المعنى الثاني أنه يقوم عليهن ويتولى أمرهن ( قيم السماوات والأرض ومن فيهن لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ) أي بك استنارت السماوات والأرض فلولا أن الله سبحانه وتعالى جعل في السماوات والأرض نورا لم يكن فيهما نورا أو أنه هو نفسه النور وقال إنه نور السماوات والأرض وإن لم يكن في جوف السماوات أو في جوف الأرض كقوله تعالى : (( وجعل القمر فيهن نورا )) ومن المعلوم أن القمر ليس ينير السماوات وإنما ينير الأرض قال : ( ولك الحمد قولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق ) كم هذه سبعة ؟ يمكن أن يقول القائل قولك ووعدك ولقاؤك والجنة والنار والساعة هي سبعة ولا ستة ؟ قولك ووعدك ولقاؤك والجنة والنار والساعة ستة يمكن أن يقول الإنسان هذه الأشياء الستة ويخبر عنها بكلمة واحدة يقول : ( حق ) ولكن مقام الثناء مقام بسط ولكل مقام مقال قولك : الحق الحق من أي وجه ؟ من وجهين لأن قول الله عز وجل : إما أمر وإما خبر فإن كان أمرا وإن شئت فقل إما طلب وإما خبر فإن كان طلبا فهو عدل مشتمل على المصالح وإن كان خبرا فهو صدق وعليه قوله تعالى : (( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا )) وعدك الحق وعد سواء كان وعدا بالمثوبة أو وعدا بالعقوبة فإنه حق ليس فيه كذب ولا بد أن يقع لأن الله لا يخلف الميعاد إلا أن الوعد بالعقوبة إذا لم يكن الإثم شركا تحت المشيئة كقوله تعالى : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ( ولقاؤك حق ) لقاء الله حق قال تعالى : (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )) فلا بد أن تلاقي ربك لابد أن يخلو ربك بك ليس بينك وبينه ترجمان لا بد أن يسألك ويقررك بذنوبك ويقول فعلت كذا في يوم كذا لكن بينك وبينه ثم إذا أقررت واعترفت قال الله تعالى : ( إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أسترها لك اليوم )هكذا يحاسب الله العبد المؤمن يوم القيامة أما الكافر فإنهم لا يقررون هذا التقرير ولكن يخزون يوم القيامة وينادى عليهم على رؤوس الأشهاد (( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين )) ( والجنة حق ) أي صدق وثابت وكذلك النار كلاهما حق وهما الآن موجودتان وهما موجودتان وهما مخلوقتان للأبد مؤبدتان بإجماع أهل السنة إلا أن هناك خلافا يسيرا في أبدية النار ولكن القول بعدم أبديتها ضعيف للغاية لأن الله ذكر أبديتها في ثلاث آيات في القرآن قال الله تعالى : (( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا )) وقال الله تعالى : (( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا )) وقال تعالى : (( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا )) وهذا خبر من الله عز وجل خبر صدق وإذا كانوا خالدين فيها أبدا لزم أن يؤبد المكان الذي خلدوا فيه طيب يقول : ( والساعة حق ) الساعة يعني ساعة القيامة حق لا بد أن يقع لأن الله أخبر وما أخبر الله به فهو حق . ( اللهم لك أسلمت ) الجار والمجرور في قوله : ( لك أسلمت ) معمول مقدم لإفادة الحصر لك أسلمت أي انقدت انقيادا تاما لشرعك ( وبك آمنت ) والإيمان محله القلب فذكر النبي عليه الصلاة والسلام الدين الظاهر والدين الباطن الدين الظاهر بالإسلام والباطن بالإيمان ( وبك آمنت ) معنى الإيمان بالله الإقرار به المتضمن للقبول والإذعان هذا هو الإيمان بالله الإقرار المتضمن للقبول والإذعان أما الإقرار الذي لا يتضمن ذلك فليس فيه إيمان فلا بد من قبول للخبر وإذعان للطلب ولهذا قال أهل السنة إن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان ( وعليك توكلت ) أي اعتمدت اعتمادا تاما معترفا بتقصيري وأفوض أمري إليك وهذا هو الفرق بين التوكل على الإنسان والتوكل على الله التوكل على الإنسان ليس توكل افتقار وتفويض وتوكلي على الله توكل افتقار وتفويض ولو وكلت شخصا يشتري لك حاجة فقد توكلت عليه اعتمدت عليه في شراء الحاجة لكن هل هذا اعتماد افتقار وتفويض مطلق ؟ لا لو شئت لعزلته ولو خالف ما وكلته فيه لضمنته لكن توكلك على الله توكل افتقار وتفويض تفوض الأمر إليه وتسند الأمر إليه وهذا هو الفرق الذي لا يصح إلا لله والتوكل الذي يصح للمخلوق ( وإليك أنبت ) الإنابة بمعنى الرجوع أي إليك رجعت في أموري كلها رجعت من المعصية إلى الطاعة رجعت إليك في تسهيل أموري في رزقي في كل شيء أنبت إليك في كل شيء ( وبك خاصمت ) خاصمت من ؟ كل من يخاصمني فيك فإني أخاصم بك والباء هنا ليست للظرفية ولكنها للاستعانة أي أنك تعينني على خصومتي مع من أخاصمهم ويمكن أن تكون الباء للظرفية ويكون المعنى فيك خاصمت لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يخاصم في الله كما خوصم إبراهيم (( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه )) فعلى هذا نقول الباء يحتمل أن يكون للظرفية بمعنى في ويحتمل أن تكون للاستعانة والفرق بين المعنيين واضح إذا كانت الباء للظرفية صار المعنى أنني أخاصم فيك إذا خاصمني المخاصم وجادلني المجادل في أسمائك وصفاتك خاصمته وإذا كان معنى الاستعانة أنني أستعين بك في خصومتي لغيري وكلا المعنيين صحيح فإذا قال قائل : هل تأتي الباء للظرفية ؟ قلنا نعم ففي القرآن الكريم (( إنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون )) أي وفي الليل ( وبك خاصمت وإليك حاكمت ) يعني حكومتي تنتهي إليك لا أحاكم إلى غيرك فشرعك هو الحكم فأنا أحاكم إليك ولا أتعدى حكمك وهذا تفويض تام لله كونا وقدرا وكل هذه الكلمات والجمل التي تتضمن الثناء على الله كلها وسيلة لما سيأتي قال : ( فاغفر لي ) فالفاء هنا تسمى الفاء الفصيحة ويجوز أن تكون للسببية أي فبسبب ذلك اغفر لي والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه وليس الستر فقط ودليل ذلك أنها مشتقة من المغفر وهو ما يلبس على الرأس أثناء القتال لحماية الرأس من السهام والمغفر يحصل به ستر ووقاية فإذا سألت ربك مغفرة الذنوب فأنت تسأله الأمرين الستر والتجاوز عن عقوبة هذا الذنب ( فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت ) ما في قوله : ( ما قدمت موصولة ) وكذلك في قوله ما أخرت وأسررت وأعلنت معطوفة على الصلة والمعطوف على الصلة يقتضي أن يكون معطوفا على الموصول أيضا والمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل الله أن يغفر له ما قدم وأخر وأسر وأعلن وفي هذه الجمل بسط ظاهر فيها بسط لأنه يغني عنها أن يقول اغفر لي ذنبي لكفى لأن ذنبي مفرد مضاف يشمل كل الذنوب ما أسر وأعلن وقدم وأخر لكن مقام الدعاء يقتضي البسط لماذا لأمور : الأول : وهو أهمها لمن فتح الله على قلبه التلذذ بمناجاة الله عز وجل لأن كل واحد منا لو كان له صديق محبوب إليه أفلا يحب أن يبسط مع القول ويكثر معه القول بلى لا شك تجده إذا جلس إلى صديقه الذي يحبه وقام يتحدثان تمضي الساعات الطويلة وكأنها دقائق حتى أن بعض الناس بعض الأصدقاء يشيع صديقه إلى بيته تعرفون التشييع يعني يمشي معه إلى البيت يتحدثان ويمشيان رويدا رويدا فإذا وصل إلى بيته انقلب فشيعه الآخر وهكذا دواليك ربما يطلع الفجر إن كانا في الليل وهما على هذا الحال وهذا أمر مشاهد ومعروف أن الإنسان يحب أن يبسط القول مع من يحب هذه واحدة والشيء الثاني الدعاء عبادة وكلما كررت ازددت لله تعبدا فيزداد أجرك بازدياد جمل الدعاء الشيء الثالث أن البسط والتفصيل يوجب يوجب تذكر الإنسان كل هذه الأنواع الذي بسطها وبينها وفسرها واستحضار الإنسان لذنوبه تفصيلا أكمل في التوبة لأن التوبة المجملة ما تستوعب جميع الذنوب استحضارا وإن كانت تستوعب جميع الذنوب لفظا ومدلولا لكن استحضارا لا فلو قلت اللهم اغفر ذنبي كله وأنت فعلت ذنوبا قد تكون أكبر مما تتصوره الآن لكن غابت عن بالك فإذا ذكرت وفصلت كان هذا أبلغ في التوبة لأن الدلالة على تعيين الأفراد أقوى من الدلالة على العموم طيب هذه ثلاث فوائد في البسط.
فوائد مستنبطة من شرح الحديث
الشيخ : ويستفاد من هذا الحديث علو مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة حيث أثنى على ربه هذا الثناء العظيم بهذا التفصيل العظيم مع أنه عليه صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ويستفاد منه أن للرسول صلى الله عليه وسلم ذنوبا لقوله : ( اغفر لي ما قدمت وما أخرت ) وأصرح من ذلك قول الله تبارك وتعالى : (( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا )) وأصرح من ذلك : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )) وبهذا يبطل قول من يقول أن استغفار الرسول لذنبه استغفار لذنوب أمته وليس استغفارا لذنبه نقول سبحان الله هل أنت أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم برسول الله يعني هل أنت أعلم برسول الله من رسول الله ؟ لا ليس أعلم رسول الله أعلم بنفسه وهو يقول : ( اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وسره وعلانيته وأوله وآخره ) ثم نقول كيف يستقيم هذا القول والله تعالى يقول : (( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا )) فجملة هذه الأوصاف لموصوف واحد فهل هذه أوصاف للأمة ثم كيف يستقيم ذلك والله تعالى يقول : (( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )) كيف يستقيم هذا ؟ لكن الفرق بين الرسول والأمة من حيث الذنب أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على الذنب والأمة تقر عليه ومعنى تقر يعني قدرا لا شرعا أما شرعا فلا أحد يقر على الذنب لكن قدرا الأمة تقر على الذنب لكن الرسول لا يقر كيف لا يقر لأنه عليه الصلاة والسلام لا بد أن ينتبه أو ينبه فيستغفر فالإنسان إذا استغفر بعد الذنب فقد تكون حاله أكمل من حاله قبل فعل الذنب أن الأمة فقد تقر شرعا وقدرا على الذنب أما الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه لا يقر بل إما أن ينتبه أو ينبهه الله عز وجل وانظر إلى قوله تعالى : (( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين )) فبدأ بالعفو قبل ذكر المخالفة عفا الله عنك ولا عفو إلا عن خطيئة لما(( أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين )) سبحان الله هذا تعليم من الله عز وجل يعلم نبيه ولنا أن لا نتعجل في الحكم على الشيء حتى تتبين (( حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين )) وهذا ينطبق تماما على ضد حالنا اليوم عليها وعلى ضدها ؟ لا الفعل الواقع من الرسول عليها لكن التنبيه والتأديب على ضدها يعني نحن الآن نسمع الكلمة ثم نطير بها في الآفاق دون أن نتبين والله عز وجل يقول لرسوله : (( عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين )).
اضيفت في - 2005-01-13