تفسير قول الله تعالى : [ اذهب إلى فرعون إنه طغى ] إلى قوله تعالى: [ ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها ].
أما بعد:
فإن هذا القاء هو اللقاء الرابع من هذا الشهر، شهر جمادى الآخرة، عام ثلاثة عشر وأربعمائة وألف، في يوم الخميس الثالث والعشرين من هذا الشهر، نسأل الله تعالى أن يجعله لقاء مباركًا نافعًا.
في مبدأ لقائنا هذا نتكلم عن بقية الآيات في سورة النازعات، عند قوله تعالى مخاطباً موسى صلى الله عليه وسلم: (( اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى )) فأمر الله نبيه موسى أن يذهب إلى فرعون، وهذا هو الرسالة، وبيَّن سبب ذلك وهو طغيان هذا الرجل -أعني: فرعون-، وفي سورة طه قال: (( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى )): ولا منافاة بين الآيتين، وذلك أن الله تعالى أرسل موسى أولاً، ثم طلب موسى صلى الله عليه وسلم من ربه أن يشد أزره بأخيه هارون، فأرسل هارون مع موسى، فصار موسى وهارون كلاهما مرسلٌ إلى فرعون.
وقوله تعالى: (( إِنَّهُ طَغَى )) أي: زاد على حده، لأن الطغيان هو الزيادة، ومنه قوله تعالى: (( إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ )) طغا، أي: زاد، ومنه الطاغوت، لأن فيه مجاوزة الحد، فهنا يقول عز وجل: (( إِنَّهُ طَغَى )).
(( فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى )): الاستفهام هنا للتشويق، تشويق فرعون أن يتزكى مما هو عليه من الشر والفساد.
وأصل الزكاة: النمو والزيادة، وتطلق بمعنى: الإسلام والتوحيد، ومنه قوله تعالى: (( فوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ )) ومنه قوله تعالى: (( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )).
(( هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فتخشى )) أي: أدلك إلى دين الله عز وجل الموصل إلى الله.
(( فتخشى )) أي: تخاف الله على علم منك، لأن الخشية هي: الخوف المقرون بالعلم، فإن لم يكن علم فهو خوف مجرد، وهذا هو الفرق بين الخشية والخوف،
الفرق بينهما: أن الخشية عن علم، قال الله تعالى: (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ))، وأما الخوف فهو خوف مجرد، ذعرٌ يحصل للإنسان ولو بلا علم، ولهذا قد يخاف الإنسان من شيء يتوهمه، قد يرى في الليلة الظلماء شبحاً لا حقيقة له فيخاف منه، فهذا ذعر مبني على وهم، لكن الخشية تكون عن علم.
(( وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى )) أي: فذهب موسى عليه الصلاة والسلام وقال لفرعون ما أمره الله به: (( هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى )): ولما كان البشر لا يؤمنون ولا يقبلون دعوى شخص أنه رسول إلا بآية كما هو ظاهر، الإنسان لا يقبل من أحد دعوى إلا ببينة، جعل الله سبحانه وتعالى مع كل رسولٍ آية تدل على صدقه، وهنا قال: (( فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى )) يعني: أرى موسى فرعون الآية الكبرى، فما هي هذه الآية؟
الآية أن معه عصًا من خشب من فروع الشجر كما هو معروف، كان إذا وضعها في الأرض صارت حية تسعى، ثم يحملها فتعود عصا، وهذا من آيات الله، أن شيئاً جماداً إذا وضع على الأرض صار حية تسعى، وإذا حُمل من الأرض عاد في الحال فورًا إلى حاله الأولى، وهي أنه عصا من جملة العصيان، (( فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى )) .
وإنما بعثه عليه الصلاة والسلام بهذه الآية وبكونه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، أي: من غير عيب، أي: بيضاء بياضاً ليس بياض البرص لكنه بياضٌ جعله الله آية، إنما بعثه الله بذلك -بالعصا واليد- لأنه كان في زمن موسى السحرُ منتشراً شائعاً، فأرسله الله عز وجل بشيءٍ يشبه السحر لكنه ليس بسحر حقيقة، من أجل أن يغلب السحرة الذين تصدوا لموسى عليه الصلاة والسلام.
قال أهل العلم: وفي عهد عيسى صلى الله عليه وآله وسلم انتشر الطب انتشاراً عظيماً، فجاء عيسى بأمرٍ يُعجز الأطباء، وهو أنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، إذا جيء إليه بشخص فيه عاهة -أي عاهة تكون- مسحه بيده ثم برأ بإذن الله، يُبرئ الأكمه والأبرص مع أن البرص لا دواء له، لكن هو يُبرئ الأبرص بإذن الله عز وجل، ويبرئ الأكمه الذي خُلق بلا عيون يبرئه.
أشد من هذا وأعظم أنه يحيي الموتى بإذن الله، يؤتى إليه بالميت فيتكلم معه ثم تعود إليه الحياة.
وأشد من ذلك وأبلغ أنه يخرج الموتى بإذن الله، يخرجهم من أي مكان؟
من قبورهم، يقف على القبر وينادي صاحب القبر فيخرج من القبر حياً، هذا شيء لا يمكن لأي طب أن يبلغه، ولهذا كانت آية عيسى في هذا الوقت مناسبة تماماً لما كان عليه الناس.
قال أهل العلم: أما رسولُ الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد أتى إلى العرب وهم يتفاخرون في الفصاحة ويرون أن الفصاحة أعظم منقبة للإنسان، فجاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا القرآن العظيم الذي أعجز أمراء الفصاحة، وعجزوا عن أن يأتوا بمثله، قال الله تعالى: (( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )) يعني: ولو كان بعضهم يعاون بعضاً فإنهم لن يأتوا بمثله.
حينئذ نقول: إن موسى صلى الله عليه وسلم أرى فرعون الآية الكبرى، ولكن هل انتفع بالآيات؟
لا، (( وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ))، (( إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ )): فالذين ليس في قلوبهم استعداد للهداية لا يهتدون ولو جاءت كل آية -والعياذ بالله-.
ولهذا قال: (( فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى )) : كذب الخبر وعصى الأمر، يعني قال لموسى: إنك لست رسولاً، بل قال: (( إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ )) وعصى الأمر فلم يمتثل أمر موسى ولم ينقد لشرعه.
(( ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى )): أدبر أي: تولى مدبراً يسعى حثيثاً.
(( فَحَشَرَ فَنَادَى )): حشر الناس، أي: جمعهم ونادى فيهم بصوتٍ مرتفع ليكون ذلك أبلغ في نهيهم وصدهم عما يريد منهم موسى عليه الصلاة والسلام.
(( فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى )) والعياذ بالله، قال لقومه: أنا ربكم الأعلى، يعني: لا أحد فوقي، لأن الأعلى هذه اسم تفضيل من العلو، فانظر كيف استكبر هذا الرجل وادَّعى لنفسه ما ليس له في قوله: (( أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى )).
وكان يفتخر بالأنهار والملك الواسع، يقول لقومه فيما قال لهم، لأنه قال لهم أقوالًا كثيرة: (( يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ )) فما الذي حصل؟
أغرقه الله عز وجل بالماء الذي كان يفتخر به، وأورث الله ملك مصر بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم، قال الله تعالى: (( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى )): أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، نكال الآخرة والأولى، يعني: أنه نكَّل به في الآخرة وفي الأولى، فكان عبرة في زمنه وعبرة فيما بعد زمنه إلى يوم القيامة، كل من قرأ كتاب الله وقرأ ما صنع الله بفرعون فإنه يتخذ ذلك عبرة يعتبر به.
وكيف أهلكه الله مع هذا الملك العظيم، وهذا الجبروت، وهذا الطغيان فصار أهون على الله تعالى من كل هين.
يقول عز وجل: (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى )) إن في ذلك أي: فيما جرى من إرسال موسى إلى فرعون ومحاورته إياه واستهتار فرعون به واستكباره عن الانقياد له عِبرة، عبرة لمن يخشى: أي: يخشى الله عز وجل.
فمن كان عنده خشية من الله وتدبر ما حصل لموسى مع فرعون والنتيجة التي كانت لهذا ولهذا، فإنه يعتبر يأخذ من ذلك عبرة، والعبر في قصة موسى كثيرة، ولو أنَّ أحدًا منكم انتدب ليجمع القصة من الآيات في كل سورة، ثم يستنتج ما حصل في هذه القصة من العبر لكان جيدًا، فهل منكم أحد يقوم بذلك؟
الطالب : بعد أربعة أيام إن شاء الله؟
الشيخ : نعم لك خمسة عشر يومًا.
الطالب : بعد الخمسة عشر، في العطلة إن شاء الله.
الشيخ : في الإجازة؟ على كل حال إذا وجدنا أحدًا قبلك فهو أحسن، وإلا فهو لك، طيب الذي يأتي الأول فهو السابق.
الطالب : يأتي بالعبارة يا شيخ ؟
الشيخ : يعني يأتي بالقصة كلها في كل الآيات، لأن السور في بعضها شيء ليس في البعض الآخر، فإذا جمعها وقال مثلًا: يؤخذ من هذه القصة العظيمة العبر التالية، ثم يسردها، يعني ما هو لازم الأحكام الشرعية الفقهية، هذه ما أريدها منكم، لأن هذه يمكن تطول، لكن العبر، كيف أرسله الله عز وجل إلى فرعون؟ كيف قال: (( فقولا له قولًا لينًا )) مع أنه مستكبر خبيث؟ وكيف كانت النتيجة؟ وكيف كان موسى عليه الصلاة والسلام خرج من مصر خائفًا على نفسه يترقب، كما خرج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة يترقب، وصارت النتيجة العاقبة للرسول عليه الصلاة والسلام، ولموسى، لكن العاقبة للرسول بفعل الرسول وأصحابه، عذَّب الله أعداءهم بأيديهم، وعاقبة موسى بفعل الله عز وجل، يعني: يأتي الإنسان بعبر من هذا، ما أريد أحكامًا فقهية، لا، أريد عبر يعتبر بها الإنسان يسر بها نفسه وقلبه حتى يتبين الأمر.
الطالب : نذكر كلام العلماء؟
الشيخ : على كل حال ذكر كلام العلماء طيب، لأن كلام العلماء يستعان به على فهم المعنى والقضية.
ونقف على قوله تعالى: (( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا ))، وأظن تكلمنا عليها، لكن التكرار لا بأس به إذا كان فيه فائدة، وإلى هنا تنتهي هذه الكلمات التي أسأل الله عز وجل أن يجعلها خالصة له ونافعة لنا جميعاً، ونبدأ الآن بالأسئلة، في سؤال عندك؟
السائل : لا ، فقط أستمع.
الشيخ : بارك الله فيك ، أجل استمع إن شاء الله تنتفع.
السائل : بارك الله فيك.
الشيخ : الله يحييك.
1 - تفسير قول الله تعالى : [ اذهب إلى فرعون إنه طغى ] إلى قوله تعالى: [ ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها ]. أستمع حفظ
كلف الله موسى عليه السلام على ضعف قوته وقوة فرعون بتبليغه ألا يدل على النصيحة لله مهما بلغ الإنسان من العلم.؟
الشيخ : على إيش؟
السائل : على النصيحة في الله وتبليغ ما بلغ الإنسان من العلم؟
الشيخ : لا شك أن الله سبحانه وتعالى لما أرسل موسى إلى فرعون وموسى ليس معه إلا أخاه هارون، وفرعون معه كل جنوده، أنَّ هذا يدل على أن المنصور من نصره الله، وكيف لا يكون النصر لموسى وهارون وقد قال الله سبحانه وتعالى له لما قال: (( قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى )) قال: (( قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ))، فالذي معه الله لا يخاف، لا بد أن يكون منصوراً، ولذلك لما قال أبو بكر للنبي عليه الصلاة والسلام وهما في الغار: ( يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا، قال: يا أبا بكر! لا تحزن إن الله معنا، فما ظنك باثنين الله ثالثهما ) هل أحد يضرهما؟ أبداً.
2 - كلف الله موسى عليه السلام على ضعف قوته وقوة فرعون بتبليغه ألا يدل على النصيحة لله مهما بلغ الإنسان من العلم.؟ أستمع حفظ
التنبيه على عدم صحة قصة العنكبوت التي نسجت على الغار.
ما رأيك في هذا البيت: أما لنا بعد هذا الذل معتصم يجيب صرخة مظلوم وينتصر أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا وقد تكالب في استعبادنا الغجر.؟
فضيلة الشيخ في الأسبوع قبل الماضي كان لكم فتوى في هذين البيتين: وقد قمت باستئذان صاحب السؤال، وكان لكم توقف فيهما:
" أما لنا بعد هذا الذل معتصم *** يجيب صرخة مظلوم وينتصر
أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا *** وقد تكالب على استعبادنا الغجر "؟
الشيخ : إي نعم، هذان البيتان:
" أما لنا بعد هذا الذل معتصِم *** يجيب صرخة مظلوم وينتصر " :
إذا كان يريد بالمعتصم شخص المعتصم فهذا شرك أكبر، لأنه دعا ميتاً، ودعاء الأموات شرك، قال الله تبارك وتعالى: (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ )) وقال تعالى: (( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ )) فجعل الله ذلك كفراً، أما إذا كان لا يريد المعتصم نفسه إنما أراد أن يهيئ الله لنا قائداً عظيماً بطلاً كـالمعتصم فإن هذا لا بأس به، ولكن ينهى عن إطلاق هذا اللفظ على هذا الوجه، لأنه يوهم أننا ندعو من؟ المعتصم نفسه، وما أوهم الباطل فإنه ينبغي التحرز منه.
أما الثاني يقول: اما لنا بعد، فيه انكسار البيت.
" أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا *** وقد تكالب على استعبادنا الغجر ":
هذا أيضاً يقال فيه كالأول، إذا كان يريد صلاح الدين نفسه فهذا أيضاً كفر، لأن صلاح الدين لا يعصم، صلاح الدين ميت لا يعصم أحداً، وإن أراد بذلك -ولا أظن أنه يصح أن يريد بذلك- أن الله يأتي لنا برجل مثل صلاح الدين، لأنه قال:
" أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا " : والبيت فيه شيء من الركاكة.
لكن على كل حال قد يكون هذا البيت بالنسبة للبيت الذي قبله أهون، لأنه كأنه يريد يقول: ليس لنا أحد بعد صلاح الدين يعصمنا، فيقال له: إن هذا الإطلاق فيه نظر، لأن الذي يعصمك من الشر هو الله عز وجل قبل صلاح الدين وبعد صلاح الدين، ثم إن صلاح الدين ليس أعظم قائدٍ في الأمة الإسلامية، أعظم قائد في الأمة الإسلامية رسولُ الله عليه الصلاة والسلام، ثم من تلاه من الخلفاء والقواد المسلمين كـخالد بن الوليد وغيره، فليس صلاح الدين هو أعظم قائد.
وعلى كل حال مثل هذه الأبيات يجب على الإنسان أن يتحرز منها وألا يذكرها إلا مقرونةً ببيان أنها ليست بشيء، وأن إطلاقها لا يجوز.
4 - ما رأيك في هذا البيت: أما لنا بعد هذا الذل معتصم يجيب صرخة مظلوم وينتصر أما لنا بعد صلاح الدين يعصمنا وقد تكالب في استعبادنا الغجر.؟ أستمع حفظ
شاب وقف يسار الإمام جهلا فجاء مسبوق فجر الإمام إلى الخلف لأنه ظنه المأموم فما الحكم.؟
فضيلة الشيخ شاب دخل المسجد وكان هناك رجل يصلي، فأراد أن يأتم به، وما يعرف أين موقف المأموم إذا كانا اثنان تحير يقف يمينه أو يساره، ولكنه وقف عن يساره، جاء ثالث يعرف، فنزع الإمام الأول وأخره، فظل هذا الأول المأموم يصلي إمامًا، وسألني مرة، قلت: أنا أعرف إن نية الإمام الذي على الصحيح، لكن تحيرت؟
الشيخ : طيب لما قدم الأيسر ظنًّا من أنه الإمام الإمام الأول هل قلب نيته إلى ائتمام أو ماذا صنع؟ ولا استمر على أنه إمام؟
السائل : يقول صلينا وطلعنا.
الشيخ : على كل حال هذا الذي حصل منهم لا شك أنه صدر عن جهل، والجهل في مثل هذه الأمور يُعفى عنه، وبذلك تكون صلاة الجميع صحيحة، لكن لو فرض أنه لم يأتهم ثالث وأنهم استمروا على صلاتهم المأموم على اليسار والإمام على اليمين، فالصلاة صحيحة، لأنها أيضاً صادرة عن جهل، لأن السنة فيما إذا كان إمام ومأموم أن يكون الإمام عن يسار المأموم والمأموم عن يمين الإمام، هذه هي السنة.
فلو أن أحدًا على عكس ذلك فصلاتهما صحيحة، لكن يبلغ فما بعد أن السنة أن يكون المأموم الواحد على يمين الإمام، وفي هذه الحال يكون وقوفهما متساوياً، ولا يكون الإمام متقدماً على المأموم، لأنهما الآن صف واحد، والصف الواحد يكون متساوياً.
وإذا جاء الثالث فإن من الناس من يشكل عليه هل يدفع الإمام ويؤخر المأموم أو يكبر أولاً ثم يجذب المأموم؟
فنقول: أخر المأموم، ثم إذا استوى في مكانه كبر أنت، أو نقول: قدم الإمام فإذا استويت مع المأموم كبر، لأنه أحياناً يكون تقديم الإمام أسهل كما لو كان الذي أمامه واسعاً، وأحياناً يكون تأخير المأموم أسهل كما لو كان المكان الذي أمامهم ضيقاً والذي خلفهم واسعاً، المهم لا فرق بين أن يقدم الإمام أو يؤخر المأموم.
السائل : ما المحذور إذا كان ذلك على علم وغير نيته وصار الإمام؟
الشيخ : المحذور هنا أن الإمام ربما يستمر على نية الإمامة مع أنه صار مأموماً، أما التحول من الإمامة إلى المأموم فهذا لا بأس به، فقد تحول أبو بكر رضي الله عنه من كونه إماماً إلى كونه مأموماً لما كان يصلي بالناس فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ففي أثناء الصلاة تأخر أبو بكر وصار مأموماً والنبي صلى الله عليه وسلم إماماً.
السائل : هل من سؤال ثاني؟
الشيخ : السؤال الثاني بعدين إن شاء الله.
أمر الله موسى باللين ومع ذلك نجد في كلامه مع فرعون شدة مثل قوله تعالى عنه "وإني لأظنك يا فرعون مثبورا " فكيف الجمع.؟
الشيخ : الجمع بينهما أنه خاطبه باللين أولاً، أول ما خاطبه باللين، فلما طغى وشمخ وارتفع كان حقه أن يهان، وهذا من التدرج في الدعوة إلى الله بالحكمة، تتكلم مع المدعو أولاً باللين والسهولة، فإذا أصر وعاند ليس جزاؤه إلا أن يغلظ عليه.
6 - أمر الله موسى باللين ومع ذلك نجد في كلامه مع فرعون شدة مثل قوله تعالى عنه "وإني لأظنك يا فرعون مثبورا " فكيف الجمع.؟ أستمع حفظ
إذا أراد طالب العلم دراسة الكتب الستة فهل يقرأها فقط أم مع شروحها.؟
الشيخ : قراءة كتب الحديث بارك الله فيك قسمان:
قراءة يتوصل بها الإنسان إلى صحة الحديث وعدم صحته، وهذه تعتمد على معرفة أحوال الرواة وتاريخ حياتهم، معرفة أحوالهم لأجل أن يعرف من هو المقبول ومن هو الذي لا يقبل، ومعرفة تاريخهم ليعرف هل السند منقطع أو غير منقطع، فمثلاً: إذا قال شخصٌ: عن فلان، وقد علمنا أن الذي روى عنه ولد بعد موته عرفنا أن السند منقطع، فلا بد من معرفة تاريخ الرواة، ولا بد أيضاً من معرفة ثبوت لقائه ممن روى عنه أو لا، لأنه قد يدلس فيروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه.
فالذي يطلب علم الحديث على هذا النحو لا بد أن يقرأ الكتب الستة بأسانيدها ويبحث عن رجالها، ونحن نعلم أن العلماء مختلفون اختلافاً كثيراً في الرجال، فتجد هذا الرجل مثلاً المحدث يقول عنه الإمام أحمد: إنه ثقة، ويقول عنه يحيي بن معين: إنه منكر الحديث مثلاً، ويقول الثالث: إنه متروك.
وهذه المسألة قد تحير طالب العلم، فما موقفه إذا رأى الحفاظ الأئمة تكلموا في هذا الرجل كلاماً متبايناً؟
ننظر إلى متن الحديث، قد يكون متن الحديث شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة، فنعرف أن الذين تكلموا عن هذا الرجل بالقدح أصوب من الذين تكلموا عنه بالتعديل، لأن حديثه منكر، بل ربما يأتي الحديث صحيح السند من حيث رجاله ومن حيث اتصال السند، لكن يكون المتن منكراً أو شاذاً، قد يكون شاذاً لمخالفته للأحاديث الصحيحة فيرد.
فالحاصل أن الذي يطلب علم الحديث من أجل إثبات الحديث هذا يجب أن يعتني بالرجال وتاريخ حياتهم وكلام الناس فيهم.
أما الذي يطلب الحديث من أجل فقه الحديث فهذا له طريق آخر لا يلزمه مثل ما يلزم الأول، بل ربما يكتفي بالحديث متناً، فإذا كان في صحيح البخاري وصحيح مسلم فالنفس مطمئنة إليه، وإذا كان في غيرهما يكفيه أن يقول مثلاً صححه فلان أو صححه فلان من الحفاظ المعتمدين، وإن لم يراجع السند.
وأهم شيء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية أهم شيء فقه النص ومعرفته وما يُستنبط منه وما يترتب عليه لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( رُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، ورُبَّ حامل فقه غير فقيه ) و ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) .
السائل : إذاً لا بد أن يبدأ طالب علم الحديث أول ما يبدأ بدراسة كتب المصطلح والرجال هذا القسم الأول؟
الشيخ : نعم، لا بد أن يكون عنده علم بالمصطلح إذا كان يريده على الوجه الأول.
السائل : والوجه الثاني؟
الشيخ : الوجه الثاني ليس بلازم، لأنه يكتفي -مثلاً- إذا قال: صححه الحافظ ابن حجر، صححه فلان من الأئمة العلماء المحدثين الموثوقين فهذا كافي، لا يذهب ينظر -مثلاً- في السند ولا في رجال السند.
السائل : والاستنباطات من الحديث والفوائد؟
الشيخ : الاستنباطات قد يكون الإنسان في الاستنباطات ضعيفاً مع قوته في التخريج، ولهذا تجد فرقاً بين الفقهاء واستنباطهم الأحكام من الحديث وبين المحدثين.
بعض المؤذنين يؤخرون الأذان دقيقة أو دقيقتين في أغلب الأوقات ولا يتقيدون بتقويم أم القرى ويقولون نضع زيادة للحرص فما صحة هذا العمل.؟
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل : يلاحظ على بعض المؤذنين أنهم يؤخرون الأذان دقيقة إلى دقيقتين في أغلب الأوقات وخاصة الفجر والمغرب، وإذا سألتهم لماذا لا تتقيدون بتقويم أم القرى، قالوا: نحن نضع هذا زيادة في الحرص، فهل عملهم هذا صحيح يا شيخ؟
الشيخ : لا مانع من الاحتياط بدقيقة أو دقيقتين خصوصاً الفجر، الفجر تقويم أم القرى فيه تقديم خمس دقائق، ولهذا يجب التحرز في هذه المسألة، أن الإنسان ينتظر خمس دقائق قبل أن يصلي، أما المؤذنون فكما تعرفون منهم من يؤذن على توقيت أم القرى، ومنهم من يتقدم عليه ومنهم من يتأخر عنه كثيراً.
8 - بعض المؤذنين يؤخرون الأذان دقيقة أو دقيقتين في أغلب الأوقات ولا يتقيدون بتقويم أم القرى ويقولون نضع زيادة للحرص فما صحة هذا العمل.؟ أستمع حفظ
ما الذي يجب علينا تجاه السيرة وقد دخل فيها الكثير من الضعيف والذي جرى بين الصحابة.؟
فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل : منذ قليل يا شيخ ذكرت قصة العنكبوت وقصة الحمامة أنها غير صحيحة في حمايتها للرسول وصاحبه أبي بكر، ولكن يا شيخ كتب السيرة تكتب هذا وغيره من القصص المختلقة الكاذبة سواء في الرسول صلى الله عليه وسلم أو في الخلاف الذي وقع بين علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان، وأعداء الإسلام حاولوا الدخول علينا وعلى الإسلام من القرآن ولكن حفظه الله، وعن طريق السنة، وقد جعل الله من يقوم بتمييز الصحيح من الضعيف، ولكن يا شيخ بعض كتب السيرة مما عرفت في دراستي في الجامعة أنه يوجد كتب قد تكلمت على الصحابة، والسؤال يا شيخ: ما الذي يجب علينا تجاه السيرة؟
الشيخ : السيرة: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الخلفاء تحتاج إلى تنقيح بلا شك، لأن التاريخ يدخله الهوى، يدخله الهوى، فمن غَلب رُفع ومن غُلب هُضم، ونحن نضرب لكم مثلًا بالرؤساء الذين تعاقبوا على الدول العربية، إذا هلك الإنسان منهم محي وطوي قيده، وإذا كان موجوداً جعل الرئيس الأعلى الذي ليس فوقه أحد، ويكتب هذا ويبقى، فتجد مثلاً الذين لهم هوى في خلفاء بني أمية يمدحون هؤلاء الخلفاء مدحاً عظيماً، والذين هم على ضد ذلك يذمونهم ذماً عظيماً، ولهذا لا شك أن السيرة تحتاج إلى تحقيق وتحرير ليتبين الضعيف منها من القوي، وأنا إلى الآن ما وجدت أحداً فعل ذلك، إلا شيئاً يخفى عليَّ لا أدري، لكن في السيرة ما هو ثابت في البخاري وصحيح مسلم هذا يعتمد.
بعض الكتب وصفت أبا موسى الأشعري رضي الله عنه بالغباء في حادثة التحكيم فما رأيكم.؟
الشيخ : هو نفس الشيء، أيضاً يتكلمون عن غير أبي موسى ممن هو أفضل من أبي موسى الأشعري في هذه المسائل.
ولهذا مسألة السياسة مشكلة، الآن لو ذهبت إلى بعض كتب التاريخ التي كتبها المؤرخون الذين يميلون إلى آل البيت وجدت عجباً، ولو قرأت في كتب التاريخ التي تميل إلى بني أمية لوجدت عجباً، لكن كما قلت لك: لا بد أن يكون المستند صحيحاً.
سمعت أن النذر المباح لا يجب فيه القضاء بل تجوز فيه الكفارة ويجوز أن يقضيه فهل هذا صحيح.؟
فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل : مما درست أن هناك أنواعاً للنذر: فهناك نذر واجب، ونذر طاعة، ونذر مباح، ونذر معصية، وسمعت أن النذر المباح لا يجب القضاء فيه بل يجوز الكفارة، ويجوز أن يقضيه فكيف؟
الشيخ : ماهو النذر المباح الذي فهمت؟
السائل : مثلاً: يقول عليَّ نذر أن أقرأ كتاب كذا؟
الشيخ : إي نعم، أو أبيع سيارتي، أو أشتري الثوب الفلاني، النذر المباح حكمه حكم اليمين، فإذا قال: لله عليَّ نذر أن أبيع سيارتي، أو لله عليَّ نذر أن أشتري سيارة فلان، أو لله عليّ نذر أن أشتري البيت الفلاني، قلنا له: أنت الآن بالخيار، إن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعله وكفر كفارة يمين، لأن هذا نذر مباح، ونذر الطاعة أن يقول: لله عليَّ نذر أن أصوم غداً يعني: يوم الاثنين، نذر المعصية أن يقول: لله عليَّ نذر أن أهجر فلاناً وهو لا يستحق الهجر.
السائل : رجل نذر أن يشتري لوالدته مثلاً كذا وكذا، هذا من أي الأنواع؟
الشيخ : هذا من أنواع نذر الطاعة، إذا كان هذا مما يسر الأم، أو تحتاجه الأم، لأنه حينئذ يدخل في البر، وبر الوالدين من الطاعة فيلزمه أن يشتري ذلك لها إلا إذا قالت: لا أريده، فإذا قالت: لا أريده فإنه لا يلزمه أن يشتريه، وفي هذه الحالة ينبغي أن يكفر كفارة يمين.
11 - سمعت أن النذر المباح لا يجب فيه القضاء بل تجوز فيه الكفارة ويجوز أن يقضيه فهل هذا صحيح.؟ أستمع حفظ
ما هو الضابط في استخدام الجلود وشرائها.؟
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل : سؤالي يا شيخ حول الجلوم، فنريد أن توضح لنا حفظك الله ما هو الضابط في استخدام الجلود.
الشيخ : الجلود؟
السائل : إي نعم.
الشيخ : جلود إيش؟
السائل : جلود الحيوانات بصفة عامة، لأنه يوجد في الأسواق الآن بعض الأشياء المصنوعة من الجلود والإنسان يتحرج ويسأله كثيرًا من الناس، هل يجوز استخدام أو شراء مثل هذه الأمور يا شيخ، فريد أن توضح لنا حفظك الله ما هو الضابط في استخدامها؟
الشيخ : من المعلوم أن الجلود الموجودة في السوق هي جلود مدبوغة، والجلود المدبوغة عند كثير من العلماء طاهرة، حتى وإن كانت من حيوان نجس فهي طاهرة، والصحيح أنها ليست بطاهرة إذا كانت من حيوان نجس، لأن نجس العين لا يطهر ولو غُسل بماء البحر، أما إذا كانت الجلود مما هو مباح الأكل ولكن لا تدري أنت هل هي جلود مذبوحة أو ميتة فلا يهمنك، لأنه حتى ولو كانت جلود ميتة أو جلود حيوانٍ مذبوح على غير الطريقة الإسلامية فإنها إذا دُبغت تكون طاهرة مثل بعض الفراء تكون مبطنة بجلد من جلود الضأن الصغار فنقول: البسها ولا حرج عليك، حتى لو فُرض أنها من ميتة أو فرض أنها مما ذكي ذكاة غير شرعية، لأنه إذا دبغ فإنه يطهر قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أيما إهاب دبغ فقط طهر )، ومر بشاة يجرونها ميتة لـ ميمونة، فقال: ( هلا أخذتم إهابها قالوا: يا رسول الله! إنها ميتة، قال: إذا دبغ الإهاب فقط طهر ) .
هل كل ما لا يؤكل لحمه يعتبر نجسا.؟
الشيخ : إي نعم، كل ما لا يؤكل فهو نجس إذا مات، أما في الحياة ففيه تفصيل، الهرة وشبهها طاهرة إلا بولها وعذرتها ودمها أيضًا، وأما السباع التي ليست مما يطوف علينا ويكثر ترددها علينا فهي نجسة.