سلسلة لقاء الباب المفتوح-021a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة لقاء الباب المفتوح
تفسير قول الله تعالى : [ إذا الشمس كورت ].
الشيخ : قال الله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم (( إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت )) .
قوله تعالى : (( إذا الشمس كورت )) هذا يكون يوم القيامة ، والتكوير : جمع الشيء بعضه إلى بعض ولفه كما تُكوَّر العمامة على الرأس . والشمس كتلة عظيمة كبيرة واسعة في يوم القيامة يكورها الله عز جل فيلفها جميعًا ويطوي بعضها على بعض فيذهب نورها ، ويلقيها في النار عز وجل إغاظة للذين يعبدونها من دون الله ، قال الله تبارك وتعالى (( إنكم وما تعبدون من دون الله حَصَب جهنم )) أي تُحصَبون في جهنم (( أنتم لها واردون )) .
ويستثنى من ذلك من عبد من دون الله من أولياء الله فإنه لا يلقى في النار كما قال الله تعالى بعد هذه الآية : (( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون )) (( إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت )) انكدرت : يعني تساقطت كما يفسره الآيات الثانية : (( وإذا النجوم انتثرت )) فالنجوم يوم القيامة تتناثر وتزول عن أماكنها .
(( وإذا الجبال سيرت )) : فإن هذه الجبال العظيمة الصلبة العالية الرفيعة تكون هباءً يوم القيامة وتُسيَّر كما قال الله تعالى (( وسيرت الجبال فكانت سرابًا )) .
(( وإذا العشار عطلت )) العشار : جمع عُشَرَاء وهي الناقة الحامل التي تم لحملها عشرة أشهر وهي من أنفس الأموال عند العرب ، وتجد صاحبها يرقبها ويلاحظها ويعتني بها ويأوي إليها ، ويَحف بها في الدنيا .
لكن في الآخرة تعطل ولا يلتفت إليها لأن الإنسان في شأن عظيم مزعج ينسيه كل شيء كما قال الله تبارك وتعالى : (( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )) .
(( وإذا الوحوش حشرت )) الوحوش : جمع وحش والمراد بها جميع الدواب لقول الله تعالى (( وما من دابة في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون )) .
تُحشَر الدواب يوم القيامة ويشاهدها الناس ويُقتَصّ لبعضها من بعض حتى إنه يقتص للبهيمة الجلحاء التي ليس لها قرن من البهيمة القرناء ، فإذا اقتُص من بعض هذه الوحوش لبعض أمرها الله تعالى فكانت ترابًا ، وإنما يفعل ذلك سبحانه وتعالى لإظهار عدله بين خلقه .
(( وإذا البحار سجرت )) : البحار جمع بحر وجُمعَت لعظمتها وكثرتها ، فإنها تمثل ثلاثة أرباع الأرض تقريبًا أو أكثر .
هذه البحار العظيمة إذا كان يوم القيامة فإنها تُسَجَّر أي توقد نارًا تشتعل نارًا عظيمة وحينئذ تيبس الأرض ولا يبقى فيها ماء لأن بحارها المياه العظيمة تسجّر حتى تكون نارًا .
(( وإذا النفوس زوجت )) النفوس جمع نفس والمراد بها الإنسان كله فتزوج النفوس يعني يضم كل صنف إلى صنفه لأن الزوج يراد به الصنف كما قال الله تعالى (( وكنتم أزواجا ثلاثة )) أي أصنافا ثلاثة وقال تعالى (( وآخر من شكله أزواج )) أي أصناف .
وقال تعالى (( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم )) أي أصنافهم وأشكالهم فيوم القيامة يضم كل شكل إلى مثله أهل الخير إلى أهل الخير وأهل الشر إلى أهل الشر وهذه الأمة يضم بعضها إلى بعض (( وترى كل أمة جاثية )) لوحدها (( كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون )) .
إذن (( وإذا النفوس زوجت )) يعني شُكّلَت وضم بعضها إلى بعض كل صنف إلى صنفه كل أمة إلى أمتها .
(( وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت )) المؤودة هي الأنثى تُدفَن حية ، هذه المؤودة الأنثى تدفن حية ، وذلك أنه في الجاهلية لجهلهم وسوء ظنهم بالله وعدم تحملهم يُعيِّر بعضهم بعضا إذا أتته الأنثى : (( فإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم )) ممتلئ همًّا وغمًّا (( يتوارى من القوم )) يعني يختفي منهم (( من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب )) يعني إذا قيل لأحدهم نبشرك أن الله جاء لك بأنثى ببنت اغتم واهتم وامتلأ من الغم والهم وصار يفكر هل يبقي هذه الأنثى على هون وذل أو يدسها في التراب ويستريح منها فكان بعضهم هكذا وبعضهم هكذا فمنهم والعياذ بالله من يدفن البنت وهي حية إما قبل أن تميز أو بعد أن تميز .
حتى إن بعضهم كان يحفر الحفرة لبنته فإذا أصاب لحيته شيئا من التراب نفضته عن لحيته وهو يحفر لها ليدفنها ولا يكون في قلبه لها رحمة .
وهذا يدلك على أن الجاهلية أمرها سفال فإن الوحوش تحنو على أولادها وهي وحوش وهؤلاء لا يحنون على أولادهم .
يقول عز وجل (( إذا المؤودة سئلت )) تُسأَل يوم القيامة (( بأي ذنب قتلت )) ليش قتلت هل أذنبت فإذا قال إنسان كيف تُسأَل وهي المظلومة هي المدفونة ثم هي قد تُدفَن وهي لا تميز ولم يجر عليها قلم التكليف فكيف تسأل ؟ قيل إنها تسأل توبيخا للذي وأدها تُسأَل توبيخًا للذي وأدها لأنه تسأل أمامه فيقال بأي ذنب قتلتي هي أو قُتلَت .
نظير ذلك لو أن شخصا اعتدى على آخر في الدنيا فأتوا إلى السلطان إلى الأمير فقال للمظلوم بأي ذنب ضربك هذا الرجل ؟ وهو يعرف أنه معتدٍ عليه ليس له ذنب لكن من أجل التوبيخ للظالم .
فالمؤودة تُسأَل بأي ذنب قتلت توبيخًا لظالمها وقاتلها ودافنها نسأل الله العافية .
(( وإذا الصحف نُشِرَت )) الصحف جمع صحيفة وهي ما يُكتَب فيها الأعمال ، واعلم أيها الإنسان أن كل عمل تعمله من قول أو فعل فإنه يُكتَب يُسّجل بصحائف على يد أمناء كرام كاتبين يعلمون ما تفعلون ، يُسجل كل شيء تعمله ، فإذا كان يوم القيامة فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه (( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه )) يعني عمله في عنقه (( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا )) مفتوحا (( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )) كلامنا الآن ونحن نتكلم يكتب كلام بعضكم مع بعض يكتب كل كلام يُكتب (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) .
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) ، وقال ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ) لأن كل شيء سيكتب عليه ومن كثر كَلِمُه كثر سَقَطه يعني الذي يكثر الكلام يكثر منه السقط والزلات فاحفظ لسانك ، فإن الصحف سوف يكتب فيها كل ما تقول ، وسوف تُنشَر لك يوم القيامة .
(( وإذا الصحف نشرت وإذا السماء كشطت )) السماء فوقنا الآن سقف محفوظ قوي شديد قال تعالى (( والسماء بنيناها بأيد )) أي بقوة وقال تعالى (( وبنينا فوقكم سبعا شدادا )) أي قوية في يوم القيامة تكشط يعني تزال عن مكانها كما يقشط الجلد عنند سلخ البعير عن اللحم يكشطها الله عز وجل .
ثم يطويها جل وعلا بيمينه كما قال تعالى (( والسماوات مطويات بيمينه )) (( كطي السجل للكتب )) ، يعني كما يطوي السجل الكتب يعني الكاتب إذا فرغ من كتابته طوى الورقة حفظا لها عن التمزق وعن المحي فالسماء تكشط يوم القيامة ويبقى الأمر فضاء .
إلا الله تعالى يقول : (( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية )) يكون بدل السماء اللي فوقنا الآن يكون الذي فوقنا هو العرش ، لأن السماء تُطوى بيمين الله عز وجل يطويها بيمينه ويهزها وكذلك الأرض باليد الأخرى ويقول ( أنا الملك أين ملوك الدنيا ) .
(( وإذا الجحيم سعرت )) : الجحيم هي النار وسميت بذلك لبعد قعرها وظلمة مرآها نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها ، تُسعّر أي توقد وما وقودها الذي توقد به وقودها الذي توقد به قال الله عنه (( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة )) بدل ما يجاب الحطب والورق يكون الوقود الناس يعني الكفار والحجارة حجارة من نار عظيمة شديدة الاشتعال شديدة الحرارة هذا تسعير جهنم .
(( وإذا الجنة أزلفت )) الجنة دار المتقين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر أزلفت يعني قرّبت وزينت للمؤمنين .
وانظر الفرق بين هذا وهذا دار الكفار ماذا يفعل بها أجيبوا تسعّر توقد دار المؤمنين تزيّن وتقرّب (( وإذا الجنة أزلفت )) كل هذا يكون يوم القيامة إذا قرأنا هذه الآيات (( إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سجرت وإذا النفوس زوجت وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت وإذ الصحف نشرت وإذا السماء كشطت وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت )) .
هذه اثنتا عشرة جملة ، إلى الآن لم يأت الجواب لأن كلها في ضمن الشرط : (( إذا الشمس كورت )) ، فالجواب لم يأت بعد ماذا يكون إذا كانت هذه الأشياء ؟
قال الله تعالى (( علمت نفس ما أحضرت )) (( علمت نفس ما أحضرت )) : أي ما قدمت من خير وشر (( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء )) يعني : يكون محضرا أيضا (( تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه )) : فتعلم في ذلك اليوم كل نفس ما أحضرت من خير أو شر .
في الدنيا نعلم ما نعمل من خير وشر لكن سرعان ما ننسى ، من يتذكر الآن ما عمله مما سبق منذ جرى عليه قلم التكليف ؟ إننا نسينا الشيء الكثير ، لا من الطاعات ولا من المعاصي لكن هل تظنون أن هذا ذهب سُدى كما نسيناه ؟ لا والله هو باقي .
فإذا كان يوم القيامة أحضرته، أحضرته أنت بإقرارك على نفسك بأنك عملته ولهذا قال تعالى (( علمت نفس ما أحضرت )) .
فينبغي بل يجب على الإنسان أن يتأمل في هذه الآيات العظيمة وأن يتعظ بما فيها من المواعظ وأن يؤمن بها كأنه يراها رأي عين .
لأن ما أخبر الله به وعلمنا مدلوله فإنه أشد يقينا عندنا مما شاهدناه بأعيننا أو سمعناه بأذاننا لأن خبر الله لا يخلف صدق ، لكن ما نراه أو نسمعه كثيرا ما يقع فيه الوهم .
قد ترى الشيء البعيد شبحًا تعينه بتصورك وهو خلاف الواقع وقد تسمع الصوت فتظنه شيئا معينا في ذهنك وهو خلاف الواقع فالوهم يرد على الحواس لكن خبر الله عز وجل إذا علم مدلوله لا يمكن أبدا أن يرد عليه شيء من الوهم لأنه خبر صدق .
فهذه الأمور التي ذكر الله في هذه الآيات أمور حقيقية يجب أن تؤمن بها كأنك تراها رأي عين ثم بعد الإيمان بها يجب أن تعمل بمقتضى ما تدل عليه من الاتعاظ والانزجار والقيام بالواجب وترك المنهيات حتى تكون من أهل القرآن الذين يتلونه حق تلاوته جعلني الله وإياكم منهم بمنه وكرمه إنه على كل شيء قدير ولنقتصر على هذا الجزء من هذه السورة الكريمة حتى يتسنى لنا الوقت لاستقبال الأجوبة ونسأل الله أن يوفقنا للصواب والأسئلة على سؤال سؤال نبدأ باليمين
قوله تعالى : (( إذا الشمس كورت )) هذا يكون يوم القيامة ، والتكوير : جمع الشيء بعضه إلى بعض ولفه كما تُكوَّر العمامة على الرأس . والشمس كتلة عظيمة كبيرة واسعة في يوم القيامة يكورها الله عز جل فيلفها جميعًا ويطوي بعضها على بعض فيذهب نورها ، ويلقيها في النار عز وجل إغاظة للذين يعبدونها من دون الله ، قال الله تبارك وتعالى (( إنكم وما تعبدون من دون الله حَصَب جهنم )) أي تُحصَبون في جهنم (( أنتم لها واردون )) .
ويستثنى من ذلك من عبد من دون الله من أولياء الله فإنه لا يلقى في النار كما قال الله تعالى بعد هذه الآية : (( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون )) (( إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت )) انكدرت : يعني تساقطت كما يفسره الآيات الثانية : (( وإذا النجوم انتثرت )) فالنجوم يوم القيامة تتناثر وتزول عن أماكنها .
(( وإذا الجبال سيرت )) : فإن هذه الجبال العظيمة الصلبة العالية الرفيعة تكون هباءً يوم القيامة وتُسيَّر كما قال الله تعالى (( وسيرت الجبال فكانت سرابًا )) .
(( وإذا العشار عطلت )) العشار : جمع عُشَرَاء وهي الناقة الحامل التي تم لحملها عشرة أشهر وهي من أنفس الأموال عند العرب ، وتجد صاحبها يرقبها ويلاحظها ويعتني بها ويأوي إليها ، ويَحف بها في الدنيا .
لكن في الآخرة تعطل ولا يلتفت إليها لأن الإنسان في شأن عظيم مزعج ينسيه كل شيء كما قال الله تبارك وتعالى : (( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )) .
(( وإذا الوحوش حشرت )) الوحوش : جمع وحش والمراد بها جميع الدواب لقول الله تعالى (( وما من دابة في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون )) .
تُحشَر الدواب يوم القيامة ويشاهدها الناس ويُقتَصّ لبعضها من بعض حتى إنه يقتص للبهيمة الجلحاء التي ليس لها قرن من البهيمة القرناء ، فإذا اقتُص من بعض هذه الوحوش لبعض أمرها الله تعالى فكانت ترابًا ، وإنما يفعل ذلك سبحانه وتعالى لإظهار عدله بين خلقه .
(( وإذا البحار سجرت )) : البحار جمع بحر وجُمعَت لعظمتها وكثرتها ، فإنها تمثل ثلاثة أرباع الأرض تقريبًا أو أكثر .
هذه البحار العظيمة إذا كان يوم القيامة فإنها تُسَجَّر أي توقد نارًا تشتعل نارًا عظيمة وحينئذ تيبس الأرض ولا يبقى فيها ماء لأن بحارها المياه العظيمة تسجّر حتى تكون نارًا .
(( وإذا النفوس زوجت )) النفوس جمع نفس والمراد بها الإنسان كله فتزوج النفوس يعني يضم كل صنف إلى صنفه لأن الزوج يراد به الصنف كما قال الله تعالى (( وكنتم أزواجا ثلاثة )) أي أصنافا ثلاثة وقال تعالى (( وآخر من شكله أزواج )) أي أصناف .
وقال تعالى (( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم )) أي أصنافهم وأشكالهم فيوم القيامة يضم كل شكل إلى مثله أهل الخير إلى أهل الخير وأهل الشر إلى أهل الشر وهذه الأمة يضم بعضها إلى بعض (( وترى كل أمة جاثية )) لوحدها (( كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون )) .
إذن (( وإذا النفوس زوجت )) يعني شُكّلَت وضم بعضها إلى بعض كل صنف إلى صنفه كل أمة إلى أمتها .
(( وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت )) المؤودة هي الأنثى تُدفَن حية ، هذه المؤودة الأنثى تدفن حية ، وذلك أنه في الجاهلية لجهلهم وسوء ظنهم بالله وعدم تحملهم يُعيِّر بعضهم بعضا إذا أتته الأنثى : (( فإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم )) ممتلئ همًّا وغمًّا (( يتوارى من القوم )) يعني يختفي منهم (( من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب )) يعني إذا قيل لأحدهم نبشرك أن الله جاء لك بأنثى ببنت اغتم واهتم وامتلأ من الغم والهم وصار يفكر هل يبقي هذه الأنثى على هون وذل أو يدسها في التراب ويستريح منها فكان بعضهم هكذا وبعضهم هكذا فمنهم والعياذ بالله من يدفن البنت وهي حية إما قبل أن تميز أو بعد أن تميز .
حتى إن بعضهم كان يحفر الحفرة لبنته فإذا أصاب لحيته شيئا من التراب نفضته عن لحيته وهو يحفر لها ليدفنها ولا يكون في قلبه لها رحمة .
وهذا يدلك على أن الجاهلية أمرها سفال فإن الوحوش تحنو على أولادها وهي وحوش وهؤلاء لا يحنون على أولادهم .
يقول عز وجل (( إذا المؤودة سئلت )) تُسأَل يوم القيامة (( بأي ذنب قتلت )) ليش قتلت هل أذنبت فإذا قال إنسان كيف تُسأَل وهي المظلومة هي المدفونة ثم هي قد تُدفَن وهي لا تميز ولم يجر عليها قلم التكليف فكيف تسأل ؟ قيل إنها تسأل توبيخا للذي وأدها تُسأَل توبيخًا للذي وأدها لأنه تسأل أمامه فيقال بأي ذنب قتلتي هي أو قُتلَت .
نظير ذلك لو أن شخصا اعتدى على آخر في الدنيا فأتوا إلى السلطان إلى الأمير فقال للمظلوم بأي ذنب ضربك هذا الرجل ؟ وهو يعرف أنه معتدٍ عليه ليس له ذنب لكن من أجل التوبيخ للظالم .
فالمؤودة تُسأَل بأي ذنب قتلت توبيخًا لظالمها وقاتلها ودافنها نسأل الله العافية .
(( وإذا الصحف نُشِرَت )) الصحف جمع صحيفة وهي ما يُكتَب فيها الأعمال ، واعلم أيها الإنسان أن كل عمل تعمله من قول أو فعل فإنه يُكتَب يُسّجل بصحائف على يد أمناء كرام كاتبين يعلمون ما تفعلون ، يُسجل كل شيء تعمله ، فإذا كان يوم القيامة فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه (( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه )) يعني عمله في عنقه (( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا )) مفتوحا (( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )) كلامنا الآن ونحن نتكلم يكتب كلام بعضكم مع بعض يكتب كل كلام يُكتب (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) .
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) ، وقال ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ) لأن كل شيء سيكتب عليه ومن كثر كَلِمُه كثر سَقَطه يعني الذي يكثر الكلام يكثر منه السقط والزلات فاحفظ لسانك ، فإن الصحف سوف يكتب فيها كل ما تقول ، وسوف تُنشَر لك يوم القيامة .
(( وإذا الصحف نشرت وإذا السماء كشطت )) السماء فوقنا الآن سقف محفوظ قوي شديد قال تعالى (( والسماء بنيناها بأيد )) أي بقوة وقال تعالى (( وبنينا فوقكم سبعا شدادا )) أي قوية في يوم القيامة تكشط يعني تزال عن مكانها كما يقشط الجلد عنند سلخ البعير عن اللحم يكشطها الله عز وجل .
ثم يطويها جل وعلا بيمينه كما قال تعالى (( والسماوات مطويات بيمينه )) (( كطي السجل للكتب )) ، يعني كما يطوي السجل الكتب يعني الكاتب إذا فرغ من كتابته طوى الورقة حفظا لها عن التمزق وعن المحي فالسماء تكشط يوم القيامة ويبقى الأمر فضاء .
إلا الله تعالى يقول : (( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية )) يكون بدل السماء اللي فوقنا الآن يكون الذي فوقنا هو العرش ، لأن السماء تُطوى بيمين الله عز وجل يطويها بيمينه ويهزها وكذلك الأرض باليد الأخرى ويقول ( أنا الملك أين ملوك الدنيا ) .
(( وإذا الجحيم سعرت )) : الجحيم هي النار وسميت بذلك لبعد قعرها وظلمة مرآها نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها ، تُسعّر أي توقد وما وقودها الذي توقد به وقودها الذي توقد به قال الله عنه (( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة )) بدل ما يجاب الحطب والورق يكون الوقود الناس يعني الكفار والحجارة حجارة من نار عظيمة شديدة الاشتعال شديدة الحرارة هذا تسعير جهنم .
(( وإذا الجنة أزلفت )) الجنة دار المتقين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر أزلفت يعني قرّبت وزينت للمؤمنين .
وانظر الفرق بين هذا وهذا دار الكفار ماذا يفعل بها أجيبوا تسعّر توقد دار المؤمنين تزيّن وتقرّب (( وإذا الجنة أزلفت )) كل هذا يكون يوم القيامة إذا قرأنا هذه الآيات (( إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سجرت وإذا النفوس زوجت وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت وإذ الصحف نشرت وإذا السماء كشطت وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت )) .
هذه اثنتا عشرة جملة ، إلى الآن لم يأت الجواب لأن كلها في ضمن الشرط : (( إذا الشمس كورت )) ، فالجواب لم يأت بعد ماذا يكون إذا كانت هذه الأشياء ؟
قال الله تعالى (( علمت نفس ما أحضرت )) (( علمت نفس ما أحضرت )) : أي ما قدمت من خير وشر (( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء )) يعني : يكون محضرا أيضا (( تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه )) : فتعلم في ذلك اليوم كل نفس ما أحضرت من خير أو شر .
في الدنيا نعلم ما نعمل من خير وشر لكن سرعان ما ننسى ، من يتذكر الآن ما عمله مما سبق منذ جرى عليه قلم التكليف ؟ إننا نسينا الشيء الكثير ، لا من الطاعات ولا من المعاصي لكن هل تظنون أن هذا ذهب سُدى كما نسيناه ؟ لا والله هو باقي .
فإذا كان يوم القيامة أحضرته، أحضرته أنت بإقرارك على نفسك بأنك عملته ولهذا قال تعالى (( علمت نفس ما أحضرت )) .
فينبغي بل يجب على الإنسان أن يتأمل في هذه الآيات العظيمة وأن يتعظ بما فيها من المواعظ وأن يؤمن بها كأنه يراها رأي عين .
لأن ما أخبر الله به وعلمنا مدلوله فإنه أشد يقينا عندنا مما شاهدناه بأعيننا أو سمعناه بأذاننا لأن خبر الله لا يخلف صدق ، لكن ما نراه أو نسمعه كثيرا ما يقع فيه الوهم .
قد ترى الشيء البعيد شبحًا تعينه بتصورك وهو خلاف الواقع وقد تسمع الصوت فتظنه شيئا معينا في ذهنك وهو خلاف الواقع فالوهم يرد على الحواس لكن خبر الله عز وجل إذا علم مدلوله لا يمكن أبدا أن يرد عليه شيء من الوهم لأنه خبر صدق .
فهذه الأمور التي ذكر الله في هذه الآيات أمور حقيقية يجب أن تؤمن بها كأنك تراها رأي عين ثم بعد الإيمان بها يجب أن تعمل بمقتضى ما تدل عليه من الاتعاظ والانزجار والقيام بالواجب وترك المنهيات حتى تكون من أهل القرآن الذين يتلونه حق تلاوته جعلني الله وإياكم منهم بمنه وكرمه إنه على كل شيء قدير ولنقتصر على هذا الجزء من هذه السورة الكريمة حتى يتسنى لنا الوقت لاستقبال الأجوبة ونسأل الله أن يوفقنا للصواب والأسئلة على سؤال سؤال نبدأ باليمين
بعض المدارس في الإجازة يشغلون الشباب بالكرة والمسارح فما الحكم وما الفرق بين الوسائل والمقاصد في الدعوة إلى الله.؟
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
فضيلة الشيخ بعض المدارس في العطلة الصيفية تقوم بفتح المراكز الصيفية لإشغال الشباب الضائع في الشوارع بأمور خيرة من محاضرات وندوات ومسابقات وغيرها من الأمور النافعة وربما يشغلون الشباب بهذه المعسكرات بلعب الكرة وبمسارح ثم اعترض بعض الشباب وقال هذا لا ينبغي ولا يجوز وإن هذا ليس من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ الواجب أن تكون هذه الدروس في المساجد ويقولون وسائل الدعوة توقيفية ثم كثير من الشباب احتاروا في ذلك ونريد منكم توجيها شافيا كافيا في ذلك للتفريق بين الوسائل والمقاصد حتى يتضح الأمر أثابكم الله وجزاكم الله خيرا
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
لا شك أن الحكومة وفقها الله تشكر على ما تنشئه من هذه المراكز الصيفية لأنها تكف بهذه المراكز شرا عظيما وفتنة كبيرة فما بالكم لو أن هذا الشباب الجحافل الكثيرة العدد صارت تجوب الأسواق طولا وعرضا أو تخرج إلى المنتزهات أو إلى البراري أو الشعاب أو الجبال ما ظنكم بالذي يحصل منها من الشر أعتقد أن كل إنسان عاقل يعرف الواقع سيظن أنه يحصل كارثة للشباب من الانحراف وفساد الأخلاق والأفكار الرديئة وغير ذلك لكن هذه المراكز ولله الحمد صارت تحفظ كثيرا من الشباب ولا نقول تحفظ أكثر الشباب ولا كل الشباب كما هو الواقع ويحصل فيها خير كثير من استدعاء أهل العلم لإلقاء المحاضرات التي يكون بها العلم الكثير والموعظة النافعة والإلفة بين الشباب وبين الشيوخ وهذه لا شك أنها مصالح عظيمة أما ما يحصل فيها من إمتاع النفس بلعبة الكرة والمسرحيات وما أشبه ذلك فهذا من الحكمة لأن النفوس لو أعطيت الجد في كل حال وفي كل وقت ملّت وكلّت وسئمت والصحابة رضي الله عنهم قالوا يا رسول الله إذا كنا عندك وذكرنا إلى الجنة والنار فكأننا نراها رأي عين لكن إذا ذهبنا إلى الأهل وعافسنا الأهل والأولاد نسينا فقال الرسول عليه الصلاة والسلام ( ساعة وساعة ) المعنى أن الإنسان يكون هكذا مرة وهكذا مرة وقال عليه الصلاة والسلام لعبدالله بن عمرو بن العاص وقد قال رضي الله عنه " لأقومن الليل ما عشت ولأصومن النهار ما عشت " أقلت هذا قال نعم يا رسول الله قال ( إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولزورك ) يعني ضيفك ( عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه ) وسمع بقوم يقولون حين سألوا عن عمل الرسول عليه الصلاة والسلام في السر العمل اللي يفعله في بيته فأخبروا به فكأنهم تقالوا هذا العمل وقالوا الرسول عليه الصلاة والسلام غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ونحن لسنا كذلك قال بعضهم أنا لا أنام الليل يعني يقوم الليل ولا ينام وقال الثاني أنا أصوم ولا أفطر وقال الثالث أنا لا آكل اللحم وقال الرابع أنا لا أتزوج النساء لم سمع النبي عليه الصلاة والسلام بذلك قال ( ما بال أقوام يقولون هذا إني أتزوج النساء وأصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فإعطاء النفس حظها من المتعة المباحة لا شك أنه غاية الحكمة ثم إن لعبة الكرة مع ما فيها من التسلي وإذهاب التعب النفسي فيها منفعة للبدن لأنها نشاط وتقوية لكن يجب فيها أن يتجنب اللاعبون ما يفعله بعض السفهاء من لبس السراويل القصيرة فإن هذا لا يجوز لا يجوز للشباب الإسلامي أن يلبس سراويل قصيرة لأننا إن قلنا إن الفخذ عورة فالأمر واضح العورة لا يجوز كشفها والنظر إليها وإن لم نقل إنه عورة فإن كشف أفخاذ الشباب فتنة يفتتن بعضهم ببعض وهذه مفسدة يجب درؤها ثانيا ألا يؤدي ذلك إلى الكلام الفاضي من سب أو شتم أو ما أشبه ذلك فإنه لا يجوز ما يوصل إلى الكلام البذيء الخارج عن المروءة ثالثا ألا يحصل فعل ينافي المروءة كما يفعله بعض اللاعبين إذا أحد منهم يعني غلب على الآخرين جاؤوا يركضون إليه ويضمونه ويخمونه ويركبون على كتفيه وما أشبه ذلك من الأفعال المنافية للمروءة لأن هذه الأفعال لولا أنها جاءتنا من دول ليس عندهم مروءة ولا دين لكنا أول من ننكرها هذه حتى البزران الصغار الذين دون البلوغ والذين هم في السن العاشرة ونحوها لو فعلوا هذا لكان ينبغي توجيههم عنها في ترك هذا الفعل أما قول القائل إن هذا إن مكان المواعظ المساجد فصدق مكان المواعظ المساجد لكن هل الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعظ الناس إلا في المسجد يعظهم في المسجد يعظهم في السوق يعظهم في السفر وعد النساء يوما يعظهن فيه فأتى إليهن في بيت إحداهن فمكان الوعظ صحيح أنه هو المساجد هذا الأصل لكن كلما دعت الحاجة إلى الوعظ فإنه يوعظ وهؤلاء الشباب لو قلنا ائتوا بالمراكز في المساجد اطبخوا الغداء في المسجد سووا القهوة في المسجد لكن هذا منكر أيضا أنكر من كونهم يجلسون في مكان معين وإني أقول لهذا الأخ الذي اعترض بهذا الاعتراض يجب أن يكون عند الإنسان إدراك ووعي وأن ينزل الأمور منازلها وألا يكون سطحيا يرى من فوق السقوف بل يكون إنسانا واعيا يسبر الأمور ويسبر غورها وينظر ما الذي يترتب من المصالح ومن المفاسد على الأفعال والقاعدة العريضة الواسعة الشاملة للشريعة الإسلامية أنها إنما هي جلب للمصالح ودفع للمفاسد فقد أتت بالمصالح ودفع المفاسد ولا أحد يشك أننا لو قلنا للمراكز الصيفية ائتوا بالمساجد ما تحمل الناس هذا حتى العامة ما يتحملون هذا الشيء فإذن نقول هذه الأماكن أماكن المدارس التي هي محل العلم من أزمنة طويلة والمسلمون لا ينكرونها يدرسون في المدارس بنوا الربط والمدارس وطبعوا الكتب كل هذا لم يكن معروفا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام غاية ما هنالك أنه يمكن أن يستدل للربط بأصحاب الصفة لكن هل منع الرسول عليه الصلاة والسلام من ذلك أبدا ما منع من هذا فالمدارس الآن مكان للعلم يدرس فيها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء والوسائل المساندة للعلم من نحو وغيره فنقول للأخ الذي اعترض هذا الاعتراض فكّر في الأمر واعلم أن الدين أوسع من فكرك وأوسع من عقلك وأنه يأتي بالمصالح أينما كانت ما لم تشتمل على مضارٍ مساوية أو غالبة فتمنع وأما قوله إن وسائل الدعوة توقيفية فكلمة وسائل تدل على أنها ليست توقيفية ما دامت وسيلة فإننا نسلكها إلا أن تكون محرمة نسلكها وإن لم يرد نوعها في الشريعة فإننا نسلكها ما لم تكن محرمة لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ألسنا الآن نبلغ الناس بواسطة مكبر الصوت وسيلة هل هذه الوسيلة موجودة في عهد الرسول غير موجودة ألسنا نقرأ الكتب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
فضيلة الشيخ بعض المدارس في العطلة الصيفية تقوم بفتح المراكز الصيفية لإشغال الشباب الضائع في الشوارع بأمور خيرة من محاضرات وندوات ومسابقات وغيرها من الأمور النافعة وربما يشغلون الشباب بهذه المعسكرات بلعب الكرة وبمسارح ثم اعترض بعض الشباب وقال هذا لا ينبغي ولا يجوز وإن هذا ليس من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ الواجب أن تكون هذه الدروس في المساجد ويقولون وسائل الدعوة توقيفية ثم كثير من الشباب احتاروا في ذلك ونريد منكم توجيها شافيا كافيا في ذلك للتفريق بين الوسائل والمقاصد حتى يتضح الأمر أثابكم الله وجزاكم الله خيرا
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
لا شك أن الحكومة وفقها الله تشكر على ما تنشئه من هذه المراكز الصيفية لأنها تكف بهذه المراكز شرا عظيما وفتنة كبيرة فما بالكم لو أن هذا الشباب الجحافل الكثيرة العدد صارت تجوب الأسواق طولا وعرضا أو تخرج إلى المنتزهات أو إلى البراري أو الشعاب أو الجبال ما ظنكم بالذي يحصل منها من الشر أعتقد أن كل إنسان عاقل يعرف الواقع سيظن أنه يحصل كارثة للشباب من الانحراف وفساد الأخلاق والأفكار الرديئة وغير ذلك لكن هذه المراكز ولله الحمد صارت تحفظ كثيرا من الشباب ولا نقول تحفظ أكثر الشباب ولا كل الشباب كما هو الواقع ويحصل فيها خير كثير من استدعاء أهل العلم لإلقاء المحاضرات التي يكون بها العلم الكثير والموعظة النافعة والإلفة بين الشباب وبين الشيوخ وهذه لا شك أنها مصالح عظيمة أما ما يحصل فيها من إمتاع النفس بلعبة الكرة والمسرحيات وما أشبه ذلك فهذا من الحكمة لأن النفوس لو أعطيت الجد في كل حال وفي كل وقت ملّت وكلّت وسئمت والصحابة رضي الله عنهم قالوا يا رسول الله إذا كنا عندك وذكرنا إلى الجنة والنار فكأننا نراها رأي عين لكن إذا ذهبنا إلى الأهل وعافسنا الأهل والأولاد نسينا فقال الرسول عليه الصلاة والسلام ( ساعة وساعة ) المعنى أن الإنسان يكون هكذا مرة وهكذا مرة وقال عليه الصلاة والسلام لعبدالله بن عمرو بن العاص وقد قال رضي الله عنه " لأقومن الليل ما عشت ولأصومن النهار ما عشت " أقلت هذا قال نعم يا رسول الله قال ( إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولزورك ) يعني ضيفك ( عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه ) وسمع بقوم يقولون حين سألوا عن عمل الرسول عليه الصلاة والسلام في السر العمل اللي يفعله في بيته فأخبروا به فكأنهم تقالوا هذا العمل وقالوا الرسول عليه الصلاة والسلام غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ونحن لسنا كذلك قال بعضهم أنا لا أنام الليل يعني يقوم الليل ولا ينام وقال الثاني أنا أصوم ولا أفطر وقال الثالث أنا لا آكل اللحم وقال الرابع أنا لا أتزوج النساء لم سمع النبي عليه الصلاة والسلام بذلك قال ( ما بال أقوام يقولون هذا إني أتزوج النساء وأصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) فإعطاء النفس حظها من المتعة المباحة لا شك أنه غاية الحكمة ثم إن لعبة الكرة مع ما فيها من التسلي وإذهاب التعب النفسي فيها منفعة للبدن لأنها نشاط وتقوية لكن يجب فيها أن يتجنب اللاعبون ما يفعله بعض السفهاء من لبس السراويل القصيرة فإن هذا لا يجوز لا يجوز للشباب الإسلامي أن يلبس سراويل قصيرة لأننا إن قلنا إن الفخذ عورة فالأمر واضح العورة لا يجوز كشفها والنظر إليها وإن لم نقل إنه عورة فإن كشف أفخاذ الشباب فتنة يفتتن بعضهم ببعض وهذه مفسدة يجب درؤها ثانيا ألا يؤدي ذلك إلى الكلام الفاضي من سب أو شتم أو ما أشبه ذلك فإنه لا يجوز ما يوصل إلى الكلام البذيء الخارج عن المروءة ثالثا ألا يحصل فعل ينافي المروءة كما يفعله بعض اللاعبين إذا أحد منهم يعني غلب على الآخرين جاؤوا يركضون إليه ويضمونه ويخمونه ويركبون على كتفيه وما أشبه ذلك من الأفعال المنافية للمروءة لأن هذه الأفعال لولا أنها جاءتنا من دول ليس عندهم مروءة ولا دين لكنا أول من ننكرها هذه حتى البزران الصغار الذين دون البلوغ والذين هم في السن العاشرة ونحوها لو فعلوا هذا لكان ينبغي توجيههم عنها في ترك هذا الفعل أما قول القائل إن هذا إن مكان المواعظ المساجد فصدق مكان المواعظ المساجد لكن هل الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعظ الناس إلا في المسجد يعظهم في المسجد يعظهم في السوق يعظهم في السفر وعد النساء يوما يعظهن فيه فأتى إليهن في بيت إحداهن فمكان الوعظ صحيح أنه هو المساجد هذا الأصل لكن كلما دعت الحاجة إلى الوعظ فإنه يوعظ وهؤلاء الشباب لو قلنا ائتوا بالمراكز في المساجد اطبخوا الغداء في المسجد سووا القهوة في المسجد لكن هذا منكر أيضا أنكر من كونهم يجلسون في مكان معين وإني أقول لهذا الأخ الذي اعترض بهذا الاعتراض يجب أن يكون عند الإنسان إدراك ووعي وأن ينزل الأمور منازلها وألا يكون سطحيا يرى من فوق السقوف بل يكون إنسانا واعيا يسبر الأمور ويسبر غورها وينظر ما الذي يترتب من المصالح ومن المفاسد على الأفعال والقاعدة العريضة الواسعة الشاملة للشريعة الإسلامية أنها إنما هي جلب للمصالح ودفع للمفاسد فقد أتت بالمصالح ودفع المفاسد ولا أحد يشك أننا لو قلنا للمراكز الصيفية ائتوا بالمساجد ما تحمل الناس هذا حتى العامة ما يتحملون هذا الشيء فإذن نقول هذه الأماكن أماكن المدارس التي هي محل العلم من أزمنة طويلة والمسلمون لا ينكرونها يدرسون في المدارس بنوا الربط والمدارس وطبعوا الكتب كل هذا لم يكن معروفا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام غاية ما هنالك أنه يمكن أن يستدل للربط بأصحاب الصفة لكن هل منع الرسول عليه الصلاة والسلام من ذلك أبدا ما منع من هذا فالمدارس الآن مكان للعلم يدرس فيها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء والوسائل المساندة للعلم من نحو وغيره فنقول للأخ الذي اعترض هذا الاعتراض فكّر في الأمر واعلم أن الدين أوسع من فكرك وأوسع من عقلك وأنه يأتي بالمصالح أينما كانت ما لم تشتمل على مضارٍ مساوية أو غالبة فتمنع وأما قوله إن وسائل الدعوة توقيفية فكلمة وسائل تدل على أنها ليست توقيفية ما دامت وسيلة فإننا نسلكها إلا أن تكون محرمة نسلكها وإن لم يرد نوعها في الشريعة فإننا نسلكها ما لم تكن محرمة لأن الوسائل لها أحكام المقاصد ألسنا الآن نبلغ الناس بواسطة مكبر الصوت وسيلة هل هذه الوسيلة موجودة في عهد الرسول غير موجودة ألسنا نقرأ الكتب
اضيفت في - 2005-08-27