سلسلة لقاء الباب المفتوح-045a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة لقاء الباب المفتوح
تفسير أول سور الطارق إلى قوله تعالى:" فما له من قوة ولا ناصر " .
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمّا بعد:
فهذا هو اللقاء الأخير من شهر جمادى الثانية عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وقد لمسنا ولله الحمد فيه خيرا كثيرا من الإخوة الذين يحضرون، أو الذين يستمعون إلى الأشرطة المسجلة، وهذا من نعمـة الله سبحانه وتعالى على الجميع، ولا شك في هذا.
في درس الأسبوع الماضي تكلّمنا على حكم المسح على الخفّين وما يتعلق به، أما هذا الأسبوع فإنّا سوف نستمرّ فيما كنّا نقوم به من تفسير آخر جزء من القرآن، لأنّه هو الذي يكثر وروده وسماعه على الناس، وقد شرعنا في تفسير سورة الطارق بعد أن أكملنا ما سبقها.
يقول الله سبحانه وتعالى: (( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ )):
وهنا كما ترون فيه قسم، أقسم الله تعالى به، وهو السّماء، وكذلك الطّارق، وقد يُشْكِل على بعض الناس كيف يقسم الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات، مع أن القسم بالمخلوقات شرك، لقـول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )، وقال عليه الصّلاة والسّلام: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، فلا يجوز الحلف بغير الله، لا بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالوطن، ولا بأيّ شيء من المخلوقات؟
والجواب على هذا الإشكال أن نقول: إنّ الله سبحانه وتعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه، وإقسامه بما يقسم به من خلقه يدلّ على عظمة الله عزَّ وجلَّ، لأنّ عِظم المخلوق يدل على عِظم الخالق، وقد أقسم الله تعالى بأشياء كثيرة من خلقه، ومن أحسن من رأيته تكلم على هذا المـوضوع ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: *التبيان في أقسام القرآن* وهو كتاب جيد ينفع طالب العلم كثيراً.
فهنا يقسم الله تعالى بالسماء، والسماء هو كلّ ما علاك، كلّ ما علاك فهو سماء، حتّى السّحابُ الذي ينزل منه المطر يسمّى سماءً، كما قال الله تعالى: (( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ))، وإذا كان يطلق على كلّ ما علاك فإنّه يشمل ما بين السّماء والأرض، ويشمل السّماوات كلّها، لأنّها كلّها قد علت وهي فوقك.
وأمّا قوله: (( وَالطَّارِقُ )) فهو قَسَمٌ ثاني، أي: أن الله أقسم بالطارق، فما هو الطارق؟
ليس الطارق هو الذي يطرق أهله ليلاً، بل فسّره الله عزَّ وجلَّ بقوله: (( النَّجْمُ الثَّاقِبُ ))، هذا هو الطّارق، والنّجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النّجوم، فتكون " أل " للجنس.
ويحتمل أنه النجم الثاقب أي: النجم اللامع، أي قويّ اللّمعان، لأنّه يثقب الظّلام بنوره، وأيّا كان فإنّ هذه النّجوم من آيات الله عزَّ وجلَّ الدّالّة على كمال قدرته، في سَيْرها، وانتظامها، واختلاف أشكالها، واختلاف منافعها أيضاً، قال الله تبارك وتعالى: (( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ))، وقال تعالى: (( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ )) فهي زينة للسماء، ورجوم للشياطين، وعلاماتٌ يُهتدى بها.
ثم بيَّن الله المقسَم عليه بقوله: (( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ )) : " إنْ " هنا نافية، يعني ما كل نفس، ولَمَّا بمعنى إلاَّ ، يعني: ما كل نفس إلا عليها حافظ من الله، وبيَّن الله سبحانه وتعالى مهمّة هذا الحافظ بقوله: (( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ )) هؤلاء الحفظة يحفظون على الإنسان عمله، ما له وما عليه، ويجده يوم القيامة كتاباً منشوراً، يقال له: (( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً )).
هؤلاء الحفظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قول، وما يقوم به من فعل، سواء كان ظاهراً كأقوال اللّسان وأعمال الجوارح، أو باطناً حتّى ما في القلب ممّا يعتقده الإنسان، فإنّه يكتب عليه، لقوله تعالى: (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ))، هذا الحافظ يحفظ عمل بني آدم.
وهناك حفظة آخرون ذكرهم الله في قوله: (( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ )).
(( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لمـَّا عَلَيْهَا حَافِظ* فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ )) : " اللّام " هنا للأمر، والمراد بالنظر هنا نظر الاعتبار، وهو النّظر بالبصيرة، يعني فليفكّر الإنسان ممّ خلق، هل خُلِق من حديد؟ هل خُلِق من فولاذ؟ هل خُلِق من شيء قاسٍ قوي؟
والجواب على هذه التساؤلات أنه: (( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ )): وهو ماء الرّجل، ووصفه الله تعالى في آية أخرى بأنّه ماء مهين، ضعيف السّيلان، ليس كالماء العادي المنطلق، ووَصَفَه الله تعالى في آية أخرى أنه نطفة، أي: قليلٌ من الماء، هذا الذي خلق منه الإنسان، والعجب أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين، ثم يكون قلبه أقسى من الحجارة والعياذ بالله، إلاّ من أَلانَ الله قلبه لدين الله.
ثمّ بيَّن أنّ هذا الماء الدّافق: (( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ )): من بين صلب الرجل وترائبه: أعلى صدره، وهذا يدل على عمق مخرج هذا الماء، وأنه يخرج من مكان مكين في الجسد.
والصواب أن هذا الوصف لماء الرجل، وقال بعض العلماء: يخرج من بين الصلب: أي صلب الرجل، وترائب المرأة، ولكنّ هذا خلاف ظاهر اللّفظ.
والصّواب أنّ الذي يخرج من بين الصّلب والتّرائب هو ماء الرّجل، لأنّ الله تعالى وصفه بذلك.
ثم قال تعالى: (( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ )) إنّه: أي الله عزَّ وجلَّ.
على رجعه: أي على رجع الإنسان.
لقادر: وذلك يوم القيامة، لقوله: (( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ))، فالذي قدر على أن يخلق الإنسان من هذا الماء الدّافق المهين قادرٌ على أن يعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقَّب، وهو قياسٌ عقليّ.
فإنّ الإنسان بعقله يقول: إذا كان الله قادرا على أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين ويحييه، قادر على أن يعيده مرة ثانية (( وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ))، ولهذا يستدل الله عزَّ وجلَّ بالمبدأ على المعاد، لأنه قياسٌ جليٌ واضح، ينتقل العقل من هذا إلى هذا بسرعة وبدون كلفة.
وقوله: (( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ )): أي: تختبر السّرائر، وهي القلوب، فإنّ الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدّنيا على ما في الجوارح، ولهذا عامل النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم المنافقين معاملة المسلمين، حيث كان يُستأذَن في قتلهم فيقول: ( لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه )، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أن فلانا منافق، وفلانا منافق، لكن العمل في الدّنيا على الظّاهر، ويوم القيامة على الباطن.
(( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ )) أي: تختبر، وهذا كقوله: (( أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ))، ولهذا يجب علينا يا إخواني العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، فعمل الجوارح علامةٌ ظاهرة، لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أخبر النبي عليه الصّلاة والسّلام عن الخوارج، وهو يخاطب الصّحابة، فيقول: ( يحقرُ أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم )، يعني: أنّهم يجتهدون في الأعمال الظّاهرة، لكن قلوبهم خالية والعياذ بالله، لا يتجاوز الإسلام حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فعلينا أيها الإخوة أن نعتنـي بالـقلوب، وإصلاحِـها، وأعمالها، وعقائِدها، واتجاهاتِها، قال الحسن البصري -رحمه الله-: " والله ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صوم، وإنما سبقهم بما وقر في قلبه من الإيمان " ، والإيمان إذا وقر في القلب حمل الإنسان على العمل، لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسان على إصلاح قلبه.
فعلينا أيّها الإخوة أن نعتنيَ بقلوبنا وإصلاحها، وتخليصها من شوائب الشّرك، والبدع، والحِقد، والبغضاء، وكراهة ما أنزل الله على رسوله، وكراهة الصّحابة رضي الله عنهم، وغير ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه.
ثم قال تعالى: (( فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ )) يعني: يوم القيامة ما للإنسان قوّة ذاتيّة.
ولا ناصر: وهي القوة الخارجية.
فهو بنفسه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدافع عنـه، قال الله تعالى: (( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ))، في الدنيا يتساءلون، يسأل بعضهم بعضاً، ويحتمي بعضهم ببعض، لكن يوم القيامة لا أنساب: يعني لا قرابة، لا تنفع القرابة، ولا يتساءلون، فنسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وقلوبكم، وأعمالنا وأعمالكم، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
والآن نبدأ بالأسئلة ونرجو أن يكون السّؤال سؤالا واحداً حتى يكون أكثر استيعابًا لأسئلتكم، فنبدأ باليمين أوّلًا ثمّ باليسار.
أمّا بعد:
فهذا هو اللقاء الأخير من شهر جمادى الثانية عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وقد لمسنا ولله الحمد فيه خيرا كثيرا من الإخوة الذين يحضرون، أو الذين يستمعون إلى الأشرطة المسجلة، وهذا من نعمـة الله سبحانه وتعالى على الجميع، ولا شك في هذا.
في درس الأسبوع الماضي تكلّمنا على حكم المسح على الخفّين وما يتعلق به، أما هذا الأسبوع فإنّا سوف نستمرّ فيما كنّا نقوم به من تفسير آخر جزء من القرآن، لأنّه هو الذي يكثر وروده وسماعه على الناس، وقد شرعنا في تفسير سورة الطارق بعد أن أكملنا ما سبقها.
يقول الله سبحانه وتعالى: (( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ )):
وهنا كما ترون فيه قسم، أقسم الله تعالى به، وهو السّماء، وكذلك الطّارق، وقد يُشْكِل على بعض الناس كيف يقسم الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات، مع أن القسم بالمخلوقات شرك، لقـول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )، وقال عليه الصّلاة والسّلام: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت )، فلا يجوز الحلف بغير الله، لا بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالوطن، ولا بأيّ شيء من المخلوقات؟
والجواب على هذا الإشكال أن نقول: إنّ الله سبحانه وتعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه، وإقسامه بما يقسم به من خلقه يدلّ على عظمة الله عزَّ وجلَّ، لأنّ عِظم المخلوق يدل على عِظم الخالق، وقد أقسم الله تعالى بأشياء كثيرة من خلقه، ومن أحسن من رأيته تكلم على هذا المـوضوع ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: *التبيان في أقسام القرآن* وهو كتاب جيد ينفع طالب العلم كثيراً.
فهنا يقسم الله تعالى بالسماء، والسماء هو كلّ ما علاك، كلّ ما علاك فهو سماء، حتّى السّحابُ الذي ينزل منه المطر يسمّى سماءً، كما قال الله تعالى: (( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ))، وإذا كان يطلق على كلّ ما علاك فإنّه يشمل ما بين السّماء والأرض، ويشمل السّماوات كلّها، لأنّها كلّها قد علت وهي فوقك.
وأمّا قوله: (( وَالطَّارِقُ )) فهو قَسَمٌ ثاني، أي: أن الله أقسم بالطارق، فما هو الطارق؟
ليس الطارق هو الذي يطرق أهله ليلاً، بل فسّره الله عزَّ وجلَّ بقوله: (( النَّجْمُ الثَّاقِبُ ))، هذا هو الطّارق، والنّجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النّجوم، فتكون " أل " للجنس.
ويحتمل أنه النجم الثاقب أي: النجم اللامع، أي قويّ اللّمعان، لأنّه يثقب الظّلام بنوره، وأيّا كان فإنّ هذه النّجوم من آيات الله عزَّ وجلَّ الدّالّة على كمال قدرته، في سَيْرها، وانتظامها، واختلاف أشكالها، واختلاف منافعها أيضاً، قال الله تبارك وتعالى: (( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ))، وقال تعالى: (( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ )) فهي زينة للسماء، ورجوم للشياطين، وعلاماتٌ يُهتدى بها.
ثم بيَّن الله المقسَم عليه بقوله: (( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ )) : " إنْ " هنا نافية، يعني ما كل نفس، ولَمَّا بمعنى إلاَّ ، يعني: ما كل نفس إلا عليها حافظ من الله، وبيَّن الله سبحانه وتعالى مهمّة هذا الحافظ بقوله: (( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ )) هؤلاء الحفظة يحفظون على الإنسان عمله، ما له وما عليه، ويجده يوم القيامة كتاباً منشوراً، يقال له: (( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً )).
هؤلاء الحفظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قول، وما يقوم به من فعل، سواء كان ظاهراً كأقوال اللّسان وأعمال الجوارح، أو باطناً حتّى ما في القلب ممّا يعتقده الإنسان، فإنّه يكتب عليه، لقوله تعالى: (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ))، هذا الحافظ يحفظ عمل بني آدم.
وهناك حفظة آخرون ذكرهم الله في قوله: (( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ )).
(( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لمـَّا عَلَيْهَا حَافِظ* فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ )) : " اللّام " هنا للأمر، والمراد بالنظر هنا نظر الاعتبار، وهو النّظر بالبصيرة، يعني فليفكّر الإنسان ممّ خلق، هل خُلِق من حديد؟ هل خُلِق من فولاذ؟ هل خُلِق من شيء قاسٍ قوي؟
والجواب على هذه التساؤلات أنه: (( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ )): وهو ماء الرّجل، ووصفه الله تعالى في آية أخرى بأنّه ماء مهين، ضعيف السّيلان، ليس كالماء العادي المنطلق، ووَصَفَه الله تعالى في آية أخرى أنه نطفة، أي: قليلٌ من الماء، هذا الذي خلق منه الإنسان، والعجب أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين، ثم يكون قلبه أقسى من الحجارة والعياذ بالله، إلاّ من أَلانَ الله قلبه لدين الله.
ثمّ بيَّن أنّ هذا الماء الدّافق: (( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ )): من بين صلب الرجل وترائبه: أعلى صدره، وهذا يدل على عمق مخرج هذا الماء، وأنه يخرج من مكان مكين في الجسد.
والصواب أن هذا الوصف لماء الرجل، وقال بعض العلماء: يخرج من بين الصلب: أي صلب الرجل، وترائب المرأة، ولكنّ هذا خلاف ظاهر اللّفظ.
والصّواب أنّ الذي يخرج من بين الصّلب والتّرائب هو ماء الرّجل، لأنّ الله تعالى وصفه بذلك.
ثم قال تعالى: (( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ )) إنّه: أي الله عزَّ وجلَّ.
على رجعه: أي على رجع الإنسان.
لقادر: وذلك يوم القيامة، لقوله: (( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ))، فالذي قدر على أن يخلق الإنسان من هذا الماء الدّافق المهين قادرٌ على أن يعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقَّب، وهو قياسٌ عقليّ.
فإنّ الإنسان بعقله يقول: إذا كان الله قادرا على أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين ويحييه، قادر على أن يعيده مرة ثانية (( وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ))، ولهذا يستدل الله عزَّ وجلَّ بالمبدأ على المعاد، لأنه قياسٌ جليٌ واضح، ينتقل العقل من هذا إلى هذا بسرعة وبدون كلفة.
وقوله: (( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ )): أي: تختبر السّرائر، وهي القلوب، فإنّ الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدّنيا على ما في الجوارح، ولهذا عامل النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم المنافقين معاملة المسلمين، حيث كان يُستأذَن في قتلهم فيقول: ( لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه )، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أن فلانا منافق، وفلانا منافق، لكن العمل في الدّنيا على الظّاهر، ويوم القيامة على الباطن.
(( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ )) أي: تختبر، وهذا كقوله: (( أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ))، ولهذا يجب علينا يا إخواني العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، فعمل الجوارح علامةٌ ظاهرة، لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أخبر النبي عليه الصّلاة والسّلام عن الخوارج، وهو يخاطب الصّحابة، فيقول: ( يحقرُ أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم )، يعني: أنّهم يجتهدون في الأعمال الظّاهرة، لكن قلوبهم خالية والعياذ بالله، لا يتجاوز الإسلام حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فعلينا أيها الإخوة أن نعتنـي بالـقلوب، وإصلاحِـها، وأعمالها، وعقائِدها، واتجاهاتِها، قال الحسن البصري -رحمه الله-: " والله ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صوم، وإنما سبقهم بما وقر في قلبه من الإيمان " ، والإيمان إذا وقر في القلب حمل الإنسان على العمل، لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسان على إصلاح قلبه.
فعلينا أيّها الإخوة أن نعتنيَ بقلوبنا وإصلاحها، وتخليصها من شوائب الشّرك، والبدع، والحِقد، والبغضاء، وكراهة ما أنزل الله على رسوله، وكراهة الصّحابة رضي الله عنهم، وغير ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه.
ثم قال تعالى: (( فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ )) يعني: يوم القيامة ما للإنسان قوّة ذاتيّة.
ولا ناصر: وهي القوة الخارجية.
فهو بنفسه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدافع عنـه، قال الله تعالى: (( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ))، في الدنيا يتساءلون، يسأل بعضهم بعضاً، ويحتمي بعضهم ببعض، لكن يوم القيامة لا أنساب: يعني لا قرابة، لا تنفع القرابة، ولا يتساءلون، فنسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وقلوبكم، وأعمالنا وأعمالكم، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
والآن نبدأ بالأسئلة ونرجو أن يكون السّؤال سؤالا واحداً حتى يكون أكثر استيعابًا لأسئلتكم، فنبدأ باليمين أوّلًا ثمّ باليسار.
ما القول في الجمع بين حديث أبي ذر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم عليه ثوب أبيض وفيه "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ..." وأصحاب الفرق الضالة الذين يشهدون شهادة التوحيد ويموتون عليها .؟
السائل : بسم الله الرّحمن الرّحيم، والحمد لله ربّ العالمين، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ : وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
السائل : فضيلة الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين ما القول في الجمع بين الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي الأسود الديلي أنّ أبا ذرّ حدّثه أنّه قال: ( أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، وعليه ثوب أبيض، ثم أتيته فإذا هو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فجلستُ إليه، فقال: ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق، قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق، ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رَغم أنف أبي ذر، فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذر ).
أقول ما الجمع بين هذا الحديث وبين ما نراه وما نقرأه من أصحاب الفرق الضّالة كـالرّافضة والخوارج، وما يكون من المنافقين، حيث إنّهم يشهدون شهادة التّوحيد، ويموتون عليها، أفيدونا وفقكم الله وأثابكم؟
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين:
حديث أبي ذرّ كما سمعتم يدلّ دلالة ظاهرة على أنّ هذا القائل أي: قائلَ لا إله إلا الله مؤمن حقّا، لكن سوّلت له نفسه ففعل بعض المعاصي، بل بعض الكبائر من الزنا والسرقة وغير ذلك، وطريق أهل السّنة والجماعة أنّ الإنسان المؤمن وإن فعل الكبيرة مآله الجنة، وما قبل الجنّة من العقوبة راجع إلى الله عزَّ وجلَّ، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له، ودليل ذلك قوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))، فصار جميع فاعلي المعاصي وإن عظمت إذا كانت دون الكفر لا تمنع من دخول الجنة، مآل فاعلها إلى الجنّة، لكن قد يعذّب بما فعل من ذنب، وقد يغفر الله له، والأمر راجع إلى الله: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )).
أمّا المنافقون، وأهل البدع المكفِّرة التي تكفِّرهم بدعُهم فإنهم حقيقة لم يقولوا لا إله إلا الله بقلوبهم، لأنّ هذا الانحراف الذي أدّى إلى الكفر ينافي الإخلاص، وقولُ لا إله إلا الله لابدّ فيه من الإخلاص، أمّا أن يقول: لا إله إلا الله وهو يعتقد أن لا ربّ ولا إله والعياذ بالله، أو يعتقد أن مع الله إلها يدبّر الكـون، أو يعتـقد مثلا أنّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ارتدّوا كلهم بعد موته، أو يعتقد أن أبا بكر وعمر ارتدّا بعد موت الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، أو ما أشبه ذلك من البدع المكفِّرة، فهؤلاء لم يخلصوا قول لا إله إلا الله، فكانت بدعهم هذه تنافي قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( من شهد أن لا إله إلاّ الله -أو من قال- لا إله إلاّ الله دخل الجنة ) نعم، واضح؟
السائل : لكن يا شيخ ما قال ... يعني كلام الرّسول ما يدلّ على أنّه أيّ واحد قال لا إله إلا الله؟
الشيخ : لا، لا، لابدّ من الإخلاص، ولهذا استَمِعْ إلى قول الله تعالى في المنافقين: (( يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ))، وفي نفس السورة يقول: (( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا ))، ويقول عنهم: (( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ )) هذه شهادة بالرّسالة، (( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )) أي: كاذبون في قولهم: نشهد إنّك لرسول الله، نعم.
الشيخ : وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
السائل : فضيلة الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين ما القول في الجمع بين الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي الأسود الديلي أنّ أبا ذرّ حدّثه أنّه قال: ( أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، وعليه ثوب أبيض، ثم أتيته فإذا هو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فجلستُ إليه، فقال: ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق، قلت: وإن زَنَى وإن سرق؟ قال: وإن زَنَى وإن سرق، ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رَغم أنف أبي ذر، فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذر ).
أقول ما الجمع بين هذا الحديث وبين ما نراه وما نقرأه من أصحاب الفرق الضّالة كـالرّافضة والخوارج، وما يكون من المنافقين، حيث إنّهم يشهدون شهادة التّوحيد، ويموتون عليها، أفيدونا وفقكم الله وأثابكم؟
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين:
حديث أبي ذرّ كما سمعتم يدلّ دلالة ظاهرة على أنّ هذا القائل أي: قائلَ لا إله إلا الله مؤمن حقّا، لكن سوّلت له نفسه ففعل بعض المعاصي، بل بعض الكبائر من الزنا والسرقة وغير ذلك، وطريق أهل السّنة والجماعة أنّ الإنسان المؤمن وإن فعل الكبيرة مآله الجنة، وما قبل الجنّة من العقوبة راجع إلى الله عزَّ وجلَّ، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له، ودليل ذلك قوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))، فصار جميع فاعلي المعاصي وإن عظمت إذا كانت دون الكفر لا تمنع من دخول الجنة، مآل فاعلها إلى الجنّة، لكن قد يعذّب بما فعل من ذنب، وقد يغفر الله له، والأمر راجع إلى الله: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )).
أمّا المنافقون، وأهل البدع المكفِّرة التي تكفِّرهم بدعُهم فإنهم حقيقة لم يقولوا لا إله إلا الله بقلوبهم، لأنّ هذا الانحراف الذي أدّى إلى الكفر ينافي الإخلاص، وقولُ لا إله إلا الله لابدّ فيه من الإخلاص، أمّا أن يقول: لا إله إلا الله وهو يعتقد أن لا ربّ ولا إله والعياذ بالله، أو يعتقد أن مع الله إلها يدبّر الكـون، أو يعتـقد مثلا أنّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ارتدّوا كلهم بعد موته، أو يعتقد أن أبا بكر وعمر ارتدّا بعد موت الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، أو ما أشبه ذلك من البدع المكفِّرة، فهؤلاء لم يخلصوا قول لا إله إلا الله، فكانت بدعهم هذه تنافي قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( من شهد أن لا إله إلاّ الله -أو من قال- لا إله إلاّ الله دخل الجنة ) نعم، واضح؟
السائل : لكن يا شيخ ما قال ... يعني كلام الرّسول ما يدلّ على أنّه أيّ واحد قال لا إله إلا الله؟
الشيخ : لا، لا، لابدّ من الإخلاص، ولهذا استَمِعْ إلى قول الله تعالى في المنافقين: (( يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ))، وفي نفس السورة يقول: (( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا ))، ويقول عنهم: (( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ )) هذه شهادة بالرّسالة، (( وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )) أي: كاذبون في قولهم: نشهد إنّك لرسول الله، نعم.
2 - ما القول في الجمع بين حديث أبي ذر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم عليه ثوب أبيض وفيه "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ..." وأصحاب الفرق الضالة الذين يشهدون شهادة التوحيد ويموتون عليها .؟ أستمع حفظ
ما حكم ما تفعله الجيوش الإسلامية التي تدرب فرقا خاصة على أكل الحيات والضفادع وشرب بول الآدمي.؟
السائل : السّلام عليكم ورحمة الله .
فضيلة الشّيخ في بعض الجيوش الإسلامية يختارون فرقة يدربّونها على أكل الحيّات، والضّفادع، وشرب بولهم، بحجّة أنّ ذلك يقوّيهم .
الشيخ : بول الإنسان نفسه وإلاّ بول الثّعابن؟
السائل : بول الإنسان نفسه، فهل هذا يجوز؟
الشيخ : هذا لا يجوز، ولا يحلّ، ولا يمكن أن يكون استحلالُ المعصية سبباً للنّصر أبدًا، بل المعصية سبب للخذلان، أرأيت قول الله تعالى: (( حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ )): يشـير سبحانه وتعالى إلى غزوة أحد، وليس فيها إلا معصية واحدة، ومع ذلك خُذِل أشرفُ جيش على وجه الأرض من وقت خلق آدم إلى أن تقوم السّاعة بسبب هذه المعصية، وسببها أن الرسول عليه الصلاة والسلام رتب الجند، وقال لخمسين رجلاً من الرماة كونوا هنا في مكان مهمّ يحمون ظهور المسلمين، ولما انكشف المشركون وانهزموا، وجعل المسلمون يجمعون الغنائم نزل هؤلاء الرماة أو أكثرهم، لأنهم ظنّوا أنّ المسألة انتهت، فذكَّرهم أميرهم بقول الرسول عليه الصّلاة والسّلام لا تبرحوا يعني عن مكانكم، سواءً كانت لنا أو علينا، ولكنهم رضي الله عنهم، وتجاوز الله عنهم، وعفا عنهم لم يمتثلوا، بل نزلوا، فحصلت الهزيمة بعد أن كان النصر في أوّل النّهار للمسلمين صار بالعكس من معصية واحدة، فكيف بالذي يقول: اشرب بولك، وكُل الحيات، وما أشبه ذلك؟! هذا لا يقوله مسلم، بل الذي يظهر لي أن هذا متلقّى من الكفّار الذين لا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله.
السائل : يا شيخ هذا موجود في فِرَق الصاعقة الموجودة في بعض الدول الإسلامية.
الشيخ : حتى ولو وُجد في أي مكان، هذا لا يحل لهم أبدًا، فالمحرّمات لا تجوز إلا عند الضّرورة، فإذا جاءت الضّرورة عَرف الإنسان كيف يأكل ويشرب، الآن في حال الاختيار نجعله يشرب البول، ويأكل الحرام، خوفاً من أن يحتاج إلى ذلك! نقول: إذا حلّت الضّرورة في تلك السّاعة فقد أباحَ الله للإنسان أن يأكل ما حرّم الله عليه، كما قال تعالى: (( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )) أي نعم.
فضيلة الشّيخ في بعض الجيوش الإسلامية يختارون فرقة يدربّونها على أكل الحيّات، والضّفادع، وشرب بولهم، بحجّة أنّ ذلك يقوّيهم .
الشيخ : بول الإنسان نفسه وإلاّ بول الثّعابن؟
السائل : بول الإنسان نفسه، فهل هذا يجوز؟
الشيخ : هذا لا يجوز، ولا يحلّ، ولا يمكن أن يكون استحلالُ المعصية سبباً للنّصر أبدًا، بل المعصية سبب للخذلان، أرأيت قول الله تعالى: (( حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ )): يشـير سبحانه وتعالى إلى غزوة أحد، وليس فيها إلا معصية واحدة، ومع ذلك خُذِل أشرفُ جيش على وجه الأرض من وقت خلق آدم إلى أن تقوم السّاعة بسبب هذه المعصية، وسببها أن الرسول عليه الصلاة والسلام رتب الجند، وقال لخمسين رجلاً من الرماة كونوا هنا في مكان مهمّ يحمون ظهور المسلمين، ولما انكشف المشركون وانهزموا، وجعل المسلمون يجمعون الغنائم نزل هؤلاء الرماة أو أكثرهم، لأنهم ظنّوا أنّ المسألة انتهت، فذكَّرهم أميرهم بقول الرسول عليه الصّلاة والسّلام لا تبرحوا يعني عن مكانكم، سواءً كانت لنا أو علينا، ولكنهم رضي الله عنهم، وتجاوز الله عنهم، وعفا عنهم لم يمتثلوا، بل نزلوا، فحصلت الهزيمة بعد أن كان النصر في أوّل النّهار للمسلمين صار بالعكس من معصية واحدة، فكيف بالذي يقول: اشرب بولك، وكُل الحيات، وما أشبه ذلك؟! هذا لا يقوله مسلم، بل الذي يظهر لي أن هذا متلقّى من الكفّار الذين لا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله.
السائل : يا شيخ هذا موجود في فِرَق الصاعقة الموجودة في بعض الدول الإسلامية.
الشيخ : حتى ولو وُجد في أي مكان، هذا لا يحل لهم أبدًا، فالمحرّمات لا تجوز إلا عند الضّرورة، فإذا جاءت الضّرورة عَرف الإنسان كيف يأكل ويشرب، الآن في حال الاختيار نجعله يشرب البول، ويأكل الحرام، خوفاً من أن يحتاج إلى ذلك! نقول: إذا حلّت الضّرورة في تلك السّاعة فقد أباحَ الله للإنسان أن يأكل ما حرّم الله عليه، كما قال تعالى: (( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )) أي نعم.
3 - ما حكم ما تفعله الجيوش الإسلامية التي تدرب فرقا خاصة على أكل الحيات والضفادع وشرب بول الآدمي.؟ أستمع حفظ
هل أحاديث من شهد بالتوحيد دخل الجنة نسخت بأحاديث الفرائض كما ورد عن بعض السلف .؟
السائل : عفا الله عنك يا شيخ، ورد عن بعض السلف في أحاديث التوحيد أن مَن شهد بالتوحيد دخل الجنة.
الشيخ : أنّ من؟
السائل : أنّ من شهد بالتّوحيد دخل الجنّة، ورد عن بعض السلف أنّها منسوخة بأحاديث الفرائض، فهل هذا القول صحيح؟
الشيخ : الصّحيح أنّه لا نسخ في هذا، ولكن ليكن معلومًا أنّ من شهد بالتوحيد مخلصًا فلا يمكن أبدًا أن يَدَع الفرائض، لأنّ إخلاصه يحمله على أن يفعل، كيف تشهد أن لا إله إلا الله، أي: لا معبود حقّ إلا الله، وكيف تقول: أنا أريد بذلك وجه الله، ثمّ لا تعمل العمل الذي يوصلك إلى مرضاته، فهذا لا يمكن، ولهذا كان من حافظ على ترك الصلاة ولم يصلّ صار كافراً، حتى ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر ولكن لا يصلّي فنقول: أنت كافر، لا فرق بينك وبين الذي يسجد للصّنم، ولهذا جاء لفظ رواية مسلم في حديث جابر: ( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة ).
السائل : عفا الله عنك بعضهم يقول معنى منسوخة أي أنّها مخصّصة، فهل هذا صحيح؟
الشيخ : أبدًا ما خصّت ولا شيء لأننا نقول: أنّه بالالتزام، متى شهد أن لا إله إلاّ الله حقّا فسوف تحمله هذه الشهادة على القيام بفرائض الله.
الشيخ : أنّ من؟
السائل : أنّ من شهد بالتّوحيد دخل الجنّة، ورد عن بعض السلف أنّها منسوخة بأحاديث الفرائض، فهل هذا القول صحيح؟
الشيخ : الصّحيح أنّه لا نسخ في هذا، ولكن ليكن معلومًا أنّ من شهد بالتوحيد مخلصًا فلا يمكن أبدًا أن يَدَع الفرائض، لأنّ إخلاصه يحمله على أن يفعل، كيف تشهد أن لا إله إلا الله، أي: لا معبود حقّ إلا الله، وكيف تقول: أنا أريد بذلك وجه الله، ثمّ لا تعمل العمل الذي يوصلك إلى مرضاته، فهذا لا يمكن، ولهذا كان من حافظ على ترك الصلاة ولم يصلّ صار كافراً، حتى ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر ولكن لا يصلّي فنقول: أنت كافر، لا فرق بينك وبين الذي يسجد للصّنم، ولهذا جاء لفظ رواية مسلم في حديث جابر: ( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة ).
السائل : عفا الله عنك بعضهم يقول معنى منسوخة أي أنّها مخصّصة، فهل هذا صحيح؟
الشيخ : أبدًا ما خصّت ولا شيء لأننا نقول: أنّه بالالتزام، متى شهد أن لا إله إلاّ الله حقّا فسوف تحمله هذه الشهادة على القيام بفرائض الله.
ما حكم المسح لمن لبس الجوارب على طهارة ولم ينو المسح .؟
السائل : بسم الله الرّحمن الرّحيم .
بالنّسبة يا فضيلة الشّيخ إذا لبست الجوارب على طهارة، ولم أنو المسح، فهل لي أن أمسح إذا حان وقت الصلاة؟
الشيخ : أي نعم، إذا لبس الإنسان الجوارب وهي الشّرّاب على طهارة، وإن لم ينو المسح إذا توضّأ، فإنّه يمسح حتّى ولو فُرِضَ أنه لبسها في الصّباح بعد الفجر ومن نيّته أنه يخلعها قبل الظّهر، يعني: لو نوى أنه يخلعها قبل الظهر ثم جاء وقت الظّهر ولم يخلعها فله أن يمسح عليها.
السائل : بالسّاعة يا شيخ التّوقيت يوم وليلة؟
الشيخ : يوم وليلة بالسّاعة.
السائل : بالسّاعة؟
الشيخ : بالسّاعة.
بالنّسبة يا فضيلة الشّيخ إذا لبست الجوارب على طهارة، ولم أنو المسح، فهل لي أن أمسح إذا حان وقت الصلاة؟
الشيخ : أي نعم، إذا لبس الإنسان الجوارب وهي الشّرّاب على طهارة، وإن لم ينو المسح إذا توضّأ، فإنّه يمسح حتّى ولو فُرِضَ أنه لبسها في الصّباح بعد الفجر ومن نيّته أنه يخلعها قبل الظّهر، يعني: لو نوى أنه يخلعها قبل الظهر ثم جاء وقت الظّهر ولم يخلعها فله أن يمسح عليها.
السائل : بالسّاعة يا شيخ التّوقيت يوم وليلة؟
الشيخ : يوم وليلة بالسّاعة.
السائل : بالسّاعة؟
الشيخ : بالسّاعة.
ما حكم الإنتساب إلى الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة .؟
السائل : يا شيخ جزاك الله خيرًا، ما حكم الإنتساب إلى الجماعات الإسلاميّة الموجودة الآن في السّاحة، ونريد خطوطا واضحة في التّعامل معها؟
الشيخ : نعم، أوّلًا يا أخي أنا لا أقرّ ولا أوافق على التّكتّل الدّيني، بمعنى: أنّ كلّ حزب يرى نفسه أنّه منفرد عن الآخرين، لأنّ هذا يدخل في قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ))، ولهذا تجد هؤلاء المتفرّقين عندهم من كراهة بعضهم لبعض أشدّ من كرههم للفاسقين الذين يعلنون بفسقهم كما نسمع، حتى إن بعضهم يضلل الآخر ويكفِّره بدون سبب للتّكفير، فأنا لا أرى التكتّل الديني والتّحزّب الدّينيّ، وأرى أنّه يجب محو هذه الأحزاب، وأن نكون كما كان الصّحابة رضي الله عنهم عليه، أمّة واحدة، ومن أخطأ منّا في طريق عقدي أو قوليّ أو فعليّ فعلينا أن ننصحه وندلّه إلى الحقّ، فإن اهتدى فهذا المطلوب، وإن كان الصواب معه وجب علينا الرجوع إلى ما كان عليه هو، وإذا كان الصواب معنا وأصَرَّ على ما هو عليه بلا تأويل سائغ، فحينئذ نحذّر من رأيه وممّا ذهب إليه دون أن نعتقد أنّنا في حزب وهو في حزب، فنشطّر الأمّة الإسلاميّة إلى شطرين أو أكثر، فأرى أنّه ينبغي لنا بل يجب علينا أن نكون ضدّ هذه الأحزاب، أيْ ضدّ التّحزّب.
والحمد لله، الأمّة كما اتّفق أوّلها على جادَّة واحدة وطريق واحد فيمكن أن يتّفق آخرها.
السائل : فهل يا شيخ تحذِّر من هذه الأحزاب؟
الشيخ : لا، أنا أحذِّر من التّحزّب.
السائل : هذا هو واقع الأحزاب بنفس هذا ؟
الشيخ : لا، لأنّي لو قلت أحذّر من الأحزاب فقد يكون هذا الحزب على حقّ، فلا أحذِّر منه، بل أحذِّر من التّحزب، وأرى أنه يجب على هؤلاء الذين يقولون إن هؤلاء تبيلغيّون، وهؤلاء إخوانيّون، وهؤلاء سلفيّون، وهؤلاء إصلاحيّون وما أشبه ذلك، أرى أنّه يجب أن يجتمع بعضُهم إلى بعض، وأن يتدارسوا الأمر، وأن يخرجوا بفكرٍ واحد ورأي واحد، أمّا أن يتعادون الآن كما هو في السّاحة، فتجد هؤلاء يسبّون هؤلاء ويقعون في أعراضهم، وهذا يوهن الجميع الآن، فالعامّة إذا رأوا أنّهم في عمى هذا يقول الحق عندي، والباطل مع ذاك، وهذا يقول الحق عندي، والباطل مع الآخر، تبقى العامّة متحيِّرة.
السائل : طيّب يا شيخ طالب العلم !
الشيخ : لا، لك سؤال واحد.
السائل : فهذا موضوع مهم ويحتاج إلى فتاوى صريحة، لأنّ الشّباب تفرّقوا.
الشيخ : أنا الآن أعطيتك فتوى صريحة، الصّريحة أوّلاً: أنا أرى أنه لا يجوز التّحزّب أبدًا.
السائل : طيب يجوز الانتساب يا شيخ؟
الشيخ : ولا الانتساب، فالانتساب معناه: أنّك تشعر بأنّك منفرد عن الآخرين، وكيف تنفرد عن الآخرين وهم إخوانك من المؤمنين، إخوانك أخطؤوا في شيء عَمَلي أو عَقَدي اجتمع بهم وناقشهم وبيّن لهم الخطأ، لكن ثق بأنّهم إذا سمعوا مثلاً أنّ هؤلاء يقدحون فيهم أو يحذِّرون منهم، فسيزداد تمسكّهم بما هم عليه، حتى وإن كان باطلا، لأنّ هذه طبيعة النفس البشرية.
ولكن لو أنّنا قلنا: يا جماعة كلّنا إخوان مسلمون، كلّنا نريد الوصول إلى شريعة الله، فلنكن عليها سواءً، فإذا كان الله عزَّ وجلَّ يقول: (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً )) فكيف بإخواننا المسلمين؟! تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، فمثلا التبليغيون عندهم قاعدة: أن يخرج الإنسان ثلاثة أيام، أو أربعة، أو أسبوعا، أو شهرا، فنبحث هذه الطريقة ما هي؟
وعندهم مثلا عدم الخوض في المسائل العلمية، والتعمق فيها، فنبحث معهم، ونقول لماذا تقرّرون ثلاثة أيّام، أو أربعة، أو أسبوعاً، أو شهراً، أو ما أشبه ذلك؟ لماذا؟ وننظر إذا كان لهم غرضٌ صحيح ومقصودٌ ونافع، فلا نذهب لنُبَدِّعَهم، ونشهِّرَ بهم من أجل ذلك، وإذا كانوا يكرهون المناقشة في العلم والتعمق فيه، نسألهم: لماذا؟
قالوا: لئلاّ تحصل عداوة بين المتناقشين، نقول هذا غلط، فالإنسان الذي يريد الحق لو ناقشه غيرُه للوصول إلى الحقّ لا يكرهه، بل قد يقول: هذا من نعمة الله عليَّ أنّ أحداً يناقشني حتّى إذا كنتُ على خطأ يتبيَّن لي خطئي.
السائل : سؤال آخر في نفس الموضوع.
الشيخ : لا ما فيه سؤال.
السائل : طلبتك يا شيخ سالم الطويل، وحمد العثمان عندنا في الكويت يحاربان صراحة عدم الحزبية، ويضادون من بعض الجماعات إلا من رحم الله، فما نصيحتك لهما؟ الشّيخ حمد وسالم الطّويل.
الشيخ : أنا هذه نصيحتي وقد سمعتها الآن لهما ولغيرهما، وأنا أخبرك أيضاً أنه في مجلسنا هذا لا نتعرض لاسم شخص، لكن لكونك لا تدري عن منهجنا نسامحك في هذا.
السائل : جزاك الله خيرا.
الشيخ : وإلاّ لا نرضى أن أحداً يتكلّم عن شخص معيّن، مهما كان، نعم.
الشيخ : نعم، أوّلًا يا أخي أنا لا أقرّ ولا أوافق على التّكتّل الدّيني، بمعنى: أنّ كلّ حزب يرى نفسه أنّه منفرد عن الآخرين، لأنّ هذا يدخل في قوله تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ))، ولهذا تجد هؤلاء المتفرّقين عندهم من كراهة بعضهم لبعض أشدّ من كرههم للفاسقين الذين يعلنون بفسقهم كما نسمع، حتى إن بعضهم يضلل الآخر ويكفِّره بدون سبب للتّكفير، فأنا لا أرى التكتّل الديني والتّحزّب الدّينيّ، وأرى أنّه يجب محو هذه الأحزاب، وأن نكون كما كان الصّحابة رضي الله عنهم عليه، أمّة واحدة، ومن أخطأ منّا في طريق عقدي أو قوليّ أو فعليّ فعلينا أن ننصحه وندلّه إلى الحقّ، فإن اهتدى فهذا المطلوب، وإن كان الصواب معه وجب علينا الرجوع إلى ما كان عليه هو، وإذا كان الصواب معنا وأصَرَّ على ما هو عليه بلا تأويل سائغ، فحينئذ نحذّر من رأيه وممّا ذهب إليه دون أن نعتقد أنّنا في حزب وهو في حزب، فنشطّر الأمّة الإسلاميّة إلى شطرين أو أكثر، فأرى أنّه ينبغي لنا بل يجب علينا أن نكون ضدّ هذه الأحزاب، أيْ ضدّ التّحزّب.
والحمد لله، الأمّة كما اتّفق أوّلها على جادَّة واحدة وطريق واحد فيمكن أن يتّفق آخرها.
السائل : فهل يا شيخ تحذِّر من هذه الأحزاب؟
الشيخ : لا، أنا أحذِّر من التّحزّب.
السائل : هذا هو واقع الأحزاب بنفس هذا ؟
الشيخ : لا، لأنّي لو قلت أحذّر من الأحزاب فقد يكون هذا الحزب على حقّ، فلا أحذِّر منه، بل أحذِّر من التّحزب، وأرى أنه يجب على هؤلاء الذين يقولون إن هؤلاء تبيلغيّون، وهؤلاء إخوانيّون، وهؤلاء سلفيّون، وهؤلاء إصلاحيّون وما أشبه ذلك، أرى أنّه يجب أن يجتمع بعضُهم إلى بعض، وأن يتدارسوا الأمر، وأن يخرجوا بفكرٍ واحد ورأي واحد، أمّا أن يتعادون الآن كما هو في السّاحة، فتجد هؤلاء يسبّون هؤلاء ويقعون في أعراضهم، وهذا يوهن الجميع الآن، فالعامّة إذا رأوا أنّهم في عمى هذا يقول الحق عندي، والباطل مع ذاك، وهذا يقول الحق عندي، والباطل مع الآخر، تبقى العامّة متحيِّرة.
السائل : طيّب يا شيخ طالب العلم !
الشيخ : لا، لك سؤال واحد.
السائل : فهذا موضوع مهم ويحتاج إلى فتاوى صريحة، لأنّ الشّباب تفرّقوا.
الشيخ : أنا الآن أعطيتك فتوى صريحة، الصّريحة أوّلاً: أنا أرى أنه لا يجوز التّحزّب أبدًا.
السائل : طيب يجوز الانتساب يا شيخ؟
الشيخ : ولا الانتساب، فالانتساب معناه: أنّك تشعر بأنّك منفرد عن الآخرين، وكيف تنفرد عن الآخرين وهم إخوانك من المؤمنين، إخوانك أخطؤوا في شيء عَمَلي أو عَقَدي اجتمع بهم وناقشهم وبيّن لهم الخطأ، لكن ثق بأنّهم إذا سمعوا مثلاً أنّ هؤلاء يقدحون فيهم أو يحذِّرون منهم، فسيزداد تمسكّهم بما هم عليه، حتى وإن كان باطلا، لأنّ هذه طبيعة النفس البشرية.
ولكن لو أنّنا قلنا: يا جماعة كلّنا إخوان مسلمون، كلّنا نريد الوصول إلى شريعة الله، فلنكن عليها سواءً، فإذا كان الله عزَّ وجلَّ يقول: (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً )) فكيف بإخواننا المسلمين؟! تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، فمثلا التبليغيون عندهم قاعدة: أن يخرج الإنسان ثلاثة أيام، أو أربعة، أو أسبوعا، أو شهرا، فنبحث هذه الطريقة ما هي؟
وعندهم مثلا عدم الخوض في المسائل العلمية، والتعمق فيها، فنبحث معهم، ونقول لماذا تقرّرون ثلاثة أيّام، أو أربعة، أو أسبوعاً، أو شهراً، أو ما أشبه ذلك؟ لماذا؟ وننظر إذا كان لهم غرضٌ صحيح ومقصودٌ ونافع، فلا نذهب لنُبَدِّعَهم، ونشهِّرَ بهم من أجل ذلك، وإذا كانوا يكرهون المناقشة في العلم والتعمق فيه، نسألهم: لماذا؟
قالوا: لئلاّ تحصل عداوة بين المتناقشين، نقول هذا غلط، فالإنسان الذي يريد الحق لو ناقشه غيرُه للوصول إلى الحقّ لا يكرهه، بل قد يقول: هذا من نعمة الله عليَّ أنّ أحداً يناقشني حتّى إذا كنتُ على خطأ يتبيَّن لي خطئي.
السائل : سؤال آخر في نفس الموضوع.
الشيخ : لا ما فيه سؤال.
السائل : طلبتك يا شيخ سالم الطويل، وحمد العثمان عندنا في الكويت يحاربان صراحة عدم الحزبية، ويضادون من بعض الجماعات إلا من رحم الله، فما نصيحتك لهما؟ الشّيخ حمد وسالم الطّويل.
الشيخ : أنا هذه نصيحتي وقد سمعتها الآن لهما ولغيرهما، وأنا أخبرك أيضاً أنه في مجلسنا هذا لا نتعرض لاسم شخص، لكن لكونك لا تدري عن منهجنا نسامحك في هذا.
السائل : جزاك الله خيرا.
الشيخ : وإلاّ لا نرضى أن أحداً يتكلّم عن شخص معيّن، مهما كان، نعم.
اضيفت في - 2005-08-27