سلسلة لقاء الباب المفتوح-050a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة لقاء الباب المفتوح
التعليق على قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ...... ولعلكم تشكرون ".
الشيخ : بسم الله الرّحمن الرّحيم .
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أما بعد:
فهذا يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر شعبان، عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، وهو المجلس الأول في آخر الإجازة الرّبعية، وبمناسبة قرب رمضان يحسن أن نتحدّث قليلاً عن قوله تبارك وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )):
فهذه الآية صدَّرها الله عزّ وجلّ بهذا النّداء: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) وبوصف الإيمان، لأنّ وصف الإيمان يحمل الإنسان على أن يمتثل أمر الله ويجتنب نهيه، وهو وصف لا شكّ محمود محبوب إلى الخلق، فكلّ إنسان يحبّ أن يوصف بالإيمان، وكلّ إنسان يودّ أن يتمّم الله إيمانَه، فإذا نادى الله تعالى بهذا الوصف المحمود المحبوب كان أدعى للقبول، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما يروى عنه: " إذا سمعتَ الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك، فإنه إما خير تؤمر به، وإما شرٌّ تنهى عنه "، والذي في جلستنا هذه هو خير نُؤمر به: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ )) أي: فرض، والفارض له هو الله عزّ وجلّ، فرضه على عباده، وقد جاءت السّنّة بأنّه أحد أركان الإسلام الخمسة.
وفي قوله: (( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )) إشارة إلى فائدتين:
الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمّة، حتّى لا يقول قائل: لماذا ألزمنا نحن بترك شهواتنا مِن مطعوم، ومشروب، ومنكوح دون غيرنا من الأمم؟
فيكون في هذا نوع تسلية لهذه الأمة، وأنّها لم تلزم بما لم تلزم به الأمم قبلها.
والفائدة الثانية: بيان استكمال هذه الأُمّة للفضائل التي سبقت للأمم من قبلها، ولهذا كان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام خاتم الأنبياء، وقد ضَرب مثلاً لحاله مع إخوانه المرسلين بقصرٍ مشيد عُمِر: ( فكان الناس يطوفون به ويقولون: ما أحسن هذا القصر، إلاّ موضع لبنة فيه )، وكان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام هو الذي حلّ أو سدّ موضع هذه اللّبنة وبه تمّ البناء، فتمّت الشّرائع والحمد لله بهذه الشّريعة الإسلاميّة.
ثمّ بيّن الله عزّ وجلّ الحكمة من فرضه فقال: (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) لم يقل: لعلّكم تجوعون، أو تعطشون، أو يشقّ عليكم مجانبة الأهل، بل قال: (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))، هذه هي الحكمة من فرض الصّوم، ولهذا جاء في الحديث: ( ربّ صائمٍ حظّه من صيامه الجوع والظّمأ ).
فما هي التّقوى؟
التّقوى: عبارة عن اتّخاذ وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولهذا نقول: " التّقوى فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه "، وهذا أجمع تعريف للتّقوى.
وقد بيّن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام شيئا من ذلك في قوله: ( من لم يدع قول الزّور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) يعني: فالذي لا يترك هذه الأشياء فإنّ الله سبحانه وتعالى لا يريد منه أن يدع الطّعام والشّراب لأنّ هذا قد يكون فيه تعذيب للنّفس والله تعالى يقول: (( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ))، فالله عزّ وجلّ يريد منّا أن ندع قول الزّور والعمل به والجهل، وهذه هي الحكمة من الصوم، فلينظر الإنسان في نفسه هل قام بهذه الحكمة وهذه الغاية الحميدة أو أنّه صار صيامه مجرّد إمساك عن الأكل والشّرب والنّكاح.
ثم بيّن الله عزّ وجلّ أنّ هذا الصّيام ليس أشهراً ولا سنين ولكنّه أيّام معدودات، فهو قليل العدد، ثمّ هو قليل المشقّة: (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))، إذن ليس فيه كثرة، وليس فيه إيش؟
الطالب : مشقّة.
الشيخ : مشقّة، لأنّه إذا كان المسافر يفطر، والمريض الذي يشقّ عليه الصّوم يفطر إذن لا مشقّة، لا مشقّة ولا كثرة عدد فهو يسير ولله الحمد.
(( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )): على الذين يطيقونه أي: يقدرون عليه.
فدية طعام مسكين: يعني: من لا يريد الصّوم فإنّه يطعم عن كلّ يوم مسكينًا، وهذا تيسير، تصوم إن شئت، أو تُطعم عن كلّ يوم مسكينًا، ولو كنت تطيقه.
(( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً )): وأطعم المسكين.
(( فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )): فيخيّر الإنسان بين أن يصوم أو يُطعم ولو كان قادرًا، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى وتيسيره، لكن هل هذا بقي؟
لا، لم يبق هذا الحكم، بل نسخه ما بعده، وهو قوله تعالى: (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )): فأوجب الله الصّوم ونسخ الإطعام، لكن لمـَّا كان أوّل فرض الصّيام قد يشقّ على النّاس أن يصوموا فجأة فرُغّبوا في الصوم، وخُيّروا بينه وبين الإطعام، ثمّ لماّ استقرَّ الفرض في أنفسهم، وقرّت به أعينهم، أوجب الله عليهم الصّيام، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يُطعم مع قدرته على الصّوم، ثمّ إذا كان عاجزًا عن الصّوم فإمّا أن يكون عجزه مستمرّا فهذا يطعم عن كل يوم مسكينا، وإمّا أن يكون عجزه طارئا يرجو زواله كالمريض مرضًا عاديّا فهذا ينتظر حتّى يشفى ثمّ يصوم: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )):
(( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ )) هذا كالتّعليل لقوله: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر )) يعني: إنّما رخّص لكم الفطر في حال السّفر وفي حال المرض، لأنّه عزّ وجلّ يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر.
ولهذا جاءت الشّريعة الإسلاميّة بكلّ يسر ولله الحمد، حتّى قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فيما صحّ عنه: ( إنّ الدّين يسر )، وهذه جملة حصريّة بمعنى: أنّ الدّين كلّه يسر، ليس فيه مشقّة.
لو تأمّلت أوامر الشّريعة لوجدتها كلّها سهلة يسيرة، ثمّ إذا صار على الإنسان مشقّة في شيء منها فإنّها تنقسم إلى قسمين:
إمّا أن تسقط، وإمّا أن ينتقل إلى بدل، ففي الوضوء إذا تعذّر استعمال الماء فإنّه إيش يعمل؟
الطالب : يتيمّم.
الشيخ : يتيمّم، فإن لم يجد ما يتيمّم به سقط عنه، هذا مثال للشّيء الذي يسقط إلى بدل وإلى غير بدل، وهذا تيسير ولله الحمد، الدّين كلّه يسر.
ولهذا يجب على طالب العلم أن ينظر إلى هذه الزّاوية أكثر ممّا ينظر إلى زاوية التّعسير على الخلق، لأنّ ربّهم الذي خلقهم هو الذي قال: (( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ )).
وكثير من النّاس الآن نجده يعامل النّاس بما هو أعسر وأشقّ، وهذا إن جاءت به الشّريعة فلا بأس وليس بشاقّ إلاّ في تصوّر بعض النّاس، وأمّا إذا لم تأتِ به الشّريعة فإنّه لا حجّة لك عند الله يوم القيامة إذا قال لك: لماذا عسّرت على عبادي وأنا ميسّر لهم؟
ولهذا يجب أن ننظر إلى هذا نظرة فاحصة، وألاّ نُلزم النّاس بما لم يلزمهم الله به، وألاّ نُحرّم عليهم ما لم يحرّمه الله عليهم، حتّى وإن فُرض أنّنا عندهم قدوة، وأنّهم يطيعوننا فإنّنا في الواقع بينهم وبين الله، وسوف يسألنا الله عزّ وجلّ.
(( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ )) أي عدة رمضان . َ
(( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )): لتكملوا العدّة الفائدة من هذه الجملة ألاّ نتسرّع في الإفطار، فمثلاً لو شهد شاهد واحد على دخول شهر شوال ليلة ثلاثين من رمضان فإنّنا لا نقبل قوله حتّى يأتي بشاهد آخر يشهد بأنّه يرى هلال شوّال، فحينئذ نأخذ بقوله، ونكون قد أكملنا العدّة.
(( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )) وهذا في آخر الأيّام إذا غابت الشّمس ليلة عيد الفطر فإنّه يشرع للنّاس أن يُكبّروا الله عزّ وجلّ على ما هداهم، لأنّ هدايته لهم نعمة كبيرة يستحق عليها الشكر (( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمّم لنا ولكم صيام رمضان وقيامه على أحسن وجه، وأن نقوم بذلك إيمانا واحتسابًا، إنّه على كل شيء قدير.
والآن إلى الأسئلة ونبدأ باليمين، والقاعدة عندنا أنّ لكلّ واحد سؤالا فقط.
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .
أما بعد:
فهذا يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر شعبان، عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، وهو المجلس الأول في آخر الإجازة الرّبعية، وبمناسبة قرب رمضان يحسن أن نتحدّث قليلاً عن قوله تبارك وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )):
فهذه الآية صدَّرها الله عزّ وجلّ بهذا النّداء: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) وبوصف الإيمان، لأنّ وصف الإيمان يحمل الإنسان على أن يمتثل أمر الله ويجتنب نهيه، وهو وصف لا شكّ محمود محبوب إلى الخلق، فكلّ إنسان يحبّ أن يوصف بالإيمان، وكلّ إنسان يودّ أن يتمّم الله إيمانَه، فإذا نادى الله تعالى بهذا الوصف المحمود المحبوب كان أدعى للقبول، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما يروى عنه: " إذا سمعتَ الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك، فإنه إما خير تؤمر به، وإما شرٌّ تنهى عنه "، والذي في جلستنا هذه هو خير نُؤمر به: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ )) أي: فرض، والفارض له هو الله عزّ وجلّ، فرضه على عباده، وقد جاءت السّنّة بأنّه أحد أركان الإسلام الخمسة.
وفي قوله: (( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ )) إشارة إلى فائدتين:
الفائدة الأولى: تسلية هذه الأمّة، حتّى لا يقول قائل: لماذا ألزمنا نحن بترك شهواتنا مِن مطعوم، ومشروب، ومنكوح دون غيرنا من الأمم؟
فيكون في هذا نوع تسلية لهذه الأمة، وأنّها لم تلزم بما لم تلزم به الأمم قبلها.
والفائدة الثانية: بيان استكمال هذه الأُمّة للفضائل التي سبقت للأمم من قبلها، ولهذا كان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام خاتم الأنبياء، وقد ضَرب مثلاً لحاله مع إخوانه المرسلين بقصرٍ مشيد عُمِر: ( فكان الناس يطوفون به ويقولون: ما أحسن هذا القصر، إلاّ موضع لبنة فيه )، وكان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام هو الذي حلّ أو سدّ موضع هذه اللّبنة وبه تمّ البناء، فتمّت الشّرائع والحمد لله بهذه الشّريعة الإسلاميّة.
ثمّ بيّن الله عزّ وجلّ الحكمة من فرضه فقال: (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) لم يقل: لعلّكم تجوعون، أو تعطشون، أو يشقّ عليكم مجانبة الأهل، بل قال: (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ))، هذه هي الحكمة من فرض الصّوم، ولهذا جاء في الحديث: ( ربّ صائمٍ حظّه من صيامه الجوع والظّمأ ).
فما هي التّقوى؟
التّقوى: عبارة عن اتّخاذ وقاية من عذاب الله، ولا وقاية من عذاب الله إلا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولهذا نقول: " التّقوى فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى عنه "، وهذا أجمع تعريف للتّقوى.
وقد بيّن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام شيئا من ذلك في قوله: ( من لم يدع قول الزّور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) يعني: فالذي لا يترك هذه الأشياء فإنّ الله سبحانه وتعالى لا يريد منه أن يدع الطّعام والشّراب لأنّ هذا قد يكون فيه تعذيب للنّفس والله تعالى يقول: (( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ))، فالله عزّ وجلّ يريد منّا أن ندع قول الزّور والعمل به والجهل، وهذه هي الحكمة من الصوم، فلينظر الإنسان في نفسه هل قام بهذه الحكمة وهذه الغاية الحميدة أو أنّه صار صيامه مجرّد إمساك عن الأكل والشّرب والنّكاح.
ثم بيّن الله عزّ وجلّ أنّ هذا الصّيام ليس أشهراً ولا سنين ولكنّه أيّام معدودات، فهو قليل العدد، ثمّ هو قليل المشقّة: (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))، إذن ليس فيه كثرة، وليس فيه إيش؟
الطالب : مشقّة.
الشيخ : مشقّة، لأنّه إذا كان المسافر يفطر، والمريض الذي يشقّ عليه الصّوم يفطر إذن لا مشقّة، لا مشقّة ولا كثرة عدد فهو يسير ولله الحمد.
(( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )): على الذين يطيقونه أي: يقدرون عليه.
فدية طعام مسكين: يعني: من لا يريد الصّوم فإنّه يطعم عن كلّ يوم مسكينًا، وهذا تيسير، تصوم إن شئت، أو تُطعم عن كلّ يوم مسكينًا، ولو كنت تطيقه.
(( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً )): وأطعم المسكين.
(( فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ )): فيخيّر الإنسان بين أن يصوم أو يُطعم ولو كان قادرًا، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى وتيسيره، لكن هل هذا بقي؟
لا، لم يبق هذا الحكم، بل نسخه ما بعده، وهو قوله تعالى: (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )): فأوجب الله الصّوم ونسخ الإطعام، لكن لمـَّا كان أوّل فرض الصّيام قد يشقّ على النّاس أن يصوموا فجأة فرُغّبوا في الصوم، وخُيّروا بينه وبين الإطعام، ثمّ لماّ استقرَّ الفرض في أنفسهم، وقرّت به أعينهم، أوجب الله عليهم الصّيام، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يُطعم مع قدرته على الصّوم، ثمّ إذا كان عاجزًا عن الصّوم فإمّا أن يكون عجزه مستمرّا فهذا يطعم عن كل يوم مسكينا، وإمّا أن يكون عجزه طارئا يرجو زواله كالمريض مرضًا عاديّا فهذا ينتظر حتّى يشفى ثمّ يصوم: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )):
(( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ )) هذا كالتّعليل لقوله: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر )) يعني: إنّما رخّص لكم الفطر في حال السّفر وفي حال المرض، لأنّه عزّ وجلّ يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر.
ولهذا جاءت الشّريعة الإسلاميّة بكلّ يسر ولله الحمد، حتّى قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فيما صحّ عنه: ( إنّ الدّين يسر )، وهذه جملة حصريّة بمعنى: أنّ الدّين كلّه يسر، ليس فيه مشقّة.
لو تأمّلت أوامر الشّريعة لوجدتها كلّها سهلة يسيرة، ثمّ إذا صار على الإنسان مشقّة في شيء منها فإنّها تنقسم إلى قسمين:
إمّا أن تسقط، وإمّا أن ينتقل إلى بدل، ففي الوضوء إذا تعذّر استعمال الماء فإنّه إيش يعمل؟
الطالب : يتيمّم.
الشيخ : يتيمّم، فإن لم يجد ما يتيمّم به سقط عنه، هذا مثال للشّيء الذي يسقط إلى بدل وإلى غير بدل، وهذا تيسير ولله الحمد، الدّين كلّه يسر.
ولهذا يجب على طالب العلم أن ينظر إلى هذه الزّاوية أكثر ممّا ينظر إلى زاوية التّعسير على الخلق، لأنّ ربّهم الذي خلقهم هو الذي قال: (( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ )).
وكثير من النّاس الآن نجده يعامل النّاس بما هو أعسر وأشقّ، وهذا إن جاءت به الشّريعة فلا بأس وليس بشاقّ إلاّ في تصوّر بعض النّاس، وأمّا إذا لم تأتِ به الشّريعة فإنّه لا حجّة لك عند الله يوم القيامة إذا قال لك: لماذا عسّرت على عبادي وأنا ميسّر لهم؟
ولهذا يجب أن ننظر إلى هذا نظرة فاحصة، وألاّ نُلزم النّاس بما لم يلزمهم الله به، وألاّ نُحرّم عليهم ما لم يحرّمه الله عليهم، حتّى وإن فُرض أنّنا عندهم قدوة، وأنّهم يطيعوننا فإنّنا في الواقع بينهم وبين الله، وسوف يسألنا الله عزّ وجلّ.
(( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ )) أي عدة رمضان . َ
(( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )): لتكملوا العدّة الفائدة من هذه الجملة ألاّ نتسرّع في الإفطار، فمثلاً لو شهد شاهد واحد على دخول شهر شوال ليلة ثلاثين من رمضان فإنّنا لا نقبل قوله حتّى يأتي بشاهد آخر يشهد بأنّه يرى هلال شوّال، فحينئذ نأخذ بقوله، ونكون قد أكملنا العدّة.
(( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )) وهذا في آخر الأيّام إذا غابت الشّمس ليلة عيد الفطر فإنّه يشرع للنّاس أن يُكبّروا الله عزّ وجلّ على ما هداهم، لأنّ هدايته لهم نعمة كبيرة يستحق عليها الشكر (( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمّم لنا ولكم صيام رمضان وقيامه على أحسن وجه، وأن نقوم بذلك إيمانا واحتسابًا، إنّه على كل شيء قدير.
والآن إلى الأسئلة ونبدأ باليمين، والقاعدة عندنا أنّ لكلّ واحد سؤالا فقط.
إذا مسح متوضأ أول مرة تجديداً بدون حدث فهل تبتدئ المدة من هذه المسحة أو مما بعدها .؟
الشيخ : نعم تفضّل.
السائل : فضيلة الشّيخ حفظك الله لو أنّ إنساناً توضأ لصلاة الفجر ثمّ لبس الخفّ، فلمّا أتت صلاة الظّهر كان على طهارته، وأراد أن يجدّد الطّهارة، فهل يعدّ عليه هذا المسح أم لا وقد كان تجديدًا للطهارة؟
الشيخ : يعني تقول: لو مسح أوّل مرّة تجديدا فهل تبتدئ المدّة من هذه المسحة أو ممّا بعد؟
العلماء يقولون: لا تبتدئ المدّة إلاّ من المسح بعد الحدث، وعلى هذا فالمسح للتّجديد لا تحسب منه المدّة، والمثال الذي ذكرت إذا جدّد وضوءه لصلاة الظهر بدون حدث ومسح فإن المدّة لا تبتدئ، فإذا أحدث عند صلاة العصر وتوضّأ فإنّها تبتدئ من هذا الوقت.
السائل : فضيلة الشّيخ حفظك الله لو أنّ إنساناً توضأ لصلاة الفجر ثمّ لبس الخفّ، فلمّا أتت صلاة الظّهر كان على طهارته، وأراد أن يجدّد الطّهارة، فهل يعدّ عليه هذا المسح أم لا وقد كان تجديدًا للطهارة؟
الشيخ : يعني تقول: لو مسح أوّل مرّة تجديدا فهل تبتدئ المدّة من هذه المسحة أو ممّا بعد؟
العلماء يقولون: لا تبتدئ المدّة إلاّ من المسح بعد الحدث، وعلى هذا فالمسح للتّجديد لا تحسب منه المدّة، والمثال الذي ذكرت إذا جدّد وضوءه لصلاة الظهر بدون حدث ومسح فإن المدّة لا تبتدئ، فإذا أحدث عند صلاة العصر وتوضّأ فإنّها تبتدئ من هذا الوقت.
ما هي مفطرات الصيام عموما .؟
السائل : بسم الله الرّحمن الرّحيم .
فضيلة الشّيخ: أرجو أن تتكلّم عن المفطّرات في نهار رمضان ولو على وجه العموم؟
الشيخ : طيّب، المفطّرات يعني: مفطّرات الصّائم في رمضان وغير رمضان، ذكر الله في القرآن ثلاثة منها: (( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا )) هذه ثلاثة: الجماع، والأكل، والشّرب.
وظاهر الآية الكريمة أنّه لا فرق بين أن يكون الأكل والشّرب نافعا أو غير نافع، أو ضارّ، لأنّ المأكول والمشروب إمّا نافع أو ضارّ أو ليس نافعا ولا ضارّا، وكلّها مفطرّة، فلو بلع الإنسان خرزة سبحة فإنّه يفطر بهذا ولو كانت لا تنفعه، ولو شرب دخّاناً فإنّه يفطر ولو كان ضارّا، ولو أكل تمرة فإنّه يفطر لأنّها نافعة، وكذلك يقال في الشّرب.
وجاءت السّنّة بالقيء، إذا تقيّأ الإنسان فإنّه يفطر، فإن غلبه القيء فإنّه لا يفطر.
وجاءت السّنّة بالحجامة، فإذا احتجم الإنسان وهو صائم وخرج منه دم فإنّه يفطر، هذه الخمسة مِن المفطّرات.
وألحق العلماء بهذا ما كان بمعنى الأكل والشرب مثل الإبر المغذية، وليست المغذية هي التي ينشط بها الجسم أو يبرأ بها من مرضه، المغذّيّة: هي التي تغني عن الأكل والشّرب، وعلى هذا فجميع الإبر التي لا تغني عن الأكل والشّرب لا تفطّر، سواء كانت مِن الوريد أو من الفخذ أو من أيّ مكان.
كذلك أيضا إنزال المنيّ بشهوة يفطّر الصّائم، والدّليل يؤخذ من قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث القدسيّ عن الله عزّ وجلّ: ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي )، والمنيّ من الشّهوة لا شكّ لقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( وفي بُضع أحدكم صدقة قالوا: أو يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم، أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ فكذلك لو وضعها في الحلال كان له أجر )، والذي يوضع هو المنيّ، يضعه الرّجل في رحم المرأة، ولهذا عَدَل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام عن قوله: ( أرأيتم لو وضعها ) لما قالوا: ( أو يأتي أحدنا شهوته ) فعدل عن ذلك إلى الوضع، وعلى هذا فنـزول المني بشهوة مفطّر للصّائم.
وأمّا تقبيل المرأة ولو بشهوة، أو المذي ولو عمدًا فإنه لا يُفطّر الصّائم، لأنّ ذلك لم يثبت عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، والأصل أنّ الصّوم صحيح حتّى يثبت بطريق شرعيّ أنّه فاسد، ولهذا لو قال لنا قائل: هذا الشّيء يفطّر، ماذا نقول له؟
الطالب : الدّليل.
الشيخ : نقول: هات الدّليل، وإلاّ لكان كلّ واحد لا يروق له الشّيء يقول: هذا مفطّر.
وهذه أيضًا المفطّرات التي ذكرناها عامة، المفطّرات الثّمانية هذه عامّة.
أمّا خروج دم الحيض والنّفاس فهذا خاصّ بالمرأة، إذا خرج منها دم الحيض ولو قبل الغروب بدقيقة فإنّها تفطر، أو النّفاس، وأما إذا خرج دم الحيض بعد الغروب ولو بلحظة فإنها لا تفطر.
وهذه المفطرّات أيضا لا تفطّر إلاّ بشروط ثلاثة:
الشّرط الأوّل: العلم.
والثّاني: الذّكر.
والثّالث: الاختيار.
ضدّ العلم الجهل، فلو أكل الإنسان وهو يظنّ أنّ الفجر لم يطلع، ثم تبيّن أنّه طالع فلا فطر عليه، صيامه صحيح، لأنّه لم يعلم أنّ الفجر قد طلع، ولو كانت السّماء غيما وغلب على ظنّه أنّ الشّمس غربت وأكل وشرب، ثمّ تبيّن أنّها لم تغرب فصيامه صحيح، لأنّه ليس بعالم، ما علم أنّ النّهار قد بقي.
وكذلك إذا كان ناسياً فإنّه لا يفطر، والنّسيان ضدّ الذكر، لأننا قلنا: عالما ذاكرا، الذّكر ضدّه؟
النّسيان، فلو أكل أو شرب ناسيا فصومه صحيح، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتمّ صومه فإنّما أطعمه الله وسقاه ).
الثالث: أن يكون مريدا -يعني: مريدا لما فعل- فإن كان مكرَها كما لو أكره الرّجل زوجته على الجماع، وجامعها وهي صائمة فإنّ صومها صحيح، نعم.
السائل : البخور؟
الشيخ : ما يفطّر البخور، لكن لا تستنشقه.
فضيلة الشّيخ: أرجو أن تتكلّم عن المفطّرات في نهار رمضان ولو على وجه العموم؟
الشيخ : طيّب، المفطّرات يعني: مفطّرات الصّائم في رمضان وغير رمضان، ذكر الله في القرآن ثلاثة منها: (( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا )) هذه ثلاثة: الجماع، والأكل، والشّرب.
وظاهر الآية الكريمة أنّه لا فرق بين أن يكون الأكل والشّرب نافعا أو غير نافع، أو ضارّ، لأنّ المأكول والمشروب إمّا نافع أو ضارّ أو ليس نافعا ولا ضارّا، وكلّها مفطرّة، فلو بلع الإنسان خرزة سبحة فإنّه يفطر بهذا ولو كانت لا تنفعه، ولو شرب دخّاناً فإنّه يفطر ولو كان ضارّا، ولو أكل تمرة فإنّه يفطر لأنّها نافعة، وكذلك يقال في الشّرب.
وجاءت السّنّة بالقيء، إذا تقيّأ الإنسان فإنّه يفطر، فإن غلبه القيء فإنّه لا يفطر.
وجاءت السّنّة بالحجامة، فإذا احتجم الإنسان وهو صائم وخرج منه دم فإنّه يفطر، هذه الخمسة مِن المفطّرات.
وألحق العلماء بهذا ما كان بمعنى الأكل والشرب مثل الإبر المغذية، وليست المغذية هي التي ينشط بها الجسم أو يبرأ بها من مرضه، المغذّيّة: هي التي تغني عن الأكل والشّرب، وعلى هذا فجميع الإبر التي لا تغني عن الأكل والشّرب لا تفطّر، سواء كانت مِن الوريد أو من الفخذ أو من أيّ مكان.
كذلك أيضا إنزال المنيّ بشهوة يفطّر الصّائم، والدّليل يؤخذ من قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث القدسيّ عن الله عزّ وجلّ: ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي )، والمنيّ من الشّهوة لا شكّ لقول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( وفي بُضع أحدكم صدقة قالوا: أو يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم، أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ فكذلك لو وضعها في الحلال كان له أجر )، والذي يوضع هو المنيّ، يضعه الرّجل في رحم المرأة، ولهذا عَدَل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام عن قوله: ( أرأيتم لو وضعها ) لما قالوا: ( أو يأتي أحدنا شهوته ) فعدل عن ذلك إلى الوضع، وعلى هذا فنـزول المني بشهوة مفطّر للصّائم.
وأمّا تقبيل المرأة ولو بشهوة، أو المذي ولو عمدًا فإنه لا يُفطّر الصّائم، لأنّ ذلك لم يثبت عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، والأصل أنّ الصّوم صحيح حتّى يثبت بطريق شرعيّ أنّه فاسد، ولهذا لو قال لنا قائل: هذا الشّيء يفطّر، ماذا نقول له؟
الطالب : الدّليل.
الشيخ : نقول: هات الدّليل، وإلاّ لكان كلّ واحد لا يروق له الشّيء يقول: هذا مفطّر.
وهذه أيضًا المفطّرات التي ذكرناها عامة، المفطّرات الثّمانية هذه عامّة.
أمّا خروج دم الحيض والنّفاس فهذا خاصّ بالمرأة، إذا خرج منها دم الحيض ولو قبل الغروب بدقيقة فإنّها تفطر، أو النّفاس، وأما إذا خرج دم الحيض بعد الغروب ولو بلحظة فإنها لا تفطر.
وهذه المفطرّات أيضا لا تفطّر إلاّ بشروط ثلاثة:
الشّرط الأوّل: العلم.
والثّاني: الذّكر.
والثّالث: الاختيار.
ضدّ العلم الجهل، فلو أكل الإنسان وهو يظنّ أنّ الفجر لم يطلع، ثم تبيّن أنّه طالع فلا فطر عليه، صيامه صحيح، لأنّه لم يعلم أنّ الفجر قد طلع، ولو كانت السّماء غيما وغلب على ظنّه أنّ الشّمس غربت وأكل وشرب، ثمّ تبيّن أنّها لم تغرب فصيامه صحيح، لأنّه ليس بعالم، ما علم أنّ النّهار قد بقي.
وكذلك إذا كان ناسياً فإنّه لا يفطر، والنّسيان ضدّ الذكر، لأننا قلنا: عالما ذاكرا، الذّكر ضدّه؟
النّسيان، فلو أكل أو شرب ناسيا فصومه صحيح، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتمّ صومه فإنّما أطعمه الله وسقاه ).
الثالث: أن يكون مريدا -يعني: مريدا لما فعل- فإن كان مكرَها كما لو أكره الرّجل زوجته على الجماع، وجامعها وهي صائمة فإنّ صومها صحيح، نعم.
السائل : البخور؟
الشيخ : ما يفطّر البخور، لكن لا تستنشقه.
ما حكم من يأكل بعد أذان الفجر في الصيام ويقول ما في شىء.؟
السائل : أقول يا شيخ بعض الأهل عندنا كانوا يأكلون بعد أذان الفجر، ولما ذكرت لهم عدم جواز ذلك قالوا ليس في ذلك شيء، فما حكم صومهم في هذه الحالة؟
الشيخ : ما فيه شيء؟! ليش ما فيه شيء؟!
السائل : هم يقولون هذا وأنا نبّهتهم.
الشيخ : يعني يأكلون للضّحى ويقولون ما فيه شيء!
السائل : فما الحكم في الأيّام الماضية؟
الشيخ : كلمة ما فيه شيء هذه ليست بحجة، لكن نعم لو قالوا: ما طلع الفجر، مثل أن يكونوا في البرّ وليس حولهم أنوار، وقالوا لم نشاهد الفجر ما طلع، لأنّ بعض الناس الآن يشكّكون في التّقويم الموجود بين أيدي النّاس، يقولون: إنّه متقدّم على طلوع الفجر، ويقولون: نحن خرجنا إلى البر وليس حولنا أنوار، ورأينا الفجر يتأخر، حتى بالغ بعضهم وقال: يتأخّر ثلث ساعة، نعم، لكن الظاّهر أنّ هذا لا يصحّ، الظّاهر أنّ التّقويم الذي بين أيدي النّاس الآن -الذي هو تقويم أم القرى- فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصّة، يعني: لو أكلت وهو يؤذّن فلا حرج، إلاّ إذا كان المؤذّن يحتاط ويتأخّر، لأنّ بعض المؤذّنين جزاهم الله خيرا يحتاطون، ولا يؤذّنون إلا بعد خمس دقائق من التّوقيت الموجود الآن.
وهذه المسألة مسألة خطيرة، وبعض جهّال المؤذّنين يتقدّمون في أذان الفجر زعمًا منهم أنّ هذا أحوط للصّوم، لكنّهم ينسون أنّهم يهملون ما هو أشدّ من الصّوم! وهو صلاة الفجر، فربّما يصلّي أحد قبل الوقت، والإنسان إذا صلّى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام ما صحّت صلاته.
ثمّ هم يقولون: نحن نحتاط، نقول: تحتاطون أكثر ممّا احتاط الله للعباد؟!
إنّ الله يقول: (( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْط )) حتى يتبيّن الفجر، حتّى التّعبير لم يقل: حتّى يطلع الفجر، (( حَتَّى يَتَبَيَّنَ )) فأنتم الآن إذا أذّنتم، ومنعتم عباد الله أن يأكلوا ويشربوا في هذه اللّحظة، معناه أنّكم حرمتم النّاس ما أباح الله لهم، فيكون عليهم إثم من هذه الناحية أيضا، حتّى لو فرض أنّ النّاس تمهّلوا ولم يصلّوا من حين الأذان فعليهم إثم من جهة أنّهم منعوا عباد الله ما أحلّ الله لهم، فالجهل داءٌ قاتل، وبعض النّاس يكون جاهلًا وينظر بعين الأعور، الأعور يرى من جانب واحد، والجانب الثّاني مهمل،ما يشوف، وهذا غلط عظيم، ولذلك يجب على طلبة العلم أن ينبهوا الناس على هذه المسألة وخصوصاً المؤذنين، ويقولون: اتقوا الله في عباد الله! كيف تؤذنّون قبل الفجر وتمنعون عباد الله ما أحلّ الله لهم؟!
ربما يكون إنسان لتوّه قام من النّوم عطشانًا ويريد أن يشرب، ولكن لورعه وتقواه لما سمع المؤذّن أمسك، والمؤذّن يؤذّن قبل الفجر زعمًا منه أنّ هذا هو الاحتياط، فيحرم هذا الرّجل المسكين، والاحتياط ليس أن تتبع الأشدّ، بل الاحتياط الحقيقيّ أن تتبع ما جاءت به الشّريعة، هذا هو الاحتياط، أي نعم.
الشيخ : ما فيه شيء؟! ليش ما فيه شيء؟!
السائل : هم يقولون هذا وأنا نبّهتهم.
الشيخ : يعني يأكلون للضّحى ويقولون ما فيه شيء!
السائل : فما الحكم في الأيّام الماضية؟
الشيخ : كلمة ما فيه شيء هذه ليست بحجة، لكن نعم لو قالوا: ما طلع الفجر، مثل أن يكونوا في البرّ وليس حولهم أنوار، وقالوا لم نشاهد الفجر ما طلع، لأنّ بعض الناس الآن يشكّكون في التّقويم الموجود بين أيدي النّاس، يقولون: إنّه متقدّم على طلوع الفجر، ويقولون: نحن خرجنا إلى البر وليس حولنا أنوار، ورأينا الفجر يتأخر، حتى بالغ بعضهم وقال: يتأخّر ثلث ساعة، نعم، لكن الظاّهر أنّ هذا لا يصحّ، الظّاهر أنّ التّقويم الذي بين أيدي النّاس الآن -الذي هو تقويم أم القرى- فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصّة، يعني: لو أكلت وهو يؤذّن فلا حرج، إلاّ إذا كان المؤذّن يحتاط ويتأخّر، لأنّ بعض المؤذّنين جزاهم الله خيرا يحتاطون، ولا يؤذّنون إلا بعد خمس دقائق من التّوقيت الموجود الآن.
وهذه المسألة مسألة خطيرة، وبعض جهّال المؤذّنين يتقدّمون في أذان الفجر زعمًا منهم أنّ هذا أحوط للصّوم، لكنّهم ينسون أنّهم يهملون ما هو أشدّ من الصّوم! وهو صلاة الفجر، فربّما يصلّي أحد قبل الوقت، والإنسان إذا صلّى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام ما صحّت صلاته.
ثمّ هم يقولون: نحن نحتاط، نقول: تحتاطون أكثر ممّا احتاط الله للعباد؟!
إنّ الله يقول: (( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْط )) حتى يتبيّن الفجر، حتّى التّعبير لم يقل: حتّى يطلع الفجر، (( حَتَّى يَتَبَيَّنَ )) فأنتم الآن إذا أذّنتم، ومنعتم عباد الله أن يأكلوا ويشربوا في هذه اللّحظة، معناه أنّكم حرمتم النّاس ما أباح الله لهم، فيكون عليهم إثم من هذه الناحية أيضا، حتّى لو فرض أنّ النّاس تمهّلوا ولم يصلّوا من حين الأذان فعليهم إثم من جهة أنّهم منعوا عباد الله ما أحلّ الله لهم، فالجهل داءٌ قاتل، وبعض النّاس يكون جاهلًا وينظر بعين الأعور، الأعور يرى من جانب واحد، والجانب الثّاني مهمل،ما يشوف، وهذا غلط عظيم، ولذلك يجب على طلبة العلم أن ينبهوا الناس على هذه المسألة وخصوصاً المؤذنين، ويقولون: اتقوا الله في عباد الله! كيف تؤذنّون قبل الفجر وتمنعون عباد الله ما أحلّ الله لهم؟!
ربما يكون إنسان لتوّه قام من النّوم عطشانًا ويريد أن يشرب، ولكن لورعه وتقواه لما سمع المؤذّن أمسك، والمؤذّن يؤذّن قبل الفجر زعمًا منه أنّ هذا هو الاحتياط، فيحرم هذا الرّجل المسكين، والاحتياط ليس أن تتبع الأشدّ، بل الاحتياط الحقيقيّ أن تتبع ما جاءت به الشّريعة، هذا هو الاحتياط، أي نعم.
ما حكم دفع الزكاة عن المدين المعسر الذي لا يجد الوفاء إلى غريمه بدون علم الفقير .؟
السائل : لو تفضّلتم يا شيخ أن تبيّنوا ما حكم دفع الزكاة عن المدين المعسر بدون علمه؟
الشيخ : نعم، دفع الزّكاة عن المدين المعسر الذي لا يجد الوفاء إلى غريمه بدون علم الفقير جائز ومجزئ، لأنّ الآية الكريمة تدلّ على هذا قال الله تعالى: (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ )): التّعبير مختلف بين الأربعة الأُول، وبين الأربعة الأُخر، الأربعة الأولى قال فيها؟
(( للفُقَرَاء )) الدّالّة على التّمليك، (( لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ )) هذه لا بدّ أن تملّكهم، تعطيهم الزّكاة بنفسك وتتركهم يفعلون ما شاءوا من حاجاتهم.
لكن في الغارمين قال: (( وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ )) الغارمين: معطوف على الرقاب، فيكون التقدير " في "، وعلى هذا فيجوز أن تذهب إلى الغريم الذي يطلب الفقير وتوفي عنه.
ولكن نسأل: هل الأولى أن أذهب إلى الغريم وأوفيه دون علم الفقير أو أن أعطي الفقير؟
هذا فيه تفصيل: إذا علمت صاحبك الفقير الذي تريد القضاء عنه رجل ديِّن يحبّ إِبراء ذمّته وأنّك إذا أعطيته سوف يذهب إلى صاحبه ويوفيه فأعطه هو، لأنّ ذلك أَجبَر لخاطره، وأَبعد من الرياء الذي قد يصيب الإنسان في هذا، فكونك تعطيه المدين أَولى.
أمّا إذا خفت أن يكون المدين: " لعّابا " تعطيه ليوفي به دينه لكن يذهب ويلعب بها، يشتري كماليات أو غيرها فلا تعطها إيّاه، اذهب إلى صاحبه الذي يطلبه وأوفه.
الشيخ : نعم، دفع الزّكاة عن المدين المعسر الذي لا يجد الوفاء إلى غريمه بدون علم الفقير جائز ومجزئ، لأنّ الآية الكريمة تدلّ على هذا قال الله تعالى: (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ )): التّعبير مختلف بين الأربعة الأُول، وبين الأربعة الأُخر، الأربعة الأولى قال فيها؟
(( للفُقَرَاء )) الدّالّة على التّمليك، (( لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ )) هذه لا بدّ أن تملّكهم، تعطيهم الزّكاة بنفسك وتتركهم يفعلون ما شاءوا من حاجاتهم.
لكن في الغارمين قال: (( وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ )) الغارمين: معطوف على الرقاب، فيكون التقدير " في "، وعلى هذا فيجوز أن تذهب إلى الغريم الذي يطلب الفقير وتوفي عنه.
ولكن نسأل: هل الأولى أن أذهب إلى الغريم وأوفيه دون علم الفقير أو أن أعطي الفقير؟
هذا فيه تفصيل: إذا علمت صاحبك الفقير الذي تريد القضاء عنه رجل ديِّن يحبّ إِبراء ذمّته وأنّك إذا أعطيته سوف يذهب إلى صاحبه ويوفيه فأعطه هو، لأنّ ذلك أَجبَر لخاطره، وأَبعد من الرياء الذي قد يصيب الإنسان في هذا، فكونك تعطيه المدين أَولى.
أمّا إذا خفت أن يكون المدين: " لعّابا " تعطيه ليوفي به دينه لكن يذهب ويلعب بها، يشتري كماليات أو غيرها فلا تعطها إيّاه، اذهب إلى صاحبه الذي يطلبه وأوفه.
ما هو الضابط في جمع وتقديم الصلاة في حالة المطر الشديد.؟
السائل : فضيلة الشيخ حفظنا الله وإيّاك والحاضرين، بالأمس كان المطر يتساقط عندنا تقريبا من بعد صلاة العصر حتى صلاة العشاء .
الشيخ : أين؟
السائل : في بلدة شرق شمال بريدة.
الشيخ : نعم.
السائل : وكنت إمامًا، فطلب المؤذّن أن نجمع الصلاة، فاحترنا في ذلك ولكن كان بإلحاح المؤذّن أن نجمع فجمعنا الصّلاة، وقد وردت فتوى لسماحتكم في هذا الشّأن يعني: حول أنه لابد أن نتحقق من المطر وشدته وكون خروج الناس حال المطر يعني يؤثّر عليهم، فما أدري وفّقكم الله الضّابط في هذا الجمع يعني من جميع الجوانب جزاك الله خيرا؟
الشيخ : هو بارك الله فيك، أنت تعلم أنّ الأصل وجوب إيقاع الصّلاة في وقتها، هذا الأصل (( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ))، وقد أجمع العلماء على أنّ تقديم الصّلاة قبل وقتها بدون عذر شرعيّ يقتضي عدم صحّتها، لأنّها خلاف ما أمر الله به، وقد ثبت عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أنّه قال: ( مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ ) هذا هو الأصل، وهذا شيء محكم ليس فيه اشتباه.
إذا وُجِد سبب للجمع تقديم أو تأخير فإنّ العلماء مختلفون في هذا:
منهم من يرى أنّه لا جمع إلاّ بـعرفة ومزدلفة فقط.
ومنهم من يرى الجمع بكلّ حال، وهذا رأي الرّافضة، الرّافضة يرون أنّه يجوز الجمع بدون سبب، إن شئت اجمع وإن شئت أفرد.
لكن الصّحيح أنّ الجمع جائز للمشقّة، والدّليل على ذلك حديث عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: ( جمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا: ما أراد من ذلك؟ -يعني: ليش جمع؟- قال: أراد ألاّ يحرّج أمّته ). ومعنى يحرّج أي: يلحقها الحرج، لأنّ الحرج منفيّ شرعًا، فإذا كان في ترك الجمع مشقّة وحرج على النّاس إمّا لكون الأسواق وَحَلا، أو لكون المطر ينزل يبلّل الثّياب ويؤذي الماشين، فهذا عذر، أمّا إذا كان قطرات يسيرة والجوّ دافئ والأسواق ليس فيها وحل، فلا تطعه حتّى لو أصرّ المؤذّن، ثمّ إذا أصرّ فخوّفه بالله، يعني كيف نتقدّم؟! أرأيت لو صمت رمضان في شعبان هل يجوز؟!
فكذلك إذا قدّمت العشاء مع المغرب بدون عذر شرعيّ متحقّق فإنّه لا يجوز، والعجيب الآن أنني أذكر أن الناس كانوا في السابق ليس هناك كهرباء والأسواق مظلمة ووحل -طين ما فيه إسفلت-، لكن لا يجمعون إلا بمشقّة شديدة، بحيث أنّ الإنسان لا يأتي إلى المسجد إلاّ ومعه عصا يتعكّز عليها، أو مطر وابل صيب، وهم أشدّ مشقّة من الآن بكثير، الآن ولله الحمد غالب الأسواق مسفلتة ومضاءة، ولا فيه مشقّة ولا حرج، فالتّهاون في هذا غلط عظيم، فأنت لديك نصّ محكم، وهو وجوب الصّلاة في وقتها وعندك سبب مبيح للجمع، ما دمت لم تتيقّن أنّ السّبب صحيح شرعيّ فلا تجمع.
السائل : نعيد الصّلاة؟
الشيخ : والله صلاتك أنت، نقول: إنّك مغلوب على أمرك، نعم، ولكن عادة أنّ الإمام فوق المؤذّن، الإمام هو الذي له الحكم في هذه المسألة، المؤذّن له الحكم في الأذان، أمّا مسألة الصّلاة والجمع فهذه إلى الإمام، فخذ بسلطانك.
السائل : المؤذّن كبير في السّنّ.
الشيخ : أيه، كبير السّنّ يقال: إذا كان يشقّ عليك .
الشيخ : أين؟
السائل : في بلدة شرق شمال بريدة.
الشيخ : نعم.
السائل : وكنت إمامًا، فطلب المؤذّن أن نجمع الصلاة، فاحترنا في ذلك ولكن كان بإلحاح المؤذّن أن نجمع فجمعنا الصّلاة، وقد وردت فتوى لسماحتكم في هذا الشّأن يعني: حول أنه لابد أن نتحقق من المطر وشدته وكون خروج الناس حال المطر يعني يؤثّر عليهم، فما أدري وفّقكم الله الضّابط في هذا الجمع يعني من جميع الجوانب جزاك الله خيرا؟
الشيخ : هو بارك الله فيك، أنت تعلم أنّ الأصل وجوب إيقاع الصّلاة في وقتها، هذا الأصل (( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ))، وقد أجمع العلماء على أنّ تقديم الصّلاة قبل وقتها بدون عذر شرعيّ يقتضي عدم صحّتها، لأنّها خلاف ما أمر الله به، وقد ثبت عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أنّه قال: ( مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ ) هذا هو الأصل، وهذا شيء محكم ليس فيه اشتباه.
إذا وُجِد سبب للجمع تقديم أو تأخير فإنّ العلماء مختلفون في هذا:
منهم من يرى أنّه لا جمع إلاّ بـعرفة ومزدلفة فقط.
ومنهم من يرى الجمع بكلّ حال، وهذا رأي الرّافضة، الرّافضة يرون أنّه يجوز الجمع بدون سبب، إن شئت اجمع وإن شئت أفرد.
لكن الصّحيح أنّ الجمع جائز للمشقّة، والدّليل على ذلك حديث عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما قال: ( جمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا: ما أراد من ذلك؟ -يعني: ليش جمع؟- قال: أراد ألاّ يحرّج أمّته ). ومعنى يحرّج أي: يلحقها الحرج، لأنّ الحرج منفيّ شرعًا، فإذا كان في ترك الجمع مشقّة وحرج على النّاس إمّا لكون الأسواق وَحَلا، أو لكون المطر ينزل يبلّل الثّياب ويؤذي الماشين، فهذا عذر، أمّا إذا كان قطرات يسيرة والجوّ دافئ والأسواق ليس فيها وحل، فلا تطعه حتّى لو أصرّ المؤذّن، ثمّ إذا أصرّ فخوّفه بالله، يعني كيف نتقدّم؟! أرأيت لو صمت رمضان في شعبان هل يجوز؟!
فكذلك إذا قدّمت العشاء مع المغرب بدون عذر شرعيّ متحقّق فإنّه لا يجوز، والعجيب الآن أنني أذكر أن الناس كانوا في السابق ليس هناك كهرباء والأسواق مظلمة ووحل -طين ما فيه إسفلت-، لكن لا يجمعون إلا بمشقّة شديدة، بحيث أنّ الإنسان لا يأتي إلى المسجد إلاّ ومعه عصا يتعكّز عليها، أو مطر وابل صيب، وهم أشدّ مشقّة من الآن بكثير، الآن ولله الحمد غالب الأسواق مسفلتة ومضاءة، ولا فيه مشقّة ولا حرج، فالتّهاون في هذا غلط عظيم، فأنت لديك نصّ محكم، وهو وجوب الصّلاة في وقتها وعندك سبب مبيح للجمع، ما دمت لم تتيقّن أنّ السّبب صحيح شرعيّ فلا تجمع.
السائل : نعيد الصّلاة؟
الشيخ : والله صلاتك أنت، نقول: إنّك مغلوب على أمرك، نعم، ولكن عادة أنّ الإمام فوق المؤذّن، الإمام هو الذي له الحكم في هذه المسألة، المؤذّن له الحكم في الأذان، أمّا مسألة الصّلاة والجمع فهذه إلى الإمام، فخذ بسلطانك.
السائل : المؤذّن كبير في السّنّ.
الشيخ : أيه، كبير السّنّ يقال: إذا كان يشقّ عليك .
اضيفت في - 2005-08-27