سلسلة الهدى والنور-524
الشيخ محمد ناصر الالباني
سلسلة الهدى والنور
نصيحة الشيخ بالتزام أدب التقارب والانضمام في المجالس العلمية . (والكلام على الشيخ بدر الدين الحسيني)
الشيخ : كنا نح في دمشق حينما نحضر بعض المساجد وبخاصة المسجد الكبير هناك ، مسجد بني أمية ، تقام هناك دروس من أنواع مختلفة ، ومنها درس في الحديث ، وكان يلقيه في شباب حياتي من لابد أنكم تسمعون به الشيخ بدر الدين الحسيني ، الذي هو والد الشيخ تاج ، الذي كان في بعض مراحل الحكومات السورية كان رئيس جمهوريتها ، الشيخ تاج هو ابن الشيخ بدر الدين ، الشيخ بدر الدين الحسيني .
كان يلقي درسه في الحديث في وسط المسجد ، ويُعرف هناك في دمشق تحت قبة النثر ، هذه القبة أكبر قبة في وسط المسجد في أعلى المسجد ، فكانت تقام هناك الحلقة والشيخ يحدث بالحديث ، وكان يجري في تحديثه على الطريقة المتبعة عند علماء الحديث قديمًا ، وهو أن يحدث الحديث بالسند ، إما أن يكون الحديث مما تلقاه عن بعض مشايخه بالسند ، وحين ذاك يكون السند أطول من المتن بكثير وكثير جدًا ، ثم لا يستفيد أحد من الحاضرين منه شيئًا مطلقًا ، وأحيانًا ينقل الحديث مع السند من بعض الأمهات ، الكتب الستة وغيرها .
والشاهد : الحلقة واسعة جدًا ، يمكن يكون قطرها أكثر من ستة أمتار في ستة أمتار ، فهل يلام هؤلاء حينما يتفرقون هذا التفرق ؟ ومدرس الحديث لا يروي لهم مثل هذا الحديث وهو في صحيح مسلم : ( ما لي أراكم عزين ؟ ) والحديث الذي في مسند الإمام أحمد عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله تعالى عنه - قال : كنا إذا سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلنا منزلاً تفرقنا في الوديان والشعاب ، فقال لنا - عليه الصلاة والسلام - ذات يوم : ( إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان ) أي : يتفرقون في المسجد ؟ لا ، في الصحراء ، في البرية ، كل طائفة أو جماعة ينتحون ناحية فضللونا بأشجارها وبسدرها ونحو ذلك ، مع ذلك أنكر ذلك عليهم ، وقال : ( إنما تفركم هذا من عمل الشيطان ) ، قال أبو ثعلبة : فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساطٍ لوسعنا ، وهذا أين ؟ في الصحراء ، فما بالكم بمجالس العلم ؟!
ولذلك فخلاف السنة تكبير الحلقة ، وإنما تصغيرها ما أمكن ذلك ، ولذلك فجلوسكم هكذا صفين فقط ، ويبقى هنا فراغ يمكن إملاؤه يكون خلاف السنة ، ونحن نذكر في هذه السنة دائمًا وأبدًا أن مثل هذا التوجيه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومثل هذا الاهتمام بتجميع المسلمين في أبدانهم وفي أشخاصهم لم يكن ذلك من باب الاهتمام بالظاهر فقط دون إصلاح الباطل ، ذلك لأنه من المقرر شرعًا أن إصلاح الظاهر يساعد على إصلاح الباطن ، وهذا صريح في قوله - عليه السلام - المعروف : ( ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) .
كان يلقي درسه في الحديث في وسط المسجد ، ويُعرف هناك في دمشق تحت قبة النثر ، هذه القبة أكبر قبة في وسط المسجد في أعلى المسجد ، فكانت تقام هناك الحلقة والشيخ يحدث بالحديث ، وكان يجري في تحديثه على الطريقة المتبعة عند علماء الحديث قديمًا ، وهو أن يحدث الحديث بالسند ، إما أن يكون الحديث مما تلقاه عن بعض مشايخه بالسند ، وحين ذاك يكون السند أطول من المتن بكثير وكثير جدًا ، ثم لا يستفيد أحد من الحاضرين منه شيئًا مطلقًا ، وأحيانًا ينقل الحديث مع السند من بعض الأمهات ، الكتب الستة وغيرها .
والشاهد : الحلقة واسعة جدًا ، يمكن يكون قطرها أكثر من ستة أمتار في ستة أمتار ، فهل يلام هؤلاء حينما يتفرقون هذا التفرق ؟ ومدرس الحديث لا يروي لهم مثل هذا الحديث وهو في صحيح مسلم : ( ما لي أراكم عزين ؟ ) والحديث الذي في مسند الإمام أحمد عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله تعالى عنه - قال : كنا إذا سافرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلنا منزلاً تفرقنا في الوديان والشعاب ، فقال لنا - عليه الصلاة والسلام - ذات يوم : ( إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان ) أي : يتفرقون في المسجد ؟ لا ، في الصحراء ، في البرية ، كل طائفة أو جماعة ينتحون ناحية فضللونا بأشجارها وبسدرها ونحو ذلك ، مع ذلك أنكر ذلك عليهم ، وقال : ( إنما تفركم هذا من عمل الشيطان ) ، قال أبو ثعلبة : فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساطٍ لوسعنا ، وهذا أين ؟ في الصحراء ، فما بالكم بمجالس العلم ؟!
ولذلك فخلاف السنة تكبير الحلقة ، وإنما تصغيرها ما أمكن ذلك ، ولذلك فجلوسكم هكذا صفين فقط ، ويبقى هنا فراغ يمكن إملاؤه يكون خلاف السنة ، ونحن نذكر في هذه السنة دائمًا وأبدًا أن مثل هذا التوجيه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومثل هذا الاهتمام بتجميع المسلمين في أبدانهم وفي أشخاصهم لم يكن ذلك من باب الاهتمام بالظاهر فقط دون إصلاح الباطل ، ذلك لأنه من المقرر شرعًا أن إصلاح الظاهر يساعد على إصلاح الباطن ، وهذا صريح في قوله - عليه السلام - المعروف : ( ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) .
1 - نصيحة الشيخ بالتزام أدب التقارب والانضمام في المجالس العلمية . (والكلام على الشيخ بدر الدين الحسيني) أستمع حفظ
أهمية اجتماع المسلمين في المجالس وغيرها والحكمة من ذلك (وشرح القاعدة: إصلاح الظاهر يؤدي إلى إصلاح الباطن والعكس وضرب المثال وهو تسوية الصفوف في الصلاة)
اليشخ : ونحن نقول بمثل هذه المناسبة : كما أن صلاح الجسم من الناحية المادية والصحية البدنية يتعلق بصلاح القلب وصحته ، فإذا كان القلب في جسد صاحبه سليمًا فلا يمكن أن يكون الجسد إلا سليما ، والعكس بالعكس إذا فسد القلب مرض الجسد ، هكذا يقول نبينا - صلوات الله وسلامه عليه - مذكرًا لنا بوجوب الاهتمام بإصلاح الظاهر ، لأن هذا الإصلاح يكون أولاً دليلاً على صلاح الباطن ، ثم يكون هناك تعاون بين الظاهر والباطن ، كما أقول دائمًا وأبدًا : هذا الحديث يعطينا عن خاطرة أو فكرة سبقت في أذهان بعض الفلاسفة قديمًا ، ولم يستطيعوا حتى اليوم أن يحققوها فعلاً ، وهي : ما يسمونها بالحركة الدائمة .
مثلاً تكبس زر طيار ويستمر ، بمجرد الكبس إلى ما شاء الله بدون أن ينقطع ، إلا إذا أحببت أن تقطعها ، أو سيارة مثلاً تحركها ، تستمر بدون أي قوة ، الحركة الدائمة منها من ذاتها : هذا خيال ، لكنه حقيقة فيما يتعلق بصلاح الباطن والظاهر ، فصلاح الباطن يؤثر في صلاح الظاهر ، وصلاح الظاهر يؤثر في صلاح الباطن ، والدليل : لماذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاجتماع في حلقات الذكر كما قلنا آنفًا في قوله عليه السلام : ( ما لي أراكم عزين ؟ ) وفي القول الآخر : ( إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان ) .
وأكثر من ذلك : قوله عليه السلام ، حينما تقام الصلاة : فلا يكبر حتى يأمر بتسوية الصفوف ، ويقول لهم : ( لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) إذًا الاختلاف في الصفوف يؤدي إلى الاختلاف في القلوب ، والاستواء في الصفوف يؤدي إلى استواء القلوب وتحاببها وتجمعها ونحو ذلك ، لهذا كان عليه السلام يهتم بإصلاح الظاهر وإصلاح البدن ، وقديمًا قالوا : " صلاح الأبدان كصلاح الأديان " فكل منهما مرتبط مع الآخر .
أنتم تعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر المسلم الذي أصابه مرض ما أن يتداوى ، حيث قال - عليه الصلاة والسلام - : ( تداووا عباد الله ، فإن الله لم ينزل داءً إلا وأنزل له دواء ) ، زاد في حديث آخر : ( علمه من علمه ، وجهله من جهله ) ، فإذًا يجب العناية بالأمرين معًا ، وليس كما يزعم بعض الجهلة : يا أخي العبرة بما في القلوب ، إذا قيل له لماذا لا تصلي ؟ لماذا لا تقوم بالواجب الشرعي ؟ يقول لك : ا لعبرة بما في القلوب ، أنا والحمد لله ما أضر أحد ، ما أغش ، ما ، ما إلى آخره ، وهذا كذّاب ، الشيطان دلّس عليه ، هو يقول : ما يغش أحد ، فأول من غشّ هو نفسه ، لأنه عصا ربه ، فكيف يمكن أن يكون سليم القلب وهو لا يطيع الله عزَّ وجلّ على الأقل فيما فرض الله عليه ، هذا كلمة بين يدي التضام في حلقات العلم ، لابد منها أن تكون على بالٍ منكم حتى تأتمروا أولاً بأوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحتى تتذكروا هذه الحقيقة : أن " صلاح الباطن لا يغني عن صلاح الظاهر، صلاح الأبدان لا يغني عن صلاح الأديان ، وصلاح الأديان - إذا صح التعبير بالجمع - لا يغني عن صلاح الأبدان " ، طيب ، غيره ، ماذا عندكم ؟
مثلاً تكبس زر طيار ويستمر ، بمجرد الكبس إلى ما شاء الله بدون أن ينقطع ، إلا إذا أحببت أن تقطعها ، أو سيارة مثلاً تحركها ، تستمر بدون أي قوة ، الحركة الدائمة منها من ذاتها : هذا خيال ، لكنه حقيقة فيما يتعلق بصلاح الباطن والظاهر ، فصلاح الباطن يؤثر في صلاح الظاهر ، وصلاح الظاهر يؤثر في صلاح الباطن ، والدليل : لماذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاجتماع في حلقات الذكر كما قلنا آنفًا في قوله عليه السلام : ( ما لي أراكم عزين ؟ ) وفي القول الآخر : ( إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان ) .
وأكثر من ذلك : قوله عليه السلام ، حينما تقام الصلاة : فلا يكبر حتى يأمر بتسوية الصفوف ، ويقول لهم : ( لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) إذًا الاختلاف في الصفوف يؤدي إلى الاختلاف في القلوب ، والاستواء في الصفوف يؤدي إلى استواء القلوب وتحاببها وتجمعها ونحو ذلك ، لهذا كان عليه السلام يهتم بإصلاح الظاهر وإصلاح البدن ، وقديمًا قالوا : " صلاح الأبدان كصلاح الأديان " فكل منهما مرتبط مع الآخر .
أنتم تعلمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر المسلم الذي أصابه مرض ما أن يتداوى ، حيث قال - عليه الصلاة والسلام - : ( تداووا عباد الله ، فإن الله لم ينزل داءً إلا وأنزل له دواء ) ، زاد في حديث آخر : ( علمه من علمه ، وجهله من جهله ) ، فإذًا يجب العناية بالأمرين معًا ، وليس كما يزعم بعض الجهلة : يا أخي العبرة بما في القلوب ، إذا قيل له لماذا لا تصلي ؟ لماذا لا تقوم بالواجب الشرعي ؟ يقول لك : ا لعبرة بما في القلوب ، أنا والحمد لله ما أضر أحد ، ما أغش ، ما ، ما إلى آخره ، وهذا كذّاب ، الشيطان دلّس عليه ، هو يقول : ما يغش أحد ، فأول من غشّ هو نفسه ، لأنه عصا ربه ، فكيف يمكن أن يكون سليم القلب وهو لا يطيع الله عزَّ وجلّ على الأقل فيما فرض الله عليه ، هذا كلمة بين يدي التضام في حلقات العلم ، لابد منها أن تكون على بالٍ منكم حتى تأتمروا أولاً بأوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحتى تتذكروا هذه الحقيقة : أن " صلاح الباطن لا يغني عن صلاح الظاهر، صلاح الأبدان لا يغني عن صلاح الأديان ، وصلاح الأديان - إذا صح التعبير بالجمع - لا يغني عن صلاح الأبدان " ، طيب ، غيره ، ماذا عندكم ؟
2 - أهمية اجتماع المسلمين في المجالس وغيرها والحكمة من ذلك (وشرح القاعدة: إصلاح الظاهر يؤدي إلى إصلاح الباطن والعكس وضرب المثال وهو تسوية الصفوف في الصلاة) أستمع حفظ
هل الجلوس في وسط الحلقة منهيّ عنه.؟
السائل : شيخنا ، هل ورد شيء في مسألة الجلوس وسط الجلسة ، الرجل يجلس وسط الجلسة ؟
الشيخ : نعم ، هناك حديث يقول : ( يلعن من جلس وسط الجلسة ) ولكن والحمد لله هو حديث لا يصح ، هذا أولاً .
وثانيًا : لو كان يصح : لكان المقصود منه الجلوس وسط الجلسة بقصد لفت أنظار الناس ، كأن يقول بلسان الحال : أنا هنا ، أما والحديث لم يصح فالحمد لله ، وهو من حصة كتابي " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة " ، غيره .
الشيخ : نعم ، هناك حديث يقول : ( يلعن من جلس وسط الجلسة ) ولكن والحمد لله هو حديث لا يصح ، هذا أولاً .
وثانيًا : لو كان يصح : لكان المقصود منه الجلوس وسط الجلسة بقصد لفت أنظار الناس ، كأن يقول بلسان الحال : أنا هنا ، أما والحديث لم يصح فالحمد لله ، وهو من حصة كتابي " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة " ، غيره .
ما رأيكم في كتاب ( حياة الصحابة ) .؟ وما نصيحتكم للجماعات الإسلامية عامة ولجماعة التبليغ خاصة .؟ (والكلام على خطبة الحاجة وأهميتها)
السائل : أقول : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فهذه أسئلة ذكرها الإخوة وجمعوها ، متعلقة ببعض الجماعات وشيء من أحوالهم :
السؤال الأول : ما هو رأي شيخنا - حفظه الله تعالى - في كتاب " حياة الصحابة " ؟ وماذا تنصح قرّاء هذا الكتاب والمعتنين به والمشتغلين بتداوله ؟
الشيخ : لا إله إلا الله ، هذا السؤال يلتقي مع سهرة قريبة جدًا قضيناها في قرية " مادبا " لابد أنكم تعرفونها ، واستمرت السهرة إلى بعد نصف الليل ، وكان فيها من كل الجماعات أو الأحزاب ، فمن حزب التحرير ، ومن حزب وإن كان هم لا يريدون أن يقولوا حزب ، فنقول : ومن جماعة الإخوان المسلمين ، ومن جماعة التبليغ ، كل هؤلاء كانوا حاضرين في الجلسة واضطررنا إلى التحدث عن هذه الجماعات وعن بعض هذه الأحزاب ، وقلنا كلمة الحق ، لا نداهن فيها أحدًا إن شاء الله :
أن هذه الأحزاب أولاً : تخالف مبدءًا إسلاميًا مصرح به تصريحًا ما بعده تصريح في كتاب الله ، ووضح ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من حديث واحد ، وحسبنا الآن أن نذكر بقوله تعالى : (( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)) ، ومضينا في هذا الموضوع ، وقلنا : إن هذه الجماعات الموجودة الآن بعض أفرادها إنهم ينطلقون في تكتلهم وفي تحزبهم ليس على علم ملطقًا ، على أننا لا نحبذ العلم المضبط ، وإنما نحض على العلم المقيد بكتاب الله وبسنة رسول الله وعلى منهج السلف الصالح ، كما جاء في كثير من الآيات والأحاديث ، ولا أريد أن أعيد الجلسة التي كانت هناك ، فلابد أن أخانا أبا أحمد عنده شريط في ذلك ، ولكن قدمت يومئذٍ مثالاً من واقع حياة هذه الجماعة ، جماعة تبليغ ، وكان بجانبي أحدهم من الذين يدل سمتهم وهيئتهم على التمسك بالسنة ، فهو تقدم بعد صلاة المغرب بالكلمة التقليدية التي تسمعونها دائمًا وأبدًا من المقدم لمن سيلقي الدرس بعد الصلاة ، يقول : إنما فلاحنا ونجاحنا بإتباع سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو ما يشبه هذا الكلام .
فأنا قلت : ما الذي جعل هؤلاء الإخوان الطيبين التبليغيين يحرصون على هذه الكلمة وهي من إنشاء أحدهم ؟ ويعرضون عن السنة - وهنا الشاهد - السنة ، قلت لهم : فتحنا لكم هذه الجلسة بخطبة الحاجة : ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ) وكان عليه الصلاة والسلام يزيد عليها في كثير من الأحيان : ( أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، لماذا أعرضت جماعة التبليغ عن افتتاح جلساتهم العلمية بمثل هذه السنة المحمدية ؟ ذلك لأنهم لا يدرسون السنة ، هم جماعة طيبون ، يرغبون في التقرب إلى الله ولذلك يخرجون ذلك الخروج المعهود منهم غير المعهود من سلفنا الصالح ، يخرجون في ظنهم أنهم يحسنون صنعًا .
فقلت للشيخ الذي كان بجانبي : لماذا لا تحيون هذه السنة ، ( ومن سنّ في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ) أنا لا أخص جماعة التبليغ بمخالفتهم هذه للسنة ، بل هي مخالفة عامة ، كل الأحزاب ، وكل الجماعات تخالف هذه السنة ، لماذا ؟ سبق الجواب ، لأنهم لا يدندنون حول دراسة السنة أولاً ، لأن هذه الدراسة تعلم الناس وتوقظهم من سباتهم ونومهم العميق ، ولذلك فكيف يحيون السنة وهم يجهلونها ؟
من فضائل هذه الخطبة - كما شرحت هناك وأوجز هنا ما استطعت إلى ذلك سبيلا - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقدم هذه الخطبة التي تعرف عند العلماء جميعًا بخطبة الحاجة ، كان يقدمها بين يدي كل كلمة ، كل نسميها محاضرة أو درس أو موعظة أو ما شابه ذلك ، كان يذكر فيها : ( خير الهدى هدى محمدًا صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .
فهذه أسئلة ذكرها الإخوة وجمعوها ، متعلقة ببعض الجماعات وشيء من أحوالهم :
السؤال الأول : ما هو رأي شيخنا - حفظه الله تعالى - في كتاب " حياة الصحابة " ؟ وماذا تنصح قرّاء هذا الكتاب والمعتنين به والمشتغلين بتداوله ؟
الشيخ : لا إله إلا الله ، هذا السؤال يلتقي مع سهرة قريبة جدًا قضيناها في قرية " مادبا " لابد أنكم تعرفونها ، واستمرت السهرة إلى بعد نصف الليل ، وكان فيها من كل الجماعات أو الأحزاب ، فمن حزب التحرير ، ومن حزب وإن كان هم لا يريدون أن يقولوا حزب ، فنقول : ومن جماعة الإخوان المسلمين ، ومن جماعة التبليغ ، كل هؤلاء كانوا حاضرين في الجلسة واضطررنا إلى التحدث عن هذه الجماعات وعن بعض هذه الأحزاب ، وقلنا كلمة الحق ، لا نداهن فيها أحدًا إن شاء الله :
أن هذه الأحزاب أولاً : تخالف مبدءًا إسلاميًا مصرح به تصريحًا ما بعده تصريح في كتاب الله ، ووضح ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من حديث واحد ، وحسبنا الآن أن نذكر بقوله تعالى : (( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)) ، ومضينا في هذا الموضوع ، وقلنا : إن هذه الجماعات الموجودة الآن بعض أفرادها إنهم ينطلقون في تكتلهم وفي تحزبهم ليس على علم ملطقًا ، على أننا لا نحبذ العلم المضبط ، وإنما نحض على العلم المقيد بكتاب الله وبسنة رسول الله وعلى منهج السلف الصالح ، كما جاء في كثير من الآيات والأحاديث ، ولا أريد أن أعيد الجلسة التي كانت هناك ، فلابد أن أخانا أبا أحمد عنده شريط في ذلك ، ولكن قدمت يومئذٍ مثالاً من واقع حياة هذه الجماعة ، جماعة تبليغ ، وكان بجانبي أحدهم من الذين يدل سمتهم وهيئتهم على التمسك بالسنة ، فهو تقدم بعد صلاة المغرب بالكلمة التقليدية التي تسمعونها دائمًا وأبدًا من المقدم لمن سيلقي الدرس بعد الصلاة ، يقول : إنما فلاحنا ونجاحنا بإتباع سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو ما يشبه هذا الكلام .
فأنا قلت : ما الذي جعل هؤلاء الإخوان الطيبين التبليغيين يحرصون على هذه الكلمة وهي من إنشاء أحدهم ؟ ويعرضون عن السنة - وهنا الشاهد - السنة ، قلت لهم : فتحنا لكم هذه الجلسة بخطبة الحاجة : ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ) وكان عليه الصلاة والسلام يزيد عليها في كثير من الأحيان : ( أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، لماذا أعرضت جماعة التبليغ عن افتتاح جلساتهم العلمية بمثل هذه السنة المحمدية ؟ ذلك لأنهم لا يدرسون السنة ، هم جماعة طيبون ، يرغبون في التقرب إلى الله ولذلك يخرجون ذلك الخروج المعهود منهم غير المعهود من سلفنا الصالح ، يخرجون في ظنهم أنهم يحسنون صنعًا .
فقلت للشيخ الذي كان بجانبي : لماذا لا تحيون هذه السنة ، ( ومن سنّ في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء ) أنا لا أخص جماعة التبليغ بمخالفتهم هذه للسنة ، بل هي مخالفة عامة ، كل الأحزاب ، وكل الجماعات تخالف هذه السنة ، لماذا ؟ سبق الجواب ، لأنهم لا يدندنون حول دراسة السنة أولاً ، لأن هذه الدراسة تعلم الناس وتوقظهم من سباتهم ونومهم العميق ، ولذلك فكيف يحيون السنة وهم يجهلونها ؟
من فضائل هذه الخطبة - كما شرحت هناك وأوجز هنا ما استطعت إلى ذلك سبيلا - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقدم هذه الخطبة التي تعرف عند العلماء جميعًا بخطبة الحاجة ، كان يقدمها بين يدي كل كلمة ، كل نسميها محاضرة أو درس أو موعظة أو ما شابه ذلك ، كان يذكر فيها : ( خير الهدى هدى محمدًا صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .
4 - ما رأيكم في كتاب ( حياة الصحابة ) .؟ وما نصيحتكم للجماعات الإسلامية عامة ولجماعة التبليغ خاصة .؟ (والكلام على خطبة الحاجة وأهميتها) أستمع حفظ
معنى حديث:" وكل بدعة ضلالة " وهل يجوز في الدين بدعة حسنة وبدعة سيئة
الشيخ : ما هو السر في إعراض الجماعات الإسلامية كلها عن هذه الخطبة ؟ أن أقول الأمر يعود إلى شيئين :
الشيء الأول : أنه يصدق عليهم قوله تعالى : (( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )) ، لكن ما أستطيع أن أقول : أنه ما طرق سمع أحدهم مطلقًا ، ولا قرأ هذا الحديث في كتابٍ ما ، وهو في صحيح مسلم أصح كتاب بعد كتاب الله وهو في صحيح البخاري موجود هذا الحديث فيه ، لا يتصور أن أحدًا مطلقًا من هؤلاء لا علم عنده بهذا الحديث ، إذًا ما الذي يصرفهم أو يصدفهم عن التمسك بهذه السنة ؟ أقول : لأنها تخالف منهجهم ، كيف ؟ هذا الحديث يؤسس قاعدة لا يتمنى إلا الذين ينتسبون إلى السلف الصالح من أمثالنا : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) فلا تجد الإخوان المسلمين ولا حزب التحرير ولا جماعة تبليغ ، وإن كان هناك جماعات أخرى في بلاد أخرى ، لا تجد منهم أحدًا يدندن حول هذه القاعدة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ولو أنهم اعتادوا إحياء هذه السنة لاستيقظ جماهيرهم من سباتهم ، ولقالوا لهم : كيف أنتم تواظبون على هذه الخطبة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ونحن نسمعكم دائمًا تقولون : لا ، هناك بدعة حسنة ، والرسول يركز في أذهان أصحابه هذه القاعدة العظيمة الجليلة ، وأمرها كما يقوله ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " ردًا على بعض الناس الذين يقولون : إن هذا العموم غير مقصود : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) يزعم بعض المتأخرين أن هذا العموم ، هذا المصرح به في هذا الحديث هو من العام المخصوص ، ثم يأتون ببعض أشياء من الروايات منها ما يصح ومنها ما لا يصح ، يزعمون أن هذه روايات مخصصة لهذه العموم ، ومعنى كلامهم : أن قوله - صلى الله عليه وسلم - ( كل بدعة ضلالة ) ، لا ، أي : ليس كل بدعة ضلالة .
يقول ابن تيمية - وهنا الشاهد - وأنا أقرب ذلك بمثل : " لا يمكن أن يكون هذا النص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العام المخصوص وهو يكرره دائمًا وأبدًا على مسامع أصحابه " في كل مناسبة يريد أن يتكلم فيها بين أصحابه يقول : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) يستحيل أن يكون هذا من العام المخصوص ، لأن المفروض على النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي خوطب بقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) ربك يعصمك من الناس الذين قد يقصدون القضاء عليك ، فيحولون اليوم وصلوا إلى هدفهم ، يحولون بينك وبين تبليغ الرسالة وتوضيحها وبيانها ، (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) .
ولابد لي من التذكير بأن تبليغ النبي - صلى الله عليه وسلم - المذكور في هذه الآية : (( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )) يكون على وجهين : تبليغ اللفظ ، وتبليغ المعنى .
هنا في غرفة فارغة من شاء أن يأتي إليّ ويقل ما في مانع ، ومن شاء أن يجلس هناك فهو على اختياره ، تبليغ الرسول عليه السلام الذي أُمر به في هذه الآية على وجهين : تبليغ اللفظ ، وتبليغ المعنى .
تبليغ اللفظ : يعني اللفظ القرآني كما أنزله الله على قلب محمد عليه السلام ، فهو مأمور بتبليغه ، هذا هو النوع الأول .
الأمر الثاني الذي أُمر بتبليغه : معنى هذه الألفاظ ، هذه الآيات الكريمة ، وهذا هو المقصود من قوله تبارك وتعالى في الآية الأخرى : (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) هذه الآية غير الآية السابقة ، فالآية السابقة تعني : تبليغ اللفظ وتبليغ المعنى ، أما هذه الآية الأخرى فإنما تعني تبليغ المعنى ، بدليل : (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ )) أي : القرآن ، لماذا ؟ لتبينه للناس ، وبيانه عليه السلام - وهذا لا يحتاج الآن إلى تفصيل - ثلاثة أقسام : بقوله ، وبفعله ، وبتقريره .
فإذًا ابن تيمية - رحمه الله - يقول : " استمرار الرسول - عليه الصلاة والسلام - في تكرار هذه القاعدة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) على مسامح أصحابه يستحيل أن يكون من العام المخصوص " لأنه المفروض عليه ولو لمرة واحدة أن يبين - بحكم ما ذكرن من الآيات - أن هذا النص العام ليس على عمومه وشموله ، ولم يفعل ذلك إطلاقًا ، بل هو - عليه الصلاة والسلام - من تمام تبليغه لما أمره الله به كان يؤكد هذه القاعدة العامة ، فيقول : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ ) إلى آخر ما هنالك من أحاديث أخرى ، ولسنا في صددها .
أما المثال : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) مثاله : ( كل مسكرٍ خمرٌ ، وكل خمرٍ حرامٌ ) ، لا يمكن أن نقول : ليس كل مسكر خمر ، وليس كل خمر حرام ، هذا ما يقوله مسلم ، لماذا ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكرر هذه الكلية على مسامع أصحابه ، تحذيرًا لهم من أن يشربوا مسكرًا ، أي مسكرٍ كان سواء سُمي خمرًا أو سُمي نبيذًا ، أو سُمي وسكًا ، أو شمبانيا ، أو أو ، إلى آخره ، كل هذه الأسماء تدل على مسمًى واحد وهو الخمر في اللغة العربية ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول كما سمعتم : ( كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ) ، كيف يمكن أن نقول لا ، ليس كل مسكر خمر ؟! بالتالي كيف يمكن أن أقول : لا ، ليس كل بدعة ضلالة ؟! وهو يقول في كل منهما : ( كل مسكر خمر ) ، ( كل بدعة ضلالة ) ، هذا هو المثال تأكيدًا لما سمعتم آنفًا مما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن هذه الكلية التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكرها دائمًا في خطبة الحاجة لا يمكن أن تكون مخصصة .
أنا الآن آتيكم بمثال عكسي ، أي : لكلية خصصها الرسول ، حتى تعرفوا كلام الرسول ، كلام الحقيقة جمع فأوعى : سمعتم ( كل مسكر خمر ) ، ( كل بدعة ضلالة ) اسمعوا الآن التقييد كيف يكون ؟ قال : ( كلكم يدخل الجنة إلا م أبى ) دخل الاستثناء هنا ، كان يمكن أن يقول : " كل بدعة ضلالة إلا ما كان موافقًا للعبادة أو للحسنة أو ما شابه ذلك " مما تسمعونه من المؤولين إن لم نقل من المعطلين ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( كلكم يدخل الجنة إلا من أبى ) هل يجوز لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : " كلكم يدخل الجنة " ويسكت ، وهو في نفسه استثناء ؟ لا يمكن هذا ، فإذًا كيف يتصور هؤلاء الذين يقولون : ( كل بدعة ضلالة ) هذا ليس على عمومه ؟ معنى ذلك : أنهم ينسبون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ما كان في باله إطلاقًا ، ولو كان ذلك في باله لكان من الواجب عليه ديانةً أن يسارع ولو مرةً واحدةً إلى التصريح بالاستثناء كما قال في هذه الكلية الأخيرة : ( كلكم يدخل الجنة إلى من أبى ) ، قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ معقول واحد يأبى دخول الجنة ؟! معقول ومش معقول ، واسمعوا تمام الحديث ، فهو كما يقال في لغة العصر الحاضر " يضع النقاط على الحروف " ، قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : ( من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني دخل النار ) .
فإذًا كل كلية تأتي في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فضلاً عن الآيات القرآنية ولم يأتِ ما يخصصها ، فيجب إبقاؤها على إطلاقها وبخاصة إذا كانت مثل كلية : ( كل بدعة ضلالة ) التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكررها على مسامح أصحابه بكل مناسبة .
نعود : لماذا لا يحافظ جمهور الدعاة الإسلاميين اليوم على هذه الخطبة المباركة التي سماها العلماء بخطبة الحاجة ؟ أي : من أراد أن تقضى حاجته العلمية فليقدم بين يدي العلم خطبة الحاجة النبوية ، لماذا يعرضون عنها ؟ لأنها تخالف منهجهم ، ليس من منهجهم ما نهجه الرسول عليه السلام في هذه الخطبة " خطبة الحاجة " وهي : ذم عموم البدعة ، وذلك في الدين وفي العبادة ، فلذلك قلنا في تلك الجلسة هناك ما ذكرنا لكم آنفًا في : لا يكفي أن نتحمس ، كل جماعة ، كل حزب ، كل طائفة تتحمس لجماعتها ، وتنطلق بدون علم وبدون وعي ، فننصح هؤلاء الذين يخرجون وأولئك الذين لا يخرجون ، ولكن يتكتلون ، وأولئك الذين يشتغلون دهرهم بالسياسة ، وكثيرٌ منهم لا يعرفون أن يحجوا وأن يصلوا وأن يصوموا على السنة ، نأمرهم جميعًا بأمر الله ورسوله أن يتعلموا : (( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )) كلا ، لا يستوون .
فعلى هذا نقول :
الشيء الأول : أنه يصدق عليهم قوله تعالى : (( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )) ، لكن ما أستطيع أن أقول : أنه ما طرق سمع أحدهم مطلقًا ، ولا قرأ هذا الحديث في كتابٍ ما ، وهو في صحيح مسلم أصح كتاب بعد كتاب الله وهو في صحيح البخاري موجود هذا الحديث فيه ، لا يتصور أن أحدًا مطلقًا من هؤلاء لا علم عنده بهذا الحديث ، إذًا ما الذي يصرفهم أو يصدفهم عن التمسك بهذه السنة ؟ أقول : لأنها تخالف منهجهم ، كيف ؟ هذا الحديث يؤسس قاعدة لا يتمنى إلا الذين ينتسبون إلى السلف الصالح من أمثالنا : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) فلا تجد الإخوان المسلمين ولا حزب التحرير ولا جماعة تبليغ ، وإن كان هناك جماعات أخرى في بلاد أخرى ، لا تجد منهم أحدًا يدندن حول هذه القاعدة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ولو أنهم اعتادوا إحياء هذه السنة لاستيقظ جماهيرهم من سباتهم ، ولقالوا لهم : كيف أنتم تواظبون على هذه الخطبة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ونحن نسمعكم دائمًا تقولون : لا ، هناك بدعة حسنة ، والرسول يركز في أذهان أصحابه هذه القاعدة العظيمة الجليلة ، وأمرها كما يقوله ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " ردًا على بعض الناس الذين يقولون : إن هذا العموم غير مقصود : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) يزعم بعض المتأخرين أن هذا العموم ، هذا المصرح به في هذا الحديث هو من العام المخصوص ، ثم يأتون ببعض أشياء من الروايات منها ما يصح ومنها ما لا يصح ، يزعمون أن هذه روايات مخصصة لهذه العموم ، ومعنى كلامهم : أن قوله - صلى الله عليه وسلم - ( كل بدعة ضلالة ) ، لا ، أي : ليس كل بدعة ضلالة .
يقول ابن تيمية - وهنا الشاهد - وأنا أقرب ذلك بمثل : " لا يمكن أن يكون هذا النص من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العام المخصوص وهو يكرره دائمًا وأبدًا على مسامع أصحابه " في كل مناسبة يريد أن يتكلم فيها بين أصحابه يقول : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) يستحيل أن يكون هذا من العام المخصوص ، لأن المفروض على النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي خوطب بقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) ربك يعصمك من الناس الذين قد يقصدون القضاء عليك ، فيحولون اليوم وصلوا إلى هدفهم ، يحولون بينك وبين تبليغ الرسالة وتوضيحها وبيانها ، (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) .
ولابد لي من التذكير بأن تبليغ النبي - صلى الله عليه وسلم - المذكور في هذه الآية : (( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )) يكون على وجهين : تبليغ اللفظ ، وتبليغ المعنى .
هنا في غرفة فارغة من شاء أن يأتي إليّ ويقل ما في مانع ، ومن شاء أن يجلس هناك فهو على اختياره ، تبليغ الرسول عليه السلام الذي أُمر به في هذه الآية على وجهين : تبليغ اللفظ ، وتبليغ المعنى .
تبليغ اللفظ : يعني اللفظ القرآني كما أنزله الله على قلب محمد عليه السلام ، فهو مأمور بتبليغه ، هذا هو النوع الأول .
الأمر الثاني الذي أُمر بتبليغه : معنى هذه الألفاظ ، هذه الآيات الكريمة ، وهذا هو المقصود من قوله تبارك وتعالى في الآية الأخرى : (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) هذه الآية غير الآية السابقة ، فالآية السابقة تعني : تبليغ اللفظ وتبليغ المعنى ، أما هذه الآية الأخرى فإنما تعني تبليغ المعنى ، بدليل : (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ )) أي : القرآن ، لماذا ؟ لتبينه للناس ، وبيانه عليه السلام - وهذا لا يحتاج الآن إلى تفصيل - ثلاثة أقسام : بقوله ، وبفعله ، وبتقريره .
فإذًا ابن تيمية - رحمه الله - يقول : " استمرار الرسول - عليه الصلاة والسلام - في تكرار هذه القاعدة : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) على مسامح أصحابه يستحيل أن يكون من العام المخصوص " لأنه المفروض عليه ولو لمرة واحدة أن يبين - بحكم ما ذكرن من الآيات - أن هذا النص العام ليس على عمومه وشموله ، ولم يفعل ذلك إطلاقًا ، بل هو - عليه الصلاة والسلام - من تمام تبليغه لما أمره الله به كان يؤكد هذه القاعدة العامة ، فيقول : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ ) إلى آخر ما هنالك من أحاديث أخرى ، ولسنا في صددها .
أما المثال : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) مثاله : ( كل مسكرٍ خمرٌ ، وكل خمرٍ حرامٌ ) ، لا يمكن أن نقول : ليس كل مسكر خمر ، وليس كل خمر حرام ، هذا ما يقوله مسلم ، لماذا ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكرر هذه الكلية على مسامع أصحابه ، تحذيرًا لهم من أن يشربوا مسكرًا ، أي مسكرٍ كان سواء سُمي خمرًا أو سُمي نبيذًا ، أو سُمي وسكًا ، أو شمبانيا ، أو أو ، إلى آخره ، كل هذه الأسماء تدل على مسمًى واحد وهو الخمر في اللغة العربية ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول كما سمعتم : ( كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ) ، كيف يمكن أن نقول لا ، ليس كل مسكر خمر ؟! بالتالي كيف يمكن أن أقول : لا ، ليس كل بدعة ضلالة ؟! وهو يقول في كل منهما : ( كل مسكر خمر ) ، ( كل بدعة ضلالة ) ، هذا هو المثال تأكيدًا لما سمعتم آنفًا مما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن هذه الكلية التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكرها دائمًا في خطبة الحاجة لا يمكن أن تكون مخصصة .
أنا الآن آتيكم بمثال عكسي ، أي : لكلية خصصها الرسول ، حتى تعرفوا كلام الرسول ، كلام الحقيقة جمع فأوعى : سمعتم ( كل مسكر خمر ) ، ( كل بدعة ضلالة ) اسمعوا الآن التقييد كيف يكون ؟ قال : ( كلكم يدخل الجنة إلا م أبى ) دخل الاستثناء هنا ، كان يمكن أن يقول : " كل بدعة ضلالة إلا ما كان موافقًا للعبادة أو للحسنة أو ما شابه ذلك " مما تسمعونه من المؤولين إن لم نقل من المعطلين ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( كلكم يدخل الجنة إلا من أبى ) هل يجوز لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : " كلكم يدخل الجنة " ويسكت ، وهو في نفسه استثناء ؟ لا يمكن هذا ، فإذًا كيف يتصور هؤلاء الذين يقولون : ( كل بدعة ضلالة ) هذا ليس على عمومه ؟ معنى ذلك : أنهم ينسبون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ما كان في باله إطلاقًا ، ولو كان ذلك في باله لكان من الواجب عليه ديانةً أن يسارع ولو مرةً واحدةً إلى التصريح بالاستثناء كما قال في هذه الكلية الأخيرة : ( كلكم يدخل الجنة إلى من أبى ) ، قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ معقول واحد يأبى دخول الجنة ؟! معقول ومش معقول ، واسمعوا تمام الحديث ، فهو كما يقال في لغة العصر الحاضر " يضع النقاط على الحروف " ، قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : ( من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني دخل النار ) .
فإذًا كل كلية تأتي في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فضلاً عن الآيات القرآنية ولم يأتِ ما يخصصها ، فيجب إبقاؤها على إطلاقها وبخاصة إذا كانت مثل كلية : ( كل بدعة ضلالة ) التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكررها على مسامح أصحابه بكل مناسبة .
نعود : لماذا لا يحافظ جمهور الدعاة الإسلاميين اليوم على هذه الخطبة المباركة التي سماها العلماء بخطبة الحاجة ؟ أي : من أراد أن تقضى حاجته العلمية فليقدم بين يدي العلم خطبة الحاجة النبوية ، لماذا يعرضون عنها ؟ لأنها تخالف منهجهم ، ليس من منهجهم ما نهجه الرسول عليه السلام في هذه الخطبة " خطبة الحاجة " وهي : ذم عموم البدعة ، وذلك في الدين وفي العبادة ، فلذلك قلنا في تلك الجلسة هناك ما ذكرنا لكم آنفًا في : لا يكفي أن نتحمس ، كل جماعة ، كل حزب ، كل طائفة تتحمس لجماعتها ، وتنطلق بدون علم وبدون وعي ، فننصح هؤلاء الذين يخرجون وأولئك الذين لا يخرجون ، ولكن يتكتلون ، وأولئك الذين يشتغلون دهرهم بالسياسة ، وكثيرٌ منهم لا يعرفون أن يحجوا وأن يصلوا وأن يصوموا على السنة ، نأمرهم جميعًا بأمر الله ورسوله أن يتعلموا : (( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )) كلا ، لا يستوون .
فعلى هذا نقول :
الجواب عن السؤال: ما رأيكم في كتاب حياة الصحابة؟ ومعنى قول الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات، أو قول بعض أهل العلم: رجاله رجال الصحيح
الشيخ : بالنسبة لهذا السؤال كتاب " الصحابة " هو دليل لما نقول نحن ، الذي ألف هذا الكتاب ليس فردًا من أفراد جماعة التبليغ ، بل هو رأس ، إن لم يكن من رءوسهم فهو رأس الرءوس ، ألف هذا الكتاب ، والجماعة ينطلقون على هداه ، ولكن هذا الكتاب جمع ما هبّ ودبّ ، أي : لم يخصص هذا الكتاب بأن يذكر فيه ما صح أولاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لأن كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس ككلام غيره من الناس ، ولو كانوا أولياء وصالحين .
ثانيًا : ذكر روايات كثيرة عن الصحابة - رضي الله عنهم - فيها أيضًا من باب أولى إذا كان في الأحاديث التي نسبها إلى الرسول فيها أشياء لا تصح نسبتها إلى الرسول عند من ؟ عند أهل العلم بطريق معرفة الحديث ، ومعرفة الأسانيد ، وتراجم رجال الأسانيد ، ونحو ذلك ، فمن باب أولى أن يذكر في هذا الكتاب روايات كثيرة وكثيرة جدًا عن الصحابة من أقوالهم ، من أفعالهم ، من منهجهم ، من سلوكهم ، وكثير منها لا يصح .
ويعجبني بهذه المناسبة قول لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهذا من نفيس كلامه ودقيق منهجه العلمي ، حيث قال ما معناه : أن على كل باحثٍ أن يتثبت فيما يرويه عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يتثبت فيما يرويه عن الله ورسوله ، هذه كلمة جماهير العلماء قديمًا وليس حديثًا فقط ، قديمًا وحديثًا قد أخلوا بها ، فما تعود إلى كتاب إلا ما ندر جدًا جدًا ، مثل كتاب " نيل الأوطار " للشوكاني ، هذا من الكتب التي نحن نحض طلاب العلم على الاعتناء بدراسته والاستفادة منه ، ومع ذلك تجد يحشد فيه أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم بمناسبة الكلام عن آية أو حديث ، لكنه لا يسلك هذا السبيل ، وهو سبيل التثبت مما يُنسب إلى الصحابة ، كما يجب التثبت لما يُنسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومن هنا : يصيب المجتمع الإسلامي شيء من الانحراف ، لماذا ؟ وهذه نقطة في الحقيقة مهمة جدًا ، نحن قلنا دائمًا وأبدًا : أن منهجنا كتاب الله ، وسنة رسول الله ، وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح ، لا يكفي اليوم أبدًا أن ندعو الناس للكتاب والسنة فقط ، لأنك لن تجد في كل هذه الجماعات المختلفة حديثًا وقديمًا ، لن تجد جماعة منهم ولو كانوا من المرجئة أو كانوا من المعتزلة يقولون : نحن لسنا على الكتاب والسنة ، كلهم يقولون هكذا ، إذًا ما هو الفارق بين هذه الجماعات التي كلها تقول - وهي صادقة فيما تقول ، ما نستطيع أن نتهمها ، صادقة فيما تقول - نحن على الكتاب والسنة ، لكنها غير صادقة في تطبيقه على ما كان عليه سلفنا الصالح - رضي الله تعالى عنهم - .
من هنا نقول : لابد من معرفة ما كان عليه السلف لنستعين به على فهم الكتاب والسنة ، فإذا جاءتنا رواية عن بعض الصحابة وهي غير صحيحة ، وأخذنا بها على أساس أنها بيان للكتاب والسنة انحرفنا كما لو أخذنا بحديث ضعيف أو موضوع ، لهذا ابن تيمية يقول : " يجب التثبت فيما نرويه عن الصحابة كما نتثبت فيما نرويه عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - " هذا الكتاب كتاب " الصحابة " خالف هذا النهج العلمي ، فهو جمع ما هب ودب ، وأنا أضرب لكم مجملاً مثلاً : هو ينقل مثلاً حديثًا عن كتاب " مجمع الزوائد " ، يقول : رواه أحمد ، والطبراني ، وقال في " مجمع الزوائد " : " رواته ثقات " الذين يتداولون هذا الكتاب ، حينما يقرءون قال في " مجمع الزوائد " : " رجاله ثقات " ما الذي يفهمونه منه كما يقولون في بعض الأعراب في سوريا " خوش حديث " مادام رجاله ثقات صار حديث ثابت - لا - عند أهل العلم : أي حديث يقولوا فيه أحد المحدثين : " رجاله ثقات " فليس يعني ذلك هذا المحدث أنه حديث صحيح ، بل أي حديث يقول فيه مؤلف الكتاب : " رجاله رجال الصحيح " فلا يعني أنه صحيح ، وهذا أشد إيهامًا لصحة الحديث من قوله الأول ، إذا قال : " رجاله ثقات " قد يتوهم بعض الناس أنه صحيح ، لكن الإيهام بالتعبير الثاني " رجاله رجال الصحيح " أكثر ، مع ذلك لا هذا ولا هذا في علم الحديث يعني صحة الحديث .
إذًا كان ينبغي على مؤلف هذا الكتاب أن يختار ، ما نقول أن يصحح كل هذه الروايات ويدقق القول فيها ، لأنه الحقيقة أنا أعتقد أنه لو أراد رجل عالم متثبت يريد أن يصحح وأن يضعف ، أن يؤلف كتابًا مثل كتاب " الصحابة " لأخذ منه سنين عديدة ، لأن الحديث الواحد التحقيق فيه قد يأخذ منه ساعات ، بل قد يأخذ منه يوم وأيام ، ونحن هذا نعرفه بالتجربة ، فإذًا هو أراد أن يؤلف مثل هذا الكتاب على هذه الطريقة كأن يأخذ منه عمره ، أو بعض عمره على الأقل ، لكن كنا نرجو منه أن يختار ما صح عنده بأقرب طريق ، بدون ما يأتي يخصص الكلام في كل حديث من هذه الأحاديث ، إذًا هذا هو الجواب عن كتاب " الصحابة " : أنه لا ينبغي الاعتماد عليه إلا بشيء من التحفظ كأكثر الكتب ، وأنا أضع بين أيديكم الآن قاعدة لكي لا تحترموا الاستفادة من مثل هذا الكتاب ، فأقول : كلما رأيتم حديثًا معزوًا أولاً لأحد الصحيحين في هذا الكتاب أو في غيره ، يقول : رواه البخاري ومسلم ، رواه البخاري ، رواه مسلم ، فعضو عليه بالنواجذ ، هذا أولاً .
ثانيًا : إذا رأيتموه نقل عن أحد المحدثين أنه قال : هذا حديث إسناده صحيح ، أو قال إسناده حسن ، أيضًا تمسكوا به ، وما سوى ذلك فعرجوا عنه ، ولا تعرجوا عليه ، غيره .
الطالب : بارك الله فيك ، هذا في الكتاب نفسه ، أو قاعدة عموم الكتب يعني ؟
الشيخ : كل الكتب ، لعلك تحفظ سؤالك لمناسبة أخرى إن شاء الله .
ثانيًا : ذكر روايات كثيرة عن الصحابة - رضي الله عنهم - فيها أيضًا من باب أولى إذا كان في الأحاديث التي نسبها إلى الرسول فيها أشياء لا تصح نسبتها إلى الرسول عند من ؟ عند أهل العلم بطريق معرفة الحديث ، ومعرفة الأسانيد ، وتراجم رجال الأسانيد ، ونحو ذلك ، فمن باب أولى أن يذكر في هذا الكتاب روايات كثيرة وكثيرة جدًا عن الصحابة من أقوالهم ، من أفعالهم ، من منهجهم ، من سلوكهم ، وكثير منها لا يصح .
ويعجبني بهذه المناسبة قول لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهذا من نفيس كلامه ودقيق منهجه العلمي ، حيث قال ما معناه : أن على كل باحثٍ أن يتثبت فيما يرويه عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يتثبت فيما يرويه عن الله ورسوله ، هذه كلمة جماهير العلماء قديمًا وليس حديثًا فقط ، قديمًا وحديثًا قد أخلوا بها ، فما تعود إلى كتاب إلا ما ندر جدًا جدًا ، مثل كتاب " نيل الأوطار " للشوكاني ، هذا من الكتب التي نحن نحض طلاب العلم على الاعتناء بدراسته والاستفادة منه ، ومع ذلك تجد يحشد فيه أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم بمناسبة الكلام عن آية أو حديث ، لكنه لا يسلك هذا السبيل ، وهو سبيل التثبت مما يُنسب إلى الصحابة ، كما يجب التثبت لما يُنسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومن هنا : يصيب المجتمع الإسلامي شيء من الانحراف ، لماذا ؟ وهذه نقطة في الحقيقة مهمة جدًا ، نحن قلنا دائمًا وأبدًا : أن منهجنا كتاب الله ، وسنة رسول الله ، وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح ، لا يكفي اليوم أبدًا أن ندعو الناس للكتاب والسنة فقط ، لأنك لن تجد في كل هذه الجماعات المختلفة حديثًا وقديمًا ، لن تجد جماعة منهم ولو كانوا من المرجئة أو كانوا من المعتزلة يقولون : نحن لسنا على الكتاب والسنة ، كلهم يقولون هكذا ، إذًا ما هو الفارق بين هذه الجماعات التي كلها تقول - وهي صادقة فيما تقول ، ما نستطيع أن نتهمها ، صادقة فيما تقول - نحن على الكتاب والسنة ، لكنها غير صادقة في تطبيقه على ما كان عليه سلفنا الصالح - رضي الله تعالى عنهم - .
من هنا نقول : لابد من معرفة ما كان عليه السلف لنستعين به على فهم الكتاب والسنة ، فإذا جاءتنا رواية عن بعض الصحابة وهي غير صحيحة ، وأخذنا بها على أساس أنها بيان للكتاب والسنة انحرفنا كما لو أخذنا بحديث ضعيف أو موضوع ، لهذا ابن تيمية يقول : " يجب التثبت فيما نرويه عن الصحابة كما نتثبت فيما نرويه عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - " هذا الكتاب كتاب " الصحابة " خالف هذا النهج العلمي ، فهو جمع ما هب ودب ، وأنا أضرب لكم مجملاً مثلاً : هو ينقل مثلاً حديثًا عن كتاب " مجمع الزوائد " ، يقول : رواه أحمد ، والطبراني ، وقال في " مجمع الزوائد " : " رواته ثقات " الذين يتداولون هذا الكتاب ، حينما يقرءون قال في " مجمع الزوائد " : " رجاله ثقات " ما الذي يفهمونه منه كما يقولون في بعض الأعراب في سوريا " خوش حديث " مادام رجاله ثقات صار حديث ثابت - لا - عند أهل العلم : أي حديث يقولوا فيه أحد المحدثين : " رجاله ثقات " فليس يعني ذلك هذا المحدث أنه حديث صحيح ، بل أي حديث يقول فيه مؤلف الكتاب : " رجاله رجال الصحيح " فلا يعني أنه صحيح ، وهذا أشد إيهامًا لصحة الحديث من قوله الأول ، إذا قال : " رجاله ثقات " قد يتوهم بعض الناس أنه صحيح ، لكن الإيهام بالتعبير الثاني " رجاله رجال الصحيح " أكثر ، مع ذلك لا هذا ولا هذا في علم الحديث يعني صحة الحديث .
إذًا كان ينبغي على مؤلف هذا الكتاب أن يختار ، ما نقول أن يصحح كل هذه الروايات ويدقق القول فيها ، لأنه الحقيقة أنا أعتقد أنه لو أراد رجل عالم متثبت يريد أن يصحح وأن يضعف ، أن يؤلف كتابًا مثل كتاب " الصحابة " لأخذ منه سنين عديدة ، لأن الحديث الواحد التحقيق فيه قد يأخذ منه ساعات ، بل قد يأخذ منه يوم وأيام ، ونحن هذا نعرفه بالتجربة ، فإذًا هو أراد أن يؤلف مثل هذا الكتاب على هذه الطريقة كأن يأخذ منه عمره ، أو بعض عمره على الأقل ، لكن كنا نرجو منه أن يختار ما صح عنده بأقرب طريق ، بدون ما يأتي يخصص الكلام في كل حديث من هذه الأحاديث ، إذًا هذا هو الجواب عن كتاب " الصحابة " : أنه لا ينبغي الاعتماد عليه إلا بشيء من التحفظ كأكثر الكتب ، وأنا أضع بين أيديكم الآن قاعدة لكي لا تحترموا الاستفادة من مثل هذا الكتاب ، فأقول : كلما رأيتم حديثًا معزوًا أولاً لأحد الصحيحين في هذا الكتاب أو في غيره ، يقول : رواه البخاري ومسلم ، رواه البخاري ، رواه مسلم ، فعضو عليه بالنواجذ ، هذا أولاً .
ثانيًا : إذا رأيتموه نقل عن أحد المحدثين أنه قال : هذا حديث إسناده صحيح ، أو قال إسناده حسن ، أيضًا تمسكوا به ، وما سوى ذلك فعرجوا عنه ، ولا تعرجوا عليه ، غيره .
الطالب : بارك الله فيك ، هذا في الكتاب نفسه ، أو قاعدة عموم الكتب يعني ؟
الشيخ : كل الكتب ، لعلك تحفظ سؤالك لمناسبة أخرى إن شاء الله .
6 - الجواب عن السؤال: ما رأيكم في كتاب حياة الصحابة؟ ومعنى قول الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات، أو قول بعض أهل العلم: رجاله رجال الصحيح أستمع حفظ
ما رأيك في هذا الأصل عند جماعة التبليغ : لا نتكلم عند الخروج على أربعة أشياء مخافة المفسدة المترتبة على الكلام فيها وهي : السياسة والفقه والخلاف و الجماعات.!؟
السائل : شيخنا ، الذي سألناه في الأول كان يعني متعلق بمسألة واحدة فجزاكم الله خير أوعبتم القول في كثير من المسائل المتعلقة بجماعة التبليغ ، ولكن في هنا بعض المسائل الأخرى ، قد تتعلق بجوانب أخرى نجيب الإجابة عنها ولو بشكل مختصر بعد ذلك تفصيل ، بارك الله فيكم .
الشيخ : تفضل .
يقول الطالب : ما رأيكم بأصل من أصول جماعة التبليغ ، وهم يقولون : لا نتكلم في أربعة أشياء أثناء الخروج ، لما يترتب على الكلام في هذه الأشياء من المفاسد ، وهي : السياسات والخلافات والفقهيات والجماعة .
الشيخ : نسأل الله لنا ولهم الهداية ، السياسات ، نحن نوافقهم على هذا الشيء الأول ، ولكن ليس على الإطلاق ، نحن نرى كما حكيت هذا أكثر من مرة ، لقد اُمتحنا هناك في سوريا واستنطقنا من المخابرات كما يفعلوا مع الأسف في كل البلاد الإسلامية ، أنك تعمل تكتل ، تجمع ، وما نحو ذلك ، وأنا أقول : أنا تكتلي هذا للإصلاح وليس للسياسة ، بعد مناقشة طويلة جدًا ربما جاوزت الساعة ولما لم يجد المستنطق هذا البعثي مجالاً لأن يأخذ عليَّ شيئًا من الناحية القانونية ، قال : إذًا اذهب ، وابقَ على دروسك ، ولكن لا تتكلم في السياسة ، مع أنه أنا قلت بالتفصيل : أنا دعوتنا دعوة إصلاحية ، رجوعي للكتاب والسنة كما تسمعون دائمًا وأبدًا ، قلت : أنا ذكرت لك آنفًا بشيء من التفصيل ، الآن رجوعك إلى القول لكن لا تشتغل بالسياسة ، يدفعني أن أبين لك شيئًا : نحن صحيح لا نشتغل بالسياسة ، ولكن ليس هذا لأن الاشتغال بالسياسة ليس من الإسلام ، لا ، السياسة من الإسلام ، وبعض علماء الإسلام ألفوا في السياسة الشرعية قديمًا وحديثًا ، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، الدولة الإسلامية لا .. - كلمة - .. السياسة ، لأنه شو معنى السياسة ؟ سياسة الناس يعني وتسليك أمورهم على ما يوافق مصالحهم في الدنيا والأخرى ، فنحن لا ننكر وجوب الاشتغال بالسياسة ، لكننا رأينا - وهنا الشاهد - أن من السياسة ترك السياسة ، رأينا في هذا الزمان من السياسة ترك السياسة ، والغرض الآن : أننا نوافق الجماعة على عدم الاشتغال بالسياسة وقتيًا ، لكن لا يمكن الاستغناء عنها ، وإلا كيف يمكن إقامة الدولة المسلمة ، إلا بمثل هذه السياسة ، ولكن الذين ينبغي أن يشتغلوا بالسياسة يجب أن يكونوا علماء ، أن يكونوا فقهاء ، أن يكونوا علماء بالمعنى الصحيح الكتاب والسنة والسلف الصالح إلى آخره ، ولذلك نحن نوافقهم على هذا الشوط الأول ولا نوافقهم : نوافقهم هكذا إجمالاً ، لا نوافقهم تفصيلاً ، ونقول الآن : من السياسة ترك السياسة .
أما الفقرة الثانية : فلسنا نوافقهم عليها ، وهو الفقهيات ، كيف هذا ؟! كيف يتصور في جماعة : أولاً يسمون أنفسهم جماعة تبليغ ، ماذا يريدون أن يبلغوا إلى الناس ؟ إما أن يبلغوا العقيدة ، وهم مع الأسف لا يفعلون ، ولا أدري هذا لماذا لا يذكرونه ؟ لأن الفقهيات لعلهم يعنون بالفقهيات ما هو أعم وأشمل .
الطالب : الخلافيات يا شيخنا .
الشيخ : هذا هو ، فالفقهيات إذًا ماذا يدعون هم ؟ أنا لا أريد أن أقول أنهم يدعون إلى ما يمكن أن يدعو إليه كل طائفة متدينة على وجه الأرض مهما كان نوع دينها إلا اليهود ، فأنتم تعلمون مثلاً أن جماعة التبشير من النصارى يدعون إلى - ماذا يسمونها في الإنجيل ؟ - الوصايا العشر ، لا تسرق ، لا تزني ، لا تكذب ، ما أدري إلى آخره ، أيضًا هذه الأشياء يدعو إليها الإسلام ، فإذا كان الجماعة لا يريدون أن يبحثوا في السياسة ، قلنا لهم : لا بأس مؤقتًا ، لكن في الفقهيات ، والرسول يقول : ( من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين ) أنا أعتقد جازمًا أن هذه الفقرة سبب وضعها هو نفس السبب هو الذي يحملهم على ترك خطبة الحاجة ، ولعلكم ما نسيتم بعد ما هو السبب : أنهم لا يؤمنون بقوله عليه السلام : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) هذه القاعدة التي أسسها الرسول عليه السلام كما ذكرنا لكم آنفًا ، ولذلك فهم لا يعرجون على هذه السنة المتروكة ولا يحيونها ، كذلك لماذا أعرضوا عن الفقهيات ؟ لأنهم لا فقه عندهم ، لأن الفقه كما قال ابن القيم - رحمه الله - :
العلم : قال الله ، قال رسوله قال الصحابة ، ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً بين الرسول وبين رأي فقيه كلا ولا جحد لصفات ولا نفيها حذرًا من التعطيل والتشويه فهم لا يبحثون في الفقهيات بزعم أنه يثير الخلاف - لا - هذا زعم يتسترون خلفه ، والحقيقة أنهم لا يحسنون الفقه ، كل واحد - كما يقولون عندنا في الشام - جماعة تبليغ مثل الإخوان المسلمين ، مثل حزب التحرير ، لا فرق بينهم في نقطة واحدة ، وهي : جماعة الإخوان المسلمين يجمعون بين السلفي والصوفي ، بين الحنفي والشافعي ، والمالكي والحنبلي ، وفي بعض الدروب بين السني وبين الشيعي ، هكذا تقتضي السياسة ، حزب التحرير كذلك ، ما يهمهم حتى لقد صرحوا من منهجهم أنهم لا يتبنون رأيًا في العقيدة ، هذا من حسناتهم لكنها في نفسها سيئة ، أما جماعة تبليغ لا يصرحون بهذا ، لكنه واقعهم ، لا يتبنون رأيًا في العقيدة ، كما أنهم من باب أولى لا يتبنون رأيًا في الفقه ، لماذا ؟ لأن الفقه أُلف هناك من جماعة الأزهر الشريف ، كتاب اسمه " الفقه على المذاهب الأربعة " إذا تريد أن تضيع في غمرة الخلاف بين المذاهب الأربعة اقرأ هذا الكتاب ، وحينئذٍ لا تخرج منه إلا وأنت دايغ ما تعرف أي قول يعني تذهب إليه وتتمسك به .
كذلك دكاترة الجامعات اليوم يدرسون الفقه الذي يسمونه بالفقه المقارن على طريقة الفقه على المذاهب الأربعة ، يقول لك : أبو حنيفة قال كذا ، وكذا إلى آخره ، وبعد ذلك أين الحق الذي قال الله عزَّ وجلّ فيه : (( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ )) ، ( ما المسئول عنها بأعلم من الطالب ) فإذًا الذين لا يشتغلون في الفقهيات ليس السبب أنه يوقع الخلاف ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي هو سيد البشر قاطبةً من أسمائه وأرجو أن تسمعوا هذا وأن تحفظوه ، من أسمائه " المفرق " كالقرآن ، فالقرآن من أسمائه " الفرقان " ، لماذا رسول الله مفرق ؟ فرق بدعوته بين المؤمن والكافر ، كان من نتائج ذلك فرق بين الوالد وولده ، هذا كافر مشرك وهذا مؤمن مسلم ، إذًا لماذا نحن نخاف أن نفرق ؟ نخاف أن نفرق بالباطل ، ولا نخاف أن نفرق بالحق ، لأن ربنا يقول : (( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ )) ، لكن الحقيقة أنهم لا يعرفون الحق من الباطل ، لا يعرفون الصواب من الخطأ ، ولذلك تمثلوا بالمثل العامي " الهروب نصف الشجاعة " لأنه إذا يدخل - يضحك الشيخ رحمه الله والطلبة - المقصود : هم كما يقال أيضًا ليسوا حشو الكبة ، يقول مثلاً قال أبو حنيفة : خروج الدم مهما قل فهو ناقض للوضوء ، والإمام الشافعي يقول : مهما كثر فهو غير ناقض للوضوء ، الإمام أحمد يقول : ومالك معه أنه إن كان كثيرًا نقض وإلا فلا ينقض ، ماذا بدهم من هذه الدوشة ؟! هذه اطلاع على أدلة المذاهب أولاً ، ثم إجراء معادلة ومراجحة بين هذه الأدلة ثانيًا ، وهذا يتطلب شيء إضافي على وجوب معرفة أقوال الفقهاء يتطلب أن يعرف علم الحديث في مصطلحه ، وعلم الجرح والتعديل في تجريحه وتوفيقه ، وهذا أكثر الدكاترة ، ليس العامة من جماعة تبليغ وأمثالهم الذين يخرجون من الدعوة ، هؤلاء لا يستطيعون ، لكني كنت أستحسن منهم أن يقولوا كما يقولون في الأمس القريب لما ذكرنا لكم كنا في مأدبة وتكلمنا حول جماعات منها جماعة تبليغ ، قال لي أحدهم مما نحسن الظن به ، قال : لذلك لأني أنا حضضتهم على العلم ، قال : لذلك مشايخنا يقولون لنا : اذهبوا إلى العلماء ، فقلت لهم : نحن نريد أن تكونوا أنتم العلماء ، أنتم الذين تهتمون بدعوة الأمة ، ليس أنتم تذهبون إلى العلماء ثم تخرجون ولستم علماء .
إذًا تركهم الفقهيات لأنها تفرق - أنا أقولها صراحة وأرجو عدم المؤاخذة لأن الحق أحق أن يقال - فهذا عذرٌ أقبح من ذنب ، لماذا ؟ لأنه أولاً لا يعبر عن السبب الحقيقي ، ولأنه ثانيًا لابد من التفريق بين الحق والباطل ، بين الصواب والخطأ ، وبخاصة ما كان من ذلك متعلقًا بالعقيدة ، وهم كما تسمعون ، ماذا قال بالفقرة الثانية ؟
السائل : خلافيات .
الشيخ : خلافيات ، هل هناك خلاف في التوحيد ؟ كثير من الدكاترة يقولون : ما في خلاف يا أخي ، كل المسلمين يقولون : " أشهد أن لا إله إلا الله " ، صح ، ولكن القول شيءٌ والفهم والإيمان شيء آخر ، الكافر حينما تقوم قائمة الدولة المسلمة إذا قال " أشهد أن لا إله إلا الله " خلص رأسه من قطعه عن بدنه ، لكن هل نجا بذلك من الخلود في النار ؟ الجواب : إن فهم - الشرط الأول - المعنى الصحيح لهذه الكلمة أولاً ، ثم آمن بهذا الفهم الصحيح ثانيًا ، نجا من الخلود في النار يوم القيامة .
أما إذا لم يفهم فهو بالتالي لم يؤمن ، لأننا لا نتصور إيمانًا غير مقرون بالفهم الصحيح ، فهل المسلمون اليوم ، كل المسلمين الذين يعدون كم مليون ؟
السائل : ألف مليون ..
الشيخ : ألف مليون أو يزيدون ، هل ألف مليون كلهم يقولون : " أشهد أن لا إله إلا الله " يمكن يكون منهم الدروز ، طيب هل هؤلاء اتفقوا على فهم هذه الكلمة فهمًا صحيحًا ينجيهم من الخلود في النار يوم القيامة ؟ الجواب : مع الأسف الشديد لم يتفقوا ، ولذلك ... .
الشيخ : تفضل .
يقول الطالب : ما رأيكم بأصل من أصول جماعة التبليغ ، وهم يقولون : لا نتكلم في أربعة أشياء أثناء الخروج ، لما يترتب على الكلام في هذه الأشياء من المفاسد ، وهي : السياسات والخلافات والفقهيات والجماعة .
الشيخ : نسأل الله لنا ولهم الهداية ، السياسات ، نحن نوافقهم على هذا الشيء الأول ، ولكن ليس على الإطلاق ، نحن نرى كما حكيت هذا أكثر من مرة ، لقد اُمتحنا هناك في سوريا واستنطقنا من المخابرات كما يفعلوا مع الأسف في كل البلاد الإسلامية ، أنك تعمل تكتل ، تجمع ، وما نحو ذلك ، وأنا أقول : أنا تكتلي هذا للإصلاح وليس للسياسة ، بعد مناقشة طويلة جدًا ربما جاوزت الساعة ولما لم يجد المستنطق هذا البعثي مجالاً لأن يأخذ عليَّ شيئًا من الناحية القانونية ، قال : إذًا اذهب ، وابقَ على دروسك ، ولكن لا تتكلم في السياسة ، مع أنه أنا قلت بالتفصيل : أنا دعوتنا دعوة إصلاحية ، رجوعي للكتاب والسنة كما تسمعون دائمًا وأبدًا ، قلت : أنا ذكرت لك آنفًا بشيء من التفصيل ، الآن رجوعك إلى القول لكن لا تشتغل بالسياسة ، يدفعني أن أبين لك شيئًا : نحن صحيح لا نشتغل بالسياسة ، ولكن ليس هذا لأن الاشتغال بالسياسة ليس من الإسلام ، لا ، السياسة من الإسلام ، وبعض علماء الإسلام ألفوا في السياسة الشرعية قديمًا وحديثًا ، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية ، الدولة الإسلامية لا .. - كلمة - .. السياسة ، لأنه شو معنى السياسة ؟ سياسة الناس يعني وتسليك أمورهم على ما يوافق مصالحهم في الدنيا والأخرى ، فنحن لا ننكر وجوب الاشتغال بالسياسة ، لكننا رأينا - وهنا الشاهد - أن من السياسة ترك السياسة ، رأينا في هذا الزمان من السياسة ترك السياسة ، والغرض الآن : أننا نوافق الجماعة على عدم الاشتغال بالسياسة وقتيًا ، لكن لا يمكن الاستغناء عنها ، وإلا كيف يمكن إقامة الدولة المسلمة ، إلا بمثل هذه السياسة ، ولكن الذين ينبغي أن يشتغلوا بالسياسة يجب أن يكونوا علماء ، أن يكونوا فقهاء ، أن يكونوا علماء بالمعنى الصحيح الكتاب والسنة والسلف الصالح إلى آخره ، ولذلك نحن نوافقهم على هذا الشوط الأول ولا نوافقهم : نوافقهم هكذا إجمالاً ، لا نوافقهم تفصيلاً ، ونقول الآن : من السياسة ترك السياسة .
أما الفقرة الثانية : فلسنا نوافقهم عليها ، وهو الفقهيات ، كيف هذا ؟! كيف يتصور في جماعة : أولاً يسمون أنفسهم جماعة تبليغ ، ماذا يريدون أن يبلغوا إلى الناس ؟ إما أن يبلغوا العقيدة ، وهم مع الأسف لا يفعلون ، ولا أدري هذا لماذا لا يذكرونه ؟ لأن الفقهيات لعلهم يعنون بالفقهيات ما هو أعم وأشمل .
الطالب : الخلافيات يا شيخنا .
الشيخ : هذا هو ، فالفقهيات إذًا ماذا يدعون هم ؟ أنا لا أريد أن أقول أنهم يدعون إلى ما يمكن أن يدعو إليه كل طائفة متدينة على وجه الأرض مهما كان نوع دينها إلا اليهود ، فأنتم تعلمون مثلاً أن جماعة التبشير من النصارى يدعون إلى - ماذا يسمونها في الإنجيل ؟ - الوصايا العشر ، لا تسرق ، لا تزني ، لا تكذب ، ما أدري إلى آخره ، أيضًا هذه الأشياء يدعو إليها الإسلام ، فإذا كان الجماعة لا يريدون أن يبحثوا في السياسة ، قلنا لهم : لا بأس مؤقتًا ، لكن في الفقهيات ، والرسول يقول : ( من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين ) أنا أعتقد جازمًا أن هذه الفقرة سبب وضعها هو نفس السبب هو الذي يحملهم على ترك خطبة الحاجة ، ولعلكم ما نسيتم بعد ما هو السبب : أنهم لا يؤمنون بقوله عليه السلام : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) هذه القاعدة التي أسسها الرسول عليه السلام كما ذكرنا لكم آنفًا ، ولذلك فهم لا يعرجون على هذه السنة المتروكة ولا يحيونها ، كذلك لماذا أعرضوا عن الفقهيات ؟ لأنهم لا فقه عندهم ، لأن الفقه كما قال ابن القيم - رحمه الله - :
العلم : قال الله ، قال رسوله قال الصحابة ، ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً بين الرسول وبين رأي فقيه كلا ولا جحد لصفات ولا نفيها حذرًا من التعطيل والتشويه فهم لا يبحثون في الفقهيات بزعم أنه يثير الخلاف - لا - هذا زعم يتسترون خلفه ، والحقيقة أنهم لا يحسنون الفقه ، كل واحد - كما يقولون عندنا في الشام - جماعة تبليغ مثل الإخوان المسلمين ، مثل حزب التحرير ، لا فرق بينهم في نقطة واحدة ، وهي : جماعة الإخوان المسلمين يجمعون بين السلفي والصوفي ، بين الحنفي والشافعي ، والمالكي والحنبلي ، وفي بعض الدروب بين السني وبين الشيعي ، هكذا تقتضي السياسة ، حزب التحرير كذلك ، ما يهمهم حتى لقد صرحوا من منهجهم أنهم لا يتبنون رأيًا في العقيدة ، هذا من حسناتهم لكنها في نفسها سيئة ، أما جماعة تبليغ لا يصرحون بهذا ، لكنه واقعهم ، لا يتبنون رأيًا في العقيدة ، كما أنهم من باب أولى لا يتبنون رأيًا في الفقه ، لماذا ؟ لأن الفقه أُلف هناك من جماعة الأزهر الشريف ، كتاب اسمه " الفقه على المذاهب الأربعة " إذا تريد أن تضيع في غمرة الخلاف بين المذاهب الأربعة اقرأ هذا الكتاب ، وحينئذٍ لا تخرج منه إلا وأنت دايغ ما تعرف أي قول يعني تذهب إليه وتتمسك به .
كذلك دكاترة الجامعات اليوم يدرسون الفقه الذي يسمونه بالفقه المقارن على طريقة الفقه على المذاهب الأربعة ، يقول لك : أبو حنيفة قال كذا ، وكذا إلى آخره ، وبعد ذلك أين الحق الذي قال الله عزَّ وجلّ فيه : (( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ )) ، ( ما المسئول عنها بأعلم من الطالب ) فإذًا الذين لا يشتغلون في الفقهيات ليس السبب أنه يوقع الخلاف ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي هو سيد البشر قاطبةً من أسمائه وأرجو أن تسمعوا هذا وأن تحفظوه ، من أسمائه " المفرق " كالقرآن ، فالقرآن من أسمائه " الفرقان " ، لماذا رسول الله مفرق ؟ فرق بدعوته بين المؤمن والكافر ، كان من نتائج ذلك فرق بين الوالد وولده ، هذا كافر مشرك وهذا مؤمن مسلم ، إذًا لماذا نحن نخاف أن نفرق ؟ نخاف أن نفرق بالباطل ، ولا نخاف أن نفرق بالحق ، لأن ربنا يقول : (( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ )) ، لكن الحقيقة أنهم لا يعرفون الحق من الباطل ، لا يعرفون الصواب من الخطأ ، ولذلك تمثلوا بالمثل العامي " الهروب نصف الشجاعة " لأنه إذا يدخل - يضحك الشيخ رحمه الله والطلبة - المقصود : هم كما يقال أيضًا ليسوا حشو الكبة ، يقول مثلاً قال أبو حنيفة : خروج الدم مهما قل فهو ناقض للوضوء ، والإمام الشافعي يقول : مهما كثر فهو غير ناقض للوضوء ، الإمام أحمد يقول : ومالك معه أنه إن كان كثيرًا نقض وإلا فلا ينقض ، ماذا بدهم من هذه الدوشة ؟! هذه اطلاع على أدلة المذاهب أولاً ، ثم إجراء معادلة ومراجحة بين هذه الأدلة ثانيًا ، وهذا يتطلب شيء إضافي على وجوب معرفة أقوال الفقهاء يتطلب أن يعرف علم الحديث في مصطلحه ، وعلم الجرح والتعديل في تجريحه وتوفيقه ، وهذا أكثر الدكاترة ، ليس العامة من جماعة تبليغ وأمثالهم الذين يخرجون من الدعوة ، هؤلاء لا يستطيعون ، لكني كنت أستحسن منهم أن يقولوا كما يقولون في الأمس القريب لما ذكرنا لكم كنا في مأدبة وتكلمنا حول جماعات منها جماعة تبليغ ، قال لي أحدهم مما نحسن الظن به ، قال : لذلك لأني أنا حضضتهم على العلم ، قال : لذلك مشايخنا يقولون لنا : اذهبوا إلى العلماء ، فقلت لهم : نحن نريد أن تكونوا أنتم العلماء ، أنتم الذين تهتمون بدعوة الأمة ، ليس أنتم تذهبون إلى العلماء ثم تخرجون ولستم علماء .
إذًا تركهم الفقهيات لأنها تفرق - أنا أقولها صراحة وأرجو عدم المؤاخذة لأن الحق أحق أن يقال - فهذا عذرٌ أقبح من ذنب ، لماذا ؟ لأنه أولاً لا يعبر عن السبب الحقيقي ، ولأنه ثانيًا لابد من التفريق بين الحق والباطل ، بين الصواب والخطأ ، وبخاصة ما كان من ذلك متعلقًا بالعقيدة ، وهم كما تسمعون ، ماذا قال بالفقرة الثانية ؟
السائل : خلافيات .
الشيخ : خلافيات ، هل هناك خلاف في التوحيد ؟ كثير من الدكاترة يقولون : ما في خلاف يا أخي ، كل المسلمين يقولون : " أشهد أن لا إله إلا الله " ، صح ، ولكن القول شيءٌ والفهم والإيمان شيء آخر ، الكافر حينما تقوم قائمة الدولة المسلمة إذا قال " أشهد أن لا إله إلا الله " خلص رأسه من قطعه عن بدنه ، لكن هل نجا بذلك من الخلود في النار ؟ الجواب : إن فهم - الشرط الأول - المعنى الصحيح لهذه الكلمة أولاً ، ثم آمن بهذا الفهم الصحيح ثانيًا ، نجا من الخلود في النار يوم القيامة .
أما إذا لم يفهم فهو بالتالي لم يؤمن ، لأننا لا نتصور إيمانًا غير مقرون بالفهم الصحيح ، فهل المسلمون اليوم ، كل المسلمين الذين يعدون كم مليون ؟
السائل : ألف مليون ..
الشيخ : ألف مليون أو يزيدون ، هل ألف مليون كلهم يقولون : " أشهد أن لا إله إلا الله " يمكن يكون منهم الدروز ، طيب هل هؤلاء اتفقوا على فهم هذه الكلمة فهمًا صحيحًا ينجيهم من الخلود في النار يوم القيامة ؟ الجواب : مع الأسف الشديد لم يتفقوا ، ولذلك ... .
اضيفت في - 2004-08-16