سلسلة لقاء الباب المفتوح-069a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة لقاء الباب المفتوح
تفسير سورة البلد إلى قوله تعالى : " لقد خلقنا الإنسان في كبد ".
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء التاسع والستون من اللقاءات الأسبوعية التي لُقِّبت بـ " لقاء الباب المفتوح "، والتي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس العاشر من شهر ربيع الأول عام خمسة عشر وأربعمائة وألف.
نبتدئ هذا اللقاء بتفسير سورة البلد، لأننا قد أنهينا تفسير جزء عم من سورة النبأ.
يقول الله عزَّ وجلَّ: (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ )): البسملة آية مستقلة، وهي من كلام الله، لكنها ليست من السورة التي قبلها، ولا من السورة التي بعدها، بل هي آية مستقلة تُفْتَتَح بها السور إلا سورة براءة، فإن افتتاح سورة براءة بالبسملة من البدعِ، والخروجِ عن منهج الصحابة رضي الله عنهم، بل ونحن نعلم أنها لم تنزل البسملة بين سورة الأنفال وسورة التوبة، لأنها لو نزلت لحُفِظت، لقول الله تبارك وتعالى: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))، لكنها لم تنزل، إلا أن الصحابة عند جمع القرآن -افتح الباب افتح شوي عشان يسمع اللي برة- إلا أن الصحابة عند كتابة القرآن الكتابة الأخيرة أشكل عليهم أسورة براءة من الأنفال، أم هي مستقلة، فوضعوا فاصلاً دون البسملة.
يقول الله عزَّ وجلَّ: (( بسم الله الرحمن الرحيم * لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وأنت حلٌّ بهذا البلد )).
ولي تعريجةٌ يسيرةٌ على ما سبق في الدرس الماضي في قوله تعالى: (( فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ )) فإني قرأتهما هكذا وفسَّرتُهما على هذه القراءة، لأن في الآيتين المذكورتين قراءتين: القراءة الأولى التي في المصحف، (( فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ))، أي: لا يعذِّب عذابَ الله أحدٌ، بل عذابُ الله أشد، ولا يوثِق وثاقَ الله أحدٌ، بل هو أشد.
أما على قراءة: ((لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ))، أي: لا يعذَّب عذابَ هذا الرجل، ولا يوثَق وثاقَ هذا الرجل، وهذا هو الذي قرأنا به الآيتان عليه، وفسرناها به، فلأجل هذا جَرَى التنبيه.
يقول الله عزَّ وجلَّ: (( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ )) لا هذه: للاستفتاح، لاستفتاح الكلام وتوكيد الكلام، وليست نافية، لأن المراد إثبات القسم، يعني: أنا أقسم بهذا البلد، لكن لا هذه تأتي هنا للتنبيه والتأكيد.
و (( أُقْسِمُ )) القَسَم: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم على وجه مخصوص، تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم على شيء مخصوص، إذن: كلُّ شيء مَحْلُوفٍ به فإنه لابد أن يكون معظماً لدى الحالف، وقد لا يكون معظماً في حد ذاته، فمثلًا الذين يحلفون باللات والعزى، هي مُعَظَّمة عندهم، لكنها في الواقع ليست عظيمة ولا مُعَظَّمة.
فالحلف إذن أو القَسَم أو اليمين -والمعنى واحد- هي: تأكيد الشيء بإيش؟ بذكر مُعَظَّم عند من؟ عند الحالف، على صفة مخصوصة.
وحروف القسم هي: الباء، والواو، والتاء.
والذي في الآية الكريمة هنا: (( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ )) أي الحروف؟ الباء.
(( بِهَذَا الْبَلَدِ )) البلد هنا: مكة، وأقسَمَ الله بها لشرفها وعِظَمها، فهي أعظم بقاع الأرض حرمة، وأحب بقاع الأرض إلى الله عزَّ وجلَّ، ولهذا بُعِث منها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي هو سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه.
فجدير بهذا البلد الأمين أن يُقْسَم به، ولكن نحن لا نقسم به، لأنه مخلوق، وليس لنا الحق أن نقسم بمخلوق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) ، أما الله عزَّ وجلَّ فإنه يُقْسم بما يشاء، ولهذا أقسم هنا بـمكة: (( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ )).
(( وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ )) قيل: المعنى: أقسم بهذا البلد حال كونك حالاًّ فيه، لأن حلول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مكة يزيدها شرفاً إلى شرفها، وقيل: المعنى: وأنت تستحل هذا البلد.
فيكون إقسام الله تعالى بـمكة حال كونها حِلاًّ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك عام الفتح، لأن مكة عام الفتح أُحِلَّت للرسول عليه الصلاة والسلام، ولم تُحَلَّ لأحد قبله، ولا تَحِلُّ بعد ذلك لأحد، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( وقد عادت حرمتُها اليوم كحرمتِها بالأمس ) .
فيكون إقسام الله تعالى بهذا البلد مقيَّداً بما إذا كانت حِلاًّ للرسول، وذلك متى ؟ عام الفتح، لأنها في ذلك اليوم تزداد شرفاً إلى شرفها، حيث طُهِّرت من الأصنام، وهُزِم المشركون، وفُتِحَت عليهم بلادهم عنوة، وصارت هذه البلد بعد أن كانت بلاد كفر، صارت بلاد إيمان، وبعد أن كانت بلاد شرك، صارت بلاد توحيد، وبعد أن كانت بلاد عناد صارت بلاد إسلام، فأشرف حالٍ لـمكة أشرف حال لها كانت عند الفتح.
إذن: في قوله: (( وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ )) معنيان، أرجو أن يكونا على بالكم.
قال تعالى: (( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ )) : يعني: وأقسم بالوالد وما ولد، فمَن المراد بالوالد؟ ومَن المراد بالولد؟ قيل: المراد بالوالد: آدم، وبالولد: بنو آدم.
وعلى هذا تكون (ما) بمعنى (مَن) أي: ووالد ومَن وَلَد، لأن (مَن) للعقلاء، و (ما) لغير العقلاء.
وقيل: المراد بالوالد وما ولد: كلُّ والد وما ولد، الإنسان، والبهائم، وكل شيء، لأن الوالد والمولود كلاهما من آيات الله عزَّ وجلَّ، كيف يخرج -مثلاً- هذا المولود حياً سوياً، سميعاً بصيراً، من نطفة من ماء؟ فهذا دليل على كمال قدرة الله عزَّ وجلَّ، هذا الولد السوي يخرج من نطفة، (( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ))، كذلك الْحشرات وغيرها تَخرج ضعيفة هزيلة، ثُمَّ تكبر إلى ما شاء الله تعالى مِن حَدٍّ.
(( وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ )) إذن: الصحيح أن هذه عامة، تشمل كل والد وكل مولود.
قال تعالى: (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )) اللام هنا: واقعة في جواب القسم لتزيد الجملة تأكيداً، وقد تزيد الجملة تأكيداً أيضاً فتكون جملةُ (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ )) مؤكَّدةً بثلاثة مؤكدات وهي: القسم، والثاني؟ اللام، والثالث؟ قد.
(( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )) الْإِنْسَانَ اسم جنس يشمل كل واحد من بني آدم.
(( فِي كَبَدٍ )) فيها معنيان: المعنى الأول: في استقامة، يعني: أنه خُلِق على أكمل وجه في الخِلْقة، مستقيماً، يمشي على قدميه، ويرفع رأسَه، وبدنُه معتدلٌ، والبهائم بالعكس، الرأس على حذاء الدبر.
أليس كذلك؟ أما بنو آدم فلا، الرأس مرتفع أعلى البدن، فهو كقوله تعالى: (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )).
وقيل المراد بالكبد: مكابدة الأشياء، ومعاناتها، وأن الإنسان يعاني المشقة في أمور الدنيا، في طلب الرزق، في إصلاح الحرث، في غير ذلك، ويعاني أيضاً معاناة أشد مع نفسه ومجاهدتها على طاعة الله، واجتناب معاصي الله، وهذا هو الجهاد اللي أشد من معاناة طلب الرزق، ولاسيما إذا ابتُلي الإنسان ببيئة منحرفة، وصار بينهم غريباً، فإنه سيجد المشقة في معاناة نفسه، وفي معاناة الناس أيضاً.
فإن قال قائل: أفلا يمكن أن تكون الآية شاملةً للمعنيين؟
فالجواب: بلى، وهكذا ينبغي إذا وجدتَ في الكتاب العزيز آية تحتمل معنيين، وليس بينهما مناقضة، فاحملها إيش؟ على المعنيين، لأن القرآن أشمل وأوسع، فإن كان بينهما مناقضة فانظر الراجح، فمثلاً قوله تعالى: (( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ )) فقُرُوء: جمع قَرْء، بفتح القاف، فما هو القَرْء؟ قيل: هو الحيض، وقيل: هو الطهر، هنا لا يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعاً، لماذا؟ للتناقض، لكن اطلب المرجِّح لأحد القولَين، وخُذْ به.
فهنا نقول: (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )) يصح أن تكون الآية شاملةً للمعنيين: أي: في حسن قامة واستقامة، وفي كبد في معاناة لمشاق الأمور.
ولنقتصر على هذا القدر من آيات الله البينات، لنتفرغ للأسئلة.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعاً ممن يتلون كتابه حق تلاوته، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
فنبدأ أولًا بسؤال الإخوة الذين ليسوا من عنيزة، لأنهم ضيوف، ولهم حق الضيافة، وليسوا يأتون في الأسبوع إلا مرة، أما الذين في عنيزة فالحمد لله نحن وإياهم سواء، أهل بيت. نعم
أما بعد:
فهذا هو اللقاء التاسع والستون من اللقاءات الأسبوعية التي لُقِّبت بـ " لقاء الباب المفتوح "، والتي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس العاشر من شهر ربيع الأول عام خمسة عشر وأربعمائة وألف.
نبتدئ هذا اللقاء بتفسير سورة البلد، لأننا قد أنهينا تفسير جزء عم من سورة النبأ.
يقول الله عزَّ وجلَّ: (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ )): البسملة آية مستقلة، وهي من كلام الله، لكنها ليست من السورة التي قبلها، ولا من السورة التي بعدها، بل هي آية مستقلة تُفْتَتَح بها السور إلا سورة براءة، فإن افتتاح سورة براءة بالبسملة من البدعِ، والخروجِ عن منهج الصحابة رضي الله عنهم، بل ونحن نعلم أنها لم تنزل البسملة بين سورة الأنفال وسورة التوبة، لأنها لو نزلت لحُفِظت، لقول الله تبارك وتعالى: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))، لكنها لم تنزل، إلا أن الصحابة عند جمع القرآن -افتح الباب افتح شوي عشان يسمع اللي برة- إلا أن الصحابة عند كتابة القرآن الكتابة الأخيرة أشكل عليهم أسورة براءة من الأنفال، أم هي مستقلة، فوضعوا فاصلاً دون البسملة.
يقول الله عزَّ وجلَّ: (( بسم الله الرحمن الرحيم * لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وأنت حلٌّ بهذا البلد )).
ولي تعريجةٌ يسيرةٌ على ما سبق في الدرس الماضي في قوله تعالى: (( فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ )) فإني قرأتهما هكذا وفسَّرتُهما على هذه القراءة، لأن في الآيتين المذكورتين قراءتين: القراءة الأولى التي في المصحف، (( فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ))، أي: لا يعذِّب عذابَ الله أحدٌ، بل عذابُ الله أشد، ولا يوثِق وثاقَ الله أحدٌ، بل هو أشد.
أما على قراءة: ((لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ))، أي: لا يعذَّب عذابَ هذا الرجل، ولا يوثَق وثاقَ هذا الرجل، وهذا هو الذي قرأنا به الآيتان عليه، وفسرناها به، فلأجل هذا جَرَى التنبيه.
يقول الله عزَّ وجلَّ: (( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ )) لا هذه: للاستفتاح، لاستفتاح الكلام وتوكيد الكلام، وليست نافية، لأن المراد إثبات القسم، يعني: أنا أقسم بهذا البلد، لكن لا هذه تأتي هنا للتنبيه والتأكيد.
و (( أُقْسِمُ )) القَسَم: تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم على وجه مخصوص، تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم على شيء مخصوص، إذن: كلُّ شيء مَحْلُوفٍ به فإنه لابد أن يكون معظماً لدى الحالف، وقد لا يكون معظماً في حد ذاته، فمثلًا الذين يحلفون باللات والعزى، هي مُعَظَّمة عندهم، لكنها في الواقع ليست عظيمة ولا مُعَظَّمة.
فالحلف إذن أو القَسَم أو اليمين -والمعنى واحد- هي: تأكيد الشيء بإيش؟ بذكر مُعَظَّم عند من؟ عند الحالف، على صفة مخصوصة.
وحروف القسم هي: الباء، والواو، والتاء.
والذي في الآية الكريمة هنا: (( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ )) أي الحروف؟ الباء.
(( بِهَذَا الْبَلَدِ )) البلد هنا: مكة، وأقسَمَ الله بها لشرفها وعِظَمها، فهي أعظم بقاع الأرض حرمة، وأحب بقاع الأرض إلى الله عزَّ وجلَّ، ولهذا بُعِث منها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي هو سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه.
فجدير بهذا البلد الأمين أن يُقْسَم به، ولكن نحن لا نقسم به، لأنه مخلوق، وليس لنا الحق أن نقسم بمخلوق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) ، أما الله عزَّ وجلَّ فإنه يُقْسم بما يشاء، ولهذا أقسم هنا بـمكة: (( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ )).
(( وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ )) قيل: المعنى: أقسم بهذا البلد حال كونك حالاًّ فيه، لأن حلول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مكة يزيدها شرفاً إلى شرفها، وقيل: المعنى: وأنت تستحل هذا البلد.
فيكون إقسام الله تعالى بـمكة حال كونها حِلاًّ للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك عام الفتح، لأن مكة عام الفتح أُحِلَّت للرسول عليه الصلاة والسلام، ولم تُحَلَّ لأحد قبله، ولا تَحِلُّ بعد ذلك لأحد، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( وقد عادت حرمتُها اليوم كحرمتِها بالأمس ) .
فيكون إقسام الله تعالى بهذا البلد مقيَّداً بما إذا كانت حِلاًّ للرسول، وذلك متى ؟ عام الفتح، لأنها في ذلك اليوم تزداد شرفاً إلى شرفها، حيث طُهِّرت من الأصنام، وهُزِم المشركون، وفُتِحَت عليهم بلادهم عنوة، وصارت هذه البلد بعد أن كانت بلاد كفر، صارت بلاد إيمان، وبعد أن كانت بلاد شرك، صارت بلاد توحيد، وبعد أن كانت بلاد عناد صارت بلاد إسلام، فأشرف حالٍ لـمكة أشرف حال لها كانت عند الفتح.
إذن: في قوله: (( وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ )) معنيان، أرجو أن يكونا على بالكم.
قال تعالى: (( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ )) : يعني: وأقسم بالوالد وما ولد، فمَن المراد بالوالد؟ ومَن المراد بالولد؟ قيل: المراد بالوالد: آدم، وبالولد: بنو آدم.
وعلى هذا تكون (ما) بمعنى (مَن) أي: ووالد ومَن وَلَد، لأن (مَن) للعقلاء، و (ما) لغير العقلاء.
وقيل: المراد بالوالد وما ولد: كلُّ والد وما ولد، الإنسان، والبهائم، وكل شيء، لأن الوالد والمولود كلاهما من آيات الله عزَّ وجلَّ، كيف يخرج -مثلاً- هذا المولود حياً سوياً، سميعاً بصيراً، من نطفة من ماء؟ فهذا دليل على كمال قدرة الله عزَّ وجلَّ، هذا الولد السوي يخرج من نطفة، (( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ))، كذلك الْحشرات وغيرها تَخرج ضعيفة هزيلة، ثُمَّ تكبر إلى ما شاء الله تعالى مِن حَدٍّ.
(( وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ )) إذن: الصحيح أن هذه عامة، تشمل كل والد وكل مولود.
قال تعالى: (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )) اللام هنا: واقعة في جواب القسم لتزيد الجملة تأكيداً، وقد تزيد الجملة تأكيداً أيضاً فتكون جملةُ (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ )) مؤكَّدةً بثلاثة مؤكدات وهي: القسم، والثاني؟ اللام، والثالث؟ قد.
(( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )) الْإِنْسَانَ اسم جنس يشمل كل واحد من بني آدم.
(( فِي كَبَدٍ )) فيها معنيان: المعنى الأول: في استقامة، يعني: أنه خُلِق على أكمل وجه في الخِلْقة، مستقيماً، يمشي على قدميه، ويرفع رأسَه، وبدنُه معتدلٌ، والبهائم بالعكس، الرأس على حذاء الدبر.
أليس كذلك؟ أما بنو آدم فلا، الرأس مرتفع أعلى البدن، فهو كقوله تعالى: (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )).
وقيل المراد بالكبد: مكابدة الأشياء، ومعاناتها، وأن الإنسان يعاني المشقة في أمور الدنيا، في طلب الرزق، في إصلاح الحرث، في غير ذلك، ويعاني أيضاً معاناة أشد مع نفسه ومجاهدتها على طاعة الله، واجتناب معاصي الله، وهذا هو الجهاد اللي أشد من معاناة طلب الرزق، ولاسيما إذا ابتُلي الإنسان ببيئة منحرفة، وصار بينهم غريباً، فإنه سيجد المشقة في معاناة نفسه، وفي معاناة الناس أيضاً.
فإن قال قائل: أفلا يمكن أن تكون الآية شاملةً للمعنيين؟
فالجواب: بلى، وهكذا ينبغي إذا وجدتَ في الكتاب العزيز آية تحتمل معنيين، وليس بينهما مناقضة، فاحملها إيش؟ على المعنيين، لأن القرآن أشمل وأوسع، فإن كان بينهما مناقضة فانظر الراجح، فمثلاً قوله تعالى: (( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ )) فقُرُوء: جمع قَرْء، بفتح القاف، فما هو القَرْء؟ قيل: هو الحيض، وقيل: هو الطهر، هنا لا يمكن أن تحمل الآية على المعنيين جميعاً، لماذا؟ للتناقض، لكن اطلب المرجِّح لأحد القولَين، وخُذْ به.
فهنا نقول: (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )) يصح أن تكون الآية شاملةً للمعنيين: أي: في حسن قامة واستقامة، وفي كبد في معاناة لمشاق الأمور.
ولنقتصر على هذا القدر من آيات الله البينات، لنتفرغ للأسئلة.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا جميعاً ممن يتلون كتابه حق تلاوته، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
فنبدأ أولًا بسؤال الإخوة الذين ليسوا من عنيزة، لأنهم ضيوف، ولهم حق الضيافة، وليسوا يأتون في الأسبوع إلا مرة، أما الذين في عنيزة فالحمد لله نحن وإياهم سواء، أهل بيت. نعم
ما توجيهكم لمن لايرضى بالتحذير من أخطاء بعض الدعات ممن أصدرت فيهم هيئة كبار العلماء بيانا بإيقافهم ؟
السائل : فضيلة الشيخ معلومٌ أنه قد تم إيقاف بعض الدعاة مِن قبل هيئة كبار العلماء، بموجب خطاب من سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله، وهذا الخطاب موجود بين أيدي الشباب، وقد ذُكِر في آخره أن ذلك الإيقاف للدعاة حمايةً للمجتمع من أخطائهم هداهم الله، فإذا جاء شخص يحذر من هذه الأخطاء وينبِّه عليها كتلميع أسماء بعض أهل البدع، ثار الناسُ على من يحذر من هذه الأخطاء، واتهموه بالطعن في الدعاة، وأصبحوا يتعصبون لأشخاص هؤلاء الدعاة، ويعادون ويوالون فيهم، فسبَّب ذلك فتنة وفرقة بين شباب الصحوة، فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيراً؟
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
توجيهنا لإخواننا وأبنائنا: ألا يكون همهم القيل والقال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان ينهى عن قيل وقال ).
وألا يكون همهم كثرة السؤال، ماذا صار على فلان؟ وماذا صار على فلان؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن كثرة السؤال ).
وألا يكون همُّهم إضاعة الأوقات، وإفناء الأعمار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن إضاعة المال ) وإضاعةُ الأعمار أعظم مصيبة من إضاعة الأموال، ولهذا قال الله تعالى: (( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ))، (( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ))، لم يقل: لعلي أبني البناء، أو أبني القصور، أو أركب المراكب الفاخمة، أو أتزوج النساء الجميلات، أو ما أشبه ذلك، لم يقل هذا، قال: (( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ))، فدل ذلك على أن العمر أثمن من كل ما في الدنيا، وإضاعة أوقات الشباب في مثل هذه الأمور خسارة.
فالذي أرى إذا كان الناس يثقون من هيئة كبار العلماء، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز فليجعلوا الأمر في ذمتهم وتحت مسئوليتهم، وإذا كانوا لا يثقون، فهذا بلاء بلاء عظيم ألا يثق الناس بولاة أمورهم من علماء وأمراء، لأن ولاة الأمور هم العلماء والأمراء، كما نص على ذلك أهل العلم.
فأقول: ينبغي لنا أن نبحث عن دور ينفع الناس، ويبنون به ما كان منهدماً، وألا يرجعوا إلى الوراء في الكلام الذي لا يستفيدون منه ولا يفيدون، وربما يحمل بعضَهم على الكذب والغيبة والطعن في الآخرين، فتحصل الفرقة بعد الاجتماع، والعداوة بعد الائتلاف، ويحصل الشر.
علينا أن نبحث الآن كيف نعمل نحن الان؟ كيف ندعو إلى الله؟ وهل الدعوة إلى الله مقيدة بشروط يحترز الإنسان منها، ويأخذ بالشيء على ما هو عليه، دون أن يُحدِث أمراً يؤدي إلى إيقافه؟ نحن نأمر بأن يُدعَى إلى الله على بصيرة، لكن نأمر أيضاً بأن يكون الدعوة بحكمة يُقْصَد بها البناء، ويُقْصَد بها إصلاح الخلق في دينهم ودنياهم.
وأما تناقل ما ذكره السائل من كتاب الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله الموجه إلى من؟
السائل : ...
الشيخ : الموجه إلى وزير الداخلية، فلا أرى ذلك، لا أرى أن يتناقله الناس، ما الفائدة من ذلك؟ هذا مما يثير الناس على إحدى طريقين: أناس يتعصبون لـهيئة كبار العلماء فيقولون: هؤلاء عندهم أخطاء يجب حماية المجتمع منها.
وإما أن يتعصبوا لهؤلاء فيقولون: أخطأ العلماء وضلوا، فيحصل تحزب إما إلى هؤلاء وإما إلى هؤلاء، والواجب إخماد الفتنة، وإزالة ما به فُرْقة، فلا أرى أن يتناقل الناس هذا الكتاب، وأرى مَن عنده شيء منه إن كان هناك مصلحة في حفظه فليحتفظ به، وإلا فليمزقه.
كما أرى أيضاً أن أشد من ذلك وأخطر ما يتناقله الناس مِمَّا يُرْسَل إلى هذه البلاد من الخارج في نشر ما يُدَّعَى أنه تقصير من الحكومة، أو إخلال بواجب عليها، أو انتهاك لِمُحَرَّم، فإن هذا أدنى ما يقال فيه: إنه غيبة، لأنه ينطبق عليه تماماً حد الرسول عليه الصلاة والسلام للغيبة، ماذا قال لَمَّا سئل عن الغيبة؟ قال إيش؟ ( ذِكرُك أخاك بما يكره ) ، ولا شك أن الدولة تكره أن تُنْشَر هذه الأشياء التي تنسب إليها، تكرهها قطعاً، إذن: فهو غيبة، والغيبة من كبائر الذنوب التي لا تكفرها الصلاة، ولا الصيام، ولا العمرة، ولا الحج، والتي يكون الإنسان فيها على خطر أن يعاقَب، هذا إذا كان ما يُنْشَر صحيحاً ثابتاً، أما إذا كان غير صحيح بمشاهدة العيان، وسماع الآذان فإنه ينضاف إلى كونه غيبة أن يكون بهتاناً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له: ( أرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) .
وحسبما نسمع عن بعض هذه المنشورات أن في بعضها كذباً لا حقيقة له، وإنما المقصود التشويه.
فنحن نحذر من هذا، من تناقل هذه المنشورات، ونرى أن في تناقلها إثماً، لأنه لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يكسب الإنسان إلا إثماً، لأن مقام العلماء ومقام الأمراء والسلاطين مقام حساس، غيبة العالم ليست كغيبة رجل الشارع، وغيبة ولي الأمر ليست كغيبة الكناس ونحوه، غيبة العالم قَدْحٌ فيه بعينه، ثم تقليل للثقة فيما ينشره من شريعة الله، وهذه هي النقطة الخطيرة، إذا قلّت ثقة الناس بما يقوله العالم، فقد ضاع كل علمه أو أكثره، وعلمُه مِن الشريعة، وإذا قلَّت هيبة ولاة الأمور من الأمراء والسلاطين قَلَّ انقياد الناس لهم، واتباع أوامرهم التي لا تخرج عن شريعة الله، وإذا قلَّ ذلك حصلت الفوضى، وصار كل إنسان يعبث على ما يريد، فالمسألة يا إخواني خطيرة، الآن لو أن أحداً من الناس كتب منشوراً فالذي على يمينه أو على يساره من عامة الناس -وإن شاء الله فيهم خير- يقول يبي ينشره للناس، وايش؟ هذا عداون عليهم أو ليس عدواناً؟ هذا عدوان لا شك، وغيبة.
هذا مع أنهم لو قلَّت ثقة الناس بهم، أو انحط قدرهم عند الناس، لم يؤثر شيئاً لا في الأمن، ولا في الشريعة، فكيف إذا كان يخل بالأمن، أو يخل بالشريعة؟ وأنا بسطتُ هذا لأني رأيتُ أناساً يحبون الخير، يظنون أن في نشر هذه المنشورات فائدة، وإني أشهد الله، ثم أشهدكم أن اعتقادي في نشر هذه المنشورات التي ليس فيها إلا الغيبة والسب من كبائر الذنوب، وأن الإنسان لا يزداد بها إلا إثماً، وأن أي فساد يحصل في المجتمع من جراء هذه المنشورات فإن الإنسان سيبوء بإثمه.
كيف نهدم هذا الأمن بأيدينا؟ أمن، رخاء، طمأنينة، كيف نهدم بأيدينا؟ ألم تعلموا أن من الناس من قاموا بالدعوة المسلحة ضد الحكومات، الحكومات التي ليست كحكومتنا، حكومات تصرِّح بأنها تحكم بغير ما أنزل الله، وتضع القوانين الفرنسية، أو الإنجليزية، أو الأمريكية، أو الروسية، لتحكم بين عباد الله المسلمين بهذه القوانين؟ وماذا حصل؟ ما الذي حصل؟ إيش النتيجة؟ النتيجة: الأذى، وازدياد هذه الحكومات عنفاً، وسلطة، ولا استقرار ولا أمن، ثم إننا نرى أن الحكومات إذا ذهبت مَن يخلفها؟ هل يخلفها رجل كـعمر بن الخطاب؟ أجيبوا؟ يخلفها شر منها، هذا شيء مُجَرَّب، يخلفها شر منها.
فيجب على الإنسان أن ينظر إلى العواقب والنتائج، ثم ينظر إلى ما يلاقي به ربه يوم القيامة (( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ))، وايش يقول لله عزَّ وجلَّ؟ لماذا ينشر معائب العلماء، تنشر معائب الأمراء؟ إيش الفائدة؟ فنسأل الله تعالى أن يهدي إخواننا للبصيرة في دين الله، والحكمة في معاملة عباد الله.
فيه هذه المرحلة ما تحطونها في مروحة برة أو افتحوا ...
الطالب : ...
الشيخ : ... يشوش على ...
الطالب : ... الدرائش
الشيخ : لا، افتح الدرائش للهواء المكيف الآن حرف جاء لغير معنى نعم
السائل : فضيلة الشيخ محمد نريد
الشيخ : ...
الطالب : لا من بره
الشيخ : طيب
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
توجيهنا لإخواننا وأبنائنا: ألا يكون همهم القيل والقال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان ينهى عن قيل وقال ).
وألا يكون همهم كثرة السؤال، ماذا صار على فلان؟ وماذا صار على فلان؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن كثرة السؤال ).
وألا يكون همُّهم إضاعة الأوقات، وإفناء الأعمار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن إضاعة المال ) وإضاعةُ الأعمار أعظم مصيبة من إضاعة الأموال، ولهذا قال الله تعالى: (( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ))، (( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ))، لم يقل: لعلي أبني البناء، أو أبني القصور، أو أركب المراكب الفاخمة، أو أتزوج النساء الجميلات، أو ما أشبه ذلك، لم يقل هذا، قال: (( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ))، فدل ذلك على أن العمر أثمن من كل ما في الدنيا، وإضاعة أوقات الشباب في مثل هذه الأمور خسارة.
فالذي أرى إذا كان الناس يثقون من هيئة كبار العلماء، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز فليجعلوا الأمر في ذمتهم وتحت مسئوليتهم، وإذا كانوا لا يثقون، فهذا بلاء بلاء عظيم ألا يثق الناس بولاة أمورهم من علماء وأمراء، لأن ولاة الأمور هم العلماء والأمراء، كما نص على ذلك أهل العلم.
فأقول: ينبغي لنا أن نبحث عن دور ينفع الناس، ويبنون به ما كان منهدماً، وألا يرجعوا إلى الوراء في الكلام الذي لا يستفيدون منه ولا يفيدون، وربما يحمل بعضَهم على الكذب والغيبة والطعن في الآخرين، فتحصل الفرقة بعد الاجتماع، والعداوة بعد الائتلاف، ويحصل الشر.
علينا أن نبحث الآن كيف نعمل نحن الان؟ كيف ندعو إلى الله؟ وهل الدعوة إلى الله مقيدة بشروط يحترز الإنسان منها، ويأخذ بالشيء على ما هو عليه، دون أن يُحدِث أمراً يؤدي إلى إيقافه؟ نحن نأمر بأن يُدعَى إلى الله على بصيرة، لكن نأمر أيضاً بأن يكون الدعوة بحكمة يُقْصَد بها البناء، ويُقْصَد بها إصلاح الخلق في دينهم ودنياهم.
وأما تناقل ما ذكره السائل من كتاب الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله الموجه إلى من؟
السائل : ...
الشيخ : الموجه إلى وزير الداخلية، فلا أرى ذلك، لا أرى أن يتناقله الناس، ما الفائدة من ذلك؟ هذا مما يثير الناس على إحدى طريقين: أناس يتعصبون لـهيئة كبار العلماء فيقولون: هؤلاء عندهم أخطاء يجب حماية المجتمع منها.
وإما أن يتعصبوا لهؤلاء فيقولون: أخطأ العلماء وضلوا، فيحصل تحزب إما إلى هؤلاء وإما إلى هؤلاء، والواجب إخماد الفتنة، وإزالة ما به فُرْقة، فلا أرى أن يتناقل الناس هذا الكتاب، وأرى مَن عنده شيء منه إن كان هناك مصلحة في حفظه فليحتفظ به، وإلا فليمزقه.
كما أرى أيضاً أن أشد من ذلك وأخطر ما يتناقله الناس مِمَّا يُرْسَل إلى هذه البلاد من الخارج في نشر ما يُدَّعَى أنه تقصير من الحكومة، أو إخلال بواجب عليها، أو انتهاك لِمُحَرَّم، فإن هذا أدنى ما يقال فيه: إنه غيبة، لأنه ينطبق عليه تماماً حد الرسول عليه الصلاة والسلام للغيبة، ماذا قال لَمَّا سئل عن الغيبة؟ قال إيش؟ ( ذِكرُك أخاك بما يكره ) ، ولا شك أن الدولة تكره أن تُنْشَر هذه الأشياء التي تنسب إليها، تكرهها قطعاً، إذن: فهو غيبة، والغيبة من كبائر الذنوب التي لا تكفرها الصلاة، ولا الصيام، ولا العمرة، ولا الحج، والتي يكون الإنسان فيها على خطر أن يعاقَب، هذا إذا كان ما يُنْشَر صحيحاً ثابتاً، أما إذا كان غير صحيح بمشاهدة العيان، وسماع الآذان فإنه ينضاف إلى كونه غيبة أن يكون بهتاناً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له: ( أرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) .
وحسبما نسمع عن بعض هذه المنشورات أن في بعضها كذباً لا حقيقة له، وإنما المقصود التشويه.
فنحن نحذر من هذا، من تناقل هذه المنشورات، ونرى أن في تناقلها إثماً، لأنه لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يكسب الإنسان إلا إثماً، لأن مقام العلماء ومقام الأمراء والسلاطين مقام حساس، غيبة العالم ليست كغيبة رجل الشارع، وغيبة ولي الأمر ليست كغيبة الكناس ونحوه، غيبة العالم قَدْحٌ فيه بعينه، ثم تقليل للثقة فيما ينشره من شريعة الله، وهذه هي النقطة الخطيرة، إذا قلّت ثقة الناس بما يقوله العالم، فقد ضاع كل علمه أو أكثره، وعلمُه مِن الشريعة، وإذا قلَّت هيبة ولاة الأمور من الأمراء والسلاطين قَلَّ انقياد الناس لهم، واتباع أوامرهم التي لا تخرج عن شريعة الله، وإذا قلَّ ذلك حصلت الفوضى، وصار كل إنسان يعبث على ما يريد، فالمسألة يا إخواني خطيرة، الآن لو أن أحداً من الناس كتب منشوراً فالذي على يمينه أو على يساره من عامة الناس -وإن شاء الله فيهم خير- يقول يبي ينشره للناس، وايش؟ هذا عداون عليهم أو ليس عدواناً؟ هذا عدوان لا شك، وغيبة.
هذا مع أنهم لو قلَّت ثقة الناس بهم، أو انحط قدرهم عند الناس، لم يؤثر شيئاً لا في الأمن، ولا في الشريعة، فكيف إذا كان يخل بالأمن، أو يخل بالشريعة؟ وأنا بسطتُ هذا لأني رأيتُ أناساً يحبون الخير، يظنون أن في نشر هذه المنشورات فائدة، وإني أشهد الله، ثم أشهدكم أن اعتقادي في نشر هذه المنشورات التي ليس فيها إلا الغيبة والسب من كبائر الذنوب، وأن الإنسان لا يزداد بها إلا إثماً، وأن أي فساد يحصل في المجتمع من جراء هذه المنشورات فإن الإنسان سيبوء بإثمه.
كيف نهدم هذا الأمن بأيدينا؟ أمن، رخاء، طمأنينة، كيف نهدم بأيدينا؟ ألم تعلموا أن من الناس من قاموا بالدعوة المسلحة ضد الحكومات، الحكومات التي ليست كحكومتنا، حكومات تصرِّح بأنها تحكم بغير ما أنزل الله، وتضع القوانين الفرنسية، أو الإنجليزية، أو الأمريكية، أو الروسية، لتحكم بين عباد الله المسلمين بهذه القوانين؟ وماذا حصل؟ ما الذي حصل؟ إيش النتيجة؟ النتيجة: الأذى، وازدياد هذه الحكومات عنفاً، وسلطة، ولا استقرار ولا أمن، ثم إننا نرى أن الحكومات إذا ذهبت مَن يخلفها؟ هل يخلفها رجل كـعمر بن الخطاب؟ أجيبوا؟ يخلفها شر منها، هذا شيء مُجَرَّب، يخلفها شر منها.
فيجب على الإنسان أن ينظر إلى العواقب والنتائج، ثم ينظر إلى ما يلاقي به ربه يوم القيامة (( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ))، وايش يقول لله عزَّ وجلَّ؟ لماذا ينشر معائب العلماء، تنشر معائب الأمراء؟ إيش الفائدة؟ فنسأل الله تعالى أن يهدي إخواننا للبصيرة في دين الله، والحكمة في معاملة عباد الله.
فيه هذه المرحلة ما تحطونها في مروحة برة أو افتحوا ...
الطالب : ...
الشيخ : ... يشوش على ...
الطالب : ... الدرائش
الشيخ : لا، افتح الدرائش للهواء المكيف الآن حرف جاء لغير معنى نعم
السائل : فضيلة الشيخ محمد نريد
الشيخ : ...
الطالب : لا من بره
الشيخ : طيب
2 - ما توجيهكم لمن لايرضى بالتحذير من أخطاء بعض الدعات ممن أصدرت فيهم هيئة كبار العلماء بيانا بإيقافهم ؟ أستمع حفظ
هل يجوز تبيين خطأ العالم والتحذير منه ولو لم أكن في درجته ؟ وهل يعد غيبة ؟
السائل : نريد ضابط يا شيخ في تحديد الغيبة، هل إذا عالم من العلماء أخطأ في مسألة من المسائل مهما كان هذا العالم - يعني مع احترامه وتقديره وكل ما يليق بمقامه- هل تبيين هذا الخطأ وإن لم يكن في درجته من العلم كمثل من قال بعض الألفاظ بأن الله عزَّ وجلَّ غير مستوٍ على عرشه، وأنا لستُ في درجته من العلم، هل تبييني لهذه المسألة، وتحذير الناس منها ما يجوز لي أن أبينها لأجل أنني لستُ في درجته من العلم؟ وهل هذا يعد غيبة، هل تبيين خطئه غيبة؟ أو الغيبة أني أقدح في شخص وأقول نيته سيئة أو كذا، أو تبيين ما أخطأ فيه من مسائل الدين؟ ما الضابط في هذه المسألة؟
الشيخ : هو بارك الله فيك تبيين الخطأ واجب تبيين الخطأ واجب ، لكن هل إذا قلتَ: مَن قال: إن الله استوى على العرش يعني: استولى عليه فقوله خطأ، وقوله منكر، ويلزم عليه لوازم باطلة، وآتي بما عندي من الحجج هنا ما عيَّنت أحداً ما عيَّنت أحداً.
السائل : ...
الشيخ : اسمع يا اخي! التعميم خيرٌ من التعيين التعميم خيرٌ من التعيين ليش؟ لسببين:
السبب الأول: ألا يظن الظان أني متعصب ضد هذا الشخص، ولاسيما إذا كان الشخص مرموقاً بين الناس ومحترَماً، وله حسنات كثيرة.
الشيء الثاني: أن يكون هذا الحكم عليه وعلى غيره ممن شاركه في هذه البدعة، ولهذا انظر المؤمن من آل فرعون (( قَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً )) ايش؟ ... حافظ القرآن (( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ )) لم يقل: أتقتلون موسى، ليش؟ لأنه لو عيَّنه لقيل: بينه وبينه ارتباط شخصي يريد فانتصر له، (( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً )) كأنه رجل نكرة عنده ما يعرفه، (( أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ )).
كما فعل أبو بكر رضي الله عنه مع قريش في معاملتهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله؟ ).
فالتعميم خير مِن التعيين مِن هذين الوجهين.
أما السكوت على الخطأ فهو خطأ، لاسيما إذا صدر الخطأ من شخص مرموق يؤخذ بقوله، ويُقْتَدى به، لكن قبل أن أبين خطأه
الشيخ : هو بارك الله فيك تبيين الخطأ واجب تبيين الخطأ واجب ، لكن هل إذا قلتَ: مَن قال: إن الله استوى على العرش يعني: استولى عليه فقوله خطأ، وقوله منكر، ويلزم عليه لوازم باطلة، وآتي بما عندي من الحجج هنا ما عيَّنت أحداً ما عيَّنت أحداً.
السائل : ...
الشيخ : اسمع يا اخي! التعميم خيرٌ من التعيين التعميم خيرٌ من التعيين ليش؟ لسببين:
السبب الأول: ألا يظن الظان أني متعصب ضد هذا الشخص، ولاسيما إذا كان الشخص مرموقاً بين الناس ومحترَماً، وله حسنات كثيرة.
الشيء الثاني: أن يكون هذا الحكم عليه وعلى غيره ممن شاركه في هذه البدعة، ولهذا انظر المؤمن من آل فرعون (( قَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً )) ايش؟ ... حافظ القرآن (( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ )) لم يقل: أتقتلون موسى، ليش؟ لأنه لو عيَّنه لقيل: بينه وبينه ارتباط شخصي يريد فانتصر له، (( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً )) كأنه رجل نكرة عنده ما يعرفه، (( أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ )).
كما فعل أبو بكر رضي الله عنه مع قريش في معاملتهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله؟ ).
فالتعميم خير مِن التعيين مِن هذين الوجهين.
أما السكوت على الخطأ فهو خطأ، لاسيما إذا صدر الخطأ من شخص مرموق يؤخذ بقوله، ويُقْتَدى به، لكن قبل أن أبين خطأه
اضيفت في - 2005-08-27