سلسلة لقاء الباب المفتوح-110a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة لقاء الباب المفتوح
تابع تفسير سورة الحجرات الآية (2) وآيات أخرى مختارة وما يستفاد من الآيات .
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء العاشر بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الثامن من شهر رجب، عام ستة عشر وأربعمائة وألف.
نتكلم فيه أولاً على ما تيسر مما بدأنا به من سورة الحجرات، فقد تكلمنا على قول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) وهذا أدبٌ عظيم، وجه الله عباده إليه.
أما الأدب الثاني ففي قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ )).
فالآية الأولى فيها النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله في أي شيء، سواء من الأقوال أو الأفعال أو غيرها، وبينَّا ما تدل عليه الآية فيما سبق، أما الثانية فهي في رفع الصوت وإن لم يكن هناك تقدم في الأحكام من تحليل أو تحريم أو إيجاب.
الصوت يقول الله عز وجل: (( لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ )) فإذا خاطبك النبي صلى الله عليه وسلم بصوت فاخفض صوتك عن صوته، وإذا رفع صوته فارفع صوتك لكن لا بد أن يكون دون صوت الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال: (( لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ )) أي: لا تنادونه بصوت مرتفع كما ينادي بعضكم بعضاً، بل يكون جهراً بأدب وتشريف وتعظيم يليق به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا كقوله: (( لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً )) يعني: إذا دعاكم لشيء فلا تجعلوا دعاءه كدعاء بعضكم لبعض، إن شئتم أجبتم وإن شئتم فلا تجيبوا، بل يجب عليكم الإجابة، كما قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) وهنا قال: (( لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ )).
كذلك أيضاً: لا تنادونه بما تتنادون به، فلا تقولون: يا محمد، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، وما أشبه ذلك، (( وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ )) يعني: كراهة أن تحبط أعمالكم، يعني: إنما نهيناكم عن رفع الصوت فوق صوته وعن الجهر له بالقول كجهر بعضكم لبعض كراهة أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون.
ففي هذا دليل على أن الذي يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم أو يجهر له بالقول كجهره لبعض الناس فيه أنه قد يحبط عمله من حيث لا يشعر، لأن هذا قد يجعل في قلب المرء استهانة بالرسول صلى الله عليه وسلم، والاستهانة بالرسول ردة عن الإسلام توجب حبوط العمل.
ولما نزلت هذه الآية كان ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه جهوري الصوت، وكان من خطباء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما نزلت هذه الآية تغيب في بيته، وصار لا يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فافتقده الرسول وسأل عنه فأخبروه أنه في بيته منذ نزلت الآية، فأرسل إليه رسولاً يسأله فقال إن الله تعالى يقول: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ )) وإنه قد حبط عمله، وإنه من أهل النار، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا به، فحضر وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، وقال: ( أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟ قال: بلى رضيت ) فقتل رضي الله عنه شهيداً في وقعة اليمامة، وعاش حميداً وسيدخل الجنة بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان ثابت رضي الله عنه ممن يشهد له بأنه من أهل الجنة بعينه، لأن كل إنسان يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في الجنة فهو في الجنة، وكل إنسان يشهد أنه في النار فهو في النار، وأما من لم يشهد له الرسول فنشهد له بالعموم، نقول: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار، ولا نشهد لشخص معين بأنه من أهل النار، أو من أهل الجنة، إلا بما شهد له الله ورسوله.
في هذه الآية الكريمة بيان تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجوز للإنسان أن يجهر له بالقول كجهره لسائر الناس، وأنه لا يجوز له أن يرفع صوته على صوت الرسول عليه الصلاة والسلام.
ولما نزلت هذه الآية تأدب الصحابة رضي الله عنهم بذلك حتى كان بعضهم يكلمه مسارَّةً ولا يفهم الرسول ما يقول من إسراره حتى يستثبته مرة أخرى.
وفي هذه الآية أيضاً دليل على أن كل من استهان بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام فإن عمله حابط، لأن الاستهانة بالرسول عليه الصلاة والسلام ردة، والاستهزاء به ردة، كما قال الله تعالى في المنافقين الذين كانوا يستهزءون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ )) وكانوا يقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- يقولون: " ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً -يعني: أوسع-، ولا أجبن عند اللقاء، ولا أكذب ألسناً ".
فأنزل الله هذه الآية.
ولما سألهم الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذلك قالوا: (( إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ )) يعني: نتكلم بكلام لا نريده، ولكن لنقطع به عنا الطريق، فأنزل الله هذه الآية: (( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )).
ولهذا كان الصحيح: أن من سبَّ الرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر مرتد، فإن تاب قبلنا توبته لكننا لا نرفع عنه القتل، بل نقتله أخذاً بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا قتلناه بعد توبته النصوح الصادقة صلينا عليه كسائر المسلمين الذين يتوبون من الكفر أو من المعاصي.
ثم قال تعالى: (( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون )).
نعم، ثم أثنى الله تعالى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ )):
لما نهى عن رفع الصوت فوق صوته، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضنا لبعض، أثنى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله، أي: يخفضونها، ويتكلمون بأدب، فلا إزعاج ولا صخب ولا رفع صوت، لكن يتكلمون بأدب وغض.
قال الله: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ))، أعاد الإشارة فقال: (( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ )) تعظيماً لشأنهم، ورفعة لمنزلتهم، لأن أولاء من اسم الإشارة الدال على البعد، وذلك لعلو منزلتهم، وكان الكلام يتم لو قال: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لكن أتى باسم الإشارة بياناً لرفعة منزلتهم وعلوها.
(( امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ )) قال العلماء: معناه أخلصها للتقوى، فكانت قلوبُهم مملوءة بتقوى الله عز وجل، ولهذا تأدبوا بآداب الله الذي وجهها لهم، فغضوا أصواتهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثوابهم: (( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ )) مغفرة من الله لذنوبهم، وأجر عظيم على أعمالهم الصالحة، وفي هذه الآية إشارة إلى أن الصلاح صلاح القلب، لقوله: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى )) ، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( التقوى هاهنا وأشار إلى صدره الذي هو محل القلب ثلاث مرات، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا ) ولا شك أن التقوى تقوى القلب، أما تقوى الجوارح وهي إصلاح العمل ظاهراً فهذا يقع حتى من المنافقين، (( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ )) لكن الكلام على تقوى القلب، هي التي بها الصلاح، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم ذلك.
(( أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى )) يفعل بعض الناس المعاصي وإذا أنكرت عليه قال: التقوى هاهنا، كأنه يزكي نفسه، وهو قائم على معصية الله، فنقول له بكل سهولة: لو كان ما هاهنا متقياً لكانت الجوارح متقية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله ) تلاقي شخصاً مصراً على معصية ما، كإسبال الثوب وحلق اللحية وشرب الدخان، وتنهاه وتخوفه من عقاب الله، فيقول: التقوى هاهنا، الجواب أن نقول: لو كان ما هاهنا فيه تقوى، لكان ما هاهنا فيه تقوى، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) .
ثم قال الله تبارك وتعالى: (( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ))، ونترك الكلام على هذه الآية للجلسة القادمة، حتى يتسع الوقت للأسئلة، ونبدأ من غير أهل البلد، أهل البلد يؤثرون على أنفسهم ويجعلون الأسئلة بعد.
السائل : إذا كان بالنيابة يا شيخ؟
الشيخ : والله أخشى أن تكثر النيابات.
السائل : هذا سؤال من خارج.
الشيخ : من خارج؟ طيب.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء العاشر بعد المائة من اللقاءات الأسبوعية التي تتم في كل يوم خميس، وهذا هو الخميس الثامن من شهر رجب، عام ستة عشر وأربعمائة وألف.
نتكلم فيه أولاً على ما تيسر مما بدأنا به من سورة الحجرات، فقد تكلمنا على قول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) وهذا أدبٌ عظيم، وجه الله عباده إليه.
أما الأدب الثاني ففي قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ )).
فالآية الأولى فيها النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله في أي شيء، سواء من الأقوال أو الأفعال أو غيرها، وبينَّا ما تدل عليه الآية فيما سبق، أما الثانية فهي في رفع الصوت وإن لم يكن هناك تقدم في الأحكام من تحليل أو تحريم أو إيجاب.
الصوت يقول الله عز وجل: (( لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ )) فإذا خاطبك النبي صلى الله عليه وسلم بصوت فاخفض صوتك عن صوته، وإذا رفع صوته فارفع صوتك لكن لا بد أن يكون دون صوت الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال: (( لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ )) أي: لا تنادونه بصوت مرتفع كما ينادي بعضكم بعضاً، بل يكون جهراً بأدب وتشريف وتعظيم يليق به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا كقوله: (( لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً )) يعني: إذا دعاكم لشيء فلا تجعلوا دعاءه كدعاء بعضكم لبعض، إن شئتم أجبتم وإن شئتم فلا تجيبوا، بل يجب عليكم الإجابة، كما قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) وهنا قال: (( لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ )).
كذلك أيضاً: لا تنادونه بما تتنادون به، فلا تقولون: يا محمد، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، وما أشبه ذلك، (( وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ )) يعني: كراهة أن تحبط أعمالكم، يعني: إنما نهيناكم عن رفع الصوت فوق صوته وعن الجهر له بالقول كجهر بعضكم لبعض كراهة أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون.
ففي هذا دليل على أن الذي يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم أو يجهر له بالقول كجهره لبعض الناس فيه أنه قد يحبط عمله من حيث لا يشعر، لأن هذا قد يجعل في قلب المرء استهانة بالرسول صلى الله عليه وسلم، والاستهانة بالرسول ردة عن الإسلام توجب حبوط العمل.
ولما نزلت هذه الآية كان ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه جهوري الصوت، وكان من خطباء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما نزلت هذه الآية تغيب في بيته، وصار لا يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فافتقده الرسول وسأل عنه فأخبروه أنه في بيته منذ نزلت الآية، فأرسل إليه رسولاً يسأله فقال إن الله تعالى يقول: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ )) وإنه قد حبط عمله، وإنه من أهل النار، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا به، فحضر وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، وقال: ( أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة؟ قال: بلى رضيت ) فقتل رضي الله عنه شهيداً في وقعة اليمامة، وعاش حميداً وسيدخل الجنة بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان ثابت رضي الله عنه ممن يشهد له بأنه من أهل الجنة بعينه، لأن كل إنسان يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في الجنة فهو في الجنة، وكل إنسان يشهد أنه في النار فهو في النار، وأما من لم يشهد له الرسول فنشهد له بالعموم، نقول: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار، ولا نشهد لشخص معين بأنه من أهل النار، أو من أهل الجنة، إلا بما شهد له الله ورسوله.
في هذه الآية الكريمة بيان تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يجوز للإنسان أن يجهر له بالقول كجهره لسائر الناس، وأنه لا يجوز له أن يرفع صوته على صوت الرسول عليه الصلاة والسلام.
ولما نزلت هذه الآية تأدب الصحابة رضي الله عنهم بذلك حتى كان بعضهم يكلمه مسارَّةً ولا يفهم الرسول ما يقول من إسراره حتى يستثبته مرة أخرى.
وفي هذه الآية أيضاً دليل على أن كل من استهان بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام فإن عمله حابط، لأن الاستهانة بالرسول عليه الصلاة والسلام ردة، والاستهزاء به ردة، كما قال الله تعالى في المنافقين الذين كانوا يستهزءون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ )) وكانوا يقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- يقولون: " ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً -يعني: أوسع-، ولا أجبن عند اللقاء، ولا أكذب ألسناً ".
فأنزل الله هذه الآية.
ولما سألهم الرسول عليه الصلاة والسلام عن ذلك قالوا: (( إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ )) يعني: نتكلم بكلام لا نريده، ولكن لنقطع به عنا الطريق، فأنزل الله هذه الآية: (( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )).
ولهذا كان الصحيح: أن من سبَّ الرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر مرتد، فإن تاب قبلنا توبته لكننا لا نرفع عنه القتل، بل نقتله أخذاً بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا قتلناه بعد توبته النصوح الصادقة صلينا عليه كسائر المسلمين الذين يتوبون من الكفر أو من المعاصي.
ثم قال تعالى: (( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون )).
نعم، ثم أثنى الله تعالى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ )):
لما نهى عن رفع الصوت فوق صوته، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضنا لبعض، أثنى على الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله، أي: يخفضونها، ويتكلمون بأدب، فلا إزعاج ولا صخب ولا رفع صوت، لكن يتكلمون بأدب وغض.
قال الله: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ))، أعاد الإشارة فقال: (( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ )) تعظيماً لشأنهم، ورفعة لمنزلتهم، لأن أولاء من اسم الإشارة الدال على البعد، وذلك لعلو منزلتهم، وكان الكلام يتم لو قال: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لكن أتى باسم الإشارة بياناً لرفعة منزلتهم وعلوها.
(( امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ )) قال العلماء: معناه أخلصها للتقوى، فكانت قلوبُهم مملوءة بتقوى الله عز وجل، ولهذا تأدبوا بآداب الله الذي وجهها لهم، فغضوا أصواتهم عند الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثوابهم: (( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ )) مغفرة من الله لذنوبهم، وأجر عظيم على أعمالهم الصالحة، وفي هذه الآية إشارة إلى أن الصلاح صلاح القلب، لقوله: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى )) ، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( التقوى هاهنا وأشار إلى صدره الذي هو محل القلب ثلاث مرات، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا ) ولا شك أن التقوى تقوى القلب، أما تقوى الجوارح وهي إصلاح العمل ظاهراً فهذا يقع حتى من المنافقين، (( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ )) لكن الكلام على تقوى القلب، هي التي بها الصلاح، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم ذلك.
(( أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى )) يفعل بعض الناس المعاصي وإذا أنكرت عليه قال: التقوى هاهنا، كأنه يزكي نفسه، وهو قائم على معصية الله، فنقول له بكل سهولة: لو كان ما هاهنا متقياً لكانت الجوارح متقية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله ) تلاقي شخصاً مصراً على معصية ما، كإسبال الثوب وحلق اللحية وشرب الدخان، وتنهاه وتخوفه من عقاب الله، فيقول: التقوى هاهنا، الجواب أن نقول: لو كان ما هاهنا فيه تقوى، لكان ما هاهنا فيه تقوى، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) .
ثم قال الله تبارك وتعالى: (( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ))، ونترك الكلام على هذه الآية للجلسة القادمة، حتى يتسع الوقت للأسئلة، ونبدأ من غير أهل البلد، أهل البلد يؤثرون على أنفسهم ويجعلون الأسئلة بعد.
السائل : إذا كان بالنيابة يا شيخ؟
الشيخ : والله أخشى أن تكثر النيابات.
السائل : هذا سؤال من خارج.
الشيخ : من خارج؟ طيب.
ما حكم من طاف طواف الوداع وأراد أن يجلس ساعة بعده ثم ينصرف .؟
السائل : شيخ: شخص يقول: اعتمرت وأردت الخروج يوم الجمعة، فهل لي أن أجلس ساعة بعد طواف الوداع وأذهب؟
الشيخ : يعني أنه يجلس ساعة بعد طواف الوداع؟
السائل : نعم.
الشيخ : لا، طواف الوداع لابد أن يكون آخر شيء، لكن لو طاف للوداع ثم حضر الإمام للجمعة وبقي معه وصلّى فلا بأس أن ينصرف بعد الصلاة، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه طاف للوداع ثم صلّى الفجر ثم سافر ) .
الشيخ : يعني أنه يجلس ساعة بعد طواف الوداع؟
السائل : نعم.
الشيخ : لا، طواف الوداع لابد أن يكون آخر شيء، لكن لو طاف للوداع ثم حضر الإمام للجمعة وبقي معه وصلّى فلا بأس أن ينصرف بعد الصلاة، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه طاف للوداع ثم صلّى الفجر ثم سافر ) .
ما حكم من شك في حال الإمام هل هو مقيم أم مسافر .؟
السائل : فضيلة الشيخ جزاكم الله خيرًا: ما الحكم يا فضيلة الشيخ عندما آتي إلى المسجد وأجد الإمام في التشهد الأخير، ودخلت معه فسلم، فلا أدري هل أتم رباعية أم قصراً، على قولكم يا فضيلة الشيخ بأن الطلاب المغتربين لهم حكم القصر، علماً بأن هذه الجماعة التي أتيتها أغلبهم من الطلاب المغتربين، وعلماً بأنها أيضًا ليست الجماعة الأصلية وإنما هي جماعة ثانية؟
الشيخ : في هذه الحال ينظر إلى ظاهر الحال، لأن ما ذكرت يحصل في بعض المساجد، يمرُّ بها الإنسان في الطريق ويجد أناساً يصلون، أو في المطار يجد أناساً يصلون، فيشك هل هم مقيمون أو مسافرون، ينظر إلى ظاهر الحال، إذا كان ظاهر هذا الرجل أنه مسافر لكون شنطته أمامه، وكونه لابس ملابس السفر، فيعتبر مسافراً، وإذا لم يترجح عندك شيء فأتم، لأن الأصل الإتمام.
الشيخ : في هذه الحال ينظر إلى ظاهر الحال، لأن ما ذكرت يحصل في بعض المساجد، يمرُّ بها الإنسان في الطريق ويجد أناساً يصلون، أو في المطار يجد أناساً يصلون، فيشك هل هم مقيمون أو مسافرون، ينظر إلى ظاهر الحال، إذا كان ظاهر هذا الرجل أنه مسافر لكون شنطته أمامه، وكونه لابس ملابس السفر، فيعتبر مسافراً، وإذا لم يترجح عندك شيء فأتم، لأن الأصل الإتمام.
ما حكم من صلى لغير القبلة في جدة ولم يعلم إلا بعد ما أتم الصلاة ومر عليها زمن .؟
السائل : السلام عليكم.
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل : أحسن الله إليك يا شيخ في كم سؤال عندي، من ضمنها: رجل صلّى في جدة قريب من البحر في وسط المدينة لكنه قريب من البحر، فصلى إلى اتجاه غير اتجاه القبلة، فبعد ما انتهى من صلاته اكتشف أن القبلة في الوضع المغاير، في العكس، فماذا على هذا الشخص خاصة أنه مر عليه أيام كثيرة؟
الشيخ : الواجب على هذا أن يعيد الصلاة.
السائل : الآن؟
الشيخ : الآن، لأن صلاته لغير القبلة غير صحيحة، وهو ليس في محل اجتهاد حتى نقول يجتهد، وهو في البلد، فعليه أن يعيد صلاته الآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن نام عن الصلاة أو نسيها ( فيلصلها إذا ذكرها ) وهذا لم يعلم بالحكم إلا الآن فليصل الآن.
السائل : في كذلك.
الشيخ : لا لا، السؤال الثاني لا.
السائل : هذا فقط، لأننا من برا فصعب.
الشيخ : تسمحون له؟
السائل : نعم.
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله.
السائل : أحسن الله إليك يا شيخ في كم سؤال عندي، من ضمنها: رجل صلّى في جدة قريب من البحر في وسط المدينة لكنه قريب من البحر، فصلى إلى اتجاه غير اتجاه القبلة، فبعد ما انتهى من صلاته اكتشف أن القبلة في الوضع المغاير، في العكس، فماذا على هذا الشخص خاصة أنه مر عليه أيام كثيرة؟
الشيخ : الواجب على هذا أن يعيد الصلاة.
السائل : الآن؟
الشيخ : الآن، لأن صلاته لغير القبلة غير صحيحة، وهو ليس في محل اجتهاد حتى نقول يجتهد، وهو في البلد، فعليه أن يعيد صلاته الآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن نام عن الصلاة أو نسيها ( فيلصلها إذا ذكرها ) وهذا لم يعلم بالحكم إلا الآن فليصل الآن.
السائل : في كذلك.
الشيخ : لا لا، السؤال الثاني لا.
السائل : هذا فقط، لأننا من برا فصعب.
الشيخ : تسمحون له؟
السائل : نعم.
إمرأة أسقطت في الشهر الثاني ، هل تصلي وتصوم أم لا .؟
السائل : في امرأة أسقطت جنينها وهي في الشهر الثاني من الحمل، ما حكم الصلاة والصيام في هذه الحالة؟
الشيخ : هذه المرأة تصوم وتصلي، ويأتيها زوجها، لأن هذا الدم ليس نفاساً ولا حيضاً، وإنما يسمى عند العلماء: دم فساد وذلك أن النفاس لا يثبت إلا بعد أن يتبين في الجنين خلق الإنسان، وأثناء الشهرين لا يمكن أن يتبين فيه خلق الإنسان.
السائل : إلى حد كم شهر يتبين؟
الشيخ : غالباً تسعين يوم، يعني: ثلاثة أشهر، إذا أتم ثلاثة أشهر فالغالب أنه يتبين فيه.
الشيخ : هذه المرأة تصوم وتصلي، ويأتيها زوجها، لأن هذا الدم ليس نفاساً ولا حيضاً، وإنما يسمى عند العلماء: دم فساد وذلك أن النفاس لا يثبت إلا بعد أن يتبين في الجنين خلق الإنسان، وأثناء الشهرين لا يمكن أن يتبين فيه خلق الإنسان.
السائل : إلى حد كم شهر يتبين؟
الشيخ : غالباً تسعين يوم، يعني: ثلاثة أشهر، إذا أتم ثلاثة أشهر فالغالب أنه يتبين فيه.
معلوم وجود كثير من المنكرات في المدن مع سكوت الشباب الملتزم بحجة وجود الهيئة ؟وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أو فرض كفاية .؟
السائل : السلام عليكم .
كما يعلم فضيلتكم ويعلم الجميع وجود بعض المنكرات الظاهرة خاصة في المدن الكبيرة وما فيها من الفتن، وقد أشكل على الكثير كيفية الإنكار، وهل هي مقتصرة على رجال الهيئة، حيث أن أغلب الشباب هداهم الله من الملتزمين لا يقومون بواجب الإنكار بحجة أن هذا العمل يسقط عنهم لوجود رجال الهيئة، وبعضهم لا ينكر بحجة الخوف من الوقوع في الخطأ والمساءلة، لذلك يا شيخ أصبحت المنكرات تزداد يوماً بعد يوم والله المستعان فما رأي فضيلتكم؟
الشيخ : رأيي: أن هذا أعني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الناس، وإذا لم يقم به من يكفي وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، لكن لابد أن يكون بالحكمة والرفق واللين، لأن الله عز وجل أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال: (( قُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )).
أما العنف سواء كان بأسلوب القول أو أسلوب الفعل فهذا ينافي الحكمة، وهو خلاف ما أمر الله به، ولكن أحياناً يعترض الإنسان شيء يقول: هذا منكر معروف، كحلق اللحية مثلاً، كل يعرف أنه حرام خصوصاً المواطنين في هذا البلد، ويقول: لو أنني جعلت كلما رأيت إنساناً حالقاً لحيته وما أكثرهم، وقفت أنهاه عن هذا الشيء فاتني مصالح كثيرة، ففي هذه الحال ربما نقول: بسقوط النهي عنه، لأنه يفوت على نفسه مصالح كثيرة، لكن لو فرض أنه حصل لك اجتماع بهذا الرجل في دكان أو في مطعم أو في مقهى فحينئذٍ يحسن أن تخوفه بالله، وتقول: هذا أمر محرم، وأنت إذا أصررت على الصغيرة صارت في حقك كبيرة، وتقول الأمر المناسب، وأما الخوف من أن يكون عنيفاً في أمره ونهيه فهذا إلى الإنسان، يستطيع الإنسان أن يأمر برفق وأن ينهى برفق.
السائل : هويقول هناك رجال الهيئة؟
الشيخ : رجال الهيئة ليسوا في كل مكان، ولهذا قلنا فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الناس، وإذا لم يقوموا به وجب على الناس، وهذا غير تغيير المنكر، لأن هناك ثلاثة أمور: دعوة وأمر وتغيير.
الدعوة واجبة على كل أحد، يجب على كل أحد أن يدعو إلى الله بأن يعرض الإسلام ويرغب فيه، ويحذر من الشرك والفسوق، والأمر أن تخص الإنسان تقول: افعل كذا أو النهي: لا تفعل كذا مباشرة.
والتغيير: أن تقوم أنت بنفسك بتغيير المنكر.
ولهذا جاء الأمر بالدعوة إلى الله مطلقاً، قال تعالى: (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ )) وجاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً، وجاء بالأمر بالتغيير مقيداً فقال: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه ) وبعض الناس تلتبس عليهم هذه الأحوال، يظنون أن الأمر بالتغيير كالأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس كذلك، النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما، بل فرق بين هذه الثلاث كلها، فإذا لم نجد مثلاً من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وجب علينا أن نأمر نحن بالمعروف وننهى عن المنكر، لكن إذا سلطنا الأمر على شخص معين صار أمره معروفاً أو نهيه عن منكر، أما إذا قمنا مثلاً في هذا المجتمع أو في هذا الجمع وصرنا نتكلم على المعصية التي تلبس بها هذا الرجل صار هذا من باب الدعوة إلى الله.
كما يعلم فضيلتكم ويعلم الجميع وجود بعض المنكرات الظاهرة خاصة في المدن الكبيرة وما فيها من الفتن، وقد أشكل على الكثير كيفية الإنكار، وهل هي مقتصرة على رجال الهيئة، حيث أن أغلب الشباب هداهم الله من الملتزمين لا يقومون بواجب الإنكار بحجة أن هذا العمل يسقط عنهم لوجود رجال الهيئة، وبعضهم لا ينكر بحجة الخوف من الوقوع في الخطأ والمساءلة، لذلك يا شيخ أصبحت المنكرات تزداد يوماً بعد يوم والله المستعان فما رأي فضيلتكم؟
الشيخ : رأيي: أن هذا أعني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الناس، وإذا لم يقم به من يكفي وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، لكن لابد أن يكون بالحكمة والرفق واللين، لأن الله عز وجل أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال: (( قُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )).
أما العنف سواء كان بأسلوب القول أو أسلوب الفعل فهذا ينافي الحكمة، وهو خلاف ما أمر الله به، ولكن أحياناً يعترض الإنسان شيء يقول: هذا منكر معروف، كحلق اللحية مثلاً، كل يعرف أنه حرام خصوصاً المواطنين في هذا البلد، ويقول: لو أنني جعلت كلما رأيت إنساناً حالقاً لحيته وما أكثرهم، وقفت أنهاه عن هذا الشيء فاتني مصالح كثيرة، ففي هذه الحال ربما نقول: بسقوط النهي عنه، لأنه يفوت على نفسه مصالح كثيرة، لكن لو فرض أنه حصل لك اجتماع بهذا الرجل في دكان أو في مطعم أو في مقهى فحينئذٍ يحسن أن تخوفه بالله، وتقول: هذا أمر محرم، وأنت إذا أصررت على الصغيرة صارت في حقك كبيرة، وتقول الأمر المناسب، وأما الخوف من أن يكون عنيفاً في أمره ونهيه فهذا إلى الإنسان، يستطيع الإنسان أن يأمر برفق وأن ينهى برفق.
السائل : هويقول هناك رجال الهيئة؟
الشيخ : رجال الهيئة ليسوا في كل مكان، ولهذا قلنا فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الناس، وإذا لم يقوموا به وجب على الناس، وهذا غير تغيير المنكر، لأن هناك ثلاثة أمور: دعوة وأمر وتغيير.
الدعوة واجبة على كل أحد، يجب على كل أحد أن يدعو إلى الله بأن يعرض الإسلام ويرغب فيه، ويحذر من الشرك والفسوق، والأمر أن تخص الإنسان تقول: افعل كذا أو النهي: لا تفعل كذا مباشرة.
والتغيير: أن تقوم أنت بنفسك بتغيير المنكر.
ولهذا جاء الأمر بالدعوة إلى الله مطلقاً، قال تعالى: (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ )) وجاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً، وجاء بالأمر بالتغيير مقيداً فقال: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه ) وبعض الناس تلتبس عليهم هذه الأحوال، يظنون أن الأمر بالتغيير كالأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس كذلك، النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما، بل فرق بين هذه الثلاث كلها، فإذا لم نجد مثلاً من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وجب علينا أن نأمر نحن بالمعروف وننهى عن المنكر، لكن إذا سلطنا الأمر على شخص معين صار أمره معروفاً أو نهيه عن منكر، أما إذا قمنا مثلاً في هذا المجتمع أو في هذا الجمع وصرنا نتكلم على المعصية التي تلبس بها هذا الرجل صار هذا من باب الدعوة إلى الله.
اضيفت في - 2005-08-27