سلسلة لقاء الباب المفتوح-152a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة لقاء الباب المفتوح
الحج فرضيته وصفة حج النبي صلى الله عليه وسلم .
الشيخ : فنقول وبالله نقول
أولاً: الحج مرتبته من الدين الإسلامي أنه أحد أركان الإسلام الخمسة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام ) .
وهو فرض بإجماع المسلمين، ومن جحد وجوبه وهو ممن عاش بين المسلمين فإنه يكون كافراً، لأن وجوبه مما علم بالضرورة من دين الإسلام، ومن تركه متهاوناً فإنه على خطر، لأن من العلماء من قال: إذا ترك الحج تهاوناً فإنه يكفر، لقول الله تعالى: (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) وعلى هذا فالإنسان على خطر إذا تركه.
وقد فرضه الله تعالى في السنة التاسعة من الهجرة، وحج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السنة العاشرة من الهجرة، فخرج من المدينة في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، ووصل إلى مكة صبيحة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وكان معه الهدي عليه الصلاة والسلام فأحرم قارناً أي: بالحج والعمرة جميعاً قال: لبيك حجاً وعمرة.
وأما من معه من المسلمين فانقسموا إلى ثلاثة أقسام:
منهم: من كان قد ساق الهدي فأحرم قارناً كالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومنهم: من لم يسق الهدي فحج مفرداً.
ومنهم: من تمتع.
فصاروا على ثلاثة أقسام: منهم من أحرم بعمرة متمتعاً بها إلى الحج، ومنهم من أحرم بحج، ومنهم من أحرم بعمرة وحج.
وصل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى البيت فبدأ بالطواف، فطاف سبعة أشواط مبتدئاً بالحجر، وفي هذا الطواف رمل ثلاثة أشواط أي: أسرع في مشيه ومشى أربعة أشواط، وفي هذا الطواف اضطبع بردائه فجعل وسطه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر من ابتداء الطواف إلى انتهائه، ولم يضطبع قبل الطواف ولا بعده.
ثم تقدم بعد الطواف إلى مقام إبراهيم فقرأ: (( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً )) فصلى ركعتين قرأ فيهما ب (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )) في الركعة الأولى، وفي الثانية (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) مع الفاتحة.
ثم رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: (( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )) ( أبدأ بما بدأ الله به ) فصعد على الصفا حتى رأى الكعبة فرفع يديه يدعو ويكبر ويهلل، وكان من ذكره في هذا المكان أن قال: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ) ثم يدعو، ثم أعاد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو، ثم أعاد الذكر مرة ثالثة، ثم انحدر متجهاً إلى المروة.
وفي طريقه مر بالوادي مجرى السيل وهو نازل، فلما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى عليه الصلاة والسلام أي: ركض ركضاً شديداً حتى صعد، ثم مشى إلى المروة.
والوادي ليس موجوداً الآن، لأن السيول صُرِّفت يميناً وشمالاً لكن موجود فيه موجود علامة ذلك وهي العمود الأخضر من ابتداء أركان الوادي إلى انتهائه، صعد على المروة واتجه إلى القبلة وقال ما قاله على الصفا حتى أتم سبعة أشواط مبتدئاً بـالصفا ومنتهياً بـالمروة، فكان أول ابتدائه من الصفا وآخر شوط على المروة.
ثم أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يجعلوا نسكهم عمرة، وأن يقصروا ويحلوا من إحرامهم الحل التام حتى النساء، ثم خرج من مكة ونزل بالأبطح بظاهر مكة حتى كان اليوم الثامن من ذي الحجة، فخرج إلى منى وأحرم من حل من عمرته من مكانه.
توجه إلى منى في ضحى يوم الثامن ونزل فيها، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع.
ولما طلعت الشمس سار إلى عرفة ونزل بمكان قبل عرفة يقال له: نمرة، حتى زالت الشمس، ثم ركب ناقته بعد ذلك بعد زوال الشمس ونزل في بطن الوادي وادي عرنة وخطب الناس خطبة عظيمة بليغة، ثم أذن وأقام فصلى الظهر ثم أقام وصلى العصر جمعاً وقصراً، ثم ركب حتى أتى الموقف الذي اختار أن يقف فيه عليه الصلاة والسلام عند الصخرات عند جبل عرفات، وعليه الآن علم قائم منصوب، وقف هناك إلى أن غربت الشمس، وكان على بعيره عليه الصلاة والسلام مستقبل القبلة يدعو الله تعالى يبتهل إليه، لأن خير الدعاء دعاء يوم عرفة.
ولما غابت الشمس واستحكم غروبها دفع متجهاً إلى مزدلفة، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بالسكينة، وكلما أتى حبلاً من الحبال يعني: أتى شيئاً مرتفعاً أرخى لناقته الزمام حتى تصعد، وكلما وجد فجوةً أسرع.
وفي أثناء الطريق نزل فبال وتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال له أسامة بن زيد وكان رديفه على ناقته: ( الصلاة يا رسول الله! قال: الصلاة أمامك ) أي: في مزدلفة، وصل إلى مزدلفة بعد دخول وقت العشاء فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم اضطجع في محل نزوله حتى تبين الصبح.
فلما تبين الصبح صلى الفجر بأذان وإقامة، ولم يُذكر في هذه الليلة أنه أوتر ولا أنه صلى سنة الفجر، لكن معروف من هديه عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً، وكذلك لا يدع ركعتي الفجر حضراً ولا سفراً، وبناءً على هذا العموم نقول: إن الوتر مشروع ليلة مزدلفة وكذلك سنة صلاة الفجر.
ثم ركب بعد أن صلى الفجر حتى أتى المشعر الحرام، فوقف عنده ودعا ووحد الله وكبره إلى أن أسفر جداً، ودفع قبل أن تطلع الشمس متجهاً إلى منى على راحلته، ووقف عند الجمرة وأمر ابن عباس أن يلقط له الحصى سبع حصيات فقط أخذهن بيده صلوات الله وسلامه عليه، وجعل ... ويقول: ( بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين ) فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
ثم انصرف إلى المنحر فنحر وكان أهدى مائة بعير فنحر منها بيده الكريمة ثلاثاً وستين بعيراً، وأعطى علي بن أبي طالب الباقية فنحرها، وأمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتصدق بلحومها وجلالها يعني: حتى جلالها التي كانت مغطاة بها الظهور أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به وأمر أن يؤخذ من كل بعير قطعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها.
ثم حلق عليه الصلاة والسلام رأسه وحل من إحرامه التحلل الأول، فتطيب عليه الصلاة والسلام ونزل إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، فطاف سبعة أشواط وليس فيها رمل ولا اضطباع، لأن الرمل والاضطباع لمن هم في الطواف الأول، ولم يسع بين الصفا والمروة، لأنه كان سعى بعد طواف القدوم، والقارن والمفرد إذا سعيا بعد طواف القدوم فإنهما لا يعيدان السعي، وصلى بـمكة الظهر.
ثم خرج إلى منى وبقي فيها ليلة الحادي عشر، وفي اليوم الحادي عشر بعد الزوال ذهب ماشياً إلى الجمرات فرمى الجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم تقدم قليلاً ووقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله، ودعا دعاءً طويلاً ثم انصرف، ثم اتجه إلى الوسطى فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم تقدم قليلاً حتى وقف مستقبل القبلة رافعاً يديه إلى الله دعاء طويلاً، ثم رمى جمرة العقبة وانصرف إلى رحله.
وفي يوم الثاني عشر فعل مثلما فعل في اليوم الحادي عشر، وفي اليوم الثالث عشر فعل كذلك مثلما فعل في اليومين قبله، لأنه تأخر.
وكان رميه عليه الصلاة والسلام في الأيام الثلاثة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال قبل أن يصلي الظهر، ولهذا لما رمى الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال نزل إلى مكة وصلى الظهر في الأبطح في المحصَّب، وبات تلك الليلة ليلة الرابع عشر هناك، وفي آخر الليل أمر بالرحيل، فارتحل إلى المسجد الحرام وطاف بالبيت طواف الوداع وصلى الفجر بعد ذلك، ثم رجع قافلاً إلى المدينة.
هذا هو خلاصة حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولنا في هذا وقفات
أولاً: الحج مرتبته من الدين الإسلامي أنه أحد أركان الإسلام الخمسة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام ) .
وهو فرض بإجماع المسلمين، ومن جحد وجوبه وهو ممن عاش بين المسلمين فإنه يكون كافراً، لأن وجوبه مما علم بالضرورة من دين الإسلام، ومن تركه متهاوناً فإنه على خطر، لأن من العلماء من قال: إذا ترك الحج تهاوناً فإنه يكفر، لقول الله تعالى: (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) وعلى هذا فالإنسان على خطر إذا تركه.
وقد فرضه الله تعالى في السنة التاسعة من الهجرة، وحج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السنة العاشرة من الهجرة، فخرج من المدينة في اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، ووصل إلى مكة صبيحة يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، وكان معه الهدي عليه الصلاة والسلام فأحرم قارناً أي: بالحج والعمرة جميعاً قال: لبيك حجاً وعمرة.
وأما من معه من المسلمين فانقسموا إلى ثلاثة أقسام:
منهم: من كان قد ساق الهدي فأحرم قارناً كالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومنهم: من لم يسق الهدي فحج مفرداً.
ومنهم: من تمتع.
فصاروا على ثلاثة أقسام: منهم من أحرم بعمرة متمتعاً بها إلى الحج، ومنهم من أحرم بحج، ومنهم من أحرم بعمرة وحج.
وصل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى البيت فبدأ بالطواف، فطاف سبعة أشواط مبتدئاً بالحجر، وفي هذا الطواف رمل ثلاثة أشواط أي: أسرع في مشيه ومشى أربعة أشواط، وفي هذا الطواف اضطبع بردائه فجعل وسطه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر من ابتداء الطواف إلى انتهائه، ولم يضطبع قبل الطواف ولا بعده.
ثم تقدم بعد الطواف إلى مقام إبراهيم فقرأ: (( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً )) فصلى ركعتين قرأ فيهما ب (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ )) في الركعة الأولى، وفي الثانية (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) مع الفاتحة.
ثم رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: (( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )) ( أبدأ بما بدأ الله به ) فصعد على الصفا حتى رأى الكعبة فرفع يديه يدعو ويكبر ويهلل، وكان من ذكره في هذا المكان أن قال: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ) ثم يدعو، ثم أعاد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو، ثم أعاد الذكر مرة ثالثة، ثم انحدر متجهاً إلى المروة.
وفي طريقه مر بالوادي مجرى السيل وهو نازل، فلما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى عليه الصلاة والسلام أي: ركض ركضاً شديداً حتى صعد، ثم مشى إلى المروة.
والوادي ليس موجوداً الآن، لأن السيول صُرِّفت يميناً وشمالاً لكن موجود فيه موجود علامة ذلك وهي العمود الأخضر من ابتداء أركان الوادي إلى انتهائه، صعد على المروة واتجه إلى القبلة وقال ما قاله على الصفا حتى أتم سبعة أشواط مبتدئاً بـالصفا ومنتهياً بـالمروة، فكان أول ابتدائه من الصفا وآخر شوط على المروة.
ثم أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يجعلوا نسكهم عمرة، وأن يقصروا ويحلوا من إحرامهم الحل التام حتى النساء، ثم خرج من مكة ونزل بالأبطح بظاهر مكة حتى كان اليوم الثامن من ذي الحجة، فخرج إلى منى وأحرم من حل من عمرته من مكانه.
توجه إلى منى في ضحى يوم الثامن ونزل فيها، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع.
ولما طلعت الشمس سار إلى عرفة ونزل بمكان قبل عرفة يقال له: نمرة، حتى زالت الشمس، ثم ركب ناقته بعد ذلك بعد زوال الشمس ونزل في بطن الوادي وادي عرنة وخطب الناس خطبة عظيمة بليغة، ثم أذن وأقام فصلى الظهر ثم أقام وصلى العصر جمعاً وقصراً، ثم ركب حتى أتى الموقف الذي اختار أن يقف فيه عليه الصلاة والسلام عند الصخرات عند جبل عرفات، وعليه الآن علم قائم منصوب، وقف هناك إلى أن غربت الشمس، وكان على بعيره عليه الصلاة والسلام مستقبل القبلة يدعو الله تعالى يبتهل إليه، لأن خير الدعاء دعاء يوم عرفة.
ولما غابت الشمس واستحكم غروبها دفع متجهاً إلى مزدلفة، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بالسكينة، وكلما أتى حبلاً من الحبال يعني: أتى شيئاً مرتفعاً أرخى لناقته الزمام حتى تصعد، وكلما وجد فجوةً أسرع.
وفي أثناء الطريق نزل فبال وتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال له أسامة بن زيد وكان رديفه على ناقته: ( الصلاة يا رسول الله! قال: الصلاة أمامك ) أي: في مزدلفة، وصل إلى مزدلفة بعد دخول وقت العشاء فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم اضطجع في محل نزوله حتى تبين الصبح.
فلما تبين الصبح صلى الفجر بأذان وإقامة، ولم يُذكر في هذه الليلة أنه أوتر ولا أنه صلى سنة الفجر، لكن معروف من هديه عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً، وكذلك لا يدع ركعتي الفجر حضراً ولا سفراً، وبناءً على هذا العموم نقول: إن الوتر مشروع ليلة مزدلفة وكذلك سنة صلاة الفجر.
ثم ركب بعد أن صلى الفجر حتى أتى المشعر الحرام، فوقف عنده ودعا ووحد الله وكبره إلى أن أسفر جداً، ودفع قبل أن تطلع الشمس متجهاً إلى منى على راحلته، ووقف عند الجمرة وأمر ابن عباس أن يلقط له الحصى سبع حصيات فقط أخذهن بيده صلوات الله وسلامه عليه، وجعل ... ويقول: ( بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين ) فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
ثم انصرف إلى المنحر فنحر وكان أهدى مائة بعير فنحر منها بيده الكريمة ثلاثاً وستين بعيراً، وأعطى علي بن أبي طالب الباقية فنحرها، وأمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتصدق بلحومها وجلالها يعني: حتى جلالها التي كانت مغطاة بها الظهور أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به وأمر أن يؤخذ من كل بعير قطعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها.
ثم حلق عليه الصلاة والسلام رأسه وحل من إحرامه التحلل الأول، فتطيب عليه الصلاة والسلام ونزل إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، فطاف سبعة أشواط وليس فيها رمل ولا اضطباع، لأن الرمل والاضطباع لمن هم في الطواف الأول، ولم يسع بين الصفا والمروة، لأنه كان سعى بعد طواف القدوم، والقارن والمفرد إذا سعيا بعد طواف القدوم فإنهما لا يعيدان السعي، وصلى بـمكة الظهر.
ثم خرج إلى منى وبقي فيها ليلة الحادي عشر، وفي اليوم الحادي عشر بعد الزوال ذهب ماشياً إلى الجمرات فرمى الجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم تقدم قليلاً ووقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو الله، ودعا دعاءً طويلاً ثم انصرف، ثم اتجه إلى الوسطى فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم تقدم قليلاً حتى وقف مستقبل القبلة رافعاً يديه إلى الله دعاء طويلاً، ثم رمى جمرة العقبة وانصرف إلى رحله.
وفي يوم الثاني عشر فعل مثلما فعل في اليوم الحادي عشر، وفي اليوم الثالث عشر فعل كذلك مثلما فعل في اليومين قبله، لأنه تأخر.
وكان رميه عليه الصلاة والسلام في الأيام الثلاثة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال قبل أن يصلي الظهر، ولهذا لما رمى الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال نزل إلى مكة وصلى الظهر في الأبطح في المحصَّب، وبات تلك الليلة ليلة الرابع عشر هناك، وفي آخر الليل أمر بالرحيل، فارتحل إلى المسجد الحرام وطاف بالبيت طواف الوداع وصلى الفجر بعد ذلك، ثم رجع قافلاً إلى المدينة.
هذا هو خلاصة حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولنا في هذا وقفات
وقفة مع أعمال أيام الحج ( اليوم الثامن إلى الثالث عشر ) .
الشيخ : ولنا في هذا وقفات:
الموقف الأول: أيام الحج تبين أنها ستة أيام، وهي: اليوم الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.
فماذا نفعل في اليوم الأول الثامن؟ يحرم الحجاج المحلون بالحج ضحى اليوم الثامن وينزلون في منى ويصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، هذه أعمال اليوم الثامن وليلة التاسع.
في اليوم التاسع ينصرف الحجاج من منى إلى عرفة وينزلون إذا تيسر لهم في نمرة، وإن لم يتيسر فلا حرج أن يستمروا في سيرهم إلى عرفة فيصلون فيها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، والجمع يكون جمع تقديم، من أجل أن يتسع الوقت للدعاء، ويتفرق الناس في مواقفهم، ولهذا اختار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجمع جمع تقديم في يوم عرفة لهذا السبب، أولاً: ليطول وقت الوقوف، وثانياً: ليتفرق الناس في مواقفهم، لأنهم لو تفرقوا قبل أن يصلوا العصر ما اجتمعوا على صلاة، فلهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم جمع تقديم، ثم إن الموقف الذي وقف فيه الرسول عليه الصلاة والسلام هل هو متعين أو كل عرفة موقف؟ استمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ) فأنت إذا وقفت في مكانك أديت السنة، ولا سيما في وقتنا الحاضر مع شدة الزحام والضياع لكثير لمن ذهب ليقف في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الأفضل أن يبقى في مكانه.
ثم اعلم أنك لو ذهبت إلى موقف الرسول عليه الصلاة والسلام فأنت على خطر من الضياع على خطر من الجوع أو العطش، ولن يتسنى لك أن تقف في ذلك الموقف إلى أن تغرب الشمس، لأنك لا بد أن تعود إلى رحلك قبل غروب الشمس وإلا لضعت بين هذه السيارات وفات الخشوع الذي يطلب من الإنسان في مثل هذه المشاعر، فالأفضل إذن أن تقف في مكانك درءاً لهذه المفاسد أو لهذه المضار.
في يوم عرفة يقف الناس في عرفة بعد الصلاتين الظهر والعصر جمع تقديم إلى أن تغرب الشمس، ولا يجوز للإنسان أن يدفع من عرفة قبل غروب الشمس، ودليل ذلك:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف حتى غربت الشمس وقال: ( خذوا عني مناسككم ) وهذا أمر أن نتأسى به.
ثانياً: لو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لكان أول من يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك أيسر وأرفق بالأمة حيث يدفعون نهاراً، وقد كان من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ( أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ) ونحن إذا قلنا: إن الأيسر أن تدفع في النهار وقد امتنع منه الرسول عليه الصلاة والسلام نعلم أنه إثم، لأن من هديه أن يختار الأيسر ما لم يكن إثماً.
ثالثاً: أننا لو دفعنا قبل الغروب لكان في ذلك مشابهة للمشركين ومخالفة لهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، لأن المشركين يدفعون من عرفة قبل أن تغرب الشمس، إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كالعمائم على رؤوس الرجال دفعوا.
في ليلة العيد ينزل الحجاج في إيش؟ في مزدلفة فهل لهم أن يدفعوا قبل أن يصلوا الفجر؟ نقول: نعم.
النساء والضعفاء الأفضل أن يتقدموا في الدفع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهم، والإنسان لا ينبغي له أن يعدل عن الرخصة لا سيما في وقتنا الحاضر مع الزحام، فإن الأولى أن يدفع النساء والصغار ومن لا يحتمل مزاحمة الناس في آخر الليل من أجل أن يرموا الجمرة قبل زحمة الناس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن للنساء والصغار أن يدفعوا من آخر الليل.
في مزدلفة وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى الفجر عند المشعر الحرام، لقوله تعالى: (( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ )) وهل لا بد أن يكون الوقوف هناك أي: عند المشعر الذي هو محل المسجد اليوم؟ لا، ليس من الضرورة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف عند المشعر وقال: ( وقفت هاهنا وجمع كلها موقف ) وجمع هي المزدلفة.
في يوم العيد وبعد الوصول إلى منى فهمنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام فعل ما يأتي:
أولاً: رمى، ثم نحر، ثم حلق وحل، ثم نزل وطاف، وهذا هو الأفضل أن الإنسان يرتبها هكذا، الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف ثم السعي لمن كان متمتعاً أو مفرداً أو قارناً ولم يكن سعى بعد طواف القدوم.
هذه الأنساك الخمسة أو الأربعة لو أن الإنسان قدم بعضها على بعض فهل عليه من حرج؟ الجواب: لا، اسمع الجواب من الرسول عليه الصلاة والسلام ( كان لا يسأل في ذلك اليوم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج ) افعل ولا حرج ، حتى قال له سائل من الناس: ( سعيت قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج ) وهذه من رحمة الله عز وجل أنه جعل فسحة للناس في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض حتى لا يجتمعوا على شيء واحد، لو اجتمع الناس كلهم على الرمي أو كلهم على الطواف أو كلهم على النحر لحصل في ذلك مشقة، لكن إذا فُسح الأمر فصار هذا يذهب إلى مكة ويطوف، وهذا يذهب إلى المنحر وينحر، وهذا يذهب إلى المرمى ويرمي، حصل في ذلك توسعة.
ورد في بعض الأسئلة التي وردت على الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم أن السائل يقول: لم أشعر ففعلت كذا قبل كذا.
وورد في بعضها الإطلاق، فهل نأخذ بهذا القيد ونقول: إنه لا يجوز اختلاف الترتيب إلا لإنسان لم يشعر؟ الجواب: لا.
لا نقيد هذا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( افعل ولا حرج ) وهذا شيء في المستقبل، لو قال: لا حرج عليك لقلنا: ربما يكون هذا الجواب مبنياً على السؤال، وأنه لا حرج على الإنسان إذا قدم بعضها على بعض في عدم الشعور، لكن لما قال: ( افعل ولا حرج ) وافعل كما يعرف الناس أنها للمستقبل، علمنا أن الترتيب ليس بواجب، ولهذا لما أراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصحح ما وقع ويمنع مما يستقبل قال لأبي بكرة حينما ركع قبل أن يصل الصف قال: ( زادك الله حرصاً ولا تعد ) فلو كان هذا الترتيب واجباً لقال للسائل: لا حرج ولا تعد.
على كل حال: المتأمل للسنة في هذا يتبين له أن الأمر واسع، وأنه لا حرج أن يقدم الإنسان بعضها على بعض، سواء كان لعذر أو لغير عذر.
إذن في يوم العيد يفعل الحاج كم نسكاً؟ خمسة أو أربعة؟ خمسة، إذا كان متمتعاً أو كان مفرداً أو قارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم، وأربعة إن كان مفرداً أو قارناً وسعى مع طواف القدوم، لأنه في هذه الحال يسقط عنه السعي، هذا في يوم العيد.
في اليوم الحادي عشر ليلة الحادي عشر الناس نازلون في منى والنزول في منى واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص لأهل الأعذار كالسقاة والرعاة رخص لهم أن يدعوا المبيت في منى، رخص لعمه العباس أن ينزل إلى مكة ليتولى إيش؟ السقاية سقاية الناس من زمزم وهذه مصلحة عامة، ورخص للرعاة رعاة إبل الحجيج ألا يبيتوا في منى يبيتوا في مراعيهم، لأنهم يشتغلون في مصلحة عامة، فدل هذا على أن غيرهم ليس له رخصة، وتهاون بعض الناس في المبيت بمنى لا وجه له إطلاقاً، فمن أراد السنة والحج المبرور فليتمسك بما عليه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
في اليوم الحادي عشر يرمي الناس الجمرات بعد الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمها إلا بعد الزوال، ولا يجوز تقديم الرمي في أيام التشريق عن الزوال ، ولا يجوز تقديم الرمي في أيام التشريق عن الزوال لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال، وقال: ( خذوا عني مناسككم ) ولولا أن الرمي قبل الزوال لا يصح لرخص للضعفاء والنساء أن يرموا قبل الزوال كما رخص لهم أن يرموا قبل طلوع الشمس في يوم العيد، ولو كان جائزاً أعني: الرمي قبل الزوال لفعله النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الرمي قبل الزوال أيسر على الناس من الرمي بعد الزوال.
إذ الرمي بعد الزوال معناه: انتظار اشتداد الحر، وهذا يشق على الناس، فلو كان الرمي في الصباح جائزاً لكان أيسر على الأمة، فلما تركه الرسول عليه الصلاة والسلام وانتظر حتى الزوال علمنا أن الرمي قبل الزوال ليس من هدي النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
ويدلك على أنه لا يصح الرمي قبل الزوال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحين يعني: ينتظر حتى تزول الشمس ومن حين أن تزول يرمي قبل أن يصلي الظهر، فكأنه ينتظر كما يقولون: بفارغ الصبر أن تزول الشمس حتى يرمي.
ولا يغرنك ترخيص بعض العلماء المبني على غير قاعدة شرعية، ولو أننا أردنا أن نأخذ ترخيصاً مطلقاً لقلنا: كل أيام التشريق محل ذكر لله عز وجل، فارم في أي وقت شئت، لكن هذه أمور محددة (( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ )) من ذكر الله في الأيام المعدودات رمي الجمرات، هل نأخذ بإطلاق الآية ونقول: متى شئت فارم؟
الجواب : لا، لأن الأمر بالذكر هنا مطلق بينته إيش؟ السنة فلا تغتر.
لكن إذا قال قائل: إذا قلتم: إنه لا يكون الرمي إلا بعد الزوال والحجاج يبلغون مليون وخمسمائة ألف كيف يتسنى أن يرمي هؤلاء فيما بين الزوال إلى غروب الشمس، هذا صعب جداً، لأنك لو قسمت مليون وخمسمائة ألف على هذا الزمن لوجدت أنه لا بد أن يرمي في الدقيقة كذا وكذا من مئة.
الموقف الأول: أيام الحج تبين أنها ستة أيام، وهي: اليوم الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.
فماذا نفعل في اليوم الأول الثامن؟ يحرم الحجاج المحلون بالحج ضحى اليوم الثامن وينزلون في منى ويصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، هذه أعمال اليوم الثامن وليلة التاسع.
في اليوم التاسع ينصرف الحجاج من منى إلى عرفة وينزلون إذا تيسر لهم في نمرة، وإن لم يتيسر فلا حرج أن يستمروا في سيرهم إلى عرفة فيصلون فيها الظهر والعصر جمعاً وقصراً، والجمع يكون جمع تقديم، من أجل أن يتسع الوقت للدعاء، ويتفرق الناس في مواقفهم، ولهذا اختار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجمع جمع تقديم في يوم عرفة لهذا السبب، أولاً: ليطول وقت الوقوف، وثانياً: ليتفرق الناس في مواقفهم، لأنهم لو تفرقوا قبل أن يصلوا العصر ما اجتمعوا على صلاة، فلهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم جمع تقديم، ثم إن الموقف الذي وقف فيه الرسول عليه الصلاة والسلام هل هو متعين أو كل عرفة موقف؟ استمع إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ) فأنت إذا وقفت في مكانك أديت السنة، ولا سيما في وقتنا الحاضر مع شدة الزحام والضياع لكثير لمن ذهب ليقف في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الأفضل أن يبقى في مكانه.
ثم اعلم أنك لو ذهبت إلى موقف الرسول عليه الصلاة والسلام فأنت على خطر من الضياع على خطر من الجوع أو العطش، ولن يتسنى لك أن تقف في ذلك الموقف إلى أن تغرب الشمس، لأنك لا بد أن تعود إلى رحلك قبل غروب الشمس وإلا لضعت بين هذه السيارات وفات الخشوع الذي يطلب من الإنسان في مثل هذه المشاعر، فالأفضل إذن أن تقف في مكانك درءاً لهذه المفاسد أو لهذه المضار.
في يوم عرفة يقف الناس في عرفة بعد الصلاتين الظهر والعصر جمع تقديم إلى أن تغرب الشمس، ولا يجوز للإنسان أن يدفع من عرفة قبل غروب الشمس، ودليل ذلك:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقف حتى غربت الشمس وقال: ( خذوا عني مناسككم ) وهذا أمر أن نتأسى به.
ثانياً: لو كان الدفع جائزاً قبل الغروب لكان أول من يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك أيسر وأرفق بالأمة حيث يدفعون نهاراً، وقد كان من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ( أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ) ونحن إذا قلنا: إن الأيسر أن تدفع في النهار وقد امتنع منه الرسول عليه الصلاة والسلام نعلم أنه إثم، لأن من هديه أن يختار الأيسر ما لم يكن إثماً.
ثالثاً: أننا لو دفعنا قبل الغروب لكان في ذلك مشابهة للمشركين ومخالفة لهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، لأن المشركين يدفعون من عرفة قبل أن تغرب الشمس، إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كالعمائم على رؤوس الرجال دفعوا.
في ليلة العيد ينزل الحجاج في إيش؟ في مزدلفة فهل لهم أن يدفعوا قبل أن يصلوا الفجر؟ نقول: نعم.
النساء والضعفاء الأفضل أن يتقدموا في الدفع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهم، والإنسان لا ينبغي له أن يعدل عن الرخصة لا سيما في وقتنا الحاضر مع الزحام، فإن الأولى أن يدفع النساء والصغار ومن لا يحتمل مزاحمة الناس في آخر الليل من أجل أن يرموا الجمرة قبل زحمة الناس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن للنساء والصغار أن يدفعوا من آخر الليل.
في مزدلفة وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى الفجر عند المشعر الحرام، لقوله تعالى: (( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ )) وهل لا بد أن يكون الوقوف هناك أي: عند المشعر الذي هو محل المسجد اليوم؟ لا، ليس من الضرورة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف عند المشعر وقال: ( وقفت هاهنا وجمع كلها موقف ) وجمع هي المزدلفة.
في يوم العيد وبعد الوصول إلى منى فهمنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام فعل ما يأتي:
أولاً: رمى، ثم نحر، ثم حلق وحل، ثم نزل وطاف، وهذا هو الأفضل أن الإنسان يرتبها هكذا، الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم الطواف ثم السعي لمن كان متمتعاً أو مفرداً أو قارناً ولم يكن سعى بعد طواف القدوم.
هذه الأنساك الخمسة أو الأربعة لو أن الإنسان قدم بعضها على بعض فهل عليه من حرج؟ الجواب: لا، اسمع الجواب من الرسول عليه الصلاة والسلام ( كان لا يسأل في ذلك اليوم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج ) افعل ولا حرج ، حتى قال له سائل من الناس: ( سعيت قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج ) وهذه من رحمة الله عز وجل أنه جعل فسحة للناس في تقديم بعض هذه الأشياء على بعض حتى لا يجتمعوا على شيء واحد، لو اجتمع الناس كلهم على الرمي أو كلهم على الطواف أو كلهم على النحر لحصل في ذلك مشقة، لكن إذا فُسح الأمر فصار هذا يذهب إلى مكة ويطوف، وهذا يذهب إلى المنحر وينحر، وهذا يذهب إلى المرمى ويرمي، حصل في ذلك توسعة.
ورد في بعض الأسئلة التي وردت على الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم أن السائل يقول: لم أشعر ففعلت كذا قبل كذا.
وورد في بعضها الإطلاق، فهل نأخذ بهذا القيد ونقول: إنه لا يجوز اختلاف الترتيب إلا لإنسان لم يشعر؟ الجواب: لا.
لا نقيد هذا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( افعل ولا حرج ) وهذا شيء في المستقبل، لو قال: لا حرج عليك لقلنا: ربما يكون هذا الجواب مبنياً على السؤال، وأنه لا حرج على الإنسان إذا قدم بعضها على بعض في عدم الشعور، لكن لما قال: ( افعل ولا حرج ) وافعل كما يعرف الناس أنها للمستقبل، علمنا أن الترتيب ليس بواجب، ولهذا لما أراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصحح ما وقع ويمنع مما يستقبل قال لأبي بكرة حينما ركع قبل أن يصل الصف قال: ( زادك الله حرصاً ولا تعد ) فلو كان هذا الترتيب واجباً لقال للسائل: لا حرج ولا تعد.
على كل حال: المتأمل للسنة في هذا يتبين له أن الأمر واسع، وأنه لا حرج أن يقدم الإنسان بعضها على بعض، سواء كان لعذر أو لغير عذر.
إذن في يوم العيد يفعل الحاج كم نسكاً؟ خمسة أو أربعة؟ خمسة، إذا كان متمتعاً أو كان مفرداً أو قارناً ولم يكن سعى مع طواف القدوم، وأربعة إن كان مفرداً أو قارناً وسعى مع طواف القدوم، لأنه في هذه الحال يسقط عنه السعي، هذا في يوم العيد.
في اليوم الحادي عشر ليلة الحادي عشر الناس نازلون في منى والنزول في منى واجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص لأهل الأعذار كالسقاة والرعاة رخص لهم أن يدعوا المبيت في منى، رخص لعمه العباس أن ينزل إلى مكة ليتولى إيش؟ السقاية سقاية الناس من زمزم وهذه مصلحة عامة، ورخص للرعاة رعاة إبل الحجيج ألا يبيتوا في منى يبيتوا في مراعيهم، لأنهم يشتغلون في مصلحة عامة، فدل هذا على أن غيرهم ليس له رخصة، وتهاون بعض الناس في المبيت بمنى لا وجه له إطلاقاً، فمن أراد السنة والحج المبرور فليتمسك بما عليه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
في اليوم الحادي عشر يرمي الناس الجمرات بعد الزوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمها إلا بعد الزوال، ولا يجوز تقديم الرمي في أيام التشريق عن الزوال ، ولا يجوز تقديم الرمي في أيام التشريق عن الزوال لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال، وقال: ( خذوا عني مناسككم ) ولولا أن الرمي قبل الزوال لا يصح لرخص للضعفاء والنساء أن يرموا قبل الزوال كما رخص لهم أن يرموا قبل طلوع الشمس في يوم العيد، ولو كان جائزاً أعني: الرمي قبل الزوال لفعله النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الرمي قبل الزوال أيسر على الناس من الرمي بعد الزوال.
إذ الرمي بعد الزوال معناه: انتظار اشتداد الحر، وهذا يشق على الناس، فلو كان الرمي في الصباح جائزاً لكان أيسر على الأمة، فلما تركه الرسول عليه الصلاة والسلام وانتظر حتى الزوال علمنا أن الرمي قبل الزوال ليس من هدي النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
ويدلك على أنه لا يصح الرمي قبل الزوال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحين يعني: ينتظر حتى تزول الشمس ومن حين أن تزول يرمي قبل أن يصلي الظهر، فكأنه ينتظر كما يقولون: بفارغ الصبر أن تزول الشمس حتى يرمي.
ولا يغرنك ترخيص بعض العلماء المبني على غير قاعدة شرعية، ولو أننا أردنا أن نأخذ ترخيصاً مطلقاً لقلنا: كل أيام التشريق محل ذكر لله عز وجل، فارم في أي وقت شئت، لكن هذه أمور محددة (( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ )) من ذكر الله في الأيام المعدودات رمي الجمرات، هل نأخذ بإطلاق الآية ونقول: متى شئت فارم؟
الجواب : لا، لأن الأمر بالذكر هنا مطلق بينته إيش؟ السنة فلا تغتر.
لكن إذا قال قائل: إذا قلتم: إنه لا يكون الرمي إلا بعد الزوال والحجاج يبلغون مليون وخمسمائة ألف كيف يتسنى أن يرمي هؤلاء فيما بين الزوال إلى غروب الشمس، هذا صعب جداً، لأنك لو قسمت مليون وخمسمائة ألف على هذا الزمن لوجدت أنه لا بد أن يرمي في الدقيقة كذا وكذا من مئة.
اضيفت في - 2005-08-27