سلسلة لقاء الباب المفتوح-155a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة لقاء الباب المفتوح
تفسير سورة الذاريات الآيات ( 56- 57 ) وآيات اخرى مختارة وما يستفاد منها .
الشيخ : من قول الله تبارك وتعالى: (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) أي: ما أوجدتهم بعد العدم إلا لهذه الحكمة العظيمة وهي عبادة الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له - آخر واحد على اليسار - إلا لعبادة الله وحده كما سنبين .
واللام في قوله: (( ليعبدون )) للتعليل لكن هذا التعليل تعليل شرعي أي: لأجل أن يعبدون حيث آمرهم فيمتثلوا أمره، وليست اللام هنا تعليلاً قدرياً، لأنه لو كان تعليلاً قدرياً لزم أن يعبده جميع الجن والإنس، لكن اللام هنا لبيان الحكمة الشرعية في خلق الجن والإنس، فالجن عالم غيبي خلقوا من نار، لأن أباهم هو إبليس كما قال الله تعالى: (( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ )).
وسموا جناً، لأنهم مستترون عن الأعين حيث إنهم يروننا ولا نراهم، هذا هو الأصل أنهم عالم غيبي لكن قد يظهرون أحياناً، والأصل فيهم أنهم كالإنس منهم المسلمون ومنهم غير المسلمين، ومنهم الصالحون ومنهم دون ذلك، لكن الإنس يَكْثُرونَهم بأنهم أحسن منهم من حيث الابتداء، حيث إنهم خلقوا من الطين، من التراب، من صلصال كالفخار، وأما أولئك الجن فخلقوا من النار، كذلك يمتاز الإنس عنهم بأن منهم الرسل والنبيين، وأما الجن فليس منهم الرسل، نعم منهم نُذُر مبلغون الرسالات من الإنس كما في قول الله تعالى: (( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ )).
فانظر إلى أدبهم في قولهم: أنصتوا، ثم بقائهم حتى انتهى المجلس، ثم ذهبوا دعاة لما سمعوا.
(( قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى )) إلى آخر الآيات.
وأما الإنس فهم بنو آدم البشر، هؤلاء خلقوا لشيء واحد لعبادة الله، لا لأجل أن ينفعوا الله بطاعاتهم ولا أن يضروه بمعاصيهم ولا أن يطعموه.ز
ولهذا قال: (( مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ )) يعني: ما أطلب منهم رزقاً أي: عطاءً أنتفع به ولا أن يطعمون فأنتفع بإطعامهم.
قال الله تبارك وتعالى: (( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ )) فهو سبحانه وتعالى له الغنى والجود والكرم، وهو غني عما سواه.
إذن! لو سئلنا: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟ ما هي الحكمة ؟ العبادة، يعني: ما خلقوا لأجل أن يعمروا الأرض، ولا لأجل أن يأكلوا، ولا لأجل أن يشربوا، ولا لأن يتمتعوا كما تتمتع الأنعام، وإنما خلقوا لعبادة الله، وخُلِق لهم ما في الأرض، نحن مخلوقون للعبادة وما في الأرض مخلوق لنا: (( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً )).
والعجب أن قومنا الآن اشتغلوا فيما خلق لهم عما خلقوا له، ما الذي خلق لهم؟ ما في الأرض، عما خُلقوا له وهو العبادة، وهذا من السَّفَه أن يشتغلوا بشيء خلق لهم عن شيء خلقوا من أجله.
فما هي العبادة؟ العبادة نقول: إنها تطلق على المعنى الأول التعبد يعني: فعل العبد، فيقال: تعبد لله عبادة
والثاني: المتعبد به، وهذا المعنى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إنه اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وكل ما يقرب إلى الله " فهو اسم جامع لكل شيء، فالصلاة عبادة، والصدقة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، والأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، كل ما يقرب إلى الله من قول أو فعل فإنه عبادة.
فإذن العبادة تطلق على معنيين:
المعنى الأول: التعبد الذي هو فعل العبد.
والمعنى الثاني المتعبد به الذي هو العبادة .
(( مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )).
هو الرزاق يعني: هو صاحب العطاء الذي يعطي، فالرزق بمعنى العطاء ومنه قوله تعالى: (( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ )) أي: أعطوهم، وكلمة الرزاق أبلغ من كلمة الرازق، لأن الرزاق صيغة مبالغة تدل على كثرة الرزق وعلى كثرة المرزوق، فرزق الله تعالى كثير باعتبار كثرة المرزوقين، كل دابةٍ في الأرض على الله رزقها من إنسان وحيوان، من طائر وزاحف، من صغير وكبير.
هل يمكن أن نحصي أنواع المخلوقات التي على الأرض؟ لا يمكن، لو قلت لك: احص العوالم التي في الأرض؟ ما استطعت فضلاً عن أفرادها، كل فرد منها فإن الله تعالى متكفل برزقه: (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )) فإذا كان الأمر كذلك صار رزق الله كثيراً باعتبار المرزوق، من يحصي المرزوقين؟ لا أحد يحصيهم، أيضاً هو كثير باعتبار الواحد منهم، كم لله عليكم من رزق؟ كثير لا يحصى، رزق الله لك دار عليك ليلاً ونهاراً، رزقك عقلاً، وصحةً، ومالاً، وولداً، وأمناً، وأشياء لا تحصى: (( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )) ولهذا جاء اسم الرزاق بالتشديد الدال على الكثرة.
وقوله: ذو القوة أي: صاحب القوة التي لا قوة تضادها كما قال الشاعر الجاهلي يقول:
" أين المفر والإله الطالب*** والأشرم المغلوب ليس الغالب "
هذا وهو جاهلي، فقوة الله عز وجل لا تضاهيها قوة، قوته عز وجل لا يعتريها ضعف بخلاف قوة المخلوق، المخلوق قوته تنتهي إلى ضعف كما قال الله تعالى: (( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ )) أما الرب عز وجل فإن قوته لا يلحقها ضعف بأي وجه من الوجوه.
ولما قالت عاد: (( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً )) ماذا قال الله؟ (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً )) وصدق الله عز وجل.
وقوله: المتين يعني: الشديد، شديد في قوته، شديد في عقابه، شديد في كل ما تقتضي الحكمة الشدة فيه، انظر إلى قول الله تعالى: (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )) هذه شدة لا تأخذكم بهما رأفة، الله عز وجل أرحم الراحمين ومع ذلك يوصينا بل ينهانا أن تأخذنا الرأفة في الزانية والزاني (( لا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ )) وهذا دليل على القوة.
من قوته عز وجل: أنه سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهل تعب؟ أجيبوا؟ لا: (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ )) .
ومن قوته وقدرته: أنه جل وعلا يبعث الناس كنفس واحدة (( فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ )) والأمثلة على هذا كثيرة، فهو جل وعلا له القوة البالغة التي لا يمكن أن يضاهيها أي قوة.
ثم قال تعالى : (( فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل مثل ذنوب أصحابهم )) وإلى آخر السورة في لقاء قادم إن شاء الله تعالى
نبدأ الآن بالأسئلة من اليمين .
واللام في قوله: (( ليعبدون )) للتعليل لكن هذا التعليل تعليل شرعي أي: لأجل أن يعبدون حيث آمرهم فيمتثلوا أمره، وليست اللام هنا تعليلاً قدرياً، لأنه لو كان تعليلاً قدرياً لزم أن يعبده جميع الجن والإنس، لكن اللام هنا لبيان الحكمة الشرعية في خلق الجن والإنس، فالجن عالم غيبي خلقوا من نار، لأن أباهم هو إبليس كما قال الله تعالى: (( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ )).
وسموا جناً، لأنهم مستترون عن الأعين حيث إنهم يروننا ولا نراهم، هذا هو الأصل أنهم عالم غيبي لكن قد يظهرون أحياناً، والأصل فيهم أنهم كالإنس منهم المسلمون ومنهم غير المسلمين، ومنهم الصالحون ومنهم دون ذلك، لكن الإنس يَكْثُرونَهم بأنهم أحسن منهم من حيث الابتداء، حيث إنهم خلقوا من الطين، من التراب، من صلصال كالفخار، وأما أولئك الجن فخلقوا من النار، كذلك يمتاز الإنس عنهم بأن منهم الرسل والنبيين، وأما الجن فليس منهم الرسل، نعم منهم نُذُر مبلغون الرسالات من الإنس كما في قول الله تعالى: (( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ )).
فانظر إلى أدبهم في قولهم: أنصتوا، ثم بقائهم حتى انتهى المجلس، ثم ذهبوا دعاة لما سمعوا.
(( قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى )) إلى آخر الآيات.
وأما الإنس فهم بنو آدم البشر، هؤلاء خلقوا لشيء واحد لعبادة الله، لا لأجل أن ينفعوا الله بطاعاتهم ولا أن يضروه بمعاصيهم ولا أن يطعموه.ز
ولهذا قال: (( مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ )) يعني: ما أطلب منهم رزقاً أي: عطاءً أنتفع به ولا أن يطعمون فأنتفع بإطعامهم.
قال الله تبارك وتعالى: (( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ )) فهو سبحانه وتعالى له الغنى والجود والكرم، وهو غني عما سواه.
إذن! لو سئلنا: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟ ما هي الحكمة ؟ العبادة، يعني: ما خلقوا لأجل أن يعمروا الأرض، ولا لأجل أن يأكلوا، ولا لأجل أن يشربوا، ولا لأن يتمتعوا كما تتمتع الأنعام، وإنما خلقوا لعبادة الله، وخُلِق لهم ما في الأرض، نحن مخلوقون للعبادة وما في الأرض مخلوق لنا: (( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً )).
والعجب أن قومنا الآن اشتغلوا فيما خلق لهم عما خلقوا له، ما الذي خلق لهم؟ ما في الأرض، عما خُلقوا له وهو العبادة، وهذا من السَّفَه أن يشتغلوا بشيء خلق لهم عن شيء خلقوا من أجله.
فما هي العبادة؟ العبادة نقول: إنها تطلق على المعنى الأول التعبد يعني: فعل العبد، فيقال: تعبد لله عبادة
والثاني: المتعبد به، وهذا المعنى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إنه اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة وكل ما يقرب إلى الله " فهو اسم جامع لكل شيء، فالصلاة عبادة، والصدقة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، والأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، كل ما يقرب إلى الله من قول أو فعل فإنه عبادة.
فإذن العبادة تطلق على معنيين:
المعنى الأول: التعبد الذي هو فعل العبد.
والمعنى الثاني المتعبد به الذي هو العبادة .
(( مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )).
هو الرزاق يعني: هو صاحب العطاء الذي يعطي، فالرزق بمعنى العطاء ومنه قوله تعالى: (( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ )) أي: أعطوهم، وكلمة الرزاق أبلغ من كلمة الرازق، لأن الرزاق صيغة مبالغة تدل على كثرة الرزق وعلى كثرة المرزوق، فرزق الله تعالى كثير باعتبار كثرة المرزوقين، كل دابةٍ في الأرض على الله رزقها من إنسان وحيوان، من طائر وزاحف، من صغير وكبير.
هل يمكن أن نحصي أنواع المخلوقات التي على الأرض؟ لا يمكن، لو قلت لك: احص العوالم التي في الأرض؟ ما استطعت فضلاً عن أفرادها، كل فرد منها فإن الله تعالى متكفل برزقه: (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )) فإذا كان الأمر كذلك صار رزق الله كثيراً باعتبار المرزوق، من يحصي المرزوقين؟ لا أحد يحصيهم، أيضاً هو كثير باعتبار الواحد منهم، كم لله عليكم من رزق؟ كثير لا يحصى، رزق الله لك دار عليك ليلاً ونهاراً، رزقك عقلاً، وصحةً، ومالاً، وولداً، وأمناً، وأشياء لا تحصى: (( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )) ولهذا جاء اسم الرزاق بالتشديد الدال على الكثرة.
وقوله: ذو القوة أي: صاحب القوة التي لا قوة تضادها كما قال الشاعر الجاهلي يقول:
" أين المفر والإله الطالب*** والأشرم المغلوب ليس الغالب "
هذا وهو جاهلي، فقوة الله عز وجل لا تضاهيها قوة، قوته عز وجل لا يعتريها ضعف بخلاف قوة المخلوق، المخلوق قوته تنتهي إلى ضعف كما قال الله تعالى: (( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ )) أما الرب عز وجل فإن قوته لا يلحقها ضعف بأي وجه من الوجوه.
ولما قالت عاد: (( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً )) ماذا قال الله؟ (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً )) وصدق الله عز وجل.
وقوله: المتين يعني: الشديد، شديد في قوته، شديد في عقابه، شديد في كل ما تقتضي الحكمة الشدة فيه، انظر إلى قول الله تعالى: (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ )) هذه شدة لا تأخذكم بهما رأفة، الله عز وجل أرحم الراحمين ومع ذلك يوصينا بل ينهانا أن تأخذنا الرأفة في الزانية والزاني (( لا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ )) وهذا دليل على القوة.
من قوته عز وجل: أنه سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهل تعب؟ أجيبوا؟ لا: (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ )) .
ومن قوته وقدرته: أنه جل وعلا يبعث الناس كنفس واحدة (( فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ )) والأمثلة على هذا كثيرة، فهو جل وعلا له القوة البالغة التي لا يمكن أن يضاهيها أي قوة.
ثم قال تعالى : (( فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل مثل ذنوب أصحابهم )) وإلى آخر السورة في لقاء قادم إن شاء الله تعالى
نبدأ الآن بالأسئلة من اليمين .
ما حكم التصوير بالكاميرا الفتوغرافية .؟
السائل : يا شيخ ما حكم التصوير بالكاميرا الفوتغرافية؟
الشيخ : التصوير بالكاميرا الفوتغرافية إذا كان لحاجة مثل: تابعية، رخصة القيادة لا بأس، لأن الناس بحاجة لهذا، أما إذا صور لأجل أن يحتفظ به للذكرى فهذا لا يجوز، لأن اقتناء الصور للذكرى محرم، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ) .
الشيخ : التصوير بالكاميرا الفوتغرافية إذا كان لحاجة مثل: تابعية، رخصة القيادة لا بأس، لأن الناس بحاجة لهذا، أما إذا صور لأجل أن يحتفظ به للذكرى فهذا لا يجوز، لأن اقتناء الصور للذكرى محرم، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ) .
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الإنتكاس فهل من كلمة في هذا .؟ وما هي الأسباب المعينة على الثبات .؟
السائل : فضيلة الشيخ بارك الله فيكم وسدد خطاكم في الآونة الأخيرة كثيراً ما نرى ونسمع عن حالات الانتكاس نسأل الله الثبات لنا ولكم.
فما هي في نظركم الأسباب الدافعة لهذه الظاهرة، وما هي المقومات المعينة على الثبات؟ نرجو التوضيح.
الشيخ : الواقع أن السؤال يقول: في هذه الآونة الأخيرة نرى كثيراً من الانتكاسة
الانتكاسة والحمد لله ما هي كثيرة، بل بالعكس نرى كثيراً من الناس يتجهون، لكن الحقيقة أن الشباب يحتاجوا إلى قيادة حكيمة إلى أناس يثق بهم الشباب ويكون عندهم علم شرعي مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأئمة من بعدهم وأتباع الأئمة.
منهج صحيح قوي ينظر في الحاضر وينظر للمستقبل وأيضاً على علم على إيمان بالله عز وجل.
فالشباب في الحقيقة في الوقت الحاضر يحتاجون إلى قيادة حكيمة، لأن القيادة المتهورة توقعهم في الهلاك، المتهورة التي تريد أن تصلح الناس بين عشية وضحاها، وهذا أمر مستحيل، سنة الله عز وجل.
ونضرب لكم مثلاً: إن نبينا صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي صباحاً ومساءً وبقي في مكة ثلاثة عشر سنة يدعو الناس ولم يستجب له إلا القليل، إلى حد اضطر فيه إلى أن يهاجر ويغادر بلد الله الأمين، لأنه لم يجد ما يريد من انقياد الناس له فهاجر، مع أنه رسول الله ينزل عليه الوحي ويؤيد بالآيات، حتى إنهم قالوا: أرنا آية، فأشار إلى القمر فانقسم القمر فرقتين، القمر في العالم العلوي، ومع ذلك أشار إليه الرسول فانقسم فرقتين هل آمنوا؟ ما آمنوا، قال الله عنهم: (( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ )) هل بإمكاننا أن نصلح ولاة الأمور والشعب بين عشية وضحاها، أو في أيام معلومة، أو في أشهر؟ هذا ليس بإمكاننا.
إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتيسر له ذلك فكيف بنا؟!
فالقيادة المندفعة نحن لا نريدها للشباب أبداً، والقيادة البطيئة الهينة الميتة أيضاً لا نريدها، نريد قيادة حكيمة عليمة تنظر للعواقب والآثار قبل أن تنظر للحاضر، لأن الإنسان إذا نظر إلى الحاضر ونظر مثلاً أنه مع الأسف يوجد مثلاً في صحافتنا المحلية والتي تبث إلينا من الخارج وهي أخبث وأشد فتنة، الذي ينظر إلى هذا ثم ينظر أيضاً إلى ما حدث أخيراً من القنوات الفضائية يتمزق من الحسرة وكيف ينهال الناس على مثل هذه الأشياء؟ والحمد لله لا ينهال أحدٌ من الملتزمين لكن غير الملتزمين، يأسف لهذا الشيء.
فمن الناس من تأخذه الغيرة ويندفع يريد أن يأتي البيوت من غير أبوابها، يريد أن يتسور وهذا لا يمكن، من أراد أن يتسور فعاقبته أن ينكسر أو يُكسَر.
لكن إذا أتينا الأمور من أبوابها وصرنا نحذر الناس من هذه الصحف ومن هذه المجلات ومن هذه المرئيات صار في هذا خير كثير، لكن بعض الناس إذا أراد أن ينكر هذا الشيء يَنصَب أول ما يَنصَب على الحكومة ولماذا تقر هذا الشيء؟ لكن الحكومة لها قنوات يمكن إصلاحها تُخاطب مباشرة، لا في المجامع والمساجد والمحافل.
الذي يخاطب في المساجد والمجامع والمحافل هم الشعب الناس، حذرهم من هذا، بين لهم ضرره، فأنت إذا وجهت النصيحة للناس يستجيبون لك وينتفعون.
لنضرب مثلاً : في هذه البيوت بيوت الربا التي تسمى البنوك، هل إذا أردنا أن نصلح الأمر هل نصب جام غضبنا على الحكومة ونقول : ليش مكنت؟ الجواب: ليس هذا من الحكمة، انصح الحكومة فيما بينك وبينها لا بأس، أو إذا كان المسؤول أمامك خاطبه وناقشه كما كانوا يناقشون عمر أمام عمر رضي الله عنه لكن من وراء الستار غلط، من تخاطب في إصلاح هذا الوضع البنوك؟ الناس، حذرهم منه وأقول: لا تتعاملوا معه، والبنوك إذا رأت الناس معرضين عنها سوف تضطر إلى إصلاح الوضع، أو تفتح فروعاً تتمشى في معاملتها على الشريعة، لأن الذي يقوِّم هذه البنوك من هم؟ الشعب، هم الذين يقومونها، فإذا رأى أصحاب البنوك أن الناس انصرفوا وصاروا يطلبون جهات أخرى فإنها سوف تفلِّس وسوف تضطر إلى إصلاح الوضع.
والحكومة خاطِبْها ستجد عندها مثلاً من يقول لها: إن هذه البنوك حلال، ولعل بعضكم قرأ ما كتب في الصحف حول هذا الموضوع وما نشر أيضاً حول هذا الموضوع، أن البنوك ليست حراماً، ليش؟ قال: لأن المحرم هو الربا الذي فيه الظلم وهذه ما فيها ظلم، هذه ينتفع منها البنك وينتفع منها الساحب من البنك، ينتفع منها البنك بإيش؟ بالزيادة، يعطيك مثلاً عشرة آلاف يأخذ إحدى عشر ألفاً، ينتفع منها الساحب يكّون مصنعاً يكّون مزرعة يكّون تجارة فالكل منتفع ما في ظلم.
والله عز وجل جعل الربا ننتهي عنه وقال: (( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ )) إيش؟ (( لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ )) وهذا ما فيه ظلم.
يأتي أناس يشار إليهم بأنهم دكاترة أو علماء أو ما أشبه ذلك يلبسون على الحكومة، أيضاً يجيء واحد آخر يقول لك: من قال إن الأوراق هذه فيها ربا؟! هذه أوراق والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح ) في أي واحد من الأجناس تدخل هذه الأوراق؟ نعم ما تدخل لا ذهب ولا فضة وإنما هي مثل الفلوس المعدنية، والفلوس المعدنية نص فقهاء العلماء من السابقين أنه ليس فيها ربا وانظروها في الروض المربع وغيره، تقول هكذا الحكومة، الحكومة تبقى الآن بين جناحين: جناح خافض وجناح رافع وتناقش في هذا.
لكن أما أن نذهب نسب الحكومة من أجل هذا ونحن نريد من الناس أن يحذروا، لا نبدأ بالناس أولاً والحكومة نناقشها، ونقول للذي قال: إن الربا المحرم ما فيه ظلم، هذا خطأ ما هو صحيح ليس بصحيح، والدليل على ذلك: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( أُتي إليه بتمر طيب جيد فقال: ما هذا؟ قالوا: يا رسول الله! نأخذ الصاع من هذا بصاعين من الرديء، والصاعين بالثلاث، فقال عليه الصلاة والسلام: أوّه -أوّه يعني يتوجع- عين الربا ، عين الربا ) هذه المعاملة هل فيها ظلم؟ أسألكم يا جماعة ؟ لا ، غير ذلك يا عبد الرحمن
الطالب : ...
الشيخ : ما في ظلم ليش؟ لأن الصاع الجيد يساوي صاعين رديئين ما في ظلم، ومع ذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام ( إنه عين الربا )، فبطل حجة من يقول: إن الربا المحرم هو ما كان فيه ظلم، نقول: هذا ما فيه ظلم.
أيضاً: الذي يقول: هذه أوراق ما هي ذهب ولا فضة؟ نقول: لكن الناس الآن اتخذوها نقداً كما اتخذوا الدراهم والدنانير، والدراهم فضة والدنانير ذهب فقد اتخذها الناس نقداً يستعملونها كما يستعملون الدراهم والدنانير سابقاً، والقاعدة الشرعية أن " البدل له حكم المبدل " فبطلت هذه الحجة أيضاً.
لكني أنا أتيت لكم بهذا المثال لتعلموا أن الدولة ما هي دائماً ليس عندها إلا من يرى تحريم الربا في هذه الأوراق أو في هذه المعاملة، يأتيها من كل مكان، ولها من يقرؤون الكتب، ولها من يقرؤون الصحف، وهذا مثال فقط وإلا في أيضاً أشياء أخرى.
ألم تعلموا أن ابن حزم وهو معروف إمام في الفقه من الظاهرية ألم تعلموا أنه يجيز الغناء والمعازف؟ هو يجيزه، ومن الناس من ينشر رأيه الآن، وقبل أسبوع قرأنا هذا في الصحف، وتبين لنا أن فيه رسالة دكتوراه تبيح الغناء والمعازف، نعم طيب إيش موقف الناس؟ ابن حزم من المتقدمين وتبعه من تبعه، وأناس عندنا من المتأخرين يجوزون هذا، نعم ونحن نرى أن هذا غلط، وأن الحديث صحيح، حديث أبي مالك الأشعري أو أبي موسى الأشعري الذي رواه البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المعازف مع إيش؟ مع الزنا والخمر والحرير للرجال، لأن هذه الأمور الأربعة بإذن الله متلازمة نسأل الله العافية أو متقارنة، فإذا كان الرسول جعل المعازف بمنزلة هذه الأشياء علمنا أنها حرام ما فيها إشكال، ولم نعبأ بقول ابن حزم ولا غيره.
لكني قصدي أني أضرب لكم مثلاً بأن الهجوم على الحكومة علناً خطأ، والسير وراء هذا المنهج خطأ مخالف لما كان عليه السلف الصالح.
لكن يجب على الدعاة وعلى قائدي الشباب أن ينظروا للمصالح، وأن ينظروا للعواقب والنتائج، ما الذي أوصل دولة عربية إلى أن يُقتل في خلال خمسة سنوات أو أقل ستين ألفاً يقتل بعضهم بعضاً إلا مثل هذه الآراء، الآراء المنحرفة التي تريد أن يصلح الناس بين عشية وضحاها ثم يصبون جام الغضب على الحكومة، كل هذا من الغلط
والصواب والحمد لله: أن الأمور مستقيمة يعني: على وجه قاصر ما في شك، ولكننا نأمل بإذن الله عز وجل أن الشباب سيتجه اتجاهاً سليماً معتدلاً ليس فيه تفريط ولا إفراط.
أما الطريق إلى الثبات، فالطريق إلى الثبات متعددة: منها: إقبال الإنسان على عبادة الله، وأن يشتغل بنفسه لا بعيوب غيره، لأن الإنسان إذا اشتغل بإصلاح نفسه عن عيوب غيره كسب المعركة، لكن لو كان ليس له هم إلا تتبع عيوب الناس والتفكير فيها ضاع عليه الوقت ونقص تعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى، فأنت أقبل على ربك، وأصلح ما بينك وبين الله، واسع بما تستطيع لإصلاح عباد الله.
ثانياً: الإكثار من العبادة.
الإكثار من العبادة لا شك أنه يوجب الثبات بدليل قول الله تبارك وتعالى
فما هي في نظركم الأسباب الدافعة لهذه الظاهرة، وما هي المقومات المعينة على الثبات؟ نرجو التوضيح.
الشيخ : الواقع أن السؤال يقول: في هذه الآونة الأخيرة نرى كثيراً من الانتكاسة
الانتكاسة والحمد لله ما هي كثيرة، بل بالعكس نرى كثيراً من الناس يتجهون، لكن الحقيقة أن الشباب يحتاجوا إلى قيادة حكيمة إلى أناس يثق بهم الشباب ويكون عندهم علم شرعي مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والأئمة من بعدهم وأتباع الأئمة.
منهج صحيح قوي ينظر في الحاضر وينظر للمستقبل وأيضاً على علم على إيمان بالله عز وجل.
فالشباب في الحقيقة في الوقت الحاضر يحتاجون إلى قيادة حكيمة، لأن القيادة المتهورة توقعهم في الهلاك، المتهورة التي تريد أن تصلح الناس بين عشية وضحاها، وهذا أمر مستحيل، سنة الله عز وجل.
ونضرب لكم مثلاً: إن نبينا صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي صباحاً ومساءً وبقي في مكة ثلاثة عشر سنة يدعو الناس ولم يستجب له إلا القليل، إلى حد اضطر فيه إلى أن يهاجر ويغادر بلد الله الأمين، لأنه لم يجد ما يريد من انقياد الناس له فهاجر، مع أنه رسول الله ينزل عليه الوحي ويؤيد بالآيات، حتى إنهم قالوا: أرنا آية، فأشار إلى القمر فانقسم القمر فرقتين، القمر في العالم العلوي، ومع ذلك أشار إليه الرسول فانقسم فرقتين هل آمنوا؟ ما آمنوا، قال الله عنهم: (( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ )) هل بإمكاننا أن نصلح ولاة الأمور والشعب بين عشية وضحاها، أو في أيام معلومة، أو في أشهر؟ هذا ليس بإمكاننا.
إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتيسر له ذلك فكيف بنا؟!
فالقيادة المندفعة نحن لا نريدها للشباب أبداً، والقيادة البطيئة الهينة الميتة أيضاً لا نريدها، نريد قيادة حكيمة عليمة تنظر للعواقب والآثار قبل أن تنظر للحاضر، لأن الإنسان إذا نظر إلى الحاضر ونظر مثلاً أنه مع الأسف يوجد مثلاً في صحافتنا المحلية والتي تبث إلينا من الخارج وهي أخبث وأشد فتنة، الذي ينظر إلى هذا ثم ينظر أيضاً إلى ما حدث أخيراً من القنوات الفضائية يتمزق من الحسرة وكيف ينهال الناس على مثل هذه الأشياء؟ والحمد لله لا ينهال أحدٌ من الملتزمين لكن غير الملتزمين، يأسف لهذا الشيء.
فمن الناس من تأخذه الغيرة ويندفع يريد أن يأتي البيوت من غير أبوابها، يريد أن يتسور وهذا لا يمكن، من أراد أن يتسور فعاقبته أن ينكسر أو يُكسَر.
لكن إذا أتينا الأمور من أبوابها وصرنا نحذر الناس من هذه الصحف ومن هذه المجلات ومن هذه المرئيات صار في هذا خير كثير، لكن بعض الناس إذا أراد أن ينكر هذا الشيء يَنصَب أول ما يَنصَب على الحكومة ولماذا تقر هذا الشيء؟ لكن الحكومة لها قنوات يمكن إصلاحها تُخاطب مباشرة، لا في المجامع والمساجد والمحافل.
الذي يخاطب في المساجد والمجامع والمحافل هم الشعب الناس، حذرهم من هذا، بين لهم ضرره، فأنت إذا وجهت النصيحة للناس يستجيبون لك وينتفعون.
لنضرب مثلاً : في هذه البيوت بيوت الربا التي تسمى البنوك، هل إذا أردنا أن نصلح الأمر هل نصب جام غضبنا على الحكومة ونقول : ليش مكنت؟ الجواب: ليس هذا من الحكمة، انصح الحكومة فيما بينك وبينها لا بأس، أو إذا كان المسؤول أمامك خاطبه وناقشه كما كانوا يناقشون عمر أمام عمر رضي الله عنه لكن من وراء الستار غلط، من تخاطب في إصلاح هذا الوضع البنوك؟ الناس، حذرهم منه وأقول: لا تتعاملوا معه، والبنوك إذا رأت الناس معرضين عنها سوف تضطر إلى إصلاح الوضع، أو تفتح فروعاً تتمشى في معاملتها على الشريعة، لأن الذي يقوِّم هذه البنوك من هم؟ الشعب، هم الذين يقومونها، فإذا رأى أصحاب البنوك أن الناس انصرفوا وصاروا يطلبون جهات أخرى فإنها سوف تفلِّس وسوف تضطر إلى إصلاح الوضع.
والحكومة خاطِبْها ستجد عندها مثلاً من يقول لها: إن هذه البنوك حلال، ولعل بعضكم قرأ ما كتب في الصحف حول هذا الموضوع وما نشر أيضاً حول هذا الموضوع، أن البنوك ليست حراماً، ليش؟ قال: لأن المحرم هو الربا الذي فيه الظلم وهذه ما فيها ظلم، هذه ينتفع منها البنك وينتفع منها الساحب من البنك، ينتفع منها البنك بإيش؟ بالزيادة، يعطيك مثلاً عشرة آلاف يأخذ إحدى عشر ألفاً، ينتفع منها الساحب يكّون مصنعاً يكّون مزرعة يكّون تجارة فالكل منتفع ما في ظلم.
والله عز وجل جعل الربا ننتهي عنه وقال: (( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ )) إيش؟ (( لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ )) وهذا ما فيه ظلم.
يأتي أناس يشار إليهم بأنهم دكاترة أو علماء أو ما أشبه ذلك يلبسون على الحكومة، أيضاً يجيء واحد آخر يقول لك: من قال إن الأوراق هذه فيها ربا؟! هذه أوراق والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح ) في أي واحد من الأجناس تدخل هذه الأوراق؟ نعم ما تدخل لا ذهب ولا فضة وإنما هي مثل الفلوس المعدنية، والفلوس المعدنية نص فقهاء العلماء من السابقين أنه ليس فيها ربا وانظروها في الروض المربع وغيره، تقول هكذا الحكومة، الحكومة تبقى الآن بين جناحين: جناح خافض وجناح رافع وتناقش في هذا.
لكن أما أن نذهب نسب الحكومة من أجل هذا ونحن نريد من الناس أن يحذروا، لا نبدأ بالناس أولاً والحكومة نناقشها، ونقول للذي قال: إن الربا المحرم ما فيه ظلم، هذا خطأ ما هو صحيح ليس بصحيح، والدليل على ذلك: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( أُتي إليه بتمر طيب جيد فقال: ما هذا؟ قالوا: يا رسول الله! نأخذ الصاع من هذا بصاعين من الرديء، والصاعين بالثلاث، فقال عليه الصلاة والسلام: أوّه -أوّه يعني يتوجع- عين الربا ، عين الربا ) هذه المعاملة هل فيها ظلم؟ أسألكم يا جماعة ؟ لا ، غير ذلك يا عبد الرحمن
الطالب : ...
الشيخ : ما في ظلم ليش؟ لأن الصاع الجيد يساوي صاعين رديئين ما في ظلم، ومع ذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام ( إنه عين الربا )، فبطل حجة من يقول: إن الربا المحرم هو ما كان فيه ظلم، نقول: هذا ما فيه ظلم.
أيضاً: الذي يقول: هذه أوراق ما هي ذهب ولا فضة؟ نقول: لكن الناس الآن اتخذوها نقداً كما اتخذوا الدراهم والدنانير، والدراهم فضة والدنانير ذهب فقد اتخذها الناس نقداً يستعملونها كما يستعملون الدراهم والدنانير سابقاً، والقاعدة الشرعية أن " البدل له حكم المبدل " فبطلت هذه الحجة أيضاً.
لكني أنا أتيت لكم بهذا المثال لتعلموا أن الدولة ما هي دائماً ليس عندها إلا من يرى تحريم الربا في هذه الأوراق أو في هذه المعاملة، يأتيها من كل مكان، ولها من يقرؤون الكتب، ولها من يقرؤون الصحف، وهذا مثال فقط وإلا في أيضاً أشياء أخرى.
ألم تعلموا أن ابن حزم وهو معروف إمام في الفقه من الظاهرية ألم تعلموا أنه يجيز الغناء والمعازف؟ هو يجيزه، ومن الناس من ينشر رأيه الآن، وقبل أسبوع قرأنا هذا في الصحف، وتبين لنا أن فيه رسالة دكتوراه تبيح الغناء والمعازف، نعم طيب إيش موقف الناس؟ ابن حزم من المتقدمين وتبعه من تبعه، وأناس عندنا من المتأخرين يجوزون هذا، نعم ونحن نرى أن هذا غلط، وأن الحديث صحيح، حديث أبي مالك الأشعري أو أبي موسى الأشعري الذي رواه البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المعازف مع إيش؟ مع الزنا والخمر والحرير للرجال، لأن هذه الأمور الأربعة بإذن الله متلازمة نسأل الله العافية أو متقارنة، فإذا كان الرسول جعل المعازف بمنزلة هذه الأشياء علمنا أنها حرام ما فيها إشكال، ولم نعبأ بقول ابن حزم ولا غيره.
لكني قصدي أني أضرب لكم مثلاً بأن الهجوم على الحكومة علناً خطأ، والسير وراء هذا المنهج خطأ مخالف لما كان عليه السلف الصالح.
لكن يجب على الدعاة وعلى قائدي الشباب أن ينظروا للمصالح، وأن ينظروا للعواقب والنتائج، ما الذي أوصل دولة عربية إلى أن يُقتل في خلال خمسة سنوات أو أقل ستين ألفاً يقتل بعضهم بعضاً إلا مثل هذه الآراء، الآراء المنحرفة التي تريد أن يصلح الناس بين عشية وضحاها ثم يصبون جام الغضب على الحكومة، كل هذا من الغلط
والصواب والحمد لله: أن الأمور مستقيمة يعني: على وجه قاصر ما في شك، ولكننا نأمل بإذن الله عز وجل أن الشباب سيتجه اتجاهاً سليماً معتدلاً ليس فيه تفريط ولا إفراط.
أما الطريق إلى الثبات، فالطريق إلى الثبات متعددة: منها: إقبال الإنسان على عبادة الله، وأن يشتغل بنفسه لا بعيوب غيره، لأن الإنسان إذا اشتغل بإصلاح نفسه عن عيوب غيره كسب المعركة، لكن لو كان ليس له هم إلا تتبع عيوب الناس والتفكير فيها ضاع عليه الوقت ونقص تعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى، فأنت أقبل على ربك، وأصلح ما بينك وبين الله، واسع بما تستطيع لإصلاح عباد الله.
ثانياً: الإكثار من العبادة.
الإكثار من العبادة لا شك أنه يوجب الثبات بدليل قول الله تبارك وتعالى
اضيفت في - 2005-08-27