سلسلة لقاء الباب المفتوح-168a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة لقاء الباب المفتوح
تفسير سورة النجم الآيات ( 11- 17 ) وما يستفاد منها .
الشيخ : قال الله تبارك وتعالى في سورة النجم في قصة المعراج : (( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى )) واعلم أيها الأخ المسلم أن للنبي صلى الله عليه وسلم إسراء ومعراجا فالإسراء ذكره الله في سورة الإسراء والمعراج ذكره الله في سورة النجم وكلاهما في ليلة واحدة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين أو سنة ونصف اختلف المؤرخون في هذا ثم إن الإسراء والمعراج كان ببدن النبي صلى الله عليه وسلم وروحه وليس بروحه فقط وأما قوله تعالى : (( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ )) فالمراد بها رؤية العين لا رؤية المنام يقول الله تعالى في سياق الآيات في المعراج : (( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى )) الفؤاد القلب والمعنى أن ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في عينه فإنه رآه بقلبه وتيقنه وعلمه وذلك أن العين قد ترى شيئا فيكذبها القلب وقد يرى القلب شيئاً فتكذبه العين فمثلاً الإنسان قد يرى شبحاً بعينه فيظنه فلان ابن فلان ولكن القلب يأبى هذا لأنه يعلم أن فلان بن فلان لم يكن في هذا المكان فهنا العين رأت والقلب كذب أو بالعكس قد يتخيل الإنسان الشيء في قلبه ولكن العين تكذبه أما ما رآه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة المعراج فإنه رآه حقا ببصره وبصيرته ولهذا قال : (( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى )) بل تطابق القلب مع رؤية العين فلم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كاذبا فيما رآه من الآيات العظيمة في تلك الليلة بل هو صادق ولكن تعلمون أن المشركين كذبوه وقالوا : كيف يمكن أن يصل إلى بيت المقدس ويعرج إلى السماء في ليلة واحدة ؟ ولهذا قال : (( أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى )) والاستفهام هنا للإنكار والتعجب ومعنى تمارونه أي : تجادلونه بقصد الغلبة ولهذا عداها بعلى دون في يعني لم يقل : أفتمارونه في ما يرى بل قال : (( عَلَى مَا يَرَى )) إشارة إلى أن الفعل ضُمن معنى المغالبة يعني أفتجادلونه تريدون أن تغلبوه (( عَلَى مَا يَرَى )) أي : على شيءٍ رآه ولكنه عبر عن الماضي بالمضارع إشارة إلى استحضار هذا الشيء وأنه عليه الصلاة والسلام حين أخبر به كأنما يراه الآن لأن الإنسان إذا حدث عن ماض فربما يقول قائل : لعله نسي فأخطأ لكن إذا عُبر بالمضارع صار كأنه إيه كأنه يتحدث عن شيءٍ هو يشاهده (( أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى )) المعنى على ما يرى الآن ولا على ما رأى من قبل ولكن عبر عما رأى من قبل بالمضارع ؟ الثاني وانتبهوا لهذه النكتة العظيمة وأعني بالنكتة يعني الحكمة البالغة حيث تكون تعبيرات القرآن الكريم إذا عبر بخلاف ما يتوقع فلا بد أن يكون هناك حكمة تظهر للمتأمل (( أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى )) رآه الفاعل محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمفعول به جبريل أي : رأى محمد جبريل (( نَزْلَةً أُخْرَى )) أي : مرة حين نزل مرة أخرى حين نزل فما هي المرة الأولى ؟ المرة الأولى رأى الرسول عليه الصلاة والسلام جبريل وهو في غار حراء رآه على خلقته التي كان عليها أتدرون كيف رآه ؟ رآه وله ستمائة جناح قد سد الأفق وهذا يدل على عظمته كل الأفق اللي حول الرسول عليه الصلاة والسلام في حراء انسد من أجنحة هذا الملك الكريم ولهذا وصفه الله بأنه ذو قوة (( ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ )) وبأنه ذو مرة أي : هيئة حسنة كما سبق في هذه السورة فرآه مرة في الأرض ومرة في أفق السماء في الأرض في أي مكان ؟ وهو في غار حراء أما في السماء ففوق السماء فتارة رآه من تحت السماء من فوق الأرض وتارة من فوق السماء ولهذا قال : (( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى )) نزلة أي : مرة أخرى
(( عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى )) رآه عند السدرة والسدرة معروفة في الأرض شجرة السدر لكن السدرة التي في السماء السابعة ليست كصفة السدرة التي في الدنيا نبقها كقلال هجر وأوراقها كآذان الفيلة فهي شجرة عظيمة وسميت شجرة سدرة المنتهى سميت سدرة المنتهى لأنه ينتهي إليها كل صاعد من الأرض وينتهي إليها كل نازل من عند الله عز وجل فهي منتهى من الطرفين : الطرف الأول الأخ اللي على يمينك الطرف الأول اللي جنبك الطرف الأول آه وين رايح ؟ تفكر أنت إي نعم .
السائل : الطرف الأول في الأرض .
الشيخ : ما يصعد من الأرض إلى السماء ينتهي عند هذه السدرة وما ينزل من الرب عز وجل وما ينزل من الرب .
السائل : ما ينزل من عند الله .
الشيخ : نعم ينتهي بهذه السدرة وما يصعد من الأرض ينتهي إليها أيضا فهي منتهى من الطرفين قال تعالى : (( عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى )) إذًا الجنة فوق السماء السابعة لأن إذا كانت السدرة فوق السماء السابعة وكانت الجنة عندها ماذا يكون ؟ يلزم أن تكون الجنة فوق السماء السابعة وهو كذلك وأعلاها وأوسطها الفردوس جعلنا الله وإياكم من أهلها التي فوقها عرش الرحمن جل وعلا ولهذا قال تعالى : (( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ )) وعليين مبالغة في العلو يعني في أعلى شيء المهم أن الله يقول : (( عِنْدَهَا )) أي : عند هذه السدرة (( جَنَّةُ الْمَأْوَى )) المأوى يعني المصير ومأوى من ؟ مأوى من جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح هي مأواهم يأوون إليها ويخلدون فيها وأما النار فهي مثوى الكافرين والعياذ بالله وفي هذا دليل واضح على أن غاية الخلائق الجن والإنس إما إلى الجنة وإما إلى النار ولا ثالث لهما فالجن والإنس إما في النار وإما في الجنة قال السفاريني رحمه الله في عقيدته :
" وكل إنسان وكل جنة في دار *** نار أو نعيم جنة "
ما في دار غير هذا طيب القبور مثوى ومأوى ؟ لا نعم لا ما هي مثوى ولا للموتى أيضا لأن القبور ممر ومعبر إذ أن وراء القبور بعث ويذكر أن بعض الأعراب البادية سمع قارئا يقول يقرأ قول الله تعالى : (( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ )) فقال الأعرابي بفطرته وعربيته : " والله ما الزائر بمقيم وإن وراء ذلك شيئا " ويش معنى الزائر ليس بمقيم ؟ قولوا
الطالب : ...
الشيخ : الزائر يزور ويمشي أيضا القبور يمكث الناس فيها ما شاء الله أن يمكثوا ثم يخرجون منها قال الله تعالى : (( وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) قال الله تعالى : (( وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) فالناس لا بد أن يبعثوا والعبارة التي نسمعها أو نقرؤها أحياناً " أن الرجل حملوه إلى مثواه الأخير " يعني إلى المقبرة عبارة غير صحيحة ليش ؟ لأن القبور ليست المثوى الأخير ولو كان قائلها يعتقد معناها لكان لازم ذلك أن ينكر البعث
(( عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى )) السدرة ما هي ؟ أي سدرة هي ؟ سدرة المنتهى لأنه قال بالأول : (( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى )) ثم قال : (( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ )) وأل في مثل هذه العبارة تسمى عند النحويين أل للعهد الذكري كقوله تعالى : (( كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ )) (( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ )) يعني سدرة المنتهى (( مَا يَغْشَى )) أبهم الله ذلك للتفخيم والتعظيم يعني غشاها شيء عظيم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إنه غشيها من الحسن والبهاء ما لا يستطيع أحد أن يصفه ) سبحان الله العظيم (( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى )) نظير ذلك في الإبهام للتعظيم قول الله تبارك وتعالى : (( فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ )) أي : غطاهم من ماء البحر ما غطاهم وهو شيء عظيم هذا أيضاً (( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى )) أي : غشيها شيء عظيم بأمر الله عز وجل بلحظة كن فيكون
(( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى )) البصر بصر من ؟ بصر النبي صلى الله عليه وسلم (( وَمَا طَغَى )) يقول العلماء : زاغ أي : انحرف يمينا وشمالا طغى : أي : تجاوز أمامه فهمت يعني الرسول عليه الصلاة والسلام كان على كمال الأدب في هذا المقام العظيم لم يلتفت يمينا وشمالا ولم يتقدم بصره أكثر مما أذن له فيه وهذا من كمال أدبه عليه الصلاة والسلام جرت العادة أن الإنسان إذا دخل منزلاً غريباً تجده ينظر يمينا وشمالا ويش هذا المنزل ؟ خصوصا إذا تغير تغيرا عظيما في هذه اللحظة لا بد أن ينظر ما الذي حدث ؟ لكن لكمال أدب النبي صلى الله عليه وسلم ورباطة جأشه صلوات الله وسلامه عليه وتحمله ما لا يتحمله بشر سواه صار في هذا الأدب العظيم (( مَا زَاغَ الْبَصَرُ )) بصر من ؟
الطالب : الرسول
الشيخ : الرسول صلى الله عليه وسلم أي : ما انحرف يمينا ولا شمالا، ما التفيت يمينا ولا شمالا (( وَمَا طَغَى )) ما تجاوز أمامه بل كان على غاية من كمال الأدب عليه الصلاة والسلام ولهذا قال الله عنه : (( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ))
ثم قال عز وجل : (( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى )) رأى من ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم (( لَقَدْ رَأَى )) وأنت أخي المسلم القارئ للقرآن يمر بك مثل هذا التعبير دائما (( لَقَدْ رَأَى )) (( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )) (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ )) إلى آخره كثير من الأمثلة هذه الجملة يقول العلماء : إنها مؤكدة بأنواع ثلاثة من المؤكدات : الأول : قسم مقدر والثاني : اللام والثالث : قد لأن معنى (( وَلَقَدْ )) معناه والله لقد والله لقد فتكون جملة مؤكدة بإيش ؟ الأخ ؟ كم ؟
السائل : ثلاثة
الشيخ : وهي
السائل : القسم
الشيخ : القسم واللام وقد والقسم مقدر لكن دل عليه السياق ورأى يعني النبي صلى الله عليه وسلم
(( مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى )) الآية هي العلامة المخصصة لمدلولها التي لا يشركه فيها أحد وإلا لم تكن علامة يعني لم تكن آية فالآية لا بد أن تكون خاصة بمدلولها فليس كل علامة آية بل هي التي تختص بمدلولها فهذا الذي رآه النبي عليه الصلاة والسلام من آيات الله كبير عظيم وقوله : (( الْكُبْرَى )) قيل : إنها مفعول ثاني لرأى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الآية الْكُبْرَى
وقيل : إن الكبرى صفة لآيات والمعنى أنه رأى من آيات الله الكبيرة والثاني أصح وأقرب يعني أنه رأى من الآيات الكبرى ما رأى وليس ما رآه أكبر شيء بل قد يكون هناك شيء أكبر ما نعلمه
والحاصل أن الرسول رأى في هذا المعراج رأى من آيات الله الكبيرة ما لم يكن يراه من قبل وما لا يستطيع الصبر عليه أحد من البشر نحن لو رأينا سرادقا عظيما لملك من الملوك لانبهرنا وتعجبنا وجعلنا نلتفت يمينا وشمالا لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتغير عقله ولا اتزانه بل كان على أكمل ما يكون من الاتزان وإلا فقد أسري به من المسجد الحرام من الحجر عند الكعبة والحجر من الكعبة أسري به من ذلك المكان إلى بيت المقدس مسيرة شهر أو شهرين شهرين في لحظة لأنه ركب على البراق والبراق دابة عظيمة قوية سريعة خطوته مد بصره وسريع جدا وصل إلى هناك وصلى بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء والسماء ويش بعدها عن الأرض ؟ بعيدة جدا ثم من سماء إلى سماء وهو تتلقاه الملائكة تسأل من معك ؟ تقول لجبريل : من معك ؟ يقول : محمد هل أرسل إليه ؟ يقول : نعم ثم يسلم على بعض من في السماوات من الأنبياء ثم تفرض عليه الصلاة ويتردد بين الله وموسى كل هذا وهو ثابت الجأش عليه الصلاة والسلام وهذا شيء حقيقي هو بنفسه عليه الصلاة والسلام صعد ولهذا لما جاء وحدث الناس من الغد أنكرته قريش لأنها تنكر ما لا يمكن في عقلها وإنكار ما لا يمكن في العقل ليس خاصا بكفار قريش بل حتى فيمن ينتسب لهذه الأمة أنكروا من صفات الله ما لا تدركه عقولهم أليس كذلك ؟ في أناس ينتسبون للأمة الإسلامية وهم من أهلها أنكروا شيئا من صفات الله أثبتها الله لنفسه لأنه على زعمهم لا يمكن في العقل قريش أنكرت هذا المعراج أرأيتم لو كان مناما هل تنكره قريش ؟ ما تنكره، لأن المنامات يكون فيها مثل هذا لكنه أمر حسي حقيقي أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام بجسده وعرج به في ليلة واحدة وحصل هذا كل هذه الأمور اللي حصلت ثم عاد إلى الأرض وصلى الفجر في مكة .
(( عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى )) رآه عند السدرة والسدرة معروفة في الأرض شجرة السدر لكن السدرة التي في السماء السابعة ليست كصفة السدرة التي في الدنيا نبقها كقلال هجر وأوراقها كآذان الفيلة فهي شجرة عظيمة وسميت شجرة سدرة المنتهى سميت سدرة المنتهى لأنه ينتهي إليها كل صاعد من الأرض وينتهي إليها كل نازل من عند الله عز وجل فهي منتهى من الطرفين : الطرف الأول الأخ اللي على يمينك الطرف الأول اللي جنبك الطرف الأول آه وين رايح ؟ تفكر أنت إي نعم .
السائل : الطرف الأول في الأرض .
الشيخ : ما يصعد من الأرض إلى السماء ينتهي عند هذه السدرة وما ينزل من الرب عز وجل وما ينزل من الرب .
السائل : ما ينزل من عند الله .
الشيخ : نعم ينتهي بهذه السدرة وما يصعد من الأرض ينتهي إليها أيضا فهي منتهى من الطرفين قال تعالى : (( عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى )) إذًا الجنة فوق السماء السابعة لأن إذا كانت السدرة فوق السماء السابعة وكانت الجنة عندها ماذا يكون ؟ يلزم أن تكون الجنة فوق السماء السابعة وهو كذلك وأعلاها وأوسطها الفردوس جعلنا الله وإياكم من أهلها التي فوقها عرش الرحمن جل وعلا ولهذا قال تعالى : (( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ )) وعليين مبالغة في العلو يعني في أعلى شيء المهم أن الله يقول : (( عِنْدَهَا )) أي : عند هذه السدرة (( جَنَّةُ الْمَأْوَى )) المأوى يعني المصير ومأوى من ؟ مأوى من جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح هي مأواهم يأوون إليها ويخلدون فيها وأما النار فهي مثوى الكافرين والعياذ بالله وفي هذا دليل واضح على أن غاية الخلائق الجن والإنس إما إلى الجنة وإما إلى النار ولا ثالث لهما فالجن والإنس إما في النار وإما في الجنة قال السفاريني رحمه الله في عقيدته :
" وكل إنسان وكل جنة في دار *** نار أو نعيم جنة "
ما في دار غير هذا طيب القبور مثوى ومأوى ؟ لا نعم لا ما هي مثوى ولا للموتى أيضا لأن القبور ممر ومعبر إذ أن وراء القبور بعث ويذكر أن بعض الأعراب البادية سمع قارئا يقول يقرأ قول الله تعالى : (( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ )) فقال الأعرابي بفطرته وعربيته : " والله ما الزائر بمقيم وإن وراء ذلك شيئا " ويش معنى الزائر ليس بمقيم ؟ قولوا
الطالب : ...
الشيخ : الزائر يزور ويمشي أيضا القبور يمكث الناس فيها ما شاء الله أن يمكثوا ثم يخرجون منها قال الله تعالى : (( وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) قال الله تعالى : (( وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )) فالناس لا بد أن يبعثوا والعبارة التي نسمعها أو نقرؤها أحياناً " أن الرجل حملوه إلى مثواه الأخير " يعني إلى المقبرة عبارة غير صحيحة ليش ؟ لأن القبور ليست المثوى الأخير ولو كان قائلها يعتقد معناها لكان لازم ذلك أن ينكر البعث
(( عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى )) السدرة ما هي ؟ أي سدرة هي ؟ سدرة المنتهى لأنه قال بالأول : (( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى )) ثم قال : (( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ )) وأل في مثل هذه العبارة تسمى عند النحويين أل للعهد الذكري كقوله تعالى : (( كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ )) (( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ )) يعني سدرة المنتهى (( مَا يَغْشَى )) أبهم الله ذلك للتفخيم والتعظيم يعني غشاها شيء عظيم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إنه غشيها من الحسن والبهاء ما لا يستطيع أحد أن يصفه ) سبحان الله العظيم (( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى )) نظير ذلك في الإبهام للتعظيم قول الله تبارك وتعالى : (( فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ )) أي : غطاهم من ماء البحر ما غطاهم وهو شيء عظيم هذا أيضاً (( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى )) أي : غشيها شيء عظيم بأمر الله عز وجل بلحظة كن فيكون
(( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى )) البصر بصر من ؟ بصر النبي صلى الله عليه وسلم (( وَمَا طَغَى )) يقول العلماء : زاغ أي : انحرف يمينا وشمالا طغى : أي : تجاوز أمامه فهمت يعني الرسول عليه الصلاة والسلام كان على كمال الأدب في هذا المقام العظيم لم يلتفت يمينا وشمالا ولم يتقدم بصره أكثر مما أذن له فيه وهذا من كمال أدبه عليه الصلاة والسلام جرت العادة أن الإنسان إذا دخل منزلاً غريباً تجده ينظر يمينا وشمالا ويش هذا المنزل ؟ خصوصا إذا تغير تغيرا عظيما في هذه اللحظة لا بد أن ينظر ما الذي حدث ؟ لكن لكمال أدب النبي صلى الله عليه وسلم ورباطة جأشه صلوات الله وسلامه عليه وتحمله ما لا يتحمله بشر سواه صار في هذا الأدب العظيم (( مَا زَاغَ الْبَصَرُ )) بصر من ؟
الطالب : الرسول
الشيخ : الرسول صلى الله عليه وسلم أي : ما انحرف يمينا ولا شمالا، ما التفيت يمينا ولا شمالا (( وَمَا طَغَى )) ما تجاوز أمامه بل كان على غاية من كمال الأدب عليه الصلاة والسلام ولهذا قال الله عنه : (( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ))
ثم قال عز وجل : (( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى )) رأى من ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم (( لَقَدْ رَأَى )) وأنت أخي المسلم القارئ للقرآن يمر بك مثل هذا التعبير دائما (( لَقَدْ رَأَى )) (( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )) (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ )) إلى آخره كثير من الأمثلة هذه الجملة يقول العلماء : إنها مؤكدة بأنواع ثلاثة من المؤكدات : الأول : قسم مقدر والثاني : اللام والثالث : قد لأن معنى (( وَلَقَدْ )) معناه والله لقد والله لقد فتكون جملة مؤكدة بإيش ؟ الأخ ؟ كم ؟
السائل : ثلاثة
الشيخ : وهي
السائل : القسم
الشيخ : القسم واللام وقد والقسم مقدر لكن دل عليه السياق ورأى يعني النبي صلى الله عليه وسلم
(( مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى )) الآية هي العلامة المخصصة لمدلولها التي لا يشركه فيها أحد وإلا لم تكن علامة يعني لم تكن آية فالآية لا بد أن تكون خاصة بمدلولها فليس كل علامة آية بل هي التي تختص بمدلولها فهذا الذي رآه النبي عليه الصلاة والسلام من آيات الله كبير عظيم وقوله : (( الْكُبْرَى )) قيل : إنها مفعول ثاني لرأى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الآية الْكُبْرَى
وقيل : إن الكبرى صفة لآيات والمعنى أنه رأى من آيات الله الكبيرة والثاني أصح وأقرب يعني أنه رأى من الآيات الكبرى ما رأى وليس ما رآه أكبر شيء بل قد يكون هناك شيء أكبر ما نعلمه
والحاصل أن الرسول رأى في هذا المعراج رأى من آيات الله الكبيرة ما لم يكن يراه من قبل وما لا يستطيع الصبر عليه أحد من البشر نحن لو رأينا سرادقا عظيما لملك من الملوك لانبهرنا وتعجبنا وجعلنا نلتفت يمينا وشمالا لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتغير عقله ولا اتزانه بل كان على أكمل ما يكون من الاتزان وإلا فقد أسري به من المسجد الحرام من الحجر عند الكعبة والحجر من الكعبة أسري به من ذلك المكان إلى بيت المقدس مسيرة شهر أو شهرين شهرين في لحظة لأنه ركب على البراق والبراق دابة عظيمة قوية سريعة خطوته مد بصره وسريع جدا وصل إلى هناك وصلى بالأنبياء ثم عرج به إلى السماء والسماء ويش بعدها عن الأرض ؟ بعيدة جدا ثم من سماء إلى سماء وهو تتلقاه الملائكة تسأل من معك ؟ تقول لجبريل : من معك ؟ يقول : محمد هل أرسل إليه ؟ يقول : نعم ثم يسلم على بعض من في السماوات من الأنبياء ثم تفرض عليه الصلاة ويتردد بين الله وموسى كل هذا وهو ثابت الجأش عليه الصلاة والسلام وهذا شيء حقيقي هو بنفسه عليه الصلاة والسلام صعد ولهذا لما جاء وحدث الناس من الغد أنكرته قريش لأنها تنكر ما لا يمكن في عقلها وإنكار ما لا يمكن في العقل ليس خاصا بكفار قريش بل حتى فيمن ينتسب لهذه الأمة أنكروا من صفات الله ما لا تدركه عقولهم أليس كذلك ؟ في أناس ينتسبون للأمة الإسلامية وهم من أهلها أنكروا شيئا من صفات الله أثبتها الله لنفسه لأنه على زعمهم لا يمكن في العقل قريش أنكرت هذا المعراج أرأيتم لو كان مناما هل تنكره قريش ؟ ما تنكره، لأن المنامات يكون فيها مثل هذا لكنه أمر حسي حقيقي أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام بجسده وعرج به في ليلة واحدة وحصل هذا كل هذه الأمور اللي حصلت ثم عاد إلى الأرض وصلى الفجر في مكة .
اضيفت في - 2005-08-27