سلسلة لقاء الباب المفتوح-172a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة لقاء الباب المفتوح
تفسير الآيات ( 30 - 32 ) من سورة النجم .
الشيخ : نبتدئ هذا اللقاء بما كنا نعتاده من تفسير كلام الله عز وجل وإني أحثكم على الحرص على تدبر القرآن ومعرفة معناه لأنه إنما نزل لهذا قال الله تبارك وتعالى : (( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ))
في ما كنا نتكلم عليه انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى : (( ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ )) في سورة النجم أي : (( ذَلِكَ )) والمشار إليه كونهم متولين معرضين لا يريدون إلا الحياة الدنيا يعني ذلك منتهى بلوغ علمهم لأن علمهم قاصر لا ينظرون إلى المستقبل ولا يصدقون بخبر فتجد أكبر همهم أن يصلحوا حالهم في الدنيا معرضين عن حالهم في الآخرة (( ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ )) وفي الدعاء المأثور : ( اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ) ثم قال عز وجل : (( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى )) هو أعلم عز وجل بمن ضل عن سبيله فعلا ومن سيضل لأنه عالم بما كان وما يكون فقوله : (( بِمَنْ ضَلَّ )) لا تعني أنه لا يعلم إلا من حصل منه الضلال بالفعل بل هو يعلم من حصل منه الضلال بالفعل ومن سيحصل منه لأن الله سبحانه وتعالى موصوف بالعلم التام في الحاضر والمستقبل والماضي وقوله : (( وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى )) ضد الضلال فالناس بين فئتين : إما مهتدي وإما ضال وإنما بين الله سبحانه وتعالى أنه (( أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى )) لفائدتين :
الفائدة الأولى : أن نعلم أن ما وقع من الضلال والهداية فهو صادر عن علم الله وبإرادته إذ لا يمكن أن يوجد في خلقه خلاف معلومه واضح؟ لا يمكن أن يوجد في خلقه خلاف معلومه لو قدر أن يوجد في خلقه خلاف معلومه لكان الله جاهلا وحاشاه من ذلك .
الفائدة الثانية : التحذير من الضلال والترغيب بالاهتداء ما دام أن الإنسان يعلم أن أي عمل صدر منه فعلمه عند الله فإنه سوف يخشى أن يعصي الله وسوف يرضى أن يرضي الله عز وجل
فإذًا الفائدة أمران : الأولى الأخ .
السائل : أن لا يحصل شيء في الكون إلا بعلم الله سبحانه وتعالى .
الشيخ : والثانية الله يهديك .
السائل : التحذير من الضلال والترغيب في الهداية .
الشيخ : الترغيب في الهداية أو في الاهتداء والترهيب من الضلال يعني كأنه يقول : إن ضللت فالله عالم بك وإن اهتديت فالله عالم بك فيجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى (( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى )) ثم قال الله تبارك وتعالى : (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )) يقول علماء البلاغة : إنه إذا تقدم شيء حقه التأخير فهو دليل على الحصر والتخصيص فلننظر في هذه الآية هل فيها تأخير وتقديم ؟ (( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )) (( لِلَّهِ )) خبر مقدم و(( مَا فِي السَّمَاوَاتِ )) مبتدأ مؤخر إذًا قدم فيها ما حقه التأخير وهو الخبر لأن حق الخبر أن يكون متأخرا عن المبتدأ تقول : الرجل قائم ولا تقل : قائم الرجل فالأصل أن المبتدأ على اسمه يكون هو الأول والخبر هو الثاني لكن أحياناً يقدم الخبر لفائدة فهنا الفائدة : (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ )) الفائدة الحصر يا إخواني الحصر يعني لله لا لغيره (( مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )) ولا أحد يملك ما في السماوات وما في الأرض إلا الله تبارك وتعالى نحن نملك ما نملك من أموالنا لكن هل ملكنا عام ؟ ليس عاماً حقيبتي ليست حقيبة لك وحقيبتك ليست حقيبة لي فأملاكنا ليست عامة ثم هل نحن نملك التصرف بما هو ملكنا كما نشاء ؟ لا تصرفنا محدود حسب الشريعة ولهذا لو تراضى اثنان في بيع الربا قلنا : إنكما لا تملكان ذلك لو أراد الإنسان أن يحرق ماله قلنا : هذا ممنوع إذًا ملك غير الله قاصر غير شامل وملك غير الله قاصر حتى بالتصرف الواحد منا لا يملك أن يتصرف في ماله كما يشاء لأن تصرفنا في المال الأخ آه .
السائل : قاصر
الشيخ : نعم
السائل : تصرفنا قاصر .
الشيخ : تصرفنا في المال محدود حسب ما جاءت به الشريعة إذًا الملك التام الواسع الشامل لمن ؟ لله عز وجل ولهذا قال : (( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )) فهو مالك لذواتهما مالك لما فيهما أيضاً وكم من ملك في السماوات ؟ كم من مخلوق في الأرض ؟ كله ملك لله عز وجل يتصرف فيه كما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته وإيماننا بهذا يا إخواننا إيماننا بأن لله ملك السماوات والأرض يفيد أيضا فائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى : الرضا بقضاء الله وأن الله عز وجل لو قضى عليك مرضا لا تعترض لو قضى عليك فقرا لا تعترض لماذا ؟ لأنك ملكه يتصرف فيك كما يشاء فهو كما يتصرف في السحاب يمطر أو لا يمطر يمضي أو لا يمضي ويتصرف في الشمس والقمر ويتصرف في المخلوقات يتصرف فيك أيضاً كما يشاء إن شاء أعطاك صحة وإن شاء سلبها إن شاء أعطاك عقلا وإن شاء سلبك إن شاء أعطاك مالا وإن شاء سلبك أنت ملكه فإذا آمنت بهذا رضيت بقضائه
كذلك أيضا الفائدة الثانية : الرضا بشرعه وقبول شرعه والقيام به لأنك ملكه قال لك : افعل افعل قال : لا تفعل لا تفعل أرأيت لو كان لك ملك عبد رقيق فأمرته ولكنه لم يفعل هل تعتقد أن سيادتك تامة عليه ؟ لا أو نهيته ففعل فالسيادة ناقصة إذًا أنت إذا عصيت ربك إما بفعل المحرم وإما بترك الواجب فإنك خرجت عن مقتضى العبودية التامة لأن مقتضى العبودية التامة إيش ؟ أن تخضع لشرعه كما أنك خاضع كرهاً أو طائعا لقضائه وقدره انتبه يا أخي ليس معنى قوله تعالى : (( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )) أن يخبرنا أنه مالك فقط لكن لأجل أن نعتقد مقتضى هذا الملك وما هو مقتضاه ؟ الرضا بقضائه والرضا بشرعه هذا حقيقة الملك (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) شوف جاءت كلمة (( لِيَجْزِيَ )) يعني كأن قائلا يقول : وإذا تبين أن الملك لله عز وجل فما النتيجة ؟ النتيجة أن الناس بين محسن وبين مسيء كما قال عز وجل : (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ )) إذا كانوا بين محسن ومسيء فما جزاء كل واحد ؟ (( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا )) الحمد لله (( الَّذِينَ أَسَاءُوا )) وهم الذين خالفوا المأمور أو ارتكبوا المحذور هذا الضابط الذين أساؤوا أي امشوا
الطالب : خالفوا المأمور
الشيخ : خالفوا المأمور أو فعلوا المحظور هؤلاء أساؤوا ليجزيهم بما عملوا السيئة بالسيئة لا تزيد أو يعفو عز وجل عمن يستحق العفو وهو كل من مات على غير الشرك مستحق للعفو (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) المهم أنه لا يمكن أن يزيد سيئة لم يعملها الإنسان ولهذا قال : (( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا )) بإيش ؟ (( بِمَا عَمِلُوا )) بدون زيادة (( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) ولم يقل : بما عملوا لأن فضل الله أوسع من أعمالهم (( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) أنت إذا فعلت حسنة فكم تكون ؟ عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة
انظر الآن نضرب مثلا قريبا صلاة الظهر باقي عليها ثلث ساعة مثلا عندما تتوضأ وتسبغ الوضوء ثم تخرج إلى الصلاة لا يخرجك من بيتك إلا الصلاة فما الثمرات التي تحصل عليها ؟ كل خطوة تخطوها يرفع الله لك بها درجة ويحط عنك بها خطيئة كم خطواتك ؟ لا يحصيها إلا الله عز وجل مع أن المقصود شيء واحد وهو الصلاة لكن سعيك إلى الصلاة فيه أجر ما دمت خرجت من بيتك لا يخرجك إلا الصلاة وتأهبت في بيتك أسبغت الوضوء في بيتك فأنت لا تخطو خطوة إلا رفع الله لك بها درجة وحط عنك بها خطيئة أحص الخطوات لا يحصيها إلا الله ثم إذا وصلت المسجد وصليت ما شاء الله ثم انتظرت الصلاة ولو تأخر مجيء الإمام وصلاة الجماعة يكتب لك أجر المصلي ( لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ) أليس هذا أحسن من أعمالنا ؟ بلى ولهذا قال : (( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) أي : بما هو أحسن وأكثر من عملهم وهذا يدلك على سعة فضل الله عز وجل وإحسانه وكمال عدله فالمسيئون يجازيهم بالعدل أو يعفو والمحسنون يجازيهم بالفضل يجازيهم بالفضل
قال : (( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) ثم ذكر شيئا من أوصافهم فقال : (( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ )) (( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ )) أي : يبتعدون عنها وسمي الابتعاد اجتناباً لأن الإنسان يقع في جانب والذي أبعد عنه يقع في جانب آخر فيبعدون ولا يتصلون بكبائر الإثم والفواحش (( إِلَّا اللَّمَمَ )) طيب كبائر الإثم هي الكبيرة لأن كبائر جمع كبيرة والكبيرة بعض العلماء عدها وبعض العلماء حدها والصواب الحد أي : أنها محدودة وليست معدودة والذين ذكروها عدا الظاهر والله أعلم أنهم أرادوا المثال فمثلا إذا قال الإنسان هي الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات وأكل الربا وأكل مال اليتيم هذه سبع إذا قال الإنسان : هذه الكبائر ليس معنى قوله : إنها محصورة في هذا إذ من الممكن أن يحمل كلامه على أن ذلك على سبيل التمثيل فقط أما الذين حدوها يعني جعلوا لها ضابطاً يعني ما تعد واحد اثنين ثلاثة أربعة لا ضابط قالوا في ضابطها : "كل ذنب رتب الله عليه لعنة أو غضب أو سخط أو تبرأ منه أو ما أشبه ذلك فهو كبيرة " ورأيت لبعضهم ومنهم شيخ الإسلام رحمه الله أنه قال : " كل ذنب جعلت له عقوبة خاصة فهو كبيرة " " كل ذنب جعلت له عقوبة خاصة إما في الدنيا أو في الآخرة فهو كبيرة " على هذا الزنا فيه عقوبة وهو الجلد أو الرجم، السرقة كبيرة قطع الطريق كبيرة عقوق الوالدين كبيرة وهلم جرا كلما رأيت شيئا من الذنوب جعل الشارع له عقوبة خاصة فهو كبيرة أما الذنب الذي نهي عنه فقط فهو صغيرة كنظر الرجل مثلا للأجنبية لشهوة هذا ليس كبيرة هو صغيرة من الصغائر لكن إن أصر الإنسان عليه وصار هذا ديدنه صار كبيرة بالإصرار لا بالفعل مكالمة المرأة على وجه التلذذ حرام وليس بكبيرة ولكن إذا أصر الإنسان عليه وصار ليس له هم إلا أن يشغل الهاتف على هؤلاء النساء ويتحدث إليهن صار كبيرة فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة من حيث الإصرار لأن إصراره على الصغيرة يدل على تهاونه بالله عز وجل وأنه غير مبال بما حرم الله إذًا كبائر الإثم كل ذنب رتب الشارع عليه عقوبة خاصة إما في الدنيا وإما في الآخرة وأما ما حرمه وسكت ولم يذكر له عقوبة خاصة بل دخل في العموم فهذا من الصغائر ولكن الصغائر إذا أصر عليها صارت كبيرة من حيث الإصرار طيب وقوله : (( وَالْفَوَاحِشَ )) هذه كبائر الكبائر لأن الكبائر منها ما هو فاحش يستفحش ويستعظم ويستقبح بشدة ومنها ما هو دون ذلك فمثلا الزنا فاحشة أو لا ؟
الطالب : فاحشة
الشيخ : فاحشة (( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً )) اللواط فاحشة أعظم من الزنا لأن الله قال في الزنا : (( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً )) وقال في اللواط لوط لقومه : (( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ )) فأتى بأل الدالة على القبح وأنها جامعة لكل أنواع الفواحش الفاحشة ، نكاح المحارم فاحشة قال الله تعالى : (( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً )) فهو أشد من الزنا يعني لو زنا الإنسان بامرأة أجنبية منه وبأم زوجته مثلا صار الثاني أعظم وأشد وأشنع ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء : أن من زنا بامرأة من محارمه وإن لم يكن محصناً فإنه يرجم يعني الزنا بذوات المحارم ما فيه جلد ما فيه إلا الرجم لأن الله فرق بين الزنا وبين نكاح ذوات المحارم نكاح ذوات المحارم وصفه بوصفين : (( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً )) والزنا وصفه بواحد وهو (( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً )) وجاءت السنة بالتفريق بينهما أي : بين من زنا بامرأة من محارمه أو بامرأة أجنبية فجعلت حد الأول القتل بكل حال وإن لم يتزوج وإن لم يكن ثيباً لأن هذا أعظم والعياذ بالله إنسان بيزني بأمه ولا أخته ولا أم زوجته ولا بنت زوجته التي دخل بها هذا فاحشة عظيمة
إذًا (( يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ )) قلنا : الفواحش كبائر الكبائر أعظم طيب هل نأخذ من هذه الآية أن الكبائر تختلف والفواحش تختلف ؟ نعم نأخذ من الآية أنها تختلف لأن الكبائر وصف كلما كان أعظم صار أشد كبيرة والفواحش كذلك ولهذا الآن أنتم سمعتم (( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً )) (( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً )) (( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ )) فرق الله مع أنها كلها فواحش لكن بعضها أعظم من بعض
(( إِلَّا اللَّمَمَ )) قوله : (( إِلَّا اللَّمَمَ )) قيل : إنه استثناء متصل وقيل : إنه استثناء منقطع لأن اللمم الشيء القليل الشيء القليل هذا اللمم فهل المعنى إلا الشيء القليل من الكبائر أي : أنهم يأتون الشيء القليل من الكبائر أو المعنى إلا اللمم إلا الصغار من الذنوب، الصغائر من الذنوب ؟ إن قلنا بالأول فالاستثناء متصل وإن قلنا بالثاني فالاستثناء منقطع وتكون إلا بمعنى لكن، والمعنى الثاني أقرب من حيث التقسيم لأن الله ذكر الكبائر والفواحش والصغائر وعلى هذا فيكون معنى : (( إِلَّا اللَّمَمْ )) يعني إلا أن هؤلاء الذين أحسنوا يأتون الصغائر والصغائر والحمد لله مكفرة بالحسنات مكفرة بالحسنات قال الله تعالى : (( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )) وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام : ( أن الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ) وعلى هذا فيكون المعنى أن الصغائر تقع مكفرة إما باجتناب الكبائر أو باجتناب الكبائر مضموماً إليها فعل هذه الحسنات العظيمة الصلوات الخمس الجمعة إلى الجمعة رمضان إلى رمضان
والخلاصة: الصغائر تقع مغفوراً للإنسان منها إذا اجتنب الكبائر وإذا أحسن في الصلوات الخمس والجمعة ورمضان
(( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )) في هذه الجملة إشارة إلى قوله : (( إِلَّا اللَّمَمْ )) يعني أن اللمم يقع في سعة مغفرة الله عز وجل فيغفره الله عز وجل والمغفرة هي ستر الذنب مع التجاوز عنه أن الله يستر عليك الذنب ويتجاوزه ولا يكفي ستر الذنب لا بد من تجاوز والدليل على هذا أمران : لغوي وسمعي: أما اللغوي: فلأن المغفرة مشتقة من المغفر المغفر وهو ما يوضع على الرأس عند القتال ويسمى خوذة ويسمى بيضة يوضع على الرأس علشان يتقي السهام هذا الذي وضع على الرأس جمع بين أمرين: الوقاية وإيش؟ والستر فإذًا المغفرة لا بد من ستر ووقاية
أما السمعي : فهو قوله تبارك وتعالى إذا خلا بعبده المؤمن يوم القيامة وقرره بذنوبه وأقر قال : ( قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) فدل هذا على أن الوقاية من الذنوب وعدم المؤاخذة من المغفرة نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولكم ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر إنه على كل شيء قدير .
في ما كنا نتكلم عليه انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى : (( ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ )) في سورة النجم أي : (( ذَلِكَ )) والمشار إليه كونهم متولين معرضين لا يريدون إلا الحياة الدنيا يعني ذلك منتهى بلوغ علمهم لأن علمهم قاصر لا ينظرون إلى المستقبل ولا يصدقون بخبر فتجد أكبر همهم أن يصلحوا حالهم في الدنيا معرضين عن حالهم في الآخرة (( ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ )) وفي الدعاء المأثور : ( اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ) ثم قال عز وجل : (( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى )) هو أعلم عز وجل بمن ضل عن سبيله فعلا ومن سيضل لأنه عالم بما كان وما يكون فقوله : (( بِمَنْ ضَلَّ )) لا تعني أنه لا يعلم إلا من حصل منه الضلال بالفعل بل هو يعلم من حصل منه الضلال بالفعل ومن سيحصل منه لأن الله سبحانه وتعالى موصوف بالعلم التام في الحاضر والمستقبل والماضي وقوله : (( وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى )) ضد الضلال فالناس بين فئتين : إما مهتدي وإما ضال وإنما بين الله سبحانه وتعالى أنه (( أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى )) لفائدتين :
الفائدة الأولى : أن نعلم أن ما وقع من الضلال والهداية فهو صادر عن علم الله وبإرادته إذ لا يمكن أن يوجد في خلقه خلاف معلومه واضح؟ لا يمكن أن يوجد في خلقه خلاف معلومه لو قدر أن يوجد في خلقه خلاف معلومه لكان الله جاهلا وحاشاه من ذلك .
الفائدة الثانية : التحذير من الضلال والترغيب بالاهتداء ما دام أن الإنسان يعلم أن أي عمل صدر منه فعلمه عند الله فإنه سوف يخشى أن يعصي الله وسوف يرضى أن يرضي الله عز وجل
فإذًا الفائدة أمران : الأولى الأخ .
السائل : أن لا يحصل شيء في الكون إلا بعلم الله سبحانه وتعالى .
الشيخ : والثانية الله يهديك .
السائل : التحذير من الضلال والترغيب في الهداية .
الشيخ : الترغيب في الهداية أو في الاهتداء والترهيب من الضلال يعني كأنه يقول : إن ضللت فالله عالم بك وإن اهتديت فالله عالم بك فيجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى (( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى )) ثم قال الله تبارك وتعالى : (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )) يقول علماء البلاغة : إنه إذا تقدم شيء حقه التأخير فهو دليل على الحصر والتخصيص فلننظر في هذه الآية هل فيها تأخير وتقديم ؟ (( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )) (( لِلَّهِ )) خبر مقدم و(( مَا فِي السَّمَاوَاتِ )) مبتدأ مؤخر إذًا قدم فيها ما حقه التأخير وهو الخبر لأن حق الخبر أن يكون متأخرا عن المبتدأ تقول : الرجل قائم ولا تقل : قائم الرجل فالأصل أن المبتدأ على اسمه يكون هو الأول والخبر هو الثاني لكن أحياناً يقدم الخبر لفائدة فهنا الفائدة : (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ )) الفائدة الحصر يا إخواني الحصر يعني لله لا لغيره (( مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )) ولا أحد يملك ما في السماوات وما في الأرض إلا الله تبارك وتعالى نحن نملك ما نملك من أموالنا لكن هل ملكنا عام ؟ ليس عاماً حقيبتي ليست حقيبة لك وحقيبتك ليست حقيبة لي فأملاكنا ليست عامة ثم هل نحن نملك التصرف بما هو ملكنا كما نشاء ؟ لا تصرفنا محدود حسب الشريعة ولهذا لو تراضى اثنان في بيع الربا قلنا : إنكما لا تملكان ذلك لو أراد الإنسان أن يحرق ماله قلنا : هذا ممنوع إذًا ملك غير الله قاصر غير شامل وملك غير الله قاصر حتى بالتصرف الواحد منا لا يملك أن يتصرف في ماله كما يشاء لأن تصرفنا في المال الأخ آه .
السائل : قاصر
الشيخ : نعم
السائل : تصرفنا قاصر .
الشيخ : تصرفنا في المال محدود حسب ما جاءت به الشريعة إذًا الملك التام الواسع الشامل لمن ؟ لله عز وجل ولهذا قال : (( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )) فهو مالك لذواتهما مالك لما فيهما أيضاً وكم من ملك في السماوات ؟ كم من مخلوق في الأرض ؟ كله ملك لله عز وجل يتصرف فيه كما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته وإيماننا بهذا يا إخواننا إيماننا بأن لله ملك السماوات والأرض يفيد أيضا فائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى : الرضا بقضاء الله وأن الله عز وجل لو قضى عليك مرضا لا تعترض لو قضى عليك فقرا لا تعترض لماذا ؟ لأنك ملكه يتصرف فيك كما يشاء فهو كما يتصرف في السحاب يمطر أو لا يمطر يمضي أو لا يمضي ويتصرف في الشمس والقمر ويتصرف في المخلوقات يتصرف فيك أيضاً كما يشاء إن شاء أعطاك صحة وإن شاء سلبها إن شاء أعطاك عقلا وإن شاء سلبك إن شاء أعطاك مالا وإن شاء سلبك أنت ملكه فإذا آمنت بهذا رضيت بقضائه
كذلك أيضا الفائدة الثانية : الرضا بشرعه وقبول شرعه والقيام به لأنك ملكه قال لك : افعل افعل قال : لا تفعل لا تفعل أرأيت لو كان لك ملك عبد رقيق فأمرته ولكنه لم يفعل هل تعتقد أن سيادتك تامة عليه ؟ لا أو نهيته ففعل فالسيادة ناقصة إذًا أنت إذا عصيت ربك إما بفعل المحرم وإما بترك الواجب فإنك خرجت عن مقتضى العبودية التامة لأن مقتضى العبودية التامة إيش ؟ أن تخضع لشرعه كما أنك خاضع كرهاً أو طائعا لقضائه وقدره انتبه يا أخي ليس معنى قوله تعالى : (( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )) أن يخبرنا أنه مالك فقط لكن لأجل أن نعتقد مقتضى هذا الملك وما هو مقتضاه ؟ الرضا بقضائه والرضا بشرعه هذا حقيقة الملك (( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) شوف جاءت كلمة (( لِيَجْزِيَ )) يعني كأن قائلا يقول : وإذا تبين أن الملك لله عز وجل فما النتيجة ؟ النتيجة أن الناس بين محسن وبين مسيء كما قال عز وجل : (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ )) إذا كانوا بين محسن ومسيء فما جزاء كل واحد ؟ (( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا )) الحمد لله (( الَّذِينَ أَسَاءُوا )) وهم الذين خالفوا المأمور أو ارتكبوا المحذور هذا الضابط الذين أساؤوا أي امشوا
الطالب : خالفوا المأمور
الشيخ : خالفوا المأمور أو فعلوا المحظور هؤلاء أساؤوا ليجزيهم بما عملوا السيئة بالسيئة لا تزيد أو يعفو عز وجل عمن يستحق العفو وهو كل من مات على غير الشرك مستحق للعفو (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) المهم أنه لا يمكن أن يزيد سيئة لم يعملها الإنسان ولهذا قال : (( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا )) بإيش ؟ (( بِمَا عَمِلُوا )) بدون زيادة (( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) ولم يقل : بما عملوا لأن فضل الله أوسع من أعمالهم (( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) أنت إذا فعلت حسنة فكم تكون ؟ عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة
انظر الآن نضرب مثلا قريبا صلاة الظهر باقي عليها ثلث ساعة مثلا عندما تتوضأ وتسبغ الوضوء ثم تخرج إلى الصلاة لا يخرجك من بيتك إلا الصلاة فما الثمرات التي تحصل عليها ؟ كل خطوة تخطوها يرفع الله لك بها درجة ويحط عنك بها خطيئة كم خطواتك ؟ لا يحصيها إلا الله عز وجل مع أن المقصود شيء واحد وهو الصلاة لكن سعيك إلى الصلاة فيه أجر ما دمت خرجت من بيتك لا يخرجك إلا الصلاة وتأهبت في بيتك أسبغت الوضوء في بيتك فأنت لا تخطو خطوة إلا رفع الله لك بها درجة وحط عنك بها خطيئة أحص الخطوات لا يحصيها إلا الله ثم إذا وصلت المسجد وصليت ما شاء الله ثم انتظرت الصلاة ولو تأخر مجيء الإمام وصلاة الجماعة يكتب لك أجر المصلي ( لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ) أليس هذا أحسن من أعمالنا ؟ بلى ولهذا قال : (( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) أي : بما هو أحسن وأكثر من عملهم وهذا يدلك على سعة فضل الله عز وجل وإحسانه وكمال عدله فالمسيئون يجازيهم بالعدل أو يعفو والمحسنون يجازيهم بالفضل يجازيهم بالفضل
قال : (( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )) ثم ذكر شيئا من أوصافهم فقال : (( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ )) (( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ )) أي : يبتعدون عنها وسمي الابتعاد اجتناباً لأن الإنسان يقع في جانب والذي أبعد عنه يقع في جانب آخر فيبعدون ولا يتصلون بكبائر الإثم والفواحش (( إِلَّا اللَّمَمَ )) طيب كبائر الإثم هي الكبيرة لأن كبائر جمع كبيرة والكبيرة بعض العلماء عدها وبعض العلماء حدها والصواب الحد أي : أنها محدودة وليست معدودة والذين ذكروها عدا الظاهر والله أعلم أنهم أرادوا المثال فمثلا إذا قال الإنسان هي الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات وأكل الربا وأكل مال اليتيم هذه سبع إذا قال الإنسان : هذه الكبائر ليس معنى قوله : إنها محصورة في هذا إذ من الممكن أن يحمل كلامه على أن ذلك على سبيل التمثيل فقط أما الذين حدوها يعني جعلوا لها ضابطاً يعني ما تعد واحد اثنين ثلاثة أربعة لا ضابط قالوا في ضابطها : "كل ذنب رتب الله عليه لعنة أو غضب أو سخط أو تبرأ منه أو ما أشبه ذلك فهو كبيرة " ورأيت لبعضهم ومنهم شيخ الإسلام رحمه الله أنه قال : " كل ذنب جعلت له عقوبة خاصة فهو كبيرة " " كل ذنب جعلت له عقوبة خاصة إما في الدنيا أو في الآخرة فهو كبيرة " على هذا الزنا فيه عقوبة وهو الجلد أو الرجم، السرقة كبيرة قطع الطريق كبيرة عقوق الوالدين كبيرة وهلم جرا كلما رأيت شيئا من الذنوب جعل الشارع له عقوبة خاصة فهو كبيرة أما الذنب الذي نهي عنه فقط فهو صغيرة كنظر الرجل مثلا للأجنبية لشهوة هذا ليس كبيرة هو صغيرة من الصغائر لكن إن أصر الإنسان عليه وصار هذا ديدنه صار كبيرة بالإصرار لا بالفعل مكالمة المرأة على وجه التلذذ حرام وليس بكبيرة ولكن إذا أصر الإنسان عليه وصار ليس له هم إلا أن يشغل الهاتف على هؤلاء النساء ويتحدث إليهن صار كبيرة فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة من حيث الإصرار لأن إصراره على الصغيرة يدل على تهاونه بالله عز وجل وأنه غير مبال بما حرم الله إذًا كبائر الإثم كل ذنب رتب الشارع عليه عقوبة خاصة إما في الدنيا وإما في الآخرة وأما ما حرمه وسكت ولم يذكر له عقوبة خاصة بل دخل في العموم فهذا من الصغائر ولكن الصغائر إذا أصر عليها صارت كبيرة من حيث الإصرار طيب وقوله : (( وَالْفَوَاحِشَ )) هذه كبائر الكبائر لأن الكبائر منها ما هو فاحش يستفحش ويستعظم ويستقبح بشدة ومنها ما هو دون ذلك فمثلا الزنا فاحشة أو لا ؟
الطالب : فاحشة
الشيخ : فاحشة (( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً )) اللواط فاحشة أعظم من الزنا لأن الله قال في الزنا : (( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً )) وقال في اللواط لوط لقومه : (( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ )) فأتى بأل الدالة على القبح وأنها جامعة لكل أنواع الفواحش الفاحشة ، نكاح المحارم فاحشة قال الله تعالى : (( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً )) فهو أشد من الزنا يعني لو زنا الإنسان بامرأة أجنبية منه وبأم زوجته مثلا صار الثاني أعظم وأشد وأشنع ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء : أن من زنا بامرأة من محارمه وإن لم يكن محصناً فإنه يرجم يعني الزنا بذوات المحارم ما فيه جلد ما فيه إلا الرجم لأن الله فرق بين الزنا وبين نكاح ذوات المحارم نكاح ذوات المحارم وصفه بوصفين : (( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً )) والزنا وصفه بواحد وهو (( إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً )) وجاءت السنة بالتفريق بينهما أي : بين من زنا بامرأة من محارمه أو بامرأة أجنبية فجعلت حد الأول القتل بكل حال وإن لم يتزوج وإن لم يكن ثيباً لأن هذا أعظم والعياذ بالله إنسان بيزني بأمه ولا أخته ولا أم زوجته ولا بنت زوجته التي دخل بها هذا فاحشة عظيمة
إذًا (( يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ )) قلنا : الفواحش كبائر الكبائر أعظم طيب هل نأخذ من هذه الآية أن الكبائر تختلف والفواحش تختلف ؟ نعم نأخذ من الآية أنها تختلف لأن الكبائر وصف كلما كان أعظم صار أشد كبيرة والفواحش كذلك ولهذا الآن أنتم سمعتم (( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً )) (( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً )) (( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ )) فرق الله مع أنها كلها فواحش لكن بعضها أعظم من بعض
(( إِلَّا اللَّمَمَ )) قوله : (( إِلَّا اللَّمَمَ )) قيل : إنه استثناء متصل وقيل : إنه استثناء منقطع لأن اللمم الشيء القليل الشيء القليل هذا اللمم فهل المعنى إلا الشيء القليل من الكبائر أي : أنهم يأتون الشيء القليل من الكبائر أو المعنى إلا اللمم إلا الصغار من الذنوب، الصغائر من الذنوب ؟ إن قلنا بالأول فالاستثناء متصل وإن قلنا بالثاني فالاستثناء منقطع وتكون إلا بمعنى لكن، والمعنى الثاني أقرب من حيث التقسيم لأن الله ذكر الكبائر والفواحش والصغائر وعلى هذا فيكون معنى : (( إِلَّا اللَّمَمْ )) يعني إلا أن هؤلاء الذين أحسنوا يأتون الصغائر والصغائر والحمد لله مكفرة بالحسنات مكفرة بالحسنات قال الله تعالى : (( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )) وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام : ( أن الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ) وعلى هذا فيكون المعنى أن الصغائر تقع مكفرة إما باجتناب الكبائر أو باجتناب الكبائر مضموماً إليها فعل هذه الحسنات العظيمة الصلوات الخمس الجمعة إلى الجمعة رمضان إلى رمضان
والخلاصة: الصغائر تقع مغفوراً للإنسان منها إذا اجتنب الكبائر وإذا أحسن في الصلوات الخمس والجمعة ورمضان
(( إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )) في هذه الجملة إشارة إلى قوله : (( إِلَّا اللَّمَمْ )) يعني أن اللمم يقع في سعة مغفرة الله عز وجل فيغفره الله عز وجل والمغفرة هي ستر الذنب مع التجاوز عنه أن الله يستر عليك الذنب ويتجاوزه ولا يكفي ستر الذنب لا بد من تجاوز والدليل على هذا أمران : لغوي وسمعي: أما اللغوي: فلأن المغفرة مشتقة من المغفر المغفر وهو ما يوضع على الرأس عند القتال ويسمى خوذة ويسمى بيضة يوضع على الرأس علشان يتقي السهام هذا الذي وضع على الرأس جمع بين أمرين: الوقاية وإيش؟ والستر فإذًا المغفرة لا بد من ستر ووقاية
أما السمعي : فهو قوله تبارك وتعالى إذا خلا بعبده المؤمن يوم القيامة وقرره بذنوبه وأقر قال : ( قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) فدل هذا على أن الوقاية من الذنوب وعدم المؤاخذة من المغفرة نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولكم ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر إنه على كل شيء قدير .
إذا كان الشخص في المسجد ثم أحدث هل يذهب إلى البيت فيتوضأ ليكتب له الأجر ؟
السائل : فضيلة الشيخ هل إذا كان الشخص في المسجد يعني يقضي وقته معظم وقته في المسجد ثم قرب وقت الصلاة هل له أن يذهب إلى البيت ويتوضأ ويحسن الوضوء حتى يكتب له الأجر الذي ذكرتموه أم أنه يتوضأ من ماء قريبا منه من المسجد ؟
الشيخ : لا، الأحسن يتوضأ قبل أن يأتي إلى المسجد .
السائل : إذا كان على وضوء ولكنه يعني أحدث يعني ؟
الشيخ : يتوضأ مثلا خرج بعد الشمس ويريد أن يبقى في المسجد إلى صلاة الظهر يتوضأ في بيته ويخرج قاصداً صلاة الظهر وإذا وصل المسجد سوف يتطوع بما شاء ثم يبقى ينتظر الصلاة إما في قراءة قرآن وإما في صلاة وإما في علم ويكتب له الآن من حين ما دخل المسجد إلى أن تقام الصلاة وهو في صلاة هذا هو الأحسن ثم إن طرأ عليه حاجة لقضاء بول أو غائط يخرج ويقضي حاجته ويرجع ويبقى على أجره يسار .
الشيخ : لا، الأحسن يتوضأ قبل أن يأتي إلى المسجد .
السائل : إذا كان على وضوء ولكنه يعني أحدث يعني ؟
الشيخ : يتوضأ مثلا خرج بعد الشمس ويريد أن يبقى في المسجد إلى صلاة الظهر يتوضأ في بيته ويخرج قاصداً صلاة الظهر وإذا وصل المسجد سوف يتطوع بما شاء ثم يبقى ينتظر الصلاة إما في قراءة قرآن وإما في صلاة وإما في علم ويكتب له الآن من حين ما دخل المسجد إلى أن تقام الصلاة وهو في صلاة هذا هو الأحسن ثم إن طرأ عليه حاجة لقضاء بول أو غائط يخرج ويقضي حاجته ويرجع ويبقى على أجره يسار .
هل يعفى عن يسير المذي إذا أصاب الثوب أم إذا خرج.؟
السائل : فضيلة الشيخ يقول العلماء : " ويعفى عن يسير المذي " هل يعفى عنه إذا أصاب الثوب أم إذا خرج ؟
الشيخ : لا هم قالوا : يعفى عن يسير سلس البول مع كمال التحفظ يعفى عن يسير سلس البول مع كمال التحفظ .
السائل : أقصد المذي خروج المذي ؟
الشيخ : المذي لو عفي عن يسير المسألة فيها خلاف هل يعفى عن يسيره أو لا ؟ لكن لو عفي عن يسيره فالمراد نقطة أو نقطتان ما تضر .
السائل : يعني إذا أصاب الثوب ؟
الشيخ : إذا أصاب الثوب أو الفخذ لكن احتياطاً أن ينضح ينضحه ويصب عليه الماء يصب عليه الماء حتى يغرقه بدون أن يعصره أو يدلك .
الشيخ : لا هم قالوا : يعفى عن يسير سلس البول مع كمال التحفظ يعفى عن يسير سلس البول مع كمال التحفظ .
السائل : أقصد المذي خروج المذي ؟
الشيخ : المذي لو عفي عن يسير المسألة فيها خلاف هل يعفى عن يسيره أو لا ؟ لكن لو عفي عن يسيره فالمراد نقطة أو نقطتان ما تضر .
السائل : يعني إذا أصاب الثوب ؟
الشيخ : إذا أصاب الثوب أو الفخذ لكن احتياطاً أن ينضح ينضحه ويصب عليه الماء يصب عليه الماء حتى يغرقه بدون أن يعصره أو يدلك .
بايع بعض الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم على ألا يسألوا الناس شيئاً فما معنى هذا الحديث ؟
السائل : أحسن الله إليك يا شيخ بايع النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة ألا يسألوا الناس شيئا فما معنى هذا الحديث ؟ وهل هو عام أو هو خاص ؟ وإن كان خاص فما الذي يخرج منه ؟
الشيخ : بايعهم على ألا يسألوا الناس شيئاً أي شيء إلا عند الضرورة قال الصحابي : ( حتى إن أحدنا ليقع سوطه في الأرض وهو على راحلته فما يقول لأحد : ناولني إياه بل ينزل ويأخذه ) وهذا يعم الأصل العموم ولهذا قال بعض العلماء : إن قول القائل لأخيه : يا فلان ادع الله لنا أو لا تنسنا من دعائك أن هذا من المسألة المذمومة لأنه سأله ولا شك أن قول الإنسان : لا تنسنا من دعائك أنه ليس من هدي السلف الصالح فيما نعلم وأنه لا ينبغي للإنسان أن يقول هذا لأنك أولا : أنت تحرم نفسك من الدعاء والله يقول : (( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )) ما قال: اطلبوا من غيركم أن يدعوا لكم (( ادْعُونِي )) ثانيا : أنك تحرم نفسك من عبادة الدعاء عبادة. ثالثا : أنك تعلق نفسك بهذا الرجل الذي طلبت منه الدعاء رابعا : إنه ربما يغتر هذا الرجل وينتفخ ويقول : أنا من أنا حتى يطلب مني الناس الدعاء نعم إن طلبت من رجل صالح ترجو إجابته إجابة الله دعاءه نعم في شأن المسلمين عموماً لا بأس مثل أن تأتي إلى رجل صالح تقول : والله الناس الآن في جدب وفي قحط والمطر تأخر نعم إذا تأخر المطر سنة من السنين ادع الله لهم هذا لا بأس به فهمت ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يقول لأحد : ادع الله لي حتى إن الرسول جعل الذين يسترقون وهم مرضى يقولون : يا فلان اقرأ علينا جعلهم عادمين لوصف من الأوصاف التي إذا تحققت دخل الإنسان الجنة بغير حساب ولا عذاب لكن إذا كان الذي تسأله هذا تعلم أنه ممنون منك إذا قلت : يا فلان أعطني هذه الساعة هذا القلم هذا وهو لا يضره لكن تعرف أنه يفرح لأن بعض الناس يفرح أن يقول لفلان : يا فلان أبي كذا وكذا هذا لا بأس به أي نعم .
الشيخ : بايعهم على ألا يسألوا الناس شيئاً أي شيء إلا عند الضرورة قال الصحابي : ( حتى إن أحدنا ليقع سوطه في الأرض وهو على راحلته فما يقول لأحد : ناولني إياه بل ينزل ويأخذه ) وهذا يعم الأصل العموم ولهذا قال بعض العلماء : إن قول القائل لأخيه : يا فلان ادع الله لنا أو لا تنسنا من دعائك أن هذا من المسألة المذمومة لأنه سأله ولا شك أن قول الإنسان : لا تنسنا من دعائك أنه ليس من هدي السلف الصالح فيما نعلم وأنه لا ينبغي للإنسان أن يقول هذا لأنك أولا : أنت تحرم نفسك من الدعاء والله يقول : (( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )) ما قال: اطلبوا من غيركم أن يدعوا لكم (( ادْعُونِي )) ثانيا : أنك تحرم نفسك من عبادة الدعاء عبادة. ثالثا : أنك تعلق نفسك بهذا الرجل الذي طلبت منه الدعاء رابعا : إنه ربما يغتر هذا الرجل وينتفخ ويقول : أنا من أنا حتى يطلب مني الناس الدعاء نعم إن طلبت من رجل صالح ترجو إجابته إجابة الله دعاءه نعم في شأن المسلمين عموماً لا بأس مثل أن تأتي إلى رجل صالح تقول : والله الناس الآن في جدب وفي قحط والمطر تأخر نعم إذا تأخر المطر سنة من السنين ادع الله لهم هذا لا بأس به فهمت ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يقول لأحد : ادع الله لي حتى إن الرسول جعل الذين يسترقون وهم مرضى يقولون : يا فلان اقرأ علينا جعلهم عادمين لوصف من الأوصاف التي إذا تحققت دخل الإنسان الجنة بغير حساب ولا عذاب لكن إذا كان الذي تسأله هذا تعلم أنه ممنون منك إذا قلت : يا فلان أعطني هذه الساعة هذا القلم هذا وهو لا يضره لكن تعرف أنه يفرح لأن بعض الناس يفرح أن يقول لفلان : يا فلان أبي كذا وكذا هذا لا بأس به أي نعم .
4 - بايع بعض الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم على ألا يسألوا الناس شيئاً فما معنى هذا الحديث ؟ أستمع حفظ
ما حكم صلاة من علم أن به نجاسة أثناء الصلاة ؟
السائل : فضيلة الشيخ أحسن الله إليك إذا تذكر الإنسان وهو في الصلاة أن فيه نجاسة في ثوبه فماذا يفعل : هل يقطع الصلاة ؟
الشيخ : إذا تذكر الإنسان في صلاته أن على ثوبه نجاسة أو علم وهو كان لا يدري فليخلع هذا الثوب إذا كان عليه ما يستتر به تحته .
السائل : السروال يا شيخ ؟
الشيخ : السروال سهل لأن السروال عليه قميص أليس كذلك ؟ يخلع السروال ويمضي في صلاته أو عليه مثلا قميص وتحته سروال وفنيلة يخلع القميص .
الشيخ : إذا تذكر الإنسان في صلاته أن على ثوبه نجاسة أو علم وهو كان لا يدري فليخلع هذا الثوب إذا كان عليه ما يستتر به تحته .
السائل : السروال يا شيخ ؟
الشيخ : السروال سهل لأن السروال عليه قميص أليس كذلك ؟ يخلع السروال ويمضي في صلاته أو عليه مثلا قميص وتحته سروال وفنيلة يخلع القميص .
اضيفت في - 2005-08-27