سلسلة لقاء الباب المفتوح-180a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
سلسلة لقاء الباب المفتوح
تفسير أواخر آيات سورة النجم .
الشيخ : ونحن في آخر سورة النجم حيث انتهينا فيما سبق إلى قول الله تبارك وتعالى : (( وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى )) نعم
إلى قوله تعالى : (( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى )) يعني أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر فهو الذي أغنى يعني أغنى من شاء من خلقه وأقنى قيل معناها أفقر لأنها في مقابلة أغنى وقيل : أغنى بالكفاية وأقنى بما زاد عن الكفاية يعني أن الله عز وجل بسط الرزق للعباد فمنهم من أغناه عن غيره ومنهم من أقناه أي : جعل له قنية وهي الزائد عن الكفاية وكما ذكرنا مراراً أن الكلمة إذا كانت تحتمل معنيين ليس بينهما منافاة ولا مرجح لأحدهما على الآخر فإنها تحمل عليهما لأنه أعم للمعنى فالذي يغني هو الله والذي يقني هو الله عز وجل وليست هذه الأصنام التي هي اللات والعزى ومناة بل ذلك إلى الله عز وجل وحده (( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى )) يعني أن الله تعالى نعم (( وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى )) أنه هو رب الشعرى : أتى بضمير الفصل تأكيدا للجملة و(( رَبُّ الشِّعْرَى )) أي : خالقها ومالكها ومدبرها والشعرى هي النجم المضيء الذي يخرج في شدة الحر ونص على هذه على هذا النجم لأن بعض العرب كانوا يعبدونها ويعظمونها فبين تبارك وتعالى أن الشعرى من جملة المخلوقات المربوبات فليست إلهاً ولا تستحق أن تعبد
(( وَأَنَّهُ )) أي الله عز وجل (( أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى )) وهم قوم هود و(( الْأُولَى )) وصف كاشف وليس وصفاً مقيِّدا يعني ليس هناك عاد أولى وعاد ثانية هي واحدة لكنها عاد قديمة سابقة ولهذا وصفها بأنها الأولى يعني القديمة السابقة وليس ثمة عاد أخرى.
عاد هم قوم هود وكان الله تعالى قد أعطاهم من القوة والنشاط وشدة البطش ما ليس لغيرهم حتى إنهم قالوا : (( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً )) فقال الله تعالى : (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ )) هؤلاء القوم يفتخرون بشدتهم وقوتهم فأهلكهم الله تعالى بألطف الأشياء، أهلكهم بريح صرصر عاتية (( سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً )) ابتدأت من بعد الفجر وانتهت عند الغروب فصارت الأيام ثمانية والليالي كم ؟ سبعا ((سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ )) تحمل الإنسان إلى القمة ثم تقذف به على الأرض فصاروا كأنهم أعجاز نخل خاوية والعياذ بالله أو (( أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ )) فهؤلاء القوم مع شدة بطشهم وشدة بأسهم لم يمنعهم ذلك من عذاب الله عز وجل وقوله (( وَثَمُودَ )) يعني وأهلك ثمود فما أبقاهم وثمود هم أصحاب الحِجر أرسل الله إليهم صالحا فكذبوه وكان الله تعالى قد أعطاهم قوة وأعطاهم معرفة وعلماً بالهندسة هندسة البناء لكن مع ذلك ما دفعوا ما أراد الله بهم، صيح بهم ورجفت بهم الأرض فأصبحوا في ديارهم جاثمين والعياذ بالله
(( وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ )) يعني وأهلك قوم نوح من قبل أهلكهم بالغرق كما قال الله تعالى في سورة : (( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ )) قال عن نبيهم نوح : (( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ )) وفي قراءة : (( فَفَتَّحْنَا )) مما يدل على الكثرة وشدة الانفتاح (( أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ )) يعني نازل بشدة (( وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً )) الأرض كلها كانت عيونا يعني ليس فيها موضع شبر إلا وهو يفور حتى إن التنور الذي هو محل الإيقاد صار يفور مع أن محل الإيقاد أبعد ما يكون عن الرطوبة لكنه فار فصارت الأرض كلها عيونا والسماء تمطر (( الْتَقَى الْمَاءُ )) ماء السماء وماء الأرض (( عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ )) يعني أمر مقدر محدد بدون زيادة ولا نقص سبحان الله العظيم فغرق القوم حتى بلغ الماء قمم الجبال ويذكر أن امرأة كان معها صبي فكلما علا الماء صعدت الجبل كلما علا الماء صعدت الجبل حتى وصل الماء إلى قمة الجبل ووصل إلى المرأة وارتفع في جسدها وكان معها صبي فحملت الصبي على يديها ترفعه لئلا يغرق قبلها وجاء في الحديث : ( لو رحم الله أحدا لرحم أم الصبي ) لكن إذا حقت كلمة الله فلا راد لقضاء الله تعالى أجارنا الله وإياكم من العذاب الأليم
وقوله : (( إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى )) اختلف المفسرون في قوله : (( إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى )) فقيل : إن الضمير يعود على قوم نوح فقط وقيل : إنه يعود على كل الأمم التي ذكرها الله عز وجل ممن أهلكهم فعلى القول الأول يكون المعنى أن قوم نوح أظلم وأطغى من قوم ثمود وعاد ووجه ذلك أنه حصل منهم عتو واستكبار مع طول المدة حيث إن نوح عليه الصلاة والسلام لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يقول الله تبارك وتعالى عنه : (( قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ )) حتى لا يسمعوا (( وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ )) تغطوا بها حتى لا يبصروا وهذا يدل على شدة كراهتهم لما يدعوهم إليه عليه الصلاة والسلام (( وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً )) يعني استكبارا عظيما فلم يخضعوا لعبادة الله عز وجل فكانوا أظلم وأطغى من عاد ومَن ؟ وثمود
وعلى القول الثاني أن الضمير يعود على كل هؤلاء الأمم يكون المعنى إن هؤلاء كانوا أظلم وأطغى من قريش الذين كذبوك يا محمد فيكون في هذا تسليةً للرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى أهلك هؤلاء القوم مع أنهم أظلم وأطغى من قومك والذي أهلك من سبق قادر على أن يهلك من لحق وكلا المعنيين صحيح فهؤلاء الأمم أظلم وأطغى من قريش وقوم نوح أظلم وأطغى من عاد وثمود
ثم قال عز وجل : (( وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى )) أي : أسقط (( وَالْمُؤْتَفِكَةَ )) هم هي قرى قوم لوط (( أَهْوَى )) بمعنى أنزل واختلف المفسرون في قوله : (( أَهْوَى )) هل المعنى أنه أهوى بها من فوق إلى أسفل بناء على أن الله تعالى رفع هذه القرى إلى فوق ثم قلبها أو أن المعنى أنه أهوى أسقطها بمعنى أرسل عليها الحجارة حتى تهدم البناء فصار أعلى البناء إيش ؟ أسفله المهم أن الله تعالى أخبر عن قوم لوط بأن الله أهواهم أي : أسقطهم سواء من الجو أو من سقوط البناء أعلاه على أسفله
(( فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى )) (( غَشَّاهَا )) أي : غطاها وقوله : (( مَا غَشَّى )) مبهم للتعظيم والتفخيم كقوله تعالى : (( فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ )) أي : غشيهم شيء عظيم فالإبهام أحياناً يراد بها التعظيم والتهويل والتفخيم كما في هذه الآية
(( فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى )) الاستفهام هنا للتوبيخ و(( تَتَمَارَى )) تتشكك والآلاء النعم أي : بأي نعم الله تتشكك أيها الإنسان إذ أن الواجب أن الإنسان يقر بنعم الله ويشكر الله عليها لا أن يتشكك ويقول : هذا من عملي هذا من كذا هذا من كذا كما كانت العرب تقول : " مطرنا بنوء كذا وكذا " يعني بالنجم وينسون الخالق عز وجل
ثم قال جل وعلا : (( هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى )) هذا المشار إليه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (( نَذِيرٌ )) بمعنى منذر والمنذر هو الذي يعلِم بالشيء على وجه التخويف لأن الإنذار هو إعلام بتخويف والبشارة هو إعلام برجاء (( هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى )) ولم يقل : بشير لأن المقام لا يقتضي إلا ذكر الإنذار إذ أن الله تحدث من أول السورة إلى آخرها عن قريش وتكذيبها للرسول صلى الله عليه وسلم وعبادتها الأصنام فيقول : محمد صلى الله عليه وسلم نذير من النذر الأولى أي : من الرسل السابقين يعني فكما أن الذين كذبوا الرسل حل بهم العقاب والنكال فأنتم أيها المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد حل بكم نعم يوشك أن يحل بكم النكال والعقوبة لأن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل غيره نذير من النذر فإذا كان نذيرا من النذر فإن من كذبه سيقع به مثلما وقع بالأمم السابقة
(( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ )) أي : قربت القيامة (( الْآزِفَةُ )) القيامة وأزف بمعنى قرب ومنه قول الشاعر :
" أزف الترحل غير أن ركابنا *** لما تزل برحالنا وكأن قد "
الآزفة هي القيامة لأن الساعة قريبة كما قال الله تعالى : (( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ )) وقال تعالى في الآية الثانية : (( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً )) فهي قريبة ويدل لقربها أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل معناه أن الأمر قريب ومع كون الله تعالى يذكر أن الأمر قريب كم بيننا وبين نزول القرآن ؟ كم ؟ كم قرن ؟ أربعة عشر قرنا ونحن في الخامس عشر ومع ذلك يقول الله عز وجل : إن الساعة قريب من هنا نعرف أن عمر الدنيا طويل وبعيد ولكن هل نأخذ بقول هؤلاء الذين يتخرصون ويقولون : عمر الدنيا الماضي كذا وكذا ؟ لا هؤلاء لا نصدقهم ولا نكذبهم يعني أحيانا يقولون : إنهم عثروا على آثار حيوان له كذا وكذا من ملايين السنين أو على أحجار أو ما أشبه ذلك هذا لا نصدق ولا نكذب لأنهم لا يعلمون غيب الماضي وإنما يقيسونه بحال الحاضر يعني يقيسون مثلا عمر هذا الأثر بحسب المؤثرات في الوقت الحاضر لكن ما الذي يعلمنا أن المؤثرات في الوقت الحاضر هي المؤثرات في الوقت الماضي ؟ ما ندري قد يتغير الطقس من حرارة إلى برودة ومن برودة إلى حرارة وقد تتغير الرياح والأمطار وغير ذلك فما نقرؤه أو نسمع به من علوم هؤلاء موقفنا نحوه ألا نصدق ولا نكذب أما في المستقبل فيجب أن نكذب كل من أخبر عن شيء مستقبل يجب علينا أن نكذبه لماذا ؟ نعم لأنه يدعي الغيب والله عز وجل يقول : (( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ )) فعليه نقول : (( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ )) أي : قربت القيامة لكن هل يمكن أن نحدد مدى القرب ؟ لا لا يمكن ومن ادعى أنه يعلم متى تقوم الساعة فإنه مكذب لله ورسوله أما الله فقد قال تعالى : (( يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ )) وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فإن جبريل لما سأله قال : ( أخبرني عن الساعة ؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) يعني أنك إذا كنت تجهلها فأنا مثلك فمن ادعى أن الساعة تقوم بعد مثلا مليون سنة أو مائة ألف سنة أو أقل أو أكثر فإنه يجب علينا أن نكذبه ونقول : إنه كافر لأنه مكذب لله ورسوله
(( لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ )) يعني ليس للساعة من دون الله كاشفة لها معنيان : المعنى الأول : كاشفة يعني مانعة يعني ما أحد يكشفها يمنعها كما في قوله تعالى : (( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ))
المعنى الثاني : كاشفة يعني عالمة تكشفها وتبينها وعلى كل حال فلا أحد يمنع قيام الساعة إذا شاء الله ولا أحد اطلع على الساعة متى تكون ثم قال الله تعالى : (( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ )) إلى الدرس القادم إن شاء الله أسئلة ، الضيوف أحق .
إلى قوله تعالى : (( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى )) يعني أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر فهو الذي أغنى يعني أغنى من شاء من خلقه وأقنى قيل معناها أفقر لأنها في مقابلة أغنى وقيل : أغنى بالكفاية وأقنى بما زاد عن الكفاية يعني أن الله عز وجل بسط الرزق للعباد فمنهم من أغناه عن غيره ومنهم من أقناه أي : جعل له قنية وهي الزائد عن الكفاية وكما ذكرنا مراراً أن الكلمة إذا كانت تحتمل معنيين ليس بينهما منافاة ولا مرجح لأحدهما على الآخر فإنها تحمل عليهما لأنه أعم للمعنى فالذي يغني هو الله والذي يقني هو الله عز وجل وليست هذه الأصنام التي هي اللات والعزى ومناة بل ذلك إلى الله عز وجل وحده (( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى )) يعني أن الله تعالى نعم (( وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى )) أنه هو رب الشعرى : أتى بضمير الفصل تأكيدا للجملة و(( رَبُّ الشِّعْرَى )) أي : خالقها ومالكها ومدبرها والشعرى هي النجم المضيء الذي يخرج في شدة الحر ونص على هذه على هذا النجم لأن بعض العرب كانوا يعبدونها ويعظمونها فبين تبارك وتعالى أن الشعرى من جملة المخلوقات المربوبات فليست إلهاً ولا تستحق أن تعبد
(( وَأَنَّهُ )) أي الله عز وجل (( أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى )) وهم قوم هود و(( الْأُولَى )) وصف كاشف وليس وصفاً مقيِّدا يعني ليس هناك عاد أولى وعاد ثانية هي واحدة لكنها عاد قديمة سابقة ولهذا وصفها بأنها الأولى يعني القديمة السابقة وليس ثمة عاد أخرى.
عاد هم قوم هود وكان الله تعالى قد أعطاهم من القوة والنشاط وشدة البطش ما ليس لغيرهم حتى إنهم قالوا : (( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً )) فقال الله تعالى : (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ )) هؤلاء القوم يفتخرون بشدتهم وقوتهم فأهلكهم الله تعالى بألطف الأشياء، أهلكهم بريح صرصر عاتية (( سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً )) ابتدأت من بعد الفجر وانتهت عند الغروب فصارت الأيام ثمانية والليالي كم ؟ سبعا ((سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ )) تحمل الإنسان إلى القمة ثم تقذف به على الأرض فصاروا كأنهم أعجاز نخل خاوية والعياذ بالله أو (( أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ )) فهؤلاء القوم مع شدة بطشهم وشدة بأسهم لم يمنعهم ذلك من عذاب الله عز وجل وقوله (( وَثَمُودَ )) يعني وأهلك ثمود فما أبقاهم وثمود هم أصحاب الحِجر أرسل الله إليهم صالحا فكذبوه وكان الله تعالى قد أعطاهم قوة وأعطاهم معرفة وعلماً بالهندسة هندسة البناء لكن مع ذلك ما دفعوا ما أراد الله بهم، صيح بهم ورجفت بهم الأرض فأصبحوا في ديارهم جاثمين والعياذ بالله
(( وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ )) يعني وأهلك قوم نوح من قبل أهلكهم بالغرق كما قال الله تعالى في سورة : (( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ )) قال عن نبيهم نوح : (( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ )) وفي قراءة : (( فَفَتَّحْنَا )) مما يدل على الكثرة وشدة الانفتاح (( أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ )) يعني نازل بشدة (( وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً )) الأرض كلها كانت عيونا يعني ليس فيها موضع شبر إلا وهو يفور حتى إن التنور الذي هو محل الإيقاد صار يفور مع أن محل الإيقاد أبعد ما يكون عن الرطوبة لكنه فار فصارت الأرض كلها عيونا والسماء تمطر (( الْتَقَى الْمَاءُ )) ماء السماء وماء الأرض (( عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ )) يعني أمر مقدر محدد بدون زيادة ولا نقص سبحان الله العظيم فغرق القوم حتى بلغ الماء قمم الجبال ويذكر أن امرأة كان معها صبي فكلما علا الماء صعدت الجبل كلما علا الماء صعدت الجبل حتى وصل الماء إلى قمة الجبل ووصل إلى المرأة وارتفع في جسدها وكان معها صبي فحملت الصبي على يديها ترفعه لئلا يغرق قبلها وجاء في الحديث : ( لو رحم الله أحدا لرحم أم الصبي ) لكن إذا حقت كلمة الله فلا راد لقضاء الله تعالى أجارنا الله وإياكم من العذاب الأليم
وقوله : (( إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى )) اختلف المفسرون في قوله : (( إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى )) فقيل : إن الضمير يعود على قوم نوح فقط وقيل : إنه يعود على كل الأمم التي ذكرها الله عز وجل ممن أهلكهم فعلى القول الأول يكون المعنى أن قوم نوح أظلم وأطغى من قوم ثمود وعاد ووجه ذلك أنه حصل منهم عتو واستكبار مع طول المدة حيث إن نوح عليه الصلاة والسلام لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يقول الله تبارك وتعالى عنه : (( قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ )) حتى لا يسمعوا (( وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ )) تغطوا بها حتى لا يبصروا وهذا يدل على شدة كراهتهم لما يدعوهم إليه عليه الصلاة والسلام (( وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً )) يعني استكبارا عظيما فلم يخضعوا لعبادة الله عز وجل فكانوا أظلم وأطغى من عاد ومَن ؟ وثمود
وعلى القول الثاني أن الضمير يعود على كل هؤلاء الأمم يكون المعنى إن هؤلاء كانوا أظلم وأطغى من قريش الذين كذبوك يا محمد فيكون في هذا تسليةً للرسول صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى أهلك هؤلاء القوم مع أنهم أظلم وأطغى من قومك والذي أهلك من سبق قادر على أن يهلك من لحق وكلا المعنيين صحيح فهؤلاء الأمم أظلم وأطغى من قريش وقوم نوح أظلم وأطغى من عاد وثمود
ثم قال عز وجل : (( وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى )) أي : أسقط (( وَالْمُؤْتَفِكَةَ )) هم هي قرى قوم لوط (( أَهْوَى )) بمعنى أنزل واختلف المفسرون في قوله : (( أَهْوَى )) هل المعنى أنه أهوى بها من فوق إلى أسفل بناء على أن الله تعالى رفع هذه القرى إلى فوق ثم قلبها أو أن المعنى أنه أهوى أسقطها بمعنى أرسل عليها الحجارة حتى تهدم البناء فصار أعلى البناء إيش ؟ أسفله المهم أن الله تعالى أخبر عن قوم لوط بأن الله أهواهم أي : أسقطهم سواء من الجو أو من سقوط البناء أعلاه على أسفله
(( فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى )) (( غَشَّاهَا )) أي : غطاها وقوله : (( مَا غَشَّى )) مبهم للتعظيم والتفخيم كقوله تعالى : (( فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ )) أي : غشيهم شيء عظيم فالإبهام أحياناً يراد بها التعظيم والتهويل والتفخيم كما في هذه الآية
(( فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى )) الاستفهام هنا للتوبيخ و(( تَتَمَارَى )) تتشكك والآلاء النعم أي : بأي نعم الله تتشكك أيها الإنسان إذ أن الواجب أن الإنسان يقر بنعم الله ويشكر الله عليها لا أن يتشكك ويقول : هذا من عملي هذا من كذا هذا من كذا كما كانت العرب تقول : " مطرنا بنوء كذا وكذا " يعني بالنجم وينسون الخالق عز وجل
ثم قال جل وعلا : (( هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى )) هذا المشار إليه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (( نَذِيرٌ )) بمعنى منذر والمنذر هو الذي يعلِم بالشيء على وجه التخويف لأن الإنذار هو إعلام بتخويف والبشارة هو إعلام برجاء (( هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى )) ولم يقل : بشير لأن المقام لا يقتضي إلا ذكر الإنذار إذ أن الله تحدث من أول السورة إلى آخرها عن قريش وتكذيبها للرسول صلى الله عليه وسلم وعبادتها الأصنام فيقول : محمد صلى الله عليه وسلم نذير من النذر الأولى أي : من الرسل السابقين يعني فكما أن الذين كذبوا الرسل حل بهم العقاب والنكال فأنتم أيها المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد حل بكم نعم يوشك أن يحل بكم النكال والعقوبة لأن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل غيره نذير من النذر فإذا كان نذيرا من النذر فإن من كذبه سيقع به مثلما وقع بالأمم السابقة
(( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ )) أي : قربت القيامة (( الْآزِفَةُ )) القيامة وأزف بمعنى قرب ومنه قول الشاعر :
" أزف الترحل غير أن ركابنا *** لما تزل برحالنا وكأن قد "
الآزفة هي القيامة لأن الساعة قريبة كما قال الله تعالى : (( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ )) وقال تعالى في الآية الثانية : (( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً )) فهي قريبة ويدل لقربها أن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل معناه أن الأمر قريب ومع كون الله تعالى يذكر أن الأمر قريب كم بيننا وبين نزول القرآن ؟ كم ؟ كم قرن ؟ أربعة عشر قرنا ونحن في الخامس عشر ومع ذلك يقول الله عز وجل : إن الساعة قريب من هنا نعرف أن عمر الدنيا طويل وبعيد ولكن هل نأخذ بقول هؤلاء الذين يتخرصون ويقولون : عمر الدنيا الماضي كذا وكذا ؟ لا هؤلاء لا نصدقهم ولا نكذبهم يعني أحيانا يقولون : إنهم عثروا على آثار حيوان له كذا وكذا من ملايين السنين أو على أحجار أو ما أشبه ذلك هذا لا نصدق ولا نكذب لأنهم لا يعلمون غيب الماضي وإنما يقيسونه بحال الحاضر يعني يقيسون مثلا عمر هذا الأثر بحسب المؤثرات في الوقت الحاضر لكن ما الذي يعلمنا أن المؤثرات في الوقت الحاضر هي المؤثرات في الوقت الماضي ؟ ما ندري قد يتغير الطقس من حرارة إلى برودة ومن برودة إلى حرارة وقد تتغير الرياح والأمطار وغير ذلك فما نقرؤه أو نسمع به من علوم هؤلاء موقفنا نحوه ألا نصدق ولا نكذب أما في المستقبل فيجب أن نكذب كل من أخبر عن شيء مستقبل يجب علينا أن نكذبه لماذا ؟ نعم لأنه يدعي الغيب والله عز وجل يقول : (( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ )) فعليه نقول : (( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ )) أي : قربت القيامة لكن هل يمكن أن نحدد مدى القرب ؟ لا لا يمكن ومن ادعى أنه يعلم متى تقوم الساعة فإنه مكذب لله ورسوله أما الله فقد قال تعالى : (( يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ )) وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فإن جبريل لما سأله قال : ( أخبرني عن الساعة ؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) يعني أنك إذا كنت تجهلها فأنا مثلك فمن ادعى أن الساعة تقوم بعد مثلا مليون سنة أو مائة ألف سنة أو أقل أو أكثر فإنه يجب علينا أن نكذبه ونقول : إنه كافر لأنه مكذب لله ورسوله
(( لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ )) يعني ليس للساعة من دون الله كاشفة لها معنيان : المعنى الأول : كاشفة يعني مانعة يعني ما أحد يكشفها يمنعها كما في قوله تعالى : (( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ))
المعنى الثاني : كاشفة يعني عالمة تكشفها وتبينها وعلى كل حال فلا أحد يمنع قيام الساعة إذا شاء الله ولا أحد اطلع على الساعة متى تكون ثم قال الله تعالى : (( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ )) إلى الدرس القادم إن شاء الله أسئلة ، الضيوف أحق .
حكم الشراء من المعارض التي تعلن عن الجوائز ؟
السائل : يقام في بعض المناطق في بعض الأحيان موسم لسلع قد تكون ليست موجودة في كل المناطق وتكون هذه السلع مخفضة فيذهب شخص مثلا إلى هذا المعرض وهو لا يعلم عنه أي شيء ثم يعني يقول : إذا رغبت في سلعة يعني وجدتها رخيصة اشتريتها ثم اشترى سلعة من محل من هذه المحلات وأعطاه صاحب المحل كرت يوجد فيه رقم يسحب في آخر مثلا أيام المعرض على جائزة من الجوائز ما حكم هذه الجائزة ؟
الشيخ : ما فهمت الآن يعني ناس يعرضون سلعا ؟
السائل : نعم في المعرض .
الشيخ : بقيمة أرخص ؟
السائل : نعم تكون قيمة مخفضة نعم أجهزة مثلا .
الشيخ : أرخص .
السائل : أي نعم .
الشيخ : ثم يقولون .
السائل : يذهب شخص مثلا ليشتري يذهب لهذا المعرض بقصد التفرج يعني إذا .
الشيخ : وربما يشتري ؟
السائل : نعم ربما يعني مثلا يجد سلعة مخفضة فيشتريها يعطيه صاحب المحل كرت .
الشيخ : صاحب المعرض .
السائل : صاحب المعرض أو المحل يعطيه كرت فيه رقم سحب في آخر أيام المعرض مثلا على جائزة معينة .
الشيخ : ويش معنى السحب ؟ ويش معنى السحب ؟
السائل : يعني يجمعون الأرقام والكروت كلها .
الشيخ : أي نعم .
السائل : ثم يسحبون يعني رقمين أو ثلاثة يفوز صاحب الرقم هذا بسيارة .
الشيخ : ما فهمت الآن يعني ناس يعرضون سلعا ؟
السائل : نعم في المعرض .
الشيخ : بقيمة أرخص ؟
السائل : نعم تكون قيمة مخفضة نعم أجهزة مثلا .
الشيخ : أرخص .
السائل : أي نعم .
الشيخ : ثم يقولون .
السائل : يذهب شخص مثلا ليشتري يذهب لهذا المعرض بقصد التفرج يعني إذا .
الشيخ : وربما يشتري ؟
السائل : نعم ربما يعني مثلا يجد سلعة مخفضة فيشتريها يعطيه صاحب المحل كرت .
الشيخ : صاحب المعرض .
السائل : صاحب المعرض أو المحل يعطيه كرت فيه رقم سحب في آخر أيام المعرض مثلا على جائزة معينة .
الشيخ : ويش معنى السحب ؟ ويش معنى السحب ؟
السائل : يعني يجمعون الأرقام والكروت كلها .
الشيخ : أي نعم .
السائل : ثم يسحبون يعني رقمين أو ثلاثة يفوز صاحب الرقم هذا بسيارة .
اضيفت في - 2005-08-27