ذكر الحكمة التي من أجلها من خلق الثقلين.
قد افترى كثير من الناس عليه فزعموا أنه قال أن الله عز وجل خاطبه بقوله "لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك" وهناك الحديث الأخر الموضوع والذي يستعمله بعض أهل البدعة احتجاجا لبدعتهم ألا وهي توسّلهم بغير أسماء الله وصفاته والعمل الصالح الذي جاء، ذلك كله في سنّته عليه السلام، ذلك الحديث هو ما رواه بعض أهل الحديث بإسناد هالك عن النبي صلى الله عليه وأله وسلم أنه قال لما خلق الله أدم واقترف الخطيئة قال "يا رب اغفر لي بمحمد" قال وما أدراك ما محمد قال رفعت رأسي إلى العرش فرأيت مكتوبا على قائمته لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أن محمدا أحبّ الخلق إليك، قال فقد غفرت لك بمحمد ولولا محمد ما خلقتك، فهذا الحديث كسابقه في الضعف الشديد وإن كان مرويّا في بعض كتب الحديث وبيان ذلك في بعض مؤلفاتي منها "التوسل أنواعه وأحكامه" والشاهد أن الله عز وجل إنما خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له.
بيان شروط قبول العبادة.
فلذلك يجب على كل مسلم يريد التقرب إلى الله تبارك وتعالى بشيء من العبادات أن يضع نصب عينيه أن تكون هذه العبادة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وأله وسلم أو على الأقل عن السلف الصالح، هذا هو الشرط الأول ليكون العمل صالحا مقبولا عند الله تبارك وتعالى.
والشرط الثاني أن يكون المُتعبِّد لله عز وجل مُخلصا له في هذه العبادة لا يبتغي من وراءها جزاء ولا شكورا ولا أجرا عاجلا، والدليل على ذلك الكتاب والسنّة.
فمن الكتاب أيات كريمات كقوله تبارك وتعالى (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) (( مخلصين له الدين )) أي لله رب العالمين وكذلك قال عز وجل (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عمل صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) قال علماء التفسير في هذه الأية كالقرطبي وغيره (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا )) أي على السنّة فإذا كانت العبادة ليست على السنّة فليس عملا صالحا، هذا هو الشرط الأول والشرط الأخر قوله تعالى (( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) والشرك كما تعلمون إما أن تكون في ذات الله عز وجل أو في صفة من صفاته أو في عبادته عز وجل مع غيره ولهذا قد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله الرجل منا يقاتل حميّة شجاعة دفاعا عن قومه وجمل تُشبه هذه الألفاظ أذلك في سبيل الله؟ قال ( لا ) قالوا فمن هو في سبيل الله؟ قال ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) وجاء في "مستدرك الحاكم" وغيره بسند قوي أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم قال ( بشّر هذه الأمة بالسناء والرفعة والتمكين في الأرض ومن عمل منهم عملا للدنيا فليس له في الأخرة من نصيب ) ( ومن عمل منهم عملا للدنيا ) أي من أعمال الأخرة فليس له في الأخرة من نصيب.
وأشد الأحاديث رهبة في هذا الصدد هو ما أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم قال ( أول من تُسْعر بهم النار يوم القيامة عالم ومُجاهد وغني يُؤتى بالعالم فيُقال له ماذا عملت فيما علمت فيقول يا رب نشرته في سبيلك فيُقال له كذبت إنما علّمت ليقول الناس فلان عالم وقد قيل خذوا به إلى النار ثم يؤتى بالمجاهد فيُقال له أي عبدي ماذا عملت فيما أنعمت عليك من قوة؟ فيقول يا رب جاهدت في سبيلك فيُقال له كذبت إنما جاهدت ليقول الناس فلان بطل وقد قيل خذوا به إلى النار ثم يؤتى بالغني فيُقال له ماذا عملت فيما أنعمت عليك من مال؟ فيقول يا رب أنفقته في سبيلك فيُقال له كذبت إنما أنفقت ليقال فلان كريم وقد قيل خذوا به إلى النار ) فهؤلاء الثلاثة أول من تُسْعر بهم النار يوم القيامة.
ولذلك فتجدون أمر المتعبد والمتعبد على السنّة في خطر فيما إذا ابتغى من وراء عبادته غير وجه الله تبارك وتعالى، أقول هذا بمناسبة هذا الإقبال الطيّب الذي أراه متمثّلا في إقدامكم كل يوم صباحا على هذا الدرس ولكن يُلفت نظري تزاحمكم هذا التزاحم الذي لا يُمثّل الأدب الإسلامي من جهة ومن جهة أخرى أنه قد يُشعر بعض الناظرين بأن هذا التزاحم ليس هو لله تبارك وتعالى، لا أجزم بذلك بل كما قلت أنفا قد يُشعر بعض الناظرين بأن هذا التزاحم إنما هو للظهور، وقديما قيل " حب الظهور يقطع الظهور " .
ولذلك فإني أنصح إخواننا بتلك النصيحتين الغاليتين حقا، الأولى أن يتعبّدوا الله بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وأن يكونوا بعيدين جدا عن محدثات الأمور والأمر الأخر أن يكونوا فيما يتقصّدونه من العبادات ومنها العلم النافع خالصا لوجه الله تبارك وتعالى.
وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين، والأن ترفعون أسئلتكم.
السائل : بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أجود الأنبياء والمرسلين.
ما هي كيفية إحصاء أسماء الله الحسنى؟
الشيخ : أولا لفظ الحديث ( إن لله تسعة وتسعين اسما ) وليس "تسعا وتسعين اسما" وأما ثانيا الإحصاء هنا ليس هو عبارة عن حفظ الأسماء التي سُرِدَت في بعض كتب السنّة ك"سنن الترمذي" حتى بلغت تسعة وتسعين اسما لأن الرواية هذه التي فيها عدّ الأسماء الحسنى لم تصحّ وإنما صحّ الحديث مُطلقا دون بيان وسرد للسماء الحسنى.
الحديث كما سمعتم أنفا ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) والإحصاء ليس بالأمر السهل كما يتوهّم بعض الناس وهو حِفظها من رسالة أو من رواية جُمِعت فيها هذه الأسماء وإنما الإحصاء هو إفراغ الجُهد بتتبّع أسماء الله عز وجل في الكتاب وفي السنّة الصحيحة.
وهذه عملية قد تختلف من إنسان إلى أخر من جهة ثم قد يُوفّق لهذه الأسماء لأنها حُصِرت بدقّة حيث جاء في بعض الألفاظ لهذا الحديث ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا ) فهذا الإحصاء بهذه الدقة قد يُوفّق الإنسان إلى هذه الأسماء جَمْعا من القرأن ومن الحديث الصحيح وقد لا يُوفّق فمن وُفِّق فأحصاها دخل الجنة ومن لم يُوفّق كان له أجر السعي في سبيل تحصيل هذه الأسماء، فالأمر ها هنا كالأمر تماما في بعض الأحكام الشرعية التي يَبْتغي الفقيه معرفة الصواب فيها فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد.
كذلك فيما بدا لي من شرح ذاك الحديث أن من أحصى تلك الأسماء التسعة والتسعين اسما فكان ذلك بِشارة له بدخول الجنّة وليس ذلك بالأمر المادي بحيث يُمكن أن يُقال فلان أحصى الأسماء فهو من أهل الجنّة، هذا مما لا يمكن الوصول إليه بهذا الوضوح وهذا البيان وإنما على المسلم أن يسعى بالتقاط هذه الأسماء من القرأن الكريم وهذا سهل لأن القرأن الكريم محفوظ ثم من السنّة وهذا أصعب ما يكون لأن السنّة واسعة الأطراف كما تعلمون من جهة ثم فيها ما يصحّ وما لا يصحّ من جهة أخرى فالذي يريد أن يقوم بإحصاء الأسماء الحسنى عليه أن يكون أولا على إحاطة تكاد أن تكون كاملة لكتب السنّة أولا ثم أن يكون على علم بتمييز الصحيح من الضعيف ثانيا.
وقل من قام بهذا الأمر وذلك لما أشرت إليه من صعوبته والذي أعرفه أن الإمام الخطّابي قد شرح الأسماء الحسنى ولكن لا أدري إذا كان قد أحصاها جمْعا كما ذكرنا أو أنه اعتمد على الرواية المشهورة من رواية الترمذي لكن قد قام بإحصاء هذه الأسماء على الطريقة التي أشرت إليها أنفا الحافط ابن حجر العسقلاني ثم قام بعض المعاصرين وقد تُوفِّي إلى رحمة الله في مجلة أنصار السنة المحمدية في القاهرة واسمه نحو درويش أو نحو ذلك.
السائل : ... .
الشيخ : أيوة، أبو الوفاء محمد درويش، هذا كان من أفاضل أنصار السنّة في القاهرة وكان قد نَشَر بحوثا ومقالات متتابعة في مجلة الأنصار يُحصي فيها الأسماء هذه الحسنى، هذا ما يحضرني من الجواب عن ذاك السؤال، تفضل.
هناك شبه تدور حول منهج الشيخ خاصة ومنهج أهل الحديث اليوم من السلفين عامة منها أن الشيخ الألباني عمد إلى السنن الأربعة وتصرف فيها وأتى بما لم يسبق إليه وفصلها إلى صحيح وضعيف مع أنّ مسألة التصحيح والتضعيف مسألة اجتهادية أما ما يتعلق بأهل الحديث اليوم فإنّهم يشتغلون بالردود على بعض في مسائل فرعية اجتهادية الاختلاف فيها اختلاف تنوع وليس لهم في واقعهم أن يقدروا حلول لمشاكل المسلمين فنرجوا من فضيلتكم إجلاء هذه الشبه؟
الشيخ : هذه كما يُقال منذ القديم " شنشنة نعرفها من أخْزم " إن الذين يدّعون بأن السلفيين لا يقدّمون حلولا لمشاكل العصر الحاضر يقولون قولا يدل على جهلهم بالإسلام، والكلمة الأولى التي أشرت إليها إن كانت من كلامهم فهي أيضا كما يقال " ضغثا على إبّالة " .
صحيح أن الألباني جاء إلى السنن الأربعة وأعطى كل حديث في كل كتاب منها مرتبته التي، المرتبة التي تتطلّبها أسانيد تلك الأحاديث وشواهدها وتوابعها.
فنقول لهؤلاء الذين يريدون أن يُقدِّموا إلى الأمة حلولا لتلك المشاكل التي يُشيرون إليها، على أي أصل يريدون أن يعتمدوا في ذلك التقديم؟ لا شك أن ذلك الأصل هو الأصل الأول للشريعة الإسلامية القرأن الكريم ثم الأصل الثاني السنّة أيضا باتفاق جميع المسلمين، وإذا كانت السنّة قد دخل فيها لحكمة أرادها الله بهذه الأمة ما ليس منها من الأحاديث الضعيفة والمُنكرة فتلك الحلول كيف تُقام على مثل هذه الأحاديث التي اختلط الحابل فيها بالنابل.
لذلك فالسلفيون في الواقع يقومون بواجب التصفية التي أعرض عنها جماهير المسلمين قديما وحديثا وبخاصة منهم هؤلاء الذين يزعمون بأنهم يقدمون حلولا لتلك المشاكل.
وما أحسن قول الإمام الشافعي رحمه الله حين قال في رسالته " إذا كان العالم جاهلا بالسنّة فبأي أو وعلى أي أصل يعتمد إذا ما أراد أن يقيس والقياس لا يصحّ إلا على الأصلين الكتاب والسنّة، فإذا قاس المجتهد أو استنبط حُكْما من السنّة فأوّل شرط أن تكون هذه السنّة صحيحة عند علماء الحديث وموافقة لأصولهم وقواعدهم " .
فهؤلاء الذين يتبجّحون بما ليس عندهم من أنهم يُقدِّمون حلولا لتلك المشاكل على أساس ماذا؟ على أساس الجهل لأن الذين لا يعلمون السنّة ولا يُميّزون بين صحيحها وضعيفها ليس بإمكانهم أن يُقيموا حلولا عملية ومُوافقة للشريعة الإسلامية، والواقع يؤكّد ذلك فمنهم جماعات أو أحزاب مضى عليهم نحو نصف قرن من الزمان أو أقل أو أكثر ما استطاعوا أن يعملوا شيئا، فقد ظلّت أفراد هذه الأحزاب بعيدة عن العمل بالكتاب والسنّة لأنهم لا يعلمون ومن لا يعلم لا يستطيع أن يعمل، كما ذكرنا أنفا أن الأصل في كل عمل أن يكون قائما على الكتاب والسنّة ثم أن يكون خالصا لوجه الله تبارك وتعالى.
فلو فرضنا في كل فرد من أفراد الأمة ومنها أولئك الجماعات أو الأحزاب فرضناهم مخلصين في أعمالهم ولكن أعمالهم تكون مردودة غير صالحة لأنها ليست على الكتاب والسنّة.
فتقسيم السنّة إلى صحيح وضعيف كما نَقل السائل أنفا أن هذا عمل تفرّد به الألباني فهل هذا عيْب؟ لقد سنّ لنا الأئمة الكبار من علماء الحديث هذه السنّة الطيّبة أنهم جعلوا الحديث صحيحا وضعيفا وأشهر الأئمة في ذلك الإمام البخاري ومسلم، فهل غُمِز صنيعهم هذا غمْزا سيئا أم كان عملهم هذا مشكورا عند الأمة كلِّها حتى صار كتاباهما بعد كتاب الله اعتمادا عليهما مدى هذه القرون الطويلة فكان ذلك منهم سعيا مشكورا ويُثابون على عملهم هذا بما لا يُقدِّر أجره إلا الله تبارك وتعالى.
الحق والحق أقول إن انتقاد عمل الألباني هذا ينشأ من عدم تقدير هذا العلم وهو الذي يُمكّن صاحبه من تمييز الصحيح من الضعيف أو يَنشأ من الحقد والغيرة والحسد وهذا ليس من أخلاق المسلمين فبديل أن يُحسنوا هذا العمل ويُساعدوا المؤلّف على المضي شوطا كبيرا في إتمام هذا العمل يقولون هذا عمل تفرّد به الألباني، فماذا يريدون إذًا؟ أن تبقى الأمة الإسلامية حيارى كلما جاءهم حديث عن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم لا يعرفون صحيحه من ضعيفه وتكون نتيجة ذلك وعاقبة ذلك أن يقعوا في الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وذلك مما أخبر به النبي صلى الله عليه وأله وسلم في أحاديث كثيرة وأهمّها قوله عليه السلام ( كفى المرء كذبا أن يُحدّث بكل ما سمع ) وإذا كان لا يجوز الاعتداء على الباغين أو على الظالمين وإنما جزاء سيّئة سيّئة مثلها فأنا أقول إن هؤلاء الذين لا يُقدِّرون هذا الجهد المبذول في تمييز الصحيح من الضعيف فمعنى ذلك أنهم رضوا بالبقاء على جهلهم بالسنّة ورضوا بالتالي بالوقوع في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم للحديث السابق وهو حديث خطير جدا ويُعالج أمرا واقعا ( بحسب المرء من الكذب أن يُحدِّث بكل ما سمع ) أيّ كاتب ألّف كتابا أو أيّ كاتب كتب رسالة أو أيّ مُحاضر ألقى محاضرة يروون في هذه المقالات أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم لا يُميّزون صحيحها من ضعيفها فقد وقعوا شاؤوا أم أبوْا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم، هذا وحده يكفي ليعلموا أن من الواجب على العشرات بل المئات من الأمة الإسلامية أن يدرسوا علم الحديث هذا دراسة جيّدة وأن يتمكّنوا من تمييز صحيح الحديث من ضعيفه حتى ينشروا العلم الصحيح بين المسلمين، يومئذ يستطيع من يُريد أن يضع تلك الحلول المشارة إليها أنفا، أن يضعها حلولا إسلامية وإلا ستكون حلولا بعيدة عن الإسلام.
ونحن في كل يوم نقرأ مقالات فيها إباحة أشياء أو تحريم أشياء بمجرّد الرأي ليس هناك قال الله ولا قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم مع أنه يكون من المعلوم عند أهل العلم أنه في كثير من تلك البحوث قد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وأله وسلم ومع ذلك لا يُذكر في بعضها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وهذه علّة طالما تحدّث عنها بعض العلماء القدامى في بعض المذاهب حيث يقرأ الإنسان كتاب فقه من أوله إلى أخره فلا يسمع قال الله قال رسول الله إنما هو مُجرّد المذهب ومُجرّد الرأي.
وقديما قرأت بحثا لأحد الكتاب المشهورين حول الموسيقى والغناء وإذا به لا يتعرّض لحديث من تلك الأحاديث التي ذكرها علماء الحديث في خصوص هذه المسألة وإنما يذكر أراءه وقد يعتمد في شيء منها على بعض الأقوال لبعض المتقدّمين ولكن العلم ليس هو قال فلان وقال علان وإنما كما قال ابن قيم الجوزية رحمه الله بحق
" العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها *** حذرا من التعطيل والتشبيه " .
ذلك البحث في الغناء وفي الألات الموسيقية لم يذكر كاتب ذلك البحث الحديث الذي جاء في البخاري ( ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف يُمْسون في لهو ولعب ويصبحون وقد مُسِخوا قردة وخنازير ) ، لماذا لم يذكر هذا الحديث؟ لأنه أولا لا علم عنده بالحديث وثانيا لو ذكر هذا الحديث لسقطت مقالته من أصلها ولم يُقِم لما قاله وزنا يذكر إطلاقا.
أهكذا تكون وضع الحلول للمشاكل التي يعيشها المسلمون اليوم؟ لا بد من الرجوع إلى الكتاب وإلى السنّة الصحيحة وهذا ما يدندن حوله المسلمون المنتمون إلى السلف الصالح.
وأنا أخيرا أقول كلمة سهلة جدا نفترض أن المسلمين اليوم كلٌّ في مذهبه وفي طريقه الذي يمشي فيه ولكن على غير هدًى من ربه، والمنتمون إلى السلف الصالح إنما يُزيلون العثرات ويُبعدون الأشواك من هذا الطريق فيكون جزاء ذلك العمل تحقير عملهم والحطّ عليهم بأنهم لا يضعون الحلول، الحلول إنما توضع بعد إزالة الأشواك والعثرات من الطريق، ذلك من معاني قوله عليه الصلاة والسلام ( تركتم فيكم شيئين لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما كتاب الله وسنّتي ولن يتفرّقا حتى يردا علي الحوض ) فكل من لم يهتم بالسنّة فمعنى ذلك أنه لم يرفع رأسا إلى الأيات فضْلا عن الأحاديث التي تأمُر المسلمين بالرجوع إليها وفي خاصة إذا اختلفوا في أمر أو في حكم أو في منهج يضعونه للسير عليه في حياتهم القائمة الأن.
هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.
السائل : ... .
الشيخ : نعم، كما قال ... .
السائل : أحمد شاكر في المسند رحمه الله.
الشيخ : وأحمد شاكر يعني.
السائل : ... إلى صحيح وضعيف.
الشيخ : نعم.
السائل : تبقى الأصول كما هي وتُخرّج الأحاديث في الحواشي.
الشيخ : وإيش معنى هذا؟ هكذا نحن.
السائل : ... .
الشيخ : هكذا نحن بدا لنا فهل هذا يكون مأخذا علينا (( لكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات )) وقد ذكرت أنفا هذا الاعتراض أشرت أنفا إلى أن هذا الاعتراض لا يرد على الألباني، يرد على الإمام البخاري ومسلم، لماذا جمعا الأحاديث الصحيحة في الكتاب أليس نُصحا للأمة؟ فنحن نستعين بالعلم الذي وضعوه لنا إلى تمييز الصحيح من الضعيف.
وأنا حينما خطّطت هذه الخطّة وجريت عليها أول ما جريت على "صحيح سنن أبي داود" و "ضعيف سنن أبي داود" لقد فكّرت مليا أأسلك هذه الطريقة التي يراها بعضهم أم أسلك الطريقة التي شرح الله قلبي لها أخيرا؟ فلكل وجههة قلت لو أنني جئت إلى "سنن أبي داود" وهو أول كتاب من كتب السنن الأربعة بدأت فيه منذ نحو أربعين سنة، لو أنني تركت السنن على ما وضعه المؤلف عليه ثم أعطيت كل حديث مرتبته من صحّة أو ضعف فعاقبة ذلك أنني ميّزت فعلا ولكن ما شخّصت الصحيح ولا شخّصت الضعيف وليس كل فرد من أفراد الأمة من طلاب العلم أو من غيرهم باستطاعته أن يستوْعب هذا الكتاب برمّته وأن يُركّز في ذهنه الصحيح منه والضعيف، بل أكثرهم سيختلط عليه الأمر من حيث الحفظ والضبط، سيختلط عليه الأمر بالصحيح بالضعيف.
فرأيت أن هذا التمييز يُساعد كل فرد من أفراد الأمة حتى حُفّاظ الأمة أن يحفظوا الصحيح ويحفظوا الضعيف.
نحن الأن يكفينا أن نتذكّر أن الحديث الفلاني في الصحيح في البخاري في مسلم وإذا نحن على بصيرة من ديننا أنه هذا الحديث لا يحتمل أن يكون من الضعيف، أما إذا الكتاب يحوي القسمين الصحيح والضعيف فيتذكّر الإنسان أنه هذا الحديث في "سنن أبي داود" و "سنن أبي داود" فيه الصحيح فيه الحسن فيه الضعيف وفيه المنكر وغيره من السنن فيه بعض الموضوعات، فسوف يختلط الحابل بالنابل والصحيح بالضعيف.
هذا ما اطمأنّت إليه نفسي وانشرحت له صدري، فما معنى انتقاد لمَ فعلت هذا؟ هذا هو اجتهادي فإن أصبت فلي أجران وذلك ما أرجوه من الله تبارك وتعالى وإن أخطأت فنقول لأولئك المنتقدين هاتوا عملكم الذي هو أصلح وأنفع من هذا للأمة، تفضل.
4 - هناك شبه تدور حول منهج الشيخ خاصة ومنهج أهل الحديث اليوم من السلفين عامة منها أن الشيخ الألباني عمد إلى السنن الأربعة وتصرف فيها وأتى بما لم يسبق إليه وفصلها إلى صحيح وضعيف مع أنّ مسألة التصحيح والتضعيف مسألة اجتهادية أما ما يتعلق بأهل الحديث اليوم فإنّهم يشتغلون بالردود على بعض في مسائل فرعية اجتهادية الاختلاف فيها اختلاف تنوع وليس لهم في واقعهم أن يقدروا حلول لمشاكل المسلمين فنرجوا من فضيلتكم إجلاء هذه الشبه؟ أستمع حفظ
ما معنى حديث : "من تزوج فقد أحرز نصف دينه ..."، وما حكم الزواج ؟
الشيخ : فهمت عليك، الحديث المسؤول عنه هو قوله عليه الصلاة والسلام ( من تزوّج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الثاني ) ، لا شك أن هذا الحديث لا يُمكن فهمه إلا على أساس استقرار حكم الزواج في ذهن السامع لهذا الحديث.
وفي ظني أن الإشكال الذي يقع في التسليم لحكم هذا الحديث هو أنه قد قام في أذهان أكثر الناس أن الزواج سنّة أي سنّة ليست بفريضة، والأمر ليس كذلك.
الزواج لمن لم يتزوّج أو بمعنى أدق لمن لم يكن له زوجة فرض عليه، يجب أن يسعى إليه سعيا حثيثا لثبوت الأمر بذلك في الكتاب والسنّة، أما الكتاب فقوله تبارك وتعالى في الأية المشهورة (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع )) أما السنّة فقوله صلى الله عليه وأله وسلم في الحديث الصحيح الذي كنت ذكرته في مناسبة أو مناسبات مضت في قصة الرهط الذين جاؤوا إلى نساء النبي صلى الله عليه وأله وسلم يسألونهن عن عبادة الرسول عليه السلام وعن تمتّعه بنساءه فاستغربوا كيف أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم يأتي نساءه، فخطب الرسول عليه السلام تلك الخطبة ولا داعي لذكرها مرة أخرى فإنها معروفة إن شاء الله والشاهد أنه رد على كلٍّ منهم ما كان نذر نفسه عليه، أحدهم قال "أما أنا فلا أتزوّج النساء" فكان رد النبي صلى الله عليه وأله وسلم ( أما أنا فأتزوّج النساء فمن رغب عن سنّتي فليس مني ) .
فالزواج فرض وليس بسنّة للأية ولهذا الحديث ولقوله صلى الله عليه وأله وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) يا معشر الشباب تزوّجوا يقول الرسول عليه السلم ويُبيّن السبب في ذلك فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج ومما لا شك فيه أن هناك مقدّمات للزنا بيّنها عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث الصحيحة، فهذا الحديث المذكور أنفا يُبيّن أن هذه المقدّمات ينجو منها من تزوّج لأنه سمعتم أنه قال ( فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) .
أما تلك المقدمات فهو قوله عليه الصلاة والسلام ( كتب على ابن أدم حظه من الزنا فهو مدركه لا محالة ) وهذا الحديث فيه رد على بعض من قد يغترّ بنفسه من الشباب حين يقول أنا أغضّ البصر، يقول الرسول مكذّبا ( كتب على ابن أدم حظه من الزنا فهو مدركه لا محالة ) المقدّمات هذه لا محالة هو واقع فيها أما الفاحشة الكبرى فقد وقد ( كتب على ابن أدم حظّه من الزنا فهو مدركه لا محالة فالعين تزني وزناها النظر والأذن تزني وزناها السمع واليد تزني وزناها البطش والرِجْل تزني وزناها المشي والفرج يُصدّق ذلك كله أو يكذّبه ) .
فإذًا الزواج فرض لأنه يحول بين الإنسان وبين أن يقع في الكثير من المقدّمات المحرّمة المذكورة في سياق هذا الحديث ( كتب على ابن أدم حظه من الزنا فهو مدركه لا محالة فالعين تزني ) - إلى أخر الحديث - ( والفرج يصدق ذلك كله أو يكذّبه ) ولذلك فيجب على المسلم المستطيع أن يتخذ الذريعة والمانعة له من أن يقع في الفاحشة الكبرى وذلك يكون بوسيلتين اثنيتين.
الوسيلة الأولى الزواج لكن هذا مقيّد بالاستطاعة لأن الحج وهو أعظم من الزواج إنما يُفرض للمستطيع كما هو معلوم، فالوسيلة الأولى ليحول المسلم بينه وبين الوقوع في المعصية إنما هو الزواج ( فإن لم يستطع ) قال عليه الصلاة والسلام ( فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) .
وهنا لا بد لي من وقفة وأرجو أن تكون قصيرة وهي أن بعض الناس قديما وحديثا يُفتون الشباب التائق إلى الزواج ولكن لا يجد سبيلا إليه لسبب أو أخر، يفتونهم بل وبعضهم ألّف في ذلك أو كتب في بعض المؤلفات ذلك، يُفتونهم بجواز العادة السرية، الاستمناء وهذا حرام على حرام، كيف ذلك؟ أولا خالفوا أمر الرسول عليه السلام وثانيا خالفوا الأية الكريمة أما أمره قوله عليه السلام ( فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) فالصوم هو الوسيلة بالنسبة للشاب الذي يخشى عليه أن يتغلب التوقان إلى الزواج فيُرديه، فعليه بالصيام لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام.
يعني أن أمره صلى الله عليه وأله وسلم هو الدواء وهو العلاج لكل شاب عنده رغبة في الزواج ولكن لا يستطيع كما ذكرنا فدواءه الصوم لأنه عليه الصلاة والسلام شبّه هذا الصوم بالوجاء ل، وهو خصي الحيوان الذي إذا خُصِيَ انقطعت شهوته عن أنثاه، فشبّه النبي صلى الله عليه وأله وسلم هذا الصيام بالوجاء فمعنى ذلك ان العلاج للتائق إلى الزواج من الشباب ليس هو الاستمناء وإنما هو الصوم، ذلك هو من الطب النبوي.
أما المخالفة للقرأن فقد قال تعالى في وصف عباده المؤمنين (( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون )) (( فمن ابتغى وراء ذلك )) أي وراء الزواج والتسرّي طريقا لإخراج شهوته (( فأولئك هم العادون )) أي الباغون الظالمون، فكيف يجوز لعالم مسلم أن يُقدِّم علاجا للشباب الذي لا يستطيع الزواج يُقدّم لهم علاجا يُخالف علاج الرسول عليه السلام، يقول لهم يجوز الاستمناء باليد ولا يأمرهم بالصيام الذي أمر به الرسول عليه الصلاة والسلام، أليس هذا كالطبيب الذي يعلم أن الحبة السوداء مثلا شفاء من كل داء ويعلم طريقة استعمالها فيصف للمريض الخمْرة المحرّم ويُعرض عن هذا الوصف الذي جاء به عليه الصلاة والسلم، لا شك أن هذه الفتاوى إنما هي مع مُخالفتها لهذا النهج النبوي الكريم فهي على وِزان قول ذلك الماجن الشهير أبي نواس الذي كان يقول من حبه للخمر والإسكار بها " وداوني بالتي كانت هي الداء " لا يجوز هذا في دين الإسلام.
لذلك إذا عرفنا هذا الحقيقة وعدنا إلى قوله عليه الصلاة والسلام ( من تزوّج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الثاني ) وكأن النبي صلى الله عليه وأله وسلم يُشير بهذا الحديث إلى قوله عليه الصلاة والسلام ( من يضمن لي ما بين فكّيه وما بين فخذيه ضمنت له الجنة ) ، هذا أخر الجواب، تفضل.
ما حكم ختان المرأة مع ذكر الدليل؟
الشيخ : ما تقصد بالحسان؟
السائل : الختان.
الشيخ : الختان، الختان كما جاء في حديثٍ وإن كان في سنده بعض الضعف ( الختان سنّة للرجال ومكرُمة للنساء ) لكن لسنا بحاجة للاحتجاج بمثل هذا الحديث بعد أن ثبت أن الختان من الفطرة ( خمس من الفطرة ) - ذكر في ذلك عليه الصلاة والسلام خصالا يشترك فيها النساء والرجال كنتف الإبط وحلق العانة وقص الظفر ومن ذلك الختان فحينما ذكر الختان من الخصال الفطرية كان ذلك دليلا على أنه لا يختص الختان بالرجال دون النساء وبسبب أنها من الفطرة أولا وذُكِرت في جملة خصال أخرى، لا بد للنساء أن يشتركن مع الرجال وبخاصة أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم كان يقول ( إنما النساء شقائق الرجال ) فلا تُستثنى النساء من الأحكام التي جاءت مذكورة في الرجال وليس هناك نصّ يشمل النساء فهذا النص وهو قوله عليه السلام ( إنما النساء شقائق الرجال ) يشمل النساء في كل الأحكام إلا، مع الرجال إلا ما استثناه الشارع الحكيم والمستثنيات معروفة ومحصورة.
فكيف إذا جاء الختان، قد وقع فعلا في عهد النبي صلى الله عليه وأله وسلم فقد كان هناك في الصحابيات ختّانة وهي امرأة من الصحابيات الفاضلة وهي أم عطية رضي الله عنها فكانت تختن النساء فأمرها النبي صلى الله عليه وأله وسلم فقال لها ( إذا خفضت ) - أي ختنت - ( فلا تنهكي ) - أي لا تبالغي في قطع الفضلة التي تخرج عند فرج المرأة، هذه الفضلة يقول أهل المعرفة بأنها كعرف الديك وهذا قطعة من لحم تكبر وتصغر تختلف باختلاف البلاد الحارة والبلاد الباردة، ولا شك أن البلاد العربية وبخاصة الحجاز منها كما تشهدون فهي من البلاد الحارة فتكون النساء فيها بحاجة إلى الختان وإلى الخفض فأمر النبي صلى الله عليه وأله وسلم أم عطية هذه أنها إذا ختنت النساء أن لا تُبالغ في قطع لذلك تلك القطعة، قال عليه السلام ( لأنه أنظر للوجه وأشهى للرجل )) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فعملية الختان للنساء ثابتة عمليا في عهد الرسول عليه السلام من جهة وداخلة في عموم النصوص من جهة أخرى كما ذكرنا أنفا.
لكن لا بد من ملاحظة ما أشرت إليه أنفا أن في بعض البلاد لا توجد هذه القطعة من اللحم في البلاد الباردة فلا تكون النساء هناك بحاجة إلى الختان فمن كانت تعيش أو قد ولدت في بلاد باردة وتعرف أمها أنه بحاجة إلى ختن فالختان في اليوم السابع هو الأفضل سواء كان ذكرا أو أنثى ومن كانت لا تحتاج إلى الختان لما ذكرنا أنفا فلا حاجة إلى ذلك كالرجل النادر الذي يولد مختونا فهو ليس بحاجة إلى الختان لأن المقصود قطع تلك القطعة من الجلد الزائدة المحيطة بالحشفة، أما إذا ولد مختونا فلا حاجة لإجراء الختان من جديد لأنه من باب تحصيل الحاصل وهذا لا فائدة منه.
هذا ما يحضرني جوابا عن هذا السؤال، تفضل.
ما منهج ابن حبان في الجرح والتعديل؟، وهل يعول على منهجه ؟
الشيخ : ابن حبان رحمه الله لا شك أنه من كبار حفّاظ الحديث ومن علماء الجرح والتعديل ولكن له شيء من التشدّد والتساهل فيما يبدو للباحثين في تجريحه وفي تعديله.
أما تساهله في التعديل فأشهر من أن يُذكر فإنه من قاعدته أن يُوثِّق الرجل الراوِيَ وهو مجهول عند جماهير المحدّثين لأنه بنى التوثيق على قاعدة فقهية وليست قاعدة حديثيّة أي كل من كان مسلما من الرواة فهو عدل فلذلك نراه يُوثّق من يُصرِّح بأنه لا يعرفه ويُبالغ أحيانا في بيان الجهالة فيقول لا أعرفه ولا أعرف أباه، فكيف إذًا هو يُعدِّله؟ لأنه مسلم.
لكن علماء الحديث يقولون في تعريف الحديث الصحيح " ما رواه عدل ضابط " فإن ثبتت عدالة الراوي بمجرّد رواية شخص عنه فكيف ثبت حفظه وضبطه، هذا ما لا يمكن الوصول إليه لأن ضبط الراوي إنما يتبيّن بما إذا كان كثير الحديث وتُعرض أحاديثه على أحاديث الثقات فتُوافقها ولا تُخالفها حينذاك يثبت ضبطه وحفظه ويمكن والحالة هذه أن يُقال فيه إنه ثقة، فتثبت عدالة الراوي برواية جماعة عنه من الثقات ولا يظهر فيما رواه هؤلاء الثقات عنه في رواياته شيء من الضبط، من الإخلال بالضبط أو شيء من سوء الحفظ.
فإذا كان من شرط الحديث الصحيح بلا خلاف بين علماء الحديث أن يكون عدلا ضابطا فما جرى عليه ابن حبان من توثيق الراوي بمجرد رواية راو واحد عنه وذلك مما يحمله على الاعتراف بأن هذا الراوي مجهول وإن روى عنه هذا الواحد.
فإذًا إذا كان مجهول العين فهو مجهول الضبط والحفظ فاعتبر من أجل ذلك أنه متساهل في التوثيق، أما تشدده في التضعيف فهو يُقابل تساهله في التوثيق فإنه في كثير من الأحيان يرى بعض الحفّاظ كالذهبي والعسقلاني وغيرهما أنه يشتد أحيانا في تضعيف لا نقول مثلا الثقات وإن كان له شيء من هذا ولكنه يشتدّ في تضعيف الراوي الصدوق بمجرد أنه كان يخطئ في رواياته فيتهمه بأنه يروي الموضوعات عن الثقات أو الأثبات.
ولهذا فيينبغي لطالب العلم أن يأخذ توثيق ابن حبان وتضعيفه للرواة مأخذ الحذر والتحفّظ فلا يسارع إلى الاعتماد عليه إلا بعد أن يرى موقف العلماء الذين سبقوه أو الذين جاؤوا من بعده هل تابعوه أو وافقوه في ذلك أم لا؟
فإبن حبان إذًا هو متساهل في التوثيق أحيانا ومتشدّد في التضعيف أحيانا أخرى، هذا ما يمكن ذكره بهذه المناسبة، تفضل، لا هنا.
ما قول أهل السنة والجماعة في التقديم بين علي وعثمان رضي الله عنهما ؟
الشيخ : كيف؟
السائل : نرى بعض المحدثين أنهم يُقدمون عليا على عثمان، فماذا قول أهل السنّة والجماعة؟
الشيخ : أهل السنّة والجماعة على ما وقعت عليه اختيار الجماعة حينما أثروا عثمان على علي خليفة بعد عمر، هذا هو الجواب الحاسم في الموضوع، تفضل.
ما صحة حديث : "من أضحك مصلياً فقد أبكاني" ؟
الشيخ : ( من أضحك مصلياً فقد أبكاني ) هذا حديث؟ هذا حديث مضحك حقا، ما سمعنا به في كل حياتنا إلا في هذه الساعة لكن أريد أن أتثبّت هل هو مسطور أم ملفوظ؟
السائل : ... .
الشيخ : فهمت سؤالي؟ هل هو مسطور أم ملفوظ فقط؟
السائل : ... .
الشيخ : ملفوظ، فإذًا هو ملفوظ، نعم.
كيف الجمع بين حديث :" خير الناس قرني " وبين حديث :" أمتي كالمطر لا يدرى الخير في أوله أم في آخره "؟
الشيخ : الحديث الأول لا يُخالف الحديث الأخر ( خير الناس قرني ) إلى أخره فإن هذا الحديث يُفضّل القرن الأول على الثاني والثاني على الثالث لكن الحديث الثاني وهو قوله عليه السلام ( أمتي كالمطر لا يدرى الخير في أوله أم في أخره ) ليس فيه إلا أن الخير قد يكون في أخر الأمة كالمطر قد لا يدرى الخير في أوله أم في أخره.
أما بالنسبة للسلف فقد عُرِف الخير فيهم بل عُرِف فيه أنه أفضل خيْر وُجِد على وجه الأرض على الترتيب المذكور في خير الناس.
أما الحديث الأخر ( أمتي كالمطر لا يدرى الخير في أوله أم في أخره ) فإنما هو بشارة من النبي صلى الله عليه وأله وسلم أنه قد يكون في أخر الأمة خير ولا ينفي أن يكون في أول الأمة خير فقد أثبت ذلك بالحديث المتواتر الذي أشرت إليه أنفا وإنما يريد أن يُلقِيَ الروح في الأمة وأن يقطع عنهم اليأس من الرحمة فيقول إن الخير قد يكون في أخر هذه الأمة كما كان في أولها والأحاديث التي تُصرِّح بقوله، بمثل قوله عليه الصلاة والسلام ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) أو في رواية ( حتى تقوم الساعة ) هذا دليل أن الخير مستمر في الأمة وليس ينقطع ولكن ليس كالخير الذي كان في أول الأمة، في القرون الثلاثة.
كذلك تبشيره عليه الصلاة والسلام لهذه الأمة بخروج المهدي ونزول عيسى عليهما السلام في أخر الزمان بمثل قوله صلى الله عليه وأله وسلم ( لا تنقضي الدنيا ) وفي رواية ( لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل يُوافق اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ) وكقوله عليه السلام في نزول عيسى ( كيف بكم إذا نزل عيسى ابن مريم فيكم وأمَّكم منكم ) وكذلك الأحاديث التي جاءت في خصوص عيسى عليه السلام وفي بعضها أن السجدة في تلك الأيام تكون خيرا من الدنيا وما فيها، فإذًا قوله صلى الله عليه وأله وسلم ( أمتي كالمطر لا يدرى الخير في أوله أم في أخره ) إنما يعني أن الخير لا ينقطع عن هذه الأمة وإن كان أكثر في القرون الأولى.
10 - كيف الجمع بين حديث :" خير الناس قرني " وبين حديث :" أمتي كالمطر لا يدرى الخير في أوله أم في آخره "؟ أستمع حفظ
ما رأي فضيلتكم في الأحاديث الواردة في كتاب ما يكون بين يدي الساعة وكتاب الإذاعة وذلك على قرب أمارت خروج الإمام المهدي منها جفا ف بحيرة طبرية وخسوف الشمس والقمر وهل قطع مياه الفرات الآن عن سوريا والعراق في الوقت الحاضر مؤشرات ذلك ؟
الشيخ : أما القطع المذكور فليس له علاقة بأشراط الساعة فإنه خلاف سياسي قد يزول إن شاء الله أما كسوف الشمس والقمر فليس فيه حديث صحيح، أما سائر العلامات التي ذُكِرت في السؤال فهي ثابتة وأخيرا فليس هناك تحديد لوقت خروج المهدي ونزول عيسى عليهما السلام ولا أعتقد أن هذا الوقت هو، ففيه نظر وعلامات لتُمكِّننا من تحديد وقت خروج المهدي أو نزول عيسى عليه السلام، لا سبيل إلا ادعاء شيء من ذلك إلا على سبيل التظنّن والتخرّض وهذا لا يجوز في دين الله.
وأنا أقول بمثل هذه المناسبة أن كثيرا ممن ينتمي إلى العلم وإلى الدعوة إلى الإسلام قد يُنكر أحاديث نزول عيسى عليه السلام وخروج المهدي عليه السلام لأنها كواقع مع الأسف الشديد كانت سببا بسبب سوء فهم الأمة لهذه الأحاديث، كانت سببا لتواكل المسلمين وتقاعسهم عن القيام بواجب العمل لإعادة الإسلام حُكْما قائما في أرض الإسلام.
والواقع أن هذه الأحاديث لا تعني هذا المعنى المنحرف ومن المؤسف أن بعض الدعاة بديل أن يقوموا بواجب نشر هذه العقيدة لثبوتها في كتب السنّة ثبوتا متواترا من جهة ومن جهة أخرى بديل أن يُفهموا الأمة المقصد الأسمى من تبشير الرسول عليه الصلاة والسلام لهذه الأمة بخروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام بدل النشر والتبشير والتفهيم ماذا فعلوا؟ لقد أنكروا هذه الأحاديث الصحيحة وأوجدوا بلبلة بين المسلمين الذين ليس عندهم من الوعي والتوعية تُمكّنهم من تمييز الأقوال الصحيحة من الأقوال الضعيفة.
يجب على كل مسلم أن يدرس الحديث على منهج علماء الحديث وليس على منهج علماء الرأي والفلسفة العقلية المحضة، فالفلسفة لا حدود لها وكلٌّ يرى ما يناسب هواه وما يناسب ثقافته وإنما الطريق لمعرفة ما صحّ عن الرسول وما لم يصحّ إنما هو طريق علماء الحديث منذ أن كانوا على وجه الأرض إلى أن تقوم الساعة وهو الرجوع إلى أسانيد الأحاديث وإلى تراجم رواتها.
وقد تبيّن لكل عالم بالحديث أن هذه الأحاديث أحاديث نزول عيسى وخروج المهدي أحاديث صحيحة لا يجوز إنكارها وإنكارها يُعرِّض منكرها ولا شك لمفسدتين أحلاهما مرّ، إما الكفر لأنه جحد ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر أو الفسق إذا كان لم يَقُم بواجب البحث والتحقيق وهو عالم يستطيع القيام بذلك.
هذا هو الواجب الأول أن يُثبّت هذه الأحاديث لأنها صحيحة لا شك ولا ريب فيها، الواجب الثاني أن نُفهم الأمة أن هذه الأحاديث لا تعني أن الأمة ينبغي أن تتواكل وأن تنتظر خروج المهدي ونزول عيسى بل عليها كُلُّها أن تعمل لعزّة الإسلام ولتطبيق الإسلام وحينذاك سيشعرون بأن الأمة بحاجة إلى وحدة الكلمة قبل كل شيء ثم إلى رجل يقودهم إلى العز والمجد الغابر.
هذا الرجل قد يكون المهدي عليه السلام وقد يكون رجلا مُصلحا قبل خروجه هو لأن النبي صلى الله عليه وأله وسلم قد بشّر هذه الأمة بقوله ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدد لها دينها ) فالمجدّدون والحمد لله موجودون ومتتابعون على رأس كل مائة سنة فقد يكون المهدي على رأس المائة السنة القابلة وقد يكون بعد مائتي سنة وقد وقد لأن هذا غيب لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى لكن المسلمين عليهم أن يعملوا واجبهم ثم قد ربنا عز وجل يرسل إليهم مصلحا يجمع كلمتهم ويقيم دولتهم وما ذلك على الله بعزيز، تفضل.
11 - ما رأي فضيلتكم في الأحاديث الواردة في كتاب ما يكون بين يدي الساعة وكتاب الإذاعة وذلك على قرب أمارت خروج الإمام المهدي منها جفا ف بحيرة طبرية وخسوف الشمس والقمر وهل قطع مياه الفرات الآن عن سوريا والعراق في الوقت الحاضر مؤشرات ذلك ؟ أستمع حفظ
ما حكم الترجل للرجال؟
الشيخ : نعم، نهى رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم عن الترجّل إلا غِبّا أي لا ينبغي للمسلم أن يكون ديدنه الاعتناء بزينته وبترجيل وتسريح شعره كل يوم، حسبه أن يُرجّل وأن يُسرّح شعره يوما دون يوم وليس كل يوم.
وهذا لنهيه عليه الصلاة والسلام عن كثير من الإرفاه، الإرفاه لا يليق بالرجال، الرجال يجب أن يعيشوا وأن يتعوّدوا الحياة الضنك، الحياة الشديدة ولا ينفي ذلك أن يتنعّموا أحيانا ولذلك أباح الترجّل يوما غِبّا أي يوم يترجّل ويوما لا يترجّل من باب ما قلناه أنفا أن لا يغالي في الترفّه استعدادا ليكون رجلا قويا يُعِدّ نفسه للجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.
ومنْ كان ديدنه أن يُزيِّن نفسه وأن يقف أمام المرأة كل يوم يُسرِّح شعره فهذا يُلحق بالنساء ولا يُلحق بالرجال ولذلك جاء عليه الصلاة والسلام بالنهج الذي يُقوِّمُ أطباع الرجال ويجعلهم لا يتشبّهون بالنساء فالمرأة هي التي تقف كل يوم أمام المرأة أما الرجل فينبغي أن يترفّع عن أن يكون كالنساء حُبًّا في الجمال وفي الزينة.
وذلك لا ينفي أن يكون المسلم متزيِّنا ومتجمِّلا ولكن هكذا وهكذا وذلك ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وأله وسلم فقد نهى عن كثير من الإرفاه وكان الرسول عليه السلام يلبس ما يتسيّر له ويتزيّن في العيدين ويوم الجمعة وهكذا ينبغي أن يكون قدوتنا رسولنا صلى الله عليه وأله وسلم.
السائل : ... .
الشيخ : طبعا هذا لا يجوز وعليهم إذا تعمّدوا ذلك أن يعودوا إلى ميقاتهم وأن يُحرموا مجدّدا وبعض العلماء يوجب الهدي ولكن لا أعلم في ذلك ما يوجب، ويكفيهم الإثم وحسبهم الإثم.
السائل : ما يعلم هذا.
الشيخ : إذا كانوا جاهلين فحُكمهم حكم ذاك الأعرابي الذي أحرم بالعمرة وعليه جُبّة متضمخة بالطيب ولم يأمره الرسول عليه السلام بهدي أو كفارة، نعم.
ما حكم كتابة آيات من القرآن بالمداد ثم يشربها المريض؟
الشيخ : ... لكن لم يصحّ نقله عن السلف فلا نراه مشروعا.
رجل أرسل زوجته عند أهلها وبعد فترة طلب العودة فقال له المرسل إنّها ترفض الحضور فطلقها وعند التحقيق قالت لم أقل وكانت الطلقة الثالثة فهل تحتسب ؟
الشيخ : قالت لم أقل؟
السائل : لم أقل للمرسل.
سائل آخر : لم ترفض.
السائل : وعند، نعم أرسل لها رجلا المرسل قال له إنها رفضت ولكنها قالت لم أقل هذا للمرسل، لم أرفض يعني. فهل تُحتسب هذه طلقة؟
الشيخ : هذه تحتاج إلى قضاء للتحقيق في موضوع إنكار المرأة أنها قالت لم أرفض، فإذا صحّ أنها يعني لم ترفض وأن الوسيط كان كاذبا عليها، فالطلاق لا يقع والحالة هذه لأنه يُشبه طلاق المكره، أيوة.
14 - رجل أرسل زوجته عند أهلها وبعد فترة طلب العودة فقال له المرسل إنّها ترفض الحضور فطلقها وعند التحقيق قالت لم أقل وكانت الطلقة الثالثة فهل تحتسب ؟ أستمع حفظ
سؤال عن حديث يتعلق بالمخنث من المخنث ، وما أحكامه ؟.
الشيخ : ما صحة هذا الحديث؟ أما الحديث فهو صحيح والمُخنث هو الرجل يتشبّه بالنساء في لباسه في مشيته في ترجّله أيضا، كما ذكرت أنفا، هذا المخنث الذي يُقلد النساء لا رجولة عنده فهو ملعون وكما جاء في حديث البخاري بلفظ ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ) اما المترجّلات فهن المتشبّهات أي يتشبهن بالرجال وتشبّه النساء بالرجال إنما هو أيضا في مشيتهن في تبخترهن في توسطنهم الطرقات، في مخالطتهن للرجال، في مجالستهن للرجال فكل عمل يفعله الرجال يتشبّهن بهذا العمل الخاص بالرجال فهو ترجّل وهو تشبّه المرأة بالرجال وذلك مما لا يجوز.
وأقبح التشبّه أن تلبس المرأة لبسة الرجل والرجل مثلا لباسه قصير فهي تلبس اللباس القصير الرجل يكشف عن رأسه وعن وجهه وعن شيء من صدره فهي أيضا تتشبّه مثله لذلك كان هذا من أسوأ التشبّه تقوم به المرأة فتستحق بذلك لعنة الله والبعد عن جنّة الله تبارك وتعالى كما جاء في الحديث الصحيح ( صنفان من الناس لم أرهما بعد رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة العنوهن فإنهن ملعونات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا ) وجاء في بعض الأحاديث الأخرى أن ريح الجنة توجد من مسيرة مائة عام فعلى الرجال أن يحرصن على أن لا يسمحن لأنفسهم على أن لا يسمحوا لأنفسهم أن يتشبّهوا بشيء مما يتعلق بالنساء ولا أن يسمحوا للنساء اللاتي يلذن بهم من الرجال، لا يسمحون للنساء أن يتشبهن بالرجال محافظة لهم على أن يكونوا مقرّبين عند الله تبارك وتعالى غير بعيدين من رحمته عز وجل.
هل يقع الطلاق بلفظ الثلاث مرة واحدة أم يقع ثلاث؟
الشيخ : نعم.
السائل : تقولون بوقوع الثلاث أم بواحدة؟
الشيخ : الطلاق بلفظ الثلاث في مجلس واحد فالسنّة صريحة في ذلك أنها تعتبر هذا الطلاق طلقة واحدة، وقد فاء بعض الناس في هذا الزمان إلى هذه الحقيقة اضطرتهم إليها ليس بحثهم العلمي المتجرِّد عن العصبية المذهبية وإنما هو ملاحظتهم كثرة المشاكل التي تقع بين الزوجين لمجرّد أنه طلّق زوجته بلفظ ثلاث في مجلس واحد.
فرأوا تخفيف هذه المشاكل بطريق تبنّي الرأي القديم الذي عمل به ابن تيمية وابن قيم الجوزية رحمهم الله تعالى وكان الواجب أن يحتجّوا في ذلك ليس بالمصلحة المدّعاة وإنما لأن السنّة هكذا كانت في عهد الرسول عليه السلام وفي عهد أبي بكر وشطرا من خلافة عمر كان الطلاق بلفظ الثلاث طلقة واحدة ثم رأى عمر أن ينفّذها عليهم ثلاثا عقوبة لهم لأنهم خالفوا السنّة، سنّة الله لأن الله عز وجل يقول (( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )) أي في كل طلقة إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فالذي يجمع الطلقات الثلاث قد حرّم على نفسه هذه الفسحة التي شرعها الله لعباده في قوله (( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )) ولذلك قال عمر فلو أننا نفّذناها عليهم ثلاثا، ففعل رضي الله عنه ذلك وكان هذا اجتهادا منه لا يُخطّأ في زمانه وإنما يُخطّأ الذين نسوا السنّة وتمسّكوا باجتهاد عمر ولم يلاحظوا أن اجتهاده كان اجتهادا زمانيا معاصرا مناسبا له.
فالرجوع إلى السنّة هو الواجب في كل شيء مهما كانت الأراء ومهما كان أصحابها علماء ومجتهدين فإن خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وأله وسلم.
وبهذا القدر الكفاية وقد انتهى الوقت فانصرفوا راشدين أجمعين.