تتمة فوائد الآية (( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ))
وتكون العقوبة مكفرة لسيئاته ومنبهة له، لأن كل إنسان عاقل مؤمن إذا أصيب بالمصيبة وعلم أنه هو السبب سوف يرتدع عن فساده ومعصيته، فإذا أراد الله تعالى تنبيه المؤمن عجل له العقوبة وصار يمشي على الأرض وليس عليه من ذنب بسب تكفير السيئات بهذه البلايا .
تفسير قوله تعالى : (( أولـئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ))
ثم قال: ((أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين )) هذه الآية يكيّف عليها أهل البلاغة، لأنهم يجعلونها استعارة تصريحيه تبعية، أو استعارة مكنية، ثم يقولون فيها ترشيح أي تقوية وهو قوله: ((فما ربحت تجارتهم))، هذه واحدة للتصريحية ((وما كانوا مهتدين)) للمكنية، وبناء على أننا لم ندرس البلاغة لأكثر الحاضرين منكم نعرض عن التفصيل في ذلك ونذكر المعنى ((أولئك الذين اشتروا الضلالة)) أي اختاروها على أيش؟ على الهدى، لكن سمى اختيارهم إياها إشتراء لأن المشتري يشتري السلعة على أنه راغب فيها، فهم رغبوا الضلالة فاشتروها وزهدوا بالهدى فباعوه، والباء في قوله: ((بالهدى)) الباء للبدل والعوض يعني أخذوا الضلال والعياذ بالله وبدلوا الهدى ((اشتروا الضلالة بالهدى)). ((فما ربحت تجارتهم )) ما نافيه يعني هذه التجارة التي ظنوها ربحا هي خاسرة، المنافقون الآن يرون أنهم رابحون، المنافقون في معاملتهم للمؤمنين ولشياطينهم يرون أنهم رابحون وأنهم لعبوا بعقول هؤلاء وهؤلاء، لكنهم حقيقة مع الكفار فظنوا أنهم ربحوا، لكن هل هذا ربح؟ يقول الله عزوجل: ((فما ربحت تجارتهم)) بل هي خاسرة، ((وما كانوا مهتدين)) لأنهم بقوا على هذا العمل وأملي لهم به فظنوا أنهم على صواب، والإنسان إذا فعل المنكر وظن أنه على صواب فانه لا يكاد يفرط عنه لا في العقائد ولا في الأقوال ولا في الأفعال.
فوائد الآية (( أولـئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ))
في الآية الكريمة عدة فوائد منها: بيان سفه هؤلاء المنافقين حيث اشتروا الضلالة بالهدى . ومن فوائد هذه الآية الكريمة أيضا: أنه يجوز أن نعبر بالعبارة الدالة على المعنى ولو لم تكن موضوعة له في الأصل، لأن الله عبر باختيارهم الضلالة على الهدى عبر عنه بأنهم اشتروا، فإذا ظهر المعنى فلا بأس أن تعبر بما يدل عليه بل إن هذا يكسب المعنى جمالا ورونقا. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان قد يظن أنه أحسن عملا وهو قد أساء، لأن هؤلاء اشتروا الضلالة بالهدى ظنا منهم أنهم على صواب وأنهم رابحون فقال الله تعالى: ((فما ربحت تجارتهم)) . ومن فوائد الآية الكريمة: أن المدارة في الربح والخسران على إتباع الهدى، لأن الله نفى ربح الشياطين لأنهم اختاروا الضلالة على الهدى، فالمدار في الربح والخسران على الهدى، ويؤيد هذا قول الله تعالى: (( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) وقوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) أكمل الآية يا ولد (كلام لاعلاقة له بالدرس) تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)) ذلكم خير لكم قف، لأن (( إن كنتم تعلمون)) لو وصلناها بما قبلها صار الخير معلقا بكوننا نعلم وهو خير علمنا أم لم نعلم، طيب المهم على كل حال أن التجارة الرابحة هي هذه إيمان بالله ورسوله وجهاد في سبيل الله بالمال والنفس . ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء لن يهتدوا ((وما كانوا مهتدين ))، لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فلذلك لا يرجعون، وهكذا كل فاسق أو مبتدع يظن أنه على حق فإنه لن يرجع، فالجاهل البسيط خير من هذا لأن هذا جاهل مركب يظن أنه على صواب وليس على صواب ـ اللهم اهدنا صراطك المستقيم
الطالب :بعض الأحيان يا شيخ أخذنا في الفوائد قبل الامتحان في التفسير . . . في الدرس الماضي ((في قلوبهم مرض)) ما فسرنا وبدأنا بالفوائد ؟ الشيخ : صحيح ؟ الطالب: واليوم كذلك ((الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون))((في طغيانهم يعمهون)) ما فسرت هذا وبدأت . .؟ الشيخ : لا لا فسرناها ؟ ما فسرنا الاستهزاء صحيح ما فسرنا الاستهزاء ،لكن الاستهزاء معلوم، أيش؟ لا نحن قلنا إن معناها يتيهون في الطغيان فلا يهتدون. الطالب: أنتم ذكرتم فوائد أكثر بدون فصل ولكن بعض الاستعارة ما شرحتم، فهل من اعادة لشرح أول البقرة لو حررتم المسائل البلاغية في الآية .... ؟ الشيخ : لا أبدا لو نجيب الاستعارة المكنية والتصريحية والتبعية والترشيح والتجريد والإطلاق نحتاج إلى خمسة دروس، نعم؟ هي تحتاج إلى دروس. الطالب : و ((في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا)) هذا ما فسرتم ؟ الشيخ : هذا صحيح هذا يحتاج إلى شرح ويحتاج إلى تقسيم المرض مرض القلوب قد يكون مرض نفاق قد يكون مرض شهوة قد يكون مرض حب الدنيا أي نعم. درس القادم أن شاء الله؟ ذكرونا إن شاء الله. الشيخ :حجاج يقول، عندك شيء؟أنا قلت مهم.
ظاهر الآيتين التي ذكرت ألي العزم أن نوح أفضل من عيسى عليهما الصلاة والسلام ؟
السائل : نعم يا شيخ .شيخ بارك الله فيك، ظاهر الآيتين التي ذكر فيها أولوا العزم أن نوح أفضل من عيسى عليهم السلام ؟ الشيخ : قد يحتمل هذا لأن (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم)) ذكر إبراهيم بعد نوح يمكن هذا ترتيب زمني . على كل حال هنا نحن متدبرين الموضوع متأملين له من زمان. السائل : نقول إن الزمن قبل محمد؟ الشيخ : لا لا، لأنه شرع (ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك) لأنه جمع بين أول الرسل وآخر الرسل ثم ذكر بينهما، ما يظهر ما يظهر لي أنا تأملتها كثيرا ما ظهر لي ،إما أن نقول هما في منزلة واحدة وفضلهما الذي عند الله ، عند الله ما نتكلم فيه لكن مما يظهر لنا وإما أن نكون نسكت. انتهى نبدأ يلا يا عبد الله.
الطالب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ((مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمت لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون أو كصيب من السماء فيه ظلمت ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير )) الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم. من فوائد الآية الكريمة: (( الله يستهزئ بهم )) الطالب : ......... الشيخ : بقي علينا تنبيه لطيف وهو قوله تعالى: (( إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ))
تنبيه في قوله تعالى : (( في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون )) مع ذكر فوائد الآية.
الطالب : ((في قلوبهم مرض)) أيضا قلتم نذكركم به حين ما نأتي عليه؟ الشيخ : أي نعم فنبدأ منها قوله تعالى: (( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا)) المرض قسمان: مرض شبهة، ومرض شهوة، أما مرض الشبهة فهو الجهل، فإن الجهل عمى وهو مرض، والجاهل يرتكب الخطأ من حيث لا يشعر، وأما مرض الشهوة فهو مرض استكبار في الغالب، ومرض المنافقين إما مرض شبهة وإما مرض شهوة، فما يشتبه عليه الأمر فمرضه مرض أيش؟ شبهة، ومن لم يشتبه عليه الأمر فمرضه مرض شهوة. ومن أمراض القلوب ما يحصل للإنسان من مرض شهوة النساء وذلك كقوله تعالى: (( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا )) .أما الآيتان اللتان ذكرتهما فهما في الأول قال: ((ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)) والثانية قال: (( ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون )) فما وجه التفريق في الفاصلتين الأولى والثانية؟ وجه التفريق ظاهر لمن تأملها الإفساد في الأرض يدرك بالحس وإلا يدرك بالعقل؟ بالحس، ولهذا نفى فيه الشعور والشعور يتعلق بالمحسوسات، ولهذا تقول ما شعرت بهذا الشيء أي ما أدركته بحس، وأما السفه فانه يدرك بالعلم والتأمل حتى ينظر هل هذا سفيه أو غير سفيه، فلهذا نفى عنه العلم، لأن السفه من الأمور المعقولة لا من الأمور المحسوسة، وإنما نبهت على هذا لأنه يرد آيات في القرآن الكريم مثل هذا بمعنى أن الله يخلف العبارة ويأتي بعبارتين يظن الظان أنهما واحد، ولكن عند التأمل يحصل الفرق الكبير، ويشبه ذلك أن يأتي الله عز وجل بما لا يتوقعه الإنسان كقوله تعالى: (( والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء)) وكان المتوقع أن يقال يقضون بالباطل ضد الحق، لكن ليبين عجز هؤلاء الذين يدعون من دونه وأنه ليس لهم قضاء إطلاقا فلهذا قال: (( والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء)) لا حق ولا باطل لأنها أعجز أن تقضي بشيء.
والقرآن الحكيم في الحقيقة إذا تأمله الإنسان يزداد ـ سبحان الله ـ بصيرة وعلما ونورا، لكن يحتاج إلي قيد أشار إليه شيخ الإسلام رحمه الله فقال في العقيدة الواسطية وما أدراكها من عقيدة ! قال:" من تدبر القرآن طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق" فجعل الشرطين: التدبر وحسن القصد طالبا الهدى منه، يعني لا طالبا الغلبة أن يكون يغلب غيره مثلا، أو طالبا للهوى لعله يجد في القرآن ما يؤيد قوله، فهذا قد يحرم والعياذ بالله، لكن من تدبره طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق ووجد فيه من العلوم والمعارف وإصلاح القلوب ما لا يستطيع الإنسان أن يصف ـ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله.آمين. اللهم صل على محمد.
تتمة فوائد الآية (( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ))
نرجع الآن إلى ما وقفنا عليه (( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون )) من فوائد هذه الآية الكريمة قلنا: إثبات صفة الاستهزاء من الله عز وجل، لكنها صفة مقيدة لمن يستهزئ، ليتبين بذلك أن الله فوق استهزاء هؤلاء. ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يمد في الطغيان ويمهل له فيزداد طغيانا حتى إذا أخذه الله لم يفلته كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ولهذا إذا رأيت نعم الله تترى عليك فتوقف انظر هل أنت قائم بطاعته فهي نعم. هل أنت لم تقم؟ فهي نقم واستدراج. ومن فوائد الآية الكريمة: أن الطاغي يكون في ضلال والعياذ بالله، ويحجب الوصول إلى الحق لقوله: ((يعمهون)) فإياك يا أخي أن تكون من هؤلاء الذين عندهم طغيان في حق الله وطغيان في حق عباد الله فإنك سوف تزداد ضلالا.
تتمة فوائد الآية (( أولـئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ))
ثم قال الله تعالى: (( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين)) أخذناها. وفوائدها أي نعم. من فوائدها: أن الذين اشتروا الضلالة بالهدى، يعني اختاروا الضلالة على الهدى ليس لهم ربح إطلاقا، حتى لو ربحوا في الدنيا فهو استدراج، والربح في الدنيا لا يعني الربح في الواقع، لأن مآل ربح الدنيا كالمال والبنين والترف والنعيم ويش مآله؟ الزوال، قال الله تعالى في قوم فرعون: (( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين)) نعيم الدنيا ليس بشيء، لأنه ذاهب زائل فلهذا قال: ((ما ربحت تجارتهم)) حتى لو أن الإنسان أملي له وزاد ربحا في طغيانه فإنه خاسر . ومن فوائد الآية الكريمة: بلاغة القرآن الكريم، وذلك بتصوير المعقول تصوير المحسوس، وجهه؟ ((اشتروا الضلالة بالهدى)) وهذا الشراء والبيع يكون في المحسوسات ((فما ربحت تجارتهم)) أيضا التجارة في المحسوسات ((وما كانوا مهتدين)) . ومن فوائد الآية الكريمة: أن من سلك طريق الضلالة حجب عن طريق الهدى، لقوله: ((وما كانوا مهتدين))، ولهذا شواهد: قال الله تبارك وتعالى: ((ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)) وقال تعالى: (( بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج )) مضطرب، في شك، في غفلة .
تفسير قوله تعالى : (( مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون )) ذكر المثال الأول الذي ضربه الله للمنافقين.
ثم قال الله تعالى: (( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا )) ضرب الله لهؤلاء المنافقين مثلين: مثلا ناريا، ومثل مائيا حسب أحوالهم، فقال: ((مثلهم كمثل الذي استوقد نارا )) يعني كمثل رجل ليس معه نار ولكنه استوقد أي طلب من غيره إيقاد ناره يعني استفعل معناها الطلب مثل استغفر طلب المغفرة، استنصر طلب النصر، وقد تأتي لغير ذلك قد تأتي للمبالغة السين والتاء قد تأتي للمبالغة مثل استكبر ليس معناه طلب الكبر ولكن معناه ازداد في كبريائه، إذا استوقد عقيل تأتي لأيش؟ بمعنى استفعل استوقد استفعل لأيش؟ للطلب وقد تأتي للمبالغة بارك الله فيك، ((استوقد نارا)) أي طلب إيقاد نار وهذا يدل على أنه كان في ظلمة لكن طلب إيقاد النار، أما هو بنفسه ما عنده نار ولا عنده ضياء ((استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم))((أضاءت)) أي النار التي استوقدها ((ما حوله)) أي حول المستوقد ما هو حول النار، لو كان المراد حول النار لقال: ما حولها، ولما قال: ((ما حوله)) أي ما حول المستوقد لم تذهب بعيدا أضاءت ما حوله، ((ذهب الله بنورهم)) فبقي الحرارة والظلمة، لأن عادة النار إذا خمدت أن تكون حارة وظلمة دخان راحت ضياء وبقيت الحرارة والظلمة (( ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ))((ظلمات)) جمع لابد أن ندرك ما هذا الجمع؟ أولا: ظلمة الليل ، كيف ظلمة الليل من أين درينا أن هذا في الليل ؟ الطلاب :((استوقد نارا))الشيخ :((أضاءت ما حوله)) في النهار ما تضيء النار ما حولها، لأن نور الشمس يحجب كل نور، ظلمة ثانية: أنه إذا أتت الظلمة بعد الضياء صارت أشد وجرب نفسك أطفئ اللمبة وأنت فاتح العينين تجد الظلمة وإذا بك بعد قليل ترى ما حولك، ولهذا أنصح كل من أراد أن يطفئ اللمبة أن يغمض عند إطفائها، لأنه إذا غمض عند إطفائها ثم فتح وإذا الأمر طبيعي أليس كذلك يا إرشاد؟ طيب. لا أنا أريد إقرارك طبيا أي نعم ! الطالب : أدركناه بالطب... الشيخ : الحمد لله؟ هذا أدر كناه بالتجربة وأخونا أدركه بالطب نظريا، على كل حال هذه إذا ذهب الضوء بسرعة صار ظلمة شديدة كذا؟. الظلمة الثالثة: ظلمة الدخان لأن عادة النار إذا طفأت بدون أن ينتهي الوقود فإنه يكون دخانا، وهنا الوقود لم ينته لأنه قال: ((استوقد))((فلما أضاءت)) بمجرد الإضاءة ذهب الله بالنور معناها أن الوقود لم ينته بعد وحينئذ يكون دخان فصارت الظلمات الآن ثلاثة صارت ثلاثة. ((فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات )) النور مفرد بنورهم ((الظلمات)) جمع لأن النور واحد لا يتكرر أو لا يتضاعف واحد سواء قوي أو ضعف، ((وتركهم في ظلمات لا يبصرون)) أي لا يرون.
تفسير قوله تعالى : (( صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون ))
(( صم بكم عمي فهم لا يرجعون)) أعوذ بالله، هذا حالهم يعني بعد أن ذكر المثل ذكر الحال، ((صم)) عن سماع الحق، ((بكم)) عن قول الحق، ((عمي)) عن رؤية الحق، فهم والعياذ بالله قد سدت عليهم الأبواب من كل جانب، لا يسمعون الحق ولو سمعوا ما انتفعوا، والثاني: ((بكم)) لا ينطقون به، لأنهم ينطقون بالباطل (( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون)) ولا ينطقون أبدا بالحق حتى لو نطقوا به فهو باللسان فقط، الثالث يا طه الثالث ما هو؟ لا، لا اصبر الرجل سارح إلى أين ؟ الطالب : صداع .. الشيخ : صداع؟ لا أراك الله بأسا إذا نسأل الله لك الشفاء والإخوان يؤمنون. آمين . طيب ((عمى)) يعني عن الحق لا يرونه ((فهم لا يرجعون)) أي بناء على هذه الأوصاف الثلاثة لا يرجعون عما كانوا عليه.
فوائد الآية (( مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون )) والكلام على الأمثال في القرآن وفائدته.
نعود إلى فوائد الآية في هذه الآية الكريمة دليل على بلاغة القرآن حيث يضرب للمعقولات أمثالا أيش؟ محسوسات، لأن الشيء المحسوس أقرب إلى العقل من الشيء المعقول، لكن من بلاغة القرآن أن الله تعالى يضرب الأمثال المحسوسة للمعاني المعقولة حتى يدركها الإنسان جيدا. . ومن فوائد الآية الكريمة: إقرار القياس، يعني أنه دليل يؤخذ به وجه ذلك يا خالد؟ لا، هذه الآية هذا الدليل لكن نريد وجه الاستدلال؟ الكاف أيضا للتشبيه، الطالب : أراد منا أن نقيس حالهم على حال من .. بلغ هنا الشيخ : أراد منا أن نقيس حالهم على حال من استوقد، وكل مثل في القرآن فهو دليل على إقرار القياس واثبات القياس أي مثل في القرآن فهو دليل فيكون بذلك رد على منكري القياس، يعني بعد ما نثبت نقول فيها رد أنتم تقرؤون القرآن كل يوم وليلة وتجدون فيه الأمثال وهي لاشك قياس واضح جلي . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء المنافقين ليس في قلوبهم نور لقوله: (( كمثل الذي استوقد نارا )) أي طلب إيقادها من غيره وهو كذلك فهؤلاء المنافقون يستطعمون الهدى والعلم والنور، فإذا وصل إلى قلوبهم بمجرد ما يصل إليها يتضاءل ويزول، لأن هؤلاء المنافقين إخوان للمؤمنين من حيث النسب وأعمام وأخوال وأقارب فربما يجلس إلى المؤمن حقا فيتكلم له بإيمان حقيقي ويدعوه فينقدح في قلبه هذا الإيمان ولكن سرعان ما يزول ـ نسأل الله لنا ولكم الثبات . ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإيمان لا بد أن يكون له أثره حتى في قلب المنافق، لقوله: ((فلما أضاءت ما حوله)) الإيمان أضاء بعض الشيء في قلوبهم، ولكن لما لم يكن على أسس لم يستقر، ولهذا قال الله في سورة المنافقين وهي أوسع ما تكلم وتحدث الله فيه عن المنافقين قال: (( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم )) هذا الإيمان الذي ينقدح في قلوبهم على الطول زال. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن نور الإيمان في قلوب المنافق لا يعدوا صدورهم لقوله: ((أضاءت ما حوله)) ، ولم يتقدم إلى الأمام لم يؤمنوا بالآخرة ولا بالرسل السابقين، ولكن حصل هذه القلة من الإيمان فأضاءت ما حوله ثم ذهب. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه بعد أن ذهب هذا الضياء حلت بعده الظلمة الشديدة بل الظلمات. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى جازاهم على حسب ما في قلوبهم ((ذهب الله بنورهم)) كأنه أخذه قهرا. فإن قال قائل: أليس في هذا دليل على مذهب الجبرية ؟ فالجواب: لا، لان هذا الذي حصل من رب العباد عز وجل بسببهم وتذكر دائما قول الله تعالى: (( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)) حتى يتبيّن لك أن كل من وصفه الله بأنه أضله فهو السبب فهو سبب نفسه أي سبب ضلاله. ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تخلي الله عنهم، لقوله: ((وتركهم)) تخلى الله عنهم . ويتفرع عن ذلك أن من تخلى الله عنه فهو هالك ليس عنده نور ولا هدى ولا صلاح (( وتركهم في ظلمات لا يبصرون)) يعني لا يمكن أن يكون لهم .
الطالب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (( أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير )). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. انتهى المثل الأول الذي ضربه الله تعالى للمنافقين، لأن الله ضرب لهم مثلين: المثل الأول مثل ناري، والمثل الثاني مثل مائي، وانتهى الكلام على المثل الأول في فوائده وأحكامه أليس كذلك؟ الطالب :من فوائد ((صم بكم عمي)) ما أخبرتم؟
الشيخ :طيب من فوائد هذه الآية: أن هؤلاء ـ والعياذ بالله ـ أصم الله آذانهم فلا يسمعون الحق ولو سمعوا ما انتفعوا، ويجوز أن ينفى الشيء لانتفاء الانتفاع به كما في قوله تعالى : (( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون )). ويستفاد منها: أن هؤلاء المنافقين لا ينطقون بالحق كالأبكم. ويستفاد أيضا من هذه الآية: أنهم لا يبصرون الحق كالأعمى. ويستفاد من هذا: أنهم لن يرجعوا عن غيهم لأنهم يعتقدون أنهم محسنون، وأنهم صاروا أصحابا للمؤمنين وأصحابا للكافرين، هم أصحاب للمؤمنين في الظاهر وأصحاب للكافرين في الباطن، ومن استحسن شيئا فإنه لا يكاد أن يرجع عنه، وهذه هي الفائدة أيضا فائدة أخيرة: أن الإنسان إذا استحسن شيء فانه رجوعه عنه يكون بعيدا
تفسير قوله تعالى : (( أو كصيبٍ من السماء فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ )) وذكر المثال الثاني الذي ضربه الله للمنافقين.
أما المثل الثاني فقال الله تعالى: (( أو كصيب من السماء)) أو هنا للتنويع وليس للشك، لأن الله تعالى عليم بكل شيء، فلا يدخل الشك في خبره فهي إذا للتنويع. وهل هذا النوع مثل آخر ينطبق على أصحاب مثل الأول؟ أو هو مثل لأصناف آخرين من المنافقين؟ في هذا قولان للعلماء: فمنهم من قال: إن حال المنافقين تشبه المثل الأول وتشبه المثل الثاني، ومنهم من قال: إن لكل مثل قوما من هؤلاء المنافقين، وبعد أن نشرح إن شاء الله تعالى هذا المثل يتبين أي القولين أصح. قوله: ((أو كصيب)) قيل: إن فيه محذوفا والتقدير: كأصحاب صيب بدليل قوله : ((يجعلون أصابعهم)) أي يجعل أصحاب هذا الصيب أصابعهم في آذانهم، وقيل: إنه لا يحتاج إلى هذا التقدير بل إن الله تعالى ضرب المثل بالصيب بنفسه، والصيب هو المطر سمي بذلك لأنه ينزل وكل شيء نازل يسمى صيبا وأصلها من صاب يصوب، فنجد الآن أن إحدى الياءين منقلب عن واو أيهما ؟ الياء الأولى أو الثانية؟ أصلها صيوب، فهي إذا الثانية، ولكنها اجتمعت الواو والياء في كلمة وسبقت أحداهما بالسكون فقلبت الثانية ياء وأدغمت في الياء الأولى، هذه قاعدة تصريفية ربما لا يعرفها من لم يكن يعرف الصرف لكن هذه القاعدة تصريفية إذا اجتمعت الواو والياء في كلمة وسبقت إحداهما بالسكون وجب قلب الواو ياء ثم تدغم مع الياء الموجودة. ((أو كصيب من السماء)) قوله: ((من السماء)) هذه بيان للواقع وليست قيدا مخرجا لما يخالف المنطوق وذلك أن الصيب لابد أن يكون من السماء، لأننا قلنا إنه النازل، النازل وهو المطر، وفائدة ذكره بيان الواقع من وجه، وبيان أن هذا الصيب عظيم لأن النازل من السماء يخوف أكثر من الجاري في الأرض، لأن الجاري من الأرض يمكن الهرب منه، لكن نازل من السماء لا يمكن الهرب منه، (( أو كصب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق))((ظلمات)) جمع ظلمة فما هذه الظلمات؟ الظلمات: ظلمة الليل هذه واحدة، الثانية: ظلمة السحاب، الثالث: ظلمة الصيب الذي هو المطر فإنه يحدث الظلمة فيه ظلمات، ((ورعد)) وهو الصوت المسموع من السحاب، ((وبرق)) وهو النور أو الضوء المشاهد في السحاب، والبرق سابق على الرعد، لأن الرعد يتأخر بواسطة المسافة بينه وبين الأرض والصوت أقل سرعة من الضوء، لأن الضوء تدركه العين والصوت تدركه الأذن.
تفسير قوله تعالى : (( يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيطٌ بالكافرين ))
((ورعد وبرق يجعلون أصابعهم )) الفاعل يجعلون يعود على اصحاب الصيب ما هو على المطر، المطر ليس له أصابع وليس له أذان، لكن يجعلون أي الذين أصيبوا بهذا الصيب فيكون المعنى: أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق أصاب قوم فصاروا يجعلون أصابعهم في آذانهم، الأصابع معروفة، والآذان كذلك معروفة، ولكن في قوله: ((أصابعهم)) كيف يصح مع أن الأصبع لا يدخل في الأذن إنما يدخل في الأذن الأنملة، لكن لشدة إدخالهم الأصبع كأنهم يحاولون أن تدخل الأصابع كلها حتى لا يسمعوا صوت الرعد، وهو دليل على جبنهم وخوفهم، ((أصابعهم في آذانهم من الصواعق)) من هنا للسببية أي بسبب الصواعق التي ترسلها السحب، والصاعقة هي عبارة عن شحنة كهربائية عظيمة يرسلها الله عز وجل فيصيب بها من يشاء، يرسلها الله فيصيب بها من يشاء، وهي -سبحان الله - قد تصيب الرجل على فراشه مع امرأته فيهلك الرجل وتسلم المرأة أو تصيب الشاة يجرها صاحبها ويسلم صاحبها أو يسوقها ويسلم السائق، لأن الله تعالى يرسلها فيصيب بها من يشاء، والمسألة ليست هكذا جزافا بل كل شيء عند الله تعال بمقدار، وهذه الشحنة يقولون إنه لو اجتمع جميع مولدات الكهرباء في الدنيا بأقوى ما يكون فإنها لن تبلغ ما تحمله هذه الشحنة، وهذا شيء واضح إذا رأيت -سبحان الله العظيم- البرق ويش بيننا وبينه؟ مسافات ومع ذلك تجد البرق إذا ومض تجده مثلا أحيانا يكون شبر يعني عرضه أحيانا مع بعده الطائرة لو كانت دونه بمستوى ما تجي إلا كالنجمة الخفية، لكن هذا تجد شيء عظيم، ويدل لهذا النور الذي يكون على الأرض منه وأنه شيء عظيم . وقوله: ((من حذر الموت))((الصواعق)) جمع الصاعقة وهي التي تصعق الإنسان فتهلكه ((حذر الموت)) هذه مفعول لأجله، وعاملها؟ ((يجعلون)) والمعنى أنهم يجعلون ذلك لئلا يموتوا، ولكن هل هذا يغني عنهم شيئا لا يغني لكن هذا فعل النعامة تدس رأسها في الرمل لئلا ترى الصياد ولكن الصياد يراها فلا تسلم منه بذلك، كذلك هؤلاء الذين يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق لا يسلمون بهذا إذا أراد الله أن يصيبهم أصابهم، ولهذا قال: ((والله محيط بالكافرين )) فلن ينفعهم هذا الحذر. ثم بين الله تعالى شدة هذا عليهم شدة الضوء لما بين شدة الصوت وأنهم لفرارهم منه وعدم تحملهم إياه ((يجعلون أصابعهم في آذانهم)) بين شدة الضوء عليهم .
تفسير قوله تعالى : (( يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيءٍ قديرٌ ))
فقال: ((يكاد البرق يخطف أبصارهم )) لأن أبصارهم ضعيفة لا تتحمل وإنما يكاد يخطف أبصارهم يعني يأخذها بسرعة، لأنه يأتي بسرعة ثم تأتي بعده ظلمة سريعة فربما يكون ذلك سببا لفقد البصر، ثم قال: (( كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا )) انتبه الفرق الإضاءة قال: كلما أضاء لهم مشوا فيه فكأنهم ينتهزون الفرصة فرصة الإضاءة ولا يتأخرون عن الإضاءة طرفة عين، وينتهزون الفرصة في كلما أضاء ((كلما أضاء لهم مشوا فيه)) ولو شيئا يسيرا وهو شيء يسير إذا لم يكن البرق متعاقبا بسرعة فان وميض البرق يسير جدا لا يخطون خطوة إلا وقد جاءهم الظلام، ((كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا )) يعني وقفوا، ((قاموا)) بمعني وقفوا، ((وإذا أظلم عليهم قاموا)) كيف أظلم عليهم؟ لأن وميض البرق يولد ظلمة فوق ظلمة الليل، ونحن ذكرنا في أول الآية أنه ظلمات: ظلمة الليل، وظلمة السحاب، وظلمة المطر، هؤلاء إذا أظلم عليهم قاموا فتكن هذه ظلمة رابعة وهي فقد الضوء فإن فقد الضوء إذا فقدت الضوء صار الشيء مظلما أكثر مما كان عليه في الواقع، فيكون الآن الظلمات تكون أربع ظلمات ((وإذا اظلم عليه قاموا)) أي وقفوا ((ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم)) دون أن تحدث الصواعق ودون أن يحدث البرق، لأن الله تعالى على كل شيء قدير، فهو قادر على أن يذهب السمع والبصر بدون أسباب، فالسمع بدون صواعق لأن الصواعق صوتها عظيم ربما يصم الأذان، والبرق أيضا نوره عظيم ربما يخطف الأبصار ((لو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم)) دون أن يحصل هذا (( إن الله على كل شيء قدير)).
بيان الفرق بين المثل الأول والمثل الثاني الذي ضربه الله للمنافقين.
لننظر الآن على أي شيء ينطبق هذا المثل؟ هذا المثل ينطبق على قوم منافقين لم يؤمنوا إطلاقا لم يؤمنوا أصلهم منافقون، وهم المنافقون اليهود، لأن المنافقين منهم عرب من الخزرج والأوس، ومنهم يهود من بني إسرائيل، اليهود لم يذوقوا طعم الإسلام أبدا لأيش؟ لأنهم كفار من الأصل لكن أظهروا الإسلام خوفا من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعزه الله في بدر، هؤلاء ليسوا على هدى كالأولين، الأولين استوقدوا النار وصار عندهم شيء من النور لهذه النار ثم والعياذ بالله انتكسوا لكن هؤلاء من الأصل