تتمة تفسير قوله تعالى : (( يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيءٍ قديرٌ ))
دون أن تحدث الصواعق ودون أن يحدث البرق، لأن الله تعالى على كل شيء قدير، فهو قادر على أن يذهب السمع والبصر بدون أسباب، فالسمع بدون صواعق لأن الصواعق صوتها عظيم ربما يصم الأذان، والبرق أيضا نوره عظيم ربما يخطف الأبصار ((لو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم)) دون أن يحصل هذا ((إن الله على كل شيء قدير)) .
بيان الفرق بين المثل الأول والمثل الثاني الذي ضربه الله للمنافقين.
لننظر الآن على أي شيء ينطبق هذا المثل؟ هذا المثل ينطبق على قوم منافقين لم يؤمنوا إطلاقا، لم يؤمنوا أصلهم منافقون وهم المنافقون اليهود، لأن المنافقين منهم عرب من الخزرج والأوس، ومنهم يهود من بني إسرائيل، اليهود لم يذوقوا طعم الإسلام أبدا لأيش؟ لأنهم كفار من الأصل، لكن أظهروا الإسلام خوفا من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أعزه الله في بدر، هؤلاء ليسوا على هدى كالأولين، الأولين استوقدوا النار وصار عندهم شيء من النور بهذه النار ثم والعياذ بالله انتكسوا، لكن هؤلاء من الأصل في ظلمات فيكون هذا المثل غير المثل الأول بل هو لقوم آخرين والمنافقون أصناف بلاشك، حال هؤلاء لم يدخلوا في الإسلام من الأصل فحالهم حال هؤلاء القوم الذين أصابهم الصيب وصارت حالهم إلى ما ترى، فلننظر ((الصواعق)) عبارة عن ما في القرآن من الإنذار والخوف ولهذا يقول الله عنهم في آية أخرى: (( يحسبون كل صيحة عليهم )) البرق نور الإسلام لكنه ليس نورا يستمر، نور البرق كما تعلمون أيش؟ ينقطع بلحظة وميزة فهؤلاء لم يدخلوا الإيمان في قلوبهم أصلا ولا فكروا في ذلك وإنما يرون هذا النور العظيم الذي شاع فينتفعون به لمجرد خطوة يخطونها فقط وبعد ذلك يقفون، كذلك أيضا ((يكاد البرق يخطف أبصارهم)) لأنهم لا يتمكنون من رؤية النور الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بل لكبريائهم وحسدهم للعرب يكاد هذا البرق يعمي أبصارهم، لأنه قوي عليهم لا يستطيعون مدافعته ومقابلته، فالظاهر أن القول الراجح: أن هذين مثلان يتنزلان على صنفين من المنافقين . طيب إذا قال قائل: صنف الأول كيف نقول أنه دخل الإيمان في قلوبهم؟ نقول نعم قال الله تعالى: (( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون )) دخلهم الإيمان لكنه لم يتمكن في قلوبهم صاروا كالأعراب الذين قالوا آمنا فقال الله: (( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا )) وإلا فإن الإيمان إذا دخل القلب دخولا حقيقيا مطمئنا الإنسان فيه فإنه لن يخرج منه بإذن الله، ولهذا سأل هرقل أبا سفيان عن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام الذين يدخلون الإسلام:( هل أحد منهم ارتد عن دينه؟ فقال لا، قال هذا الإيمان إذا وقر في القلب فانه لا يخرج منه) لكن الإيمان الهش الذي لم يتمكن من القلب هذا هو الذي يخشي على صاحبه أجارني الله وإياكم .
فوائد الآية (( أو كصيبٍ من السماء فيه ظلماتٌ ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيطٌ بالكافرين ))
في هذه الآية من الفوائد: ما سبق من كمال بلاغة القرآن وبيانه، وذلك بضرب الأمثال المحسوسة للوصول إلى معرفة المعاني المعقولة. ومن فوائد هذه الآية: إثبات القياس في الشرع، وقد ذكرنا قبل هذا قاعدة أن كل مثل في القرآن فإنه يدل على إثبات القياس، لأن المراد به إلحاق هذا الشيء بهذا الشيء. ومن فوائد الآية الكريمة: أنه كلما عظمت الظلمات صار الإنسان أشد فزعا لقوله: ((يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق )). ومن فوائدها أيضا: أن الخوف من الرعد والبرق كان أمرا طبيعيا لما يحدث من الرعد أحيانا من الصواعق، ولو كان مجرد صوت أو ضياء ما خاف الناس لكن الناس يخافون أيش؟ يخافون الصواعق، أما مجرد الصوت فإنه ولو كان أقوى من هذا لا يفزع الناس لكن يفزعون منها، إلا أنه قد قيل: متى سمعت صوت الرعد فقد سلمت من الصاعقة، صح؟ الطالب : صحيح . الشيخ : لأيش؟ الطالب : الضوء أسرع الشيخ : لأن الضوء أسرع في هذه الشحنة الكهربائية تصل إلى الأرض قبل أن تسمع الصوت، فمتى سمعت الصوت فاعلم أنك سلمت من هذه الصاعقة التي تكون في هذا الرعد. ومن فوائد هذه الآية: بيان شح الإنسان بحياته لقوله: (( يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت)) وإلا من المعلوم أن الإنسان لو أقصع أصبعه في أذنه فسوف يتألم، لكنه يتألم خوفا مما هو أشد ألما وهو الموت. هل يمكن أن يستفاد من ذلك ارتكب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما؟ نعم يمكن لكن كما أنتم تعلمون هذا أمر طبيعي ما هو أمر شرعي الذي يمكن أي نستدل به علي ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما ما حصل من الخضر حين خرق السفينة حفاظا عليهم، لأن السفينة سوف تمر بملك يأخذ السفن الصالحة غصبا فإذا مرت به وهي مخروقة تركها فصار إفساد بعضها من أجل الإبقاء على الجميع . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تهديد الكفار بأن الله محيط بهم، لقوله تعالى: (( والله محيط بالكافرين )) . ومن فوائدها: الانتقال من المعنى المحسوس إلى المعنى المعقول، لأن الله لم يقل محيط بهم بل قال: ((محيط بالكافرين)) والمثل الذي ضرب، ضرب مثلا للإنسان أي إنسان إذا حصل ظلمات ورعد وبرق فسوف يخاف ويحزن .
فوائد الآية (( يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيءٍ قديرٌ ))
ومن فوائد هذه الآية الكريمة التي بعد من؟ ((يكاد البرق يخطف أبصارهم )) من فوائدها: أن البرق الشديد يخطف البصر، ولهذا ينهى الإنسان أن ينظر إلى البرق حال كون السماء تبرق لأن لا يخطف بصره . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: اغتنام الفرص (( كلما أضاء لهم مشوا فيه)) وأن اغتنام الفرص من أعمال العقلاء . ومن فوائد الآية الكريمة اجتناب الهلكات ((وإذا أظلم عليهم قاموا)) . ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات مشيئة الله، لقول الله تعالى: (( ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم )). ومن فوائدها: أنه ينبغي للإنسان أن يلجأ إلى الله عزوجل أن يمتعه بسمعه وبصره، وفي الدعاء المأثور: (متعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أبقيتنا) لقوله: (( ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم)). ومن فوائدها: إثبات هذا الاسم لله وهو القدير . ومن فوائدها: عموم قدرة الله على كل شيء، فهو جل وعلا على كل شيء قدير، قادر على إيجاد معدوم وعلى إعدام الموجود وعلى تغيير الصالح إلى فاسد والفاسد إلى صالح وغير ذلك.
قلتم: إذا سمعت الرعد فقد سلمت من الصاعقة هل في الآية (( فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق )) فهل هذه المقولة على إطلاقها ؟
السائل : شيخ قلتم إذا سمعت الرعد فقد سلمت من الصاعقة هل هذه الآية: ((فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذنهم من الصواعق))الشيخ : لا، هذا ظنا منهم، ظنا منهم أنهم يسلمون لكن ما يسلمون، لأن الله قال: (( والله محيط بالكافرين))السائل :إذا هذه المقولة ليست على الإطلاق ؟ الشيخ : لا، هذه إطلاقها . السائل : إذا تكررت ؟ الشيخ : خلها إذا تكررت هذه شحنة جديدة، ولهذا قلنا الشحنة السابقة على الرعد إذا سمعت الرعد ما تصيب. السائل : قد تصاب بالصاعقة بنفس هذا المطر؟ الشيخ : أي نعم، لكن من شحنة جديدة، لو فرض البرق يتكرر هذا يمكن يأتي من غير ما سمعت أولا. السائل : الصوت ولمع البرق بينهما فرق كبير . الشيخ :نعم نعم؟
في قوله تعالى: (( يجعلون أصابعهم في آذانهم.. )) إذا قيل في الآية أسلوب من أساليب البلاغة فعبر بالكل وأراد الجزء هل يلزم من ذلك أنه مجاز ؟
السائل : شيخ في قوله تعالى: (( يجعلون أصابعهم في آذانهم.. )) إذا قيل في الآية أسلوب من أساليب البلاغة فعبر بالكل وأراد الجزء هل يلزم من ذلك المجاز ؟ الشيخ : أيهم ؟ ((يجعلون أصابهم)) ؟ لا، ما يلزم، لأن كلا يعرف أن أصابعهم ليس المراد منها جميع الأصبع. السائل : لكن إذا قيل عبر بهذا بالكل وأراد الجزء ؟ الشيخ :نعم للمبالغة، لا عبر بالكل وأراد الجزء. انتهى الوقت؟
السائل :خطف البرق لأبصار هؤلاء هل يختص بهم؟ الشيخ : لا، لا، هذا هو الواقع أنه ((يكاد البرق يخطف أبصارهم)) ولهذا ينبغي للإنسان إذا أراد أن يطفئ المصباح أن يغمض عينيه أو يغطي وجهه، هذا شيء مشاهد وقد سألنا الأخ إرشاد في درس سابق وأقر ذلك.
السائل : شيخ ذكر البرق والرعد بالتخصيص هل هو للمنافقين فقط و الكفار أم على الإطلاق في الآية ذكر الخوف، كوننا لا نخاف هل دليل إيمان ؟ الشيخ : هذا خوف طبيعي بارك الله فيك كل إنسان يخاف . السائل : ما أحد يخاف من شدة البرق إلا إذا كان في الصحراء؟ الشيخ : ما أحد يخاف؟ ما أحد ما يخاف إلا الحجاج إن صح ما نقل عنه، أنه لما حاصر مكة أرسل الله تعالى سحاب وفيه الرعد والبرق وكانوا يخوفونه فيقول لا هذه أيش هذه قعاقع الحجاز أو كلمة نحوها يعني استهتر والعياذ بالله وإلا الإنسان بطبيعته لابد أن يخاف.
الطالب :أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (( يا أيها الناس اعبدوا ربك الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ))
تفسير قوله تعالى : (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون )) والكلام على السور المكية والسور المدنية وكيف تعرف الآيات المكية والمدنية.
الشيخ : أحسنت، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى: ((يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم)) الخطاب هنا ورد ((يا أيها الناس)) مع أن السورة مدنية وأكثر من يخاطب في السور المدنية هم المؤمنون، ولهذا جعل المتكلمون في أصول التفسير جعل من علامة السور المدنية أن الخطاب يكون فيها موجها للمؤمنين بخلاف الآيات المكية، لأن أكثر من يخاطب بها من ليس بمؤمن، لكن هذه الآية هي أول آية فيها نداء أول آية فيها نداء هي هذه الآية (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم)) ولهذا وجه الخطاب بها أو النداء بها إلى جميع الناس كما في قوله تعالى: (( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)). ولو قال قائل: لعل هذه آية مكية جعلت في السورة المدينة؟ نقول: الأصل عدم ذلك، ولهذا نرى في بعض العناوين السور مكية إلا آية كذا وكذا، مدنية إلا آية كذا و كذا، هذا غير مسلم حتى يثبت ذلك بدليل صحيح وإلا فالأصل أن السور المدنية جميع آياتها مدنية وأن السور المكية جميع آياتها مكية إلا بدليل ثابت (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم)) في هذه ((اعبدوا ربكم الذي خلقكم)) إثبات توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ((اعبدوا)) هذا توحيد الألوهية، لأن توحيد الألوهية يسمى توحيد ألوهية باعتبار إضافته إلى الله، وتوحيد عبادة باعتبار إضافته إلى العبد .
يقول تعالى: ((اعبدوا ربكم)) فما هي العبادة التي أمرنا بها ؟ العبادة التي أمرنا بها هي التذلل لله عزوجل ذلا تاما مستلزما للمحبة والتعظيم، لابد وإلا لم يكن الإنسان عبدا أن يتذلل لله ذلا كاملا مستلزما للمحبة والتعظيم، فبالمحبة يكون فعل الأوامر حتى يصل العابد إلى محبوبه، وبالتعظيم يكون الفرار من النواهي، لئلا يعذبه ربه العظيم عزوجل، هذا هو معنى العبادة التذلل لله ذلا كاملا مستلزما للمحبة والتعظيم، طيب هذا تفسير العبادة بالنسبة لفعل العبد، قد تفسر العبادة بالنسبة لمفعول العبد بالنسبة لمفعوله، فيقال مثلا: الصلاة عبادة، الزكاة عبادة، الصوم عبادة، وعلى هذا فسرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال رحمه الله : "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة" ثم ضرب أمثلة بالصلاة والزكاة وغيرها، وحينئذ نقول: العبادة تطلق على معنيين: المعنى الأول: التعبد ، والمعنى الثاني: المتعبد به وهو مفعول العبد يعني ما فعله العبد، واضح يا جماعة؟ طيب؟ ما المراد بالآية المعنيان أو المعنى الأول ؟ الظاهر كلاهما وهما متلازمان.
تتمة تفسير قوله تعالى: (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ))
وقوله: (( اعبدوا ربكم الذي خلقكم)) الرب هو الخالق المالك أيش؟ المدبر، الخالق المالك المدبر، وعلى هذا يكون قوله: ((الذي خلقكم)) صفة كاشفة مبينة للواقع وليست صفة احترازية، لأنه ليس لنا ربان أحدهما خالق والثاني غير خالق بل ربنا هو الخالق، فالصفة هنا إذا صفة كاشفة وليست صفة احترازية، (( اعبدوا ربكم الذي خلقكم)) والخلق هو الإيجاد من عدم، ولم يخلق الناس إلا الله عزوجل، لا يخلقهم أب ولا أم ولا ملك ولا أحد، لا يخلقهم إلا الله، وإذا كان الله تعالى يقول: (( لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له )) فعدم خلق بني آدم من باب أولى نعم (( والذين من قبلكم )) يعني وخلق الذين من قبلكم، ولهذا نجد سبحان الله بنو آدم يتسلسلون تنظر إلى المسجد أو تنظر إلى مجتمع تجد هذا له سبعون سنة وهذا له خمسون وهذا له أربعون وهذا له ثلاثون وهذا له عشرون وهذا له عشر وهذا له خمس، من أجل أن يعمر الكون يتعاقبون، فإذا تأملت هذا عرفت كمال سلطان الله عزوجل وكمال حكمته هؤلاء الذين قبلنا مخلوقون ونحن من ذريتهم (( وجعلنا ذريته هم الباقين)) ذرية نوح نحن من ذريتهم إذا من تفرع على مخلوق فهو مخلوق ((والذين من قبلكم)) وعلى هذا فقوله: ((والذين من قبلكم)) معطوف على الكاف في ((خلقكم))، ((والذين من قبلكم لعلكم تتقون)) لعل هنا للتعليل أي لتصلوا إلى التقوى، ومعلوم أن التقوى مرتبة عالية حتى قال الله في الجنة: (( أعدت للمتقين)) وقال تعالى: (( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) وقال تعالى: (( واعلموا أن الله مع المتقين))
تفسير قوله تعالى : (( الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم ))
(( الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم )) هذا من باب التعدد أنواعا أو تعديد أنواع من أفعاله عزوجل، جعل الله لنا الأرض فراشا موطأة يستقر الإنسان عليه استقرارا كاملا ليست نشزا وليست مؤلمة عند النوم عليها أو السكون عليها أو ما أشبه ذلك، والله تعالى قد وصف الأرض بأوصاف متعددة وصفها بأنها فراش، وبأنها ذلول وبغير ذلك مما جرى في القرآن، والفراش كما نعلم يكون موطأ للإنسان مهيأ له يستريح فيه، (( والسماء بناء)) كما قال تعالى: (( وبنينا فوقكم سبعا شدادا )) السماء جعلها الله بناء أي بمنزلة البناء وبمنزلة السقف (( وجعلنا السماء سقفا محفوظا )). ((وأنزل من السماء ماء))((أنزل من السماء)) ليست هي السماء الأولى بل المراد بالسماء الثانية العلو، لأن الماء الذي هو المطر ينزل من السحاب قال الله تعالى: (( الم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله)) فالماء الذي هو المطر لا ينزل من السماء التي هي البناء وإنما ينزل من السحاب التي في العلو وبهذا نعرف أن السماء يطلق على معنيين: المعنى الأول: البناء الذي فوقنا، والمعنى الثاني: العلو، ((فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ))((أخرج به)) أي بسببه، وانظر إلي الحكمة أو النكتة البديعة حيث أضاف الأمر إلى نفسه جل وعلا لكن بسبب ،فالسبب موصل فقط وإلا فهل المطر يخرج النبات؟ لا، المخرج هو الله لكن السبب المطر ((فاخرج به)) أي بسببه ((من الثمرات رزقا لكم)) وجمع الثمرات لأنها متنوعة، لو أراد الإنسان أن يحصي أنواعها لعجز فضلا عن أفرادها.
تفسير قوله تعالى : (( فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ))
(( فلا تجعلوا لله أندادا وانتم تعلمون )) فلا تجعلوا لله أندادا في العبادة، وأنتم تعلمون أنه لا ند له في الخلق والرزق وإنزال المطر وما أشبه ذلك من أفعال الربوبية، لأن المشركين يقرون بأن الخالق هو الله والرازق هو الله والمدبر للأمر هو الله يقرون بهذا إقرارا تاما ويعلمون أنه لا إله مع الله في هذا، لكن في العبادة ينكرونها يشركون، يجعلون مع الله إلها آخر، وينكرون على من وحد الله حتى قالوا في الرسول عليه الصلاة والسلام: (( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب)) ونقول: ـ ما شاء الله ـ من الذي جاء بشيء عجاب؟ هم ، أما الرسول عليه الصلاة والسلام جاء بالصواب لكن هم جاءوا بشيء عجاب نسأل الله العافية، ((إذا فلا تجعلوا لله أندادا)) في أيش؟ في العبادة ، ((وأنتم تعلمون)) أنه لا ند له في الربوبية من الخلق والرزق وغير ذلك، وإقراركم بالخلق والرزق أن الله منفرد به يلزم أن تجعلوا العبادة لله وحده فإن لم تفعلوا فأنتم متناقضون، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية يعني من أقر بالربوبية لزمه أن يقر بالألوهية ومن أقر بالألوهية فإنه لم يقر بها حتى كان قد أقر بالربوبية فتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية .
فوائد الآية (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ))
في هذه الآية من الفوائد أولا: العناية بالعبادة يستفاد هذا من وجهين، الوجه الأول: تصدير الأمر بها بالنداء، والوجه الثاني: تعميم النداء لجميع الناس مما يدل على أن العبادة من أهم الشيء، وهو كذلك بل إن الناس ما خلقوا إلا لأجل العبادة (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن وجوب العبادة علينا مما يقتضيه العقل بالإضافة إلى الشرع لقوله: ((اعبدوا ربكم)) فإن الرب يستحق أن يعبد ولا يعبد غيره، والعجب أن هؤلاء المشركين الذين لم يمتثلوا هذا الأمر إذا أصابتهم الضراء وتقطعت بهم الأسباب يتوجهون إلى من؟ إلى الله (( فإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين )) لأن فطرهم تحملهم على ذلك ولابد. ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن الله عزوجل هو الخالق وحده وأنه خالق الأولين والآخرين لقوله: (( الذي خلقكم والذين من قبلكم)). ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من طريق القرآن أنه إذا ذكر الحكم غالبا ذكر العلة الحكم ((أعبدوا)) والعلة كونه ربا خالقا لنا ولمن قبلنا. ومن فوائد الآية الكريمة: أن التقوى مرتبة عالية لا ينالها كل أحد إلا من أخلص العبادة لله عزوجل لقوله: ((لعلكم تتقون)) هل يمكن أن نأخذ من هذه الآية التحذير من البدع؟ ربما نأخذ منها التحذير من البدع وذلك لأن عبادة الله لا تتحقق إلا بسلوك الطريق الذي شرعه للعبادة، لأنه لا يمكن أن نعرف كيف نعبد الله؟ كيف نتوضأ؟ إلا عن طريق الوحي والشرع، كيف نصلي يعني ما الذي أدرانا أن الإنسان إذا قام يقرآ ثم ركع ثم سجد؟ فهذه هي العبادة المطلوبة منا إلا بعد الوحي، وعلى هذا فيمكن أن يقال: إن الأمر بالعبادة يستلزم الأمر بالإتباع. وهل يستفاد من الآية الحث على طلب العلم ؟ نعم، كيف ذلك؟ إذ لا تمكن العبادة إلا بالعلم، ولهذا ترجم البخاري رحمه الله على هذه المسألة بقوله:" باب العلم قبل القول والعمل".
فوائد الآية (( الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ))
ثم قال تعالى ممتنا مذكرا عباده : ((الذي جعل لكم الأرض فراشا)) يستفاد من هذه الآية الكريمة: بيان رحمة الله تعالى وحكمته في جعل الأرض فراشا إذ لو جعلها خشنة صلبة لا يمكن أن يستقر الإنسان عليها ،ما هدى لأحد بال لكن من رحمته ولطفه وإحسانه جعلها فراشا. ومن فوائد الآية الكريمة: جعل السماء بناء، لكن ما فائدتنا من جعل السماء بناء ؟ فائدتنا من جعل السماء بناء أن نعلم بذلك قدرة الله عزوجل، لأن هذه السماء المحيطة بكل الأرض من جميع الجوانب نعلم أنها كبيرة جدا واسعة كما قال تعالى: (( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون )). ومن فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله عزوجل بإنزال المطر من السماء لقوله: (( وأنزل من السماء ماء )) لو اجتمعت الخلائق على أن يخلقوا نقطة من الماء ما استطاعوا، والله تعالى ينزل هذا المطر العظيم بلحظة أليس كذلك؟ نعم، وقصة الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قال: (ادع الله أن يغيثنا فرفع يديه وقال اللهم أغثنا، وما نزل من الخطبة إلا والمطر يتحادر من لحيته). ومن فوائد الآية الكريمة: حكمة الله تعالى ورحمته بإنزال المطر من السماء، وجه ذلك لو كان الماء الذي تحيى به الأرض لو كان يجري على الأرض لأضر الناس، ولو كان يجري على الأرض لحرم منه أراض كثيرة. ما هي الأراضي التي تحرم ؟ المرتفعة، لا يأتيها شيء، ولكن من نعمة الله أنه ينزل من السماء، ثم هناك شيء آخر أيضا أنه ينزل ردادا يعني قطرة قطرة، ولو نزل كأفواه القرب لأضر بالناس ،ولكن من رحمة الله عزوجل أنه ينزل على ما تعادوه. ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأسباب لقوله: (( فأخرج به من الثمرات رزقا لكم )) . ومن فوائدها: أن الأسباب لا تكون سببا إلا بإرادة الله لقوله: ((فأخرج به )) .
ينبغي للإنسان أن يضيف الشيء إلى الله مقرونا بالسبب كأن يقول: أنقذني الله بفلان ولا يقول: أنقذني الله وفلان.
ومن فوائدها فائدة مسلكية: أن الإنسان ينبغي له أن يضيف السبب إلى الله أن يضيف الشيء إلى الله مقرونا بالسبب، فمثلا لو أن أحدا من الناس غرق وجاء رجل فأخرجه، أنقذه من الغرق فليقل أنقذني الله بفلان، وله أن يقول: أنقذني فلان له أن يقول ذلك، لأنه فعلا أنقذه، وله أن يقول: أنقذني الله ثم فلان كم هذه من صيغة؟ وليس له أن يقول: أنقذني الله وفلان، لأن هذا تشريك مع الله ،ويدل لهذا أي الاختيار أن يضيف الشيء إلى الله عزوجل مقرونا بالسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الغلام اليهودي للإسلام وكان هذا الغلام في سياق الموت فعرض عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسلم فأسلم لكنه أسلم بعد أن استشار أباه، التفت إليه ينظر إليه يستشيره قال:" أطع أبا القاسم" الجهل أذن لولده بل أمر ولده أن يسلم وهو لم يسلم في تلك الحال ،بعده ما ندري الله أعلم، لكن على كل حال خرج النبي صلي الله عليه وسلم وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) شف التعبير أنقذه بي من النار وهكذا ينبغي لنا نحن إذا حصل شيء بسبب أن نضيفه إلى الله تعالى مقرونا ببيان السبب.
تتمة فوائد الآية (( الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ))
ومن فوائد الآية الكريمة : قدرة الله عزوجل وفضله بإخراج هذه الثمرات من الماء، أما القدرة فظاهر تجد الأرض شهباء جدباء ليس فيها ورقة خضراء فينزل المطر وفي مدة وجيزة يخرج هذا النبات من كل زوج بهيج بإذن الله عزوجل، ففيه القدرة وفيه الفضل، ولذالك قال: ((رزقا لكم)) . ومن فوائد هذه الآية الكريمة أن الله عزوجل منعم على الإنسان كافرا كان أو مسلما، عقيل من أين؟ ((لكم)) وهو يخاطب بالأول الناس عموما، إذا فلله فضل على الناس كافرهم ومؤمنهم كل له فضل، لكن فضل الله على المؤمن ـ جعلني الله وإياكم منهم ـ دائم متصل بفضل آخر وفضل الله على الكافر منقطع بانقطاعه من الدنيا .
هل اتخاذ الأنداد شرك أكبر أم أصغر وهل هي شرك جلي أم خفي ؟
ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم جعل الأنداد لله لقوله: ((فلا تجعلوا لله أندادا)) وهل الأنداد شرك أكبر أو شرك أصغر؟ وهل هي شرك جلي أو شرك خفي؟ هذا له تفصيل في علم التوحيد، إن جعل لله ندا في العبادة بأن عبد غير الله كعبادة الله فهذا شرك أكبر، وإن جعل له ندا في الربوبية وقال إن هذا الخلق خلقه فلان مثلا فهذا شرك أكبر، وإن كان دون ذلك فهو شرك أصغر، ومن ذلك أن يضيف الشيء إلى سببه وإلى الله مقرونا بالواو فهذا شرك أصغر ما لم يعتقد أن هذا السبب له فعل كفعل الله فيكون شركا أكبر.
ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي لمن خاطب أحدا أن يبين له ما تقوم به عليه الحجة من قوله: ((فلا تجعلوا لله أندادا وانتم تعلمون )) ومن قوله في صدر الآية: (( اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم )) فإن قوله: ((الذي خلقكم والذين من قبلكم)) فيه إقامة للحجة على وجوب العبادة له، لأنه الخالق وحده. الإعراب في قوله: ((وانتم تعلمون)) الجملة حالية في محل نصب.
ما الحكمة من كثرة الآيات الدالة على توحيد الربوبية مع أن المخاطبين بهذا القرآن يقرون بتوحيد الربوبية ؟
السائل : فضيلة الشيخ ما الحكمة من كثرة الآيات الدالة على توحيد الربوبية مع أن المخاطبين بهذا القرآن يقرون بتوحيد الربوبية؟ الشيخ :نعم .إقامة الحجة. ...لكن إذا قالوا به يلزمهم أن يوحدوا بالألوهية. السائل : ولكن بعض الدعاة الذين يدعون يصرون على الدعوة إلى توحيد الربوبية، مع أن الناس يحتاجون إلى الألوهية ويستشهدون بكثرة الآيات في القرآن على هذا ؟ الشيخ : أي هذا مثل ما قلت لو كان يخاطب الناس ينكرون الألوهية يعني ينكرون توحيد الألوهية فليكثر من ذكر الآيات في الربوبية، لكن إذا كان يتكلم على أناس مقرين بتوحيد الألوهية فينبغي أن يأتي لهم بآيات أخرى آيات في الصفات آيات في أفعال الله . الشيخ : هم مسلمون ؟ إذا كانوا مسلمين فالربوبية يمكن أن يذكرونها من أجل أن يزداد إيمانهم.
هل من صرف المحبة أو التعظيم لغير الله أو أحب وعظم غير الله أكثر من حب الله يكون مشركا الشرك الأكبر ؟
السائل : هل من صرف المحبة أو التعظيم لغير الله أو أحب وعظم غير الله أكثر من حب الله يكون مشركا الشرك الأكبر؟ الشيخ : أي نعم إذا أحب أحدا مثل محبة الله أو أعظم فهو مشرك شركا الأكبر أو عظم أحدا مثل تعظيم الله حتى لو عظم الكعبة مثل تعظيم الله أو عظم الرسول عليه الصلاة والسلام مثل تعظيم الله كان مشركا شرك الأكبر . السائل : ما نقول في هؤلاء الذين يطوفون القبور للأولياء هم يحبونهم ويعظمونهم لكن ما نعلم هل حبهم أشد من حب الله أو لا؟ الشيخ : نقول بالتفصيل ثم نقول لهذا هل أنت تحب هذا اشد من حب الله ؟ السائل : يحب ويعظم ولكن يعني..؟ الشيخ : في أناس يحبون الرسول أكثر من محبة الله، وأنا أذكر أن أناسا من الحجاج ونحن في جدة في المسجد ،جاء وقت المنع من السفر إلى المدينة لأنهم أظن بعد رابعة من ذي الحجة يمنعون من السفر إلى المدينة خوفا عليهم من التأخر فجعل يبكي بكاء شديدا، لأيش؟ قال: نور عيني من نور عينه ؟ يعني الرسول عليه الصلاة والسلام، أنا ما جئت إلا لهذا يقول أنا نور عيني ما جئت إلا له، في ظني أن هذا محبة الرسول في قلبه أكثر من محبة الله ، فمثل هؤلاء يجب أن يبين لهم فيقال لولا محبة الله ما أحببنا الرسول، ولو لا أن محمدا رسول الله ما أحببناه هذه المحبة ولا قدمنا محبته على أنفسنا وأهلينا و أولادنا، من أين وجب لنا أن نعظم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ؟ من أجل أنه رسول ربنا ما هو من أجل أنه محمد بن عبد الله، معلوم هذا؟ فهؤلاء العامة يبين لهم قال يا لا تجعل أحدا مع الله إطلاقا (( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله))
إذا حصل لشخص حب وتعظيم لوالديه أو شيخه هل يكون ذلك عبادة له ؟
السائل : إذا حصل لشخص حب وتعظيم لوالديه أو شيخه هل يكون ذلك عبادة له ؟ الشيخ : لا لا، الإنسان يحب والديه ويعظم والديه ويحب معلمه ويعظم معلمه يحب الذي أكبر منه ويعظمه المهم أن لا يكون هناك غلو .
الطالب : (( وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ))