تفسير قوله تعالى : (( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوفٌ بالعباد )) ومناسبة هذه الآية لما قبلها، والكلام على ترتيب القرآن وأنه إذا ذكر أهل الجحيم يذكر بعده أهل النعيم وإذا ذكر الكفار ذكر بعدهم المؤمنين وهكذا.
ما ذكر حال المنافقين الذين يعجبك قولهم في الحياة الدنيا وهم ألد الخصام ، (( والذين إذا تولوا سعوا في الأرض فسادا فأهلكوا الحرث والنسل والله لا يحب الفساد )) ذكر حال قوم على ضدهم، وهكذا القرآن كما تقدم لنا مرارا القرآن مثاني تثنى فيه الأمور ، فيأتي بذكر الجنة مع النار، وبذكر المتقين مع الفجار ، وهكذا لأجل أن يبقى الإنسان في روضة متنوعة ما يخل ولا يمل ، ثم ليبقى الإنسان بين الخوف والرجاء ، الخوف إذا رأى النار ووعيدها وعقوبتها ، والرجاء إذا رأى الجنة ونعيمها وثوابها ، ثم يبقى ينظر إلى حال الناس جميعا أهل الخير وأهل الشر كأنهم أمامه كمرآة ، بخلاف ما لو كانت السياقات واحدة ثم انتهى الكلام عن أحوال هؤلاء كلهم ثم الكلام في أحوال الآخرين ، فترتيب القرآن لاشك أنه من لدن حكيم خبير ، وأنه موافق لإصلاح القلوب ، ولهذا نرى أنه ليس من المستحسن بل إنه من الذي رأى أنه محرم هؤلاء الذين جمعوا آيات القرآن بمتناسبة جمع بعضها إلى بعض كما يوجد في تفسير الآيات القرآن الحكيم الذي كتب المفهرس لآيات القرآن ، المعجم المفهرس ، لكنه كتب كتاب آخر تفسير آيات القرآن الحكيم وجمع آيات التوحيد جميعا وآيات الصلاة جميعا وآيات الزكاة جميعا وآيات المتقين جميعا إلى آخره ، وقرآن مصحف لكنه مرتب لحسب المعاني هذا الذي حصروها لا يليق ونرى أنه إلى التحريم أقرب لأنه إخراج لكتاب الله سبحانه و تعالى عن ترتيبه الذي كان عليه، والترتيب اجتهادي ولا توقيفي ؟ توقيفي ، هنا (( ومن الناس من يعجبك )) ثم قال: (( ومن الناس من يشري نفسه )) .
ما فيه مانع لأنه مجزأ يعني يأخذ الموضوع المتحد ويحطه في كتاب مستقل ما فيه شيء هذا ، وما زال العلماء يفعلونه مثل تفسير آيات الأحكام وغيره موجودة والقرطبي ، هذا جمع القرآن كله في مصحف ، وخلا الآية هذه على حالها وآية هذه على حالها ،
تتمة الأسئلة حول حكم ترتيب آيات القرآن الحكيم في كتاب مستقل يشبه المصحف
كل واحد يا أخي كل واحد مادام القرآن كل موجود على هذا الترتيب ، فمعنى ذلك أن فيه شبه اعتراض على الترتيب الإلهي . هذه مشكلة ، نحن نقول لو أنه قال في جزء من قصة موسى يطبعه منفردة ، لكن كونه يكتب جميعا مشكل كأنه مصحف هذا ما يجوز ويش معنى أن الترتيب توقيفي ؟ يعني ويش الفرق تسمية فقط ؟ لا يا أخي كل يقول ، اجعل مثلا موضوعا معينا لا بأس نوافقك في هذا أما أن ترتب القرآن كله من الأول إلى آخره وهذا ما تريده أنت هذا حرام سمه ما شئت
تتمة تفسير قوله تعالى : (( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوفٌ بالعباد )) وإثبات صفة الرأفة لله وأنها أخص من صفة الرحمة. وذكر الأوجه القرآئية في قوله (( والله رؤوف ))
المهم قوله تعالى: (( ومن الناس من يشري نفسه )) هذا هو القسيم الثاني ، أول القسيم بقوله: (( ومن الناس من يعجبك )) فعلى هذا تكون من للتبعيض من الناس ، ومن مبتداء والجار والمجرور قبله خبره ، وقال بعض أهل النحو إن من التبعيضية اسم لأنها بمعنى بعض ، وعليك هي مبتداء وتكون (( من يشري )) خبره ، وقوله: (( من يشري نفسه )) أي يبيعها لأن شرى بمعنى باع ، كقوله تعالى: (( وشروه بثمن بخص دراهم معدودة )) شروه يعني باعوه بثمن بخس ، أما اشترى فهي التي بمعنى باع، إذا جاءت التاء فهي للمشتري للآخذ ، وإذا حذفت التاء فهي للبايع المعطي نعم . (( من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله )) يعني ذاته ، يعني يبيع نفسه ابتغاء مفعول من أجلها أي طلبا (( مرضات الله )) أي رضوانه، أي يبيع نفسه في طلب رضا الله عز وجل فيكون قد باع نفسه مخلصا لله عز وجل في هذا البيع . ثم قال: (( والله رءوف بالعباد )) كلمة من الناس هل تعني شخصا معينا أو هي عامة ؟ قال بعض المفسرين: إنها تعني شخصا معينا وهو صهيب الرومي لما أراد أن يهاجر من مكة منع كفار مكة ، وقالوا ما يمكن تهاجر أبدا إلا أن تدع لنا جميع ما تمتلك فنحن لا نعترض عليك ، فوافق على ذلك وأنقض نفسه بالهجرة ابتغاء مرضات الله، وقال بعض العلماء بل هي عامة وهم أكثر المفسرين ، عامة لكل المؤمنين المجاهدين في سبيل الله ، قالوا ودليل ذلك قوله تعالى: (( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون )) وهذا القول أصح أنها للعموم حتى لو صح أن سبب نزولها قصة صهيب فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . قال الله : (( والله رءوف بالعباد )) معناه يعني أن هؤلاء الذي ضعوا أنفسهم ابتغاء مرضات الله فإن الله تعالى يشملهم برأفته بقوله: (( والله رءوف بالعباد )) قال العلماء الرأفة أرق الرحمة ، يعني أعلى درجات الرحمة بالرقة ، إذا فهي رحمة في غاية ما يكون من الرقة فتكون رأفة ، فمن أسماء الله تعالى رءوف ومن صفاته الرأفة ، لأن كل اسم من أسماء الله تعالى فهو دال على صفة أو صفتين أو أكثر كما مر، وقوله: (( بالعباد )) أل هنا للعموم فهي نائبة مناب كل أي بكل العباد والمراد بالعباد هنا من كانوا عبيدا له بالمعنى القدري لا بالمعنى الشرعي ، فرأفة الله ورحمته شاملة لكل أحد ، لكن من كان مؤمنا حصلت له الرأفة الخاصة والعامة ، ومن كان غير مؤمن فله الرأفة العامة ، واعلم أن العبودية لها معنيان: خاص ، وعام ، والخاص له أخص وهو خاص الخاص ، فمن العام قوله تعالى: (( إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا )) ومنه قوله تعالى: (( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين )) هذا القول بأن استثنى هنا متصل، وأما إذا قلنا إنه منقطع فإن قوله: (( إن عبادي )) من القسم الخاص ، وأما الخاص فمثل قوله تعالى: (( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا )) من المراد بهم كل العباد؟ لا، الذين عباد الرحمن المتصفون بهذه الصفات فيخرج من لم يتصف بها ، والذي أخص مثل قوله تعالى: (( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده )) هذه عبودية أخص عبودية الرسالة . يقول الله عز وجل: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ))(( أدخلوا في السلم كافة )) ، قوله : (( رءوف )) عندي فيها قراءة ثانية وهي: رءف بدون واو ((والله رءوف بالعباد)) نعم .
تفسير قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافةً )) وذكر الأوجه القرآئية في قوله (( السلم )) و (( خطوات ))، وبيان فائدة الخطاب بوصف الإيمان.
يقول الله عز وجل: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين )) السلم فيه قراءتان: السلم والسلم نعم ؟ وخطوات فيها قراءتان: خطوات بضم الطاء ، وخطوات بسكون الطاء نعم ، قال: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ))(( يا أيها الذين آمنوا )) الخطاب للمؤمنين ، وقد تقدم أن الله تعالى إذا ابتدأ الحكم بالنداء فهو دليل على العناية به ، لأن المقصود بالنداء تنبيه خاص ، ولا يقتضي التنبيه إلا ما كان مهما، لأنك الآن لو أقول انتبه يكون أقل مما لو قلت يا فلان انتبه ، لأن الخطاب له للتنبه ، فالنداء الحكم المصدر بالنداء يدل تصديره بذلك على أنه عام ولهذا صدرت نداء الموجب للتنبه ، ثم إذا كان الخطاب للذين آمنوا فإن في ذلك ثلاث فوائد كما سبق ، فائدة أولى يا مصطفى؟ الطالب : أن هذا المشار إليه ، الشيخ : أن امتثال هذا الأمر من مقتضيات الإيمان ، الفائدة الثانية: الطالب : ما ينهاهم عنه هو شر، الشيخ : لا ، الطالب : الحث والإغراء ، الشيخ : نعم صح الحث والإغراء ، إذا قال لك يا مؤمن يحثهم لأن مقتضى إيمانهم يفعل ، مثل ما لو قلت: يا أيها الكريمة زد على الفقير، هذا مقصوده الإغراء بكرمه حتى يتذكر صفته وهي الكرم ، هذا ليتذكر صفته وهي الإيمان ، الفائدة الثالثة : أن هذا الفعل إن كان أمرا من كمال الإيمان وتركه من نقص الإيمان ، وفعلهم نهيا نقص الإيمان واجتنابه لله يزيد في الإيمان . هنا نشوف الذي معنا أمر ولا نهي؟ (( يا أيها الذين آمنوا )) ويش بعده ؟ أمر (( ادخلوا )) فيكون الدخول بالسلم من مقتضيات الإيمان ، ويكون الدخول بالسلم مكملا للإيمان ، ويكون عدم الدخول بالسلم منقصا في الإيمان ، كل هذا استفدنا من الخطاب بيا أيها الذين آمنوا. قال: (( ادخلوا في السلم )) السلم والسلم بمعنى الإسلام وهو الاستسلام لله تعالى ظاهرا وباطنا . فإن قال قائل: كيف يقول: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم )) ونحن عرفنا من قبل أن الإيمان أكمل من الإسلام لقوله تعالى: (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم )) فكيف يقول: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم )) ؟ قلنا إن هذا الأمر مقيد بما بعد قوله: (( في السلم )) وهو قوله: (( كافة )) فهنا يتوجه الأمر ، أو إلى هنا الذي (( كافة )) يتوجه الأمر ، يعني نفذوا أحكام الإسلام جميعا لا تفرطوا في شيء منها ، لأن هذا مقتضى كمال الإيمان ، يكون هنا الأمر منصب على مجرد الدخول في السلم وإلا منصب على قوله (( كافة )) ؟ على قوله (( كافة )) ، وقوله: (( كافة )) اسم فاعل يطلق على من يكف غيره ، فتكون التاء فيه للمبالغة مثل راوية ، ساقية ، علامة وما أشبهها ، فالتاء هنا في هذه الأمثلة الثلاثة للمبالغة ، فيكون (( كافة )) بمعنى كافا ، وتكون كافة بمعنى كافا والتاء للمبالغة، قالوا ومنه قوله تعالى: (( وما أرسلناك إلا كافة للناس )) معناها أي كافا لهم ، كافا لهم عما يضرهم، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ، فمعنى كافة أي كافا عما يضرهم نعم ؟ والتاء هنا للمبالغة، ومثلي بذلك أيضا قوله تعالى: (( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة )) وقالوا إن قاتلوهم كافة أي كافين لهم عن الشرك كما يقاتلونكم كافين لكم عن الإسلام ، لقوله: (( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ))(( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام )) فهم يقاتلوننا ليكفونا عن ديننا فنحن نقاتلهم لنكفهم عن الشرك والكفر ، وتطلق (( الكافة )) بمعنى الجماعة مثل العامة كما يقال كافة الناس أي عامتهم وجماعتهم ، ووجه ارتباطها بالمعنى الأصدية والكف أن الجماعة لها شوكة ومنعة تكف بجمعيتها من أرادها بسوء ، فلهذا سميت الجماعة كافة ، ويش الذي قلنا ؟ مثل كافة الناس أو عامة الناس أو جماعتهم نعم ؟ قال: وبعثت إلى الناس كافة ولا عامة ؟ عامة ، لكن (( وأرسلناك كافة للناس )) ؟ (( وأرسلناك )) على كل حال أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة ، كافة يعني جميعا ، هنا (( ادخلوا في السلم كافة )) هل المراد ادخلوا في السلم جميعا وتكون كافة حالا من السلم ؟ أو ادخلوا أنتم جميعا في السلم ؟ وتكون ((كافة) حالا من الواو في قوله: (( ادخلوا )) أيهما أقرب؟ الأقرب المعنى الأول ، لأننا لو قلنا بالمعنى الثاني ادخلوا جميعا في السلم صار معنى ذلك أن بعض المؤمنين لم يدخلوا في الإسلام وحينئذ فلا يصح أن يتوجه إلى النداء بوصف الإيمان ، والمعنى الثاني هو الصواب أن (( كافة )) حال من؟ من السلم ، يعني ادخلوا في الإسلام كله جميعا لا تدعوا شيئا من شعائره، وهذا هو المعنى الصحيح للآية ، وهو الذي ينطبق على مقتضى الإيمان ، لأن مقتضى الإيمان أن يكون الإنسان بجميع الشرائع ما يأخذ بشريعة ويدع شريعة . نعم ؟
يقولون من قرأ السلم بفتح السين وسكون اللام فمعناه الصلح فما رأيكم ؟
السائل : يقولون من قرأ (( السلم )) يكون بمعنى الصلح ؟ الشيخ : نعم الصواب أن معناها كل واحد إنها المراد بها الإسلام ، لكنها تأتي بمعنى صلح صحيح لقوله: (( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون )) هذا صحيح .
تفسير قوله تعالى : (( ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبينٌ )) وتعريف كلمة الشيطان واشتقاقه
نعم يقول: (( ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان )) أمر بعده نهي ، لأن إتباع خطوة الشيطان يخالف الدخول في السلم كافة ، (( لا تتبعوا )) المعنى واضح فيها يعني لا تتبعوها، (( وخطوات )) جمع خطوة ، ويصح فيها: (( خطوات ))(( وخطوات )) والخطوة هي عبارة عن منتهى نقل القدم عند المشي هذه خطوة، تمشي مثلا نقل قدمك من هذا إلى هذا يسمى خطوة ، والمعنى ظاهر أننا لا نتبع الشيطان في خيره ، خطوات الشيطان ، لماذا ؟ لأن الله بين في آية أخرى أن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر، فإنه لا يمكن أن يتبع ، هل يرضى أحد أن يتبع الفحشاء والمنكر؟ لا ، أيضا الشيطان لنا عدو كما قال تعالى: (( إن الشيطان لكم عدو )) ثم قال: (( فاتخذوه عدوا )) إذا كان لكم عدو اتخذوه عدوا ، إذا هل أحد من العقلاء يتبع عدو ه؟ لا، ما أسمع إلا صوتين ضعيفين لأنكم كنتكم تستخيرون الله في الجواب ؟ نعم ما أحد يتبع عدوه ، لا أحد يتبع عدوه، واضح؟ نعم، طيب إذا كان الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر وكان عدوا لنا فليس من العقل فضلا عن مقتضى الإيمان أن يتابعه الإنسان في خطواته . طيب ما هي خطوات الشيطان ؟ إذا قال قائل بينوا لنا خطوات الشيطان؟ نقول بينها الله عز وجل يأمر بالفحشاء وهي الذنوب ، والمنكر نعم؟ فكل معصية فهي من خطوات الشيطان سواء كانت تلك المعصية من فعل المحظور أو من ترك المأمور، فإنها من خطوات الشيطان، لكن هنا أشياء بين الرسول عليه الصلاة والسلام أنها من فعل الشيطان نقطة عليها بعينها مثل: الأكل بالشمال، والشرب بالشمال ، والأخذ بالشمال ، والإعطاء بالشمال هذه بينها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها من فعل الشيطان ، وكذلك الالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، فهذه منصوص عليها بعينها واضحة ، وغير منصوص عليه نقول كل معصية فهي من خطوات الشيطان. وقوله: (( الشيطان )) تقدم لنا هل هو مشتق من شطن أو من شاط ، من شطن بمعنى ضعف لبعده عن رحمة الله ، أو من شاط بمعنى غضب وحمق ، لأنه هو لاشك أنه أحمق ما يكون من عباد الله. نعم ؟ لا، هو لاشك أنه من وساوس الشيطان ، أما أن نقول أنه من الشيطان فإن ظاهر الآية الكريمة أنه ليس منه ، لأنه قال: (( لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر الفحشاء والمنكر )) . وقوله: (( إنه لكم عدو مبين )) هذه الآية مؤكدة بمؤكدين: إن ، واللام ، كذا؟ نعم ، متأكدون؟ بمؤكدين وهي: إن واللام ؟ لا، تقديم الخبر ، لا ما فيها ، فيها تأكيد وهي إن، لكن فيها تأكيد معنوي بغير حروف المؤكدة وهو قوله: ((عدو مبين)) . وقوله: (( إنه لكم عدو مبين )) إنه لكم كأن الشيطان ما جعل عدوا إلا لنا لبني آدم نعم؟ ولاشك أنه عدو لنا بخبر الله عز وجل وهو دليل نظري دليل أثري واضح وبالدليل العقلي النظري ، لأن الشيطان ما استحق اللعنة إلا لعدم خضوعه لأبينا بأمر الله ، فهذا الذي طرد وابعد عن رحمة الله بسبب أبينا بسبب آدم يصير عدو لنا ولا لا؟ نعم، لأنه يقول هؤلاء هم الذين كانوا سببا لطردي وإبعادي عن رحمة الله و استحاق اللعنة ، فلهذا كان عدوا لنا بدليل السمعي ويش بعد ؟ العقلي . وقوله: (( إنه لكم عدو مبين )) كلمة مبين مفعل يجوز أن تكون من أبان بمعنى أظهر، ومن أبان بمعنى بان، لأن بان يبين فهو بين، وأبان يبين فهو مبين بمعنى واحد، إلا أن أبان رباعية تأتي بمعنى أظهر لا بمعنى ظهر نعم ، (( إنه لقرآن )) لا إنه في سورة يس؟ (( إنه لذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا )) قرآن مبين هنا بمعنى بين ولا مظهر؟ (( قرآن مبين )) يعني مظهر والدليل قوله: (( لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين )) وأما مبين بمعنى بين فمثل قوله تعالى: (( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)) يعني بين. طيب كلمة مبين هنا (( إنه لكم عدو مبين )) بمعنى بين أو بمعنى مظهر؟ يعني بمعنى ظاهر ولا بمعنى مظهر ؟ ظاهر ، نعم ؟ ظاهر ومظهر أيضا ، ظاهر ومظهر ، لأن كونه يأمرنا بالفحشاء والمنكر معناه أنه أظهر العداوة، وكذلك كونه لم يسجد لأبينا ويقول إنه خير منه هذا أيضا يظهر عداوته، فهو صالح للأمرين . طيب ومن هو العدو ويش هو العدو؟ العدو من العادات وهي البعد والتنافق ، قال الفقهاء : ومن سره مساءة شخص أو غمه فرحه فهو عدو ، يعني : عدوك من يحزن لسرورك ويسر لحزنك هذا عدو، نعم هذا هو العدو ، الشيطان هو كذلك؟ نعم، الدليل: (( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله )) وفي قوله: (( لا تتبعوا الشيطان إنه لكم عدو مبين )) ختم الآية بهذه أو ختم هذا النهي بهذه الجملة فيه فائدتان، فائدة الأولى: تعليل الحكم السابق ، والفائدة الثانية: التحريم من إتباع خطوات الشيطان .
تفسير قوله تعالى : (( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيزٌ حكيمٌ ))
ثم قال الله عز وجل: (( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ))(( إن زللتم )) قال بعض العلماء إن عدلتم ، وقال آخرون: أي ملتم ، وهذا الأخير أقرب إلى معنى اللفظ، لأن الزلل مثل الزلق في الدحر، زلت به قدمه يعني هوت به ، زلت به من دحر أو من عال من درج وما أشبه ذلك، وهذا أبلغ من عدل ، يعني: إذا ملتم عن الحق واتبعتم خطوات الشيطان (( من بعد ما جاءتكم البينات )) البينات يعني صفة، هذه صفة من موصوف محذوف ، أي الآيات البينات والنصائح الظاهرات ، إذا زللتم عن الحق وملتم ، وسمى الله تعالى ذلك زللا لأن في الميل والعدول عن الحق فيه هلكة ولا لا؟ نعم ، مثل ما لو زل الإنسان وسقط في بئر مثلا ، أو زل الإنسان و زلق وطاح في الشارع نعم؟ وقوله: (( من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم )) هذا جواب الأمر، جواب إن فاعلموا ، فالمراد بالعلم ليس أن يبلغ إلى قلوبنا ولكن أن نحذر ممن له العزة (( فاعلموا أن الله عزيز حكيم )) والختم بهذين الاسمين يدل على أن الإنسان معرض للعقوبة أو واقع في العقوبة ، وهنا يكون معرضا للعقوبة ولا لا ؟ نعم إذا زل بعد أن جاءته البينة فقد عرض نفسه للعقوبة ، وأما كونه كون ما ختمت به الآية عقوبة فمثل قوله تعالى: (( فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم )) . يقال إن أعرابيا كان عند قارئ يقرأ هذه الآية وكان القارئ يقول: (( جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم )) قال له الأعرابي ما هو صحيحة اقرأ قال : فاقطعوا أيدهما نكالا من الله والله غفور رحيم ، قال ما يصح ، قال الأعرابي ما يمكن هذا، فلما قرأها للثالثة قال: (( نكالا من الله والله عزيز حكيم )) قال الآن أقمت لأنه عز وحكم فقطع ولو غفر ورحم ما قطع نعم ؟ وهذا استنتاج صحيح ، ولهذا قال الله في الذين يسعون في الأرض فسادا قال: (( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )) ولهذا قال العلماء إذا تاب قطاع الطريق قبل القدرة عليهم سقطت عنهم العقوبة ، فهنا يقول: (( فاعلموا أن الله عزيز حكيم )) إذا فأنتم قد عرضتم أنفسكم بعد الزلل الذي زللتم به من بعد ما جاءتكم البينات عرضتموها للهلاك .
تفسير قوله تعالى : (( هل ينظرون إلا يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) وذكر معاني كلمة نظر، وإثبات صفة الإتيان لله عز وجل والرد على أهل البدع في تأويلهم هذه الصفة وقالوا معناه: يأتيهم أمر الله
ثم قال: (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور )) ينظرون أي المكذبون الذين زلوا من بعد ما جاءتهم البينات ، (( هل ينظرون )) هل استفهام بمعنى النفي ، أي ما ينظرون ، وينظرون بمعنى ينتظرون ، وتأتي بمعنى النظر بالعين ، فإن عديت بإلى فهي النظر بالعين وإن لم تعد فهي بمعنى الانتظار ، مثال المعدات بإلى قوله تعالى: (( لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم )) ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم ) ومثل قوله تعالى: (( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )) الأولى بالضاد ناضرة ، الثانية بالظاء ، لأن الأولى الناضرة هي الحسنة والثانية من النظر بالعين ، أما التي لا تتعدى بإلى فهي بمعنى ينتظرون مثل هذه الآية: (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم )) أي ما ينتظر هؤلاء إلا أن يأتيهم ، ومثل قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا )) يعني انتظرنا . (( إلا أن يأتي الله في ظلل من الغمام )) هل معنى الآية: (( يأتيهم الله في ظلل) ) يعني تأتيهم الظلل من الله ؟لا ، كما لو قلت إلا أن يأتيهم الله بعذاب من عنده ؟ مثل (( ونحن نتربص بكم أن يأتيكم الله بعذاب من عنده أو بأيديهم )) هل هي مثل هذه الآية ؟ لا، لأنها عديت بفي (( إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام)) فلم يكون المعنى أن يأتيهم ظلل من الله،لا ، وقوله: (( أن يأتيهم الله )) أضاف الفعل إلى الله وهو على جادة أهل السنة والجماعة على ظاهره وحقيقته أي أن الله نفسه يأتي ، يأتي ، وأما أهل التحريف فيقولون إن معناه أن يأتيهم أمر الله في ظلل من الغمام ، وهذا تحريف للقرآن عن ظاهره بغير دليل إلا بدليل زعموه عقليا وهو وهمي وليس عقليا ، فنحن نقول الذي نسب فعل الإتيان إليه من هو؟ الله عز وجل ، وهو أعلم بنفسه، وهو يريد أن يبين لعباده أو يضلل عباده ؟ أن يبين حاشاه أن يضلل عباده، (( يبن الله لكم أن تضلوا )) ، طيب إذ كان الله يريد أن يبين وهو أعلم بنفسه فهل في كلامه عي وعجز عن التعبير بما في نسفه ؟ لا ، هذا كلامه فيه نقض في غاية ؟لا ، إذا فكلامه في غاية ما يكون من علم ، وغاية ما يكون من الهدى، وغاية ما يكون من الفصاحة والبلاغة ، فهل بعد ذلك يمكن أن نقول إنه لا يريد به ظاهره ؟ أبدا لا يمكن إلا إذا قال الله هو عن نفسه إنه ما أراد ذلك فنعم . قال: (( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) أي ما ينتظر المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم إلا هذا اليوم الذي هو يوم القيمة، وهو الذي يأتي فيه الله عز وجل للفصل بين عباده نعم، يقول: ((إلا أن يأتيهم الله)) هنا يأتي فعل مضارع والفاعل الله وهو الفعل هنا مضاف إلى من؟ الله، يعني مضاف بالمعنى ما هو مضاف بالإعراب، فالفعل مضاف إلى الله (( إلا أن يأتيهم الله )) وكل شيء أضافه الله إلى نفسه فالمراد به حقيقة ذاته ، (( استوى على العرش )) يعني بذاته، استوى فعل ماض يعود على الله ، ينزل إلى السماء الدنيا ؟ بذاته ، مادام أضيف إلى الله فالمراد هو ذاته سبحانه وتعالى ، وكذلك يضحك يعني هو ، يعجب هو ، يأتي هو ، يمشي هو نعم ؟ يأتي هرولة أتيته هرولة وهكذا ، فكل شيء أضافه الله إلى نفسه فالمراد إليه ذاته ، إلا إذ قام الدليل أن المراد غيره مثل ما جاء في الحديث الصحيح : ( عبدي جعت فلم تطعمني أو استطعمتك فلم تطعمني ) فهذا بين الله عز وجل أن المراد استطعام ، استطعام أحد من عباده، من عباده الصالحين .
شرح الحديث القدسي ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به )
طيب فإن قلت ماذا تقول في قوله تعالى حديث القدسي: ( فإذا أحببت كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ... ) ومعروف أن الخبر مسند إلى المبتدأ ( كنت ) أحببت هذه اسم كان وهي في الأصل مبتدأ وسمعه خبر كان وهي في الأصل خبر ، ومعروف أن الخبر مسند إلى المبتدأ فقلت زيد قائم فالقيام لمن؟ لزيد، فكيف تقول في هذا الحديث القدسي: كنت سمعه نعم؟ هل تقول إن الله عز وجل إن المراد كان الله ذاته سمعا لهذا ؟ لا، نقول ( كنت سمعه ) على القاعدة، لكن ما قال الله إن السمع يكون هو الله بل قال: (كنت سمعه ) فالمعنى إن الله تعالى يسدد في سمعه وبصره وجوارحه ( كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ ني لأعيذنه ) والحديث كله من أوله إلى آخره يدل على أن هذا أمر مستحيل ، (ما تقرب إلى عبدي ) إلي عبدي ، ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يكون العابد والمعبود ، ( أحب إلى مما افترضت عليه ) ، (( ولا يزال عبدي يتقرب إلى )) فهنا لا يزال عبدي فالعيد لا يكون هو المعبود، (يتقرب إلي) ما يمكن المتقرب هو المتقرب إليه ( حتى أحبه ) هناك حاب ومحبوب ( فإذا أحببت كنت سمعه ) ما يمكن الله يكون هو سمع هذا المخلوق ما يمكن .