تتمة فوائد قوله تعالى : (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريبٌ ))
المهم أن الله عز وجل يسلى المؤمنين ، ويخبر أنه أصاب من قبلها ، أصابهم بأساء قلة مال وإعواض عظيم ، فقر، مضرة في أبدانهم ، يضربون، ويجرحون ، وربما يقتلون كما كان بنو إسرائيل يقتلون الأنبياء بغير الحق نعم ؟ وتأتيهم المخاوف عظيمة وزلزلوا . ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن لا يسأل النصر إلا من القادر عليه وهو الله ، لقوله : (( متى نصر الله )) . ويستفاد من هذه: فضيلة اتباع الرسل ، لقوله: (( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه )) يتفقون على هذه الكلمة التي فيها استدعاء النصر (( متى نصر الله )) . ويستفاد من هذه الآية: تمام قدرة الله عز وجل، لقوله: (( ألا إن نصر الله قريب )) . ويستفاد منها: حكمة الله حيث يمنع النصر لفترة معينة من الزمن مع أنه قريب (( ألا إن نصر الله قريب )) . ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أن الصبر على البلاء في ذات الله عزوجل من أسباب دخول الجنة نعم لأن معنى الآية: اصبروا حتى تدخل الجنة . ويستفاد من هذه الآية الكريمة : الإشارة إلى ما جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( حفت الجنة بالمكاره ) لأن هذه مكاره ولكنها هي الطريق إلى الجنة . ويستفاد من الآية الكريمة: أنه لا وصول إلى الكمال إلا بعد تجرع كأس الصبر، وهو من قوله: (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ... )) . ويستفاد من الآية الكريمة أيضا: إثبات الجنة، من قوله: (( أن تدخلوا الجنة )) وقد سبق أن مآل الخلق إلى دارين لا ثالث لهما: إما الجنة وإما النار ، فالجنة للمتقين والنار للكافرين .
تفسير قوله تعالى : (( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ )) وإعراب الآية، وهل الجواب مطابق للسؤال
ثم قال الله تعالى: (( يسألونك ماذا ينفقون )) هذا مبتدأ درس الليلة: (( يسألونك ماذا ينفقون )) نشوف (( يسألونك )) الجملة فعل وفاعل ومفعول به ، ويسألون فعل ، والواو فاعل ، الكاف مفعول به ، والضمير في قوله: (( يسألونك )) يعود على من ؟ على الصحابة رضي الله عنهم ، وقوله: (( ماذا ينفقون )) ما اسم استفهام ، وذا اسم موصول ، وجملة تنفقون صلة الموصول ، وعلى هذا نقول: ما اسم استفهام مبتدأ ، وذا اسم موصول خبره، وينفقون صلة الموصول والعائد محذوف ، والتقدير: ماذا ينفقونه، هذا إذا لم تلغى ذا ، فإن ألغيت صار هناك إعراب آخر ، وهو نقول: ماذا اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعولا مقدما لقوله: ينفقون، وينفقون فعل مضارع ، والفاعل هو الواو ، والمفعول هو ما سبق عرفتم ؟ نعم ، طيب المعنى لا يختلف على الإعرابين ، والسؤال سألوا ما الذي ينفقون ويش ينفقون ؟ هل ينفقون طعاما ، هل ينفقون ثيابا ، هل ينفقون دراهم ماذا ينفقون ؟ السؤال هنا عن المنفق لا عن المنفق عليه ، طيب عن المنفق عن جنسه أو عن قدره أو عن الأمرين جميعا ؟ الظاهر عن الأمرين جميعا عن الجنس والقدر قال الله تعالى: (( قل ما أنفقتم من خير فللوالدين هذا الجواب ، (( ما أنفقتم )) ما هذه موصولة وإن شئت فاجعلها شرطية ، و (( فللوالدين )) إن جعلت ما موصولة فهي الخبر وإن جعلتها شرطية جواب الشرط ، (( ما أنفقتم من خير فللوالدين )) قد يبدوا للإنسان في أول الوهلة أن الله سبحانه وتعالى أجابهم عن ماذا ينفقون فيه ، لا عن ماذا ينفقون ، عن ماذا ينفقون فيه ، يعني أنه قال: (( ما أنفقتم من خير فللوالدين )) لأن حقيقة الأمر أن الشأن كل الشأن أن يكون إنفاقك في محله، فأنت لا تهتم ماذا تنفق ، اهتم أين تنفق ، ولا لا؟ بعض الناس ينفق في الشر ، وبعض الناس ينفق في شيء لا خير فيه ولا شر ، وبعض الناس ينفق في الخير (( فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل )) أقول قد يبدوا للإنسان من أول وهلة أن الجواب وقع على غير وفق السؤال ، لأن السؤال عن أيش؟ (( ماذا ينفقون )) ، وجاء الجواب: (( فللوالدين )) ، فهل هذا يكون من باب أسلوب الحكيم المعروف في البلاغة حيث كان هذا الجواب بهذه الصيغة إشارة إلى أنه كان ينبغي أن تسأل على من تنفق هكذا يبدوا ، ولكنك عند التأمل يتبين لك أن الله عزوجل أجاب عن السؤال جوابا مطابقا وزاد عنه أو زاد عليه ، لأن الجواب عن السؤال يفهم من قوله: (( ما أنفقتم من خير )) من خير، إذا فما الذي ينفق ؟ الخير ، الخير هو الذي ينفق ، ومادام الذي ينفق الخير فقد يكون الخير في الطعام ، وقد يكون الخير في الثياب ، وقد يكون الخير في الفرش ، وقد يكون الخير في الدراهم يختلف ولا لا ؟ لو جئت إلى إنسان مضطر جائع ، جائع سيموت إن لم تطعمه وعار ما عليه ثياب أبدا فما الخير هنا ؟ الثياب ولا الطعام ؟ الطعام ، معروف ابدأ بالطعام أول خير من الثياب ، ولو جئت لإنسان لم يصل إلى حد الضرورة إلى الأكل لكنه في ضرورة إلى الثياب لأن الجو بارد وليس عليه إلا ثوب رقيق فما هو الخير حينئذ ؟ الثياب ، بالثياب واضح ؟ نعم ، إذا يكون الله عزوجل قد أجاب عن ماذا ينفقون بقوله: (( ما أنفقتم من خير )) وزاد على الجواب بذكر المنفق عليه في قوله: (( فللوالدين )) . قد تقول: إن الزيادة على السؤال إسهاب وتطويل؟ فنقول إنه إذا كانت الزيادة مما تدعوا الحاجة إليه ويقتضيه حال السائل فليست إسهابا ولا تطويلا بل هي من تمام الجواب ، ولهذا لما سئل الرسول عليه الصلاة والسلام عن ماء البحر متوضأ به ويش قال ؟ قال: ( هو الطهور مائه الحل ميتته ) مع أنه ما سئل الميتة ، ما سئل عن الحوت والسمك ، قال: ( الطهور مائه الحل ميتته ) لأن راكب البحر يحتاج إلى ذلك .
تفسير قوله تعالى : (( فللوالدين والأقربين )) وهل يدخل الأبناء في هذا الخطاب.
الوالدين الأم والأب والجدة الجد، لأن الجدة والجد وإن لم يكونا والدين مباشرة فهما والدين لوالديك هما السبب في حصول والديك ووالداك هم السبب في حصولك أنت ، فيشمل الوالدين الأقربين والأبعدين، وقوله: (( والأقربين )) الأقربين جمع أقرب وهو من كان أدنى إلى من غيره إلى المنفق ، فأخ وابن أخ من الأقرب ؟ الأخ ، وعم وابن عم ؟ الأقرب العم ، وابن أخ وعم الأقرب ابن الأخ ، الأقرب ابن الأخ ، ولهذا اتفق أهل العلم على أنه لو اجتمع ابن أخ وعم في مسألة فرضية فيقدم ابن الأخ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( فما بقي لأولى رجل ذكر ) فاتفق العلماء على أن ابن الأخ أولى من العم ، طيب والقربى دون الأقربين هل لهم حق ؟ الجواب: نعم ، لأنهم أرحام لكن الأقرب أولى من الأبعد وإلا فالكل له حق، والكل يؤجر الإنسان بالإنفاق عليه . وقوله: (( فللوالدين والأقربين )) يشمل الأبناء ؟ نعم ، يشمل الأبناء ، ولكن الإنفاق على الأبناء جاءت السنة بتقييده في العدل حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) فلا يجوز أن يعطي الذكر ويمنع الأنثى، أو أن يعطي الأنثى ويمنع الذكر ، أو أن يعطي واحدا ويمنع الآخر.
تفسير قوله تعالى : (( واليتامى والمساكين وابن السبيل )) وتعريف اليتيم والفرق بين المسكين والفقير، وهل ابن السبيل يعطى له إذا سأل أو يعطى له مطلقا.
(( اليتامى )) اليتامى جمع يتيم ، ومن اليتيم قال أهل العلم إنه مشتق من اليتم وهو الإنفراد ، والمراد به من مات أبوه ولم يبلغ ، يعني الصغير الذي مات أبوه هذا هو اليتيم ، وإنما أوصى الله به في كثير من الآيات جبرا لما حصل له من الانكسار بموت الوالد ولهذا إذا بلغ استقل بنفسه فلم يكن يتيما . وقوله: (( والمساكين )) جمع مسكين ، وهو المعجم الذي ليس عنده مال، وسمي مسكينا لأن الفقر أسكنه وأذله ، فلهذا يسمى مسكينا ، والمسكين هنا يدخل فيه الفقير ، لأنه سبق لنا عدة مرات إذا ذكر المسكين وحده دخل فيه الفقير ، وإذا ذكر الفقير وحده دخل فيه المسكين ، وإذا اجتمعا صار الفقير أشد حاجة فيجتمعان ، وتجده القرآن أن الفقير قد يأتي وحده والمسكين قد يأتي وحدة ، والفقير والمسكين قد يجتمعان ، ففي قوله تعالى: (( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم )) يشمل المساكين ، وفي قوله: (( إن يكنوا فقراء يغنهم الله من فضله )) يشمل المساكين ، وفي قوله: (( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله )) يشمل ؟ كل الناس ، كل الناس حتى الغني ، حتى الغني فهو الفقير إلى الله عز وجل ، ولهذا قيدت: (( أنتم الفقراء إلى الله )) ، وفي قوله تعالى: (( فكفارته عشرة مساكين )) يدخل فيه الفقير وكذلك هنا . (( وابن السبيل )) من ابن السبيل؟ قال العلماء: هو المسافر الذي انقطع به السفر، وسمي ابنا للسبيل السبيل هو الطريق ، سمي ابنا له لأنه ملازم له وكل ما لازم شيئا فهو ابن له ، ولهذا يقال ابن الماء لطير الماء الملازم فيه طير يسمى ابن الماء نعم ؟ لأنه ملازم له ، وإنما خص الله ابن السبيل لأنه غريب في مكانه قد يحتاج وهو لا يعلم عن حاجته ولهذا فابن السبيل إذا أراد أحد أن يتقرب إلى الله بالإنفاق فإنه يعطيه ، ولكن هل تعطيه إذا سأل أو تعطيه وإن لم يسأل ؟ نقول هذا على وجهين: أحدهما أن تعلم أنه لا يحتاج كما لو كان غنيا تعرف أنه غني ومر بهذه البلد عابرا فهذا لا حاجة إلى أن تعطيه حتى لو أعطيته لرأى أن في ذلك نقيصة له، وآخر تعرف أنه معوض وعليه أثر الإعواز حتى تعطيه ولا شيء ، وثالث: تشك في أمره فهذا إن أعطيته بعد سؤاله تقول ـ هل أنت محتاج ـ فإنه خير وإلا فلا حرج عليك وإن أعطيته ظنا منه أنه محتاج فأنت على خير.
تفسير قوله تعالى : (( وما تفعلوا من خيرٍ فإن الله به عليمٌ ))
قال: (( وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم )) هذه الجملة الأخيرة شاملة لكل خير هم سألوا ماذا ينفقون من أجل الخير فعمم الله (( ما تفعلوا من خير )) فما هذه شرطية ، و (( تفعلوا )) فعل الشرط ، ولهذا حذفت منه النون ، وجملة ((فإن الله به عليم)) جواب الشرط، وقوله: (( من خير )) من بيانية بيان لماذا ؟ (( وما تفعلوا من خير )) بيان ما ، لأنه سبق لنا عدة مرات أن الموصول مبهم وكذلك أسماء الشرط مبهمة (( فما تفعلوا من خير ))(( من خير )) بيان لما، ولهذا لو أنك حذفت ما وقلت: أي خير تفعلوا فإن الله به عليم ، استقام الكلام ولا لا ؟ استقام الكلام ، إذا فقوله: (( من خير )) بيان لما، وقوله: (( وما تفعلوا من خير )) ما قال: وما تنفقوا من خير ليعم الإنفاق والعمل البدني والقول وكل شيء، كل شيء إن تفعلوا من خير فإن الله به عليم . وقوله: (( فإن الله به عليم )) أي بهذا الخير الذي تفعله قليلا أو كثيرا فإن الله يعلمه ، سرا كان أم علما . ما فائدة الجواب هنا مع الشرط إذا قال قائل (( وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم )) ما الفائدة من كون الله يخبرنا بأنه عالم به؟ الفائدة هو أن نعلم أنه لابد أن يجازينا عليه، لأن الله عدل لا يظلم ، فإذا فعلنا خيرا فإن الله يعلمه وسوف أيش؟ يجازينا عليه ، لا تقل إن هذا الجواب لم يطابق الشرط إذ لا فائدة لنا من كون الله يعلمه ، نقول بل لنا فائدة وهو أنه إذا علمنا أن الله يعلمه فإن الله تعالى عدل لا يضيعه بل لابد أن يجازينا عليه، وفيه أيضا فائدة كما سيأتي إن شاء الله في الفوائد وهي الإغراء والحث.
تفسير قوله تعالى : (( كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم )) وإعراب الآية، وتقسيم كتابة الله إلى كتابة كونية وكتابة شرعية والفرق بينهما. وبيان أن الكرهية عائدة إلى القتال لا إلى ما فرضه الله.
ثم قال الله تعالى: (( كتب عليكم القتال )) قال: (( فإن الله به عليم )) الجار والمجرور في: (( به )) متعلق بماذا ؟ بعليم ، نعم (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ))(( كتب )) أي فرض ، والكتب في الأصل بمعنى الفرض ، ومنه قوله تعالى: (( كتب عليكم الصيام )) وقوله تعالى: (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )) والكتب كتب الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: كتاب شرعي ، وكتاب كوني ، الكتاب الكوني لابد أن يقع ولا يمكن أن يتخلف ، والكتاب الشرعي قد يفعله المكتوب عليه وقد لا يفعله، فـ (( كتب عليكم الصيام )) قد يصوم الناس وقد لا يصومون، ((كتب عليكم القتال )) قد يقاتلون نعم ؟ وقد لا يقاتلون، لكن (( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر )) هذا الكتابة الكونية القدرية هذه لابد أن تكون، ((كتب الله لأغلبن أنا ورسلي )) كتابة أيش؟ كونية لابد أن تكون، فالكتابة إذا نوعان: كتابة كونية ، وكتابة شرعية ، والفرق بينهما: أن الكتابة الكونية لابد من وقوع المكتوب فيها بخلاف الكتاب الشرعية. الفرق الثاني: أن الكتابة الكونية تتعلق بما يحبه الله وما لا يحبه نعم وأما الكتابة الشرعية فلا تكون إلا فيما يحبه الله ، لا يمكن أن يفرض الله على عباده ما لا يحبه بل كل ما فرضه فهو محبوب إليه . وقوله: (( كتب عليكم القتال )) أي قتال هو؟ قتال أعداء الله الكفار ، والقتال مصدر قاتل ، وهذه الصيغة الغالب أنها لا تأتي إلا بين اثنين، قاتل وشارك وما أشبهه ، وقوله: (( وهو كره لكم )) الضمير في قوله: (( وهو )) يعود على القتال وليس يعود على الكتابة فإن المسلمين لا يكرهون ما فرض الله عليهم ، لكنهم يكرهون القتال بحسب الطبيعة البشرية ، وفرق بين أن نقول إننا نكره ما فرض الله من القتال وبين أن نقول إننا نكره القتال ، فكراهة القتال أمر طبيعي ، فإن الإنسان يكره أن يقاتل أحدا من الناس فيقتله أو يصبح مقتولا ، لكن إذا كان هذا القتال مفروضا علينا صار محبوبا إلينا من وجه ومكروها لنا من وجه آخر ، فباعتبار أن الله فرضه علينا يكون محبوب إلينا ، وباعتبار أن النفس تنفر منه وتكرهه يكون مكروها إلينا ، ومن أجل أن النفس تنفر منه وتكرهه وهو ثقيل عليها صار فيه هذا الأجر العظيم ، صار الشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين )) انتبه ، إذا هل ينافي كراهة القتال ، هل كراهة القتال تنافي صدق العبادة ؟ لا ، لأن الإنسان يحب هذا القتال من حيث إن الله فرضه عليه ، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يصرون أن يقاتل فيردهم أحيانا لصغرهم فيأسفون حتى إنه رد في أحد بعض الصحابة الصغار قال يا رسول الله كيف تردني وأنت أذنت لفلان وأنا الآن أستطيع أن أصارعه ، قال أبغى مصارعة خله يصارعني ، فصارعه فصرعه فإذن له كل هذا من محبتهم للقتال ، كذلك أيضا عمرو ابن الجموح رضي الله عنه كان أعرج فجاء يعني لزم بالقتال وكان أولاده يقولون له لا تخرج إن الله قد عذرك فجاء هو وإياهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبروه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام فقال ( يا رسول الله إني أريد أو إني أحب أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ) ـ الله اكبر ـ لما رآه النبي عليه الصلاة والسلام متعلقا بالقتال أذن له وقال لأولاده قولا يعني أنه إذا كان يحب أن يخرج فلا تمنعوه، فالحاصل أن الصحابة رضي الله عنهم ما كرهوا القتال بعد أن فرضه الله بل أحبوه لأن الله فرضه ، وكم من أشياء يكرهها الإنسان لو لا أن الله تعالى أمر به فيحبها لأن الله أمر بها ، الآن الحج فيه مشقة من حيث كونه مشقة قد يكرهه الإنسان لكن إذا علم أن فيه رضى الله أحبه ، بذل المال بالزكاة مثلا الإنسان مجبور على حب المال (( وتحبون المال حبا جما )) لكن إذا علم أن في ذلك رضى الله هان عليه وهذا هو وجه الامتحان للعبادات التي يكلف بها العبد، وقوله: (( وهو كره لكم ))(( كره )) مصدر بمعنى اسم المفعول أي مكروه لكم ، والمصدر بمعنى اسم المفعول يأتي كثيرا مثل قوله تعالى: (( وإن كن أولاة حمل فأنفقوا عليهن )) يعني حمل بمعنى محمول الذي في البطن ، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي مردود، هنا (( كره )) بمعنى مكروه والجملة هذه (( وهو كره لكم )) الجملة محلها من الإعراب ؟ محل النصب على الحال ، والحال أن القتال كره لكم، ولكن شف التسلية من الله عز وجل:
تفسير قوله تعالى : (( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم ))
(( وعسى أن تكرهوا شيئا وهي خير لكم )) عسى هذه هنا بمعنى الرجاء، أو بمعنى الإشفاق، أو بمعنى التوقع، أو بمعنى التعليل يعني أربعة معاني نعم ؟ تعليل ؟ تعليل ، تصله التعليل؟ لو قلت مثلا: كل هذا الدواء عسى أن تبرأ هذه ؟ هذه للتعليل واضح أو للترجي ، لكن هنا (( وعسى أن تكرهوا )) الظاهر والله أعلم أقرب شيء أنها لتتوقع أو أنها للترجية ما هو للترجي الله عزوجل ما يترجى كل شيء عنده هين لكن للترجية بمعنى أنه يريد من المخاطب نعم؟ أيش؟ أن يرجوا ذلك، أن يرجوا هذا، يعني معناه افعلوا ما هو كره لكم عسى أن يكون خيرا (( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم )) ، وهذا الذي ذكر الله عزوجل هنا واقع ولا لا ؟ واقع حتى في الأمور غير التعبدية ، أحيانا يفعل الإنسان شيئا من الأمور العادية ويقول: ليتني لم أفعل ، أو ليت هذا لم يحصل فإذا العاقبة تكون حميدة وحينئذ يكون كره شيئا وهو خير له. القتال كره لنا لكن عاقبته خير لأن المقاتل كما قال الله عزوجل آمرا نبيه: (( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين )) أنه لابد من الحسنى (( إحدى الحسنيين )) ما هما ؟ إما النصر والظفر ، وإما الشهادة أليس كذلك ؟ بلى ، إذا فالمقاتل في سبيل الله على خير (( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم )) وهذا أيضا كثيرا ما يقع يحب الإنسان شيئا ويلح فيه ثم تكون العاقبة سيئة نعم؟ ، والإنسان بمثل هذه الآية الكريمة يسلي نفسه في كل ما يفوته مما يحبه ، ويصبر نفسه في كل ما يناله مما يكرهه كل شيء ينالك وأنت تكرهه فإنك تصبر نفسك (( عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم )) ، وكل شيء يفوته ونفسك تطلبه تسليها فتقول (( عسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم )) وهذا هو الواقع ولو أن الإنسان تأمل ما يجري لحياته اليومية لوجد في ذلك شيئا كثيرا.
تفسير قوله تعالى : (( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ))
ثم قال: (( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) سبحانه وتعالى فهو سبحانه وتعالى لا يقدر للمؤمن شيئا إلا كان خيرا له ولا يوجب على المؤمن شيئا إلا كان خيرا له ولا يحرم عليه شيئا إلا كان خيرا له، ولا تقل ليت هذا لم يحرم، ليت هذا لم يوجب، ليت هذا لم يقع لا تقل هكذا، لا لا تقل هكذا لأن علمك قاصر (( والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) ويش يعلم ؟ كل شيء حتى المستقبل الذي تظنون أنه شر يعلم الله تعالى ما فيه من الخير ، وقوله: (( وأنتم لا تعلمون )) هذا نفي مطلق لعلم الإنسان، فهل نقول إن هذا النفي المطلق يراد به شيء معين أو نقول إنه نفي مطلق على الأصل وأن الأصل في الإنسان عدم العلم على الإطلاق ، الجواب هو هذا ، كما أن الأصل في صفة الله عزوجل العلم المطلق، فلله العلم المطلق ولهذا قال: (( يعلم )) ولم يقيد هذا العلم بمعلول (( يعلم ))(( وأنتم لا تعلمون )) لم يقيد هذا النفي بمعلول ، ما قال لا تعلمون المستقبل ولا لا تعلمون الحاضر ولا. (( لا تعلمون )) فالأصل فينا إذا؟ عدم العلم ، ولهذا قال الله تعالى: (( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا )) وقال: (( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون )) .
تفسير قوله تعالى : (( يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه )) وإعراب الآية، وسبب نزول هذه الآية
(( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه )) إعراب الجملة هذه (( عن الشهر الحرام )) هذا مجرور بعن ، (( قتال فيه )) ويش الذي جارها ؟ بدل ، من أي أنواع البدل؟ مطابقا أو بعضا أو ما يشتمل عليه يلفى أو كمعطوف ببل أي الخمسة ؟ اشتمال ، اشتمال لأن القتال ليس بعضا من الشهر ، لكن الشهر مشتمل عليه ، فهو بدل اشتمال من الشهر ، وقوله: (( يسألونك عن الشهر الحرام )) المراد الجنس ويحتمل أن تكون أل للعهد الذهني يكون المراد به شهرا معينا ، فأل هنا يحتمل أن تكون للجنس فتشمل كل الأشهر الأربعة الحرم، ويحتمل أن تكون للعهد الذهني فيراد بها أيش؟ شهر معين عرفتم؟ طيب هل أل إذا دخلت على مفرد تكون للجنس فيشمل كل الأفراد الجنس؟ نعم (( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا )) هذه أل داخلة على مفرد والمراد؟ المراد الجنس ، يعني كل إنسان ، فإذا يسألونك عن كل شهر حرام يمكن هذا ، أو يسألونك عن الشهر المعني الحرام المعين الذي وقعت فيه القضية قتال فيه ، والقضية هي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل سرية في السنة الأولى، سرية في جمادي الآخرة وأمر عليهم عبد الله بن جحش وأعطاه كتابا وقال ( لا تفتح الكتاب إلا بعد مسيرة يومين ) فقال سمعا وطاعة فذهب بسريته وهم نحو سبعة أشخاص فلما مشى مسيرة يومين فتح الكتاب وإذا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم أن يسيروا إلى نخلة بين مكة والطائف وأن يترقبوا أخبار قريش ، يترقبوا أخبار قريش وما يحصل منهم فصادفوا عيرا لقريش نازلة من الطائف إلى مكة والعير بها أطعمة وخضر وما أشبه ذلك فحصل بينهم قتال بينهم وبين هذه السرية فقتلوا منهم رجلا واحدا وأسروا رجلين وفر الرابع، لما قتلوا هذا الرجل هم قتلوا هذا الرجل على أنه في جمادى الآخرة ولكنه تبين أنه كان في أو يوم من رجب ورجب أحد الأشهر الحرم الأربعة لأن أشهر الأربعة الحرم وحسين يعدها علينا ؟ الطالب : محرم ورجب وذو القعدة وذوا الحجة ، الشيخ : نعم ، المشركون استغلوا هذه المسألة وقالوا هذا محمد يزعم أنه يطيع الله وأنه يعظم حرمات الله وهذا أصحابه يقتلون الرجل في أشهر الحرم هذه كبيرة ولا لا ؟ شاع الخبر فضاقت صدور هذه السرية عبد الله بن جحش وأصحابه ضاقت صدورهم لا حقهم حرج فسألوا النبي عليه الصلاة والسلام (( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه )) ويش الحكم ؟ وليسوا يسألونه هل القتال فيه حرام ولا لا ؟ لأن هذا معلوم لكن يسألونه عن هذا القتال فيه ما حكم قتال فيه هكذا ذكر المفسرون ، قالوا لأن القتال في الأشهر الحرم أمر معلوم ما أحد يسأل عنه، ولكن في نفسي شيء لأن لفظ الآية لا يساعده فإن الشهر الحرام إن قلنا إنه للجنس فظاهر جدا أن اللفظ لا يساعد على هذا المعنى ، وجه ذلك: إذا قلنا عن الشهر الحرام يعني عن الشهر الحرم قتال فيها ، صار سؤال عن هذا القتال المعين ؟ لا ، وإن قلنا الشهر الحرام هو الشهر المعين الذي حصل فيه القضية وهو شهر رجب ، بقي عندنا كلمة قتال نكرة لو قال: عن الشهر الحرام القتال فيه لكان يساعد على ما ذكر المفسرون ، لكننا قد نقول لما كانت (( قتال )) بدل من الشهر والشهر يراد به شهر معين فإنه من ضرورة ذلك أن يكون المراد بالقتال ؟ القتال في ذلك الشهر المعين ، ولهذا قال: (( قتال فيه )) أي في الشهر المعين ، ولم يسبق قتال في شهر رجب إلا ذلك القتال الذي حصل من هذه السرية ، على كل حال الصحابة رضي الله عنهم سألوا النبي عليه الصلاة والسلام والنبي عليه الصلاة والسلام إذ سئل أحيانا يجيب وأحيانا يتوقف حتى ينزل الوحي.
تفسير قوله تعالى : (( قل قتالٌ فيه كبيرٌ وصدٌ عن سبيل الله ))
في هذه الآية ماذا كان الجواب من الرسول أو من الله ؟ من الله سبحانه وتعالى ، ولهذا أجاب الله عز وجل: (( قل قتال فيه كبير )) قتال في شهر الحرام كبير لاشك ، يعني من كبائر الذنوب وعظائم الذنوب ، لأنه انتهاك لحرماتها وهذا محرم ، انتهاك حرمات الله من المحرمات فهذا من كبائر الذنوب (( قل قتال فيه كبير )) ولكن انظر رحمة الله عزوجل لعباده شف التسلية للصحابة (( وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل )) هذه تسلية للصحابة يعني لو وقع منكم هذه المسألة الكبيرة فعند الذين يعيرونكم بها ما هو أعظم وأكبر ، القتال كبير لاشك لكن عند هؤلاء الذين يعيرونكم بذلك ما هو أكبر وأعظم، صد عن سبيل الله أعظم نعم ؟ صحيح ؟ نعم ، ولاشك أن المشركين الذين عيروا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بذلك يصدون عن سبيل الله ويقتلون الذين يلتزمون بسبيل الله (( صد عن سبيل الله )) وسبيل الله طريقه الموصل إليه، والطريق الموصل إلى الله شيء واحد وهو شرعه الذي شرعه لعباده كما قال تعالى: (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه )) وإنما سمي الشرع سبيل الله لأنه يوصل إلى الله ولأن الله تعالى هو الذي وضعه ، فإضافته إلى الله من ناحيتين: الابتدائية ، والنهائية ، الابتدائية هو الذي وضع ، والنهائية ؟ يوصل إليه ؟ طيب . هل سمى الله السبيل مضافا إلى غيره ؟ نعم (( ويتبع غير سبيل المؤمنين )) فأضاف الله السبيل إلى المؤمنين وليس في ذلك تناقض فهو مضاف إلى المؤمنين باعتبار أنهم سالكون ، مضاف إلى الله أنه هو الذي وضعه لعباده وهو الذي وهذا السبيل ينتهي إلى من ؟ إلى الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى : (( وكفرٌ به والمسجد الحرام )) وإعراب الآية
قال الله تعالى: (( وصد عن سبيل الله وكفر به )) بمن ؟ بالله ، الكفر بالله أعظم كبيرة يفعلها المرء ولا لا؟ نعم . (( وكفر به والمسجد الحرام )) المسجد الحرام هنا معترك في إعرابه هل هي معطوفة على الضمير في (( به )) ولا معطوفة على (( سبيل الله )) ؟ طيب أجبت بسرعة ما شاء الله يا خالد أرني كيف ذلك ؟ على سبيل الله ، كيف ؟ طيب ما يصلح وكفر به والمسجد الحرام ؟ ما يصلح ؟ الطالب : يصلح الشيخ : يصلح ، إذا ؟ كلاهما ، الطالب : كلاهما ـ الشيخ : وجاءت بقولان بجن ـ طيب فيه رأيان : الرأي الأول يقولون إنه معطوف على قوله : (( عن سبيل الله )) يعني : وصد عن سبيل الله وكفر به وصد عن المسجد الحرام ، وهؤلاء يستدلون بقوله تعالى: (( هم الذين كفروا )) هذا كفر بالله (( وصدوكم عن المسجد الحرام )) هذا صد عن أيش ؟ عن المسجد الحرام فيكون : وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام ، لكن هذا المعنى لاشك من حيث المعنى قوي إلا أنهم يعني يلزم عليه أو يرد عليه أن قوله: (( وكفر به )) أجنبي من قوله: (( عن سبيل الله )) أجنبي لأن (( كفر )) ما هو معطوف على (( سبيل الله )) ويش معطوف عليه ؟ على (( صد )) انتبه خلها بعد الأذان إن شاء الله لأن المسألة .