تفسير سورة آل عمران-03a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تتمة فوائد الآية : (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هن أم الكتاب ... )) .
وأن الكلام كلام الله وأوردنا على ذلك إشكالا وهو: أن الله قال: (( أنزلنا الحديد )) وقال: (( أنزل من السماء ماء )) وأجبنا عن ذلك أليس كذلك؟ طيب . ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا القرآن ينقسم إلى محكم ومتشابه، لقوله: (( منه آيات محكمات وأخر متشابهات )) وذكرنا أنه يشكل على هذا التقسيم أن الله ذكر في آية أخرى أن القرآن كله متشابه، وفي آية ثانية أنه كله محكم، وذكرنا الجمع كذا؟ طيب . ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الرجوع إلى المحكم إزاء المتشابه، لقوله: (( هن أم الكتاب )) يعني مرجعه ، وهذا أعني الرجوع إلى المحكم عند وجود المتشابه لا يختص بالقرآن بل حتى في السنة، إذا وجد أحاديث متشابهة وأحاديث واضح محكمة فالواجب رد المتشابه إلى المحكم ليكون الجميع محكما، سواء كان التشابه في مدلولات الألفاظ أو كان التشابه في ثبوت الخبر، وهذا الأخير يختص بالسنة، لأن القرآن ليس فيه اشتباه بالنسبة إلى ثبوته، أو كان الاشتباه بأقوال أهل العلم، بمعنى أن العلماء يكون أكثرهم على القول وهو مشتبه عليك بالنسبة للأدلة فإن الغالب أن الحق يكون مع من هو أوثق وأقرب إلى الكتاب والسنة إما بالعلم أو بالأمانة أو بالكثرة . ومن فوائد الآية الكريمة: حكمة الله عزوجل في جعل القرآن ينقسم إلى قسمين، وجه الحكمة: أن بهذا يحصل الابتلاء والامتحان، فالمؤمن لا يضل بهذا الانقسام، والذي في قلبه زيغ يضل، وهذا كما يمتحن الله العباد بالأوامر والنواهي يمتحنهم أيضا بالأدلة فيجعل هذا محكما وهذا متشابها ليتبين المؤمن من غير المؤمن، لو كان القرآن كله محكما لم يحصل الابتلاء، ولو كان كله متشابها لم يحصل البيان والله سبحانه وتعالى جعل القرآن بيانا، وجعله محكما متشابها للاختبار والامتحان، أفهمتم الآن؟ طيب . ومن فوائد الآية الكريمة: أن من علامة الزيغ أن يتبع الإنسان متشابها من القرآن سواء تبعه بالنسبة لتصوره فيما بنيه وبين نفسه وصار يورد على نفسه آيات متشابهات، أو كان ذلك بالنسبة لعرض القرآن على غيره، فيقول للناس مثلا: ما تقولون في كذا وكذا؟ ويأتي بالآيات المتشابهات بدون أن يحلها، ولهذا من الخطر العظيم أن تورد سواء للطلبة أو للعامة آيات متشابهة دون أن تبين حل إشكالها، لأنك إذا فعلت هذا أوقعتهم في الحيرة والشك وصرت كمن ألقى الإنسان في بحر لا يستطيع الخلاص منه ولم تخلصه، وهذا يقع من بعض المتحذلقين من طلبة العلم أنه يورد الآيات المتشابهات ثم يقف، يقف ولا يبين للناس وجه هذا التشابه فيوقع الناس في الحيرة وهو لا يشعر . من فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين يتبعون المتشابه تارة يبتغون الفتنة وسد الناس عن دينهم ونزع الثقة من قلوبهم بالنسبة للقرآن، لقوله: (( ابتغاء الفتنة )) وتارة يريدون بذلك أي بعرض هذا المتشابه أن يحرفوهم إلى المعنى الذي يريدون، وذلك لأنهم لو أرادوا أن يحرفوا المحكم ما قبلوا أليس هكذا؟ ولكن يأتون بالمتشابه ليتمكنوا من تحريفه، من تحريفه على ما يريدون، لأنه إذا كان متشابها فإن المخاطب الذي يخاطبونه يكون قد اشتبه عليه الأمر فيقبل ما جاءوا به من التحريف، وبهذا يزول الإشكال الذي قد يعرض الإنسان بقوله: (( وابتغاء تأويله )) لأن ابتغاء التأويل على وجه المراد أمر مطلوب وليس من شأن ذوي الزيغ بل هو من شأن ذوي الإيمان، لكن ذوي الزيغ يأتون بهذه المتشابه من أجل أن يحرفوه على ما يريدون لأنه ليس محكما واضحا حتى يعارضهم الناس، لكنه متشابه فيحصل بذلك ما يريدون من التحريف .
1 - تتمة فوائد الآية : (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هن أم الكتاب ... )) . أستمع حفظ
الرد على من قال أن آيات الصفات من المتشابه فالحق فيها هو التفويض.
وهنا سؤال وهو: أن كثيرا من المتكلمين قالوا: إن آيات الصفات من المتشابه، وقالوا: إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله، فصارت النتيجة أن آيات الصفات لا يعرف معناها، ولهذا قالوا: إن قول الحق في آيات الصفات هو التفويض، انتبهوا للمعنى، فقولهم: إن الحق هو التفويض وأن لا تتكلم فيها بشيء ناتج عن هذين الأمرين: أولا: أن آيات الصفات من المتشابه، وثاني: أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله، فتكون النتيجة أن لا نخوض في معاني آيات الصفات لأنها من المتشابه ولا يعلم تأويله إلا الله، وما لا يمكن الوصول إلى علمه لا يجوز الخوض فيه انتبه، ولكن نقول: إن هذا القول قول باطل، أولا نقول: ماذا تعنون بالمتشابه؟ أو ماذا تعنون بالتشابه في آيات الصفات؟ إن قالوا: نريد اشتباه المعنى وهو الذي يريدونه، قلنا: هذا خطأ، لماذا؟ لأن معاني آيات الصفات واضحة معلومة ولا فيها اشتباه، ليس فيها اشتباه إطلاقا، كما قال الإمام مالك رحمه الله: الاستواء غير مجهول، ما هو مجهول لأحد بل هو معلوم، معلوم لكل أحد، استوى على العرش يعني علا عليه ما فيه إشكال، وإن أرادوا بالتشابه اشتباه الحقيقة والكيفية فهم صادقون ولكنهم لا يريدون هذا، لأنهم لو قالوا: نحن نعلم معنى ونجهل الحقيقة والكيفية قلنا هذا مذهب صحيح، لكن يقولون نحن نجهل المعنى والكيفية والحقيقة ولهذا سموا أهل التفويض وأهل التجهيل، لأنهم يقولون: كل آيات الصفات وأحاديثها غير معلومة لأحد، وأن قراءتنا بمنزلة القراءة الأعجمي للخطاب العربي، أو بمنزلة القراءة العربي للخطاب العجمي، أو بمنزلة القراءة الحروف الهجائية: ألف، باء، ثاء، إلى آخرها، هذا نظرهم بالنسبة لأيش؟ لآيات الصفات وهو نظر بلاشك خاطئ، كيف نعلم معنى آيات الوضوء، والصلاة وما أشبهها؟ إما لا يعد شيئا بالنسبة لصفات الله ونجهل معاني آيات الصفات وهي أولى بالعلم من غيره ولا تمكن العبادة حقا إلا بمعرفة صفات الله عزوجل، فنقول: أنتم لو أردتم أنها لا تعرف الحقيقة التي عليها، قلنا: صدقتم، أما أن تقولوا: لا يعرف معناها، وأنها مجهولة فهذا خطأ، فصار الآن إذا قال قائل: هل آيات الصفات من المتشابه؟ نقول: لا يصح القول بالإطلاق لا نفيا ولا إثباتا، مع أنه يمر بكم في كتب أصول الفقه إذا أرادوا أن يمثلوا بالمتشابه قالوا: مثل آيات الصفات، وهذا خطأ، هذا خطأ، لأنه لابد من التفصيل، إذا أرادوا التشابه المعنوي فهذا خطأ بل هي من الآيات الواضحة المحكمة، وإن أرادوا اشتباه الحقيقة بأننا لا نعلم كيفية هذه الصفات ولا نحيط بها فهذا حق، لكنهم لا يريدون هذا إنما يريدون الأول .
تتمة الفوائد : (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هن أم الكتاب ... )) .
ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الرسوخ في العلم، ويش معنى الرسوخ في العلم؟ الثبات فيه والتعمق فيه حتى نصل إلى جذوره، لقوله: (( والراسخون في العلم يقولون آمنا به )) . ضد الرسوخ في العلم السطحية في العلم، وما أكثر السطحية اليوم فينا ، أكثر الناس اليوم علومهم سطحية، ولهذا تجدهم إذا ألفوا أو كتبوا يكثرون من النقول، لأن ما عندهم حصيلة، قال فلان وقال فلان وقال فلان للسبب أنه ليس عندهم حصيلة علمية، لا يستطيع الإنسان أن يعبر لأنه ما عنده علم فيجعل نفسه في حل من الكلام ويأتي وقال فلان يف لك وجه كامل أو أكثر من ذلك، وإذا رجعت إلى أهل العلم، أهل العلم حقا وجدت أنهم يتكلمون بالعلم من صدورهم بدون نقل، ولهذا تجد أحيانا عباراتهم ما تخالف عبارات العلماء الآخرين، ومن أجلى ما يكون وأوضح كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم تجد أنهم يتكلمون عن علم الراسخ وأمثالهم كثير لكن القصد إن هذا من أوضح ما مر بي، إن الرسوخ في العلم يجعل الإنسان كأنه كأن العلم ينبع من قلب، أما السطحي هذا الذي يكون ظلا على الرأس فقط فهذا فائدة متعلمه قريبة . من فوائد الآية الكريمة أيضا: أنه ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يكون راسخا في العلم لا جامعا كثيرا منه، لأن العبرة الرسوخ في العلم، فإن الإنسان إذا كان عنده رسوخ في العلم صار عنده ملكة يستطيع أن يقرب العلم بعضه من بعض ويقيس ما لم ينص عليه على ما نص عليه ويكون العلم لديه كالطبيعة الراسخة . ومن فوائد الآية الكريمة: أن الراسخين في العلم يعلمون أن الذي من عند الله لا يكون في تناقض، لقوله: (( يقولون آمنا به كل من عند ربنا )) . من فوائد الآية الكريمة: أن مقتضى الربوبية أن الله تعالى ينزل على عباده كتابا لا يكون فيه اختلاف ليوقعهم في الشك والاشتباه، لقوله: ((كل من عند ربنا)) وما كان من عند الرب المعتني بعباده بربوبيته فلن يكون فيه شيء يتناقض ويختلف . ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يتذكر بهذا القرآن ولا بغيره إلا أصحاب العقول، لقوله: (( وما يذكر إلا أولوا الألباب )) . ومن فوائد الآية الكريمة: أنه كلما ازداد الإنسان عقلا ازداد تذكرا بكلام الله عزوجل، وكلما نقص تذكره بالقرآن دل على نقص عقله، لأنه إذا كان الله حصر التذكر بأولي الألباب فإنه يقتضي انتفاع هذا التذكر من ليس عنده لب . ومن فوائد الآية الكريمة: أن العقول غير الذكاء، أي أن العقل غير الذكاء، لأننا نجد كثيرا من الناس أذكياء ولكن لا يتذكرون بالقرآن، إذا هؤلاء لا نسميهم عقلاء، لكن الذي انتفى عنهم عقل هو عقل الإدراك أو التصرف؟ التصرف، عقل التصرف والرشد، أما عقل الإدراك فهم يدركون، ولهذا تقوم عليهم الحجة . ومن فوائد الآية الكريمة: أن من القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله على قراءة الوقف (( وما يعلم تأويله إلا الله )) . فإن قال قائل: ما الفائدة في تنزيل شيء لا يعلم تأويله ؟ قلنا الفائدة امتحان العباد بتأدبهم مع الله عزوجل، هل يحاولون أن يصلوا إلى شيء لا تدرك عقولهم أو يقفون على حدود ما تدركه عقولهم، لأن من الناس من يذهب ويتجرأ على محاولة إدراك ما لا يصل إليه العقل، ومن الناس من يتأدب فيتواصل إلى ما لا يبلغه العقل وقف . ومن فوائد الآية الكريمة: سعة علم الله عزوجل، لقوله: ((وما يعلم تأويله إلا الله)) على قراءة وقف . ومن فوائدها أيضا: أن كلام الله عزوجل يختلف: منه محكم، ومنه متشابه، ومنه أمر، ومنه نهي، ومنه خبر، ومنه استخبار، إلى أنواع لا يحصيها إلا الله، خلافا لمن قال: إن كلام الله نوع واحد، وأن اختلاف الصيغ أو السور لا يدل على تنوعه واختلافه مثل الأشاعرة، لأن الأشاعرة يرون أن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس وأنه شيء واحد إن عبر عنه بالعربية صار قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرية صار توراة، وإن عبر عنه بالسريانية صار إنجيلا، وإن أتى بصيغة النهي صار نهيا وهكذا، أو إن عبر عنه بصيغة النهي صار نهيا، وإن عبر عنه بصيغة الأمر صار أمرا وإلا فهو شيء واحد، ولاشك أن هذا قول يبطله العقل والسمع .
تفسير الآية : (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب )) .
ثم قال الله عز وجل وهو مبتدأ درسنا الآن: (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا )) الظاهر أن هذا من جملة قول الراسخين في العلم (( يقولون آمنا به كل من عند ربنا )) ويقولون أيضا: (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا )) والدعاء يصدر غالبا بالرب لأن الدعاء يتطلب الإجابة، والإجابة من الأفعال والأفعال علاقتها بالربوبية أكثر من علاقتها بالألوهية، ولهذا غالب الأدعية يأتي مصدرا بالرب، ربنا، وقوله: (( ربنا )) هذه منصوبة بياء النداء المحذوفة، وأصل الكلام: يا ربنا ولكن حذف الياء تخفيفا وتيمنا بالبداءة باسم الله عز وجل . (( ربنا لا تزغ قلوبنا )) (( لا تزغ )) هذه جملة دعائية وإن كانت بصيغة النهي لأن النهي لا يمكن أن يرد من المخلوق للخالق، إذ أن النهي طلب الكف على وجه الاستعلاء ولا يمكن أن يطلب المخلوق من ربه أن يكف على وجه الاستعلاء أبدا، ومر علينا فيما سبق أنه إذا وجه الطلب من الأدنى إلى الأعلى سمي دعاء، فلهذا نقول: لا دعائية ولا نقول: لا ناهية، لأنه لا نهي من المخلوق للخالق، (( لا تزغ قلوبنا )) تزغ بمعنى تمل، ومنه زاغت الشمس أي مالت عن كبد السماء، وتزغ تمل، تملها عن أي شيء؟ يبين ذلك ما بعده: (( لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا )) أي لا تزغها عن الهداية بل إهدها هداية دلالة، وهداية التوفيق . وقوله: (( لا تزغ قلوبنا )) سلط الفعل على القلب، لأن القلب عليه مدار العمل، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) والقلب هو هذا الجزء المستقر في الصدر، لقول الله تعالى: (( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )) وبهذه القلوب يكون العقل، لقوله تعالى: (( أفلم يسيروا فتكون لهم قلوب يعقلون بها )) وبناء على هذه الأدلة يتبين أن العقل في القلب وليس في الدماغ .
4 - تفسير الآية : (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب )) . أستمع حفظ
الكلام على علاقة الدماغ بالقلب.
والعلماء اختلفوا قديما وحديثا هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب، والذي دل عليه القرآن أنه في القلب، والقرآن كلام الخالق والخالق عز وجل أعلم بما خلق ، فالعقل بالقلب ، لكن عقل القلب هو عقل التصرف والتدبير ليس عقل الإدراك والتصور، فإن عقل الإدراك والتصور يكون في المخ، فالمخ يتصور ويعقل وهو بمنزلة سكرتير للقلب يشرح ما يريد رفعه إلى القلب ثم يرفعه إلى القلب ثم يصدر القلب الأوامر، والذي يبلغ الأوامر إلى الرعية من؟ الدماغ هو الذي يبلغ الأوامر ولهذا تنشط العضلات بنشاط الدماغ فصارت المسألة سلسلة يتصور الذي يتصور ويدرك وفيه عقل إدراك هو الدماغ، وأما عقل التصرف والتدبير والرشاد والفساد فهو عقل القلب، فالدماغ يتصور ويدرك الأشياء وينظر فيها ثم يرفعها مكتوبة ليوقع عليها القلب، ترد على القلب والقلب يأمر وينهى لكن القلب لا يباشر هو بنفسه أعلى من أن يباشر مخاطبة هؤلاء الجنود، يرسل القضية إلى من؟ إلى الدماغ مرة ثانية، الدماغ يوجه الأوامر ويقول: الملك يأمركم بكذا وكذا فتمتثل الأوامر، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ) وحينئذ يزول الإشكال وتجتمع الأدلة الحسية والشرعية، فالعقل الإدراكي أين محله؟ والعقل التصرف الإرشادي الذي به الإرشاد والفساد هو القلب نعم .
تتمة تفسير الآية : (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب )) .
يقول الله عز وجل: (( ربنا لا تزغ قلوبنا )) فإذا استقامت القلوب ولم تمل استقامت الجوارح عقيدة وقولا وعملا . وقوله: (( بعد إذ هديتنا )) هذه الجملة لا يراد بها الافتخار وإنما يراد بها التوسل بالنعم السابقة إلى النعمة اللاحقة، فكأنهم يقولون: ربنا إنك مننت علينا بالهداية أولا فنسألك أن تمن علينا بثبوت هذه الهداية فلا تزغنا، فيكون في هذا الدعاء ثناء على الله عزوجل بماذا؟ بالهداية السابقة، هم لو قالوا: (( ربنا لا تزغ قلوبنا )) كفى، لكن قالوا: (( بعد إذ هديتنا )) ليتوسلوا بنعمه الله السابقة إلى نعمه اللاحقة وليثنوا على الله عزوجل بنعمه السابقة وأنه عز وجل أهل للفضل والإنعام . (( بعد إذ هديتنا )) هداية الدلالة وإلا توفيق؟ أو الاثنين؟ نعم الاثنين، فالمؤمنون هداهم الله هداية التوفيق، وهداية الدلالة، هداية الدلالة أن بين لهم الحق، وهداية التوفيق أن وفقهم لسلوك الحق ، فمن الناس من يحرم الهدايتين، ومن الناس من يحرم الهداية الثانية، ولا أظن أن أحدا يحرم الهداية الثالثة لا الهداية الثانية فقط، يعني لا أظن أن أحدا يعطى الهداية الأولى والهداية الثالثة، لأنه لا يمكن أن يتوفق إلا بعد، إلا بعد العلم، من الناس من يحرم هدايتين فلا يكون عنده هداية الدلالة ولا هداية التوفيق مثل: مثل النصارى، ضالون لم يعرفوا الحق ولم يعملوا به ، ومن الناس من يحرم هداية التوفيق مثل اليهود، فاليهود علموا لكن لم يعملوا، ومن الناس من يرزق هدايتين كالمؤمنين الذين أنعم الله عليهم، فهنا (( هديتنا )) هداية الدلالة وهداية أيش؟ التوفيق، فهم هدوا إلى الحق للدلالة عليه وهدوا إلى الحق بالتوفيق، هل تستطيعون أن تأتوا بدليل على هداية الدلالة فقط ؟ نعم عادل ؟ نعم (( وأما ثمود فهدينهم فاستحبوا العمى على الهدى )) كذا؟ طيب، هداية التوفيق ؟ (( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )) يعني لا توفقه للهداية ولكن الله يهدي من يشاء، أما هداية الدلالة فلاشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد هدى الناس ودلهم (( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم )) . (( وهبنا من لدنك رحمة )) هب بمعنى أعطى، والهبة هي العطاء بلا عوض وكمالها بلا منة، الإعطاء بلا عوض هبة وكمالها أن لا يصحبها منة ، والله سبحانه وتعالى له المنة علينا كما قال الله تعالى : (( بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان )) والأمر هنا الصيغة هنا لأيش؟ للأمر أو للدعاء؟ للدعاء نعم، (( وهب لنا )) أي أعطنا (( من لدنك )) أي من عندك، وأضافوا هذه الهبة إلى الله لئلا يكون لأحد عليهم منة سواه، هذا من وجه، ولأنها إذا كانت من عند الله وهو أكرم الأكرمين صارت هبة عظيمة، لأن العطاء على قدر من؟ على قدر المعطي، ولهذا قالوا: (( هب لنا من لدنك )) أي هبة لا يمن بها علينا أحد سواك، وهبة عظيمة لأنها تأتي من عندك، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي بكر حين سأله أن يعلمه دعاء يدعوا به في صلاته قال قل: ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني ) قال: (( وهبنا من لدنك رحمة )) رحمة الرحمة سبق لنا أيضا مرارا وتكرارا أن الرحمة صفة من صفات الله عزوجل، تطلق على نعمه، لأنها من آثار رحمته كما قال الله تعالى: (( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته )) وقال الله للجنة: ( أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ) ومنه قول الله تعالى: ((وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون)) فتطلق الرحمة على هذا وهذا، من أي النوعين في هذه الآية: ((هب لنا من لدنك رحمة)) ؟ الثانية التي هي النعم وهي من آثار رحمته، (( هب لنا من لدنك رحمة )) والرحمة يحصل بها المطلوب وينجوا بها الإنسان من المرهوب، فإن جمعت مع المغفرة صارت بالرحمة حصول المطلوب وبالمغفرة النجاة من المرهوب . (( إنك أنت الوهاب )) الجملة هنا استئنافية للتعليل والتوسل، يعني أننا إنما طلبنا منك الهبة هبة رحمة لأنك أنت الوهاب، وهي مكونة من إن واسمها وخبرها، واسمها الكاف وخبرها الوهاب، والضمير أنت يسمى ضمير فصل، وضمير الفصل له ثلاث فوائد من يعرفها؟ التوكيد، الفصل بين الخبر والصفة يعني اعداد عن الأول، والتوكيد، فهد؟ والحصر طيب هذه ثلاثة أشياء، يعني له ثلاث فوائد: أولا: الفصل بين الصفة والخبر، والثاني: التوكيد، والثالث: الحصر، ونضرب مثلا لهذه يتبين به الأمر، إذا قلت: زيد الفاضل، فإن كلمة الفاضل يحتمل أن تكون خبرا ويحتمل أن تكون صفة والخبر محذوف والتقدير: زيد الفاضل حاضر، فإذا قلت:زيد هو الفاضل، تعين أيش؟ أن تكون خبرا، كذلك إذا قلت: زيد الفاضل يحتمل أن يكون غيره فاضلا أيضا، فإذا قلت: زيد هو الفاضل. هذا حصر نصه بالحصر يعني ليس غيره فاضلا كما قال تعالى: (( وإن جندنا لهم الغالبون )) . الثالث: التوكيد فإنك إذا قلت: زيد الفاضل حكمت له بالفضل، لكنك إذا قلت هو الفاضل زدته توكيدا، هنا (( إنك أنت الوهاب )) تنطبق عليه هذا، فنقول: أنت ضمير فصل للتوكيد والحصر وتعين ما أن ما بعده خبر أيش؟ لا صفة.
وقوله: (( إنك أنت الوهاب )) الوهاب يعني كثيرة الهبة، ولا يصح أن تكون للنسبة؟ يصح، يصح أن تكون للنسبة ويصح أن تكون للمبالغة، ويمكن أن نقول إنها للأمرين جميعا، فهو الوهاب يعني كثير العطاء، وهذه صفة لازمة له، وهو كذلك كثير من يعطى يعني الذين يعطيهم الله كثيرون لا يحصون، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يد الله ملآ صحا الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغظ ما في يمنيه) شف كيف؟ أي نعم لم ينقص، وقال الله في الحديث القدسي: ( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ) وهل ينقص في البحر شيئا؟ لا، فالله عزوجل لا يحصي أحد هباته أبدا حتى بالنسبة لك أنت بنفسك لا تحصيه هبات الله لك (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) .
وقوله: (( إنك أنت الوهاب )) الوهاب يعني كثيرة الهبة، ولا يصح أن تكون للنسبة؟ يصح، يصح أن تكون للنسبة ويصح أن تكون للمبالغة، ويمكن أن نقول إنها للأمرين جميعا، فهو الوهاب يعني كثير العطاء، وهذه صفة لازمة له، وهو كذلك كثير من يعطى يعني الذين يعطيهم الله كثيرون لا يحصون، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يد الله ملآ صحا الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغظ ما في يمنيه) شف كيف؟ أي نعم لم ينقص، وقال الله في الحديث القدسي: ( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ) وهل ينقص في البحر شيئا؟ لا، فالله عزوجل لا يحصي أحد هباته أبدا حتى بالنسبة لك أنت بنفسك لا تحصيه هبات الله لك (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) .
6 - تتمة تفسير الآية : (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب )) . أستمع حفظ
فوائد الآية : (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب )) .
في هذه الآية عدة فوائد: أولا: مشروعية الدعاء بهذه الصيغة لأنه دعاء الراسخين في العلم وأولي الألباب. ومن فوائد الآية الكريمة: مشروعية تصدير الدعاء باسم الرب (( ربنا )) . ومن فوائدها: أن الإنسان لا يملك قلبه، ولهذا تسأل الله أن لا يزيغ قلبك، فلا تغتر بنفسك أنك مؤمن، فكم من إنسان مؤمن زل ـ والعياذ بالله ـ ولكن اسأل الله دائما أن يثبتك وأن لا يزيغ قلبك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أزاغها وإن شاء هداها ) يصرفها كيف يشاء . ومن فوائد الآية الكريمة: الدلالة على أن في صلاح القلب صلاح جميع الجسد، لأنهم قالوا: (( ربنا لا تزغ قلوبنا )) . ومن فوائد الآية الكريمة: أن للقلب حالين: حال استقامة، وحال الزيغ، والإنسان مضطر إلى أن يسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يزيغ قلبه حتى يكون مستقيما . ومن فوائد الآية الكريمة: التوسل إلى الله تعالى بنعمه، لقولهم: (( بعد إذ هديتنا )) . ومنها: الثناء على هذه السادة حيث اعترفوا لله تعالى بالنعمة في قولهم: (( بعد إذ هديتنا )) وهذا داخل في قوله تعالى: (( وأما بنعمة ربك فحدث )) . ومن فوائد الآية الكريمة: أن التخلية تكون قبل التحلية، كلام هذا معروف؟ التخلية تكون قبل التحلية، يعني يفرغ الطريق من الشوائب والأذى ثم يطهر ، من أين يؤخذ ؟ (( ربنا لا تزغ قلوبنا )) ثم قال: (( وهب لنا من لدنك رحمة )) . ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان مضطر إلى ربه في الدفع والرفع، وإن شئت فقل: في الجلب والدفع، لأنهم سألوا أيش؟ أن لا يزيغ قلوبهم بعد إذ هداهم، وسألوا أن يهب لهم منه رحمة، فدعائهم أن لا يزيغ قلوبهم هذا دعاء بالدفع ولا بالرفع؟ انتبه، لا تزغ بعد إذ هديت، إذا رحمة (( وهب لنا من لدنك رحمة )) هذا بالدفع يعني: هب لنا من لدنك رحمة ندفع بها السوء ولا تزغ قلوبنا ترفع عنا الهداية بعد أن اهتدينا . ومن فوائد الآية الكريمة: أن العطاء يكون على قدر المعطي، لقوله: (( وهب لنا من لدنك رحمة )) طيب هل يمكن أن نجعل هذا من باب التوسل بحال المدعو؟ أو نقول إن هذا من باب التوسل بصفات الله عزوجل؟ هذا الثاني أظهر لأنه مر علينا أن التوسل ينقسم إلى ستة أقسام . ومن فوائد الآية الكريمة: التوسل بأسماء الله، لقوله: (( إنك أنت الوهاب )) فإن من مقتضى كونه وهابا أن يهب لنا من لدنه رحمة. ومن فوائدها أيضا: أن الإنسان مفتقر إلى رحمة الله عزوجل، ولهذا سأل الله أن يهب له من لدنه رحمة.
7 - فوائد الآية : (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب )) . أستمع حفظ
تفسير الآية : (( ربنا إنك جامع الناس ليومٍ لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد )) .
ثم قال الله تعالى: (( ربنا إنك جامع الناس ليوم لاريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد )) هذا يقول فيه: ((ربنا إنك جامع الناس)) ونقول في إعراب (( ربنا )) كما قلنا في إعراب ما سبق، وقوله: (( إنك جامع الناس ليوم لاريب فيه )) (( جامع )) اسم فاعل، وهنا لم يعمل لأنه أضيف، ولو لا الإضافة لكان يقول: ربنا إنك جامع الناس، لكن بالإضافة لا يعمل إلا الجر، وقوله: (( ليوم لاريب فيه )) المعنى: أنهم يجمعهم لهذا الوقت، فاللام هنا للتوقيت، فهي كقوله: (( أقم الصلاة لدلوك الشمس )) أي وقت دلوكها ، أو كقوله: (( إذا طلقتم الناس فطلقوهن لعدتهن )) أي وقت عدتهن، فالله تعالى جامع الناس لهذا الوقت (( ليوم لا ريب فيه )) أي لاشك، ولكن الريب أبلغ من الشك وإن كان معناهما متقاربا، لأن الريب فيه زيادة قلق واضطراب مع الشك، والشك خال من ذلك، ولهذا جاءت كلمة ريب الدالة لمفهومها اللفظي على أن هناك نوعا من القلق والاضطراب الحاصل بالشك، لأن من الشكوك ما لا يولد هما ولا غما ولا اضطرابا ولا يهتم به الإنسان، ومن الشكوك ما يهتم به الإنسان ويضطرب وقلع مثل هذه الأمور العظيمة الواردة في الأخبار باليوم الآخر فإن الإنسان لابد أن يطمئن اطمئنانا كاملا . وقوله: (( لا ريب فيه )) إعرابها: أن لا نافية للجنس، وريب اسمها، وفيه جار ومجرور متعلق بمحذوف خبره . (( إن الله لا يخلف الميعاد )) الجملة تأكيد لما سبق من كونه تعالى جامع الناس ليوم لاريب فيه، في هذه الآية يقول الله عن هذه السادة: إنهم بعد أن يدعوا الله بما سبق يخبر هذا الخبر المعبر عن إيمانهم ويقينهم بأنهم يؤمنون بأن الله جامع الناس ليوم لاريب فيه ومن ثم دعوا الله بأن لا يزيغ قلوبهم وأن يهب لهم منه رحمة، لأنهم يؤمنون بأن هناك يوما يجمع الله فيه الناس ليجازيهم بأعمالهم، فيقول الله عزوجل مخبرا عن هؤلاء إنهم يقرون لهذا اليوم الآخر وأن الله تعالى سيجمع الناس أولهم وآخرهم كما قال تعالى: (( قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم )) وقال تعالى: (( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود )) ما أكثر الناس الذين سبقونا، وما أكثر الناس الذين يلحقوا بنا والله أعلم ، ومع هذا كل هؤلاء الناس سوف ...
اضيفت في - 2006-04-10