تفسير سورة آل عمران-09a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تتمة مناقشة حول الآية : ((فكيف إذا جمعناهم ليومٍ لا ريب فيه ووفيت كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون )) .
ما معنى نفي الظلم أو ما المراد به ؟ نفي الظلم عدم الجور ، نفي الظلم هو المراد بها عدم الجور، لأن التوفية ثلاثة أقسام، لا لا نحن نريد نفي الظلم، الظلم إما يكون بنقص شيء من الحسنات أو زيادة سيئات، أما كيف التوفية هي التي أنت تريد التوفية لها ثلاثة أقسام: عدل، وفضل، وجور، فالجور منتفي، والعدل والفضل ثابت. نأخذ الفوائد ؟ طيب .
1 - تتمة مناقشة حول الآية : ((فكيف إذا جمعناهم ليومٍ لا ريب فيه ووفيت كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون )) . أستمع حفظ
فوائد الآية : (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ... )) .
ثم قال الله عز وجل: (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب )) إلى آخره . يستفاد من هذه الآية فوائد، أولا: أنه ليس كل من أعطي علما يوفق للعلم به، لقوله: (( يدعون إلى كتاب الله ثم يتولى )) . ومن فوائد الآية الكريمة: التعجب من هؤلاء وما أعظم التعجب أن يعطيهم الله العلم ثم بعد ذلك لا يقبلون على كتاب الله عز وجل . ومن فوائدها: أن هؤلاء قد قامت عليهم الحجة بكونهم دعوا وهذا هو محط الذم، هذا محط الذم، أما لو لم يدعون ولم يعلموا بالحق فإنهم لا يذمون على ذلك إذا لم يفرطوا بطلب الحق . ومن فوائد الآية الكريمة: أن الواجب التحاكم إلى كتاب الله، لقوله: (( يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم )) . ومن فوائدها: أنه لا حكم إلا لله بما جاء في كتابه، فلا أحد من الحكام يستطيع أن يشرع أحكاما مخالفة لأحكام الله بل من شرع مخالفة لأحكام الله وألزم العباد بها فهو كافر بالله عزوجل، كافر اللهم إلا أن يعذر بتأويل سائق فهذا قد يخرجه من الكفر، لكن فعله من حيث هو فعل يؤدي إلى كفره . ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحكم في كتاب الله يكون في كل شيء كالعبادات والمعاملات والأخلاق والأعمال كل شيء، لأنه لم يخصص (( بل ليحكم بينهم )) في كل شيء . ويتفرع على هذه الفائدة: الرد على من قال: إن الشرع إنما جاء لتنظيم العبادات فقط أما المعاملات فهي للخلق واستدلوا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ورأى الناس يعبرون النخل ـ معنى يعبرونها: يلقحونها ـ فقال عليه الصلاة والسلام: ما أرى ذلك يغني شيئا هذا أو معناه فتركوا التعبير ففسدت التمر، لأن النخل إذا لم يعبر فسدت، فلما فسدت الثمار جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبرونه فقال: ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) قالوا: فوكل علم أمور الدنيا إليهم بل جعلهم أعلم منه بهذا، وعلى هذا فأمور الدنيا لا يتدخل فيها الشرع، ولكن هذا فهم خاطئ، فهم خاطئ باطل، وذلك لأن أمور الدنيا إما أحكام شرعية كالتحليل والتحريم فهذه مرجها إلى الشرع، وإما أمور فنية تدرك بالتجارب والتعلم فهذه مرجعها إلى أهل الخبرة، فكم من عالم عنده علم غزير واسع في أمور الشرع لا يستطيع أن يصنع بابا ولا إبرة ويأتي رجل جاهل من أجهل ويستطيع أن يصنع بابا من أحسن الأبواب وإبرة من أحصل الإبر أليس كذلك؟ بلى، ومسألة الصحابة رضي الله عنهم في التعبير مسألة حكمية أو مسألة فنية ؟ فنية بلاشك تدرك بالتجارب والنبي عليه الصلاة والسلام كما نعلم ولد بمكة ومكة ليست ذات نخل ولا يعلم عن هذا شيئا فصار أهل المدينة الذين مارسوا التجارب في هذه الأمور صاروا أعلم منه بذلك، أما مسألة الشرعية فلاشك أن الله ورسوله أعلم، المهم أن الحكم لمن ؟ لله ولا يجوز أن يكون الحكم لأي شيء سوى الله . فإن قال قائل: ألستم ترجعون إلى العرف في أمور كثيرة ؟ بلى، لكن من الذي رجعنا إلى العرف؟ الشرع، إتيان العرف (( عاشروهن بالمعروف )) (( أمسكوهن بالمعروف أو فارقوهن بالمعروف )) فالشرع هو الذي أمرنا أن نرجع إلى العرف، وإّذا أمرنا أن نرجع إلى العرف رجعنا إليه وحكمناه، ولهذا إذا تنازع الزوجان في قدر النفقة لا نذهب إلى الكتاب الفلاني أو الكتاب الفلاني البخاري أو مسلم أو أبو داود أو ما أشبه ذلك لا نرجع إلى هذا، نرجع إلى من ؟ إلى أهل الخبرة في العرف في كل زمان ومكان بحسبه، إذا الحكم فيما رد إلى العرف لمن؟ للشرع ، الحكم للشرع هو الذي أمرنا أن نرجع إلى العرف فأهل العرف حكموه . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين دعوا إلى كتاب الله ممن أوتوا نصيبا من الكتاب لم يتولوا جميعا بل تولى فريق منهم، والأمر كذلك فإن كثيرا من اليهود والنصارى أسلموا وحسن إسلامهم وكان لهم قدم صدق في الإسلام . ومن فوائد الآية الكريمة: ذم من يتولى بإعراض، لقوله: (( ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون )) ، لأن التولي كما ذكرنا في التفسير قد يكون عن إعراض وقد يكون عن غير إعراض، والتولي مذموم كله لكن إذا كان عن إعراض وعدم مبالاة كان أشد .
2 - فوائد الآية : (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ... )) . أستمع حفظ
فوائد الآية : (( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدوداتٍ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون )) .
ثم قال الله عز وجل: (( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات )) من فوائد هذه الآية الكريمة: بطلان الأماني، وأن النفس قد تمني الإنسان ما لا يكون، لأن هؤلاء منتهم أنفسهم حيث قالوا: (( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات )) . ومن فوائدها: تحذير الإنسان أن يتكل الأماني، لأن هذا من صنع اليهود والنصارى، وكثير من العامة الآن يقعون في المعاصي ويمنون أنفسهم المغفرة، إذا وقع في المعصية قال يا أخي اتق الله لا تعص الله قال: الله غفور رحيم، صحيح؟ صحيح إن الله غفور رحيم، لكن الله قال: (( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم )) وقال: (( اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم )) فلما أمر نبيه أن ينبئ بدأ بالمعفرة، ولما أخبر عن نفسه بدأ بالعقوبة، لأن المقام مقام سلطان وعلو قال: (( اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم )) ، إذا ماذا نقول لهذا الذي قال: الله غفور رحيم ؟ نقول: والله شديد العقاب أيضا نعم؟، يتمنى بعض العاصين الأماني ويقول: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) فهو يريد أن يزني ويسرق ويشرب الخمر ويعمل كل شيء دون الشرك ثم يقول: إن الله يقول: (( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) وهذا خطأ خبر من الله عزوجل وهو أصدق القائلين ؟ فماذا نقول ؟ نقول: اقرأ الآية لا تكن أعمى أو أعور ما تنظر إلى بعين، يغفر ما دون ذلك مطلقا لمن يشاء ومن لا يشاء لا يغفر له فهل أنت تجزم بأنك ممن شاء الله أن يغفر له ؟ أبدا، ما تجزم، لا تجزم لا بهذا ولا بهذا إذا فأنت على خطأ أنت على خطأ على أن الذي يستخف بمعصية ويلبس على نفسه وعلى الناس قد يكون ممن لا يشاء الله أن يغفر له ـ نعوذ بالله ـ لأن هذا مستهزئ مستهين، إذا الذين يتمنون على الله الأماني مع استمرارهم على المعاصي يشبهون من ؟ اليهود والنصارى، ولهذا جاء في الحديث: ( الكيس من دان نفسه ـ أي حاسبهاـ وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء يؤمنون بالبعث ولكن لم ينفعهم الإيمان، من أين يؤخذ؟ من قولهم: (( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات )) ، ويتفرع على هذا: أنه لا يكفي في الإيمان أن يؤمن الإنسان بوجود الله وباليوم الآخر دون أن يستلزم هذا الإيمان قبولا وإذعانا مجرد التصديق لا يعتبر إيمانا لابد من القبول والإذعان، ودليل هذا نصوص كثيرة منها: أن أبا طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، ويقول:
لقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
ويقول: ولقد علمت أن دين محمد من خير أديان البرية دينا ، ومع ذلك لم ينفعه هذا الإقرار، لأنه لم يسحبه قبول وإذعان وختم له في الآخر ـ والعياذ بالله ـ بأنه قال على ملة عبد المطلب، ولكن نظرا لما حصل منه من دفاع عن الإسلام أذن الله عزوجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يشفع له فشفع فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه أبد الآبدين ـ والعياذ بالله ـ أبد الآبدين وهذا أهون أهل النار عذابا ـ أجارني الله وإياكم منها ـ ولم نعلم أن كافرا نفعت فيه الشفاعة على الإطلاق بمعنى أنه سلم من العذاب أبدا ولم نعلم أن كافرا خفف عنه العذاب بالشفاعة إلا أبا طالب، إذا نقول: إن الإيمان باليوم الآخر وبأن هنالك نارا لا يكفي في الإيمان بل لابد من القبول والإذعان . ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يغره ما هو عليه من الدين، قد يغره ما هو عليه من الدين، لقوله: (( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون )) فيغتر بأنه يصلي، ويزكي، ويصوم، ويحج، ثم يقول في نفسه: لن أعذب ، وهذا قصور في النظر، لأنه ليس الشأن أن تصلي أو تزكي أو تصوم أو تحج الشأن كل الشأن أن يقبل منك هذا العمل، الشأن كل الشأن أن يقبل منك هذا العمل، كم من عامل ليس له من عمله إلا التعب لوجود مبطل سابق أو لاحق، سابق كفوات الإخلاص مثلا، لا حق كالإعجاب للعمل والادلال به على الله عزوجل، وأن يرى الإنسان لنفسه حقا على الرب وهذا قد يبطل العمل، فعملك محفوف بأخطار سابقة وأخطار لاحقة، ولهذا لا تغتر بما أنت عليه من الدين بل اسأل ربك دائما التوفيق والقبول، التوفيق سابق، والقبول لاحق حتى الإنسان ربما يريد الخير ويحب الخير ولكن يبتلى بالبدعة، كم من أناس يحبون الخير وعندهم ومحبة لله ورسوله ولكن يبتلون بالجهل فيبتدعون في دين الله ما ليس منه، ويكون عملهم هذا حابطا أو مقبولا؟ حابطا، لأن من شرط قبول العمل أن يكون موافقا لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ).
لقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
ويقول: ولقد علمت أن دين محمد من خير أديان البرية دينا ، ومع ذلك لم ينفعه هذا الإقرار، لأنه لم يسحبه قبول وإذعان وختم له في الآخر ـ والعياذ بالله ـ بأنه قال على ملة عبد المطلب، ولكن نظرا لما حصل منه من دفاع عن الإسلام أذن الله عزوجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يشفع له فشفع فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه أبد الآبدين ـ والعياذ بالله ـ أبد الآبدين وهذا أهون أهل النار عذابا ـ أجارني الله وإياكم منها ـ ولم نعلم أن كافرا نفعت فيه الشفاعة على الإطلاق بمعنى أنه سلم من العذاب أبدا ولم نعلم أن كافرا خفف عنه العذاب بالشفاعة إلا أبا طالب، إذا نقول: إن الإيمان باليوم الآخر وبأن هنالك نارا لا يكفي في الإيمان بل لابد من القبول والإذعان . ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يغره ما هو عليه من الدين، قد يغره ما هو عليه من الدين، لقوله: (( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون )) فيغتر بأنه يصلي، ويزكي، ويصوم، ويحج، ثم يقول في نفسه: لن أعذب ، وهذا قصور في النظر، لأنه ليس الشأن أن تصلي أو تزكي أو تصوم أو تحج الشأن كل الشأن أن يقبل منك هذا العمل، الشأن كل الشأن أن يقبل منك هذا العمل، كم من عامل ليس له من عمله إلا التعب لوجود مبطل سابق أو لاحق، سابق كفوات الإخلاص مثلا، لا حق كالإعجاب للعمل والادلال به على الله عزوجل، وأن يرى الإنسان لنفسه حقا على الرب وهذا قد يبطل العمل، فعملك محفوف بأخطار سابقة وأخطار لاحقة، ولهذا لا تغتر بما أنت عليه من الدين بل اسأل ربك دائما التوفيق والقبول، التوفيق سابق، والقبول لاحق حتى الإنسان ربما يريد الخير ويحب الخير ولكن يبتلى بالبدعة، كم من أناس يحبون الخير وعندهم ومحبة لله ورسوله ولكن يبتلون بالجهل فيبتدعون في دين الله ما ليس منه، ويكون عملهم هذا حابطا أو مقبولا؟ حابطا، لأن من شرط قبول العمل أن يكون موافقا لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ).
3 - فوائد الآية : (( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدوداتٍ وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون )) . أستمع حفظ
فوائد الآية : ((فكيف إذا جمعناهم ليومٍ لا ريب فيه ووفيت كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون )) .
وقال الله عز وجل: (( فكيف إذا جمعناهم ليوم لاريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )) . في هذه الآية دليل على عظم ذلك اليوم، لقوله: (( فكيف إذا جمعناهم )) (( ووفيت كل نفس )) . وفيها دليل أيضا: على النداء بالنعي على هؤلاء الذين ليس لهم في ذلك اليوم إلا الخيبة والخسران، ولهذا قال: كيف تكون الحال في ذلك اليوم؟ والجواب: أن حالهم أخيب حال، أخيب حال هي حالهم ـ والعياذ بالله ، لأنهم ليس عندهم شيء خسروا دينهم ودنياهم . ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اليوم الآخر، لقوله: (( ليوم لاريب فيه )) . ومن فوائدها: أن من كفر اليوم الآخر أو شك فيه فهو كافر، لأنه مكذب لقوله تعالى: (( لاريب فيه )) فالله أخبر بأن هذا اليوم لاريب فيه أمر واقع ولابد لابد أن تجتمع مع أمك وأبيك وأختك وأخيك في ذلك اليوم، لكن تجتمع بهم وأنت تفر منهم (( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شان يغنيه )) حتى يستقر الناس في منازلهم فإذا استر الناس في منازلهم واجتمع بهم في الجنة فهذه غاية المنى (( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء )) الصغار الذي ماتوا وهم لم يكن لهم ذرية يلحقون بآبائهم ليجتمعوا إليهم، لكن هل يلحق الأعلى ينزل الأدنى وإلا بالعكس؟ بالعكس يعني يرفع الأدنى إلى الأعلى، أما من كان له ذرية من الأولاد فهو مستقل بنفسه في منزلته لأن هذا له ذرية، على كل حال في قوله: (( فكيف إذا جمعناهم ليوم لاريب فيه )) دليل على أن من شك في هذا اليوم أو أنكره فهو كافر لتكذيبه لله عز وجل . ومن فوائد الآية الكريمة: أن يوم التوفية الكاملة هو يوم القيمة، لقوله: (( ووفيت كل نفس ما كسبت )) وإنما قلت التوفية الكاملة لأن الإنسان قد يوفى شيئا من عمله في الدنيا أليس كذلك؟ بلى قد يوفى في الدنيا لكن يوفى في الآخرة أيضا توفى النفوس ما عملت، قد يوفى في الدنيا وماذا يوفى؟ قال الله تعالى: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) مخرجا من كل ضيق وسعة في الرزق ويرزقه من حيث ما يحتسب هذا في الدنيا وهذا جزاء، وهناك جزاء آخر أعظم وأنفع وهو الهدى، الهدى قال الله تعالى: (( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم )) الهدى والعمل الصالح هذا أفضل من المال، أفضل من المال، لأن الهدى إذا زاد الله الهدى انشرح صدره واستنار قلبه واطمئن، ثم صارت التقوى عنده أسهل من كل شيء وصارت الأعمال الصالحة رياض قلبه وسرور نفسه، ولهذا قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) والمؤمن كل الأعمال الصالحة قرة عينه لأنه يشعر في كل عمل صالح يشعر بأمرين عظيمين، الأمر الأول: أنه يتعبد لله بالعمل الصالح فيزداد ذلا لربه ومحبة له وإنابة إليه، والأمر الثاني: أنه بذلك متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يشعر حين فعل العبادة أن إمامه محمد صلى الله عليه وسلم فيزداد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما لقوله بل وتعظيما لهديه وسنته، وهذا أعظم كسب أعظم كسب أن يحصل لك هذا الأمر في العبادة والتقوى . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: انتفاء الظلم عن الله عزوجل، لان قوله: ووفيت وهم لا يظلمون، فاعلها معروف، من الموفي ؟ الله ، والذي لا يظلم الله ولكن انتفاء الظلم عن الله سبحانه وتعالى هل هو من الصفات الثبوتية أو من الصفات المنفية التي يسمونها بالسلبية ؟ الثاني إلا أننا نقول لا يظلم أي ليس في جزائه أدنى ظلم فيكون نفي الظلم لكمال العدل، انتبه لأن الظلم قد يكون كاملا وقد يكون ناقصا، يعني قد يكون كاملا بحيث لا يعطى شيئا من جزاء عمله، وقد يكون ظلما ناقصا يعطى بعض الشيء، فإذا نفى الله عن نفسه ظلم صار ذلك مستلزما لكمال عدله، وكذلك ((ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب)) اللغوب يعني تعب والإعياء، فالله عزوجل خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ولم يمسه لغوب أي تعب وإعياء، لماذا؟ لكمال قوته وقدرته عزوجل، الإنسان يعمل العمل لكن يتعب، أما الرب عزوجل لكمال قدرته وقوته خلق السموات والأرض وما بينهما في أيام يسيرة ستة أيام وما مسه من لغوب، طيب إذا نأخذ من هذا قاعدة مفيدة في باب الصفات وهي: أن كل صفة نفاها الله عن نفسه فإنما يراد بها ثبوت كمال الضد، فضد الظلم العدل، إذا انتفى الظلم فهو لكمال العدل، ضد القدرة والقوة: التعب، فإذا انتفى التعب؟ ثبت كمال القدرة والقوة وعلى هذا فقس.
4 - فوائد الآية : ((فكيف إذا جمعناهم ليومٍ لا ريب فيه ووفيت كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون )) . أستمع حفظ
كيف الجمع بين الآية :(( فكيف إذا جمعناهم ليومٍ لا ريب )) والآية :(( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم )).؟
السائل : شيخ قوله: (( فكيف إذا جمعناهم ليوم لاريب فيه )) وقوله: (( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيمة يفصل بينكم )) كيف ؟
الشيخ : يوم القيمة يفصل بينكم يعني يحكم بينكم ثم يكون الفصل، فالناس يجتمعون في المحشر جميعا أولا ثم ينفصلون ففريق في الجنة وفريق في السعير .
السائل : قوله: (( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم )) لكن دل حديث على أن الولد ينفع لأبيه مثل حافظ القرآن ينفع ؟
الشيخ : هذا يخاطب به الكفار، يخاطب المؤمنين يعني معناه لا تحابوا الكفار لا تتخذهم أولياء فإن ذلك لا ينفعهم .
الشيخ : يوم القيمة يفصل بينكم يعني يحكم بينكم ثم يكون الفصل، فالناس يجتمعون في المحشر جميعا أولا ثم ينفصلون ففريق في الجنة وفريق في السعير .
السائل : قوله: (( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم )) لكن دل حديث على أن الولد ينفع لأبيه مثل حافظ القرآن ينفع ؟
الشيخ : هذا يخاطب به الكفار، يخاطب المؤمنين يعني معناه لا تحابوا الكفار لا تتخذهم أولياء فإن ذلك لا ينفعهم .
5 - كيف الجمع بين الآية :(( فكيف إذا جمعناهم ليومٍ لا ريب )) والآية :(( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم )).؟ أستمع حفظ
ما سبب قول اليهود :(( لن تمسنا النار إلا أيامًا معدوداتٍ )).؟
السائل : يقول بعض العلماء: إنهم بنو قولهم هذا على أنهم عبدوا العجل أربعين ليلة وقالوا إن الله يعذبنا بقدر معصيتنا بقدر العبادة للعجل فقط، أربعين يوم ثم أنتم تخلفوننا.
صار هذا خاص باليهود ؟
الشيخ : أي نعم هم الذين يقولون هكذا (( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ))
صار هذا خاص باليهود ؟
الشيخ : أي نعم هم الذين يقولون هكذا (( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ))
صاحب البدعة هل يحبط عمله حال كونه جاهلا.؟
السائل : شيخ قلنا إذا عمل الإنسان عملا بدعيا حبط عمله بهذا العمل ، لا يقبل منه، لكن إذا صار الجاهل ما ؟
الشيخ : أي ما يقبل منه على أنه عمل يعني يثاب على نيته التقرب إلى الله أما هذا العمل لا ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) لكن يثاب على نيته الخير فقط ومع ذلك إذا أقيمت عليه البينة بأنه مبتدع لا يثاب ولا على نيته .
الشيخ : أي ما يقبل منه على أنه عمل يعني يثاب على نيته التقرب إلى الله أما هذا العمل لا ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) لكن يثاب على نيته الخير فقط ومع ذلك إذا أقيمت عليه البينة بأنه مبتدع لا يثاب ولا على نيته .
هل يقاتل الذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس لأن الله قال في الآية (( فبشرهم بعذاب أليم )) وهل هم كفار.؟
السائل : قوله: (( ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس )) فما حكمهم يا شيخ ؟
الشيخ : الحكم دون هذا، نعم ؟ أقول دون ذلك، طيب هل هم مقاتلون يا شيخ ؟ نعم؟ مقاتلون ؟ من الذي يقاتل ؟ الذين يقتلون ؟ لا لا ما يقاتلون، نعم؟ لا، لأنهم كفار يا شيخ؟ لا ما هم كفار، هم (( يقتلون الذين يأمرون القسط من الناس )) ؟ هذه من صفات الكفار لكن قد يفعل هذا من ليس كافر، أي نعم أن الله عزوجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشرهم بالعذاب هذا فيه إعلان من الله عزوجل أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلن؟ أيش تقول؟ (( إن الذين يكفرون بآيات الله )) أول ما هو الكفر، كفر، ومن جملة أعمالهم القتل، فالذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس أخذوا من أعمال هؤلاء الكفار القتل لكن لا يلزم من هذا أن يكونوا كفارا لأن قتل النفس لا يستلزم الكفر كما قال تعالى: (( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان )) هذا أخ في الإسلام يا شيخ؟ نعم؟ هذا أخ في الإسلام وهذا يقتل الذي يأمر بالقسط هذا ما هو عدو له ؟ نعم نعم على كل حال هو لا يكفر اللهم إلا أن يكون فعله هذا كراهة للحق فهذا شيء ثاني.
السائل : الذي يعلن بالمعاصي ؟ كيف ؟ يجهر بالمعاصي ؟ ويش معنى يجهر ؟ يعني الفعل الذي يفعلونه ؟
الشيخ : نحن ذكرنا في أثناء التفسير أن الله أمر نبيه أن يبشرهم بعذاب أليم فيحتمل أن هذا حكم لهم ويحتمل أن الله أمره بأن يقول ذلك وذكرنا أن هذا ينظر فيه المصلحة.
السائل : شيخ الغالب إن الذين يقتلون الذي يأمرون بالقسط من الناس أن هؤلاء لا يقتلون لأشخاصهم فقط وإنما لهذا المنهج الذي هم يسيرون عليه، نعم صحيح، فهم كفروا ؟
الشيخ : لكن ما نكفرهم إلا إذا علمنا، لأنهم قد يقتلونهم لسبب آخر، هل كل من يؤمر بالقسط من الناس نيته صالحة ؟ فيها الآن أناس يأمرون بالقسط من الناس ليصلوا إلى الحكم وإذا وصلوا إلى الحكم صاروا أخبث من الذين قالوا فيهم، ولهذا مسائل هذه دقيقة ما هي هينة نعم .
الشيخ : الحكم دون هذا، نعم ؟ أقول دون ذلك، طيب هل هم مقاتلون يا شيخ ؟ نعم؟ مقاتلون ؟ من الذي يقاتل ؟ الذين يقتلون ؟ لا لا ما يقاتلون، نعم؟ لا، لأنهم كفار يا شيخ؟ لا ما هم كفار، هم (( يقتلون الذين يأمرون القسط من الناس )) ؟ هذه من صفات الكفار لكن قد يفعل هذا من ليس كافر، أي نعم أن الله عزوجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشرهم بالعذاب هذا فيه إعلان من الله عزوجل أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلن؟ أيش تقول؟ (( إن الذين يكفرون بآيات الله )) أول ما هو الكفر، كفر، ومن جملة أعمالهم القتل، فالذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس أخذوا من أعمال هؤلاء الكفار القتل لكن لا يلزم من هذا أن يكونوا كفارا لأن قتل النفس لا يستلزم الكفر كما قال تعالى: (( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان )) هذا أخ في الإسلام يا شيخ؟ نعم؟ هذا أخ في الإسلام وهذا يقتل الذي يأمر بالقسط هذا ما هو عدو له ؟ نعم نعم على كل حال هو لا يكفر اللهم إلا أن يكون فعله هذا كراهة للحق فهذا شيء ثاني.
السائل : الذي يعلن بالمعاصي ؟ كيف ؟ يجهر بالمعاصي ؟ ويش معنى يجهر ؟ يعني الفعل الذي يفعلونه ؟
الشيخ : نحن ذكرنا في أثناء التفسير أن الله أمر نبيه أن يبشرهم بعذاب أليم فيحتمل أن هذا حكم لهم ويحتمل أن الله أمره بأن يقول ذلك وذكرنا أن هذا ينظر فيه المصلحة.
السائل : شيخ الغالب إن الذين يقتلون الذي يأمرون بالقسط من الناس أن هؤلاء لا يقتلون لأشخاصهم فقط وإنما لهذا المنهج الذي هم يسيرون عليه، نعم صحيح، فهم كفروا ؟
الشيخ : لكن ما نكفرهم إلا إذا علمنا، لأنهم قد يقتلونهم لسبب آخر، هل كل من يؤمر بالقسط من الناس نيته صالحة ؟ فيها الآن أناس يأمرون بالقسط من الناس ليصلوا إلى الحكم وإذا وصلوا إلى الحكم صاروا أخبث من الذين قالوا فيهم، ولهذا مسائل هذه دقيقة ما هي هينة نعم .
8 - هل يقاتل الذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس لأن الله قال في الآية (( فبشرهم بعذاب أليم )) وهل هم كفار.؟ أستمع حفظ
إقامة الحجة كيف تقام وهل لابد من فهمها.؟
السائل : شيخ سؤال بنسبة لإقامة الحجة هل يكفي إقامتها هل يكفي أن تبين للناس أو لازم أن ؟
الشيخ : أرأيت لو جيء إليك برجل من العجم وقلت يا هذا الكافر اتق الله وأسلم، ويش هذا ؟ هل بلغت الحجة؟ وأيضا نحن نسميها حجة ولا حجة إلا بعد معرفته.
تفسير الآية : (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء... )) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك ممن تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتزل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار و تولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب )) . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى: (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ... )) الخطاب لا يخفى أنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومناسبة هذه الآية لما قبلها أن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب إذا دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم تولوا يريدون أن تكون السيادة لهم لا لغيرهم، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعوا الله هذا الدعاء المتضمن لهذه الصفات العظيمة التي مقتضاها قدرة الله سبحانه وتعالى على أن ينقل الرسالة التي يتبعها الملك من بني إسرائيل إلى العرب بمحمد صلى الله عليه وسلم فهذا وجه ارتباط هاتين الآيتين بما قبلهما أي أن هؤلاء الذين تولوا وأعرضوا إذا دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم لاشك أنهم يريدون أن تبقى السيادة لهم وأن يمنعوها غيرهم فأمر الله نبيه أن يبتهل إلى الله بهذا الدعاء المتضمن قدرة الله على نقل النبوة التي يتبعها الملك من بني إسرائيل إلى العرب فقال: (( قل اللهم مالك الملك )) وقد سبق الكلام على هذه الجملة (( اللهم )) وبينا أنها منادى حذفت منه ياء النداء وعوض عنها الميم، ولهذا لا يجمع بينهما ولا يجمع بينهما إلا في حال الشذوذ كما قال بن مالك: وشذ اللهم في قريظه، أي في النظم . وقوله: (( اللهم مالك الملك )) أي يا الله، وقوله: (( مالك الملك )) مالك اسم فاعل و(( الملك )) يحتمل أن يكون بمعنى المملوك أي مالك المملوكات كلها ويحتمل أن يكون المراد بها تدبير أي مالك تدبير الخلائق كلها، والأمران ثابتان لله عزوجل، فهو مالك المملوكات كلها بأعيانها، وهو مالك التصرف فيها لا يشركه فيها أحد هو الذي يدبر الأمر ويملك المأمور . وقوله: (( مالك الملك )) قيل إنه بدل من الله ولكنه نصب لأنه مضاف والبدل يكون على نية إعادة العامل وأنك لو سلطت الياء التي هي ياء العامل في (( اللهم )) لو سلطتها على (( مالك الملك )) لوجب النصب لأن المنادى إذا أضيف يجب فيه النصب، وسواء قلت إنها بدل أو إنها منادى حذف منها حرف النداء فإن المعنى لا يختلف قال: (( مالك الملك )) ثم فسر فقال: (( تؤتي الملك من تشاء )) والأصح أن (( تؤتي )) هذه جملة استئنافية لبيان كيف يكون ملك الله عزوجل لهذا المملوك فقال: (( تؤتي الملك من تشاء )) وقال: (( تؤتي )) أي تعطي ولم يقل تملك، لأن ما يكون للبعد من الملك إنما هو من إعطاء الله تعالى إياه وتسليطه عليه، ولهذا لا يتصرف المالك من المخلوقين بما ملك إلا على حسب أيش ؟ إلا على حسب الشريعة التي شرعها الله عزوجل، لان الإتيان من الله فالتصرف في هذا المؤتى إلى الله عزوجل لا إلى الإنسان، فالإنسان لا يملك أن يتصرف تصرفا مطلقا فيما ملكه الله . وقوله: (( تؤتي الملك من تشاء )) هي الجملة الفعل تؤتي من أفعال التي تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ومفعولها الأول الملك، ومفعولها الثاني من . وقوله: (( تؤتي الملك من تشاء )) نحن نعلم أن من سنة الله عزوجل أن كل شيء له سبب إما شرعي وإما كوني لأن ها مقتضى حكمة الله سبحانه وتعالى وإذا كان كذلك فإن إتيان الله الملك لمن يشاء مقيد بسبب فلابد أن يكون له سبب، فالملك قد يكون مستقلا عن الرسالة وقد يكون تابعا للرسالة، فإذا كان مبنيا على الشريعة صار تابعا للرسالة وإذا كان غير مبني على الشريعة كان مستقلا قال الله تعالى: (( ألم تر إلى الذي حاج ابراهيم في ربه أن آتاه الله الملك )) وهذا الملك تابع للرسالة ولا لا؟ مستقلة، لا هذا مستقل ما متبع للرسالة لأنه كافر هذا الذي يحاج ابراهيم في ربه، وأما قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله سوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وأن ملك أمتي سيبلغ ما حوالي منها أو ما زواري منها ) فالمراد بالملك هنا ملك النبوة يعني الملك التابع للنبوة، فهنا يقول: (( تؤتي الملك من تشاء )) يشمل الملك المستقل الذي قد يكون مبنيا على الكفر والملك التابع للرسالة وهو المبني على الشريعة . قال: (( تؤتي الملك من تشاء )) ثم إن: (( من تشاء )) ككثير من الآيات الكريمة المقيدة للحكم بالمشيئة أو المعلقة للحكم بالمشيئة تقيد كلها بما تقتضي الحكمة . (( وتنزع الملك ممن تشاء )) قوله: (( تنزع الملك )) يحتمل الوجهين، الوجه الأول: نزع بعد ثبوت، والوجه الثاني: نزع بمعنى المنع، فعلى الأول يكون فيه إشارة إلى أن الله تعالى يملك من يشاء من خلقه ثم ينزع عنه الملك، وكم من ملك ملك ثم زال ملكه إما بالغلبة له أو بموته أو بغير ذلك، ويحتمل أن تكون بمعنى المنع أي تملك من شئت ولا تملك من شئت، وكلا المعنيين صحيح، فالله تعالى قد يملك الإنسان الملك وقد ينزع الملك منه بعد ثبوته له وكلاهما صحيح، إذا الملك بيد الله تؤتيه من تشاء فهذا يملكه وهذا لا يملكه وهذا يملكه ثم ينزع الملك منه وهذا يملكه ويستمر الملك له حتى يتوفاه الله. (( وتنزع الملك ممن تشاء )) ولكن يكون هذا بالحكمة أيضا، فقد يكون هذا الملك الذي ينزع منه الملك غير صالح للملك لكونه من أصحاب الفساد في الأرض فيسلط عليه من ينزع الملك منه، وقد يكون هذا الملك ضعيفا هو لا يريد الفساد لكنه ضعيف لا يقيم الإصلاح فيسلط عليه من ينزع الملك منه، وهذا كثير في التاريخ لو تدبرتموه، والله سبحانه وتعالى لا يفعل شيئا إلا لحكمة. (( وتعز من تشاء وتذل من تشاء )) والإعزاز هنا يعني التقوية، أي تجعله عزيزا قويا غالبا على غيره، وكذلك تذل من تشاء، وهل هذا ملازم للملك أي تعز من تشاء من الملوك أو تذل من تشاء أو هو عام؟ عام، هو عام، قد يعز الله الإنسان بدينه وعلمه وإيمانه وإن لم يكن ملكا، وقد يعزه بملكه، وكذلك في الذل قد يذله بالمعصية وبالغلبة، بالمعصية هذا في مقابل عز بالإيمان وبالغلبة في مقابل عز بالملك، المهم أن الإعزاز والإذلال لا يستلزمان الملك ولا يستلزمهما الملك، فمن الذي يعزه الله؟ يعز الله من ذكره بقوله: (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )) فالعزة لله لكن لا دخل. .، لكن الذي يعزهم الله هم الرسل وأتباعه كما قال الله تعالى: (( كتب الله لأغلبن إنا ورسلي إن الله قوي عزيز )) فمن أسباب العزة الإيمان سواء كان الإنسان ملكا أم غير ملك، ومن أسباب العزة الاستعداد والحذر والحزم والقوة والنشاط كل هذه من أسباب العزة لكن هذه الأسباب المادية الحسية والإيمان سبب معنوي، على أن الإيمان قد يكون من ثمرته ونتيجته أن يكون الإنسان قويا حازما ينظر إلى الأمور بمنظار الحكمة فتحصل له بذلك العزة . قال: (( وتعز من تشاء وتذل من تشاء )) يذل الله من يشاء ممن آتاه الله الملك وممن لم يؤته حتى الملك ربما يكون ملكا ولكنه ذليل ضعيف خائف كل شيء يخاف منه ولا يكون عنده حزم وقوة ونشاط ، وقد يذل الله سبحانه وتعالى الإنسان في ملكه وقد يذل الله من لم يكن ملكا، ومن أسباب الذل أن يعجب الإنسان بنفسه وأن يتعرض لما لا يمكنه دفعه، فهذان شيئان: إعجابه بالنفس قد يخذله ويذله، كذلك تعرضه لما لا يمكنه دفعه قد يكون سببا لذله أيضا وخذلانه، وكلا الأمرين يقع فيهما كثير من الناس، فكثير من الناس يتكلم أو يفعل غير ملتفت إلى الاستعانة بالله عزوجل فيخذل، وكثير من الناس يتعرض للأمور التي لا يمكنها دفعها تكون أمورا كبيرة فوق مستواه ثم يخذل ويذل، ولهذا جاء في الأثر: (لا ينبغي لأحدكم أن يذل نفسه فقالوا كيف يذل نفسه؟ قال: يتكلم بما لا يمكن أن يدفعه أو كلمة هذا معناها، فالإنسان ينبغي له أن لا يعارض نفسه للذل بسبب
اضيفت في - 2006-04-10