تفسير سورة آل عمران-09b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تتمة تفسير الآية : (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء... )) .
فالإنسان لا يعرض نفسه للذل بسبب معقول أو بمعنوي أو بغير ذلك، فالأول: أن يكون معجبا بنفسه يقول القول أو يفعل الفعل غير ملتفت لماذا؟ للاستعانة بالله، والثاني: يتعرض نفسه لأمور لا يمكنه دفعها أمور أكبر من مستواه، ولنفرض واحد يريد يتكلم بالفقه وهو لا يعرف الفقه فيخذل ويذل، يتكلم في النحو وهو لا يعرف النحو، يتكلم في الأصول وهو لا يعرف الأصول فيظهر ذله أمام الناس، ولهذا ينبغي للإنسان أن يتحرى في قوله حتى لا يقع في شبكة الذل.
1 - تتمة تفسير الآية : (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء... )) . أستمع حفظ
تتمة تفسير الآية : ((.... بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )).
(( وتذل من تشاء بيدك الخير )) الخير بيد الله عزوجل، والخير كل ما فيه مصلحة ومنفعة للعبد فهو خير سواء كان ذلك في أمور الدنيا أو في أمور الآخرة، فالرزق والصحة والعلم هذه أيش؟ هذه الخير والعمل الصالح أيضا خير، فكل ما ينتفع الإنسان في دينه ودنياه فهو خير، وهذا كله بيد الله كما قال تعالى: (( وما بكم من نعمة فمن الله )) وهنا ذكر أن الخير بيده ولم يذكر الشر مع أن الخير من الله والشر من الله، فقال بعض المفسرين: إن هذا من باب حذف المقابل المعلوم كقوله: (( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر )) وزعموا أن تقدير الآية: بيده الخير والشر، ولكن هذا وهم باطل هذا وهم باطل وليس المقام مقام حذف وقصر أو اختصار، المقام مقام الثناء والثناء ينبغي فيه البسط ينبغي فيه البسط والتوسع في الكلام فالحذف غير مناسب لفظا وهو باطل معنى، لأن الله لا يضاف إليه شر ولا يجوز أن نقول بيده شر، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والشر ليس إليك ) فلا ينسب إلى الله الشر قولا ولا فعلا فالله يقول الحق وهو يهدي السبيل ويفعل الخير ولا يفعل الشر، وإذا وجد شر في المفعولات فهو شر من وجه خير من وجه آخر، لكن إيجاز الله لهذه الأشياء الشريرة ليس شرا بل هو خير، خير محض، ففعل الله ليس فيه شر إطلاقا، والشر إنما هو في أيش؟ في المفعولات لا في الأفعال، أما الخير فهو في المفعولات والأفعال، ولهذا ينسب إلى الله لأنه قال: (( بيدك الخير )) لكن الشر ليس إلى الله، ولنضرب لهذا مثلا بالسباع والهوام فالسباع فيها شر والهوام اللاصعة واللادغة فيها شر بلاشك ، الشياطين كلها شر، لكن إيجاد الله لهذه الأشياء خير، خير ولا بد منه الحكمة توجبه، لأنه لا يمكن أن تعرف تمام خلق الله إلا بخلق أشياء المضادة، ثم في خلق هذه الأشياء من إصلاح العبد ورجوعه إلى ربه واستعاذته به من هذه الأمور الشريرة خير كثير، ثم إن الخير لا يعرف إلا بضده لا يمكن يعرف الخير إلا عرف ضده حتى يعرف قدر الخير، ثم إن الخليقة لابد لها من امتحان، لابد لها من امتحان، فلو كانت في خير دائما لزال هذا الامتحان لأنها دائما في خير، فإذا وجد شر فحينئذ يعرف أو حينئذ يتبين الامتحان، لو كان الإنسان دائما في الصحة ودائما في غنى ودائما في العقل ودائما في السعة ما حصل في هذا امتحان ولا عرف قدر النعمة ولا شكر عليها، لكن إذا أصيب بمرض عرف قدر الصحة، بفقر عرف قدر الغناء، بخوف عرف قدر الأمن وهكذا، فوجود هذه الأشياء فيه فوائد عظيمة فيكون إيجادها خيرا وليس بشر، لكن هي نفسها فيها شر، كذلك وجود الأشياء المدمرة كالزلازل والعواسف والفيضانات وما أشبهها هي شر في نفسها لكن فيها خير عظيم فيكون إيجادها خيرا وليس بشر، إذا فيجب أن نبقي الآية على ظاهرها بدون تقدير وهو قوله: (( بيدك الخير )) ولا شر ينسب إلى الله، أما المفعولات فلاشك فيها خيرا وشرا . (( إنك على كل شيء قدير )) إنك على كل شيء قدير ومن قدرتك تغيير هذه الأشياء العظيمة: إيتاء الملك، نزعه، الإعزاز، والإذلال كل هذه أمور عظيمة لا يقوم بها إلا قادر سبحانه وتعالى، وقوله: (( إنك على كل شيء قدير )) الآية عامة فهو قدير على كل شيء على ما شاءه وما لم يشأه، قدير على ما شاءه وعلى ما لم يشأه، فما لا يشاءه قدير على إيجاده وما شاءه قدير على إيجاده إذا كان مقيدا بوقت على إعدامهم إن كان موجودا، المهم أن الله قدير على كل شيء، على إيجاد المعدوم وعلى إعدام الموجود سواء أراده أم لم يرده، وبهذا نعرف أن تقييد بعض الناس القدرة بالمشيئة خطأ، الذين يقولون: إنه على ما يشاء قدير هذا خطأ، لأن الله قادر على ما يشاء وما لا يشاء، ولكن ما شاءه لا يمكن أن يعجز عنه، وبهذا التقدير الأخير ـ أن ما شاءه لا يمكن أن يعجز عنه ـ يتبين الجواب عن قوله تعالى: (( وهو على جمعهم إذا يشاء على قدير )) وذلك أن المشيئة هنا ليست عائدة على القدرة ولكنها عائدة على الجمع يعني إذا أراد جمعهم وشاء جمعهم فهو قدير عليه لا يعجز عنه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب، لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير، قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير )) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى: (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ))
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب، لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير، قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير )) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى: (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ))
فوائد الآية : (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ... )) .
في هذه الآية من الفوائد أولا: تعليم الله عزوجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يفوض الأمر إليه في قوله: (( قل اللهم مالك الملك )) والخطاب الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم موجه لأمته إما عن طريق التأسي، وإما لأنه إمام والخطاب للإمام خطاب له ولم تبعه إلا إذا دل الدليل على أنه خاص به فيكون خاصا به . ومن فوائد الآية الكريمة: بيان تمام ملك الله سبحانه وتعالى وسلطانه، لقوله: (( قل اللهم مالك الملك )) كل ملك فالله مالكه، وسبق لنا أن المراد بالملك إما المملوك أو جنس الملك . ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى يؤتي الملك من يشاء، لقوله: (( تؤتي الملك )) . ومن فوائدها أيضا : أن ملك المخلوقين ليس ملكا استقلاليا بل هو بإعطاء، لقوله: (( تؤتي الملك )) والملك الذي بإعطاء لاشك أنه ناقص عم ملك المؤتي، وقد جاء في الحديث الصحيح: ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) . ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة لله في قوله: (( من تشاء )) وكل أمر قرن الله بالمشيئة فإنه مبني على الحكمة متى اقتضته شاءه الله، ودليل ذلك قوله تعالى: (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما )) . ومن فوائد الآية الكريمة: تمام ملك الله وسلطانه أيضا في كونه يحرم الملك من يشاء وينزعه بعد ثبوته ممن يشاء، لقوله: (( وتنزع الملك ممن تشاء )) . ومن فوائد الآية الكريمة: بيان أيضا تمام ملك الله وسلطانه بكون العزة من عنده (( تعز من تشاء )) ولكن سبق لنا في التفسير أن للعزة أيش؟ لا أن للعزة أسبابا منها الإيمان، لقوله: (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )) . ومن فوائدها أيضا: أن الله سبحانه وتعالى تام الملك والسلطان لكونه يذل من يشاء ولو بلغ ما بلغ من العزة البشرية فإن يد الله فوقه مهما بلغ الإنسان من العز فالله قادر على إذلاله ولذلك أمثلة كثيرة منها قصة فرعون فإن فرعون طغى وبغى وقال أنا ربكم الأعلى وافتخر بما عنده من الأنهار فأهلكه الله بمثل ما افتخر به بالماء غرق، عاد استكبروا في الأرض وقالوا: من أشد منا قوة؟ فأهلكهم الله تعالى بالريح وهي من ألطف الأشياء، لكنها من أشد الأشياء مع لطافته، فالله عز وجل يذل من يشاء . ويتفرع على هذه الفائدة: أننا متى علمنا أن الإعزاز والإذلال بيد الله فإننا لا نطلب العزة إلا به عزوجل، ولهذا نقول: من ابتغى العزة من غير الله فهو ذليل، فالعزة لا تطلب إلا من الله. وكذلك أيضا يتفرع على هذا: أنه ينبغي للإنسان أن يستعيذ بالله دائما من الذل الحسي والمعنوي، لأن الله تعالى هو الذي بيده الإذلال من شاء أذله ومن شاء أعزه.
فوائد الآية : ((.... بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )).
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى بيده الخير . ويتفرع على هذه الفائدة: أنه إذا كان الخير بيده فلا يطلب الخير إلا منه، لأنه لا أحد بيده الخير إلا الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يطلب منه الخير.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى بيده الخير . ويتفرع على هذه الفائدة: أنه إذا كان الخير بيده فلا يطلب الخير إلا منه، لأنه لا أحد بيده الخير إلا الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يطلب منه الخير.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى بيده الخير . ويتفرع على هذه الفائدة: أنه إذا كان الخير بيده فلا يطلب الخير إلا منه، لأنه لا أحد بيده الخير إلا الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يطلب منه الخير.
الرد على من يضيف الشر إلى الله.
ومن فوائدها: أن الشر لا يضاف إلى الله وإن كان عزوجل هو الذي خلق كل شيء لكن الشر لا يضاف إلى الله، لماذا؟ لأن أفعاله كلها خير، والشر في المفعولات، ثم هذا الشر في المفعولات قد يكون خيرا حتى في المفعولات نفسها قد يكون خيرا، فكم من مرض صار سببا لصحة الجسم، وكم من آفاة في الزروع وغيرها صارت أسبابا لنمو الاقتصادي من جهة أخرى مثلا، فالمهم أن الشر لا يضاف إلى الله عزوجل لأن فعله كله خير سبحانه وتعالى.
الرد على القدرية الذين يقولون أن الله لا يخلق فعل العباد.
ومن فوائد الآية الكريمة: عموم قدرة الله، لقوله: (( إنك على كل شيء قدير )) وهذا يشمل ما كان من أفعاله وما كان من أفعال الخلق، فيكون في ذلك رد على القدرية الذي يقولون إن الله لا يخلق أعمال العباد ولا يريدها، وأن الإنسان مستقل بعمله وإرادته، فنقول هل هذا بقدرة الله أو لا؟ إن قالوا بغير قدرة الله فد كذبوا عموم قوله تعالى: (( إنك على كل شيء قدير )) وإن قالوا بقدرة الله قلنا يلزم أن يكون مرادا ومخلوقا لله، لأنه مادام الأمر بقدرته فلابد أن يكون مخلوقا له ومرادا له .
خطأ الجلال السيوطي في تفسيره في قوله :(( ... وهو على كل شيء قدير )).
ومن فوائدها: الرد على كلمة وقعت من بعض المفسرين ومنهم الجلال السيوطي في قوله تعالى: (( لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير )) حيث قال: خص العقل ذاته فليس عليها بقادر، فإن هذه الكلمة كلمة باطلة، هو أراد معنى والله أعلم لكن تعبير بهذا خطأ، نقول إن الله تعالى قادر على كل شيء يتعلق بفعله أو بفعل عباده كل شيء يفعله الله فهو بقدرته سبحانه وتعالى كل شيء يفعل في العباد فهو أيضا بقدرته ، وهذا الاستثناء أو هذا التخصيص غير صحيح بل العقل يشهد لله بكمال أو بعموم القدرة وأنه على كل شيء قدير.
تتمة الفوائد : ((.... بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )).
ومن فوائد الآية الكريمة: الاستغناء بالثناء عن الدعاء، لأنك إذا تأملت الآية هذه لم تجد فيها دعاء أي طلبا لكن الثناء مما يتوسل به إلى الله، وقد مر علينا أن الدعاء تارة يكون بذكر حال الداعي وتارة يكون بالثناء وتارة يكون بهما وتارة يكون بالطلب وحده وكل ذلك جاءت به السنة، هنا الثناء يتضمن ما تدل عليه هذه الجمل، فإذا قلت: أنت الذي تعز وأنت الذي تذل فمعنى هذا أو فمقتضى هذا أنك تسأل الله أن يعزك ولا يذلك، ولهذا قال الشاعر:
إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء
أي ثناءه عليك يكفي عن تعرضه وسؤاله .
إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء
أي ثناءه عليك يكفي عن تعرضه وسؤاله .
تفسير الآية : (( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ... )) .
ثم قال الله تعالى: (( تولج الليل في النهار )) أي تدخل الليل في النهار وتدخل النهار في الليل، بمعنى أن الليل يدخل على النهار فيزيد الليل وينقص النهار، (( تولج النهار في الليل )) بالعكس يدخل النهار على الليل فيطول النهار ويقصر الليل، وهذا الفعل من الأفعال التي لا يقدر عليها إلا الله وحده هو الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ومع فإن هذا الإيلاج إيلاج بحكمة بتدرج، بتدرج يأتي قليلا قليلا حتى ينتهي ثم يعود، ما ظنكم لو أن الليل قفز من أطول الليل إلى أقصره ؟ لا ختل نظام العالم وفسد العالم وفسدت مواقيته ولكن الله عزوجل يجعله بالتدريج ليعلم الناس أوقاتهم وينبني أيضا على هذا الإدراج ينبني على ذلك تغير الفصول، فإنه إذا طال النهار طال زمن الوجود الشمس على سطح الأرض احتر الجو، وأيضا يكون شعاء الشمس عمودينا فيكون أشد تأثيرا في الحرارة مما إذا كان غير عمودي، والعكس بالعكس للشتاء، فيترتب على هذا الإيلاج زمن الفصول ومن رحمة الله عزوجل أن هذا الزمن الفصلي لا يأتي أيضا دفعة واحدة، ما ظنك لو انتقل الناس من أحر يوم في السنة إلى أبرد اليوم؟ ضر عظيم، أو بالعكس ؟ لكن رب الرحيم الحكيم يأتي هذا الشيء بتدرج، فمن الذي يستطيع أن يزيد في الليل ساعة أو في النهار ساعة؟ لا أحد يستطيع لو اجتمعت الأمة كلها كل الخلائق على أن يزيدوا ساعة في الليل أو ساعة في النهار ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا . وقوله: (( وتخرج الحي من الميت) ) الميت في الموضعين فيها قراءتان: (( الميت )) و(( الميت )) يعني بالتشديد والتخفيف، (( تخرج الحي من الميت )) هل المراد من (( الحي )) حياة حسية أو معنوية أوهما؟ الثالث هو المراد، وذلك لأن اللفظ صالح للمعنيين وإذا صلح اللفظ للمعنيين بدون تنافي بينهما فالواجب حمله عليهما، (( الحي )) حياة حسية أمثلتها كثيرة، فالإنسان مخلوق من نطفة وهي ميتة، ميتة بالمعنى اللغوي فصار حيا من جماد، ولهذا قال الله تعالى: (( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا ثم فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم )) كنتم أعصاب أمهاتكم أمواتا ليس فيكم أرواح ثم نفخ في الإنسان الروح فصار حيا، إذا (( يخرج الحي من الميت )) أي يجعل الميت حيا، كما قال تعالى: (( ثم أنشأناه خلقا آخر )) أو يخرج حيا ناميا متحركا من شيء لا ينموا فهو ميت كإخراج الفرخ من البيضة، فإن البيضة ميتة يخرج منها فرخ حي، طيب هذا الموت الحسي والحياة الحسية، والمعنوي: ((يخرج الحي من الميت)) أي المؤمن من الكافر، لأن المؤمن حي حياة قلبية والكافر ميت (( يخرج الحي )) العالم (( من الميت )) الجاهل كما قال تعالى: (( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها )) الأول هو العالم والثاني جاهل، هذا حياة الحسية والمعنوية . قال: (( وتخرج الميت من الحي )) الميت من الحي بالنسبة للحياة الحسية مثل البيضة من أين؟ من الدجاجة ميت من حي، وغير ؟ الميت من الحي ؟ وربما يتناول الميت إذا سقط من الحي يعني مرأة إذا أجهرت جنينا ميتا خرج مع أن هذا الجنين لا يتحرك لكن يخرج بقدرة الله يسوقه الله عزوجل حتى يخرج.، نعم؟ الحب من الشجر، الحب لا ينموا والشجر ينموا وهذه حياة خاصة حياة نباتية. المعنوي : يخرج المؤمن من الكافر، يخرج الكافر من المؤمن، ويخرج الجاهل من العالم كذا؟ نعم . قال: (( وترزق من تشاء بغير حساب )) (( ترزق )) تعطي ، (( من تشاء بغير حساب )) أي بغير عوض، لأن المحاسبة إنما تكون مع المعاوضة، فإن من لا يريد العوض لا يحاسبه لكن من يريد العوض هو الذي يحاسب حتى يعلم هل ما أخذه مقابل لما أعطاه أم لا، وأما من لا يحتاج إلى عوض أو من لا يأخذ عوضا فلا يحاسب، إذا ترزق من تشاء بغير عوض، لكن نفى الحساب الذي مقتضاه الذي لا يكون إلا بالمعاوضة أو من لازمه المعاوضة فالله سبحانه وتعالى يعطي بلا عوض، وما أكثر النعم التي أنعم الله به علينا ولكن لا يحاسبنا يعطينا منه سبحانه وتعالى تفضلا وكرما، وإن أمرنا بالشكر فشكرناه فهذا عطاء ثاني، فشكر الإنسان ربه على نعمته هو من نعمته أيضا هو من نعمته، ولهذا قال الشاعر:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة على له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر
البيتان معناها واضح يعني أن الله إذا وفقك لشكر نعمته فهذه نعمة تحتاج إلى شكر فإذا شكرتها يحتاج الشكر إلى شكر آخر وإذا شكرت الثالث يحتاج إلى رابع وهكذا ، ولهذا قال: فيكف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصلت العمر أي نعم، إذا يقول: (( ترزق من تشاء بغير حساب )) أي تعطي من تشاء بغير حساب، واعلم أن رزق الله عزوجل نوعان: رزق به قوام البدن، ورزق به قوام القلب والروح، أما الأول فيشمل المؤمن والكافر والبر والفاجر والمطيع والفاسد وحتى البهائم، ما هو؟ الرزق الذي به قوام البدن هذا شامل لكل أحد حتى الكافر مرزوق، وهل يدخل فيه الحرام ؟ نعم يدخل فيه الحرام حتى الذي لا يأكل ولا يشرب إلا حراما فهو برزق من الله رزق، لكنه رزق يقوم به البدن، والثاني ما يقوم به القلب والروح وهذا خاص بأهل الإيمان والعلم، هؤلاء رزقهم الله عزوجل ما تقوم به قلوبهم وأرواحهم، العلم لأن العلم بمنزلة الماء للشجرة، العلم للقلب بمنزلة الماء للشجرة لا يمكن أن تنموا بدونه، الإيمان كذلك، لا يمكن أن يقوم القلب ويصلح قلب إلا بالإيمان، وكلما ازداد القلب إيمانا بالله ازداد صلاحا، إذا الرزق نوعان ؟ عام وخاص، فالعام ما به قوام البدن، والخاص ما به قوام القلب والروح، إذا كل من رزقه الله ما به قوام القلب والروح فقد رزقه ما به قوام البدن، وليس كل من رزق ما به قوام البدن يكون قد رزق ما به قوام القلب والروح . قال: (( وترزق من تشاء بغير حساب )) كلمة: (( من تشاء )) نقول فيه ما سبق أي ما اقتضت حكمتك أن ترزقه، وأسباب الرزق كثيرة: إما حركة من الإنسان أو إمداد من الله، والحركة أيضا لا تنفع إلا بإمداد من الله، لكن أحيانا يرزق الإنسان بدون كسب بدون عمل مثل أن يموت له قريب فيرث منه، أو يخرج إلى البر ويحطتب وإن كان هذا نوع من العمل، وأحيانا يكون لابد من ممارسة عمل وتجارة وكل هذا من أسباب الرزق، بل من أسباب الرزق تقوى الله وليس معنى التقوى أن تعكف في المسجد وتتعبد، التقوى أعم من ذلك، الساعي على الأرملة والمساكين الذي يذهب ويطلب لهم الرزق ويقوم عليه يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( الساعي على الأرملة والمجاهدين كالمجاهد في سبيل الله ) إذا هذا دين أو غير دين؟ السعي على الأرملة والمساكين يذهب في أرض الله يطلب لهؤلاء الأرامل والمساكين وكل من لا يكتسب فهو مسكين حتى ولو كان من أولادك حتى ولو أنت غني وهذا الولد لا يكتسب فهو مسكين، فأنت إذا سعيت عليه كالمجاهد في سبيل الله قال وأحسبه قال كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر، فليس تقوى الله بأن يلزم الإنسان المساجد، تقوى الله أن يقوم بطاعة الله من أي جنس كانت حتى طلب الرزق لمن تجب عليك معونته يعتبر من تقوى الله عزوجل. نأخذ الفوائد:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة على له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر
البيتان معناها واضح يعني أن الله إذا وفقك لشكر نعمته فهذه نعمة تحتاج إلى شكر فإذا شكرتها يحتاج الشكر إلى شكر آخر وإذا شكرت الثالث يحتاج إلى رابع وهكذا ، ولهذا قال: فيكف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصلت العمر أي نعم، إذا يقول: (( ترزق من تشاء بغير حساب )) أي تعطي من تشاء بغير حساب، واعلم أن رزق الله عزوجل نوعان: رزق به قوام البدن، ورزق به قوام القلب والروح، أما الأول فيشمل المؤمن والكافر والبر والفاجر والمطيع والفاسد وحتى البهائم، ما هو؟ الرزق الذي به قوام البدن هذا شامل لكل أحد حتى الكافر مرزوق، وهل يدخل فيه الحرام ؟ نعم يدخل فيه الحرام حتى الذي لا يأكل ولا يشرب إلا حراما فهو برزق من الله رزق، لكنه رزق يقوم به البدن، والثاني ما يقوم به القلب والروح وهذا خاص بأهل الإيمان والعلم، هؤلاء رزقهم الله عزوجل ما تقوم به قلوبهم وأرواحهم، العلم لأن العلم بمنزلة الماء للشجرة، العلم للقلب بمنزلة الماء للشجرة لا يمكن أن تنموا بدونه، الإيمان كذلك، لا يمكن أن يقوم القلب ويصلح قلب إلا بالإيمان، وكلما ازداد القلب إيمانا بالله ازداد صلاحا، إذا الرزق نوعان ؟ عام وخاص، فالعام ما به قوام البدن، والخاص ما به قوام القلب والروح، إذا كل من رزقه الله ما به قوام القلب والروح فقد رزقه ما به قوام البدن، وليس كل من رزق ما به قوام البدن يكون قد رزق ما به قوام القلب والروح . قال: (( وترزق من تشاء بغير حساب )) كلمة: (( من تشاء )) نقول فيه ما سبق أي ما اقتضت حكمتك أن ترزقه، وأسباب الرزق كثيرة: إما حركة من الإنسان أو إمداد من الله، والحركة أيضا لا تنفع إلا بإمداد من الله، لكن أحيانا يرزق الإنسان بدون كسب بدون عمل مثل أن يموت له قريب فيرث منه، أو يخرج إلى البر ويحطتب وإن كان هذا نوع من العمل، وأحيانا يكون لابد من ممارسة عمل وتجارة وكل هذا من أسباب الرزق، بل من أسباب الرزق تقوى الله وليس معنى التقوى أن تعكف في المسجد وتتعبد، التقوى أعم من ذلك، الساعي على الأرملة والمساكين الذي يذهب ويطلب لهم الرزق ويقوم عليه يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( الساعي على الأرملة والمجاهدين كالمجاهد في سبيل الله ) إذا هذا دين أو غير دين؟ السعي على الأرملة والمساكين يذهب في أرض الله يطلب لهؤلاء الأرامل والمساكين وكل من لا يكتسب فهو مسكين حتى ولو كان من أولادك حتى ولو أنت غني وهذا الولد لا يكتسب فهو مسكين، فأنت إذا سعيت عليه كالمجاهد في سبيل الله قال وأحسبه قال كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر، فليس تقوى الله بأن يلزم الإنسان المساجد، تقوى الله أن يقوم بطاعة الله من أي جنس كانت حتى طلب الرزق لمن تجب عليك معونته يعتبر من تقوى الله عزوجل. نأخذ الفوائد:
فوائد الآية : (( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ... )) .
من فوائد الآية: تمام قدرة الله عزوجل وسلطانه في كونه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل . ومن فوائدها: إثبات حكمة الله، لأن هذا الإيلاج له حكمة عظيمة لا تقوم مصالح الخلق إلا بها، لأنه يترتب على هذا الإيلاج كما قلنا اختلاف فصول السنة التي يترتب على اختلافها نمو الأجساد والنبات، من النبات ما يكون شتويا ومن النبات ما يكون صيفيا . ومن فوائد هذا أيضا: أن الإنسان يعرف به ضعفه وافتقاره إلى ربه، إن جاء البرد صار يتطلب ما يطفئه، وإن جاء الحر صار يتطلب ما يبرده فهو محتاج إلى ربه في الحالين، ففي هذا وهذه من فوائد الحر والبرد. ومن فوائدها أيضا ويتفرع على ذلك: أن هناك أشياء مؤذية وهي ما يعبر عنه الطب الجراثيم لا يقتلها إلا شدة البرد، وأخرى لا يقتلها إلا شدة الحر وهذا شيء مشاهد، هذا أيضا من حكمة الله عزوجل المترتبة على إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل. ومن فوائد ذلك أي إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل : أن هذا الإيلاج يدل على كمال القدرة كما أسلفنا أولا إذ أنه لا أحد يستطيع أن يزيد ساعة من الليل في النهار أو من العكس، ولكن الله عزوجل هو الذي يقدر على هذا . ومن فوائد هذه الآية: تمام قدرة الله بسلطانه بإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي، ووجه ذلك ظاهر، فإن القادر على إخراج الشيء من ضده دليل على أن قدرته تامة وسلطانه نافذ سبحانه وتعالى . ومن فوائد الآية: أن الرزق بيد الله، لقوله: ((ترزق من تشاء)) ، ويترتب على هذا أنه ينبغي للعاقل فضلا عن المؤمن أن لا يطلب الرزق من أيدي الناس وإنما يطلبه من الله عزوجل، ولهذا جاءت النصوص بفضيلة العفة أن يستعف الإنسان عما في أيدي الناس، ولا يسأل، وكان من جملة ما بايع الصحابة رضي الله عنهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يسألوا الناس شيئا فكان سوط أحدهم يسقط من على بعيره وينزل إلى الأرض ليأخذه ولا يقول ناولني إياه، لأنهم بايعوا على أن لا يسألوا الناس شيئا، وهذا لاشك يجعل الإنسان يلجأ إلى من؟ إلى الله سبحانه وتعالى يلجأ إلى الله، ولكن لا بأس أن يسأل الإنسان ما يباح له سؤاله إنما تمام العفة أن لا يسأل الناس شيئا بل يجعل الأمر موكولا إلى الله سبحانه وتعالى . ومن فوائد الآية الكريمة: أن عطاء الله بلا عوض، لقوله: ((بغير حساب)) فالله تعالى لا يبيع عليك ثمر الذي تأكل أو الثوب الذي تلبس أو البيت الذي تسكن لا بل هو يرزق ويعطي بغير حساب، كل ما بنعم النعمة فمن الله . ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة لله عزوجل، في قوله: ((من تشاء)) وقد مر علينا في التوحيد أن لله مشيئة وإرادة وأن المشيئة ليس فيها انقسام وأن الإرادة تنقسم إلى كونية وشرعية، أما المشيئة فهي كونية يشاء سبحانه وتعالى كل شيء.
تفسير الآية : (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ... )) .
ثم قال الله عز وجل: (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين )) (( لا يخذ )) لا ناهية، ودليل كونها ناهية: أن الفعل بعدها مجزوم، أليس كذلك؟ بلى، ولكن لماذا كسر الفعل ؟ كسر لالتقاء الساكنين لأجل أن ينتقل اللسان من هذا المكسور إلى الساكن بسهولة، ولهذا صار أنسب ما يكون في التقاء الساكنين الكسر، أنسب ما يكون الكسر (( لا يتخذ )) لأن الكسر فيه انخفاض من أجل أن يترقع اللسان من المكسور إلى الساكن . يقول الله عز وجل: (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء )) أي لا يجعلوهم أولياء فيتخذوهم، وكلمة اتخذ تدل على اصطناع الشيء والركون إليه والتجاء إليه مثل قولك: اتخذت هذا صاحبا أي جعلته واصطنعت واخترت، فالمعنى: لا يختار المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين . وقوله: (( المؤمنون الكافرين )) كيف صار الكافرين مع أنها بعد اسم مرفوع ؟ ما هي نعت؟ لا تصح أن تكون نعتا ؟ لا ما تصح يختلف المعنى اختلافا عظيما، (( الكافرين )) مفعول اتخذ الأول، و (( أولياء )) مفعول ثاني نعم . وقوله: (( المؤمنون الكافرين أولياء )) (( أولياء )) هل يتخذونهم أولياء من أعلى؟ أو أولياء من أسفل؟ أوكلاهما؟ كلاهما، يشمل هذا وهذا، أي لا ينصروهم ولا ينتصروا بهم، فلا يتولون الكفار ولا يجعلون الولاية للكفار عليهم، النهي من الأمرين، اللهم إلا كما سيأتي إن شاء الله تعالى فيما استثني، لكن إذا كان الأمر فيه سعة والمؤمنون في قوة فإنهم لا يجوز لهم أن يتخذوا من الكافر من ينصرهم، لأن الكفار مهما كانوا (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدروهم أكبر )) فليس لنا حق أن نستعين بالكفار إلا إذا دعت الحاجة فلنا أن ننتصر بهم بأخذ السلاح وما أشبه ذلك بل هو بالعهد معهم أيضا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية دروعا فقال له أغصبا يا محمد ؟ قال بل عارية مؤداة فدل هذا على جواز الاستعانة بالمشرك بالسلاح، ونحن مثلا إذا أخذنا السلاح ما لنا وله؟ نحن الذين نستعمل السلاح ونتدرب عليه، كذلك حالف النبي صلى الله عليه وسلم خزاعة كما في صلح الحديبية حالفهم، لكن كان الناس في ذلك الوقت ليسوا على قوة فيجوز أيضا أن يحالف المسلمون الكفار إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لأنه قد يكون هذا من مصلحة المسلمين فإن المسلمين إذا كانوا ضعفاء تسلط عليهم كفار آخرون فإذا حال كفار أقوياء انتصروا بهم فصار في ذلك مصلحة، وأصل النهي عن ولاية الكفار هو من أجل أن لا يذل الإسلام بين أيديهم فإذا كان في مثل هذه الأمور مصلحة للمسلمين وقوة صار ذلك جائزا، هذا بالنسبة للانتصار بهم
اضيفت في - 2006-04-10