تفسير سورة آل عمران-19b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تتمة فوائد الآية : (( إن هـذا لهو القصص الحق وما من إلـهٍ إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم )) .
ولهذا يذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( من بورك له في شيء فليلزمه )، أي شيء بارك لك فيه وتشوف إنك مطمئن فيه، سيارة، بيت، زوجة، صاحب، أي شيء فالزمه فإنه خير من أن تتلقى، بعض الناس يقول والله اليوم زاد المستقني وباكر والمنتهى بعده الإقناع وبعده المهذب وبعهد المدونة لمالك كل يوم له كتاب، هذا يروح عليه الوقت ما يضيع شيء، لماذا؟ لأن الهدف لم يتحد، هؤلاء المشركون أيضا يعبدون اللات إذا لم تنفع راح إلى العزى إذا لم تنفع المنات، إذا لم تنفع منا أحجار ثلاثة يجعلها للقدر وواحد الرابع يجعله إله يعبده، إذا لم ينفع عجن عبري من التمر وجعله إله، إذا لم ينفع راح إلى الشمس والقمر، على كل حال إذا كانت العقدية السلمية بأن لا يتجه الإنسان إلا إلى الله ولا يعبد إلا الله فإنه يجد الراحة التامة، ولهذا قال: (( وما من إله إلا الله )) وفي هذا رد على النصارى الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، لأنه قال: (( ما من إله إلا الله )) والعجيب أن من سفه النصارى وضلالهم يقولون: الآلهة ثلاثة لكنها واحد، كيف ثلاثة واحد ؟ هل يمكن الثلاثة واحد ؟ إذا جعلت الثلاثة واحد صار ثلث، صاروا إله ثلث، وإله الثاني ثلث، وإله الثالث ثلث، أما أن يكون كل واحد مستقلا ثم تقول هم واحد هذا مكابرة للمعقول، إذا في الآية الكريمة (( وما من إله إلا الله )) رد على من؟ النصارى، على النصارى الذين يقولون إن المسيح عيسى بن مريم إله . وفي الآية الكريمة من الفوائد: إثبات العزة، بل تمام العزة لله، لقوله: (( وهو العزيز )) وأل هنا تفيد الاستغراق أي جميع أنواع العزة ثابتة لله سبحنه وتعالى . وفيها إثبات الحكمة لله في قوله: (( الحكيم )) وإثبات الحكم أيضا . فيتفرع على هذا أنه لا حاكم إلا الله، الحكومة السلطانية القدرية والحكومة الشرعية هي لله وحده، فمن سيطر على الخلق بالحكم السلطاني ولم يراقب الرب فقد شارك الله أو فقد جعل نفسه شريكا لله في هذا الحكم، ومن شرع للناس قوانين مخالفا لشرعه فقد جعل نفسه شريكا مع الله، واتخذ لنفسه منصبا لا يستحقه، لأن الذي يشرع ويحكم هو الله عز وجل (( وإن الله لهو )) لا سواء (( العزيز الحكيم )) . ويتفرع على هذا أيضا: أن واجبنا نحو أحكام الله الكونية والشرعية التسليم والرضاء والقناعة وأن لا نطلب سواه، لأن نعلم أنها مبنية على الحكمة، ولهذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم إذا قضى الله، بل كل مؤمن ما هو السلف الصالح فقط ـ كل مؤمن إذا قضى الله ورسوله أمرا لم يكن لهم الخيرة من أمره، حتى إنهم يجيبون إذا سئل عن الحكمة يجيبون بقال الله وقال الرسول، عائشة لما سألتها المرأة: ( ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، والمؤمن حقا العابد حقا هو الذي يقتنع بما لا يعرف حكمته كما يقتنع بما يعرف حكمته، هذا المؤمن حقا، أما لا يقتنع بحكم الله إلا إذا عرف حكمته فهو في الحقيقة ليس عبادا لله على وجه الكمال، بل عابد لهواه، إن تبين له الحكمة اقتنع وإن لم تتبين لم يقتنع، ولهذا نرى أن في إيجاب رمي الجمرات وهي الحصا في مكان معين نرى أن فيها مع إقامة ذكر الله عز وجل الذي نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أيش؟ تمام العبودية، تمام العبودية وكمالها، لأن كون الإنسان يحمل حصا يرميها في مكان معين تعبدا لله هذا من كمال العبودية، كون الإنسان مثلا يصلي أو يتجنب الزنا خوفا من الله ورجاء للثواب في الصلاة واضح الحكمة فيها، لكن كونه يرمي الحجرات الحصاة في مكان معين قد لا تتبع الحكمة لو لا أن الرسول أخبرنا بأنها لإقامة ذكر الله وفيها تمام العبودية، فالمهم أنك متى آمنت بأن الله له الحكمة في حكمه الكوني والشرعي ازددت القناعة والرضا بما حكم به، أما الحكم الكوني فسترضى أو سينفذ عليك رضيت أو ما رضيت ، لكن الشأن كل الشأن في الحكم الشرعي هو الذي باختيارك، أما الكوني فليس باختيارك سيكون عليك مهما كان الأمر .
1 - تتمة فوائد الآية : (( إن هـذا لهو القصص الحق وما من إلـهٍ إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم )) . أستمع حفظ
قوله تعالى مخبرا عن قول اليهود :(( عزير ابن الله )) هل فيه أنهم اتخذوا إله ثالثا مثل النصارى.؟
السائل : قوله تعالى مخبرا عن اليهود بأنهم قالوا: (( عزير ابن الله )) هل فيه أنهم اتخذوا إلها ثالثا مثل النصارى ؟
الشيخ : لا ما هو بصريح هذا، ما هو بصريح بالألوهية ، لأن البنوة دون مرتبة الأبوة، لكن النصارى صرحوا بهذا، ولهذا يقول الله لعيسى بن مريم: (( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله )) ؟
الشيخ : لا ما هو بصريح هذا، ما هو بصريح بالألوهية ، لأن البنوة دون مرتبة الأبوة، لكن النصارى صرحوا بهذا، ولهذا يقول الله لعيسى بن مريم: (( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله )) ؟
2 - قوله تعالى مخبرا عن قول اليهود :(( عزير ابن الله )) هل فيه أنهم اتخذوا إله ثالثا مثل النصارى.؟ أستمع حفظ
ما هو الفرق بين الهيئة والصورة.؟
السائل : شيخ ما هو الفرق بين الهيئة والصورة ؟
الشيخ : الهيئة قد تكون في الأفعال والأقوال، والصورة قد تكون في الأجساد ،
السائل : الشكل ؟
الشيخ : شكل الجسم نعم.
الشيخ : الهيئة قد تكون في الأفعال والأقوال، والصورة قد تكون في الأجساد ،
السائل : الشكل ؟
الشيخ : شكل الجسم نعم.
في الآية : (( إن هـذا لهو القصص الحق )) هل هذا تأكيد.؟
السائل : في قوله تعالى: (( إن هذا لهو القصص الحق )) هل هذا تأكيد ؟
الشيخ : لا ، هذا مستفاد من الأخذ ما يقال تأكيد، إذا قلت: هذا حق هل فيه توكيد ؟ الجملة نفسها ما فيها تأكيد، لكن الحق مفهوم من المعنى .
الشيخ : لا ، هذا مستفاد من الأخذ ما يقال تأكيد، إذا قلت: هذا حق هل فيه توكيد ؟ الجملة نفسها ما فيها تأكيد، لكن الحق مفهوم من المعنى .
كيف نرد على شبهة النصارى أنهم يقولون نؤمن بإله واحد .؟
السائل : شيخ أحسن الله إليك، إذا قيل للنصارى: كيف تقولون إن الله ثالث ثلاثة هم يقولون نحن نؤمن بإله واحد فكيف نرد عليهم ؟
الشيخ : طيب تؤمن بما لا حقيقة له ؟ لكن هذا من ضلالك أن تؤمن بأن ثلاثة صاروا شيئا واحدا ، هذا من ضلالك ، هو لو قال إنه صفات قلنا نعم يمكن يتصف بألف صفة لكن هم يقولون ذوات أعيان عيسى وأمه والرب عز وجل، صاروا واحد، كيف صاروا واحدا ؟
الشيخ : طيب تؤمن بما لا حقيقة له ؟ لكن هذا من ضلالك أن تؤمن بأن ثلاثة صاروا شيئا واحدا ، هذا من ضلالك ، هو لو قال إنه صفات قلنا نعم يمكن يتصف بألف صفة لكن هم يقولون ذوات أعيان عيسى وأمه والرب عز وجل، صاروا واحد، كيف صاروا واحدا ؟
هل من حرج في البحث عن حكمة الله في أفعاله.؟
السائل : هل من حرج أن نبحث حكمة الله تعالى في أفعاله ؟
الشيخ : على كل حال البحث في الحكمة لاسترشاد هذا لا بأس به، البحث عن الحكمة لاسترشاد لا بأس به، ولهذا لما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام النساء بأنهم أكثر أهل النار قلن: بم يا رسول الله؟ علمهن ويش الحكمة قال: ( تكثرن اللعن وتكفرن العشير ) فالذي يسأل عن الحكمة للاطمئنان لاشك أنه لا بأس به ، لكن يسأل الحكمة يقول إن علمت بالحكمة وإلا فلا قبول هذا ما صار مؤمنا .
الشيخ : على كل حال البحث في الحكمة لاسترشاد هذا لا بأس به، البحث عن الحكمة لاسترشاد لا بأس به، ولهذا لما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام النساء بأنهم أكثر أهل النار قلن: بم يا رسول الله؟ علمهن ويش الحكمة قال: ( تكثرن اللعن وتكفرن العشير ) فالذي يسأل عن الحكمة للاطمئنان لاشك أنه لا بأس به ، لكن يسأل الحكمة يقول إن علمت بالحكمة وإلا فلا قبول هذا ما صار مؤمنا .
ما هو الفرق بين الحكم الشرعي والكوني.؟
السائل : قلنا يا شيخ الحكم كوني والشرعي ، الحكم الكوني ما يحبه الله وما لا يحبه ، والشرعي ما يحبه ، ما يصير بما لا يحبه مثل (( لا تقربوا الزنا )) هذا شرعي فهل الله يحبه ؟
الشيخ : الحكم ما هو الآن ؟
السائل : (( لا تقربوا الزنا )) ،
الشيخ : نهي،
السائل : لكن الزنا مكروه ،
الشيخ : أيه مكروه لكن قلنا المحبوب إلى الله إما فعل وإلا ترك، إن كان تركا فهو منهي عنه وإن كان فعلا فهو مأمور به ،
السائل : يعني شرعي بس ما يحبه الله ؟
الشيخ : فيما يحب الله، لكن إن الله قد يحب الترك فينهانا وقد يحب الفعل فيأمرنا
الشيخ : الحكم ما هو الآن ؟
السائل : (( لا تقربوا الزنا )) ،
الشيخ : نهي،
السائل : لكن الزنا مكروه ،
الشيخ : أيه مكروه لكن قلنا المحبوب إلى الله إما فعل وإلا ترك، إن كان تركا فهو منهي عنه وإن كان فعلا فهو مأمور به ،
السائل : يعني شرعي بس ما يحبه الله ؟
الشيخ : فيما يحب الله، لكن إن الله قد يحب الترك فينهانا وقد يحب الفعل فيأمرنا
إذا كنا نصدق بالقرآن سواء أكد أو لم يأكد فما هي الفائدة من توكيده.؟
السائل : إذا كنا نصدق بالقرآن سواء أكد أو لم يؤكد فما هي الفائدة من توكيده ؟
الشيخ : ويش تقولون في هذا ؟ يقول أخ خالد إذا كنا نصدق بالقرآن سواء أكد أو ما أكد ويش الفائدة من التوكيد ؟ الرد على الفعل ، ما كل واحد يصدق بالقرآن، لكن قد يقول: إذا كان غير مصدق ما هو مصدق سواء أكد أو ما أكد ، تقول هذا غير صحيح غير وارد . أولا: لأن الكلام القرآن جرى على أسلوب عربي، الثاني: أن الشيء المؤكد لابد أن تقتنع به النفوس أكثر حتى لو كان غير مؤمن لابد أن تقترن أكثر.
الشيخ : ويش تقولون في هذا ؟ يقول أخ خالد إذا كنا نصدق بالقرآن سواء أكد أو ما أكد ويش الفائدة من التوكيد ؟ الرد على الفعل ، ما كل واحد يصدق بالقرآن، لكن قد يقول: إذا كان غير مصدق ما هو مصدق سواء أكد أو ما أكد ، تقول هذا غير صحيح غير وارد . أولا: لأن الكلام القرآن جرى على أسلوب عربي، الثاني: أن الشيء المؤكد لابد أن تقتنع به النفوس أكثر حتى لو كان غير مؤمن لابد أن تقترن أكثر.
ما حكم التسمي بعزيز مصغرا وعزوز.؟
السائل : عندنا شيخ رجل اسمه عبد العزيز فبعض يسميه العزيز ؟ يعني صفة العزة للإنسان يعني ؟
الشيخ : المؤمنون لهم العزة والرسول له العزة ، والإنسان الذي يقول عزيز يسمي ابنه عزيز مثل الذي سمى ابنه حكيم في عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، الصحابة من اسمه حكيم، وحكيم قرينة عزيز يعني أن كلمة عزيز لا يقصد المسمي بها المعنى الذي اشتقت منه، وإنما يقصد منها مجرد العلم فقط، ولهذا نقول ليس فيها شيء نعم .
الشيخ : المؤمنون لهم العزة والرسول له العزة ، والإنسان الذي يقول عزيز يسمي ابنه عزيز مثل الذي سمى ابنه حكيم في عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، الصحابة من اسمه حكيم، وحكيم قرينة عزيز يعني أن كلمة عزيز لا يقصد المسمي بها المعنى الذي اشتقت منه، وإنما يقصد منها مجرد العلم فقط، ولهذا نقول ليس فيها شيء نعم .
قلنا أن الحكم الشرعي والكوني كلاهما مقرون بالحكمة الصورية والحكمة الغائية فما المراد بالصورية.؟
السائل : شيخ قلنا إن الحكم الشرعي والكوني كلاهما مقرون بالحكمة الصورية والحكمة الغائية فيما المراد بالصورية ؟
الشيخ : يعني كون الشيء على هذا الوجه موافق للحكمة يعني كون مثلا الإنسان يمشي على رجليه موافق للحكمة لكن لو يمشي على رأسه ؟ غير موافق للحكمة ،
السائل : الغاية ؟
الشيخ : الغاية الله قال إن الله خلق الإنسان للعبادة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم (( إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين قل يا أيها الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك بالله ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون قل يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم والذين وما أنزل في التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون في ما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) .
الشيخ : يعني كون الشيء على هذا الوجه موافق للحكمة يعني كون مثلا الإنسان يمشي على رجليه موافق للحكمة لكن لو يمشي على رأسه ؟ غير موافق للحكمة ،
السائل : الغاية ؟
الشيخ : الغاية الله قال إن الله خلق الإنسان للعبادة .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم (( إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين قل يا أيها الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك بالله ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون قل يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم والذين وما أنزل في التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون في ما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) .
10 - قلنا أن الحكم الشرعي والكوني كلاهما مقرون بالحكمة الصورية والحكمة الغائية فما المراد بالصورية.؟ أستمع حفظ
تفسير الآية : (( فإن تولوا فإن الله عليمٌ بالمفسدين )) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . قال الله تعالى: (( فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين )) هذا مبتدا درس الليلة وقد أخذنا فوائد الآية السابقة . قال: (( فإن تولوا )) الضمير يعود على هؤلاء النصارى الذين طلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم المباهلة فقال: (( فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )) وسبق أنهم امتنعوا عن المباهلة لأنهم يعلمون أنهم لو باهلوا لأخذهم العذاب، لأن الرسول صلى الله علي وسلم حق وهم على باطل . يقول الله عز وجل: (( فإن تولوا )) يعني عن المباهلة وعن إتباعك يا محمد فإنما هم مفسدون، ولهذا قال: (( فإن الله عليم بالمفسدين )) ولم يقل: عليم بهم، بل أظهر في موضع الإضمار، الإظهار في موضع الإضمار له فوائد، الفائدة الأولى: التسجيل أو انطباق الوصف في هذا المظهر على من يعود عليه، يعني أن هذا الوصف الذي جعل في موضع الضمير ينطبق على مرع الضمير فكأنه قال: فإن تولوا فإن الله عليم بهم، لكن وصفهم بالفساد . الفائدة الثانية: العموم، لأنه لوجاء الضمير هنا حسب السياق فإن الله عليم بهم، اختص العلم بمن؟ بهم هم ، فإذا قال: (( بالمفسدين )) صار عاما فيهم وفي غيرهم . الفائدة الثالثة: أن هذا الفعل الذي حصل من هؤلاء الذين جعل الإظهار في موضع الإضمار عنهم هو نوع من هذا الوصف الذي عبر به في موضع الضمير يعني أن فعلهم فساد وهو التولي والإعراض عن دين الله
فوائد الآية : (( فإن تولوا فإن الله عليمٌ بالمفسدين )) .
ففي هذه الآية الكريمة: تهديد من تولى عن دين الله عز وجل، ووجه ذلك: قوله: (( فإن الله عليم بالمفسدين )) لأن المقصود من ذكر علمهم بهم تهديده، وأنه لا يخفى عليه حالهم وسيعاقبهم بما تقتضيه حالهم . ومن فوائد الآية الكريمة: أن التولي عن دين الله فساد، كما قال الله تعالى: (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )) . وهل التولي نفسه فساد أو أنه سبب للفساد ؟ الجواب على هذا أن نقول: هو فساد وسبب للفساد، ووجه كونه فسادا أنه إذا تولي عن دين الله حل محله ما سواه، ومعلوم أن دين الله صلاح وما سواه فساد، ولهذا نجد القوانين المحكمة في عباد الله لا تصلح الخلق، لا يصلح الخلق منها إلا ما وافق الشرع، وأما ما خالف الشرع فإنه فساد مهما كان واضع القوانين في الذكاء والفهم لأحوال الناس فإنهم إذا وضعوا القوانين ما يخالف شرع الله فإنه فساد في كل حال، إذا نفس التولي فساد ثم هو أيضا سبب للفساد، لأن الج والقحط وضيق الرزق والفتن كلها سببها المعاصي قال الله تعالى: (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) وقال الله تعالى: (( ولو أن أهل القرى آمنوا وتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون )) وقال الله تعالى: (( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقه الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ))، إذا فالتولي عن شريعة الله أيش؟ فساد وسبب للفساد . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن كل من تولى عن دين الله فهو مفسد، كل من تولى عن دين الله فهو مفسد وإن زعم أنه مصلح، لقوله: (( فإن الله عليم بالمفسدين )) ولهذا قال كثير من المفسرين في قوله تعالى: (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) أي لا تفسدوها بالمعاصي، فكل عاص فهو مفسد شاء أم أبى، وكل مطيع لله فهو مصلح، لأن بضدها تتبين الأشياء، فإذا كان العاصي مفسدا فالطائع مصلح، لكن الطائع في الحقيقة قد يكون صالحا بنفسه غير مصلح لغيره وقد يكون صالحا لنفسه مصلحا لغيره، فإذا كان عابدا داعيا إلى الله صار صالحا مصلحا وإذا كان عابدا غير داعيا لله صار صالحا غير مصلح لكنه ليس على وجه التمام في الصلاح لأن من تمام الصلاح أن تدعوا إلى الله عز وجل .
تفسير الآية : (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ... )) .
ثم قال الله تعالى: (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )) الخطاب في قوله: (( قل )) للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد مر بنا قاعدة: أن الله تعالى إذا صدر الشيء بقل الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقتضي زيادة العناية به، لأنه أمر بأن يبلغ هذا الشيء لخصوصه، وإلا فجميع القرآن مأمور للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقوله، (( قل يا أهل الكتاب )) أهل الكتاب يعني بهم اليهود والنصارى وعلى هذا فالمراد بالكتاب الجنس ليكون شاملا لأيش؟ ذكرت أن المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى، وقلت: على هذا يكون الكتاب الجنس ليكون شاملا؟ التوراة والإنجيل، فيا أهل الكتاب يعني يا أهل التوراة والإنجيل، وإنما خاطب هؤلاء بأهل الكتاب أو وصفهم بذلك لأنه لا يوجد كتب منزلة باقية آثارها إلا التوراة والإنجيل، ولهذا سموا أهل الكتاب وإلا فإنه ما من رسول إلا ومعه كتاب يدعوا به كما قال الله تعالى: (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم )) معهم يعني مع الرسل (( الكتاب والميزان )) لكن الكتب التي بقيت وأثرت وإن كان فيها شيء من التغيير هي التي عند اليهود والنصارى . (( يا أهل الكتاب )) من المراد بهم ؟ اليهود والنصارى . هنا لو قال لنا قائل: (( أهل الكتاب )) فسرها بمرادها وبلفظها ؟ نقول نفسرها بلفظها أي يا أصحاب الكتاب، يا من حملتم الكتاب، هذا يسمى تفسير لفظا، أما التفسير المراد يعني مراده اليهود والنصارى، فالتفسير اللفظي هو الذي يفسر الكلمة بقطع النظر عن المراد بها، والتفسير المراد الذي هو مقصود الكلام هم من يراد بالكلام . (( تعالوا )) يعني أقبلوا، وتعال فعل أمر وليس اسم فعل خلافا لمن زعم من النحويين أنها اسم فعل، والدليل على أنها فعل: لحقوق الفاعل بها يعني اتصال الضمير بها واسم الفعل لا يتصل به الضمير، تقول تعالوا للجماعة، تعاليا لمن؟ للمثنى، تعاليين لجماعة الإناث، تعالي للواحدة، فإذا هي فعل يعني أقبلوا، بخلاف هلم، هلم هذه اسم فعل، الدليل ؟ لأنها لا تتغير ولا يلحقها الضمير (( والقائلين لإخوانهم هلم إلينا )) ولم يقل: هلموا إلينا، (( تعالوا )) أقبلوا إلينا، إلى كلمة وفسرها بقوله: (( ألا نعبد إلا الله ))، لكن وصف هذه الكلمة قبل أن يفسرها (( سواء)) سواء يعني عدل، لأن سواء هنا مصدر بمعنى اسم الفاعل أي مستوية ليس فيها حيل، مستوية بيننا وبينكم والمستوية بين الضد وضده يعني أنها عدل ليس فيها جنف من هؤلاء ولا من هؤلاء، سواء، إذا سواء مصدر أيش؟ بمعنى اسم الفاعل أي مستوية بيننا وبينكم أي يعني عدل لا فيها ميل لنا ولا ميل لكم، (( بيننا وبينكم )) المضير في بيننا يعود على المسلمين (( وبينكم )) الضمير على أهل الكتاب، ما هذه الكلمة ؟ (( ألا نعبد إلا الله )) هذه الكلمة سواء كل الرسل متفقون على هذه الكلمة من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم، (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا )) أحمد ؟ (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا )) كملها ؟ شرطتها ؟ أجب بالصدق ؟ هل شرطت أو لا؟ طيب (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) نعم، فإذا كانت الرسل عليه الصلاة والسلام متفقين على هذه الكلمة إذا فإذا دعوناكم إليها فهذا عدل ليس فيها حيز، (( سواء بيننا وبينكم )) هي (( ألا نعبد إلا الله )) وعلى هذا فيكون موضع قوله: (( ألا نعبد إلا الله )) الجر على أنها عطف بيان لأيش ؟ لكلمة، عطف بيان لكلمة، ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف أي هي ألا نعبد، هي ألا نعبد، طيب قوله: (( ألا نعبد )) نعبد أي نذل ونخضع لغيره الله عز وجل، لا نخضع ولا نذل الذل المطلق إلا لله وحده عز وجل، لأن العبادة يراد بها الذل والخضوع الكامل المطلق ويراد بها المتعبد به يعني تطلق على معنيين: تطلق على فعل العبد، وتطلق على مفعول العبد، انتبه ! العبادة تطلق على فعل العبد وعلى مفعول العبد، فإذا كانت على فعله فهي التذلل والخضوع، وإذا كانت على مفعوله فهي العبادات التي يقوم بها والتي فسرها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه . وهنا (( ألا نعبد )) إما أن يقال بشمولها للمعنيين وإما المراد بها فعل العبد يعني ذل العبد وخضوعه، (( إلا الله )) وحده، واستفدنا الوحدانية هنا من أيش؟ من الحصر، لأن لا نافية وإلا مثبتة، وإذا جاء الكلام بهذه الصيغة نفي وإثبات صار دالا على الحصر. من يخالف في هذا ؟ يخالف النصارى ما يعبدون الله وحده، يعبدون من؟ عيسى وأمه، وكذلك اليهود قالوا عزير ابن الله . (( ولا نشرك به شيئا )) لا نشرك الإشراك معناه تسمية، وشيئا نكرة في سياق النفي فتعم كل شيء، وهذا تحقيق للتوحيد، انتبه ! تحقيق كيف كان تحقيقا ؟ لأن المراد بهذا النفي إثبات كمال الضد، فهنا المنفي الإشراك لإثبات كمال الضد وهو التوحيد أي أن نعبده عز وجل عبادة لا شرك فيها، وذلك أن العبادة قد يكون فيها شرك، قد يكون الإنسان عابدا لله لكن العبادة مخلوطة بالشرك، فإذا قلت: أعبد ربك ولا تشرك به، صارت عبادة خالية من الشرك، ولهذا نعتبر الجملة الثانية (( ولا نشرك به شيئا )) نعتبرها من حيث المعنى توكيدا للتوحيد في قوله: (( ألا نعبد إلا الله )) وقوله: (( شيئا )) يشمل أي شيء كان من بشر أو ملك أو جن أو جماد أي شيء، واستفدنا هذا العموم من أين؟ من أنها نكرة في سياق الشرط ، في سياق النفي والنكرة في سياق النفي للعموم . أضرب لكم مثلا يبين لكم هذا: إذا قلت لك: افعل شيئا، ففعلت شيئا من الأشياء وتركت أشياء هل هذا للعموم ؟ لا، افعل شيئا، شيئا ما هي للعموم، لأنها نكرة لكنها في سياق الإثبات، وإذا قلت: لا تفعل شيئا، صارت للعموم يعني أي شيء تفعله فأنت مخالف، ولهذا من قواعد الأصول عندهم أن النكرة في سياق الإثبات للإطلاق، والنكرة في سياق النفي للعموم ، كذا عبد الرحمن ابن داود ؟ النكرة في سياق الإثبات للإطلاق، والنكرة في سياق النفي للعموم، طيب النكرة في سياق الإثبات للإطلاق وفي سياق النفي للعموم . أنا ذكرت لك قبل قليل إذا قلت: افعل شيئا، ولندع افعل شيئا ونأتي بمثال أوضح لأن أخ عبد الرحمن يقول ما اتضت، أعتق رقبة، هذا لأيش ؟ للإطلاق ؟ يعني أي رقبة تكون أعتق يحصل المقصود، لا تعتق رقبة، هذا للعموم لو عتقت أي رقبة فأنت مخالف، وذاك لو أعتقت أي رقبة أجزأ فالفرق هو هذا، اشترني ثوبا فاشتريت ثوبا أي ثوب كان نظيف وسق جديد أحمر أسود أيا كان، لا تشتري ثوبا، هذا للعموم، أي ثوب تجيبها خطأ أنا قلت لك لا تشتري، فالنكرة في سياق النفي للعموم والنكرة في سياق الإثبات للإطلاق . قال: (( ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )) والله هذا العدل، يعني لا تتخذونا نحن نحرم ونحلل ونفرض عليكم ما نحلل ونحرم، ولا تفرضوا علينا أنتم ما تحللون وتحرمون، لأن الذي يحلل ويحرم ويطاع قد اتخذ ربا كما جاء في الحديث في قوله تعالى: (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )) قال عدي بن حاتم: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: نعم، قال: فتلك عبادتهم) والأمر ظاهر طاعة الغير في التحليل والتحريم شرك في الطاعة والتشريع، فهو يقول: (( نعبد الله ولا نشرك به شيئا )) هذه باعتبار العبادة، (( لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )) هذا باعتبار التشريع يعني ما نلزمكم بما نقول ولا تلزمونا بما تقولون، إذا من المرجع؟ ولهذا قال: (( من دون الله )) أما إذا كان بالله فأنتم تلزموننا ونحن نلزمكم، نحن لم نقل اجعلونا ربا نفرض عليكم ما نشاء أو نجعلكم ربا تفرضون علينا ما تشاءون من دون الله، لكن إذا كان هذا بإذن الله ووحيه وشرعه واجب عليكم، واضح يا جماعة ؟، إذا هذا تمام العدل في العبادة وفي التشريع، نحن لا نلزمكم ولا تلزمونا بشيء دون الله، (( ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )) إذا هو تمام العدل والإنصاف في المحاجة والمناظرة أن تكون الكلمة سواء لا نجنف ولا يجنف علينا فإن تولوا أعرض ولم يأتوا لهذه الكلمة السواء فأعلنوها أنتم من أجل أن يبوءوا بالإٍثم، ولهذا قال: (( فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )) يعني منقادون لله تمام الانقياد ولن نعبأ بكم، فصارت هذه الآية تدعوا اليهود والنصارى إلى أيش؟ إلى العبادة إلى التوحيد والإسلام وإلى العدل، إلى العدل، تفضلوا إيتوا احضروا تعالوا (( كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )) هذا هو العدل، (( فإن تولوا )) فإنهم لا يريدون الخير، أعلنوها أنتم (( فقولوا اشهدوا )) شف التحدي (( اشهدوا بأنا مسلمون ))، وإذا أشهدناهم بأننا مسلمون فهو إعلان بأنهم غير مسلمين، بأنهم غير مسلمين إذ لو كانوا مسلمين لانقادوا لهذه الكلمة السواء بيننا وبينهم ومعلوم أنهم لو انقادوا لهذه الكلمة لزمهم أن يؤمنوا بالرسول عليه الصلاة والسلام محمد، لأن الذي جاء بالعبادة الصحيحة هو محمد عليه الصلاة والسلام .
13 - تفسير الآية : (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ... )) . أستمع حفظ
فوائد الآية : (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ... )) .
في هذه الآية الكريمة: بيان أو أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعوا أهل الكتاب إلى هذه الكلمة السواء، لقوله: (( قل يا أهل الكتاب )) . وهنا سؤال: هل الرسول قال ذلك ؟ نعم قالها حتى كان يكتب بها إلى الملوك، لما كتب إلى كسرى ما كتب وغيره يكتب: (( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )) لكنه يقول: (( قل يا أهل الكتاب )) من كمال أدبه، إذا قال: (( قل يا أهل الكتاب )) فكأنه يقول إنما كتبت لكم هذه الآية بأمر من؟ بأمر الله، لكن لو قال: يا أهل الكتاب بدون قل لكان فيه احتمال أنه كتبها من عند نفسه، المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك ودعاهم إلى هذه الكلمة، لكنهم أبوا امتنعوا، لأنهم مصرون معاندون إلا من هدى الله، هدى الله من النصارى أقواما ومن اليهود أقواما ومن المشركين أقواما . من فوائد هذه الآية الكريمة: التنزل مع الخصم لإلزامه بالحق، كيف ذلك ؟ لأنه قال: (( سواء بيننا وبينكم )) مع أن الحق مع من؟ ما فيه شك مع الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن من أجل إلزاما الخصم وإقامة الحجة عليه أتنزل معه وقلت انزل كلمة عدل بيننا وبينكم . ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب استعمال العدل في المناظرة حتى مع العدو، لأن الرسول أمر بأن يعلن هذا، وإذا كان هذا واجبا في مناظرة المسلمين مع الكفار فهو في مناظرة المسلمين بعضهم مع بعض أوجب و أوكد، ولهذا نقول: من الخطأ العظيم أن بعض الناس إذا رأى رأيا قال إنما سواه خطأ وخطأ غيره، هو قد يكون خطأ باعتبار اعتقاده ما ننكر عليه يعني إذا قال هذا القول خطأ باعتبار اعتقادي ما ننكر عليه، لأنه من المعلوم أنه إذا اختار ضده فهو عنده خطأ ولا ينكر عليه، لكن الإنكار أن يخطأ من قال به، أن يخطأ من قال به وهذا فرق دقيق، فرق بين أن أعتقد أن هذا القول خطأ ولا آخذ به وبين أن أخطأ من قال به، لأني إذا خطأته ادعيت العصمة لي والزلل له وهذا خطأ، هذا الخطأ، ولهذا يجب في المناظرة بين المسلمين كما يجب في المناظرة بين المسلمين والكفار أن تكون بالعدل، من المعلوم أن الميزان العدل في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كتاب الله وسنة رسوله، ولكن المشكل أنه ليس كل أحد يفهم الكتاب والسنة كما ينبغي يعني ومن الناس من يكون ظاهريا محضا لا ينظر إلى مقاصد الشريعة ومعانيها العظيمة التي يقصد بها إصلاح الخلق، فتجد مثلا يريد أن ينفذ شيئا من المسائل الذي لا تعتر ذات شأن كبير في الإسلام وإن فات بذلك مصلحة عظيمة كبيرة، منها مسائل الخلاف التي يظهر فيها النزاع والمباينة بين المسلمين، ولها أمثلة كثيرة ممكن تفهمونها، تجد مثلا بعض الناس يقول لابد أن ننفذ هذا الشيء وإن كانت السنة وإن كان يلزم على تنفيذه تفرق المسلمين وعداوتهم والبغضاء بينهم لا ينظر إلى أن الشرع في الحقيقة مبني على الإلفة، مبني على الإلفة وائتلاف القلوب، حرم البيع على بيع مسلم لأن ذلك يؤدي إلى العداوة والبغضاء، النجش، الخطبة على خطبة أخيه ، أشياء كثيرة إذا تأملتها وجدت أن هذا الشرع يرمي إلى أن يأتلف الناس وتتفق القلوب واتحاد الأهداف، وأن المسائل الجزئية إذا خيف منها الفتنة تترك، والحمد لله هل عليك لوم إذا تركت الأدنى للأعلى؟ ليس عليك لوم بل لك المدح، اللوم أن تفعل الأدنى لتفرط في الأعلى هذا اللوم، ولهذا نعلم علم اليقين أن الصحابة أفقه منا بكثير وأقوم منا في أعمالهم وأنهم أشد من حبا لشريعة الإسلام ومع ذلك يتوافق بعضهم مع بعض في أمور لا يرونها لكن من أجل المصلحة واتفاق القلوب، ولا يخفى عليكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع من هدم الكعبة وبنائه على قواعد إبراهيم مع أن هذا هو الذي يتمناه وهو الذي هم به خوفا من أيش؟ خوفا من الفتن، خوفا من الفتنة، لأن قريشا كانوا حديث عهد بالكفر، وكان عليه الصلاة والسلام يترك ما يحب لمصلحة الناس، كان يصوم في السفر ولما قيل إن الناس قد شق عليهم ماذا فعل؟ أفطر، أفطر بعد العصر ورفع الماء ـ وهو على بعيره ـ على فخذه وشربه والناس ينظرون، ما قال والله أنا صائم وما بقي إلا جزء بسيط أريد أكمل، والصحابة رضي الله عنهم في خلافة عثمان بقي رضي الله عنه سبع أو ثماني سنوات يقصر الصلاة في منى، كم بقي في الخلافة ؟ اثنتي عشرة سنة، بعد مضي أكثر خلافته رأى عليه الصلاة والسلام لسبب من الأسباب أن يتم الصلاة فأتم فبلغ ذلك من بلغ من الصحابة فأنكروا عليه قالوا كيف ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وأنت في أول خلافتك تقصر الصلاة والآن تتم؟ حتى إن ابن مسعود لما بلغه ذلك استرجع قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، كأنه أمر كبير ومع ذلك يصلون خلفه، يصلون أربعا مع اعتقادهم أنها خلاف السنة، لأيش؟ من أجل اتحاد الكلمة وعدم التفرق، ولما سئل ابن مسعود قيل: كيف تنكر فعل عثمان وتصلي خلفه أربعا؟ قال: الخلاف شر، هذا الفقه والله هذا الفقه، هذه الشريعة .
اضيفت في - 2006-04-10