تتمة تفسير الآية : (( وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين )) .
(( عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين )) الجملة في (( أعدت )) هل هي في محل جر صفة لجنة ؟ أو في محل نصب حالا من الجنة ؟
الطالب: صفة للجنة،
الشيخ : يعني في محل جر؟
الطالب: نعم،
الشيخ : صفة للجنة، هل يجوز أن تكون محل نصب حالا ؟
الطالب: لا،
الشيخ : لماذا ؟ مع أن الجنة نكرة،
الطالب: إذا وصفت،
الشيخ : والنكرة إذا وصفت جاز أن تأتي منها الحال، نعم ؟ طيب.
(( وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين )) من الذي أعدها ؟ أعدها الله عزوجل، وقد بين الله ذلك في آيات أخرى مثل قوله تعالى: (( وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار )) فالمعد هو الله، ولكنه ذكر بصيغة المجهول ليوافق قوله فيما سبق: (( أعدت للكافرين ))، المتقون هم الذين اتخذوا وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
1 - تتمة تفسير الآية : (( وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين )) . أستمع حفظ
تفسير الآية : (( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) .
إذا قال قائل: في السراء والضراء، أما في السراء والسعة والرخاء فالإنفاق وجيه، وأما في الضراء فكيف يكون الإنفاق ؟ فالجواب: أنه يجب أن نعلم أن الإنفاق ليس خاصا بالإنفاق على البعيد عنك، بل هو عام يشمل حتى الإنفاق على ابنك وبنتك وأمك وأبيك وزوجتك بل ونفسك، حتى الإنفاق على النفس يؤجر الإنسان عليه ويكون صدقة، قال النبي عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كلمة جامعة نافعة قال: ( واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك أو في في امرأتك ) طيب إذا نقول في الضراء هل يمكن الإنفاق في الضراء ؟ الجواب نعم ينفق، قد يكون الإنسان في أشد العسر وينفق على أهله وزوجته بل وعلى نفسه.
قال: (( والكاظمين الغيظ )) الكظم معناه المنع مع ألم وتأثم، الكظم يعني يكظم بألم وشدة وتأثر، والغيظ قيل: إنه أشد الغضب، يعني أنهم إذا غضبوا وثاروا حبسوا غيظهم، ومعلوم أن من أشد ما يكون على الإنسان أن يحبس غيظه، ويعرف ذلك من يكون سريع الغضب، فإنه إذا أراد أن يكظم الغيظ يجد شدة عظيمة كأن أحدا يصرعه صرعا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من تعدون الصراع فيكم ؟ ) قالوا: الذي لا يصرع ـ الذي لا يصرع هو الصرعة والصرع معناه الطرح ـ قال: ( إنما الصرعة من يملك نفسه عند الغضب ) هذا هو الصرعة الذي إذا ثارت نفسه ملكها، ولهذا قال: (( الكاظمين الغيظ )) يعني إذا فعل بهم إنسان ما يغيظهم فإنهم يكظمون على شدة ومعاناة وألم، ويدل على أن الكظم فيه شدة ومعاناة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع ) ولهذا يجد بعض الناس إذا أراد التثاؤب يجد شدة عظيمة في منع فتح فمه، مع أن المشروع أن تكظم وأن لا تفتح الفم، وقد ذكر بعض العلماء شيئا ييسر لك الكظم، قال: إذا أصابك التثاؤب فعَض شفتك السفلى، إذا عضتها لم يفتح، بس أخشى أنه يكود الإنسان ويقطعها، على كل حال هذه لاشك أنها فيها علاج، إذا الكظم معناه الحبس لكن بشدة ومعاناة، والغيظ أشد الغضب، وإذا كانوا يكتمون الغيظ وهو أشد الغضب فما بالك بما دونه، ولكن الحالة العلياء هي كظم الغيظ .
2 - تفسير الآية : (( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) . أستمع حفظ
في الآية : (( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) هل كل ما ذكر يتعلق بحقوق الناس لذلك بدأ به.؟
3 - في الآية : (( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) هل كل ما ذكر يتعلق بحقوق الناس لذلك بدأ به.؟ أستمع حفظ
هل يمكن الجمع بين الله ورسوله في أمر شرعي بضمير واحد.؟
الشيخ : يمكن، يمكن فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ) ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه قاله خطيب من الخطباء فقال: ( بئس خطيب القوم أنت )
السائل : يعني ذمه ؟
الشيخ : ذمه لأن المقام يقتضي أن يفصل، لأنك ربما تتكلم بهذا عند أناس ولا يفهمون تسوية الرسول بالله، لكن عند قوم آخرين قد يفهمون، والخطبة يجب فيها مراعاة حال المخاطب، فلهذا ذمه الرسول عليه الصلاة والسلام لأجل هذا.
هل المجاهر بالذنب تلحقه المغفرة.؟
الشيخ : إذا استغفر غفر الله له،
السائل : وهو مجاهر ؟
الشيخ : أي نعم، لكن إذا استغفر هل يمكن أن يفعل الذنب ؟ إذا استغفر ما هو فاعل الذنب، الذي يقول: اللهم اغفر لي أو استغفر الله ثم يفعل الذنب فإن حاله كحال المستهزئ بالله عزوجل، أليس كذلك ؟ كما لو قلت لشخص مثلا: أريد أن تسمح لي أنا والله أسبك تسمح لي يا فاسق يا سارق يا ظالم يا مرابي، أنت تطلب السماح ولكن تصفه ؟ بأوصاف العيب، يعد هذا استهزاء وسخرية، ولهذا لا تجد إنسان يستغفر الله حقا إلا وهو تارك المعاصي.
ما هو الدليل على استدارة الجنة.؟
الشيخ : أي نعم، قال العلماء دليل ذلك أنه قال: ( فإنه وسط الجنة ) ولا يمكن أن يكون وسط الشيء إلا وأطرافه متساوية، لأنه لو كان الطول أطول ما صار وسط صار جانب الطول أوسع، السائل : الشيء المربع يمكن أن يكون له وسط،
الشيخ : أي نعم، مربع يمكن، يمكن له وسط ؟ يتساوى الطول والعرض لكن الزوايا ما تتساوى، الأركان ما تتساوى .
بعد أن ذكر الله حكم الربا أتبع الآية بقوله: (( واتقوا النار التي أعدت للكافرين )) فما هي الحكمة من ذلك.؟
الشيخ : واضح، مر علينا في سورة البقرة: (( ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) يعني أن الربا من أسباب دخول النار، وهذه فائدة ينبغي أن تذكر في الفوائد.
السائل : معنى ذلك أنه كافر يا شيخ ؟
الشيخ : لا، ما هو كافر مخرج عن الملة، لكن لاشك أنه نوع من الكفر .
7 - بعد أن ذكر الله حكم الربا أتبع الآية بقوله: (( واتقوا النار التي أعدت للكافرين )) فما هي الحكمة من ذلك.؟ أستمع حفظ
في قوله :(( والكاظمين الغيظ )) فهل يمدح من كظم لأنه غير قادر على الانتقام.؟
الشيخ : لا، هذا لا يمدح في الحقيقة، هذا عاجز كالعافي عن شخص وهو لا يقدر الانتقام منه ما يمدح عليه،
السائل : الآية عامة ؟
الشيخ : لكن الآية في سياق المدح فمتى يكون مدحا ؟ إذا كان قادرا على التنفيذ، أما إنسان عاجز والله يقول: أنا لو أقدر لفعلت وفعلت ...
ما هي الجنة التي أخرج منها آدم .؟
جنة الفردوس وجنة عدن وجنة الخلد هل هي أنواع في الجنة.؟
في قوله تعالى :(( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )) هل هذا يشمل ما غفره الله.؟
الشيخ : صحيح،
السائل : لكن الآية يا شيخ ؟
الشيخ : أي آية ؟
السائل : (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم)) ؟
الشيخ : ويش الإشكال ؟
السائل : الإشكال كأنه فيه معارضة يا شيخ ؟
الشيخ : أبد ما فيه معارضة، إذا غفر الله للإنسان ما اطلع عليه أحد، لكن هؤلاء المنافقون، المنافقون سيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، أما الله عزوجل فيراهم في كل حال ولاشك، أما الرسول والمؤمنون فإما أن يروهم بأعينهم وإما أن يروهم بإطلاع الله لهم كما قال الله: (( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول )) فقد يطلع الله عزوجل الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على أعمال المنافقين وهم لم يروهم .
11 - في قوله تعالى :(( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )) هل هذا يشمل ما غفره الله.؟ أستمع حفظ
الآيات في ذكر غزوة أحد ثم ذكر بعدها حكم الربا فما هو المناسب.؟
الشيخ : لعل المناسبة والله أعلم أنه لما ذكر غزوة أحد وهي في المدينة، وفيها كثير من اليهود الذي يتعاملون بالربا، ناسب أن يذكر بعد ذلك أو في أثناء ذلك مسألة الربا التي كانت هي من شأن اليهود، والمنافقون أيضا حصل منهم في غزوة أحد أنهم رجعوا، كل ذلك حرصا على الدنيا، والمنافق لا يبالي أن يتعامل بالربا لأنه لا يخاف الآخرة . والله أعلم.
أصحاب المعاصي إذا نصح قال عسى الله أن يغفر لي فهل هذا من الاستهزاء.؟
الشيخ : نعم، يصح أن نقول له يا أخي هذا سخرية، كيف أنت مصر على المعصية وتقول اللهم إهدني ! إذا كنت تريد الهداية فاسع لها ، لو أن شخصا قال: أسأل الله أن يرزقني ولدا صالحا ولكن لم يتزوج، ويش يكون هذا ؟ سخرية، هل يمكن يوجد ولد بلا زوجة ! ما يمكن، أيضا لا يمكن أن يوجد توبة من الله إلا إذا تاب الإنسان: (( ثم تاب عليهم ليتوبوا )) فلابد من أن تحقق هذه التوبة إما بعمل صالح يمحوا الذنب وإما بالاستغفار من هذا الذنب .
في الآية : (( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) ما نوع العطف .؟
الشيخ : حرف عطف، هذا من باب عطف الصفات مثلا: (( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى )) .
14 - في الآية : (( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) ما نوع العطف .؟ أستمع حفظ
مناقشة حول الآية : (( وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين )) .
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض )) . قوله تعالى: (( وسارعوا )) فيها قراءة أخرى ما هي ؟
الطالب: ما ذكرناها،
الشيخ : ما ذكرناه ؟ أي نعم.
الطالب: بدون واو: (( سارع ))
الشيخ : بدون واو، نعم ؟
الطالب: ما ذكرناه ؟
الشيخ : طيب من وين جاء هذا ؟ على كل حال فيها قراءة (( لعلكم ترحمون سارع إلى مغفرة )) بدون واو، مر علينا بعد مثلها في البقرة: (( والله واسع عليم وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه )) فيها حذف الواو (( قالوا اتخذ الله ولدا )) وهذا يعتبر نادرا في الحقيقة لأن الغالب أن القراءات لا تختلف في الكلمات فضلا عن الحروف، أما هذه ففيها إسقاط حرف العطف .
الشيخ : طيب، معنى المسارعة ؟
الطالب: المسارعة المبادرة.
الشيخ : هل لهذه الآية نظير في القرآن ؟
الطالب: نعم قوله تعالى: (( سارعوا إلى مغفرة من ربكم ))،
الشيخ : لا ،
الطالب: قوله سبحانه وتعالى: (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض )).
الشيخ : في هذه الآية دليل على أن الجنة موجودة، فهد ؟
الطالب: قوله: (( وجنة عرضها السموات والأرض )) هذه تدل على أنها موجودة ؟
الشيخ : لا،
الطالب: قوله تعالى: (( أعدت للمتقين ))
الشيخ : قوله تعالى: (( أعدت للمتقين )) لأن الإعداد بمعنى التهيئة.
الشيخ : أورد يهودي على النبي صلى الله عليه وسلم ـ إن صح الحديث ـ إشكالا في هذه الآية ؟ الطالب: قوله تعالى: (( وجنة عرضها السموات والأرض )) قال: أين تكون السموات والأرض ؟ الشيخ : لا، أين تكون النار ؟ فماذا كان جواب الرسول ؟
الطالب: أجابه النبي صلى الله عليه وسلم: أين تكون الليل إذا جاء النهار .
الشيخ : طيب، هل هذا الإيراد واجب ؟ بمعنى أنه وارد على الآية أو غير وارد ؟
الطالب: ليس وارد،
الشيخ : لماذا ؟
الطالب: لأنه الآية تشبه جنة عرضها كعرض السموات والأرض، فيدل على أن الجنة مكانها منفصل عن مكان النار.
الشيخ : أنا أقصد هل هذا اليهودي الذي أورد هذا، هل إيراده صحيح أو من باب التلبس والتشبيه والتشكيك ؟ بندر ؟
الطالب: لا يلزم من ذلك أن تكون الجنة ... بالسماء والأرض،
الشيخ : يعني معناه أن الله لم يقل ملء السماوات والأرض، قال عرضها. كما أني لو شبهت مثلا بيتا ببيت قلت: هذا البيت عرض بيت فلان، هل يلزم أن يكون بيتي قد ملأ بيت فلان ؟ لا . طيب، إذا قلنا بذلك فهل هذه علة توجب ضعف الحديث ؟ لأن مثل هذا الإيراد لا يورده إلا إنسان ملبس أو نقول إن الرسول قال أين النهار إذا كان الليل من باب قطع النزاع ؟.
الطالب: لعلها الأول،
الشيخ : أي نعم، بعض العلماء أعل الحديث بهذا وقال إن الآية لا تدل على إيراد هذا اليهودي، ولكن لو سلمنا جدلا أن الحديث صحيح فلماذا ؟
الطالب: قطعا للنزاع، الرسول عليه الصلاة والسلام خاطب هذا اليهودي بعقله ...
الشيخ : فقال له: أين الليل إذا جاء النهار، ونظير ذلك محاجة إبراهيم،
الطالب: عندما خرج للشمس قال: هذا ربي.
الشيخ : لا، حين قال: (( ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال ابراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب)) ولا ذهب يعالجه في أنه لا يحيي ولا يميت، بل عدل إلى شيء يقطع النزاع ولا يمكنه أن يجادل .
الشيخ : طيب، قوله تعالى: (( الكاظمين الغيظ )) الأخ، ويش معنى الكاظمين ؟
الطالب: الكاتمين الغيظ،
الشيخ : والغيظ ما هو ؟
الطالب: شدة الغضب،
الشيخ : شدة الغضب لأن الغضب ثوران الدم أو فوران الدم يريد أن يخرج فيكضمه الإنسان على مضض.
الشيخ : (( العافين عن الناس )) ؟
الطالب: ما وصلنا ؟ طيب.
15 - مناقشة حول الآية : (( وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين )) . أستمع حفظ
تتمة تفسير الآية : (( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) .
قال: (( والعافين عن الناس )) العفو ترك المؤاخذة على الذنب، والمعنى هم الذين إذا أساء إليهم أحد قابلوا إساءته بالعفو، وخير من ذلك أن يقابلوه بالإحسان لكن بشرط أن يكون لديهم قدرة على الانتقام، أما من عفا لعدم القدرة على الانتقام فهذا عفو العاجز الذي لا يحمد عليه، بل يكون عفوه هذا عجزا مذموما، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: (( إن تبدوا شيئا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا )) فأنتم إن عفوتم عن السوء قد تعفون عن قدرة وقد تعفون عن العجز، أما الله عزوجل فإنه يعفو عن قدرة، وهذا هو محل المدح، أما مجرد العفو ليس بمدح حتى يكون عفوا عن قدرة، فترك المؤاخذة على الذنب عفو، وهو محمود وخير منه الإحسان، ولكن يشترط في الأمرين أن يكون ذلك عن قدرة لا عن عجز، أما عن العجز فإنه مذمة، ولهذا قال الشاعر يذم قبيلته:
لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا،
لماذا ؟ لضعفهم وعجزهم، ولهذا قال:
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا شنوا لغارة فرسانا وركبانا ،
فالحاصل أن قوله: (( والعافين عن الناس )) يعني الذين لا يؤاخذون الناس بما أساءوا به إليهم بل ربما يحسنون إليهم ولكن عن قدرة، أما العفو عن عجز فليس بعفو في الحقيقة، بل هو عجز لا يمدح عليه الإنسان، قال: (( والعافين عن الناس )) وقوله: (( عن الناس )) عام شامل، ولكنه ليس على عمومه بالاتفاق، فإن الإساءة إذا كانت لحق الله فهي لله وليس لأحد أن يعفوا عنها، فلو زنى رجل بمحرم رجل وأراد أن يعفوا عنه، قلنا لا يمكن الحق ليس إليك، والله عزوجل يقول: (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ))، أما إذا كان حقا للإنسان ليس فيه شائبة حق لله فهذا ينظر فيه، ليس على عمومه بل ينظر فيه، إن اقتضت المصلحة العفو فالعفو خير، وإن اقتضت المصلحة المؤاخذة فالمؤاخذة خير، وإن لم تقتضي المصلحة لا هذا ولا هذا بأن تساوى الأمران فالعفو خير، لقوله تعالى: (( وأن تعفوا أقرب للتقوى )) والدليل على هذا أن الله سبحانه وتعالى قال: (( فمن عفا وأصلح فأجره على الله )) فعلم منه أن من عفا بدون إصلاح فلا أجر له، بل قد يأثم على عفوه، مثال ذلك: رجل اعتدى عليه شخص شرير، كلما عفا الناس عنه ازداد شرا، فهنا العفو خير وإلا المؤاخذة خير ؟ المؤاخذة خير، بل قد تجب، إنسان آخر اعتدى على شخص لكنه رجل معروف بالاستقامة ـ أعني المعتدي ـ رجل معروف بالاستقامة وعدم الاعتداء، لكن بدرت منه المبادرة فحصلت منه الإساءة، فهنا العفو أولى، ولاسيما إذا جاء هذا المعتدي يعتذر ويتعهد أن لا يعود أو ما أشبه ذلك، الثالث: رجل اعتدى على آخر وهو شرير لكنه لم يبلغ في الشر غايته، يعني أحيانا وأحيانا، فهنا العفو أفضل لأنه يتساوى الأمران، فالعفو هنا أفضل .
وقوله: (( والعافين عن الناس )) يشمل حتى عن الكفار إذا لم يكونوا حربيين، فإن الإنسان إذا عفا عنهم فيما يتعلق بحقه الخاص وكان في العفو إصلاح فإنه يدخل تحت الآية الكريمة.
قال: (( والله يحب المحسنين )) والله يحب المحسنين: يعني الذين يحسنون إلى الناس، وهل المراد بذلك المحسنين فيما سبق أو المحسنين فيما يستقبل ؟ بمعنى هل إن قوله: (( والله يحب المحسنين)) عائد على قوله: (( للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء )) وأن هؤلاء من المحسنين، أو أنه لما ذكر العفو وهو إسقاط الإنسان حقه عن المؤاخذة ذكر حالا أخرى أكمل منها وهي الإحسان فقال: (( والله يحب المحسنين )) يعني فإذا أحسنوا مع العفو كان ذلك سببا لمحبة الله، الثاني له وجه والأول أعم، لأننا إذا قلنا المتقين هل هم محسنون ؟ نعم، لاشك أن المتقي محسن إذا كان كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام: يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراك، والذين ينفقون الإنفاق إحسان، كاظم الغيظ إحسان، العفو عن الناس إحسان، فيكون هذا أشمل، فعليه نقول هذه الجملة فيها الترغيب والحث على فعل الخصال السابقة وأنها من الإحسان، وإذا فعل الإنسان خصلة أعلى مما سبق كانت داخلة في هذا من باب أولى، يعني كما لو عفا وأحسن فإننا نقول هذه خصلة زائدة على مجرد العفو فتكون أولى بالدخول في قوله: (( والله يحب المحسنين )) .
في هذه الآية، وأخذنا أظن الآية الأولى فوائدها ؟ ما أخذنا .
16 - تتمة تفسير الآية : (( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )) . أستمع حفظ
فوائد الآية : (( وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين )) .
وفيه دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يوثر غيره بالقربات، لأنه إذا آثر غيره بالقربات فهذا يعني التأخر، ومن أمثلة ذلك: أن يوثر غيره بمكانه الفاضل في الصف، بأن يتأخر عن مكانه في الصف الأول لرجل آخر، فإن هذا خلاف المسارعة إلى الخيرات، صح ؟
الطالب: صحيح،
الشيخ : صحيح، ولكن إذا ترتب على إيثار غيره بهذا المكان مصلحة أكبر من مصلحة التقدم لم يكن إيثاره من باب التأخر عن الخيرات، لأنه تنازل عن فضيلة إلى فضيلة أعلى، فلا يكون هذا إيثارا في الحقيقة يدل على زهد الإنسان فعل الخير، بل هو إيثار فيه انتقال من خير إلى ما هو خير منه، وقد مر علينا أظن الإيثار بالقرب أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول: الإيثار بالواجب، فهذا محرم، الثاني: الإيثار بالمستحب فهذا مكروه، والثالث: الإيثار بالمباح، ولكن لا يأتي هذا التقسيم بالنسبة للقرب لأن القرب ما تكون مباح القرب من باب المشروع فعله، فهو إذا قسمان ـ الإيثار بالقرب ـ: إيثار بواجب فهو حرام ، إيثار بالمستحب فهو مكروه، مثال الإيثار بالواجب ؟
الطالب: يعطي شخصا وهو في حاجة لهذا المال، يعني هو ما حج فهو بحاجة إلى أن يحج أولا لكن يعطي ماله لآخر ليحج،
الشيخ : يعني عنده مال لا يكفي إلا لحج رجل واحد فيعطي غيره ليحج به ويدع نفسه، صحيح المثال؟ صحيح، الإيثار في المستحب ؟
الطالب: تقدم في الصف،
الشيخ : أن يؤثره بالمكان الفاضل في الصف .
الطالب: قسم ثالث، إيثار ضرورة، كأن يكون عطشان جدا وعنده ماء فهنا واجب ؟
الشيخ : لا ما هو واجب، لأنه ما فيه إيثار، لأن صاحب الماء إذا كان عطشان فيشربه ولا يجب عليه أن يؤثر غيره، وإن كان غير عطشان فيجب عليه أن ينقذ هذا .
من فوائد الآية الكريمة: ما ذكر من أن التخلية قبل التحلية، لأنه قال: (( إلى مغفرة وجنة )) فبالمغفرة الزحزحة عن النار التي أوجبتها الذنوب، وبالجنة دخول الجنة: (( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز )) .
ومن فوائدها الآية الكريمة: أن المغفرة لا تكون إلا من الله: (( إلى مغفرة من ربكم )) لأن مغفرة غير الله لا تفيد، إنما تفيد في حق الإنسان الخاص، إذا سمح عنك وغفر عنك فهذا يفيد، كما قال تعالى: (( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان سعة الجنة، لقوله: (( عرضها السموات والأرض )) .
من فوائدها: أن الجنة موجودة الآن، لقوله: (( أعدت )) والإعداد التهيئة، وقد تضافرت النصوص الكثيرة على أن الجنة موجدة الآن .
من فوائدها: أن أصحاب الجنة هم المتقون، لقوله: (( للمتقين )) كما قال في النار: (( أعدت للكافرين ))، فالمتقون هم أهل الجنة .