تتمة تفسير الآية : (( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافًا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدًا )) .
تتمة تفسير الآية الكريمة: (( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا )) . فلو قال قائل: هذا وقف على ذريتي لم يدخل أولاد البنات في هذا الوقف ، لأن أولاد البنات ليسوا من الذرية ، فهم كالأولاد و البنين لا يدخل فيهم أولاد البنات ولا بنو أولاد البنات ، فإن قال قائل: هذا القول ينتقض بعيسى بن مريم فإن الله تعالى جعله من ذرية ابراهيم وهو ابن بنت ؟ موافقون ؟ هو ابن بنت أو غير ؟ هو ابن بنت ، فيقال في الجواب عن ذلك أنه لا أب له فأمه أبوه ، أمه أبوه ، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن ولد الزنا أمه ترثه بالفرق والتعصيب ، لأنها أم أب إذ لا أب له شرعا ، إذا (( ذرية )) يعني أولادا أو أولاد أبناء لا أولاد بنات ، وقوله: (( ضعافا )) يعني لا يستطيعون أن يتكسبوا لعدم رشدهم ولصغر سنهم ، فكل واحد من الناس إذا حضرته الوفاة وله أولاد صغار سوف يخاف عليهم ويفكر ويقدر من يتولاه بعده ، ولكن المؤمن يقول كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله حين قال له: ألا توصي لولدك ؟ قال: إن كان ولدي صالحا فالله يتولى الصالحين كما قال تعالى: (( إن ولي الله الذي أنزل الكتاب وهو يتولى الصالحين )) وإن كانت الأخرى فلن أعينه على فساده ، شف الفطنة ، جواب صديد ، فأقول إن الضعيف من الأولاد هو الصغير أو المجنون أو السفيه الذي ليس لديه رشد ولا يستطيع التصرف بنفسه ، وقوله: (( خافوا عليهم )) من أي شيء ؟ من الضياع وأكل أموالهم (( فليتقوا الله )) والتقوى هي اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، هذا أجمع ما قيل في التقوى ، وهذا إذا أطلقت التقوى وأفردت ، أما إذا قيدت فإنها بحسب ما قيدت به ، مثل قوله تعالى: (( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله )) وكذلك إذا قرنت بالبر صار معناها: اجتناب المعاصي ، ومعنى البر: فعل الطاعة فعل الأوامر ، إما إذا أطلقت فهي تشمل هذا وهذا (( فليتقوا الله )) أي يتخذوا وقاية منه ، من عذابه ، (( وليقولوا قولا سديدا ))(( وليقولوا قولا سديدا )) ما هو السديد ؟ القول السديد ما سد موضعه أي ما كان صوابا موافقا للحكمة ، انتبه ! القول السديد ما سد موضعه بأن يكون صوابا موافقا للحكمة ، وليس كل قول لين يعتبر سديدا ولا كل قول قاس يعتبر سديدا ، قد يكون السداد بالشدة ، شدة القول وقد يكون السداد بلين القول ، وانظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف يشتد أحيانا بقوله وكيف يلين أحيانا بقوله ، وقوله عليه الصلاة والسلام كله سداد وكله سديد بلاشك ، فليس السديد أن تلين بالقول ولا أن تشتد به ولكن أن يكون قولك صوابا مطابقا للحكمة والحكمة تختلف باختلاف الأحوال وباختلاف الأشخاص وباختلاف ما موضوع الكلام ، لو أن رجلا أراد أن يخطب في قوم أسرفوا على أنفسهم ووقعوا بالمحارم فما هو السداد في خطبته ؟ أن تكون الخطبة قوية وبانفعال وبزجر شديد وكأنه جيش يقول سبحكم ومساكم ، وإذا كان يخطب مع قوم ليسوا بهذه المثابة ولا يرون الشدة في القول بل ربما ينفرهم فإنه في هذه الحال يلين لهم القول ، فالقول السديد ما سد محله بأن كان صوابا موافقا للحكمة . هل ورد ذكر القول السديد في غير الآية هذه ؟ نعم (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا )) هنا (( وليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا )) ما هي النتيجة لتقوى الله وقول السديد ؟ النتيجة قال الله تعالى: (( يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )) نتيجة من أحب ما يكون من النتائج (( يصلح لكم أعمالهم )) الدينية والدنيوية (( و يغفر لكم ذنوبكم )) أي ما أذنبتموه ، فعلينا أن نأخذ بهذه التوجيهات الإلهية والأوامر فنتقي الله ونقول قولا سديدا
أحسن الله إليكم ما ريأيكم في قول بعض العلماء من القول بأن هذه الآية منسوخة (( وإذا حضر القسمة...)) بقوله تعالى (( يوصيكم الله في أولادكم...))؟
السائل : أحسن الله إليكم ما رأيكم في قول بعض العلماء من القول بأن هذه الآية منسوخة (( وإذا حضر القسمة ... )) بقوله تعالى: (( يوصيكم الله في أولادكم ... )) ؟ الشيخ : لا، هذا غلط ما هو صحيح ، لأن من شروط النسخ العلم بالتاريخ ، هذا واحد ، والثاني: تعذر الجمع ، وهنا لا علم لنا بالتاريخ ولا تعذر في الجمع ، لأن الله قال: (( فارزقوهم منه )) ما قال: فارزقوهم إياه ، منه ، إذا قلنا الأمر للاستحباب صار إن شئنا أعطيناهم وإن شئنا لم نعطهم ، الذي يقوم به القائم على الورثة إن كانوا قد وكلوا أحدهم وإلا فالخطاب للجميع من شاء أعطاهم .
هل نعتبر قوله تعالى (( ... وليقولوا قولا سديدا... )) فعلا ؟
السائل : هل نعتبر قوله تعالى: (( ... وليقولوا قولا سديدا ... )) فعلا ؟ الشيخ : كيف الفعل ؟ ويش معنى فعل ؟ لا لا ، التقوى هي التي ... قال: (( فليتقوا الله وليقولوا ))
السائل : سؤال عن قسمة المواريث أمام غير الوارثين ؟ الشيخ : وهم يقسمون أمام هؤلاء ، أمام هؤلاء يقسمون ؟ يقسمه أمام هؤلاء أم لا ؟ أمام هؤلاء ، فينبغي أن يعطيهم يعني من الكرم أنه إذا أهدي إليك أو تصدق عليك سواء حتى ولو بحيث الأغنياء ، من الكرم يعطونك .
السائل : ما صحة القول بأن المساكين غير الفقراء ؟ الشيخ : نعم المساكين غير الفقراء إذا كانوا مذكورين مع الفقراء ، مثل آية الصدقات (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) فالفقراء أشد حاجة والمساكين أقل حاجة .
شخص قال أوقفت هذا الشيء لذريتي ما لا دليل على خروج أبناء البنت؟
السائل : شخص قال أوقفت هذا الشيء لذريتي ما لا دليل على خروج أبناء البنت ؟ الشيخ : الدليل على هذا اللغة ، وهم أولاد الجميع ، إذا كان المفهوم صار معناه أنه حقيقة عرفية والحقيقة العرفية في مخاطبات الناس مقدمة على حقيقة اللغوية ، ولكن ما أظن ، الناس إذا قال ذريتي ما أقصد ولد البنت ، يقول: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا وبنوهن وأبناء رجال آبائنا
تنبيه من الشيخ على قراءة كفواُ بتسكين الفاء ((وهو)) بتسكين الهاء، ومناقشة مع بعض الطلبة عن القراءات في هذه الكلمة ((كفوا)) وغيرها من الألفاظ القرآنية.
تنبيه من الشيخ على قراءة (( كفوا )) بتسكين الفاء " وهو " بتسكين الهاء ، ومناقشة مع بعض الطلبة عن القراءت في هذه الكلمة " كفوا " وغيرها من الألفاظ القرآنية . تنبيه ، أقول قرأت في سورة المغرب في سورة الإخلاص: (( كفوا )) بتسكين الفاء ، وقبل قلت: (( وهو )) بتسكين الهاء ، نرجوا التنبيه عليها وتذكير الإخوة والله يحفظكم . أما (( كفوا )) فالظاهر أنه ما تبين الضمة كما ينبغي وإلا أنا أقرأها تعمدا (( كفوا )) بضم الفاء ، وأما (( وهو )) فهي قراءة ، كلما جاءت " وهو " في القرآن ففيها قراءة بالتسكين (( وهو العلي العظيم ))(( وهو على جمعهم إذا يشاء قدير )) وهي يقال بالكسر ويقال بالسكون ، (( كفوا )) بالضم ، شف المصحف الذي معنا ؟ في كل موضع ؟ في كل موضع ، في كل موضع " وهو " ، " وهي " نحن أعطيناكم ضوابط من قبل القراءات يمكن راحت عليكم ، (( كفوا )) بضم الهاء لكن فيها قراءة ثانية (( كفوا )) و(( كفؤا )) ثلاث قراءات ، فيها سكون الفاء ، سكون الفاء مع الواو أو مع الهمزة ؟ مع الواو ، ثبتها لنا جزاك الله خير ، لأنها حقيقة تكلف ... (( كفوا )) بالضم ، لكن ثبتها لنا ، الذي عندي (( كفؤا )) و (( كفوا )) بضم الفاء ، (( كفؤا )) و (( كفؤا )) ثلاث قراءات . الأول بضم الهاء والثاني بكسر الهاء عند جمهور القراء مطلقا ، وسكن الهاء فيهما الكسائي وقالون وأبو عمرو بعد الواو والفاء واللام ، مثل " فهو ، فهي ، وهو ، وهي ، لهو ، (( لهو الغني ))(( لهي الحيوان )) وسكنها الكسائي وقالون أيضا في قوله تعالى: (( ثم هو يوم القيمة من المحضرين )) فصارت عندنا ثلاثة حروف: الواو والفاء واللام تسكن فيهم الهاء في كل موضع ، بعد " ثم " ما فيها إلا قراءة الكسائي وقالون في قوله تعالى: (( ثم هو يوم القيمة من المحضرين )) بدل " ثم هو " ، ضمير " عليهم ، وإليهم ، ولديهم " مكسور الهاء ، وقرائه حمزة بضم الهاء " عليهم ، إليهم ، لديهم " هذه ضوابط مفيدة لأنها عامة .
سؤال عن معنى قوله تعالى (( ...هو الذي خلق السموات بغير عمد ترونها...))؟
السائل : سؤال عن معنى قوله تعالى: (( ... هو الذي خلق السموات بغير عمد ترونها ... )) ؟ الشيخ : فيها قولان للمفسرين: أحدهما أنها صفة لعمد أي بغير عمد مرئية لكم ، فعلى هذا يكون لها عمد لكنها لا ترى ، والثاني: أن الجملة مستأنفة والمعنى: ترون السماء كما تشاهدونها ليس لها عمد ، وهذا هو الأقرب لقوله تعالى: (( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه )) .
هل يجوز قراءة بعض الكلمات القرآنية بقراءة معينة حال كون القارئ يقرأ رواية حفص مثلا؟
السائل : هل يجوز قراءة بعض الكلمات القرآنية بقراءة معينة حال كون القارئ يقرأ رواية حفص مثلا ؟ الشيخ : لا، الإنسان يكون في سعة إذا قال: (( وهو العلي العظيم ))(( وهو السميع البصير ))(( فهو خير له عند ربه )) كما هي قراءة أكثر الناس الآن ، يكون الإنسان في سعة وفي حلو ، بل الذي ينبغي أن يقرأ الإنسان كل القراءات الثابتة السبعية ينبغي للإنسان العالم بها أن يقرأ بهذه أحيانا وبهذه أحيانا إلا أمام العامة ، فلا يقرأ إلا بما يوافق ما بين أيديهم من المصاحف .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (( بسم الله الرحمن الرحيم )) ، (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد وإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آبائكم وأبنائكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما )) . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أظننا انتهينا إلى آخر قوله: (( وليقولوا قولا سديدا )) وأخذنا الفوائد ؟ لا ، بقيت الفوائد ، من أين ؟ (( وليخش الذين ... ))
فوائد الآية : (( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافًا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدًا )) .
قال الله تبارك وتعالى: (( وليخش الذين لو تركوا ... )) . من فوائد هذه الآية: تذكير المرء بما يحدث له حتى يراعي في ذلك غيره ، لقوله: (( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم )) فكما أنك تخاف على ولدك فخف على ولد غيرك . ومن فوائدها: الإشارة إلى أنه يجب على المرء أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به ، لأنه إذا كان يكره لنفسه أن يعتدي أحد على أولاده بعد موته فكذلك لا يعتدي هو على أولاد الناس . ومن فوائدها: أنها تشير بدلالة الإشارة إلى أن الإنسان إذا أراد أن يجني على غيره فليتذكر نفسه ، فإذا كان مثلا يهم بأن يزني بامرأة فليذكر هل يرضى أحد أن يزني بأحد من محارمه ؟ ومن المعلوم أن الجواب لا ، فإذا كان كذلك فلماذا أن تزني بمحارم الناس وأنت لا ترضى أن يزني أحد بمحارمك ، فقس ما تريد أن تفعله بالناس على ما يريدون أن يفعلوه بك . ومن فوائدها: أن الإنسان يكون مجانبا للتقوى إذا لم يراعي ربه عزوجل في رعاية هؤلاء الضعفاء الذين كانوا بين يديه . ومن فوائدها: أن الإنسان ينبغي له أن يتق الله عزوجل في الولاية على غيره وأن يقول قولا سديدا . ومن فوائدها: أن القول ينقسم إلى قسمين: سديد ، وغير سديد ، فالصديد ما وافق الصواب ، وغير الصديد ما خالف الصواب ، ومن ذلك اللغو من الكلام فإنه ليس بسديد ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) .
تفسير الآية : (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا )) .
ثم قال الله تبارك وتعالى: (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا )) . (( إن الذين )) هذه جملة اسمية مبدوءة بإن ، وخبر " إن " هو قوله: (( إنما يأكلون في بطونهم نارا )) يعني ما يأكلون إلا نارا (( وسيصلون سعيرا )) وفي قراءة: (( وسيصلون )) بالبناء للمفعول وهي قراءة سبعية . يقول عزوجل: (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى )) يأكلونها أي يتلفونها ، لكنه عبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع ، لأن أكثر ما الإنسان المال من أجل أكله وما يتعلق به ، فعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع وإلا فغير الأكل مثله ، بل قد يكون أشد كما لو أتلف هذا المال بإحراق أو إغراق أو ما أشبه ذلك فهو أعظم من أكلها .
فوائد الآية : (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا )) .
من فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب رعاية أموال اليتامى ، لقوله: (( إنما يأكلون في بطونهم نارا )) واليتامى سبق أنه هو الذي يموت أبوه ولم يبلغ . ومن فوائدها: أنه لو أكل مال اليتيم بحق فلا إثم عليه ، مثل أن يكون فقيرا فيأخذ قدر أجرته من هذا المال الذي هو قائم عليه فلا حرج ، ولهذا نقول كلمة " ظلما " مصدر في موضع الحال أي الظالمين . ومن فوائدها: أن أكل مال اليتيم بغير حق من كبائر الذنوب ، لأنه توعد عليه في قوله: (( إنما يأكلون في بطونهم نارا )) وعند أهل العلم أن الكبيرة ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة ، وقيل: إن الكبيرة ما فيه عقوبة خاصة أي ما ذكر له عقوبة خاصة ، وذلك لأن المحرمات نوعان ، نوع ليس فيه إلا النهي ، ونوع آخر يذكر فيها عقوبة خاصة إما دنيوية وإما دينية وإما أخروية ، فالدنيوية كالحد مثل الزنا والسرقة ، والدينية كالبراءة منه ( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ) ، والأخروية العقوبة كما في هذه الآية . ومن فوائدها: إثبات الجزاء ، لقوله: (( إنما يأكلون في بطونهم نارا )) . ومن فوائدها: أن الجزاء من جنس العمل ، لأنه قابل أكلهم بالنار التي يعذبون بها. ومن فوائدها: الوعيد الشديد على من أكل مال اليتيم بأنه سيصلى سعيرا ، وهذا أعظم من قوله: (( إنما يأكلون في بطونهم نارا )) فتكون الحرارة في أجوافهم وفي ظاهر أجسامهم ، لقوله: (( وسيصلون سعيرا )) .
تفسير الآية : (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدةً فلها النصف ... )) .
ثم قال الله تعالى: (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )) الوصية هي العهد لأمر هام لعهد به إليك أي أنه عهد إليك بشيء هام ، هذه وصية ، وتكون بعد الموت ، وأما ما قبل الموت فهي وكالة ، وينبغي أن يعلم أن المتصرف في غير ماله له أوصاف بحسب الوظيفة التي هو قائم بها ، فتارة نسميه وكيلا ، وتارة نسميه وليا ، وتارة نسميه ناظرا ، وتارة نسميه وصيا ، فإذا كان يتولى مال الغير بغير إذن منه بل بإذن من الشرع فإنه يسمى وليا كولي اليتيم ، وإذا كان يتولى مال الغير بعد موته فإنه يسمى وصيا ، وإذا كان يتولى الوقف فإنه يسمى ناظرا ، وإذا كان يتولى لحي فإنه يسمى وكيلا ، هنا (( يوصيكم الله في أولادكم )) قلنا أصل الوصية العهد بالأمر الهام ، وقوله: (( في أولادكم )) متعلق بـ(( يوصيكم )) أي أن الوصية في الأولاد أنفسهم ، والأولاد جمع ولد ويشمل الذكور والإناث بدليل قوله: (( للذكر مثل حظ الأنثيين )) يعني إذا اجتمع في الأولاد ذكور وإناث فإننا نعطي الذكر مثل حظ الأنثيين ، وتأمل كيف جاءت العبارة (( للذكر مثل حظ الأنثيين )) دون أن يقول: للأنثى نصف الذكر ، لأن الحظ والنصيب فضل وزيادة والنصف نقص ، فلهذا قال: (( للذكر مثل حظ الأنثيين )) ولم يقل: للأنثى نصف مال الذكر لما في كلمة " نصف " من النقص بخلاف " حظ "(( حظ الأنثيين )) فإن فيه زيادة فهو أحسن تعبيرا مما لو قال: للأنثى نصف مال الذكر ، (( للذكر مثل حظ الأنثيين )) فإذا هلك عن خمسة أبناء وبنت فكم للبنت ؟ واحد من أحد عشر ، لأن الخمسة عن عشرة ، وإذ هلك عن سبعة أبناء وثلاث بنات ؟ واحد من سبعة عشر ، لأن السبعة عن أربعة عشر سهم والثلاث عن ثلاثة أسهم ، فالجميع سبعة عشر سهما ، وهلم جرا ، (( فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف )) هنا قال: (( وإن كن نساء )) ولم يقل: فإن كانوا نساء ، أي الأولاد مع أنه جائز ، فيجوز في الضمير إذا اكتنفه مذكر ومؤنث يجوز أن تذكره باعتبار ما سبقه إذا كان السابق مذكر ، وتؤنثها باعتبار ما لحقها ، فهنا قال: (( فإن كن نساء )) أنث الضمير أو ذكره ؟ أنثه ، باعتبار ما لحقه ، ولو كان في غير القرآن وقيل: فإن كانوا نساء جاز باعتبار ما سبقه ، فالضمير يعود في مثل هذا التركيب يجوز أن يعود على ما سبق ويجوز أن يعود ما لحق ، (( وإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك )) اختلف المفسرون في قوله تعالى: (( فوق اثنتين )) فقيل: إنها زائدة ، وأن المعنى: فإن كن نساء اثنتين ، وذلك لأن الثلثين تستحقه الثنتان فما فوق ، وظاهر الآية الكريمة أن الثنتين لا تستحقان ثلثين ، لماذا يا عبد الله ؟ لأنه قال: (( فوق اثنتين )) لأنه قال: (( فوق اثنتين )) فظاهره أن ثنتين لا تستحقان الثلثين مع أن الحكم خلاف ذلك ، فلهذا قال بعض العلماء إنها زائدة ، ولكن الصحيح أنها ليست بزائدة بل هي مفيدة وأصلية ليتبين أن ما فوق ثنتين لا ينحصر لو كن عشرا أو عشرين فإن الفرض لا يزيد بزيادتهن ، بقي علينا الثنتان ، الثنتان لنا في تقرير الثلثين لهما عدة أوجه ، الوجه الأول أنه قال: (( وإن كانت واحدة فلها النصف )) واحدة فلها النصف مفهومه ما زاد على واحدة ليس لها النصف ولا نعلم فرضا للبنات سوى النصف أو الثلثين فإذا لم يكن لها النصف بقي لها الثلثان ، لأنه ليس هناك فرض بين النصف والثلثين ، ثانيا: أن الله جعل للأختين الثلثين في آخر السورة ، قال الله تبارك وتعالى: (( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك )) وصلة البنتين بأبيهما أقوى من صلة الأختين بأخيهما ، وعلى هذا فيكون للبنتين ثلثان كما أن للأختين ثلثين ، واضح ؟ الوجه الثالث وإن كان خارجا عن نطاق القرآن ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى ابنتي سعد بن ربيع الثلثين وهما اثنتان ، وعلى هذا فنقول: بين الله في هذه الآية الكريمة أن الأولاد إما أن يكونوا ذكورا وإناثا وإما أن يكونوا إناثا فقط ، وبقي قسم ثالث وهو أن يكونوا ذكورا فقط ، فهل بين الله حكم هذه الأقسام الثلاثة ؟ الجواب: ننظر ، أما إذا كانوا ذكورا وإناثا فقد بين الله الحكم ، ما هو ؟ أن للذكر مثل حظ الأنثيين ، وإذا كانوا نساء فقط بين الله الحكم أن للواحدة النصف ولما زاد الثلثين ، وسكت عن الأولاد الذكور فقط فدل على أنهم يرثون بلا تقدير وأنهم يرثون بالسوية ، لأنه لو كان له مقدر لبينه كما بين المقدر ... ، ولو كانوا يختلفون لبين ذلك كما بين الخلاف الواحدة من البنات مع الثنتين فأكثر ، وعلى هذا فإذا كان ذكورا فقط فلهم العدد ، وكم تكون مسألتهم ؟ من عدد الرؤوس ، لاحظوا أن الورثة إذا كانوا عصبة لا تأصل لهم مسألة ، أصل مسألتهم من عدد رؤوسهم ، فإذا كانوا مائة بني عم من كم المسألة ؟ من مائة ، على طول ؟ على طول نعم ، إذا كانوا عصبة فمن عدد رؤوسهم مهما بلغوا وإذا كانوا مائة بني عم وخمسين بنت عم ؟ وقعتم في الشبكة ، لأيش مائة ؟ لأن بنات العم ما ترث ، بنات العم ما ترث ، إذا كانوا مائة بني عم وخمسين بنت عم خمسين بنت عم ما ترث ، لأنه مر علينا القاعدة قريبا لا يرث من الحواشي من الإناث إلا الأخوات ، بنات أخ بنات عم ليس لهن ميراث . يقول عزوجل: (( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك )) طيب فيه قراءة: (( إن كانت واحدة فلها النصف )) وعلى هذه القراءة تكون " كان " تامة ، و "كان " التامة هي التي يكتفى بمرفوعها عن خبرها ، لأنها لا تتطلب سواها ، فهي تامة به ، والناقصة هي التي تحتاج إلى خبر لأنها لا تتم إلا به ، ولهذا سميت " كان " إذا اكتفت بمرفوعها سميت تامة لا تحتاج إلى تكميل ، ففيها قراءتان: (( إن كانت واحدة ))(( إن كانت واحدة )) . (( ولأبويه )) أبوي من ؟ أبوي الميت ولن يسبق له الذكر لكن المقام يقتضيه ، بأي دليل يقتضيه ؟ لقوله: (( مما ترك )) لأن الإنسان لا يترك ماله إلا بعد موته ، (( ولأبويه )) يعني أباه وجده ؟ أبويه يا إخوان ؟ الأب هو الذكر ، الأم أم ، يقول: وأميه مثلا ؟ من باب التغليب ، إذا الأبوان هما الأب والأم ، وهو هنا ملحق بالمثنى أو مثنى ؟ ملحق نعم . (( لأبويه )) أي أبوي الميت (( لكل واحد منهما السدس )) قوله: (( لكل واحد منها السدس )) هذا بدل من قوله: (( ولأبويه )) بإعادة العامل ، والبدل معروف أن له حكم المبدل في إعرابه ، لكن هنا نستغني عن التبعية في الإعراب لأننا أعدنا العامل ، (( ولأبويه لكل واحد منها السدس مما ترك إن كان له ولد ))(( لكل واحد منهما )) أي الأبوين سدس (( مما ترك )) ابنهما أو بنتهما أيضا ، (( إن كان له )) أي للميت ولد ، وقوله: (( إن كان له ولد )) يشمل الذكر والأنثى ، فإذا كان الميت له أبوان وله أولاد فلكل واحد من الأبوين السدس لا يزيد على هذا (( لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ... فإن لم يكن له ولد )) طيب (( لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد )) فإن كان الولد ذكرا فللأم السدس وللأب السدس و الباقي للابن ، وإن كان أنثى فرض لها ، فرض لها فرضها وهو النصف إن كانت واحدة أو الثلثان إن كانت زائدة ، والباقي ؟ والباقي للأب تعصيبا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر ) ، إذا ميراث الأبوين مع الولد فرض أو تعصيب ، أما الأم ففرض وليس لها تعصيب إطلاقا وفرضها السدس مع وجود الولد ذكرا كان أم أنثى ، وأما الأب فإن كان في الأولاد ذكور فليس له إلا السدس وإن كان الورثة إناثا فله السدس فرضا والباقي إن بقي تعصيبا ، وحينئذ نقول إما أن يكون الولد الذي مع الأبوين ذكورا فقط أو إناثا فقط أو ذكورا وإناثا ، فإن كانوا ذكورا فقط فليس للأب ولا للأم إلا السدس وإن كانوا إناثا فقط فليس للأم إلا السدس وكذلك الأب يفرض له السدس وإن بقي شيء أخذه تعصيبا ، وإن كانوا ذكورا وغناثا فليس للأب إلا السدس كالأم ، لأنه لا تعصيب للأب مع وجود أحد من أبناء أو أبنائه ، لأن الأبناء أو أبنائهم أولى بالتعصيب من الأب .
مناقشة عن معاني الآية : (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدةً فلها النصف ... )) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تبارك وتعالى: (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )) ذكرنا أن في الآية دليلا على أن الله أرحم بالإنسان من أمه وأبيه فما وجه الدلالة من هذه الآية ؟ أن الله أوصى الوالدين بأولادهم ، وهذا يدل على أنه أرحم بهم من آبائهم . وذكرنا من فوائد الآية أنه إذا اجتمع في الميراث ابن وبنت كان لبنت نصف ما للولد من أين يؤخذ ؟ من قوله: (( للذكر مثل حظ الأنثيين )) . وذكرنا الفائدة في قوله: (( للذكر مثل حظ الأنثيين )) ولم يقل: للأنثى نصف ما للذكر ما هي الفائدة ؟ لأن " حظ " فيها فضل وزيادة وأما " النصف " فيها نقص ، يعني اختيار (( مثل حظ الأنثيين )) لأن الحظ فيه يفرح النفس ويبهج القلب ، لكن النصف نقص وتدني ، فلهذا ـ والله أعلم ـ عدل عنه إلى (( مثل حظ الأنثيين )) . قوله تعالى: (( فإن كن نساء فوق اثنتين )) اختلف المفسرون في كلمة (( فوق ))