تفسير سورة النساء-05b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تتمة فوائد الآية : (( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولدٌ ... )) .
تتمة فوائد الآية الكريمة: (( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضآر وصية من الله والله عليم حليم )) . نرجع الآن إلى فوائد الآيات الكريمة وهي كثيرة ، فمنها أولا: أن الإرث ملك قهري لا اختيار للإنسان فيه ، دليله: (( ولكم )) أن الله ملكنا إياه وأثبته حكما شرعيا ، فلو قال الزوج: أنا لا أريد نصيبي من زوجتي ، قلنا له لا ، هو داخل في ملكك قهرا لا خيار لك فيه ، فإن قال أريد أن أتفضل به لها في مشروع خيري أو إن كان لها أولاد أتفضل به على أولاده ، قلنا له هذه ابتداء عطية ، وبناء على ذلك لو كان عليه دين يحتاج أن يبذل هذا المال الذي ورثه فإن تبرعه بهذا المال غير نافذ ، وهذه الفائدة من قولنا: إنه ملك قهري . يتفرع على هذا أيضا: لو كان الموروث شقسا من أرض مشتركة فهل للشريك أن يشفع ؟ ما فهمتها ؟ طيب المرأة لها نصف أرض ونصف الأرض الثاني لرجل آخر أجنبي ، فماتت فورث ورثتها نصيبها من هذه الأرض وهو النصف ، فهل للشريك أن يشفع ؟ لا ، لماذا ؟ لأنه ملك قهري ، لكن لو أنها باعت هي نصيبها في حياتها فللشريك أن يشفع . ومن فوائدها: أنه يشترط في الميراث أن يكون الوارث حرا ، من أين يؤخذ ؟ من اللام التي للتمليك ، والعبد لا يملك فلو كان زوج الحرة عبدا فإنها إذا ماتت لا يرث منها شيئا ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من باع عبدا له مال فماله للذي باعه ) . ومن فوائدها: أن الميراث يشمل الأعيان والديون والحقوق ، الأعيان كالدراهم والنقود والعقارات ، والديون التي في ذمم الناس ، والثالث الحقوق كحق الشفعة وحق الانتفاع بالكلب المباح نفعه وحق الانتفاع بالسرجين النجس ، وحق الانتفاع بالدهن النجس إذا قلنا بجواز الانتفاع به ، وما أشبه ذلك ، المهم أن قوله: (( ما ترك )) عام يشمل الجميع: الأعيان ، والديون ، والحقوق . ومن فوائدها أيضا: ثبوت الزوجية ، لقوله: (( أزوجكم )) ولا تثبت الزوجية إلا بعقد صحيح . ومن فوائدها: ثبوت الإرث ولو ماتت قبل الدخول ، كيف ذلك ؟ لأنها تكون زوجة بمجرد العقد سواء حصل الدخول أم لم يحصل . ومن فوائدها: أن الزوجة إذا بانت فلا توارث ، من أين يؤخذ ؟ من قوله: (( أزواجكم )) لأنها إذا بانت لم تكن زوجة ، فلو طلقها وانتهت عدتها ثم ماتت فلا ميراث له منها ، لأنها صارت أجنبية منه ، ولو طلقا طلاقا بائنا وماتت في العدة فلا ميراث له منها ، لماذا ؟ لأنها لما بانت منه لم تكن زوجة ، بدليل أنها لا تحل له إلا بعقد جديد أو بعد زوج إن كانت البينونة كبرى ، استثنى العلماء من ذلك مسألة وهي ما إذا أبانها في مرض موته المخوف متهما بقصد حرمانها ، أربعة شروط: إذا أبانها في مرض موته المخوف متهما بقصد حرمانها ، قالوا فإنها إذا كان الأمر كذلك ترثه ولو انتهت العدة ما لم تتزوج أو تأت بمناف للزوجية كالردة ... إلى البينونة متى بنت منه بطلاق ثلاث أو بتمام العدة انقطع التوارث إلا في حال واحدة في البينونة وهي ما إذا أبانها في مرض موته المخوف متهما بقصد حرمانه ، أربعة شروط: مرض ، وموت ، مخوف ، متهما بقصد الحرمان ، إذا تمت الشروط الأربعة فإنها ترث منه ، فإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا ثم مات قبل انقضاء العدة ؟ فإنها لا ترث ، لأنه طلقها في الصحة ، وإن طلقها في مرض مخوف ثم عوفي منه ثم حصل عليه حادث فمات ترث ؟ لا ترث ، لأنه لم يمت بالمرض ، وإن طلقها في مرض لكنه مرض ليس بمخوف وبعد ذلك ازداد به المرض حتى مات فإنها لا ترث ، وإن طلقها في مرض موته المخوف بطلبها فإنها لا ترث ، لماذا ؟ لأنه ليس متهما بقصد حرمانها ، إذا ينقطع التوارث بين الزوجين بالبينونة إلا في ما إذا طلقها في مرض موته المخوف متهما بحرمانها .
ما لم تتزوج زوجا آخر ؟ نعم ، وإذا ورثت منها في هذه الحال فإنه يمتد إرثها إلى أن تتزوج أو ترتد يعني إذا ورثت في حال البينونة على الشروط التي ذكرنا فإنها ترث ما لم تتزوج أو ترتد . ومن فوائدها: أن للزوج نصف بشرط عدمي وهو عدم الولد ، لقوله: (( إن لم يكن لهن ولد )) . ومن فوائدها: أنه لا فرق بين أن يكون الولد واحدا أو متعددا ذكرا أم أنثى ، وجه الدلالة في هذه الآية لأن كلمة (( ولد )) نكرة في سياق النفي فتشمل . وهل ولد الولد كالولد ؟ الجواب : نعم ، فلو كان لها ابن بنت فليس للزوج النصف ، لأن أولاد الأبناء كأولاد الصلب . ومن فوائدها: عناية الله سبحانه وتعالى بالمواريث ، حيث جاءت الآيات على هذا التفصيل ، لقوله: (( فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن )) . ومن فوائدها: أن المورايث مبنية على الحكمة ، ووجهه أنه إذا لم يكن للزوجة ولد فللزوج النصف ، ومع الولد الربع لتوفر المال لمن ؟ للولد . ومن فوائدها: ألا ميراث إلا بعد الدين والوصية ، لقوله: (( من بعد وصية يوصين بها أو دين )) . ومن فوائدها: أن الزوجة حرة في التصرف في مالها ، لقوله: (( يوصين بها )) فأضاف الفعل إليها ، إذا كانت لا تتصرف إلا بإذن الزوج فلربما منعها الزوج من الوصية ذلك يضره . وينبني على هذه الفائدة أمثلة: لو مات الميت وخلف ألفا وعليه ألف دينا فهل للورثة شيء ؟ لا ، لأن الدين مقدم على الميراث ، لكن كيف تكون الوصية مقدمة على الميراث كيف ذلك مع أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث ؟ يتضح هذا بالمثال ، فلو هلك هالك عن زوج وأخت شقيقة ، كان للزوج النصف لعدم الفرع والوارث ، وللشقيقة النصف لتمام شروط إرثها النصف ، وإذا قدرنا أن المال ستون ألفا صار للزوج ثلاثون ألفا وللأخت ثلاثون ألفا ، فإذا كانت المرأة المتوفاة قد أوصت بالثلث اختلف الحال ، قلنا: للوصية الثلث ، كم ؟ عشرون ألف ، وللزوج نصف الباقي ، وللأخت الشقيقة كذلك النصف عشرون ألف ، فأنت ترى الآن أن الوصية أعطيناها الحق كاملا ، كم أخذ الموصى له ؟ الثلث عشرين ، وتجد أن الميراث بدلا أن كان للزوج النصف لم يكن له الآن إلا الثلث ، وكذلك للأخت الشقيقة ، أعرفتم الآن ؟ فتبين الآن أن الوصية مقدمة على الميراث ، لو قدرنا أن الوصية كالميراث لاختلف الحكم ، لقلنا عندنا الثلث زائدا على الكل ، فتكون المسألة من تسعة ، للوصية كم ؟ ثلاثة ، وللزوج ثلاثة ، وللأخت ثلاثة ، ولكن الظاهر أننا أخطأنا ، نقول: المسألة ... النصف ثلاثة وللأخت الشقيقة النصف ثلاثة ، وللثلث اثنان تعود إلى ثمانية ، فيكون نصيب الثلث الآن الربع مع أننا أعطيناه حسب القسم الأولى أعطيناه ثلثا كاملا ... ، واضح ؟ لو قدرنا الوصية تقدم على الميراث ... أوصى بالثلث والميت وهو أنثى في المثال الذي ذكرنا ، وكان زوج وأخت شقيقة ، فإذا قلنا بتقديم الثلث أعطينا الموصى له من تركة ستين ألف عشرين ألف ، وبقي أربعون ألف نعطي الزوج عشرين ألفا وأخت شقيقة عشرين ألفا ، حقيقة عشرين ألفا التي هي النصف حقيقتها الآن الثلث ، إذا نقص حق الزوج ونقص حق الأخت الشقيقة ، والوصية هل نقصت أو لا ؟ لم تنقص ، أعطي الموصى له ثلثا كاملا وثلثه الآن يساوي النصف ، ولو قلنا بأن الوصية لا تقدم لكانت المسألة من ستة ، للزوج النصف ثلاثة ، وللأخت الشقيقة النصف ثلاثة ، وللوصية الثلث اثنان تعود إلى ثمانية ، يكون نصيب الوصية الآن كم ؟ كما أن نصيب الزوج ربع الثمن ونصيب الأخت رع الثمن ، فالحاصل الآن تبين أن الوصية مقدمة على الميراث ، لأن الموصى له يعطى سهمه كاملا ، ثم يقسم الباقي على الورثة على حسب ، عرفتم أن الوصية مقدمة على الميراث وهو واضح . ومن فوائدها: الحكمة في توزيع الميراث ، حيث جعل للأنثى من جنس الذكر نصف مال الذكر وذلك بذكر ميراث الزوجات . ومن فوائدها: بيان العدل ، بيان العدل في الدين الإسلامي ، حيث لم يحزم المرأة حقها من الميراث خلافا لما كانوا في الجاهلية يفعلونه ، حيث يحرمونها من الميراث ، ويظهر العدل بكونه ذكرا أو عبر عن ميراث الزوجة بمثل ما عبر به عن ميراث الزوج . ومن فوائدها: أنه إذا الحديث عن النساء والرجال ، فإن الحكمة أن يقدم الحديث عن الرجال ، لأنه بدأ بميراث الزوجات قبل ميراث الأزواج ، وهذا هو الموافق للفطرة خلافا لم حرف الله فطرته وغير سليقته فصار يقدم النساء على الرجال في الذكر ، ففي الإذاعات الغربية وإذاعة من قلدوها يقولون " أيها السيدات والسادة " وأخذت من ذلك من يكتب في الحمام " للسيدات " وإلى جنبه " حمام للرجال " ولا يقول للسادة ، يعني بدلا ما كانت الأنثى تطلب بحقها الآن نحن نطالب بحقنا ، حيث يجعل النساء سيدات والرجال بوصف الرجولة فقط لا بوصف السيادة ، وكل هذا مما يدل على ضعف الشخصية ، كما قاله الحكيم المؤرخ ابن خلدون في مقدمته التي كلها فلسفة كما يقولون حتى إن ... تكون لها ، لأنها فوق مستواها ، عظيمة جدا يقول: " عادة الأمم أن الأمة الضعيفة تقلد الأمة القوية ولو بالباطل " ونحن الآن استضعفنا أنفسنا وصرنا نقلد من قلب الله ... وسلبهم الدين في مثل هذه الأمور ـ نسأل الله أن يحمينا وإياكم ـ . ومن فوائدها: أن ميراث الإخوة من الأم ... الثلث إن كانوا اثنين فأكثر ، أو السدس إن كانوا واحدا فأقل ، إذا قال اثنين فأكثر ، أو السدس إن كانوا واحدا فأقل ؟ ما فيه أقل من واحد ؟ الخنثى المشكل الميراث سواء ، لأن ميراث الإخوة للأم يستوي فيه الذكور والإناث ، لكن لو فرض أنه مبعض ، إذا كان مبعضا فإنه لا يرث السدس ، وعلى هذا فقولنا " السدس للواحد فأقل " لا يستقيم أبدا ، إذا للواحد السدس وللجماعة اثنين فأكثر الثلث . ومن فوائدها: أنه يشترط لإرث الإخوة من الأم أن يكون الإرث كلالة أي ليس فيه فروع ولا أصول ذكور ، أما الأصول الإناث فإن الإخوة من الأم يرثون معهم . ومن فوائدها: التسوية بين الذكور والإناث في إرث الإخوة من الأم ، يؤخذ من قوله: (( فهم شركاء في الثلث )) وأصل الشركة يقتضي التسوية كما أن البينية للتسوية ، فإذا قلت لرجلين: هذه مائة درهم بينكما ، فلكل واحد خمسون ، وكذلك لما قال الله عزوجل في إرث الإخوة من الأم: (( فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث )) ولم يذكر تفضيل الذكر على الأنثى دل ذلك على أنهم سواء ، وهل يشاركهم غيرهم في التسوية بين الذكر والأنثى ؟ الجواب، لا ، إلا لعارض ، مثل أن يهلك هالك عن بنتين وأبوين ـ أم وأب ـ فهنا يستوي الأب والأم ، لأن البنتين تأخذان ثلثين وللأم السدس وللأب السدس ، لكن هذه التسمية لأمر عارض ، لأنه لم يبق شيء بعد الفروض حتى يأخذه الأب ، وثانيا: يرى بعض العلماء أن ذوي الأرحام لا يفرق بين ذكرهم وأنثاهم ، ... مات ميت عن ابن أخت شقيقة وبنت أخت شقيقة فلهما ميراث أمهما بالسوية ، والصحيح في هذه المسألة أنهم ـ أي ذوي الأرحام ـ إن أدلوا بما يفضل ذكرهم على أنثاهم فضل ذكرهم على أنثاهم ، وإن أدلوا بما لا يفضل ذكرهم على أنثاهم لا يفضل ذكرهم على أنثاهم ، مثال ذلك: ابن أخت الشقيقة وبنت أخت الشقيقة ، الإخوة الأشقاء قاعدة الفرائض أن يفضل الذكر على الأنثى ... فنقول في هذا المثال أي في ابن أخت الشقيقة وبنت أخت الشقيقة للذكر مثل حظ الأنثيين ، وفي ابن أخ من أم وبنت أخ من أم نقول الميراث بينهما بالسوية لأنهم أدلوا بمن لا يفضل ذكرهم على أنثاهم . ومن فوائدها: عناية الله عزوجل بالوصية والدين ، حيث إنه كلما ذكر ميراث قال: من بعد وصية أو دين ، ففي باب الفروع والأصول في الآية السابقة ... (( ... من بعد وصية يوصي بها أو دين )) ، وفي ميراث الزوجين قال بعد إرث كل زوج: (( من بعد وصية أو دين )) ، في الإخوة من الأم هنا قال: (( من بعد وصية يوصى بها أو دين )) . ومن فوائدها: أن الوصية المضار بها لاغية ، لقوله: (( غير مضار )) ووصية المضارة حرام وفيها إثم كبير حتى إنه روي عن النبي عليه الصلاة والسلام: إن الرجل أو المرأة ليعملان في الصالحات ثم يجوران في الوصية فيعذبان ، وهذا دليل على أن الجور في الوصية من كبائر الذنوب . ومن فوائدها: وجوب العمل بما فرضه الله تعالى في ... ، لقوله تعالى: (( وصية من الله )) والله عزوجل لا يوصي إلا بما هو حق ، قال الله تعالى: (( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله )) . ومن فوائدها: أن هذه الوصية مبنية على أمرين: العلم ، والحلم ، لقوله: (( وصية من الله والله عليم حليم )). ومن فوائدها: إثبات هذين الاسمين لله عزوجل ، وهما: العليم والحليم . وهل يدلان على صفتين ؟ العليم اسم والحليم اسم هل يدلان على صفتين ؟ نعم ، ما هما ؟ العلم ، العلم من أين مشتقه ؟ ، والحليم ؟ فهما يدلان على العلم والحلم ، والقاعدة عندنا أن كل اسم من أسماء الله فهو متضمن بصفة وليس كل صفة يشتق منها اسم ، ولهذا كانت الصفات أوسع من الأسماء .
ما لم تتزوج زوجا آخر ؟ نعم ، وإذا ورثت منها في هذه الحال فإنه يمتد إرثها إلى أن تتزوج أو ترتد يعني إذا ورثت في حال البينونة على الشروط التي ذكرنا فإنها ترث ما لم تتزوج أو ترتد . ومن فوائدها: أن للزوج نصف بشرط عدمي وهو عدم الولد ، لقوله: (( إن لم يكن لهن ولد )) . ومن فوائدها: أنه لا فرق بين أن يكون الولد واحدا أو متعددا ذكرا أم أنثى ، وجه الدلالة في هذه الآية لأن كلمة (( ولد )) نكرة في سياق النفي فتشمل . وهل ولد الولد كالولد ؟ الجواب : نعم ، فلو كان لها ابن بنت فليس للزوج النصف ، لأن أولاد الأبناء كأولاد الصلب . ومن فوائدها: عناية الله سبحانه وتعالى بالمواريث ، حيث جاءت الآيات على هذا التفصيل ، لقوله: (( فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن )) . ومن فوائدها: أن المورايث مبنية على الحكمة ، ووجهه أنه إذا لم يكن للزوجة ولد فللزوج النصف ، ومع الولد الربع لتوفر المال لمن ؟ للولد . ومن فوائدها: ألا ميراث إلا بعد الدين والوصية ، لقوله: (( من بعد وصية يوصين بها أو دين )) . ومن فوائدها: أن الزوجة حرة في التصرف في مالها ، لقوله: (( يوصين بها )) فأضاف الفعل إليها ، إذا كانت لا تتصرف إلا بإذن الزوج فلربما منعها الزوج من الوصية ذلك يضره . وينبني على هذه الفائدة أمثلة: لو مات الميت وخلف ألفا وعليه ألف دينا فهل للورثة شيء ؟ لا ، لأن الدين مقدم على الميراث ، لكن كيف تكون الوصية مقدمة على الميراث كيف ذلك مع أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث ؟ يتضح هذا بالمثال ، فلو هلك هالك عن زوج وأخت شقيقة ، كان للزوج النصف لعدم الفرع والوارث ، وللشقيقة النصف لتمام شروط إرثها النصف ، وإذا قدرنا أن المال ستون ألفا صار للزوج ثلاثون ألفا وللأخت ثلاثون ألفا ، فإذا كانت المرأة المتوفاة قد أوصت بالثلث اختلف الحال ، قلنا: للوصية الثلث ، كم ؟ عشرون ألف ، وللزوج نصف الباقي ، وللأخت الشقيقة كذلك النصف عشرون ألف ، فأنت ترى الآن أن الوصية أعطيناها الحق كاملا ، كم أخذ الموصى له ؟ الثلث عشرين ، وتجد أن الميراث بدلا أن كان للزوج النصف لم يكن له الآن إلا الثلث ، وكذلك للأخت الشقيقة ، أعرفتم الآن ؟ فتبين الآن أن الوصية مقدمة على الميراث ، لو قدرنا أن الوصية كالميراث لاختلف الحكم ، لقلنا عندنا الثلث زائدا على الكل ، فتكون المسألة من تسعة ، للوصية كم ؟ ثلاثة ، وللزوج ثلاثة ، وللأخت ثلاثة ، ولكن الظاهر أننا أخطأنا ، نقول: المسألة ... النصف ثلاثة وللأخت الشقيقة النصف ثلاثة ، وللثلث اثنان تعود إلى ثمانية ، فيكون نصيب الثلث الآن الربع مع أننا أعطيناه حسب القسم الأولى أعطيناه ثلثا كاملا ... ، واضح ؟ لو قدرنا الوصية تقدم على الميراث ... أوصى بالثلث والميت وهو أنثى في المثال الذي ذكرنا ، وكان زوج وأخت شقيقة ، فإذا قلنا بتقديم الثلث أعطينا الموصى له من تركة ستين ألف عشرين ألف ، وبقي أربعون ألف نعطي الزوج عشرين ألفا وأخت شقيقة عشرين ألفا ، حقيقة عشرين ألفا التي هي النصف حقيقتها الآن الثلث ، إذا نقص حق الزوج ونقص حق الأخت الشقيقة ، والوصية هل نقصت أو لا ؟ لم تنقص ، أعطي الموصى له ثلثا كاملا وثلثه الآن يساوي النصف ، ولو قلنا بأن الوصية لا تقدم لكانت المسألة من ستة ، للزوج النصف ثلاثة ، وللأخت الشقيقة النصف ثلاثة ، وللوصية الثلث اثنان تعود إلى ثمانية ، يكون نصيب الوصية الآن كم ؟ كما أن نصيب الزوج ربع الثمن ونصيب الأخت رع الثمن ، فالحاصل الآن تبين أن الوصية مقدمة على الميراث ، لأن الموصى له يعطى سهمه كاملا ، ثم يقسم الباقي على الورثة على حسب ، عرفتم أن الوصية مقدمة على الميراث وهو واضح . ومن فوائدها: الحكمة في توزيع الميراث ، حيث جعل للأنثى من جنس الذكر نصف مال الذكر وذلك بذكر ميراث الزوجات . ومن فوائدها: بيان العدل ، بيان العدل في الدين الإسلامي ، حيث لم يحزم المرأة حقها من الميراث خلافا لما كانوا في الجاهلية يفعلونه ، حيث يحرمونها من الميراث ، ويظهر العدل بكونه ذكرا أو عبر عن ميراث الزوجة بمثل ما عبر به عن ميراث الزوج . ومن فوائدها: أنه إذا الحديث عن النساء والرجال ، فإن الحكمة أن يقدم الحديث عن الرجال ، لأنه بدأ بميراث الزوجات قبل ميراث الأزواج ، وهذا هو الموافق للفطرة خلافا لم حرف الله فطرته وغير سليقته فصار يقدم النساء على الرجال في الذكر ، ففي الإذاعات الغربية وإذاعة من قلدوها يقولون " أيها السيدات والسادة " وأخذت من ذلك من يكتب في الحمام " للسيدات " وإلى جنبه " حمام للرجال " ولا يقول للسادة ، يعني بدلا ما كانت الأنثى تطلب بحقها الآن نحن نطالب بحقنا ، حيث يجعل النساء سيدات والرجال بوصف الرجولة فقط لا بوصف السيادة ، وكل هذا مما يدل على ضعف الشخصية ، كما قاله الحكيم المؤرخ ابن خلدون في مقدمته التي كلها فلسفة كما يقولون حتى إن ... تكون لها ، لأنها فوق مستواها ، عظيمة جدا يقول: " عادة الأمم أن الأمة الضعيفة تقلد الأمة القوية ولو بالباطل " ونحن الآن استضعفنا أنفسنا وصرنا نقلد من قلب الله ... وسلبهم الدين في مثل هذه الأمور ـ نسأل الله أن يحمينا وإياكم ـ . ومن فوائدها: أن ميراث الإخوة من الأم ... الثلث إن كانوا اثنين فأكثر ، أو السدس إن كانوا واحدا فأقل ، إذا قال اثنين فأكثر ، أو السدس إن كانوا واحدا فأقل ؟ ما فيه أقل من واحد ؟ الخنثى المشكل الميراث سواء ، لأن ميراث الإخوة للأم يستوي فيه الذكور والإناث ، لكن لو فرض أنه مبعض ، إذا كان مبعضا فإنه لا يرث السدس ، وعلى هذا فقولنا " السدس للواحد فأقل " لا يستقيم أبدا ، إذا للواحد السدس وللجماعة اثنين فأكثر الثلث . ومن فوائدها: أنه يشترط لإرث الإخوة من الأم أن يكون الإرث كلالة أي ليس فيه فروع ولا أصول ذكور ، أما الأصول الإناث فإن الإخوة من الأم يرثون معهم . ومن فوائدها: التسوية بين الذكور والإناث في إرث الإخوة من الأم ، يؤخذ من قوله: (( فهم شركاء في الثلث )) وأصل الشركة يقتضي التسوية كما أن البينية للتسوية ، فإذا قلت لرجلين: هذه مائة درهم بينكما ، فلكل واحد خمسون ، وكذلك لما قال الله عزوجل في إرث الإخوة من الأم: (( فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث )) ولم يذكر تفضيل الذكر على الأنثى دل ذلك على أنهم سواء ، وهل يشاركهم غيرهم في التسوية بين الذكر والأنثى ؟ الجواب، لا ، إلا لعارض ، مثل أن يهلك هالك عن بنتين وأبوين ـ أم وأب ـ فهنا يستوي الأب والأم ، لأن البنتين تأخذان ثلثين وللأم السدس وللأب السدس ، لكن هذه التسمية لأمر عارض ، لأنه لم يبق شيء بعد الفروض حتى يأخذه الأب ، وثانيا: يرى بعض العلماء أن ذوي الأرحام لا يفرق بين ذكرهم وأنثاهم ، ... مات ميت عن ابن أخت شقيقة وبنت أخت شقيقة فلهما ميراث أمهما بالسوية ، والصحيح في هذه المسألة أنهم ـ أي ذوي الأرحام ـ إن أدلوا بما يفضل ذكرهم على أنثاهم فضل ذكرهم على أنثاهم ، وإن أدلوا بما لا يفضل ذكرهم على أنثاهم لا يفضل ذكرهم على أنثاهم ، مثال ذلك: ابن أخت الشقيقة وبنت أخت الشقيقة ، الإخوة الأشقاء قاعدة الفرائض أن يفضل الذكر على الأنثى ... فنقول في هذا المثال أي في ابن أخت الشقيقة وبنت أخت الشقيقة للذكر مثل حظ الأنثيين ، وفي ابن أخ من أم وبنت أخ من أم نقول الميراث بينهما بالسوية لأنهم أدلوا بمن لا يفضل ذكرهم على أنثاهم . ومن فوائدها: عناية الله عزوجل بالوصية والدين ، حيث إنه كلما ذكر ميراث قال: من بعد وصية أو دين ، ففي باب الفروع والأصول في الآية السابقة ... (( ... من بعد وصية يوصي بها أو دين )) ، وفي ميراث الزوجين قال بعد إرث كل زوج: (( من بعد وصية أو دين )) ، في الإخوة من الأم هنا قال: (( من بعد وصية يوصى بها أو دين )) . ومن فوائدها: أن الوصية المضار بها لاغية ، لقوله: (( غير مضار )) ووصية المضارة حرام وفيها إثم كبير حتى إنه روي عن النبي عليه الصلاة والسلام: إن الرجل أو المرأة ليعملان في الصالحات ثم يجوران في الوصية فيعذبان ، وهذا دليل على أن الجور في الوصية من كبائر الذنوب . ومن فوائدها: وجوب العمل بما فرضه الله تعالى في ... ، لقوله تعالى: (( وصية من الله )) والله عزوجل لا يوصي إلا بما هو حق ، قال الله تعالى: (( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله )) . ومن فوائدها: أن هذه الوصية مبنية على أمرين: العلم ، والحلم ، لقوله: (( وصية من الله والله عليم حليم )). ومن فوائدها: إثبات هذين الاسمين لله عزوجل ، وهما: العليم والحليم . وهل يدلان على صفتين ؟ العليم اسم والحليم اسم هل يدلان على صفتين ؟ نعم ، ما هما ؟ العلم ، العلم من أين مشتقه ؟ ، والحليم ؟ فهما يدلان على العلم والحلم ، والقاعدة عندنا أن كل اسم من أسماء الله فهو متضمن بصفة وليس كل صفة يشتق منها اسم ، ولهذا كانت الصفات أوسع من الأسماء .
تفسير الآية : (( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم )) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تبارك وتعالى: (( تلك حدود الله ... )) هذه مكونة من مبتداء والخبر ، المبتداء اسم إشارة (( تلك )) والخبر (( حدود الله )) ، والمشار إليه ما سبق من مواريث في الآية ، ويحتمل أن يكون المشار إليه كل ما سبق من الأحكام قبل هذه الجملة ، وذلك أن القرآن وإن كان آيات مفصلات لكنه في الحقيقة كلام واحد من حيث المعنى والسياق ، ومعنى قولنا كلام واحد أن بعضه ينبني على بعض ، ولهذا اعتنى بعض المفسرين ببيان تناسب الآيات كما اعتنى بعضهم بتناسب السور ، وهذا بحث جيد ، ولكن لو قال قائل: إن الإشارة تعود إلى أقرب مذكور على حسب القاعدة ، أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور وكذلك الإشارة تعود إلى أقرب مذكور ، كان المراد بالمشار إليه هنا ما ذكر في هذه الآية: (( ولكم نصف ما ترك أزواجكم )) ، وقوله: (( حدود الله )) هي جمع حد ، والحد هو الشيء الفاصل بين شيئين ، ومنه حدود الأرض بعضها عن بعض ، وحدود الله عزوجل تنقسم إلى قسمين: حدود واجبات وحدود محرمات ، أما حدود الواجبات فهي ما أوجبه الله على عباده بشروطها وأركانها وواجباتها ، وأما حدود النواهي فهي ما حرمه الله على عباده كالزنا ، واللواط ، وشرب الخمر ، قتل النفس ، وغيرها ، قال أهل العلم: وإذا قال الله: (( تلك حدود الله فلا تعتدوها )) فهي من حدود الأوامر ، وإذا قال: (( تلك حدود الله فلا تقربوها )) فهي من حدود النواهي ، فالزنا مثلا نقول هو حد من حدود الله لا تقربوه ، والصلاة حد من حدود الله لا تعتدي يعني لا تجاوز ولا تعتدي ، قال: (( تلك حدود الله )) الآية هنا من حدود الأوامر أو النواهي ؟ من حدود الأوامر . ثم قال: (( ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار )) الجملة هذه شرطية ، اسم الشرط فيها " من " وفعل الشرط (( يطع )) وهو مجزوم بالسكون كما هو ظاهر ، وأصل (( يطع )) أصلها " يطيع " لكنها حذفت الياء لالتقاء الساكنين ، لأن العين استحقت السكون بالشرط وهي ساكنة ، وقد قال ابن مالك في الكافية:
إن ساكنان التقى يكسر ما سبق وإن يكن لينا فحذفه استحق
إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق ، وإن يكن لينا يعني حرف من حروف اللينة الثلاثة فحذفه استحق ، على أي نوع تنطبق الآية ؟ على الثاني ، إلا في قوله: (( يطع الله )) كسر العين فتكون على الأول ، إذا الآية جمعت بين الوجهين ، (( ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار )) فما هي الطاعة ؟ الطاعة قال العلماء هي موافقة الأمر وتكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي ، فتارك شرب الخمر امتثالا ... الله عزوجل يقال إنه مطيع ، والمصلي يقال إنه مطيع ، هذا إذا أفردت الطاعة فإنها تشمل فعل الأوامر وترك المعاصي ، وأما إذا قرنت بالمعصية فقيل مثلا " من أطاع الله ومن عصى الله " كانت الطاعة في الأوامر خاصة والمعصية في النواهي ، والآية التي معنا الآن من النوع الثاني أو الأول ؟ أول ، ما هو الثاني وما هو الأول ؟ مقرونة بيعصي ، إذا المراد بها القيام بالأوامر ، (( ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار )) (( يطع الله ورسوله )) عطف اسم الرسول عليه الصلاة والسلام أو وصفه على اسمه تعالى ، لأن طاعة الرسول من طاعة الله ، كما قال تعالى: (( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله )) وقوله: (( ورسوله )) المراد به حين نزول القرآن رسول معين وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما حين قيام الشرائع السابقة فالمراد بالرسول من كانت شريعته قائمة ، ففي عهد المسيح يكون المراد بالرسول عيسى ، وفي عهد موسى يكون المراد بالرسول موسى ، وهلم جرا ، لكن بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يكون المراد بالرسول محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، (( يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار )) (( يدخله )) هذه جواب الشرط ، وهي مجزومة بالسكون ، ومقتضى الدلالة العقلية أن الشرط يترتب على المشروط ، فالمشروط هنا هو الطاعة أو الشرط الطاعة والمشروط الجزاء والثواب ، فالمشروط يترتب على الشرط ترتبا عقليا ، فهنا يكون قوله: (( يدخله )) هو ... الذي اشترطه الله عزوجل لمن أطاعه ، فيكون نتيجة حتمية ضرورة صدق المخبر به وهو من ؟ الله عزوجل ، لأن المخبر به هو الله وهو أصدق القائلين ، والمخبر به قادر على فعله ، ولهذا تجدون أن الله تعالى يقول في القرآن: (( إن الله لا يخلف الميعاد )) لأنه كامل الصدق كامل القدرة ، وإخلاف الوعد يأتي من أحد أمرين ، إما الكذب أي كذب الوعد ، وإما العجز أي عدم القدرة ، والله عزوجل لا يخلف الميعاد ، (( يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار )) (( جنات )) جمع جنة وهي في الأصل: البستان الكثير الأشجار ، وسمي بذلك لأنه يستر من كان فيه لكثرة أشجاره ، وهذه المادة " الجيم والنون " تدل على الستر ، انظر إلى لفظ " الجنان " وهو القلب لأنه مستتر ، " الأجنة " وهي الأحمال في بطون الأمهات لأنها مستترة ، " الجن " لأنهم مستترون ، " الجنة " ما يستتر به المقاتل لأنها تستره ، فهذه المادة كلها تدور على هذه المعنى ، فالجنات هي البساتين الكثيرة الأشجار ، ولكنه لا يحسن أن نفسرها في هذا الموضع بهذا المعنى ، لأنك إذا فسرتها بهذا المعنى فكأنما حصرت مدلولها بما يعرفه الناس وسوف تقلل من أهمية الجنة الموعود بها ، ولهذا ينبغي أن يفسرها ـ أعني الجنات النعيم ـ بأنها الدار التي أعدها الله لأوليائه وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فإذا فسرتها بهذا التفسير بقيت هيبتها في النفوس ، لكن لو تفسرها بالمعنى الأول توهم الإنسان وقال هذا كبستان فلان ابن فلان كثير الأشجار وكثير النخيل وما أشبه ذلك ، وهي أعظم مما في الدنيا بأضعاف مضاعفة لا يعلمها إلا الله ، قال ابن عباس رضي الله عنهما " ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء : وإلا فالحقائق تختلف ، قال الله تعالى: (( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون )) وقال: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )) ، وفي الحديث القدسي: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) ، وقوله: (( تجري من تحتها الأنهار )) (( تجري )) الجريان معروف وهو سير الماء على الأرض ، وقوله: (( من تحتها )) أي من تحت هذه الجنات يعني أشجار ... وظل وأنهار تجري ، لو تخيل الإنسان هذا النعيم لوجده أكبر نعيم ، وهذه الأنهار فسرها الله عزوجل في سورة القتال بقوله: (( فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )) ما هو عسل النحل ، عسل مصفى خلقه الله هكذا ، لبن ليس لبن البقر أو الغنم ، أنهار خلقها الله عزوجل ، كذلك أيضا الماء لا يأس أبدا مهما طالت مدته بخلاف ماء الأرض فإنه يأسن أي تتغير رائحته بطول المكث ، الخمر لذة لا فيه غول و لا هم عنها ينزفون ، وقوله: (( من تحتها الأنهار )) قال العلماء إنها تجري من تحتها لا تحتاج إلى بناء يمنع تسرب الماء ولا إلى حفر أخدود ، تسيل هكذا حيث ما أردت ، قال ابن القيم في النونية :
أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان
فهي أنهار لا تحتاج إلى حفر الشواطئ ولا إلى إقامة حدود ، تجري هكذا على الأرض ، وقال أهل العلم أيضا إنها تجري حيث ما أراد الإنسان بدلا من أن يأتي بمواد البناء والتوجيه، يريدها بالقلب أو يأمرها بلسانه ، ـ اللهم اجعلنا من أهلها ـ ، (( خالدين فيها وذك الفوز العظيم )) (( خالدين )) هذه حال ، حال من أين ؟ من ضمير (( يدخله )) ولكن يشكل عليه أن الحال كالنعت والنعت يتبع المنعوت في إفراده وتثنيته وجمعه ، وهنا صاحب الحال مفرد والحال جمع ، فكيف الجواب ؟ الجواب عن ذلك أن نقول: إن صاحب الحال عائد على " من " الشرطية ، و" من " الشرطية يجوز فيها مراعاة لفظها ومراعاة معناها ، فإن راعيت اللفظ أعدت الضمير إليها مفردا وإن راعيت المعنى أعدت الضمير إليها جمعا ، وكذلك ما يشبه الضمير من الحال والصفة وما أشبهها يجوز مراعاة المعنى ومراعاة اللفظ ، فهنا يقول: (( يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها )) فاللفظ في قوله: (( يدخله )) والمعنى في قوله: (( خالدين )) ، ويجوز أن تراعي اللفظ والمعنى وتعود مرة ثانية لمراعاة اللفظ ، قال الله تعالى في آخر سورة الطلاق: (( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا )) فراعى في الأول اللفظ ثم راعى المعنى ثم راعى للفظ ، وهذا جائز في اللغة العربية ، يقول: (( خالدين فيها )) قوله: (( خالدين فيها )) الخلود قال العلماء هو المكث الدائم إلا أن يدل دليل على أنه مؤقت فيراد به المكث الطويل وإلا فالأصل أن الخلود الدوام ، لكن إن وجد يدل على أن المراد به طول المكث عمل به ، (( خالدين فيها وذلك الفوز العظيم )) (( ذلك )) المشار إليه ما ذكر من هذا الثواب الذي أعده الله لمن أطاعه ، (( الفوز العظيم )) الفوز معناه الربح ، يقال: فاز فلان ، بمعنى ربح ، والعظيم معناه ذو العظمة ، والعظمة هي ضخامة الشيء وجلالة الشيء وكثرة الشيء أيضا
إن ساكنان التقى يكسر ما سبق وإن يكن لينا فحذفه استحق
إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق ، وإن يكن لينا يعني حرف من حروف اللينة الثلاثة فحذفه استحق ، على أي نوع تنطبق الآية ؟ على الثاني ، إلا في قوله: (( يطع الله )) كسر العين فتكون على الأول ، إذا الآية جمعت بين الوجهين ، (( ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار )) فما هي الطاعة ؟ الطاعة قال العلماء هي موافقة الأمر وتكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي ، فتارك شرب الخمر امتثالا ... الله عزوجل يقال إنه مطيع ، والمصلي يقال إنه مطيع ، هذا إذا أفردت الطاعة فإنها تشمل فعل الأوامر وترك المعاصي ، وأما إذا قرنت بالمعصية فقيل مثلا " من أطاع الله ومن عصى الله " كانت الطاعة في الأوامر خاصة والمعصية في النواهي ، والآية التي معنا الآن من النوع الثاني أو الأول ؟ أول ، ما هو الثاني وما هو الأول ؟ مقرونة بيعصي ، إذا المراد بها القيام بالأوامر ، (( ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار )) (( يطع الله ورسوله )) عطف اسم الرسول عليه الصلاة والسلام أو وصفه على اسمه تعالى ، لأن طاعة الرسول من طاعة الله ، كما قال تعالى: (( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله )) وقوله: (( ورسوله )) المراد به حين نزول القرآن رسول معين وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما حين قيام الشرائع السابقة فالمراد بالرسول من كانت شريعته قائمة ، ففي عهد المسيح يكون المراد بالرسول عيسى ، وفي عهد موسى يكون المراد بالرسول موسى ، وهلم جرا ، لكن بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يكون المراد بالرسول محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، (( يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار )) (( يدخله )) هذه جواب الشرط ، وهي مجزومة بالسكون ، ومقتضى الدلالة العقلية أن الشرط يترتب على المشروط ، فالمشروط هنا هو الطاعة أو الشرط الطاعة والمشروط الجزاء والثواب ، فالمشروط يترتب على الشرط ترتبا عقليا ، فهنا يكون قوله: (( يدخله )) هو ... الذي اشترطه الله عزوجل لمن أطاعه ، فيكون نتيجة حتمية ضرورة صدق المخبر به وهو من ؟ الله عزوجل ، لأن المخبر به هو الله وهو أصدق القائلين ، والمخبر به قادر على فعله ، ولهذا تجدون أن الله تعالى يقول في القرآن: (( إن الله لا يخلف الميعاد )) لأنه كامل الصدق كامل القدرة ، وإخلاف الوعد يأتي من أحد أمرين ، إما الكذب أي كذب الوعد ، وإما العجز أي عدم القدرة ، والله عزوجل لا يخلف الميعاد ، (( يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار )) (( جنات )) جمع جنة وهي في الأصل: البستان الكثير الأشجار ، وسمي بذلك لأنه يستر من كان فيه لكثرة أشجاره ، وهذه المادة " الجيم والنون " تدل على الستر ، انظر إلى لفظ " الجنان " وهو القلب لأنه مستتر ، " الأجنة " وهي الأحمال في بطون الأمهات لأنها مستترة ، " الجن " لأنهم مستترون ، " الجنة " ما يستتر به المقاتل لأنها تستره ، فهذه المادة كلها تدور على هذه المعنى ، فالجنات هي البساتين الكثيرة الأشجار ، ولكنه لا يحسن أن نفسرها في هذا الموضع بهذا المعنى ، لأنك إذا فسرتها بهذا المعنى فكأنما حصرت مدلولها بما يعرفه الناس وسوف تقلل من أهمية الجنة الموعود بها ، ولهذا ينبغي أن يفسرها ـ أعني الجنات النعيم ـ بأنها الدار التي أعدها الله لأوليائه وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فإذا فسرتها بهذا التفسير بقيت هيبتها في النفوس ، لكن لو تفسرها بالمعنى الأول توهم الإنسان وقال هذا كبستان فلان ابن فلان كثير الأشجار وكثير النخيل وما أشبه ذلك ، وهي أعظم مما في الدنيا بأضعاف مضاعفة لا يعلمها إلا الله ، قال ابن عباس رضي الله عنهما " ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء : وإلا فالحقائق تختلف ، قال الله تعالى: (( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون )) وقال: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )) ، وفي الحديث القدسي: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) ، وقوله: (( تجري من تحتها الأنهار )) (( تجري )) الجريان معروف وهو سير الماء على الأرض ، وقوله: (( من تحتها )) أي من تحت هذه الجنات يعني أشجار ... وظل وأنهار تجري ، لو تخيل الإنسان هذا النعيم لوجده أكبر نعيم ، وهذه الأنهار فسرها الله عزوجل في سورة القتال بقوله: (( فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )) ما هو عسل النحل ، عسل مصفى خلقه الله هكذا ، لبن ليس لبن البقر أو الغنم ، أنهار خلقها الله عزوجل ، كذلك أيضا الماء لا يأس أبدا مهما طالت مدته بخلاف ماء الأرض فإنه يأسن أي تتغير رائحته بطول المكث ، الخمر لذة لا فيه غول و لا هم عنها ينزفون ، وقوله: (( من تحتها الأنهار )) قال العلماء إنها تجري من تحتها لا تحتاج إلى بناء يمنع تسرب الماء ولا إلى حفر أخدود ، تسيل هكذا حيث ما أردت ، قال ابن القيم في النونية :
أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان
فهي أنهار لا تحتاج إلى حفر الشواطئ ولا إلى إقامة حدود ، تجري هكذا على الأرض ، وقال أهل العلم أيضا إنها تجري حيث ما أراد الإنسان بدلا من أن يأتي بمواد البناء والتوجيه، يريدها بالقلب أو يأمرها بلسانه ، ـ اللهم اجعلنا من أهلها ـ ، (( خالدين فيها وذك الفوز العظيم )) (( خالدين )) هذه حال ، حال من أين ؟ من ضمير (( يدخله )) ولكن يشكل عليه أن الحال كالنعت والنعت يتبع المنعوت في إفراده وتثنيته وجمعه ، وهنا صاحب الحال مفرد والحال جمع ، فكيف الجواب ؟ الجواب عن ذلك أن نقول: إن صاحب الحال عائد على " من " الشرطية ، و" من " الشرطية يجوز فيها مراعاة لفظها ومراعاة معناها ، فإن راعيت اللفظ أعدت الضمير إليها مفردا وإن راعيت المعنى أعدت الضمير إليها جمعا ، وكذلك ما يشبه الضمير من الحال والصفة وما أشبهها يجوز مراعاة المعنى ومراعاة اللفظ ، فهنا يقول: (( يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها )) فاللفظ في قوله: (( يدخله )) والمعنى في قوله: (( خالدين )) ، ويجوز أن تراعي اللفظ والمعنى وتعود مرة ثانية لمراعاة اللفظ ، قال الله تعالى في آخر سورة الطلاق: (( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا )) فراعى في الأول اللفظ ثم راعى المعنى ثم راعى للفظ ، وهذا جائز في اللغة العربية ، يقول: (( خالدين فيها )) قوله: (( خالدين فيها )) الخلود قال العلماء هو المكث الدائم إلا أن يدل دليل على أنه مؤقت فيراد به المكث الطويل وإلا فالأصل أن الخلود الدوام ، لكن إن وجد يدل على أن المراد به طول المكث عمل به ، (( خالدين فيها وذلك الفوز العظيم )) (( ذلك )) المشار إليه ما ذكر من هذا الثواب الذي أعده الله لمن أطاعه ، (( الفوز العظيم )) الفوز معناه الربح ، يقال: فاز فلان ، بمعنى ربح ، والعظيم معناه ذو العظمة ، والعظمة هي ضخامة الشيء وجلالة الشيء وكثرة الشيء أيضا
اضيفت في - 2006-04-10