تتمة تفسير الآية : (( واللاتي يأتين الفاحشة من نسآئكم فاستشهدوا عليهن أربعةً منكم ... )) .
تتمة تفسير الآية الكريمة: (( واللاتي يأتين الفاحشة من نسآئكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا )) . ولكن يبقى نظر آخر ، لماذا عبر في حق النساء بـ(( اللاتي )) وفي حق الذكور بـ(( اللذان )) ؟ لأن فشو الزنا في النساء أكثر من فشو اللواط في الذكور ، وكانوا في الجاهلية لا يعرفون اللوطية حتى إن بعضهم يقول " لو لا أن الله قص علينا ما قص من نبئ قوم لوط ما كنا نتصور أن هذا يقع " لأنه من يتصور أن رجلا يرضى أن يفعل به كما يفعل بالمرأة ، هذا شيء مستحيل فطرة ومستحيل شرعا ، فلذلك عبر عن اللواط بأدنى ما يمكن أن يتحقق به ، ما هو أدنى ما يمكن أن يتحقق به ؟ اثنان ، بخلاف الزنا في النساء فإنه كثير ، (( واللذان يأتيانها منكم ))(( يأتيانها )) الضمير يعود على (( الفاحشة )) وفاحشة الرجال هي اللواط وهي أعظم من فاحشة الزنا ، والدليل على عظمتها أن لوطا قال لقومه: (( أتأتون الفاحشة )) وفي الزنا قال الله عزوجل: إنه كان فاحشة من الفواحش ، أما هذا (( الفاحشة )) لأنها والعياذ بالله مستفحشة كل إنسان ، ثم إن الزنا جنسه مما يباح بالعقد ، واللواط ؟ لا يباح بأي حال من الأحوال لا بعقد ولا بغيره فكان أفحش
تفسير الآية : (( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابًا رحيمًا )) .
(( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما )) آذوهما بماذا ؟ بالسب والتعيير والضرب والإعراض ، على سبيل التعزير ، والهجر ، وما أشبه ذلك ، المهم افعلوا ما يتأذيان به (( فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما )) إن تابا مما وقع منهما وأصلحا عملهما في المستقبل (( فأعرضوا عنهما )) لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، فيعرض عنهما ، لأن السبب مادام موجودا فالمسبب يتبعه فإذا زال السبب زال المسبب (( إن الله كان توابا رحيما ))(( إن الله كان توابا )) توابا )) صيغة مبالغة وذلك لكثرة توبته وكثرة من يتوب عليهم ، فالذين يتوب الله عليهم لا يحصون وتوبته عزوجل لا تحصى ، فلهذا عبر بصيغة المبالغة ، والتائب من ؟ توبة الله على العبد نوعان: توبة قبل فعل التوبة ، وتوبة بعدها ، فالتوبة التي قبل فعل التوبة معناها التوفيق ، معناها التوفيق للتوبة كما قال تعالى: (( ثم تاب عليهم ليتوبوا )) والتوبة التي بعد التوبة هي قبول التوبة كما قال تعالى: (( وهو الذي قبل التوبة عن عباده )) والله سبحانه وتعالى تواب بهذا المعنى وبهذا المعنى ، فهو تواب أي مهيئ للتوبة فيمن شاء من عباده ، وتواب أي قادر للتوبة ، و(( رحيما )) أي ذو رحمة يوصلها إلى من شاء من عباده ، كما قال تعالى: (( يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون )) . وفي هذه الآية شيء من الإشكال وهو قوله: (( كان توابا رحيما )) فإن المعروف أن " كان " للمضي ويفهم منها أن هذا الوصف كان فزال ، كما لو قلت: كان فلان طالب علم ، يعني فيما مضى ، أجاب العلماء عن هذا الإشكال بأن " كان " قد تسلب منها الدلالة على الزمن ويكون المراد بها تحقق الاتصاف بخبرها ، وكلما أضيف إلى الله م هذا التركيب فإن هذا هو المراد به (( إن الله كان غفورا رحيما ))(( وكان الله على كل شيء قديرا ))(( وكان الله بكل شيء محيطا )) وما أشبه ذلك المراد أنه متصف به أزلا وأبدا ، ولكن أتت " كان " لتحقيق اتصافه بهذا الوصف .
أحسن الله إليك قوله تعالى (( فأعرضوا عنهما)) هذا قبل القدرة عليهما أو بعدها؟
السائل : أحسن الله إليك ، قوله تعالى: (( فأعرضوا عنهما )) هذا قبل القدرة عليهما أو بعد القدرة ؟ الشيخ : لا ، بعد القدرة ، لكن هذا الحكم سيأتي الكلام عليه إن شاء الله .
في قوله تعالى في سورة هود (( خالدين فيها ما دامت السموات والأرض...))، فما الفرق بين جزاء المؤمنين والكافرين في الآية ففي الكفار قال(( إن ربك فعال لما يريد)) وفي المؤمنين قال(( عطاء غير مجذوذ))؟
السائل : في قوله تعالى في سورة هود: (( خالدين فيها مادامت السموات والأرض ... )) فما الفرق بين جزاء المؤمنين والكافرين في الآية ؟ ففي الكفار قال: (( إن ربك فعال لما يريد )) وفي المؤمنين قال: (( عطاء غير مجذوذ )) ؟ الشيخ : نعم (( عطاء غير مجذوذ )) وقال في النار: (( إنك ربك فعال لما يريد )) ... ، كلها قال: (( ما دامت السموات والأرض )) ، ما الفرق بينهما ؟ الفرق لأنه لما كان هذا فضلا بين أنه فضل ممتد ولما كان هذا عقوبة قال: (( إن ربك فعال لما يريد )) فهو فعل هذه العقوبة لأن ذلك مقتضى إرادته .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، (( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدكم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )) .
مناقشة عن معاني الآيتين : (( واللاتي يأتين الفاحشة من نسآئكم فاستشهدوا عليهن أربعةً منكم ... )) والآية : (( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابًا رحيمًا )) .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، سبق لنا أن الله تعالى جعل عقوبة اللاتي يزنين ؟ فآذوهن و أمسكوهن أو يجعل الله لهن سبيلا ، تمام . الشيخ : ما هي السبيل التي جعل الله لهن ؟ الطالب : قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عبادة بن الصامت: ( خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ). الشيخ : هل يعتبر هذا من النسخ ؟ الطالب : لا يعتبر النسخ ، الشيخ : لماذا ؟ الطالب : لأن الحكم مؤقت ، الشيخ : نعم الحكم الآن مؤقت ليس عاما في كل وقت ، فيكون قوله: (( فأمسكوهن في البيوت )) الشيخ : قوله: (( واللذان يأتيانها منكم )) ماذا يراد به ؟ الطالب : قيل: إنه الرجل يأتي الرجل ، وقيل إنه الزنا . الشيخ : بناء على الثاني كيف يخرج (( اللذان يأتيانها منكم )) ؟ يعني نقول في (( اللذان يأتيانها منكم )) أي اللذان يزنيان ؟ فيكون الرجل يؤذى فقط والمرأة تحبس ، الشيخ : تحبس ؟ الطالب : حتى يأتيها الموت أو يجعل الله لها سبيلا . الشيخ : الرجل إذا أتى الرجل ، هذا وجه هذا ما فيه إشكال ، الإشكال على قول من يقول (( اللذان يأتيانها منكم )) هما الزانيان ؟ الطالب : لأنه سبق حكم الزانية ، الشيخ : لما عبر بالجمع للنساء وبالتثنية للرجال ؟ الطالب : لأن الزنا في النساء أكثر منه في الرجال فإن البغايا في الجاهلية كالجراد المنتشرات . الشيخ : على القول بأن المراد من (( اللذان يأتيانها منكم )) الرجل يأتي الرجل كيف يصح أن يكون المأتي آتيا ؟ الطالب : لما كان المأتي كان حكمه كحكم الفاعل ، أحسنت القادم كالفاعل .
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، قال الله تبارك وتعالى: (( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ... )) . من فوائد هذه الآية الكريمة: عظم الزنا وأنه من الفواحش ، لأنه بالاتفاق أنه يراد بذلك الزنا ، والقول بأنه السحاق قول ضعيف لا يمول عليه . ومن فوائدها: أنه لابد في الزنا من شهادة أربعة رجال عدول ، لقوله: (( فاستشهدوا عليهن أربعة )) وقوله: (( منكم )) الخطاب للمؤمنين والصحابة كلهم عدول ، أو نقول إنه (( منكم )) الخطاب للصحابة كلهم ويحمل هذا الإطلاق على العدالة كما قال تعالى: (( واشهدوا ذوي عدل منكم )) . ومن فوائدها: الإشارة إلى أن الرجل أقوى في الشهادة من المرأة وأثبت ، وذلك لأن الله تعالى لم يعتبر في الزنا إلا شهادة الرجال . ومن فوائدها: أن الحد يدرأ بالشبهة ، وذلك لأن اشتراط أربعة رجال من أجل إثبات الشهادة ، وشهادة النساء الأربع فيها شبهة لأنهن لم يثبتن كما قال تعالى: (( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى )) ولاشك أن الحدود تدرأ بالشبهات ، ولكن يبقى عندنا مناط الحكم بمعنى ما هي الشبهة التي يدرا بها الحد ، فمن العلماء من توسع فيها حتى قال إنه لو استأجر امرأة للزنا فزنا بها فلا حد عليه ، لأن استئجاره إياها شبهة كما لو استأجر بيتا يسكن به ، ومن العلماء من توسط ، ومنهم من شدد ، و الغالب أن الأقوال إذا اختلفت على ثلاثة أن الوسط هو الصحيح ، هذا هو الغالب . ومن فوائدها: أنه لابد من تصريح الشهداء بالشهادة في باب الزنا ، لقوله: (( فإن شهدوا )) ولهذا بجب أن يقول الشهود: رأينا ذكره في فرجها قد أدخله فيه ، كما يدخل الم ... في مكحلة ، فلا يكفي أن يقول الشهود: رأينا رجلا على امرأة وهما عراة ورأينا ذكره بين فخذيها ، ما يكفي هذا ، لابد من التصريح بالجماع كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لماعز: ( ... ) ، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في زمنه " إنه لم يثبت حد الزنا بالشهادة إلى يومنا هذا " لم يثبت بالشهادة لماذا ؟ لأنها صعبة . فإن قال قائل: هل يمكن أن نثبته بالتقاط الصورة ؟ قلنا كنا نقول بذلك ، لكن لما تبين لنا دبلجة المصورين قلنا لا نثبت ، أتعرفون الدبلجة ؟ يعني يجمعون صورة ويجعلون رجلا على امرأة قد جامعها وليس الأمر كذلك ، ومشكلة الدبلجة هذه نسأل الله أن يكفينا شرها ، بدءوا يدبلجون الكلام الآن كما قيل لي ، يأخذون مثلا من كلامي حرف ، حرفا في كلمة من الكلمات وحرفا من كلمة أخرى ويركبون بعض على بعض وينشرون خطبة بصوتي على ما يريدون هم ، أعرفتم ؟ يجمعون الحروف ثم يصيغونها كلمات على ما يريدون والصوت صوتي ، وأنا برأت كلامي ، فمشكلة حقيقة ، أي إنسان يريد أن يتقول على شخص الآن يمكنه ، لكن نرجوا الله أن لا يجيب فيروسات لهذه الآلات كما يهددون الآن بفيروس الكمبيوتر حتى نسلم من شرها ويسلم الناس من شرها . ومن فوائدها: أن حبس المرأة في بيتها من أسباب درء الفتنة ، لقوله: (( فأمسكوهن )) لأن هذا نوع من العقوبة من وجه وكف لأسباب الفتنة من وجه آخر . ومن فوائدها: الإشارة إلى أن البيت خير للمرأة ، لقوله: (( فأمسكوهن في البيوت )) وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( بيوتهن خير لهم ) . ومن فوائدها: أنه لا يجوز حبس المرأة في بيتها بحيث تمنع من الخروج إلا إذا كانت هناك فتنة والشر وإلا فالأصل أنها لا تمنع من الخروج من البيت ، ويؤيد هذا أن الله تعالى أوجب بقاء المرأة المتوفى عنها زوجها في بيتها ، فدل هذا على أن غيرها لا يلزمها البقاء في البيت ، وهو كذلك ، فالبيت ينبغي أن نرغب النساء في البقاء فيه ولكن لا يلزمهن بذلك . ومن فوائدها: مشروعية العقوبة بالحبس المؤبد ، توافقون على هذا ؟ أو أن من العقوبة الحبس المؤبد أصلا ؟ الثاني هو الأقرب أن للعقوبة بالحبس المؤبد أصلا في الشرع ، أما أن يجعل ذلك مشروعا وهو قد نسخ ففي النفس منه شيء . ومن فوائدها: إثبات الجعل لله عزوجل ، لقوله: (( أو يجعل الله لهن سبيلا )) والجعل نوعان: جعل شرعي ، وجعل كوني قدري ، فمن أمثلة الجعل الشرعي قوله تعالى: (( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس )) وقوله: (( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ))(( ما جعل )) أي جعلا شرعيا ، أما قدريا فإنه قد جعل ذلك ، البحيرة والسائبة والوصيلة والحام موجودة ، ومثال الجعل الكوني أو وأمثلة الجعل الكوني كثيرة في القرآن مثل: (( وجعلنا نوركم ثباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا )) والأمثلة كثيرة . ومن فوائدها: إثبات الأفعال الاختيارية لله عزوجل يعني إثبات صفة الفعل المتجدد لله ، واعلم أن الفعل المضاف إلى الله نوعان: جنس ، ونوع ، جنس ، ونوع ، وفرد ، ثلاث أنواع: جنس ، ونوع ، وفرد ، أما الجنس فهو صفة أبدية أزلية أي أن الله لم يزل ولا يزال فعالا ، فهو فعال في الأزل كما هو فعال في الأبد ، ولهذا كان القول الراجح من أقوال العلماء القول بتسلسل الحوادث في الماضي كما هي في مستقبل ، لكننا لا نعلم ما تسلسلت الماضي إلا ما أخبرنا به فقط وإلا فنحن نؤمن بأن الله لم يزل ولا يزال فعالا سبحانه وتعالى ، الثاني: النوع ، النوع مثل الاستوى على العرش وهذا حادث فإن الله لم يستوي على العرش قبل خلق العرش ، أما الآحاد فكثير ، كالنزول إلى السماء الدنيا كل ليلة ، والمجيء للفصل بين العباد ، والنزول إلى السماء الدنيا عشية عرفة ، والغضب عند وجود السبب ، والرضى عند وجود سببه ، والضحك عند وجود سببه ، والعجيب عند وجود سببه ، أشياء كثيرة ، وقد أثبت أهل السنة والجماعة ذلك وأنكر هذا الأشاعرة والمعتزلة ومن سلك سبيلهم وقالوا لا يمكن أن يوصف الله بصفة حدوثية أبدا ، ولهذا يرون القرآن الذي بين أيدينا يرونه قديما ، وعللوا هذا الحكم الفاسد فقالوا إن قيام الحوادث بالله عزوجل يقتضي أن يكون حادثا لأن الحوادث لا تقوم إلا بحادث ، ولاشك أن هذه علة عليلة بل ميتة ، من قال لهم هذا ؟ بل كون الحوادث بالله عزوجل وأنه يفعل ما يريد دليل على كماله وكمال حياته ، ولو تصور الإنسان ربا لا يفعل وربا يفعل لكان مقتضى الفطرة أن الثاني أكمل بلاشك ، فالصواب بلاشك أن أفعال الله سبحانه وتعالى كما تكون جنسا تكون نوعا وتكون فردا آحادا .
فوائد الآية : (( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابًا رحيمًا )) .
ثم قال الله عز وجل: (( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما )) . يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن اللواط له حكمان: الحكم الأول ما دلت عليه الآية ، والحكم الثاني ما دلت عليه السنة ، أما ما دلت عليه الآية فهو أن الذي يتفحش من الرجال يؤذى بالقول ، يؤذى بالفعل ، يؤذى بالهجر ، يؤذى بأنواع الأذى ، وكثير من الناس قد تكون أذيته أشد من ضربه وأشد من حبسه ، أما الحكم الثاني ما دلت عليه السنة وهو قتل الفاعل والمفعول به ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) ولا يحمله هنا المطلق على المقيد فيقال: اقتلوا الفاعل والمفعول به إذا كانا محصنين ، كما هو الشأن في الزنا ، وذلك لأن من شرط حمل المطلق على المقيد أن يكون الحكم واحدا والسبب واحدا ، وهنا اختلف السبب والحكم ، فهنا كالسبب الزنا وهو في فرج يحل في الجملة ، صح ؟ متى يحل ؟ بعقد النكاح الصحيح أو ملك اليمين ، وهذا استباحة فرج لا يحل أبدا ، كذلك أيضا هذه الفاحشة يعصر التحرز منها بخلاف الزنا ، لأنها تكون بين الذكور ومن يحبس الذكور بعضهم عن بعض لا يمكن حبسه ، التحرز منها صعبة ، فإذا لم يكن لها عقوبة قوية انتشرت في المجتمع ، وإذا انتشرت في المجتمع فسد الرجال والنساء ، لأن من عقوبة اللوطي ألا يشتهي النساء فإذا لم يشتهي النساء بقيت النساء متعطلة وحصل الشر والفساد ، والدليل أن من عقوبة اللوطي أنه ينزع منه شهوة النساء قول لوط لقومه: (( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم )) فإنهم لم يذروا النساء إلا لأنها صلبت شهوة النساء من نفوسهم وإلا فإن الإنسان بفطرته يميل إلى النساء ، وهذه العقوبة إذا انتشرت في المجتمع فسدت فسد رجاله ونسائه وتعطلت مصالحه ، فلهذا كانت الحكمة تقتضي القضاء على هذه الجرثومة الفاسدة قتل ، ولا يصلح أن يحمل هذا المطلق على المقيد لما علمتم من اختلاف السبب والحكم ، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الصحابة أجمعوا على قتل الفاعل والمفعول به إلا أنهم اختلفوا في كيفية القتل ، فمنم من قال يلقيان من شاحق من أعلى مكان في البلد ثم يتبعان بالحجارة ، ومنهم من قال يرجمان ، ومنهم من حرق اللوطي ، الفاعل والمفعول به ، لأن جريمتهما عظيمة ومنكرة ، سماها لوط: الفاحشة ، والزنا في كتاب الله (( إنه كان فاحشة )) والأول أشد . ومن فوائدها: أن من تاب وأصلح وجب الكف عن عقوبته ، وقد صرح الله في آية المحاربين في سورة المائدة أن ذلك مشروط بما إذا تاب قبل القدرة عليهم ، قال تعالى: (( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم )) أما لو تاب بعد القدرة فإنه لا تغفر عنه العقوبة ، لكن الذي يظهر من السنة أن ما ثبت بإقرار ثم تاب فإنه يترك يتوب ، ودليل ذلك حديث ماعز بن مالك رضي الله عنه حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقر عنده بالزنا فأمر برجمه فلما أدلقته الحجارة يعني أصابه مس الحجارة هرب ولكن الصحابة لكون الرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم برجمه قالوا لابد من تنفيذ أمر الرسول عليه الصلاة والسلام ، فنفذوا الرجم ثم أخبروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال: ( هل لا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه ) فدل ذلك على أن المقر إذا تاب ولو في أثناء الحد فإنه يترك يتوب الله عليه . ومن فوائدها: أن التوبة من الذنب لابد أن يقرانها إصلاح ، لقوله: (( فإن تابا وأصلحا )) ولكن كيف تكون التوبة مثل هذا ؟ قيل: إن التوبة مثل هذا أن يراود فيمتنع ، يعني مثلا يقال لهذا المفعول به يعني نريد أن نفعل بك فإذا امتنع دل ذلك على توبته ، ويقال لفاعل هذا يريد أن تفعل به ، فإذا أبى فهذا توبته ، وكذلك يقال في الزانية ، لكن هذا القول قول منكر بعيد عن الصواب ، لأن المراودة لا تكون إلا في حال السر ، أليس كذلك ؟ ما هو الواحد يعني يراود شخص أمام الناس ، ستكون في حال السر ، ثم إن المراود إن كان المراود أهلا للفعل يعني يتوقع منه أن يفعل لأنه قد يستجيب وحينئذ تقع الفاحشة ، وإن كان المراود ليس أهلا أن يفعل فسينتبه المراود أن هذا يريد أن يختبره فيمتنع ، وبهذا نعرف أن هذا القول لا أساس له من الصحة ، ولكن التوبة كغيرها من ال . التوبة من هذه كغيرها من ، إذا عرفنا أن الرجل عزل عن هذا الشيء وصار لا يذهب إلى المجالس التي فيها هذه الفاحشة وما أشبه ذلك ، عرفنا أنه تاب ، ولهذا قرن التوبة هنا بالإصلاح فلابد من شيء يدل على أنه تاب وهو إصلاح العمل والبعد عن هذه الفاحشة . ومن فوائدها: إثبات أن الحكم يدور مع سببه وجودا وعدما ، وجهه ؟ أنه قال: (( فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما )) إذا لما زالت العلة زال الحكم وهو كذلك ، الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، ولكن إن كانت العلة منصوصة ، منصوصا عليها فإنها إذا تخلفت فلابد أن يتخلف الحكم وإن كانت مستنبطة فلا ينبغي أن يتخلف الحكم بتخلفها ، لأنه من الجائز ألا تكون العلة شرعا في هذه العلة المستنبطة فنلغي حكما من أحكام الله ثابتا بمجرد الاحتمال ، أما لو نص عليها فإن الحكم يدور معها مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه ) فإن هذا يدل على أنه لو كان لا يحزن بهذا التناجي جاز ، جاز ذلك . ومن فوائدها: إثبات اسمين من أسماء الله ، وهما: التواب والرحيم ، وقد سبق لنا معنى التواب ولماذا جاء بصيغة المبالغة ومعنى الرحيم .
تفسير الآية : (( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالةٍ ... )) .
ثم قال الله عز وجل: (( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ))(( إنما التوبة )) هذه مبتداء مسبوق بأداة الحصر وهي " إنما " ، وخبر مبتداء قوله: (( على الله )) أو قوله: (( للذين يعملون السوء بجهالة )) يحتمل هذا أو هذا ، وقوله: (( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء ))(( السوء )) يعني العمل السيئ كالمنكرات فعل المحظورات أو ترك الواجبات ، ولكنه قيدها بقوله: (( بجهالة )) والمراد بالجهالة هنا السفاهة وليست الجهلة ، لأن فاعل السوء بجهل معذور لا ذنب عليه ، لقول الله تعالى: (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) ولكن المراد بالجهالة هنا السفاهة ، ومنه قول الشاعر الأول: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين (( ثم يتوبون من قريب )) يعني إذا عملوا السوء بجهالة تابوا إلى الله من قريب ، والقريب هنا ما كان قبل الموت ، فإذا تابوا قبل الموت تاب الله عليهم ، ولكن سيأتينا في الفوائد أنه نجب التوبة فوارا ، (( ثم يتوبون من قريب ))(( يتوبون )) يرجعون إلى الله وذلك بترك ما قاموا به من السوء أو فعل ما تركوا من الجواب (( فأولئك يتوب الله عليهم )) هذه الجملة باعتبار ما قبلها تأكيد ، لأن هذا الحكم مفهوم من قوله: (( إنما التوبة على الله )) ولكنه أكد ما التزم عزوجل على نفسه بقوله: (( فأولئك يتوب الله عليهم )) ، وأشار إليهم بأولئك مع أنهم باعتبار الحديث عنهم في محل القرب ، والقريب يشار إليه بأيش ؟ بهؤلاء ، لكن هنا قال: (( أولئك )) أشار إليهم بإشارة البعيد إشارة إلى علو منزلهم بالتوبة ، (( وكان الله عليما حكيما )) أي ذا علم وحكمة ، فالعلم: إدراك الشيء على ما هو عليه ، وهذا التعريف يخرج الجهلين جميعا الجهل البسيط والجهل المركب ، لأن الجهل البسيط ليس فيه إدراك مطلقا والجهل المركب فيه إدراك الشيء على غير ما هو عليه ، فالعلم إدراك الشيء على ما هو عليه ، بالنسبة لعلم الله عزوجل علم كامل شامل ، كامل أي أنه لم يسبق بجهل ولم يلحق بنسيان ، قال موسى عليه الصلاة والسلام لفرعون حين قال: (( ما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ))(( لا يضل )) لا يجهل ، (( ولا ينسى )) ما علم ، وهو كذلك شامل ، قال الله تعالى: (( لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما )) وقد بين الله تعالى علمه في كتابه أحيانا بالإجمال والعموم وأحيانا بالتفصيل ، ففي قوله تعالى: (( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين )) فهذا تفصيل ، وقوله: (( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت )) والله يعلم ذلك أيضا فيه شيء من التفصيل ، وأما الإجمال فكثير في القرآن ، والعلم أشمل من القدرة وأوسع ، لأنه يتعلق بكل شيء حتى في الممتنع بخلاف القدرة فإنها شامل لكل شيء لكن ما كان مستحيلا فليس بشيء بالنسبة للقدرة ، أما العلم فيشمل حتى المستحيل ، ألم تروا إلى قول الله تبارك وتعالى: (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )) وقوله: (( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض )) فإن تعدد الآلهة ممتنع مستحيل ومع ذلك أخبر الله أنه لو كان لكانت نتيجته كذا وكذا ، وقوله: (( حكيما )) مشتق من الحكم والحكمة ، فهو حاكم ومحكم ، حاكم إذا جعلناه مشتقا من الحكم ، ومحكم إذا جعلناه مشتقا من الحكمة . جاء وقت الأسئلة ؟ .
سؤال عن كيفية التوبة من الذنب وقصة ماعز رضي الله تعالى عنه؟
السائل : سؤال عن كيفية التوبة من الذنب وقصة ماعز رضي الله تعالى عنه ؟ الشيخ : لا ، في هذا نظر ، لأن الرسول ما قال: هلا تركتموه يأتي إلي فيتوب ، قال: يتوب فيتوب الله عليه يعني تركته بلا حد وهو يصلح حاله في المستقبل ، فالتوبة الأولى توبة لإقامة الحد ، ولهذا قال: أريد أن تطهرني ، والتوبة الثانية بإصلاح الحال .
الذي عليه أكثر العلماء اليوم هو أن الثيب يرجم ولا يجمع له بينه وبين الحد، وقد جاء في صحيح البخاري أنه جمع بينهما فأيهما الراجح؟
السائل : الذي عليه أكثر العلماء اليوم هو أن الثيب يرجم ولا يجمع له بينة وبين الحد ، وقد جاء في صحيح البخاري أنه جمع بينهما فأيهما الراجح ؟ الشيخ : لا ، مادام دل الدليل على الاستثناء نأخذ به وإلا هذا هو الأصل .