تتمة شرح قول المصنف" ... أو نوى إقامة كثر من أريعة أيام... ".
المهم جميع أحكام السفر إيش؟ تنقطع إلا حُكْما واحدا فإنه يبقى وهو صلاة الجمعة فإن صلاة الجمعة تلزم هذا الرجل ولا يصح أن يكون إماما فيها ولا أن يكون خطيبا فيها ولا أن يتمّ به العدد على القول باشتراط العدد فصار هنا مسافرا من وجه مقيما من وجه ففي الجمعة ليس من المقيمين لأنها لا تنعقد به الجمعة ولا يصح أن يكون إماما فيها ولا أن يكون خطيبا فيها ولا تسقط عنه بل تجِب عليه، عرفتم؟ فيما عدا ذلك حكمه حكم المقيم لكن في الجمعة لا، طيب، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
بيان أقوال العلماء في تحديد ضابط مدة السفر للمسافر وبيان متى ينقطع سفره مع بيان الراجح في هذه المسألة.
وبناءً على هذا القول ينقسم الناس إلى مسافر ومستوطن ومقيم غير مستوطن، المسافر أحكام السفر في حقه ثابتة والمستوطن أحكام الاستيطان في حقه ثابتة ولا يُستثنى من هذا شيء والمقيم غير المستوطن تثبت في حقه أحكام السفر من وجه وتنتفي من وجه أخر.
طيب لكن هذا التقسيم يقول شيخ الإسلام إنه ليس عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنّة ولا من الإجماع، تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام مسافر ومستوطن ومقيم غير مستوطن هذا لا دليل عليه.
القول الثاني من أقوال المذاهب المتبوعة يقول إذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يلزمه الإتمام لكن لا يُحسب منها يوم الدخول ويوم الخروج، يوم الدخول ما يُحسب ويوم الخروج ما يُحسب وعلى هذا تكون أيام ستة، يوم الدخول ويوم الخروج وأربعة بينهما وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي.
القول الثالث إذا نوى إقامة أكثر من خمسة عشر يوما أتمّ وإن نوى دونها قصَر وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
في أيضا مذاهب أخرى لا حاجة لنا لأنها مذاهب فردية مثل ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما بأنه إذا نوى إقامة تسعة عشر يوما قصَر وما زاد فإنه لا يقصر.
طيب ولكن إذا رجعنا إلى ما يقتضيه ظاهر الكتاب والسنّة وجدنا أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله هو القول الصحيح وهو أن المسافر مسافر سواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو نوى إقامة أربعة أو دونها وذلك لعموم الأدلة الدالة على ثبوت رُخَصِ السفر للمسافر بدون تحديد، لم يُحدّد النبي عليه الصلاة والسلام بل لم يُحدّد الله سبحانه وتعالى في كتابه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم المدة التي ينقطع بها حكم السفر، ففي القرأن (( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )) (( وإذا ضربتم في الأرض )) وهذا عام يشمل كل ضارب ومن المعلوم أن الضرب في الأرض أحيانا يحتاج إلى مدة، قال الله تعالى (( وأخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله )) فالذين يضربون في الأرض للتجارة مثلا هل التاجر يكفيه أن يُقيم أربعة أيام فأقل في البلد؟ ربما يكفيه وربما لا يكفيه، قد يكفيه يوم واحد يُصفّي ويمشي وقد تكون السلعة ثقيلة المشي يتأخّر أربعة أيام خمسة أيام، عشرة أيام وقد يكون هو يطلب سلعة لا تحصل في أربعة أيام، يُجمّعها من هنا وهناك، فعلى على كل حال الأية عامّة (( إذا ضربتم في الأرض )) والنبي صلى الله عليه وسلم أقام مددا مختلفة يقصر فيها فأقام في تبوك عشرين يوما يقصر الصلاة وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوما يقصر الصلاة وأقام في مكة عام حجّة الوداع عشرة أيام يقصر الصلاة لأن أنس سُئل رضي الله عنه كم أقمتم في مكة يعني في حجة الواداع قال أقمنا بها عشرا لأنه أضاف أيام الحج إلى الأيام المتقدّمة يعني الأيام الأربعة ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام قدِم مكة في يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وخرج في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة فتكون الإقامة عشرة أيام.
طيب فإن قال قائل ما تقولون في دليل من يرى أنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام لزمه الإتمام وهو الاحتجاج بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام أربعة أيام قبل أن يخرج إلى منى؟ فالجواب على هذا أن نقول إن هذا دليل عليهم وليس دليلا لهم، هو في الحقيقة دليل عليهم لمن تأمّله وليس دليلا لهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في اليوم الرابع كما قلنا اتفاقا ولا أحد يشُك في هذا وهل عندنا دليل على أنه لو قدِم في اليوم الثالث أتمّ؟ ما في دليل، بل نعلم أنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بأن الناس يقدمون للحج قبل اليوم الرابع، يعني ليس كل الحجاج لا يقدمون إلا من الرابع فأقل، يقدمون قبل الرابع، يقدمون في أول ذي الحجة في ذي القعدة، في شوال لأن أشهر الحج تبتدأ من شوال ولم يقل للأمة من قدم مكة قبل اليوم الرابع فليُتمّ ومن المعلوم لو كانت شريعة الله أن من قدِم قبل اليوم الرابع من ذي الحجة إلى مكة لزمه أن يُتمّ، لو كانت هذه شريعة الله لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يُبيّنها لدعاء الحاجة إلى البلاغ والتبيين فلما لم يُبيّن ولم يقل للناس من قدِم قبل اليوم الرابع فإنه يلزمه الإتمام عُلِم أنه لا يلزمه فيكون هذا الحديث دليلا على أنه لا يلزم الإتمام من نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام.
ثم نقول سبحان الله أربعة أيام كم من ساعة؟ ستة وتسعين ساعة، كذا؟ ستة وتسعين ساعة، نقول من نوى إقامة ستة وتسعين ساعة فله أن يقصر ومن نوى إقامة ستة وتسعين وعشر دقائق فليس له أن يقصر لأن الأول مسافر والثاني غير مسافر، مقيم.
طيب أين هذا التحديد؟ أين هذا التحديد في الكتاب والسنّة حتى نقول بأنه واجب والصلاة كما نعلم أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين؟ فكيف نقول للأمة هذا الرجل الذي نوى إقامة ستة وتسعين ساعة وعشر دقائق لو قصر قلنا صلاته باطلة؟ مسألة عظيمة ما هي هيّنة ومثل هذا لا يمكن أن يترك بلا بيان وترك البيان بيان، ترك البيان بيان في الحقيقة، ترك البيان في موضع يحتاج إلى البيان يُعتبر بيانا إذ لو كان خلاف الواقع هو الواجب لبُيّن وعلى هذا فنقول إن القول الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن المسافر مسافر ما لم ينوي واحدا من أمرين، الإقامة المطلقة أو الاستيطان والفرق بينهما أن الاستيطان ينوي أن يتخذ هذا البلد وطنا، وطنا انتهى، طلّق جميع البلدان سواه بالثلاثة واتخذ هذا البلد وطنا، الإقامة المطلقة أنه يأتي لهذا البلد ويرى أن الحركة فيه كبيرة أو طلب العلم فيه قويّ فينوي الإقامة مطلقا بدون أن يُقيّدها بزمن أو بعمل لكن نيته أنه مقيم لأن البلد جاز له إما بكثرة العلم أو بقوّة التجارة أو إنسان موظف الحكومة وضعته هنا كالسفراء مثلا، فالأصل الأصل عدم السفر في هذا وإلا السفر؟ عدم السفر لأنه نوى الإقامة فنقول هذا ينقطع حكم السفر في حقه أما من قيّد الإقامة بعمل أو بزمن، بعمل ينتهي أو بزمن ينتهي فهذا مسافر ولا تتخلف أحكام السفر عنه ثم إننا إذا تأمّلنا القول بأنه تنقطع أحكام السفر إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام وجدنا هذا القول متناقضا، وجه التناقض؟ ذكرناه قبل قليل أنه في الجمعة في حكم المسافرين وفي غير الجمعة في حكم المقيمين، أين هذا التفصيل؟ فمثل هذه الأمور تحتاج إلى دليل وتوقيف ولهذا ما أحسن قول صاحب المنذري رحمه الله لما ذَكَر أن تحديد السفر بالمسافة مرجوح قال "إن التحديد توقيف" التحديد توقيف حد من حدود الله يحتاج إلى دليل فأي إنسان يُحدّد شيئا أطلقه الشارع فعليه الدليل، أي إنسان يُخصّص شيئا عمّمه الشارع فعليه الدليل، لماذا يا إخوان؟ لأن التقييد زيادة شرط والتخصيص أيضا إخراج شيء من نصوص الشارع ولا يحِل لأحد أن يضيف إلى ما أطلقه الشارع شرطا ولهذا قلنا في المسح على الخفين الصحيح أنه لا يُشترط فيه ما اشترطه الفقهاء من كونه ساترا لمحل الفرض بحيث لا يتبيّن فيه ولا موضع الخرز وقلنا إن ما سُمِّيَ خُفا فهو خف سواء كان مخرّقا أو كان رقيقا أو ثخينا أو سليما لأن الشرع إذا أطلق شيء فلا يحِل لنا أن نُقيّده كما أنه إذا عمّم شيئا لا يحل لنا أن نُخرج بعض أفراده بتخصيص إلا بدليل ولنا في هذه المسألة رسالة كتبناها أظن في عام ألف وأربعمائة وخمسة تقريبا، نعم، ربما إن شاء الله نقرأها في الدرس القادم لأنها مفيدة جدا وتٌبيّن من اختار هذا القول من العلماء، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، شيخنا عبدالرحمن بن سعدي، الشيخ محمد رشيد رضا وبعض الإخوان المتخرّجين من الجامعة الإسلامية كتبوا في هذا مؤلفا وعلى كل حال نحن لا نعرف الحق بكثرة رجاله إنما نعرف الحق بموافقة الكتاب والسنّة، نعم؟
السائل : يزيد الفقهاء ... وهم يقولون يعني من جواز إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم عشرين يوما والجواب عن هذا هم يقولون يعني كل من نوى خمسة عشرا يوما وإلا أربعة نوى وبعد يُتمّ الصلاة ومن لم ينوى ولو كان سكن في محل واحدة سنة كاملة يعني ... .
الشيخ : هذه إن شاء الله ستأتينا في كلام المؤلف، اسمه أبو البراء غسان بن يوسف البرقاوي الظاهر لي إنه من خريجي الجامعة الإسلامية، نعم، فيه هل القصر واجب أم سنّة، بيان مسافة القصر، متى يبدأ القصر، المدة التي يقصر فيها المسافر، أي نعم، أربع مسائل، تحبون نقرأ هذه وإلا نقرأ الرسالة اللي كتبنا؟
السائل : مطبوعة يا شيخ؟
الشيخ : مطبوعة إيه، الرسالة هذه اللي بنقرأ الأن مطبوعة.
السائل : الشيخ الرسالة بكرة.
الشيخ : الرسالة الأخرى اللي أنا كاتب؟ لا ما طبعت.
السائل : شيخ يعني قراءة سرد وإلا ستعقب عليها؟
الشيخ : سرد واللي يحتاج إلى تعقيب نُعقب، نعم؟
2 - بيان أقوال العلماء في تحديد ضابط مدة السفر للمسافر وبيان متى ينقطع سفره مع بيان الراجح في هذه المسألة. أستمع حفظ
أو ملاحا معه أهله لا ينوي الإقامة ببلد لزمه أن يتم... ".
المهم جميع أحكام السفر إيش؟ تنقطع إلا حُكْما واحدا فإنه يبقى وهو صلاة الجمعة فإن صلاة الجمعة تلزم هذا الرجل ولا يصح أن يكون إماما فيها ولا أن يكون خطيبا فيها ولا أن يتمّ به العدد على القول باشتراط العدد فصار هنا مسافرا من وجه مقيما من وجه ففي الجمعة ليس من المقيمين لأنها لا تنعقد به الجمعة ولا يصح أن يكون إماما فيها ولا أن يكون خطيبا فيها ولا تسقط عنه بل تجِب عليه، عرفتم؟ فيما عدا ذلك حكمه حكم المقيم لكن في الجمعة لا، طيب، هذا ما ذهب إليه المؤلف.
وهذه المسألة من مسائل الخلاف التي كثُرت فيها الأقوال فقد زادت الأقوال فيها على عشرين قولا لأهل العلم رحمهم الله وسبب ذلك أنه ليس فيها دليل فاصل ينقطع به النزاع فلهذا اضطربت فيها أقوال أهل العلم فأقوال المذاهب المتبوعة هي أولا مذهب الحنابلة رحمهم الله المشهور عندهم أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ولزمه الإتمام لكن لا ينقطع بالنسبة للجمعة لأن الجمعة يُشترط فيها الاستيطان وهذا غير مستوطن.
وبناءً على هذا القول ينقسم الناس إلى مسافر ومستوطن ومقيم غير مستوطن، المسافر أحكام السفر في حقه ثابتة والمستوطن أحكام الاستيطان في حقه ثابتة ولا يُستثنى من هذا شيء والمقيم غير المستوطن تثبت في حقه أحكام السفر من وجه وتنتفي من وجه أخر.
طيب لكن هذا التقسيم يقول شيخ الإسلام إنه ليس عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنّة ولا من الإجماع، تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام مسافر ومستوطن ومقيم غير مستوطن هذا لا دليل عليه.
القول الثاني من أقوال المذاهب المتبوعة يقول إذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يلزمه الإتمام لكن لا يُحسب منها يوم الدخول ويوم الخروج، يوم الدخول ما يُحسب ويوم الخروج ما يُحسب وعلى هذا تكون أيام ستة، يوم الدخول ويوم الخروج وأربعة بينهما وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي.
القول الثالث إذا نوى إقامة أكثر من خمسة عشر يوما أتمّ وإن نوى دونها قصَر وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
في أيضا مذاهب أخرى لا حاجة لنا لأنها مذاهب فردية مثل ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما بأنه إذا نوى إقامة تسعة عشر يوما قصَر وما زاد فإنه لا يقصر.
طيب ولكن إذا رجعنا إلى ما يقتضيه ظاهر الكتاب والسنّة وجدنا أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله هو القول الصحيح وهو أن المسافر مسافر سواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو نوى إقامة أربعة أو دونها وذلك لعموم الأدلة الدالة على ثبوت رُخَصِ السفر للمسافر بدون تحديد، لم يُحدّد النبي عليه الصلاة والسلام بل لم يُحدّد الله سبحانه وتعالى في كتابه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم المدة التي ينقطع بها حكم السفر، ففي القرأن (( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )) (( وإذا ضربتم في الأرض )) وهذا عام يشمل كل ضارب ومن المعلوم أن الضرب في الأرض أحيانا يحتاج إلى مدة، قال الله تعالى (( وأخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله )) فالذين يضربون في الأرض للتجارة مثلا هل التاجر يكفيه أن يُقيم أربعة أيام فأقل في البلد؟ ربما يكفيه وربما لا يكفيه، قد يكفيه يوم واحد يُصفّي ويمشي وقد تكون السلعة ثقيلة المشي يتأخّر أربعة أيام خمسة أيام، عشرة أيام وقد يكون هو يطلب سلعة لا تحصل في أربعة أيام، يُجمّعها من هنا وهناك، فعلى على كل حال الأية عامّة (( إذا ضربتم في الأرض )) والنبي صلى الله عليه وسلم أقام مددا مختلفة يقصر فيها فأقام في تبوك عشرين يوما يقصر الصلاة وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوما يقصر الصلاة وأقام في مكة عام حجّة الوداع عشرة أيام يقصر الصلاة لأن أنس سُئل رضي الله عنه كم أقمتم في مكة يعني في حجة الواداع قال أقمنا بها عشرا لأنه أضاف أيام الحج إلى الأيام المتقدّمة يعني الأيام الأربعة ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام قدِم مكة في يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وخرج في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة فتكون الإقامة عشرة أيام.
طيب فإن قال قائل ما تقولون في دليل من يرى أنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام لزمه الإتمام وهو الاحتجاج بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام أربعة أيام قبل أن يخرج إلى منى؟ فالجواب على هذا أن نقول إن هذا دليل عليهم وليس دليلا لهم، هو في الحقيقة دليل عليهم لمن تأمّله وليس دليلا لهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في اليوم الرابع كما قلنا اتفاقا ولا أحد يشُك في هذا وهل عندنا دليل على أنه لو قدِم في اليوم الثالث أتمّ؟ ما في دليل، بل نعلم أنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بأن الناس يقدمون للحج قبل اليوم الرابع، يعني ليس كل الحجاج لا يقدمون إلا من الرابع فأقل، يقدمون قبل الرابع، يقدمون في أول ذي الحجة في ذي القعدة، في شوال لأن أشهر الحج تبتدأ من شوال ولم يقل للأمة من قدم مكة قبل اليوم الرابع فليُتمّ ومن المعلوم لو كانت شريعة الله أن من قدِم قبل اليوم الرابع من ذي الحجة إلى مكة لزمه أن يُتمّ، لو كانت هذه شريعة الله لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يُبيّنها لدعاء الحاجة إلى البلاغ والتبيين فلما لم يُبيّن ولم يقل للناس من قدِم قبل اليوم الرابع فإنه يلزمه الإتمام عُلِم أنه لا يلزمه فيكون هذا الحديث دليلا على أنه لا يلزم الإتمام من نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام.
ثم نقول سبحان الله أربعة أيام كم من ساعة؟ ستة وتسعين ساعة، كذا؟ ستة وتسعين ساعة، نقول من نوى إقامة ستة وتسعين ساعة فله أن يقصر ومن نوى إقامة ستة وتسعين وعشر دقائق فليس له أن يقصر لأن الأول مسافر والثاني غير مسافر، مقيم.
طيب أين هذا التحديد؟ أين هذا التحديد في الكتاب والسنّة حتى نقول بأنه واجب والصلاة كما نعلم أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين؟ فكيف نقول للأمة هذا الرجل الذي نوى إقامة ستة وتسعين ساعة وعشر دقائق لو قصر قلنا صلاته باطلة؟ مسألة عظيمة ما هي هيّنة ومثل هذا لا يمكن أن يترك بلا بيان وترك البيان بيان، ترك البيان بيان في الحقيقة، ترك البيان في موضع يحتاج إلى البيان يُعتبر بيانا إذ لو كان خلاف الواقع هو الواجب لبُيّن وعلى هذا فنقول إن القول الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن المسافر مسافر ما لم ينوي واحدا من أمرين، الإقامة المطلقة أو الاستيطان والفرق بينهما أن الاستيطان ينوي أن يتخذ هذا البلد وطنا، وطنا انتهى، طلّق جميع البلدان سواه بالثلاثة واتخذ هذا البلد وطنا، الإقامة المطلقة أنه يأتي لهذا البلد ويرى أن الحركة فيه كبيرة أو طلب العلم فيه قويّ فينوي الإقامة مطلقا بدون أن يُقيّدها بزمن أو بعمل لكن نيته أنه مقيم لأن البلد جاز له إما بكثرة العلم أو بقوّة التجارة أو إنسان موظف الحكومة وضعته هنا كالسفراء مثلا، فالأصل الأصل عدم السفر في هذا وإلا السفر؟ عدم السفر لأنه نوى الإقامة فنقول هذا ينقطع حكم السفر في حقه أما من قيّد الإقامة بعمل أو بزمن، بعمل ينتهي أو بزمن ينتهي فهذا مسافر ولا تتخلف أحكام السفر عنه ثم إننا إذا تأمّلنا القول بأنه تنقطع أحكام السفر إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام وجدنا هذا القول متناقضا، وجه التناقض؟ ذكرناه قبل قليل أنه في الجمعة في حكم المسافرين وفي غير الجمعة في حكم المقيمين، أين هذا التفصيل؟ فمثل هذه الأمور تحتاج إلى دليل وتوقيف ولهذا ما أحسن قول صاحب المنذري رحمه الله لما ذَكَر أن تحديد السفر بالمسافة مرجوح قال "إن التحديد توقيف" التحديد توقيف حد من حدود الله يحتاج إلى دليل فأي إنسان يُحدّد شيئا أطلقه الشارع فعليه الدليل، أي إنسان يُخصّص شيئا عمّمه الشارع فعليه الدليل، لماذا يا إخوان؟ لأن التقييد زيادة شرط والتخصيص أيضا إخراج شيء من نصوص الشارع ولا يحِل لأحد أن يضيف إلى ما أطلقه الشارع شرطا ولهذا قلنا في المسح على الخفين الصحيح أنه لا يُشترط فيه ما اشترطه الفقهاء من كونه ساترا لمحل الفرض بحيث لا يتبيّن فيه ولا موضع الخرز وقلنا إن ما سُمِّيَ خُفا فهو خف سواء كان مخرّقا أو كان رقيقا أو ثخينا أو سليما لأن الشرع إذا أطلق شيء فلا يحِل لنا أن نُقيّده كما أنه إذا عمّم شيئا لا يحل لنا أن نُخرج بعض أفراده بتخصيص إلا بدليل ولنا في هذه المسألة رسالة كتبناها أظن في عام ألف وأربعمائة وخمسة تقريبا، نعم، ربما إن شاء الله نقرأها في الدرس القادم لأنها مفيدة جدا وتٌبيّن من اختار هذا القول من العلماء، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، شيخنا عبدالرحمن بن سعدي، الشيخ محمد رشيد رضا وبعض الإخوان المتخرّجين من الجامعة الإسلامية كتبوا في هذا مؤلفا وعلى كل حال نحن لا نعرف الحق بكثرة رجاله إنما نعرف الحق بموافقة الكتاب والسنّة، نعم؟
السائل : يزيد الفقهاء ... وهم يقولون يعني من جواز إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم عشرين يوما والجواب عن هذا هم يقولون يعني كل من نوى خمسة عشرا يوما وإلا أربعة نوى وبعد يُتمّ الصلاة ومن لم ينوى ولو كان سكن في محل واحدة سنة كاملة يعني ... .
الشيخ : هذه إن شاء الله ستأتينا في كلام المؤلف، اسمه أبو البراء غسان بن يوسف البرقاوي الظاهر لي إنه من خريجي الجامعة الإسلامية، نعم، فيه هل القصر واجب أم سنّة، بيان مسافة القصر، متى يبدأ القصر، المدة التي يقصر فيها المسافر، أي نعم، أربع مسائل، تحبون نقرأ هذه وإلا نقرأ الرسالة اللي كتبنا؟
السائل : مطبوعة يا شيخ؟
الشيخ : مطبوعة إيه، الرسالة هذه اللي بنقرأ الأن مطبوعة.
السائل : الشيخ الرسالة بكرة.
الشيخ : الرسالة الأخرى اللي أنا كاتب؟ لا ما طبعت.
السائل : شيخ يعني قراءة سرد وإلا ستعقب عليها؟
الشيخ : سرد واللي يحتاج إلى تعقيب نُعقب، نعم؟
قراءة من رسالة أبي البراء غسان بن يوسف البرقاني في مسألة قصر الصلاة مع تعليق الشيخ عليه.
الشيخ : المسألة الأن معلومة أظن؟ أي نعم، طيب.
...
السائل : قال " الأدلة على ذلك أولا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع قلت كم أقام بمكة قال عشرا " .
ثانيا عن ابن عباس رضي الله عنه قال " سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام تسعة عشرة يصلي ركعتين ركعتين " قال ابن عباس " فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسعة عشرة صلينا ركعتين ركعتين فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعا " .
ثالثا عن أبي فروة الهمداني قال سمعت عوْنا الأسدي قال كان عمر بن عبيد الله بن معمر أميرا على فارس فكتب إلى ابن عمر يسأله عن الصلاة فكتب ابن عمر " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من أهله صلى ركعتين حتى يرجع إليهم " .
رابعا عن ثمامة بن شراحيل قال " خرجت إلى ابن عمر فقلنا ما صلاة المسافر فقال ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثا قلت أرأيت إن كنا بذي المجاز قال وما ذو المجاز قلت مكانا نجتمع فيه ونبيع فيه ونمكث عشرين ليلة أو خمسة عشرة ليلة قال يا أيها الرجل كنت بأذريبيجان لا أدري قال أربعة أشهر أو شهرين فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين ورأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم نُصُب عيني يصليهما ركعتين ركعتين ثم نزع هذه الأية (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) حتى فرغ من الأية " .
خامسا عن بشر بن حرب قال " سألت ابن عمر كيف صلاة المسافر يا أبا عبد الرحمن فقال إما أنتم فتتبعون سنّة نبيكم صلى الله عليه وسلم أخبرتكم وإما أنتم لا تتبعون سنّة نبيكم لم أخبركم قال قلنا فخير السنن سنّة نبينا صلى الله عليه وسلم يا أبا عبد الرحمن فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من هذه المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إليها " .
سياق أقوال جماعة من العلماء ذهبوا إلى ما ذكرنا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " وأما من تبيّنت له السنّة وعلِم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمسافر أن يصلي إلا ركعتين ولم يحُدّ السفر بزمان أو بمكان ولا حد الإقامة أيضا بزمن محدود لا ثلاثة ولا أربعة ولا إثنى عشر ولا خمسة عشر فإنه يقصر كما كان غير واحد من السلف يفعل حتى كان مسروق قد ولّوْه ولاية لم يكن يختارها فأقام سنين يقصر الصلاة وقد أقام المسلمون بنهاوند ستة أشهر يقصرون الصلاة وكانوا يقصرون الصلاة مع علمهم أن حاجتهم لا تنقضي في أربعة أيام ولا أكثر كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد فتح مكة قريبا من عشرين يوما يقصرون الصلاة وأقاموا بمكة عشرة أيام يُفطرون في رمضان وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة يعلم أنه يحتاج أن يقوم بها أكثر من أربعة أيام وإذا كان التحديد لا أصل له.
وش الحاشية؟ كان رحمه الله يقول بالتحديد بأربعة أيام كما في بعض فتاويه.
وإذا كان التحديد لا أصل له فمادام المسافر مسافرا يقصر الصلاة ولو أقام في المكان شهورا والله أعلم " انتهى مجموع فتاوى شيخ الإسلام.
وقال العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله بعد حديث ثُمامة " وهذا الحديث يدل على أن السفر لا ينقطع بإقامة مدة معيّنة في جهة واحدة أيّا كانت المدة طالت أو قصُرت وتوجيه الاستدلال دقيق جدا قد يخفى على بعض الناظرين ولذلك حدَث المجد أخره المرفوع حين ذكره في المنتقى مكتفِيا بالأثر عن ابن عمر والموقوف ليس حُجّة وحده والمرفوع الذي حذفه ليس نصا في الموضوع ووجه الاستدلال أن ابن عمر أجاب سائله إذ سأله عن طول مُكث المسافر في مكان بعينه لأنه هو والصحابة الذين كانوا بأذربيجان أقاموا مدة أطول من هذه شهرين أو أربعة أشهر في هذه الرواية فكانوا يقصرون ثم وكّل الاستدلال بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقصر في السفر فكأنه يقول للسائل ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم القصر في السفر ولم يثبت لديهم أنه جعل لذلك حدا معيّنا فيما إذا أطال المسافر المكث في مكان ما وأنه هو ومن معه من أصحاب رسول الله أخذوا هذا على إطلاقه فأطالوا المكث وقصروا وأنه لو كان عند واحد منهم سنّة في تحديد وقت معيّن للمكث لما سكت على ذلك ولأبانه لهم حتى لا يُصلّوا صلاة المسافرين وهذا قوي دقيق فيما أرى " انتهى من تحقيق أحمد شاكر على المسند.
وقد أفتى بذلك من التابعين أبو العالية الرياحي واسمه رُفيْع بن مهران البصري قال عثمان الطويل عن أبي العالية الرياحي قال خطبنا أبو بكر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقيم أربع وللظاعن ركعتين مولدي بمكة ومهاجري بالمدينة فإذا خرجت من المدينة فصاعدا من ذي الحليفة صليت ركعتين حتى أرجع إليها فقلت لرُفيع إني آتي البلد فأقيم به شهرين أفأقصر الصلاة؟ قال نعم وإن أقمت به خمسين سنة حتى ترجع إلى قارّك، قال الشيخ السيد سابق حفظه الله " المسافر يقصر الصلاة ما دام مسافرا فإن أقام لحاجة ينتظر قضاءها قصر الصلاة كذلك لأنه يعتبر مسافرا وإن أقام سنين فإن نوى الإقامة مدة معيّنة فالذي اختاره ابن القيم أن الإقامة لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصُرت ما لم يستوطن المكان الذي أقام فيه وللعلماء في ذلك أراء كثيرة لخّصها ابن القيم " انتهى من كتاب فقه السنّة.
رد ..
السائل : خمسين سنة ما هو مبالغ فيه؟
الشيخ : إيه نعم، مادام هذا رأيه هذا رأيه، نعم.
السائل : رد شبه المخالفين.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله " أنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة ولم يقل الأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك ولكن اتفقت إقامة هذه المدة وهذه الإقامة في حال السفر لا تُخرج عن حكم السفر سواء طالت أو قصُرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم على الإقامة بذلك الموضع وقد اختلف السلف والخلف في ذلك اختلافا كثيرا ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال " أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره تسعة عشرة يصلي ركعتين فنحن إذا أقمنا تسعة عشرة نصلي ركعتين وإذا زدنا على ذلك أتممنا " وظاهر كلام أحمد أن ابن عباس أراد مدة مَقامه بمكة زمن الفتح فإنه قال " أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثمان عشرة زمن الفتح " لأنه أراد حُنينا ولم يكن ثمّ أجمع المقام وهذه إقامته التي رواها ابن عباس وقال غيره بل أراد ابن عباس مقامَه بتبوك كما قال جابر بن عبدالله " أقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصُر الصلاة " رواه الإمام أحمد.
وقال عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة " أقمنا مع سعد ببعض قرى الشام أربعين ليلة يقصرها سعد ونُتمّها " وقال نافع " أقام ابن عمر بأذريبيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول " .
وقال حفص بن عبيد الله " أقام أنس بن مالك بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر " وقال أنس " أقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قرام هرمز سبعة أشهر يقصرون الصلاة " وقال الحسن أقمت مع عبد الرحمان بن سمرة بكابول سنتين يقصر الصلاة ولا يجمّع " وقال إبراهيم " كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك وسجستان السنتين " .
فهذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما ترى وهو الصواب وأما مذاهب الناس فقال الإمام أحمد " إذا نوى إقامة أربعة أيام أتمّ وإن نوى دونها قصَر وحمل هذه الأثار على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يُجمعوا الإقامة البتّة بل كانوا يقولون اليوم نخرج غدا نخرج " وفي هذا نظر وفي هذا نظر لا يخفى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وهي ما هي وأقام فيها يُؤسّس قواعد الإسلام ويهدم قواعد الشرك ويمهّد أمر ما حولها من العرب ومعلوم قطعا أن هذا يحتاج إلى إقامة أيام لا يتأتّى في يوم واحد ولا يومين وكذلك إقامته بتبوك فإنه أقام ينتظر العدوّ ومن المعلوم قطعا أنه كان بينه وبينهم عدّة مراحل يحتاج قطعُها إلى أيام وهو يعلم أنهم لا يُوافون في أربعة أيام وكذلك إقامة ابن عمر بأذريبيجان ستة أشهر يقصر الصلاة من أجل الثلج ومن المعلوم أن مثل هذا الثلج لا يتحلّل ويذوب في أربعة أيام بحيث تنفتح الطرق وكذلك إقامة أنس بالشام سنتين يقصر الصلاة وإقامة الصحابة عام هرمز سبعة أشهر يقصُرون ومن المعلوم أن مثل هذا الحصار والجهاد يُعلم أنه لا ينقضي في أربعة أيام وقد قال أصحاب أحمد إنه لو أقام للجهاد عدوّ أو حبس سلطان أو مرض قصَر سواءٌ غلب على ظنه انقضاء الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة وهذا هو الصواب لكن شرطوا فيه شرطا لا دليل عليه من كتاب ولا سنّة ولا إجماع ولا عمل الصحابة فقالوا شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر وهي ما دون الأربعة الأيام فيقال من أين لكم هذا الشرط والنبي لما أقام زيادة على أربعة أيام يقصر الصلاة بمكة وتبوك ولم يقل لهم شيئا ولم يُبيّن لهم أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام وهو يعلم أنهم يقتدون به في صلاته ويتأسّوْن به في قصرها في مدة إقامته فلم يقل لهم حرفا واحدا لا تقصروا فوق إقامة أربع ليال وبيان هذا من أهم المهمات وكذلك اقتداء الصحابة به بعده ولم يقولوا لمن صلى معهم شيئا من ذلك ثم ساق رحمه الله مذاهب جماعة أخرين من أهل العلم وما سبق يتضمن الرد عليهم " انتهى من زاد المعاد.
فوائد ومهمات.
الأولى قال ابن القيم رحمه الله " والأئمة الأربعة متفقون على أنه إذا أقام لحاجة ينتظر قضاءها يقول اليوم أخرج غدا أخرج فإنه يقصر أبدا إلا الشافعي في أحد قوليه فإنه يقصر عنده إلى سبع عشرة أو ثمانية عشرة يوما ولا يقصُر بعدها وقد قال ابن المنذر في إشرافه أجمع أهل العلم أن للمسافر أن يقصُر ما لم يُجمع إقامة وإن أتى عليه سِنون " انتهى من زاد المعاد.
الثانية قال الحافظ بن حجر رحمه الله " والمدة التي في حديث أنس يُستدل بها على من نوى الإقامة لأنه صلى الله عليه وسلم في أيام الحج كان جازما بالإقامة تلك المدة " انتهى من فتح الباري.
الثالثة قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله والعلماء متنازعون في المسافر هل فرضه الركعتان ولا يحتاج قصره إلى نية أم لا يقصر إلا بنية على قولين، والأول قول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وهو أحد القولين في مذهب أحمد اختاره أبو بكر وغيره.
والثاني قول الشافعي وهو القول الأخر في مذهب أحمد اختاره الخِرَقي وغيره والأول هو الصحيح الذي تدل عليه سنّة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يقصر بأصحابه ولا يُعْلمهم قبل الدخول في الصلاة أنه يقصر ولا يأمرهم بنية القصر ولهذا لما سلّم من ركعتين ناسيا قال له ذو اليدين أقُصِرت الصلاة أم نسيت فقال لم أنسى ولم تقصر قال بلى قد نسيت وفي رواية لو كان شيء لأخبرتكم به ولم يقل لو قُصِرت لأمرتكم أن تنووا القصر وكذلك لما جَمَع بهم لم يُعلمهم أنه جَمْع قبل الدخول بل لم يكونوا يعلمون أنه يجمع حتى يقضِيَ الصلاة الأولى فعُلِم أيضا أن الجمع لا يفتقر إلى أن ينوي حين الشروع في الأولى كقول الجمهور والمنصوص عن أحمد يُوافق ذلك انتهى من الفتاوي الكبرى " .
الشيخ : نعم مرّ علينا أن الصحيح أن المسافر لا يحتاج إلى نية القصر لأن الأصل أن صلاته ركعتان، نعم، وكذلك الجمع أيضا إذا وُجِد سببه فلا يحتاج إلى نية الجمع حتى لو كان لا يريد أن يجمع ثم لما سلّم من الأولى همّ بالجمع فيجمع ولا حرج، نعم.
السائل : " الرابعة حديثان ضعيفان أذكرهما للتنبيه، الأول حديث ابن عباس مرفوعا ( يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة بُرُد من مكة إلى عسفان ) هذا حديث ضعيف رواه الدارقطني وعنه البيهقي والطبراني وقد ضعّفه غير واحد منهم البيهقي وابن الجوزي والحافظ في الفتح والصحيح أنه موقوف على ابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة بلفظ ( لا تقصروا إلى عرفة وبطن نخلة واقصروا إلى عسفان والطائف وجدة فإذا قدِمْت على أهلك أو ماشيت فأتمّ ) وسنده صحيح وانظر تفصيل الكلام على الحديث في إرواء الغليل للشيخ الألباني حفظه الله، الثاني حديث أبي سعيد مرفوعا كان يعني النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سافر فرسخا قصر الصلاة وأفطر " حديث ضعيف جدا رواه ابن أبي شيبة وعبد بن حُميْد وسعيد بن منصور من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد به وأبو هارون اسمه عُمارة بن جُويْل وهو متروك ومنهم من كذّبه كما في التقريب ولم يوصي بالحافظ في سكوته عن الحديث في التلخيص وانظر للكلام على الحديث إرواء الغليل.
الخامسة مع قولنا بوجوب القصر في السفر فإن المسافر إذا أتمّ بمقيم أتمّ ومن الأدلة على ذلك ما رواه قتادة قال سمعت موسى وهو بن سلمة قال قلت لابن عباس كيف أصلي بمكة إذا لم أصلي في جماعة قال ركعتين سنّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم وعن الشعبي أن ابن عمر كان إذا كان بمكة يصلي ركعتين ركعتين إلا أن يجمعه إمام فيصلي بصلاته فإن جمعه الإمام يصلي بصلاته.
السادسة اقتداء المقيم بالمسافر عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان إذا قدِم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول " يا أهل مكة أتمّو صلاتكم فإنّا قوم سفر " .
خاتمة، إذا كنتُ قد وُفّقت فإنما هو فضل الله وله الحمد والمنة وإن كان غير ذلك فأستغفر الله العلي العظيم وأتوب إليه وقولي قول الإمام الشافعي رحمه الله إذا صح الحديث فهو مذهبي أما أنتم إخواني وخاصة من أقمتم للدراسة في بلاد غير بلادكم لم تتخذوها وطنا فهذا البحث إنما كُتِب نزولا على رغبة بعضكم فاعملوا به مهما طالت إقامتكم ما لم يرد نصّ من كتاب أو سنّة صحيحة واعلموا أنه لا حرج في دين الله ولا يقبل عبادة نعبده بها إلا ما شرع وهذا هو تشريعه في السفر كما أن ذاك تشريعه في الحضر كما تعلمون عضوا عليها بالنواجذ ولا تأبهوا بنعق المقلدين ولا تأخذكم في الله لومة لائم مادام همّكم رضوان ربكم عنكم واعلموا أننا في العصر الذي تحدث عنه ابن مسعود رضي الله عنه يقول " كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنّة فإذا غُيّرت قالوا غُيّرت السنّة قالوا ومتى ذاك يا أبا عبد الرحمن قال إذا كثرت قرّاؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتُمست الدنيا بعمل الأخرة " وهذا الخبر حكمه الرفع واعلموا أنه من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا عذر لكم عند الله في أن تعبدوه بغير دليل من كتاب أو سنّة صحيحة ومن قلّدتموه دينكم لن يغنوا عنكم من الله شيئا والله كاف عبده فما علمتموه حقا فقولوا هذا الحق من ربنا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وحسبنا الله ونعم الوكيل سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتبه على عجالة العبد الفقير إلى الله راجي عفو ربه الكبير المتعال أبي البراء غسان بن يوسف البرقاني وكان الفراغ منه قبيل عصر يوم الإثنين بقليل في اثنين عشرين من ذي القعدة سنة ألف وأربعمئة وواحد للهجرة " .
الشيخ : خلاص؟
السائل : خلاص.
الشيخ : نعم ابن داود، ماذا تريد؟
السائل : ... .
الشيخ : نعم؟
4 - قراءة من رسالة أبي البراء غسان بن يوسف البرقاني في مسألة قصر الصلاة مع تعليق الشيخ عليه. أستمع حفظ
الحكم يدور مع وجود العلة والمعلل فكيف نقول لشخص يريد الإقامة مثلا عشرة سنوات ونستدل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم من أنه أقام عشرين يوما مع أنه قال إذا أقمت فوق عشرين يوما فاقصر فمادام أنه لم يقله فدع ما يريبك إلى مالا يريبك ؟
الشيخ : الإنسان مثل ما قال الأخ الإنسان اللي ما تطمئن نفسه لهذا القول لا حرج عليه أن يتبع هذا.
السائل : لكن كيف يا شيخ نقول لشخص كان يقيم ثلاثين سنة في أي مكان ولا زالت العلة أو زالت العلة ما عنده مشقة ولا عنده تعب.
الشيخ : المشقة ما هي بشرط بارك الله فيك.
السائل : كيف نقول له ... .
الشيخ : ماهي بشرط بارك الله فيك، المشقة ما هي شرط، الإنسان إذا سافر حلّ له جميع رخص السفر ولو كان في آمن ما يكون وفي أريح ما يكون.
السائل : لكن سفر يا شيخ دون سفر لأنه في سفر مثلا فيه مشقة.
الشيخ : ماهو بشرط يا أخي ما هو شرط، لم يشترط الله إلا إن خفتكم أن يفتنكم الذين كفروا والحمد لله ألغاها الله.
السائل : يكون نحن أفقه من ابن عباس وابن حنبل؟
الشيخ : على كل حال ما حنا بأفقه منهم ولكننا نتبع يعني على الأقل نُقلّد رجلا عالما فاضلا معروفا بالعلم وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
5 - الحكم يدور مع وجود العلة والمعلل فكيف نقول لشخص يريد الإقامة مثلا عشرة سنوات ونستدل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم من أنه أقام عشرين يوما مع أنه قال إذا أقمت فوق عشرين يوما فاقصر فمادام أنه لم يقله فدع ما يريبك إلى مالا يريبك ؟ أستمع حفظ
لعل من الأقوال التي يستدل بها على القصر فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مدد متعدد القصر والقول الثاني يقولون إنه انتظر لأجل الوحي ؟
الشيخ : طيب وهل جاه وحي يقوله امش؟
السائل : إيه هم يقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستدل إلا بوحي.
الشيخ : ما هو بصحيح.
السائل : لأنه كان ينتظر ..
الشيخ : هذه دعوة دعوة وصعبة ذي صعبة يعني الأن لو قيل لواحد تشهد أن الرسول ما بقي إلا لأجل أن ينتظر الوحي؟ ما هو بصحيح لأنه يحتاج إلى أنك تشهد أن الرسول ما بقي إلا ينتظر الوحي ثم ما هو الوحي الذي رخّص له أن يسافر يعني أنه يمشي؟
السائل : من شدة حاله الرسول صلى الله عليه وسلم ... من الله عز وجل.
الشيخ : إي الوحي عاد إما أن يكون الوحي إقراري إذا أقرّه الله عُلِم أنه شرع الله، أحيانا قد لا يكون بوحي مباشر يعني قد يكون بالإقرار، نعم.
6 - لعل من الأقوال التي يستدل بها على القصر فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مدد متعدد القصر والقول الثاني يقولون إنه انتظر لأجل الوحي ؟ أستمع حفظ
القول هذا إذا خاف الإنسان مثلا وهو يؤم بعامة وهو مسافر فهل يتم بهم درءاً للمفسدة ؟
الشيخ : والله أحيانا أقول نعم يُتمّ درءً للمفسدة وأحيانا أقول إذا كان الرجل قُدوة يعني ما يمكن يتسلّط عليه أحد فيقول مثلا إنه قاصر علم أو ما أشبه ذلك فليفعل السنّة اللي يرى أنه سنّة وإن تركه وأتمّ ما في مانع، هذا الذي يقول إنه يجوز أن يقصر ليس يقول إنه يجب إلا عاد على رأي الأخ هذا يرى وجوب القصر لكن حنّا نقول ما هو بواجب، أصل القصر ماهو بواجب ثم هذه المسألة أيضا متى كان في نفسك شك فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك أما إذا تبيّنت لك السنّة مثل ما قال شيخ الإسلام إذا تبيّنت للإنسان السنّة فلا وجه للاحتياط إنما الاحتياط في اتباع السنّة، نعم يا أدم.
كون مدة السفر تتعلق بالنية وكون النبي جلس عشرين يوما وهذا الرجل الذي جلس عشرين يوما أو أكثر من ذلك نيته نية السفر فما دليل هؤلاء أي الذين يقصرون ؟
الشيخ : هو على كل حال دليل هؤلاء يقولون الرسول أقام إقامات مختلفة، عشرين وتسعة عشر وأربعة أيام ومع ذلك ما قال للناس من زاد على ذلك فليُتمّ والعلة هي وجود السفر، نعم، أحمد.
السائل : ... .
8 - كون مدة السفر تتعلق بالنية وكون النبي جلس عشرين يوما وهذا الرجل الذي جلس عشرين يوما أو أكثر من ذلك نيته نية السفر فما دليل هؤلاء أي الذين يقصرون ؟ أستمع حفظ
بعض العلماء اختار أنه قد يكون للمسلم محلين للإقامة فهل هذا صحيح؟
السائل : بعض العلماء يا شيخ اختار أنه يمكن أن يكون للمسلم محلين للإقامة وبهذا القول يعني نرتاح من الناس الذي يعني مسألة الذين يجلسون سنين للدراسة أو للعمل فهل فيه يعني من يدفع هذا القول؟
الشيخ : إيه كيف؟ لأن الذين نووا الإقامة ما نووا الإقامة المطلقة ولا نووا أن يتخذوا هذ البلد بلدا لهم الذي له محلين مثلا لو فرضنا واحد له سكن في الطائف في أيام الصيف وسكن في البلد الأخر في أيام الشتاء هذا له وطنان مستقر فيهما دائما أما الذي ذهب للدراسة فهو.