كتاب الزكاة-08a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
زاد المستقنع
الحجم ( 5.79 ميغابايت )
التنزيل ( 507 )
الإستماع ( 64 )


5 - قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: فهذه رسالة في بيان حكم زكاة الحلي المباح ذكرت فيها ما بلغه علمي من الخلاف و الراجح من الأقوال وأدلة الترجيح، فأقول وبالله التوفيق و الثقة وعليه التكلان وهو المستعان: لقد اختلف أهل العلم رحمهم الله في وجوب الزكاة في الحلي المباح على خمسة أقوال: احدها: لا زكاة فيه وهو المشهور من مذاهب الأئمة الثلاثة مالك و الشافعي واحمد الا إذا اعد للنفقة وان اعد للأجرة ففيه الزكاة عند أصحاب احمد و لا زكاة فيه عند أصحاب مالك والشافعي وقد ذكرنا أدلة هذا القول إيرادا على القائلين بالوجوب و اجبنا عنها. الثاني: فيه الزكاة سنة واحدة وهو مروي عن انس ابن مالك رضي الله عنه. الثالث: زكاته عاريته، وهو مروي عن أسماء وانس ابن مالك أيضا. الرابع: انه يجب فيه أما الزكاة وأما العارية ورجحه ابن القيم رحمه الله في الطريق الحكمة. القول الخامس: وجوب الزكاة فيه إذا بلغ نصابا كل عام، وهو مذهب أبي حنيفة و راويه عن احمد و احد القولين في مذهب الشافعي و هذا هو القول الراجح لدلالة الكتاب والسنة و الآثار عليه -فمن أدلة الكتاب قوله تعالي ( والذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم(34) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) و المراد بكنز الذهب والفضة عدم إخراج ما يجب فيهما من زكاة وغيرها من الحقوق، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كل ما أديت وان كان تحت سبع ارضين فليس بكنز وكل ما لا تؤدي زكاته فهو كنز وان كان ظاهرا على وجه الأرض. قال ابن كثير رحمه الله: وقد روي هذا عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة مرفوعا وموقوفا.أ.هـ ". أستمع حفظ

6 - قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" والآية عامة في جميع الذهب والفضة لم تخصص شيئا دون شئ، فمن ادعي خروج الحلي المباح من هذا العموم فعليه الدليل. وأما السنة فمن أدلتها: 1- ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال: (( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها الا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فاحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه و جبينه و ظهره )) الحديث والمتحلي بالذهب والفضة صاحب ذهب وفضة ولا دليل على إخراجه من العموم وحق الذهب الفضة من أعظمه وأوجبه الزكاة. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: الزكاة حق المال 2/ما رواه الترمذي والنسائي وأبو داود واللفظ له قال: حدثنا أبو كامل وحميد بن مسعدة المعنى أن خالد ابن الحارث حدثهم، حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلي الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان(2) غليظتان من ذهب، فقال لها: ((أتعطين زكاة هذا ؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار )) قال: فخلعتهما فالقتهما إلي النبي صلي الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله. قال في بلوغ المرام(2) وإسناده قوي ". أستمع حفظ

7 - قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" وقد رواه الترمذي من طريق ابن لهيعة والمثنى بن الصباح ثم قال: أنهما يضعفان في الحديث، ولا يصح في هذا الباب شئ لكن قد رد قول الترمذي هذا برواية أبي داود لهذا الحديث من طريق حسين المعلم وهو ثقة احتج به صاحبا الصحيح البخاري ومسلم وقد وافقهم الحجاج بن بن أرطاة، وقد وثقه بعضهم وروى نحوه أحمد عن أسماء بنت يزيد بإسناد حسن. 3-ما رواه أبو داود قال: حدثنا محمد بن إدريس الرازي، حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، حدثنا يحي ابن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد ابن عمرو بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة رضي الله عنها فقالت: (( دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ((ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. فقال: أتؤدين زكاتهن ؟ قلت: لا أو ما شاء الله, قال: هو حسبك من النار) قيل لسفيان: كيف تزكيه ؟قال: تضمه إلي غيره- وهذا الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي والدارقطني(5) وقال في التخليص إسناده على شرط الصحيح وصححه الحاكم وقال: إنه على شرط الشيخين- يعني البخاري ومسلما - وقال ابن دقيق: إنه على شرط مسلم ". أستمع حفظ

8 - قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" 4- ما رواه أبو داود قال: حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا عتاب - يعني ابن بشير عن ثابت بن عجلان، عن عطاء عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هذا؟ فقال: ((ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز) وأخرجه أيضا البيهقي والدارقطني والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه وصححه أيضا الذهبي وقال البيهقي: تفرد به ابن عجلان قال في التنقيح: وهذا لا يضر فإن ثابت بن عجلان روى له البخاري ووثقه ابن معين والنسائي، وقول عبد الحق فيه: (( لا يحتج بحديثه)) قول لم يقله غيره. قال ابن دقيق: وقول العقيلي في ثابت بن عجلان (( لا يتابع على حديثه )) تحامل منه. فإن قيل: لعل هذا حين كان التحلي ممنوعا كما قاله مسقطو الزكاة في الحلي فالجواب: إن هذا لا يستقيم فإن النبي صلي الله عليه وسلم لم يمنع من التحلي به بل أقره مع الوعيد على ترك الزكاة ولو كان التحلي ممنوعا لأمر بخلعه وتوعد على لبسه ". أستمع حفظ

10 - قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" فإن قيل: ما الجواب عما احتج به من لا يرى الزكاة في الحلي وهو ما رواه ابن الجوزي بسنده في (التحقيق ) عن عافية بن أيوب، عن الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( ليس في الحلي زكاة )) ورواه البيهقي في (( معرفة السنن والآثار )) قيل: الجواب علي هذا من ثلاثة أوجه: الأول: أن البيهقي قال فيه: انه باطل لا اصل له و إنما يروى عن جابر من قوله وعافيه بن أيوب مجهول فمن احتج به كان مغررا بدينه اهـ الثاني: إننا إذا فرضنا توثيق عافية كما نقله ابن حاتم عن أبي زرعة فانه لا يعارض احاديث الوجوب ولا يقابل بها لصحتها و نهاية ضعفه الثالث: إننا إذا فرضنا انه مساو لها ويمكن معارضتها به فان الأخذ بها أحوط وما كان أحوط فهو اولى بالإتباع لقول النبي صلي الله عليه وسلم:( دع ما يريبك إلي ما لا يريبك)(1) وقوله: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرا لدينه وعرضه)". أستمع حفظ

11 - قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" و أما الآثار فمنها: 1- عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه كتب إلى أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهن - قال ابن حجر في التلخيص انه أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق شعيب بن يسار وهو مرسل قاله البخاري. قال: وقد أنكر ذلك الحسن فيما رواه ابن أبي شيبة عنه قال: لا نعلم أحدا من الخلفاء قال في الحلي زكاة اهـ لكن ذكره مرويا عن عمر صاحب المغني والمحلي والخطابي 2- عن بن مسعود رضي الله عنه أن امرأة سألته عن حلي لها فقال: إذا بلغ مائتي درهم ففيه زكاة رواه الطبراني والبيهقي ورواه الدارقطني من حديثه مرفوعا وقال: هذا وهم والصواب موقوف .". أستمع حفظ

12 - قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" 3- عن ابن عباس رضي الله عنهما، حكاه عنه المنذري والبيهقي قال الشافعي: لا ادري يثبت عنه أم لا 4- عن عبد الله بن عمر بن العاص انه كان يأمر بالزكاة في حلي بناته ونسائه، ذكره في المحلي من طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه. 5- عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لا بأس بلبس الحلي إذا أعطى زكاته. رواه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة، لكن روى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة. قال ابن حجر في التخليص ويمكن الجمع بينهما بأنها كانت ترى الزكاة فيها ولا ترى إخراج الزكاة مطلقا عن مال الأيتام اهـ لكن يرد على جمعه هذا ما رواه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه انه قال: كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة. قال بعضهم: ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنها لا ترى إخراج الزكاة عن أموال اليتامى واجبا فتخرجه تارة ولا تخرج أخرى كذا قال. وأحسن منه أن يجاب بوجه آخر وهو إن عدم إخراجها فعل والفعل لا عموم له فقد يكون لأسباب ترى أنها مانعة من وجوب الزكاة فلا يعارض القول والله اعلم ". أستمع حفظ

13 - قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" فإن قيل: ما الجواب عما استدل به مسقطو الزكاة فيما نقله الأثرم قال:سمعت احمد بن حنبل يقول: خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: أنس ابن مالك وجابر وابن عمر وعائشة وأسماء ؟ فالجواب: إن بعض هؤلاء روي عنهم الوجوب وإذا فرضنا أن لجميعهم قولا واحدا أو أن المتأخر عنهم هو القول بعدم الوجوب فقد خالفهم من خالفهم من الصحابة، وعند التنازع يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة وقد جاء فيهما ما يدل على الوجوب كما سبق. فإن قيل: قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن)) وهذا دليل على عدم وجوب الزكاة في الحلي إذ لو كانت واجبة في الحلي لما جعله النبي صلي الله عليه وسلم مضربا لصدقة التطوع. فالجواب على هذا: أن الأمر بالصدقة من الحلي ليس فيه إثبات وجوب الزكاة فيه ولا نفيه عنه وإنما فيه الأمر بالصدقة حتى من حاجيات الإنسان ونظير هذا أن يقال: تصدق ولو من دراهم نفقتك ونفقة عيالك فإن هذا لا يدل على انتفاء وجوب الزكاة في هذه الدراهم ". أستمع حفظ

14 - قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" فإن قيل: إن في لفظ الحديث: ( وفي الرقة في مائتي درهم ربع العشر) وفي حديث علي:(و ليس عليك شئ حتى يكون لك عشرون دينار) والرقة هي الفضة المضروبة سكة وكذلك الدينار هو السكة وهذا دليل على اختصاص وجوب الزكاة بما كان كذلك. والحلي ليس منه. فالجواب من وجهين: احدهما: أن الذين لا يوجبون زكاة الحلي ويستدلون بمثل هذا اللفظ لا يخصون وجوب الزكاة بالمضروب من الذهب والفضة بل يوجبونها في التبر ونحوه وإن لم يكن مضروبا وهذا تناقض منهم وتحكم حيث ادخلوا فيه ما لا يشمله اللفظ على زعمهم أخرجوا منه نظير ما أدخلوه من حيث دلالة اللفظ عليه أو عدمها.". أستمع حفظ