ولو ذهبنا نعدد الأخبار الصحاح عند أهل العلم ممن يهن بزعم هذا القائل ونحصيها لعجزنا عن تقصي ذكرها وإحصائها كلها ولكنا أحببنا أن ننصب منها عددا يكون سمة لما سكتنا عنه منها وهذا أبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ وهما من أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدريين هلم جرا ونقلا عنهم الأخبار حتى نزلا إلى مثل أبي هريرة وابن عمر وذويهما قد أسند كل واحد منهما عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ولم نسمع في رواية بعينها أنهما عاينا أبيا أو سمعا منه شيئا وأسند أبو عمرو الشيباني وهو ممن أدرك الجاهلية وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وأبو معمر عبد الله بن سخبرة كل واحد منهما عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرين وأسند عبيد بن عمير عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وعبيد بن عمير ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأسند قيس بن أبي حازم وقد أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أخبار وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد حفظ عن عمر بن الخطاب وصحب عليا عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وأسند ربعي بن حراش عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين وعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وقد سمع ربعي من علي بن أبي طالب وروى عنه وأسند نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وأسند النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأسند عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وأسند سليمان بن يسار عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وأسند حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث فكل هؤلاء التابعين الذين نصبنا روايتهم عن الصحابة الذين سميناهم لم يحفظ عنهم سماع علمناه منهم في رواية بعينها ولا أنهم لقوهم في نفس خبر بعينه وهي أسانيد ثم ذوي المعرفة بالأخبار والروايات من صحاح الأسانيد لا نعلمهم وهنوا منها شيئا قط ولا التمسوا فيها سماع بعضهم من بعض إذ السماع لكل واحد منهم ممكن من صاحبه غير مستنكر لكونهم جميعا كانوا في العصر الذي اتفقوا فيه وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهين الحديث بالعلة التي وصف أقل من أن يعرج عليه ويثار ذكره إذ كان قولا محدثا وكلاما خلفا لم يقله أحد من أهل العلم سلف ويستنكره من بعدهم خلف فلا حاجة بنا في رده بأكثر مما شرحنا إذ كان قدر المقالة وقائلها القدر الذي وصفناه والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء وعليه التكلان، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحب وسلم
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين قال مسلم رحمه الله تعالى : " ولو ذهبنا نعدّد الأخبار الصّحاح عند أهل العلم ممّن يهن بزعم هذا القائل ، ونحصيها لعجزنا عن تقصّي ذكرها وإحصائها كلّها ، ولكنّا أحببنا أن ننصب منها عددًا يكون سمةً لما سكتنا عنه منها ، وهذا أبو عثمان النّهديّ ، وأبو رافعٍ الصّائغ ، وهما ممّن أدرك الجاهليّة ، وصحبا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدريّين هلمّ جرًّا ، ونقلا عنهم الأخبار حتّى نزلا إلى مثل أبي هريرة ، وابن عمر ، وذويهما ، قد أسند كلّ واحدٍ منهما عن أبيّ بن كعبٍ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، ولم نسمع في روايةٍ بعينها أنّهما عاينا أبيًّا ، أو سمعا منه شيئًا ، وأسند أبو عمرٍو الشّيبانيّ وهو ممّن أدرك الجاهليّة ، وكان في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلًا ، وأبو معمرٍ عبد الله بن سخبرة كلّ واحدٍ منهما عن أبي مسعودٍ الأنصاريّ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم خبرين ، وأسند عبيد بن عميرٍ ، عن أمّ سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وعبيد بن عميرٍ ولد في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأسند قيس بن أبي حازمٍ وقد أدرك زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن أبي مسعودٍ الأنصاريّ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثة أخبارٍ ، وأسند عبد الرّحمن بن أبي ليلى ، وقد حفظ عن عمر بن الخطّاب ، وصحب عليًّا ، عن أنس بن مالكٍ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأسند ربعيّ بن حراشٍ ، عن عمران بن حصينٍ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثين ، وعن أبي بكرة ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وقد سمع ربعيٌّ من عليّ بن أبي طالبٍ وروى عنه ، وأسند نافع بن جبير بن مطعمٍ ، عن أبي شريحٍ الخزاعيّ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأسند النّعمان بن أبي عيّاشٍ ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ ، ثلاثة أحاديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأسند عطاء بن يزيد اللّيثيّ ، عن تميمٍ الدّاريّ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأسند سليمان بن يسارٍ ، عن رافع بن خديجٍ ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأسند حميد بن عبد الرّحمن الحميريّ ، عن أبي هريرة ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث ، فكلّ هؤلاء التّابعين الّذين نصبنا روايتهم عن الصّحابة الّذين سمّيناهم لم يحفظ عنهم سماعٌ علمناه منهم في روايةٍ بعينها ، ولا أنّهم لقوهم في نفس خبرٍ بعينه ، وهي أسانيد عند ذوي المعرفة بالأخبار والرّوايات من صحاح الأسانيد ، لا نعلمهم وهّنوا منها شيئًا قطّ ، ولا التمسوا فيها سماع بعضهم من بعضٍ ، إذ السّماع لكلّ واحدٍ منهم ممكنٌ من صاحبه غير مستنكرٍ ، لكونهم جميعًا كانوا في العصر الّذي اتّفقوا فيه ، وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهين الحديث بالعلّة التي وصف أقلّ من أن يعرّج عليه ، ويثار ذكره ، إذ كان قولًا محدثًا وكلامًا خلفًا لم يقله أحدٌ من أهل العلم سلف ، ويستنكره من بعدهم خلف ، فلا حاجة بنا في ردّه بأكثر ممّا شرحنا ، إذ كان قدر المقالة وقائلها القدر الّذي وصفناه ، والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء وعليه التّكلان. " الشيخ : الحاصل أن المسألة لا تخلو من أربعة أقسام كما سمعتم قبل ، أو خمسة أقسام : القسم الأول : أن يحدث عمن لم يدرك عصره وهذا بالاتفاق منقطع. الثاني : أن يحدّث عمن عاصره ويثبت أنه لم يلاقه فهذا أيضًا منقطع. الثالث : أن يثبت عمن عاصره ولم يثبت أنه لم يلاقه ولا أنه لقيه ، فهذا هو موضع الخلاف بين البخاري ومسلم ، فالبخاري يرى أنه منقطع ، ومسلم يرى أنه متصل. الرابع : أن يروي عمن لقيه وثبت سماعه منه ، لكن لم يسمع منه هذا الحديث بعينه ، فهذا محمول على السماع ، أي على سماع كل ما حدّث به عنه ، وخالف فيه بعضهم. والخامس : أن يروي عمن عاصره وسمع منه نفس الحديث بعينه فهذا متفق على أنه متصل ، مثل أن يقول : حدثني ، أخبرني سمعت وما أشبه ذلك. فهذه الأقسام كما رأيتم ، بقي أن يقال : أيهما أقرب إلى الصحة : أن نحدث عمن من عاصره ولم يثبت أنه لاقاه ، أو عمن ثبت أنه لاقاه ؟ الثاني لا شك ، الثاني أقرب إلى الصحة وعليه مشى البخاري رحمه الله في صحيحه ، ومسلم بخلاف ذلك ، وقال : متى ثبتت المعاصرة فإنه لا تشترط الملاقاة ما لم يصرّح بأنه لم يلقه ، إذا صرح بأنه لم يلقه فهو منقطع لا إشكال فيه.
قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله بعون الله نبتدئ وإياه نستكفي وما توفيقنا إلا بالله جل جلاله
القارئ : قال أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيريّ رحمه الله : " بعون الله نبتدئ ، وإيّاه نستكفي ، وما توفيقنا إلّا بالله جلّ جلاله " . الشيخ : يعني من هنا بدأ مسلم ، واعلم أن التراجم ليست من صنيع مسلم رحمه الله ، ولكنها من صنيع الشراح ، وأحسن التراجم التي لهذا الكتاب هي تراجم النووي رحمة الله عليه.
حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه حدثنا أبي حدثنا كهمس عن بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني برئ منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم قال حدثني أبي عمر بن الخطاب قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أمارتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم
القارئ : حدّثني أبو خيثمة زهير بن حربٍ ، حدّثنا وكيعٌ ، عن كهمسٍ ، عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، ح وحدّثنا عبيد الله بن معاذٍ العنبريّ -وهذا حديثه- حدّثنا أبي ، حدّثنا كهمسٌ ، عن ابن بريدة ، عن يحيى بن يعمر الشيخ : كلمة ( ح ) ما معناها ؟ يعني أنه تحوّل من سند إلى سند لكنهم يضطرون إلى الرموز هذه لثلاثة أوجه : حفاظا على الوقت ، وحفاظا على المداد ، لأن هذا يوفر المداد ، وحفاظًا على الأوراق ، لأن الأوراق والمداد عندهم ليست بالأمر السهل ، قد يكون من أصعب الأمور الحصول عليها القارئ : عن يحيى بن يعمر قال : " كان أوّل من قال في القدر بالبصرة معبدٌ الجهنيّ ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرّحمن الحميريّ حاجّين - أو معتمرين - فقلنا : لو لقينا أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألناه عمّا يقول هؤلاء في القدر ، فوفّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطّاب داخلًا المسجد ، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه ، والآخر عن شماله ، فظننت أنّ صاحبي سيكل الكلام إليّ ، فقلت : أبا عبد الرّحمن إنّه قد ظهر قبلنا ناسٌ يقرؤون القرآن ، ويتقفّرون العلم ، وذكر من شأنهم ، وأنّهم يزعمون أن لا قدر ، وأنّ الأمر أنفٌ ، قال : ( فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أنّي بريءٌ منهم ، وأنّهم برآء منّي والّذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أنّ لأحدهم مثل أحدٍ ذهبًا ، فأنفقه ما قبل الله منه حتّى يؤمن بالقدر ثمّ قال : حدّثني أبي عمر بن الخطّاب قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ ، إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثّياب ، شديد سواد الشّعر ، لا يرى عليه أثر السّفر ، ولا يعرفه منّا أحدٌ ، حتّى جلس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفّيه على فخذيه ، وقال : يا محمّد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقيم الصّلاة ، وتؤتي الزّكاة ، وتصوم رمضان ، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلًا ، قال : صدقت ، قال : فعجبنا له يسأله ويصدّقه ، قال : فأخبرني عن الإيمان ، قال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه ، قال : صدقت ، قال : فأخبرني عن الإحسان ، قال : أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ، قال : فأخبرني عن السّاعة ، قال : ما المسئول عنها بأعلم من السّائل قال : فأخبرني عن أمارتها ، قال : أن تلد الأمة ربّتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشّاء يتطاولون في البنيان ، قال : ثمّ انطلق فلبثت مليًّا ، ثمّ قال لي : يا عمر أتدري من السّائل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنّه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم ) ". الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب الإيمان بدأ المؤلف فيه ، بما بتعلق بالقدر ، وقد تنازعت الأمة في القدر على ثلاث فرق : فرقتان متطرفتان ، وفرقة ثالثة وسط ، فأما المتطرفتان هما القدرية والجبرية ، فالقدرية أنكروا القدر ، يعني قالوا : إن الله سبحانه وتعالى لم يقدّر أفعال العباد ، وكان أول ما ظهر فيهم هذا الرأي الخاطئ أنهم أنكروا حتى العلم ، وقالوا : إن الله لا يعلم ما يفعله العباد إلا بعد أن يقع ، وأن الأمر أنف بمعنى مستأنف ، يعني أن علم الله تعالى بأعمال العباد مستأنف ، لا يدري عنه حتى يعملوه ، ولهم شبهة ، مثل قوله تعالى : (( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ))(( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين آمنوا منكم ويعلم الصابرين )) وأشباه ذلك من الآيات ، وهؤلاء غلاتهم لكنهم انقرضوا حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية : إن منكري العلم اليوم قليل ، استقر رأيهم على إثبات العلم ، والكتابة ، ولكنهم أنكروا المشيئة والخلق ، وقالوا : إن الله لا يشاء أعمال العباد ، ولا علاقة لله بأعمالهم ، وليس خالقًا لها ، بل الإنسان حر في مشيئته وفعله ، هذا الذي استقر رأيهم عليهم ، الطائفة الثانية المتطرفة : الجبرية قالوا : إن الإنسان مجبر على عمله ، ليس له فيه تعلق إطلاقًا ، وأن حركاته وسكناته ليست إليه ، بل هو كتحرك الريشة في الفرجة ، وما أشبه ذلك ولهم في ذلك شبهة ، منها قوله تبارك وتعالى : (( ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ))(( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) والعمى كل العمى في أهل البدع ، أنهم ينظرون إلى الشريعة من وجه واحدٍ أو بعين واحدة ، بمعنى أنهم يأخذون أدلة ويتركون أدلة ، فيحصل من ذلك البدعة ، سواء في هذه المسألة أو في غيرها ، وهذه البدعة كما ترون ظهرت في أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم ، لكن هناك بدعة قبلها وهي بدعة الرافضة والنواصب الذين هم الخوارج ، كانت في آخر عهد الخلفاء الراشدين ، فعثمان رضي الله عنه لم يقتل إلا بالخارجين عليه ، وعلي بن أبي طالب لم يقتل إلا بالخارجين عليه ، والخروج على ولاة الأمور ليس هو الخروج بالسلاح فقط ، بل الخروج بالسلاح وباللسان ، حتى أن الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اعدل سمي خارجًا ، لأنه خرج على الحكم ، وأنكر الحكم علانية ، مع أنه كاذب في ذلك ، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو أعدل الخلق ، لكن على كل حال الخروج إذا قيل خروج لا تظنوا أن المعنى أنه يخرج بالسلاح ، لكن هذا غاية الخروج ، وكل من خرج على الإمام وولاة الأمور فهو خارجي ، خارجي لكن يقيد بما خرج به ، سواء اعترض على أي شيء من أحكامهم وأفعالهم ، على وجه العلانية ، لأن ذلك يوغر الصدور ويوجب أن يحمل الناس على ولاة الأمور ما يحملون ، ثم بعد هذا ينكصون عن طاعتهم التي أمروا بها ، ما لم يأمروا بمعصية ، فإن أمروا بمعصية فلا طاعة لهم ، فالنواصب والرافضة كانوا قد خرجوا قبل بدعة القدر ، ما هي الطائفة المتوسطة من هذه الفرق الثلاث ؟ هي طائفة السنة والجماعة ، الذين قالوا نؤمن بقدر الله وأنه سبحانه وتعالى علم كل ما يعمله العباد ، وكتب ذلك وشاءه وخلقه ، وأن الإنسان ليس مجبرًا بل هو مختار ، ولهذا إذا وقع الشيء عليه على وجه الإجبار لم يؤاخذ بما وقع منه ، أعظم الذنوب الكفر ، ومع ذلك إذا أكره عليه لم يؤاخذ به (( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب من الله )) هذا المذهب الوسط أخذ بأدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء ، واجتمع من هذه الأدلة هذا الرأي المنقّح المحرّر وهو أن الإنسان له قدرة واختيار وأنه هو الفاعل في الحقيقة ، ولكن هذا كله بعلم الله وكتابته ومشيئته وخلقه ، هؤلاء خرجوا بالبصرة ، وكان مرجع الناس إذ ذاك هم بقايا الصحابة ، فذهب هذا الرجل وصاحبه هو حميد بن عبد الرحمن الحميري ، انطلقوا إلى عبد الله بن عمر في الحج ، وأخبروه الخبر ، قال : فقال عبد الله بن عمر : إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني ثم قال : والذي يحلف به عبد الله بن عمر ، لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر لماذا ؟ لأن الذي يكذب بالقدر ولا سيما مثل هؤلاء الذين ينكرون علم الله كافر ، والكافر لا يقبل منه نفقة ، (( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله )) ثم ذكر حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على صفة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة ، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلخ.
الشيخ : في هذا الحديث من الفوائد : أولًا : أن من هدي السلف الصالح الرجوع إلى أهل العلم الذين هم أهله ، والذين يظن فيهم الوصول إلى الحق ، من أين يؤخذ ؟ من رجوع الرجلين إلى عبد الله عمر رضي الله عنه ، ومن فوائده : أن الإنسان قد يقرأ القرآن وقد يحرص على طلب العلم ولكنه يضل ، كهذا الرجل معبد الجهني وزمرته ، فإنهم يقرؤون القرآن ويحرصون على العلم لكن ضلوا هذا الضلال المبين ، ويتفرع على هذه الفائدة : أنه يجب على الإنسان أن يسأل الله سبحانه وتعالى دائمًا الثبات على الحق ، والوصول إلى الصواب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاة الليل بالاستفتاح المشهور ومنه : ( اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) ، ومن فوائده : جواز حلف المفتي إذا دعت الحاجة إليه أو كان في ذلك مصلحة ، وهذا مما جاء في القرآن والسنة ، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحلف في ثلاثة مواضع من القرآن ، الموضع الأول قوله تعالى : (( ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق )) ، الموضع الثاني قوله تعالى : (( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم )) ، الموضع الثالث قوله تعالى : (( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن )) وأقسم النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث ، فإذا دعت الحاجة أو كانت المصلحة في اليمين فلا بأس أن يحلف الإنسان وأما إذا لم يكن هناك مصلحة ولا دعاءُ حاجة فالأفضل كف لسانه عن اليمين ، ومن فوائد هذا الحديث : أن ابن عمر رضي الله عنهما يرى أن المكذب بالقدر كافر لا تقبل منه النفقة ، حيث قال : لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبًا ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر ، ومن فوائد هذا الحديث : أن الله سبحانه وتعالى أعطى الملائكة قدرة على أن يتحوّلوا من صورتهم الأولى إلى صورة ثانية ، وهل هذا باختيارهم أو بأمر الله ؟ يحتمل ، الله أعلم ، يحتمل هذا وهذا ، لكن هم يمكن أن يتحولوا من صورتهم الأولى إلى صورة ثانية ، ومن فوائد هذا الحديث : حسن الأدب مع المعلّم والمفتي ، لقوله : أسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ، وهذا من حسن الأدب ، والتهيؤ لما يلقى إليه ، ومن فوائد هذا الحديث : أن الإنسان يجوز له أن يمثّل حال شخصٍ آخر ، لأن جبريل عليه الصلاة والسلام مثّل نفسه بصورة هذا الرجل ، وقال : يا محمد ، والعادة أن الخطاب بيا محمد يكون لمن ؟ للأعراب ولكن هل هذا مقيّد بما أذن الله فيه كهذا الحديث مثلًا ، وكقصة الثلاثة الأبرص والأقرع والأعمى ، فإن الملك جاءهم بصورة إنسان مصاب بما أصيبوا به ، وإنسان فقير ، ويقول : إنه ابن سبيل ، وأنه انقطعت به الحبال ، مع أن الأمر ليس كذلك ، لكن الله سبحانه وتعالى أذن بهذا ، فهل لنا أن نفعل مثل ذلك ؟ هذا موضع اجتهاد ، فمن الناس من قال : إذا كان الله أذن له فإن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء وبعضهم يقول : هذا لا يجوز لأن الرجل الذي يقول : أنا ابن سبيل ، أنا فقير وما أشبه ذلك ليس هو كذلك ، على كل حال هذا موضع اختلف فيه المعاصرون الآن ، فمنهم من قال بالجواز ومنهم من قال بالمنع ، ومن فوائد هذا الحديث : جواز سؤال الإنسان عن شيء يعلمه لمصلحة غيره ، من أين يؤخذ ؟ سؤال جبريل وهو يعلم ، ولهذا يصدقه ، يقول :صدقت لكن لمصلحة الغير ، ويتفرع على هذه الفائدة : أنه ينبغي للإنسان إذا كان هناك مسألة مشكلة على الناس يتعاملون فيها أو ما أشبه ذلك وهو يعلم الحكم ينبغي له أن يسأل وإن كان يعلم من أجل أن يفيد غيره ويكون هو المعلم ، ومن فوائد الحديث : أن المتسبب كالمباشر يعني العمل بالسبب وأن السبب كالمباشرة ، وجه ذلك : أن السبب في إعلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان والساعة وأشراطها هو جبريل عليه السلام ، وقد قال : أتاكم يعلمكم دينكم ، فيؤخذ منه أن السبب كالمباشرة ، وهذا معروف عند الفقهاء ، وأنه إذا اجتمع متسبب ومباشر فقد قالوا بالتفصيل : إذا كان يمكن إحالة الضمان على المباشر فالضمان على المباشر ، ما لم تكن المباشرة مبنية على السبب فيكون الضمان على المتسبب ، وإذا كان لا يمكن إحالة الضمان على المباشر كان الضمان على المتسبب ، أفهمتم القاعدة هذه ؟ طيب نشوف ، شهد رجلًا على شخص عند القاضي بما يوجب قتله ، فحاكم القاضي بقتله ، فنفذ الشرطة قتله فقتلوه ثم رجع الشاهدان وقالا : إننا تعمدنا قتله فمن الذي يقتل ؟ الشاهدان لماذا ؟ لأن المباشرة مبنية على السبب ، مثال آخر : ألقى رجل شخصًا أمام الأسد ، فوثب الأسد عليه فأكله الضمان على الرجل الذي ألقاه مع أنه متسبب ، والأسد مباشر ، لكن لا يمكن إحالة الضمان على أسد ، مثال ثالث : حفر رجل حفرة في الشارع ، فوقف عليها رجل فجاء ثالث فدفع هذا الرجل حتى سقط في الحفرة ومات ، على من ؟ على الدافع ، لأنه مباشر ، الدافع لولا الحفرة التي سقط فيها الرجل ما مات الرجل ، والحفرة مجردها أيضا لا يحصل بها موت ، الموت صار بدفع هذا الرجل فهو مباشر ، والحافر متسبب فيكون الضمان على المباشر طيب هذا أخذناه من أي شيء ؟ من قوله : هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ، فهو السبب لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم فصار كأنه هو المتكلم ، من فوائد الحديث : التفريق بين الإسلام والإيمان عند الجمع بينهما ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما ، فجعل الإسلام هو العلانية ، والإيمان هو السر ، ما في القلب ، وهذا إذا ذكرا جميعًا ، أما إذا أفرد أحدهما صار متضمنًا للآخر ، كقوله تعالى : (( ورضيت لكم الإسلام دينا )) يشمل الإيمان كما هو يشمل الإسلام ، ويبقى عندنا إشكال ، وهو قوله تعالى : (( فأخرجنا من كان فيها من المؤمن فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين )) فجعل المسلمين بدل المؤمنين ؟ والجواب عن ذلك أن يقال : إن الله تعالى قال : ما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ، لأن امرأة لوط كان ظاهرها الإسلام ، فهي مسلمة ظاهرًا ، فالبيت ليس فيه إلا مسلمون ، لكن الذي نجا هو المؤمن ، وتخلفت المرأة لأنها مسلمة وليست بمؤمنة.
إذا شك المسبوق هل أدرك الركوع مع الإمام فكيف يصنع.؟
الشيخ : أو تعلم أنك لم تدركه والأمر في هذا ظاهر ، إن علمت أنك أدركته فقد أدركته ، وإن علمت أنك لم تدركه فقد فاتتك الركعة وإما أن يغلب على ظنك أنك أدركته ، فاعتبر الركعة لأن العبرة في العبادات بما في ظن المكلّف ، اعتبر ركعة ، ثم إن كنت أدركت الإمام من أول الصلاة تحمل عنك سجود السهو ، وإن كنت قد فاتك شيء من الصلاة فاسجد للسهو قبل السلامة أو بعده ؟ سؤال ، بعد السلام ، لأنه الآن على غالب ظنه ، ومتى بنى الإنسان على غالب ظنه فالسجود بعد السلام ، وإما أن يغلب على ظنك أنك لم تدركه وأنه قال سمع الله لمن وحمده ورفع قبل أن تصل إلى حد الركوع فهنا لم تدرك الركعة وعليك أن تأتي بدلها وتسجد للسهو ، قبل السلام أو بعده ؟ بعد السلام ، طيب وإما أن تشك هل أدركته راكعًا أو رفع قبل أن تدركه راكعًا فهنا ألغ هذه الركعة ، وتسجد للسهو يعني تأتي بدلها بركعة وتسجد للسهو قبل السلام ، لأن السجود عن شك بلا ترجيح السائل : ... الشيخ : قال العلماء : لا يسرع سرعة بينة ، تسمع ، إنما يسرع سرعة لا ... السائل : ... الشيخ : أي نعم
الشيخ : يمنع من الإمامة إذا تفل في القبلة وما الدليل على ذلك ؟ نعم رأى النبي صلى الله عليه وسلم إمامًا تنخم في القبلة فعزله تأديبًا له ، وهذا مما يدل على أن التعزير ليس خاصًّا بالضرب ، قد يكون بالضرب ، بالعزل ، بأخذ المال ، بالحبس السائل : في الصلاة ؟ الشيخ : لا بعد الصلاة ، يعني رآه بعد الصلاة
الحاج إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد ولم يطف فهل يعود محرما من جديد.؟
الشيخ : سمعت قولًا ينص على أن الحاج إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد ثم لم يطف طواف الإفاضة حتى أمسى فإنه يعيد عليه إحرامه إذا أراد الطواف وبنى قوله على حديث في سنن أبي داود ؟ هذا صحيح ، قال بعض العلماء بذلك ، قاله من التابعين عروة بن الزبير ، ولكنه شذّ عن الجماعة ولهذا حكى بعض العلماء الإجماع على أن هذا ليس بصحيح ، وأن الإنسان إذا حل التحلل الأول فإنه لا يعود محرمًا إلا بعقد إحرام جديد ، وهذا هو الصحيح والذي عليه الأمة ، والله أعلم.
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين ، وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، من فوائد حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن الإيمان بالقدر خيره وشره أحد أركان الإيمان التي لا تصح العقيدة إلا بها ، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية : " أما بعد ، فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة وهو الإيمان بالله وملائكته ... " وذكر بقية الأركان ، إذن لا يمكن أن تتم العقيدة ولا تصح حتى يؤمن الإنسان بالقدر ، خيره وشره ، ومن فوائده : إثبات أن في القدر خيرًا وأن في القدر شرًّا ، في قوله : ( خيره وشره ) فما هو الخير ، وما هو الشر ؟ ما ينفع فهو خير ، وما يضر فهو شر والمقدرات أو المقدورات كلها إما خير ينفع الناس في دينهم أو دنياهم ، وإما شر يضر الناس في دينهم أو دنياهم ، فإن قال قائل : كيف نقول : الإيمان بالقدر خيره وشره ، والقدر من الله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والشر ليس إليك ) يعني لا يضاف إليك ، ولا ينسب إليك ؟ قلنا : الجمع بين هذا وبين حديث عمر أن نقول : الشر ليس في الفعل ولكنه في المفعول يعني الشر في المفعولات ، وليس في الفعل فتقدير الله الذي هو تقديره خير لا شك ، حتى وإن كان يضر العباد ، لكن المقضي والمقدور هو الذي يكون شرًّا ، والمقدور كما نعلم ليس من صفات لله ولكنه من مخلوقات الله فهو بائن منفصل عن الله عز وجل ، ثم هذا الشر في المقدور هل هو شر محض ، وهل هو شر عام ، بمعنى هل هو شر محض لمن قدر عليه ، وهل هو شر عام لجميع الناس ؟ الجواب : لا ، ليس شرًّا محضًا بالنسبة لمن قدر عليه ، وليس شرًّا عامًا بالنسبة لجميع الناس ، ونضرب لذلك مثلًا : رجل أصيب بمصيبة ، على إثر ذنب ارتكبه ، لقوله تعالى : (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) هذه المصيبة تكفر الذنب الذي فعله ، فصارت هذه المصيبة خيرًا من وجه وشرًّا من وجه وليست شرًّا محضًا بل فيها خير وشر ، وحينئذٍ يكون تقدير الله لها خيرًا ، لأن الله كفر بها عن سيئات هذا الرجل ، فإذن صار الشر الذي أصاب هذا ليس شرًّا محضًا حتى بالنسبة له ، بل هو شر من وجه حيث آذاه وضره ، ولكنه خير من وجه آخر ، حيث كان فيه كفارة سيئاته ، وإن صبر واحتسب كان فيه رفعة درجاته ، وليس أيضًا هو شرًّا عامًّا فمثلًا لو أن شخصًا عنده زرع ، قد ودّعه ومعنى ودعه يعني أنهى سقيه ، والزرع إذا أنهي سقيه فإن الماء بعد ذلك يضره ، فأمطر الله سيلًا عظيمًا فهذا السيل بالنسبة لهذا صاحب الزرع شر ، لأنه يضر زرعه ، لكن بالنسبة للعامة خير ، فتبين بهذا أن الشرّ أولا ليس في قضاء الله وقدره الذي هو فعله ، ولكنه في مفعولاته ، والمفعولات مخلوقات بائنة منفصلة عن الله ، ثانيًا : أن هذه المفعولات التي فيها الشر ليست شرًّا محضًا ، وليست شرًّا عامًّا بل هي بالنسبة لمن أصيب بها خير من وجه وشر من وجه آخر ، وبالنسبة لعامة الناس تكون خاصّة فبهذا تبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( والشر ليس إليك ) ، وتأمل قول الله تعالى : (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )) هذا عام (( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) ليذيقهم جزاء بعض الذي عملوا ، لعلهم يرجعون ، رجوعهم إلى الله خير من الدنيا كلها فصار في قضاء الله تعالى هذا الفساد صار فيه خير ، فانتبه لهذا ، طيب الإيمان بالقدر ذكروا أنه لا بد فيه من الإيمان بأربع مراتب : المرتبة الأولى : الإيمان بالعلم. والثانية : بالكتابة. والثالثة : بالمشيئة. والرابعة : بالخلق. الإيمان بالعلم أن تؤمن بأن الله تعالى عالم بما كان وما يكون ، جملة وتفصيلًا ، من أفعاله وأفعال مخلوقاته لا يخفى عليه شيء ، وأما الكتابة فأن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ودليل هاتين المرتبتين قوله تعالى : (( الم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض )) هذا العلم : (( إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير )) هذه الكتابة ، وذلك أن الله تعالى أول ما خلق الله القلم قال اكتب ، قال : ربي ماذا أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ، والقلم امتثل أمر الله ، لكن استفهم عن هذا الإجمال ، وهو قوله : ( اكتب ) قال : ( ربي ، ماذا أكتب ؟ ) وهذا يدل على امتثاله ، لكنه استفهم عن التفصيل ، فقال : ( اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) فكتب القلم ما هو كائن إلى يوم القيامة بإذن الله عز وجل ، أما الإيمان بالمشيئة فأن تؤمن بأنه ما من شيء يحدث في السماء والأرض عدمًا أو إيجادًا إلا بمشيئة الله ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، هذه كلمة أجمع عليها المسلمون ، أما ما يتعلق بفعل الله فظاهر أنه بمشيئته ، وأما ما يتعلق بفعل العبد فهو بمشيئة العبد مباشرة وبمشيئة الله تعالى تقديرًا ، فالشائي للفعل مباشرة هو العبد ، والشائي لفعله تقديرًا هو الله عز وجل فههنا مشيئتان ، مشيئة ترتب عليها المباشرة ، وهي مشيئة العبد ، ومشيئة ترتب عليها الفعل من حيث هو العموم بما فيها المشيئة ، وهذه مشيئة الله عز وجل ، الرابع الخلق : أنه ما من شيء إلّا وهو مخلوق لله ، قال الله تبارك وتعالى : (( الله خالق كل شيء )) ما في تفصيل ولا استثناء ، فالإنسان شيء فهو مخلوق لله ، وفعله شيء فهو مخلوق لله ، فكل شيء فهو مخلوق لله ، بل نص الله سبحانه وتعالى على خلق فعل العبد ، فقال : (( والله خلقكم وما تعملون )) ، وما هذه قيل أنها موصولة أي : والذي تعملونه وقيل إنها مصدرية أي : وعملكم وكلاهما أي : كلا المعنيين لازم للآخر ، فإن المعمول إذا كان مخلوقًا لله لزم أن يكون العمل الذي حصل به المعمول مخلوقًا لله ، طيب إذن لا بد من الإيمان بهذه الأركان العظيمة ، فهل الأمة الإسلامية التي تستقبل القبلة ..