حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ومحمد بن رمح بن المهاجر قالا أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة حدثنا ليث عن نافع عن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل
القارئ : حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ومحمد بن رمح بن المهاجر قالا أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة حدثنا ليث عن نافع عن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ). الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين قال المترجم لصحيح مسلم: كتاب الجمعة الجمعة: خص الله به هذه الأمة ولله الحمد، وأضّلَّ عنه اليهود والنصارى، فصار لليهود السبت، وللنصارى الأحد، ولهذه الأمة الجمعة، وله خصائص كونية وخصائص شرعية، ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع "زاد المعاد" لابن القيم رحمه الله، فقد أجاد فيه وأفاد. وهي واجبة بإجماع المسلمين، ومن شرطها الجماعة، فلا تصح من منفرد بالإجماع، ولكن هل لهذه الجماعة عدد معيّن؟ يقول بعض العلماء: إنه لا بدّ أن يكون أربعين ولا تصحُّ ممن دونهم، وقال آخرون: بل العدد الواجب اثنا عشر رجُلاً، فلا تصحّ بدونهم، وقال آخرون: بل الواجب ثلاثة، فلا تصحّ بدونهم، وقال آخرون: بل تنعقِد باثنين. وأقرب الأقوال في هذه المسألة أنها تصحّ من ثلاث، والغالب أنه لا يوجد قرْية مسكونة فيها أقل من ثلاث، لكن هذا يوجد كثيراً فيما لو كان الناس ي بلاد كفّار، وفيها أناس مقيمون، عدد كبير مقيمون، وفيها أناس مستوطنون، فمثلاً: لو كان الإنسان في أمريكا، وهناك أكثر من مئة طالب، وليس هناك من أهل أمريكا إلا رجلان فقط، فعلى القول بأنه لا بد من ثلاثة، لا تُقام الجُمُعة، لأن المستوطنين أقلُّ من النصاب، وعلى القول بأنه لا بدّ من أربعين، ووجدنا تسعة وثلاثين مواطناً، ومئة مقيم، فإن الجمعة لا تُقام، لأننا لم نجد من أهلها ما يبلغ النصاب، وهو أربعون، وعلى القول بأن النصاب اثنا عشر رجلاً لو وجدنا عشرة مستوطنين، والباقون مقيمون فإنها لا تُقام الجمعة لهذا السبب. ولكن الصحيح أن الجمعة تصح من كل أحد حتّى من المسافر إذا كان في بلد ويُحْسَب من العدد، وتُقام فيه الجُمُعة، ولا دليل على اشتراط الاستيطان. ثمّ إن الجمعة لها خصائص منها: الاغتسال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل )، إذا أراد أن يأتي الجمعة : هل يُفهَم من هذا التعبير أن الجمعة ليست واجبة، وأن من شاء حضر ومن لم يشأ لم يحْضر؟ لأنه قال :( إذا أراد أحدكم الجمعة )؟ فالجواب: هو لا يمنع الوجوب، ولا يدل على الوجوب، لكن هناك أدلّة أخرى تدل على وجوب الحضور إلى الجمعة، فكأن الرسول عليه الصلاة والسلام بيّن أن الإنسان إذا أراد أن يأتي فليكن اغتساله عند الإرادة، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: الاغتسال للجمعة عند إرادة المضي إليها أفضل مما لو اغتسل من قبل، ولو في نفس اليوم، لأنه يكون أطهر وأنظف، واللام في قوله: (فليغتسل) هي لام الأمر.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا بن رمح أخبرنا الليث عن بن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو قائم على المنبر من جاء منكم الجمعة فليغتسل
القارئ : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا بن رمح أخبرنا الليث عن بن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنه قال وهو قائم على المنبر: من جاء منكم الجمعة فليغتسل ).
وحدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني بن شهاب عن سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله
القارئ : وحدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني بن شهاب عن سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.
وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب بينا هو يخطب الناس يوم الجمعة دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه عمر أية ساعة هذه فقال إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء فلم أزد على أن توضأت قال عمر والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل
القارئ : وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب الشيخ : مدار الحديث الآن على من؟ على ابن شهاب؟ الطالب : لا الشيخ : في السياق الأول لا في السياق الثاني والثالث والرابع عن ابن شهاب لكن تارة يأتي الحديث به عن سالم وعبد الله وتارة عن سالم وحده وتارة عن عبد الله بن عبد الله يعني كأنه يروي عن سالم وحده وعن عبد الله وحده وعنهما جميعاً ، نعم . القارئ : وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن بن شهاب حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه : ( أن عمر بن الخطاب بينا هو يخطب الناس يوم الجمعة دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه عمر: أية ساعة هذه فقال: إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء فلم أزد على أن توضأت قال عمر والوضوء أيضاً وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل )
حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني أبو هريرة قال بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان فعرض به عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر والوضوء أيضا ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل
القارئ : حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني أبو هريرة قال: ( بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان فعرض به عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر والوضوء أيضاً ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل ).
الشيخ : حديث ابن عمر، لم يبيّن فيه من الآتي، وحديث أبي هريرة بيّن فيه، وفي هذا الحديث دليل على أمور: الأمر الأول: على شدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحزمه، وحرصه على تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان إذا قام إلى الصلاة حين النداء فقد امتثل أمر الله، حيث قال الله تعال: (( يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ))، وعثمان رضي الله عنه من حين سمع النداء قام، وأتى إلى الجمعة. ومنها: أنه يجوز للخطيب يوم الجمعة أن يتكلّم مع بعض الحاضرين، ولكن هذا بشرط أن يكون فيه مصلحةً شرعية، وإن لم يكن فيه مصلحةً شرعيّةً فلا، فلو أن الخطيب كلّم إنساناً، وقال له يا فلان، هل قدم ولدك من السّفر؟ هل يجوز أو لا؟ لا لأن هذه ليست مصلحةً شرعية، لكن إذا كان هناك مصلحةً شرعيةً فلا بأس. ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهر الحال يدلّ على أن عمر يرى وجوب الغسل للجمعة، لأن عمر رضي الله عنه وبّخ عثمان أما الناس، وقطع خطبته من أجل ذلك، ثم استدلّ لهذا، بكون النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسْل، والأصل في الأمر الوجوب. وأما حديث أبي هريرة، ففيه أنه ينبغي للإنسان إذا رأى شخصاً فعل ما لا ينبغي أن يُعرّض به بدون ذكر اسمه، لأن عمر رضي الله عنه عرّض في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال: ما بال أقوامٍ، ولكن هل ينبغي لمن عُرِّض به أن يُدافع عن نفسه؟ أو الأولى أن يسكت حتّى لا يُعلم به؟ فيه التفصيل: إذا كان الناس يعرفون أن الذي عُرِّض به هو فلان، بحيث أنه لمْ يوجد هذا الشيء إلا منه، فإن الأفضل أن يدافع عن نفسه لإزالة الشبهة، وأما إذا كان لا يُعلم مثل أن يكون الجمع كثيْراً، وهذا الرجل جاء، ودخل وجلس ولم يُعْلم عنه، فهنا الأولى ألا يُدافع عن نفسه ولكن يحفظ هذا، حتى لا يعود منه مرّةً ثانية.
السائل : شيخ أحسن الله إليك، تسمية الإنسان أحد الأبناء باسمه، كما لو كان مثلاً عبد الله بن عمر، ما رأيكم في هذا ؟ الشيخ : جائز، السائل : ما في إشكال في الجواز لكن ترون استحاب هذا لأنه سمى بأحب الأسماء إلى الله ؟ الشيخ : لا ما نرى استحبابه لكن نرى جوازه، عندنا من المعروف أنه إذا مات الإنسان وامرأته حامل فإنهم يسمّون ولدها الذي في بطنها يسمونه باسم أبيه، ولم تجري العادة بأن يسمى الإنسان باسم أبيه إلا في مثل هذه الصورة، وهذا أبْيَن، كونه يُسمّى باسم آخر أبين وأظْهَر، لأنه إذا سمي باسم أبيه يحتاج إلى أنه عند نسبه أن يُذكر اسم الجد، فيقال: عبد الله بن عبد الله بن عمر مثلاً.
في حديث اعتذار عثمان لعمر ألا يمكن أن يكون عثمان قد اغتسل بعد الفجر.؟
السائل : شيخ بارك الله فيكم بالنسبة لإنكار عمر على عثمان ، وما يُدريه لعل عثمان قد اغتسل مثلاً بعد الصبح، هو ما قال أنه لم يغتسل، يعني ليس فيه أنه لم يغتسل. الشيخ : جزاك الله خيراً، تدافع عن عثمان بعد مرور اثنا عشر قرناً، هو لو كان قد اغتسل لقال اغتسلت يا أمير المؤمنين السائل : هو ما سأله عن الاغتسال الشيخ : لما قال: ما زدت أن توضأت. معناه أنه لم يغتسل، لكن نحن نشكرك على اعتذارك لعثمان، الكلام واضح، ما دام أنه قال ( والوضوء أيضاً ) عرفنا أنه لم يغتسل، ولهذا فهمها من هو أشد منا فراسة السائل : لكن يا شيخ هذا قول عمر الشيخ : هو قال : ( ما زدت عن أن توضأت ) السائل : لكن يا شيخ قول عمر : والوضوء أيضاً . الشيخ : أي نعم يعني تقتصر على الوضوء، السائل : هو فهم أنه لم يغتسل الشيخ : وهو كذلك ، ونحن نفهم من مثل هذا الكلام أنه لم يغتسل السائل : لكن يا شيخ ممكن أنه قد اغتسل الشيخ : سبحان الله لو كان قد اغتسل لدافع وقال قد اغتسلت فعمر رضي الله عنه قال أنت الآن أضفت شيئاً على شيء، ولا أستطيع أن أقول أضفت سيئة على سيئة، تأخرت ولم تغتسل أيضاً.
السائل : ما الفرق بين الوقت، ودخول الوقت؟ الشيخ : إذا قُلنا أنه يُشترط في الصلاة أن تكون في الوقت، معنى ذلك أنه لو خرج الوقت لا يُمْكن أن تصلّى، وإذا قلنا: يُشترط دخول الوقت فمعناه أنه لو صلّاها قبل الوقت لمْ تصح ولو صلاها بعده صحّت، ولهذا من خصائص الجمعة أن تكون في الوقت.
السائل : لو اغتسل بعد ما أتى إلى المسجد؟ الشيخ : يعني مثلاً كان في الصباح برودة وأخرها حتى حضر؟ يحصل المقصود، لأن المقصود الاغتسال للصلاة، لكنهم كانوا فيما يظهر لنا، أنهم كانوا إذا دخلوا المسْجد لا يخرجون، فيأتي الإنسان، قد استعد أتم استعداد.
حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم
القارئ : حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ). الشيخ : في الترجمة: باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال: وإنما قيّده بالبالغ، لأن غير البالغ لا يجب عليه، ولا تجب عليه صلاة الجمعة، وإذا لم تجب عليه صلاة الجمعة فمن باب أولى ألا يجب عليه ما تجب لها، وأما الحديث فصريحٌ غاية الصراحة على أن الغُسل إنما يجب على البالغ، لقوله :(على كل محتلم)، وصريحٌ أيضاً صراحة لا إشكال فيها على أن غُسْل الجمعة واجب، والرسول عليه الصلاة والسلام حين قال واجب يعرف ما يعني، ويعرف ما تدلّ عليه كلمة *واجب* ، فإن الواجب هو الثابت الساقط سقوطاً لا حركةَ بعده، (( فإذا وجبت جنوبها )) . وهذا نصٌّ صريح على وجوب الغُسْل يوم الجمعة، ومع ذلك، اختلف العلماء رحمهم الله في هذا الغُسل، فمنهم من قال: إنه سنّة في كل حال، ومنهم من قال: إنه واجبٌ بكلّ حال، ومنهم من فصل، وقال: إذا كان في أيام الصيف وأيام الحر، وكثرة الأوساخ والروائح الكريهة، فالغُسْل واجب، وفي غير ذلك ليس بواجب. ولكن أسعد الأقوال بالدليل أنه واجب بكلّ حال، ولكنه ليس كوجوب الغسل من الجنابة، بمعنى: أن الإنسان إذا صلى الجمعة ولم يغتسل فصلاته صحيحة، لكنه آثمٌ، يستحقّ العقوبة، إلا أن يعف الله عنه. والإنسان أحياناً يتعجّب أن يرد مثل هذا النص، ثمّ يكون فيه الخلاف في الوجوب، مع أنه صريح واضح، لو أن هذه العبارة جاءت في مصنَّفٍ من مصنَّفات الفقهاء وقال: غسل الجمعة واجب أو يجب غُسل الجمعة، ماذا يفهم الناس منه؟ الوجوب، والتأثيم بالترك، فكيف إذا جاء ممن هو أفصح الخلق، وأنصح الخلق وأعلم الخلق، بشريعة الله، إن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع في حقّه العلم: فهو أعلم الناس بشريعة الله، ثانياً: الصدق، لا يمكن أن يقول واجب وهو كاذبٌ فيها حاشاه الله ذلك، أيضاً البلاغة والفصاحة: وهذا في غاية الفصاحة (غسل الجمعة واجب)، والرابع: الإرادة التامة لخير الأمة، فلا أحد أنصح منه للأمة أبداً، فكيف يعبّر عن شيء ليس بواجب ويقول إنه واجب، وهل هذا إلا سبب للبلبلة، والتردد والتشكك من الأمة؟! ولذلك: نحن نرى أنه واجب، وأن من لم يقم به فإنه آثم، أما من حيث صحّة الصلاة فالصلاة صحيحة، لأن هذا ليس عن جنابة، فإن قال قائل: ما الذي أوجبه، لماذا لا نحمله على ما إذا كان على الإنسان فيه أوساخ لأجل إزالة الرائحة؟ فالجواب عن ذلك: أننا لا نقول: أنه واجب لإزالة الأوساخ فقط، بل هو واجب لتعظيم هذه الصّلاة، ثم إن بدت لنا العلّة في الحكم فهذا خير، وان لم تبدو لنا العلة في الحكم فالواجب علينا الاتباع عرفنا الحكمة أو لمْ نعلم. فإن قال قائل: توجبونه حتى في الشتاء ألا ترحمون الخلق؟ قلنا: هذا من رحمة الخلق، أن نقول: قوموا به لتبرأ ذِممكم، هذا من الرّحمة، فرحمة بالخلق ليس معناه أن نسقط عنهم شيئاً يدلّ النص على وجوبه، ثم نقول إذن يلزم على هذه القاعدة أن نُسقِط عنهم غسل الجنابة، في أيام الشتاء، وهذا لمْ يقُل به أحمد، أما في عهدنا وعصرنا والحمد لله فالأمر متيسّر غاية التّيسّر، ما عليك إلا أن تفتح صنبوراً في جدارٍ يابس، ثمّ يأتيك الماء على مِزاجك: إن شئت زدت الحرارة، وإن شئتَ نقّصت، نعمة كبيرة لا أحد يحْلم بها ولا في حلم الليل، والحمد لله.
حديث :( ومن اغتسل فالغسل أفضل ) أليس فيه استحباب غسل الجمعة.؟
السائل : المستدلون بحديث : ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ،ومن اغتسل فالغُسْل أفضل )؟ الشيخ : هل هذا الحديث يقابل هذا الحديث الواضح الصريح، مع أنه منقطع الحديث، ثم إنك إذا قرأته علمت أن هذا الكلام لا يصْدُر من مشْكاة النبوّة، كلام ركيك، (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعْمت، ومن اغتسل فالغُسل أفضل) وإسناده ضعيف.
من استيقظ متأخرا فهل يذهب إلى المسجد ليدرك الخطبة أم يغتسل وإن فاتته.؟
السائل : لو أن شخص استيقظ قبل الأذان بشيء يسير، فهل يتوضأ ويأتي المسجد لكي يُدرك الخطبة ، أو أنه يغتسل؟ الشيخ : يغتسل من الجنابة ولو فاتته الخطبة السائل : من غير جنابة الشيخ : من غير جنابة لا يذهب إلى الخطبة، لأن الخطبة مقصودة لذاتها، ولهذا لم يأمر عمر عثمان أن يذهب ويغتسل، أقرّه مع أنه في الخطبة السائل : ويكون آثم يا شيخ ؟ الشيخ : نائم، وإذا كانت الصلاة تسقط عن النائم يصلّيها إذا استيقظ فهذا من باب أولى.
في رواية البخاري :( غسل الجمعة واجب على كل محتلم ) وذكر معه السواك والطيب فهل هما واجبان.؟
السائل : الرواية التي في البخاري :الغسل واجب الشيخ : نعم في الصحيحين السائل : وذكر معه الطيب والسواك، والعطف يقتضي وجوب ... فلو كان واجب الغسل لكان واجب السواك؟ الشيخ : لا، لأن الغسل ورد بعدة ألفاظ منها: حديث ابن عمر هنا، فليغتسل، ولم يرد مثل هذا في السواك. يقول: إن في البخاري أنه ذكر معه السواك والطيب ومعلوم أن السواك والطيب ليس بواجبين . فنقول: دلالة الاقتران ضعيفة، وإذا وجد دليل يدل على تخصيص لأحد المُقْترنَين بحكم وجب العمل به، أليس الله تعالى قال :"والخيل والبغال والحمير لترْكبوها وزينة"؟ ومع ذلك جاءت النصوص على حِلّ الخيل، مع أنها جاءت مقرونة بالحمير والبغال، فإذا وجدت نصوص أخرى تدل على أن الغسل واجب أخذنا به، ويكون السواك من باب الاستحباب، على أني يتبيّن لي أن: السواك يوم الجمعة ليس كالسواك المعتاد، بل هو سواك يكون أشد، وأبلغ في التّسوك، فمثلا استعمال الفرشاة الآن يمكن أن يمكون أن يكون أولى من استعمال السواك المعتاد يوم الجمعة، لأن تخصيص يوم الجمعة بالسواك يدل على أنه سواك خاصٌ به، أما السواك العام فكلّ وقت يتسوك الإنسان
قوله :( ولم يأمره أن يذهب ويغتسل) فهل في سنية الغسل.؟
السائل : شيخ بارك الله فيك، من استدل بحديث عمر أنه لم يأمره بأن يغتسل، على عدم الوجوب؟ الشيخ : نقول: معْلوم، نحن نقول: إذا وصل المسجد والإمام يخطب فإنه لا يرجع، لأن الخطبة مقصودة لذاتها.
الشيخ : تهربون من هذا، وتحاولون تأويل الحديث إلى شيء مستكره مع أن هذا من مصلحتكم، أقول: عجباً من بني آدم، يحاولون الهرب من دلالة هذا الحديث والعمل به من أجل تأويلات مستكرهة، أو أحاديث ضعيفة، أنا ضامن لكل إنسان يغتسل ألا يصيبه شيء إلا إن فرّط هو بنفسه، (( فإن تنازعتم في شيء )) السائل : ... الشيخ : أنا ليس عندي حجّة عند الله عز وجل يوم القيامة، والرسول يقول: الغسل واجب، أتظن أن الرسول يقول واجب، وهو يرى أنه سنة؟! ما يمكن أن نقول هذا، لأن عليه البلاغ المُبين وهذا خلاف البلاغ المبين: أن يقصد بالواجب الشيء المؤكّد، وأما كون الصلاة تصح فهناك كثير من الواجبات ليست شرطاً لصحة الصلاة.
حدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا بن وهب أخبرني عمرو عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فتخرج منهم الريح فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا
القارئ : حدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا بن وهب أخبرني عمرو عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت ( كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فتخرج منهم الريح فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا ).
وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفاة فكانوا يكون لهم تفل فقيل لهم لو اغتسلتم يوم الجمعة
القارئ : وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها قالت: ( كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفاة فكانوا يكون لهم تفل فقيل لهم لو اغتسلتم يوم الجمعة ) الشيخ : وهذا لا يدل على الاستحباب، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام من حسن خُلُقه أنه يعْرض الشيء عرضاً، فهذا الإنسان الذي أتاه، أو القوم الآخرون الذين كانوا فقراء ينتابهم العرق، والتراب، وما أشبه ذلك، أراد الرسول عليه الصلاة والسلام حين أراد مخاطبتهم بأنفسهم مباشرة أن يجبر قلوبهم، فيقول: لو اغتسلتم، لو أنكم تطهّرتم، وهم بلا شك إذا عرض عليهم الرسول هذا العرض فلا شك أنهم سيقبلون، ويفعلون، لكن حديث أبي سعيد ليس فيه هذا، ...خطاب مباشر "غسل الجمعة واجب" للأمة كلها، ثم على تسليم أن هذا هو سبب الوجوب، العبرة بايش؟"العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".
السائل : لو استدل بحديث أبي سعيد الخدري على أن غسل الجمعة يسقط في السفر، هل له وجه هذا؟ الشيخ : أما من لم يأتِ إلى الجمعة معلوم أنه لا يجب عليه، السائل : الذي يأتي الشيخ : لا الذي يأتي لا ( إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل ) حديث ابن عمر السابق.
السائل : النووي بدأ كتاب الجمعة ثم استهل بأحاديث تتعلق بوجوب الغسل ، ثم بوب بأحاديث أيضاً تتعلق بوجوب الغسل، فإلى ماذا يرمي النووي؟ الشيخ : الغسل مقدّمة الحضور، فلذلك بدأ به، وهو ماشٍ على سياق مسلم.
من استدل بحديث عائشة على أن علة الأمر بالغسل هو الرائحة الكريهة هل يرد عليه بحديث أبي سعيد حيث علقه بالاحتلام.؟
السائل : من استدلّ بحديث عائشة رضي الله عنها على أن العلة في هذا الغبار ، ومن له ريح كريهة، ألا يمكن الرد عليهم بحديث أبي سعيد الخدري غسل الجمعة واجب على كل محتلم، فعلقه النبي عليه الصلاة والسلام بالاحتلام، ولم يذكر الوسخ؟ الشيخ : بلا، لأن تعليقه بوصف يقتضي التكليف يدل على أنه واجب، وجوب لا إشكال فيه السائل : سواء لحق بالإنسان ريح أو لا؟ الشيخ : إي نعم
وحدثنا عمرو بن يخلو العامري حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن وعثمان حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه إلا أن بكيرا لم يذكر عبد الرحمن وقال في الطيب ولو من طيب المرأة
القارئ : وحدثنا عمرو بن يخلو العامري حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه ) إلا أن بكيرا لم يذكر عبد الرحمن وقال في الطيب ولو من طيب المرأة الشيخ : هذا فيه أضاً تأكد الطيب، وتأكد السواك يوم الجمعة، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحبّ الطيب، وكان دائماً يتطيب، حتى إذا مرّ بالسوق شعر الناس أنه مرّ بهم، من طيبه عليه الصلاة والسلام، وهذا من حكمة الله عز وجل، (( الطيبات للطيبين)) لكن طيب الجمعة أخصّ وأهم، فينبغي للإنسان أن يتطيب كل يوم جمعة إذا أراد أن يحضر بعد الاغتسال، وكذلك يتسوك، وتقدم ما قلنا في السواك أن الذي يظهر أنه سواكٌ أخصّ من السوك المعتاد. قوله :(وسواك) معطوفة على غُسل، و "يمسّ" ، معطوفة على غُسل، ولهذا كان مقتضى القواعد النحوية أن يكون بالنصب، ويمسَّ من الطيب ما قدر عليه، لأنه إذا عُطفَ الفعل المضارع على اسم صريح فإنه يُنْصب " وإن على اسم خالصٍ فعلٌ عُطِف *** تنصبه أن ثابتاً أو مُنحرف " عندنا بالضم، فإذا كانت الرواية بالضم اتبعنا الرواية، وقلنا هذا من نقل الرواة. يقول هكذا وقع في جميع الأصول ، غسل الجمعة ، ويجوز بفتح الميم وضمها يمَس ويمُس لكن ما تكلم عن الإعراب عنها
حدثنا حسن الحلواني حدثنا روح بن عبادة حدثنا بن جريج ح وحدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن بن عباس أنه ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الغسل يوم الجمعة قال طاوس فقلت لابن عباس ويمس طيبا أو دهنا إن كان عند أهله قال لا أعلمه
القارئ : حدثنا حسن الحلواني حدثنا روح بن عبادة حدثنا بن جريج ح وحدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس: ( أنه ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الغسل يوم الجمعة قال طاوس فقلت لابن عباس ويمس طيباً أو دهناً إن كان عند أهله قال لا أعلمه).
وحدثني محمد بن حاتم حدثنا بهز حدثنا وهيب حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده
القارئ : وحدثني محمد بن حاتم حدثنا بهز حدثنا وهيب حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده ). الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كما سبق، يدلّ على وجوب الغسل ليوم الجمعة، لأنه قوله : (حقّ لله على كلّ مسلم )، وحقٌ لله على واضحة في الوجوب، وتعليق ذلك بالإسلام أيضاً دليل على أن ذلك من مُقتضيات الإسلام. وقوله :( أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ ) لم يبين متى هذا الاغتسال لكن الأحاديث الأخرى تدل على أنه يكون يوم الجمعة، فيكون هذا مُطلقاً قيدته النصوص الأخرى، أو مُجملاً بيّنته النصوص الأخرى.
السائل : ما حكم التطيب ليوم الجمعة، هل هو واجب كالغسل؟ الشيخ : مسألة الطيب ، ذكرنا أنه لا يجب الطيب والسواك، وقلنا أن دلالة الاقتران لا تدل على تساوي المقترِنات في الحكم. السائل : ... الشيخ : هذا على الغالب سواء عند أهله أو من طيب نفسه كله واحد. السائل : لعل الأخ فؤاد الآن يشير إلى أن أطياب النساء اليوم تختلف، فإذا لم يوجد طيباً يناسب الرجل فهل يتطيب من طيب النساء ؟ الشيخ : المعنى إذا لم يكون عنده طيب،ولو من طيب أهله السائل : ولو من طيب النساء ؟ الشيخ : نعم ليس يختلف دائماً يوجد بعض الأطياب تتفق أطياب النساء والرجال، وربّما يُقال: أن طيب المرأة يُطلبُ فيه ألا كون قوي الرائحة، وأن الرسول قال: (ولو من طيب أهله)، معناه: أدنى طيب، يكفي أدنى طيب.
وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنه ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر
القارئ : وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ). الشيخ : هذا فيه الحث على التقدّم ليوم الجمعة، وأنه ينال هذا الأجر بشرط أن يكون قد اغتسل، ( مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ )، وهنا من باب إصافة الشيء إلى موصوفه، يعني الغُسل الذي هو كغُسل الجنابة، وليس من إضافة الشيء إلى سببه، وذلك لأن غُسل الجنابة واجب سواء في الجمعة وغيرها، لكن المراد غسل كغسل الجنابة، فحُذِفَ منه أداة التشبيه لتوكيد التشبيه، لأن التشبيه ذكروا أنه ينقسم إلى أربعة أقسام: مؤكّد بليغ، ومؤكد غير بليغ، وبليغ غير مؤكَّد، ومُرسَل، فإذا ذُكرت الأداة ووجه الشّبه فهذا أضعف أنواع التشبيه، كأن يُقال: فلانٌ كالبحر في كرماً أو في الكرم ، هذا أضعفه، فإذا قيل: فلان بحرٌ وهذا تشبيه بليغ، فإن هذا أقواها، ما بقي إلا درجة واحدة ويكون استعارة، كأن تقول: رأيت بحراً ينثر الدنانير، وهذا معروف في علم البلاغة. المهم قوله: ( غسل الجنابة ) نقول: هذا على تقدير الكاف، أي كغُسْل الجنابة، لكن حَذف الكاف لتوكيد التشبيه، كيف توكيد التشبيه؟ لأنه إذا حُذفَت أداة التشبيه صار المُشبّه به كأنه هو المشبَّه. قوله : ( ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ): قوله ثم راح يعني: في الساعة الأولى، كما جاءت في بعض الألفاظ، ويدلّ عليه قوله: ثمّ راح في الثانية، والرواح هنا ليس ما كان بعد الزوال، كما قاله بعض العلماء رحمهم الله، ولكن المراد بالرواح: مجرّد الذهاب، وما زالت هذه اللغة معروفة حتى في عرفنا الآن، يقال: راح فلان إلى كذا يعني: ذهب، ولو في الليل، فمعنى راح أي ذهب، ( فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشاً أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ): تفاوت الساعات في الأجر إلى هذا التفاوت البعيد ليس إلينا، لأن تقدير الثواب إلى الشرع، فهو من الأمور التوقيفية، ولهذا لا يمكن أن نورد لماذا كان النزول من الساعة الثالثة كأنما قرّب كبْشاَ أقرن، وفي الرابعة كأنما قرّب دجاجة، هذا نزول بيّن، ولكن يُقال: تقديرها أن الثواب إلى الله عز وجل وليس إلينا، ثمّ قد يُقال: إن الذي يتأخر إلى الرابعة أشدّ لوماً ممن يأتي في الثالثة، لأن الذي جاء في الثالثة عنده نوع من التبكير، لكن من جاء في الرابعة هذا مفرّط تماماً، وأردأ منه الذي جاء في الخامسة، ولهذا كأنما قرّب بيضة، ربما تكون الدجاجة بعشرين ريالاً، والبيضة نصف ريال، لكن كلّما تأخر كان اللوم أكثر، فإذا قال قائل: ما هذه الساعات، هل تُقدّر بالتساوي أم ماذا؟ نقول: تقدر فيما يظهر بالتساوي، هذا هو الأصل، فيُقسَم ما بين الشمس إلى مجيء الإمام خمسة أقسام، فالقسم الأول هو الساعة الأولى، والثاني الثانية، والثالث الثالثة ،الرابع الرابعة، والخامس الخامسة. قال :( فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ) : ومعنى حضرت أي: كفّت عن كتابة المتقدّمين، لأن الله يجعل على أبواب المساجد يوم الجمعة ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا حضر الإمام أمسكوا، وحضروا يستمعون الذّكر. وفي هذا دليل على مسائل: أولاً: فضيلة التقدّم مع الاغتسال، ومن فوائده أيضاً: أنّ من تقدّم من دون اغتسال لم يحصل له هذا الأجر، وفيه أيضاً من فوائده: أن الجزاء من جنس العمل، والثواب على قدر العمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ميّز بين المتقدّمين والمتأخرين. وفيه أيضاً: أن الملائكة يحبون ذكر الله عز وجل، ولهذا فإنهم يكفون عن العمل لئلا يشتغلوا به عن استماع الخطبة.