كتاب الجمعة والعيدين والإستسقاء والكسوف والجنائز-07a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
صحيح مسلم
الحجم ( 5.48 ميغابايت )
التنزيل ( 509 )
الإستماع ( 81 )
فوائد حديث أم سلمة قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبة في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونور له فيه
الشيخ : فيسْتفاد من ها فوائد: أن الميت إذا مات شقّ بصره يعني انفتح، وكأنما ينظر إلى شيء، وأنه ينظر إلى الروح، روح الإنسان تخرج من جسده، والبصر يبقى حيّاً، ينظر إلى روحه خرجت منه، وهذا قد شهد به الطب الحديث، وأن حياة البصر تبقى بعد خروج الروح من الجسد. وفيه أيضاً: أنه يُسَنّ تغميض الميّت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولأن ذلك أحفَظ لعينيه من دخول الماء فيهما عند التغسيل، أو التراب عند الدفن، أو ما أشبه ذلك. ومن فوائده: أنه لا يُنكر على أهل الميت إذا ضجوا عند موته صاحوا، ولكن يُرشدون إلى الدعاء بالخير، لأن هذه الحال حالٌ فيها رقّة النفس، وضعفها، ولجوؤها إلى الله عز وجل، فالدعاء حريٌّ بالإجابة. وفيه أي من فوائد الحديث: أن الملائكة تؤمّن على دعاء أهل الميت في هذا الحال، ودعاءٌ تؤمّن عليه الملائكة حريٌّ بالإجابة، ومنها هذا الدعاء العظيم لأبي سلمة، رضي الله عنه، خمس جُمَل دعاء، قلها يا أخي ، نعم أنت، أين ذهبت؟ سَرَحت؟ المراعي حول البلد أو بعيدة عن البلد؟ نعم؟ انتبه بارك الله فيك. طيب، الجملة الأولى سؤال المغفرة لأبي سلمة، والمغفرة: هي ستر الذّنب والعفو عنه. والثاني: وارفع درجته في المهديّين: وهذا في الجنّة، سأل الله أن يرفع درجاته في جملة المهديّين، الذين هداهم الله عز وجل، والثالثة: اخلفْه في عقِبه، أي صِر خليفته في أهله، وقد وقع ذلك، كيف ذلك يا أخي؟ الطالب: أنها كانت تحت الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان أولاد أبي سلمة تحته أيضاً. وافسح له في قبره: أي وسّع له فيه، ونوّر له فيه: لأن القبر كما تعلمون ظُلْمة، ليسس فيه نور، ولكن الله تعالى إذا كان الميت ممن رضي الله عنهم يُفْسَح له في قبره وينوَّر له فيه.
وحدثنا محمد بن موسى القطان الواسطي حدثنا المثنى بن معاذ بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن الحسن حدثنا خالد الحذاء بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال واخلفه في تركته وقال اللهم أوسع له في قبره ولم يقل افسح له وزاد قال خالد الحذاء ودعوة أخرى سابعة نسيتها
وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج عن العلاء بن يعقوب قال أخبرني أبي أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره قالوا بلى قال فذلك حين يتبع بصره نفسه
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير وإسحاق بن إبراهيم كلهم عن بن عيينة قال بن نمير حدثنا سفيان عن بن أبي نجيح عن أبيه عن عبيد بن عمير قال قالت أم سلمة لما مات أبو سلمة قلت غريب وفي أرض غربة لأبكينه بكاء يتحدث عنه فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني فاسقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه مرتين فكففت عن البكاء فلم أبك
القارئ : وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ( لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: غَرِيبٌ وَفِي أَرْضِ غُرْبَةٍ، لَأَبْكِيَنَّهُ بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ، فَكُنْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيْهِ، إِذْ أَقَبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ تُرِيدُ أَنْ تُسْعِدَنِي، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تُدْخِلِي الشَّيْطَانَ بَيْتًا أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْهُ؟ مَرَّتَيْنِ، فَكَفَفْتُ عَنِ الْبُكَاءِ فَلَمْ أَبْكِ ). الشيخ : لكنَّ البكاء على الميت إن كان غير مُتَكلَّف، وكان طبيعيّاً فإنه لا بأس به، بل هو دليل على رحمة الإنسان، ولهذا بكى النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه ابراهيم، وقال: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي الرّب، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ). أما البكاء المتكلَّف المتعمَّد الذي يُتهيء له فهذا غير مشروع، وقد أخبر النبي صلى الله عليه ولم أن الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه، وقول أم سلمة: إذ أقبلَت امرأةٌ من الصَّعيد: يعني من العوالي من خارج البلد، وقولها: تُسْعِدُني: أي تشاركني في البكاء على الميت، من الإسعاد، أو من المساعدة، ولكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم زجر هذه المرأة بهذا الكلام: ( أتريدين أن تُدْخِلي الشيطان بيتاً أخرجه الله منه؟ ) قالها مرّتين، فلمّا سمعت أم سلمة بهذا ابلكلام كفّت عن البكاء.
هل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة لما مات دليل على محبته له.؟
السائل : مات للرسول صلى الله عليه وسلم من الأبناء قبل إبراهيم، وما بكى عليهم، وبعض الصحابة دعى لهم وبعضهم لم بدع لهم عند الموت، يا شيخ هذا يكون من محبة الرسول لبعضهم ؟ الشيخ : ما هو على كل حال ، لكن بالمناسبة ، الآن هل يُمكن أن نجزم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حضر موت أحد غير أبي سلمة؟ السائل : لا الشيخ : لا نجزم السائل : ممكن هذا كحب يعقوب ليوسف عن أخوته . الشيخ : هذا شيء مجرّب، حتى الإنسان يحب بعض أبنائه أكثر من بعض
قول أم سلمة :( لأبكينه بكاء يتحدث عنه فكنت قد تهيأت للبكاء عليه ) هل كانت تجهل أن النحياحة حرام.؟
السائل : قول أم سلمة : ( لأبكينه بكاءً يتحدّث عنه ) هل كان مقصودها بالنياحة أن تذكر محاسنه وتَرثيه؟ الشيخ : فيه احتمال السائل : هل لم يكن متقرر لديهم أن النياحة حرام. الشيخ : لا، البكاء على الميت متقرّر عندهم أمره مشهورٌ معروف، نعم يُتحدّث عنه، يقول الناس إنها بكت عليه بُكاءً شديداً، يدل على أنها حزنت حزناً شديداً، وأنه غالٍ عندها السائل : أنا فهمت أنها تقول شعراً فيه الشيخ : ما هو بالظاهر ، بكاء السائل : هذا الذي يتحدث عنه الناس الشيخ : والبكاء الشديد أيضاً يتحدّث فيه، وهي لم تقل يتحدّث به، عن يعني يقال: لم يبكِ أحٌ مثل بكاء أم سلمة على زوجها.
السائل : هل يجوز رفع الصوت بالبكاء عند موت القريب؟ الشيخ : كما قلت: البكاء بدون تكلّف جائز، السائل : حتى بصوت؟ الشيخ : حتّى بصوت، لأن الإنسان قد لا يستطيع أن يمنع نفسه، وأما الذي يتكلّف ذلك فهذا هو المنهي عنه
حدثنا أبو كامل الجحدري حدثنا حماد يعني بن زيد عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن أسامة بن زيد قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت فقال للرسول ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب فعاد الرسول فقال إنها قد أقسمت لتأتينها قال فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه فقال له سعد ما هذا يا رسول الله قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء
الشيخ : الحديث فيه فوائد: أولاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام من أحسن الناس خلُقاً، من وجهين، بل من وجوه، أنه أجاب دعوة ابنته، مع انه يظهر أنه مشغولٌ بشيء هام، لأنه أمر الرسول أن يرجع ويُحدّثها بما أمره أن يحدّثها به. وثانياً: حُسنُ تربية النبي صلى اله عليه وسلم، وذلك بتوجيه ابنته إلى أن تصبر وتحتسب، قال: مُرْها فلتصبر ولتحتسب، تصبر يعني على هذه المصيبة، وتحتسب أجرها على الله عز وجل، ومنها: هذا العزاء العظيم البليغ: (إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى) فهو الرب عز وجل المالك له ما أخذ من كل شيء، من المال، من البنين، وغير ذلك، وله ما أعطى، وإذا كان له ما أعطى فله أن يأخذه متى شاء، ثم التّسلية الثالثة: وكلّ شيء عنده بأجلٍ مسمّى، وما كان بأجل فهو مربوط بأجله لا يمكن أن يتقدّم عنه ولا يتأخّر، والإنسان إذا آمن بهذا فإنه سوف تهون عليه المصائب، ويرتفع عنه الندم، وينسَد عنه باب لو، وقوله: مسمّى أي: معيّن ومحدّد، ولكنّ ابنته وهي زينب أقْسَمَت أن يأتيها، يعني قالت: والله ليأتيَن، ففيه جواز الإقسام على الغير، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنْكر عليها أن أقسَمَت عليْه، لكن يجب في مثل هذه الحال أن يُراعي الإنسان ظرف أخيه، فلا يُكلّفه ما يشقّ عليه، طيب فإن قال قائل: لو حلف قال: والله لتخبرنِّي عما في بيتك من الطعام، والشّراب، فهَل يُبَرُّ قسَمه؟ لا، لأن هذا لا يستحق أن يَبَرّ قسمه، لماذا؟ لأنه سأل عمّا لا يعنيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: (من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه). ومنها: جواز البكاء، وهذا هو المقصود من الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بكى لمّا رأى هذا الصّبي ونفسه تقعقع كأنها في شنّة، وتعرفون الشّنة هي الجلد اليابس، ويكون له صوت، مع تحركه. ومن فوائد هذا الحديث: أن الرُّحماء يبكون عند وجود ما يرقِّق القلوب، لإن النبي صلى الله عليه وسلم بكى، وأخبر أن هذه رحمة، جعلها الله تعالى في قلوب عباده. ومنها: أن الرحيم بالخلق حريٌّ بأن يرحمه الله عز وجل، لقوله: ( وإنما يرحم الله من عباده الرُّحماء)، وإنما هنا: أداة حصر، فإذا رأيت من نفسك رِقَّة وليناً لعباد الله فأبشر بالخير، فإن هذا عنوان على رحمة الله إيَّاك، وإن رأيت الأمر بالعكس فعالج نفسك، وعوّدها على الرّحمة، ومن أقرب ما يكون: هو رحمة الصّغار، فإن رحمة الصغار، والعطف عليهم ، والحنو عليهم، وتطييب خواطرهم هذه من أقرب الأسباب، ومن أكبر الأسباب التي تعين الإنسان على الرحمة.
وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا بن فضيل ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية جميعا عن عاصم الأحول بهذا الإسناد غير أن حديث حماد أتم وأطول
حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي وعمرو بن يخلو العامري قالا أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن الحارث الأنصاري عن عبد الله بن عمر قال اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشية فقال أقد قضى قالوا لا يا رسول الله فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا فقال ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم
القارئ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: ( اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ فِي غَشِيَّةٍ، فَقَالَ: أَقَدْ قَضَى؟ قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ فَبَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا، فَقَالَ: أَلَا تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ ). الشيخ : هذا أيضاً فيه جواز البكاء على المريض إذا وجد فيه شدّة، وأن هذا من رحمة الله عز وجل، وفيه أيضاً: أن الله لا يُعذّب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بما يقوله الإنسان عند المصيبة، من النياحة، والنّدب، والدّعاء بالويل والثّبور، وما أشبه ذلك. وهل يُقال في هذا الحديث دليل على جواز التأسّي بالنبي صلى الله عليه وسلّم حتّى فيما تقتضيه الطّبيعة، لأن الصحابة بكوا - الذين مع الرسول صلى الله عليه وسلم - لبكائه،؟ أو يُقال: إنهم لمّا رأوا الرسول بكى، رقّت قلوبهم فبكوا؟ الظاهر الثاني، فإن قال قائل: ألست قلت الآن (إن الميت يُعذَّبُ ببكاء أهله عليه) وهنا يقول: (إن الله لا يُعذّب بدمع العين، ولا بحزن القلب)، وكلمة ( لا يُعذِّب) قد يُقال: إنها عامّة أي: لا يُعذِّب الباكي ولا الحزين، ولا يُعذِّب غيره؟ فالجوابأن يقال: إن كانت على عمومها فالمراد بالعذاب هنا عذاب العقوبة، وإن لم تكن على عمومها قلنا: لا يُعذِّب الباكي وهو الأقرب، فإنه لا منافاة بين هذا وبين ما ثبت به الحديث: (إن الميّت ليُعذَّب ببكاء أهله عليه)، ثم العذاب الذي يصيب الميّت ببكاء أهله ليس بكاء عقوبة، لأن الله قال: ((ولا تزر وازرةٌ وزرَ أخرى))، لكنه عذاب تألّم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن السّفر قطعة من العذاب)، مع الإنسان لا يُعذَّب في السّفر، ربّما يكون منشرح الصّدر مسروراً، لكن مع ذلك يتعذّب في السفر ويتأهب له، ويخاف منه، من الحوادث وغيرها، حتى في وقتنا هذا مع سهولة الرواحل وتيسيرها الإنسان لا يزال خائفاً، إن كان في الطائرة خاف أن تسقط، وإن كان في سيارة خاف من الحوادث انقلاب، أو صدم، وما أشبه ذلك.
وحدثنا محمد بن المثنى العنزي حدثنا محمد بن جهضم حدثنا إسماعيل وهو بن جعفر عن عمارة يعني بن غزية عن سعيد بن الحارث بن المعلى عن عبد الله بن عمر أنه قال كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من الأنصار فسلم عليه ثم أدبر الأنصاري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أخا الأنصار كيف أخي سعد بن عبادة فقال صالح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعوده منكم فقام وقمنا معه ونحن بضعة عشر ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص نمشي في تلك السباخ حتى جئناه فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين معه
القارئ : وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَارَةَ يَعْنِي ابْنَ غَزِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُعَلَّى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: ( كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَدْبَرَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَخَا الْأَنْصَارِ كَيْفَ أَخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟، فَقَالَ: صَالِحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ؟ فَقَامَ، وَقُمْنَا مَعَهُ، وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ، مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ، وَلَا خِفَافٌ، وَلَا قَلَانِسُ، وَلَا قُمُصٌ، نَمْشِي فِي تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ، فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ، حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ ) الشيخ : الله أكبر!، في هذا دليل على استحباب عيادة المريض، وعرض العيادة على الحاضرين، ليصحبوا العائد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يعوده منكم؟) وفيه أيضاً: احتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وسؤاله عنهم، وهكذا ينبغي للإنسان كبير القوم، أن يكون حريصاً على أصحابه، يسأل عنهم، ويبحث عن أحوالهم. وفيه أيضاً: تواضع النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (كيف أخي سعد)، فإن هذا من تواضعه، صلوات الله وسلامه عليه، وفيه ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من شغف العيش، وقلّة ذات اليد، يقول: ( مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ، ولَا خِفَافٌ، وَلَا قَلَانِسُ، وَلَا قُمُصٌ)، ماذا عليهم؟ أزُر وأردية! ومع ذلك يمشون في هذه السّباخ سِباخ المدينة، من أجل أن يعودوا مريضاً، ففيه دليل على أن الإنسان له أن يعود المرضى ولو بَعُد المكان، ولو كان على شيء من المشقّة. وفيه أيضاً: دليل على إكرام الضّيف، وأنه ينبغي أن يُخلى له المكان، لأن أصحاب سعد بن عبادة رضي الله عنهم قاموا من حوله، وتركوا المكان للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وسعد بن عبادة كما تعلمون هو سيّد الخزرج، والخزرج أكبر قبيلة وأشد بلاءً من الأوس، وإن كان في الأوس من الفضائل ما فيهم، لكن هؤلاء أفضل.
السائل : قلنا في حديث سعد الأول أنه يجوز البكاء على المريض ألا يزيد البكاء هذا المريض إذا بكي عليه ؟ الشيخ : ربما يزيد أو لا يزيد، لا يملك الإنسان نفسه في هذا، إذا علمت أنه يزيد من خوفه ويتكلّف المريض، فأخفِ ذلك عنه.
هل الأصل أن كل ما يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم يستجاب.؟
السائل : هل الأصل أن كل ما يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم يستجاب دون أن يبين الله له ، أو قد يكون لا يستجيب له دون أن يبين الله له؟ الشيخ : لا نستطيع أن نحكم بهذا حكماً عامّاً، لكن الأصل أن الرسول مجاب الدّعوة، نحن لا نستطيع أن نحكم بكل ما دعا به فهو مُجاب، قد كون هناك موانع.
السائل : هل يُشرع المشي حافياً؟ الشيخ : والله ما هو بظاهر، قد يكون ليس عندهم نعال، وهذا ظاهر حديث ابن عمر، حيث قال: ما علينا كذا ولا كذا، يعني أننا فقراء، لكن في أحاديث أخرى ( كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن كثرة الإرفاه، ويأمر بالاحتفاء أحياناً ) نعم.
حدثنا محمد بن بشار العبدي حدثنا محمد يعني بن جعفر حدثنا شعبة عن ثابت قال سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبر عند الصدمة الأولى
القارئ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى ). الشيخ : الصدمة يعني بها المصيبة، يعني الإنسان إذا حصلت المصيبة كأنه صُدم، والصّبر الممدوح ما كان عند الصّدمة الأولى: أول ما يسمع الإنسان المصيبة، وأما ما كان بعد ذلك، بعد التّروّي، وبعد التأمل فهذا لا يفيد، لا سيّما إذا حصل الجزَع عند أوّل المصيبة، نعم.
وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا شعبة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة تبكي على صبي لها فقال لها اتقي الله واصبري فقالت وما تبالي بمصيبتي فلما ذهب قيل لها إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها مثل الموت فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين فقالت يا رسول الله لم أعرفك فقال إنما الصبر عند أول صدمة أو قال عند أول الصدمة
وحدثناه يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد يعني بن الحارث ح وحدثنا عقبة بن مكرم العمي حدثنا عبد الملك بن عمرو ح وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا عبد الصمد قالوا جميعا حدثنا شعبة بهذا الإسناد نحو حديث عثمان بن عمر بقصته وفي حديث عبد الصمد مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير جميعا عن بن بشر قال أبو بكر حدثنا محمد بن بشر العبدي عن عبيد الله بن عمر قال حدثنا نافع عن عبد الله أن حفصة بكت على عمر فقال مهلا يا بنية ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه
فوائد حديث أنس بن مالك ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة تبكي على صبي لها فقال لها اتقي الله واصبري فقالت وما تبالي بمصيبتي فلما ذهب قيل لها إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها مثل الموت فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين فقالت يا رسول الله لم أعرفك فقال إنما الصبر عند أول صدمة أو قال عند أول الصدمة
الشيخ : باب في الصبر على المصيبة عند أو الصدمة ، هذا فيه حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ( أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي فَلَمَّا ذَهَبَ، قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ، فَأَتَتْ بَابَهُ، فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ، أَوْ قَالَ: عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ ). في هذا الحديث دليل على أن الإنسان إنما يكون صبورَاً قويًّا عند أول الصّدمة، أما بعد أن تبرد فهذا لا يُثنى على صاحبها ولكنه لا شك أنه صابر، لأن من الناس من يستمر معه الحُزن يومين أو ثلاثاً، ويبقى بعد أول الصدمة، ومن الناس من ينقطع بعد أول الصدمة، والعازِم الحازِم هو الذي يصبر عند أول الصدمة، فقوله عليه الصلاة والسلام: إنما الصبر: المراد: الصّبر التام المراد الصبر التام عند الصدمة الأولى، وهذا يرِدُ كثيراً: أن يأتي الحصر للكمال لا لوجود الأصل، كقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( ليس المسكين الذي تردّه اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، وإنما المسكين الذي يتعفّف فلا يسأل الناس ) أو هذا معناه. فهنا قال: إنما الصّبر يعني ما الصبر إلا كذا، المراد الصّبر التام، وإلا فإن الإنسان يصبر، كلما تذكّر المصيبة وصبر وحبس نفسه عن الجَزَع فهو صابر.
فوائد حديث عبد الله أن حفصة بكت على عمر فقال مهلا يا بنية ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه
الشيخ : أما هذا الباب: بَابُ الْمَيِّتِ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، فقد اختلف العلماء في تخريج هذا الحكم من الأحاديث الآتية ، لأن المعلوم بالضّرورة من الدين، ومن عهد الله عز وجل: ألا تزرَ وازرةٌ وزر أخرى، وأن الإنسان لا يُعذَّب بعمل غيره، فكيفَ يُعذَّب الميت ببكاء أهله؟ اختلف العلماء رحمهم الله في تخريج هذا الحديث: فمنهم من قال: المراد بذلك الميّت الّذي أوصى به، أوصى أهله أن يبكوا عليه، فيُعَذَّب، لأنه أوصى بمحرَّم فلحقَه عقوبته، ومنهم من قال: هذا في من رضيَ به، وإن لم يوص، مثل أن يعرف من عادةِ أهله البكاء فلا ينهاهم عن ذلك، ومنهم من خرَّجه مخرجاً جيّداً، قال: إن العذاب ليس المراد به العقوبة، فإن عذاب العقوبة لا يمكن أنْ يُعَذَّب به غيرَ الفاعل، لكن المراد بالعذاب هو التألُّم، تألُّم الإنسان، وهمّه، وغمّه، وهذا يكون بلا ذنب، كقوله صلى الله عليه وسلم: (السّفر قطةٌ من العذاب)، ومعلوم أن السّفر ليس عقوبة، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله فيما أظُن، وهو الصّحيح، أن المراد بالعذاب هنا: الهمّ والغم، والتحسّر وما أشب ذلك، وليس عذاب العقوبة.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب عن بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الميت يعذب في قبره بما نيح عليه
القارئ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ ) الشيخ : والنياحة أخصُّ من البكاء، لأن البكاء قد يأتي بمقتضى الطبيعة، بدون قصد، ولا يستطيع الإنسان أن يمنعه، وأما النياحة فإنها تأتي عن اختيار، وهي أن يرفع الإنسان صوته بالبكاء حتّى يجعله كنَوح الحمام، وهذا أشد من الأول، لأن هذا تقَصَد البكاء وأراده، وهو يُشعِر عن نوعٍ من السَّخَط على قضاء الله وقدَره، فلهذا كانت النياحة من كبائر الذنوب، وقد لَعَن النبي صلى الله عليه وسلم النائحة والمُستمعة، وقال: ( النائحة إذا لم تتُب قبل موتها تُقام يوم القيامة وعليها سِربالٍ من قَطران، ودرعٌ من جَرَب )
وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا بن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الميت يعذب في قبره بما نيح عليه
وحدثني علي بن حجر السعدي حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح عن بن عمر قال لما طعن عمر أغمي عليه فصيح عليه فلما أفاق قال أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء الحي
حدثني علي بن حجر حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني عن أبي بردة عن أبيه قال لما أصيب عمر جعل صهيب يقول وا أخاه فقال له عمر يا صهيب أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء الحي
القارئ : حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ( لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: وَا أَخَاهْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ ). الشيخ : قوله: وا أخاه: هذه نُدبَة، نُدبَة يَندبُ بها الإنسان من وجّه الخطابَ إليه، ولهذا قال ابن بن مالك رحمه الله في الألفية: "ووا لمن نُدِب"، فوا هذه يؤتى بها للنُدبَة، وصهيب قال: وا أخاه، ندب عمر رضي الله عنه، ولا شك أن هذا الندب قد صحبه بكاء، لأن عمر استدلّ عليه بقوله: إن الميّت ليُعذَّبُ ببكاء الحَي، ولقد شاع عند الناس الآن ندْبٌ خطيرٌ جدًّا، وهو أنهم يقولون: وا مُعتصماه، وهذا إن أراد به الشّخص فهو شركٌ أكبر مُخرجٌ عن الملّة، وإن أراد به الجنْس فهو دون ذلك، لكن لا ينبغي أن نجعل مثل هؤلاء أفضل من الصحابة، ومن الفاتحين من الصحابة، كعمر، وقبله أبو بكر رضي الله عنه، أو ما يقولون: محمد الفاتح، وينسون الأوائل من الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا أكثر مما فتح هؤلاء، ووطّدوا أركان الإسلام بأكثر من هؤلاء، هؤلاء لا شك أنهم يُحمدون على ما فعلوا ولا سيّما أن أوقاتهم متغيّرة، ولكن كوننا ننسى الأوّلين، ونحيي ذِكرى هؤلاء المتأخّرين فهذا لا شك أنه غلط، وأنه من الجهل. فالحاصل أن الذي يقول: وا معتصماه، فإن كان يناديه بشخصه فهذا دعاء غير الله، دعاء ميّت، يريد أن يغيثه، وهو شركٌ أكبر، مُخرج عن الملّة، وإذا كان يريد جِنسه فهذا أهون، ومع ذلك يُنهى عنه، لئلا يُعطى الرّجل فوق حقّه، ويُغلا فيه، حتّى يُندب جِنسه عند الشّدائد، ولو أردنا أن نندب الجنس عند الشّدائد لندبنا من هو خيرٌ منه، الرسول صلى الله عليه وسلم، لكننا إنما نلجأ عند الشّدائد إلى القادر على كشفها، وهو الله جل وعلا
وحدثني علي بن حجر أخبرنا شعيب بن صفوان أبو يحيى عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى قال لما أصيب عمر أقبل صهيب من منزله حتى دخل على عمر فقام بحياله يبكي فقال عمر علام تبكي أعلي تبكي قال إي والله لعليك أبكي يا أمير المؤمنين قال والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يبكى عليه يعذب قال فذكرت ذلك لموسى بن طلحة فقال كانت عائشة تقول إنما كان أولئك اليهود
وحدثني عمرو الناقد حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن عمر بن الخطاب لما طعن عولت عليه حفصة فقال يا حفصة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المعول عليه يعذب وعول عليه صهيب فقال عمر يا صهيب أما علمت أن المعول عليه يعذب
حدثنا داود بن رشيد حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة قال كنت جالسا إلى جنب بن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان وعنده عمرو بن عثمان فجاء بن عباس يقوده قائد فأراه أخبره بمكان بن عمر فجاء حتى جلس إلى جنبي فكنت بينهما من الدار فقال بن عمر كأنه يعرض على عمرو أن يقوم فينهاهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت ليعذب ببكاء أهله قال فأرسلها عبد الله مرسلة فقال بن عباس كنا مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو برجل نازل في شجرة فقال لي اذهب فاعلم لي من ذاك الرجل فذهبت فإذا هو صهيب فرجعت إليه فقلت إنك أمرتني أن أعلم لك من ذاك وإنه صهيب قال مره فليلحق بنا فقلت إن معه أهله قال وإن كان معه أهله وربما قال أيوب مره فليلحق بنا فلما قدمنا لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب فجاء صهيب يقول واأخاه وا صاحباه فقال عمر ألم تعلم أو لم تسمع قال أيوب أو قال أو لم تعلم أو لم تسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله قال فأما عبد الله فأرسلها مرسلة وأما عمر فقال ببعض فقمت فدخلت على عائشة فحدثتها بما قال بن عمر فقالت لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إن الميت يعذب ببكاء أحد ولكنه قال إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا وإن الله لهو أضحك وأبكى ولا تزر وازرة وزر أخرى قال أيوب قال بن أبي مليكة حدثني القاسم بن محمد قال لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطىء
القارئ : حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: ( كُنْتُ جَالِسًا إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ جَنَازَةَ أُمِّ أَبَانَ بِنْتِ عُثْمَانَ، وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُودُهُ قَائِدٌ، فَأُرَاهُ أَخْبَرَهُ بِمَكَانِ ابْنِ عُمَرَ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، فَكُنْتُ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَوْتٌ مِنَ الدَّارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - كَأَنَّهُ يَعْرِضُ عَلَى عَمْرٍو أَنْ يَقُومَ، فَيَنْهَاهُمْ -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ، قَالَ: فَأَرْسَلَهَا عَبْدُ اللهِ مُرْسَلَةً. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنَّا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ نَازِلٍ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَاعْلَمْ لِي مَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ، فَذَهَبْتُ، فَإِذَا هُوَ صُهَيْبٌ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَعْلَمَ لَكَ مَنْ ذَاكَ، وَإِنَّهُ صُهَيْبٌ، قَالَ: مُرْهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا، فَقُلْتُ: إِنَّ مَعَهُ أَهْلَهُ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَهْلُهُ - وَرُبَّمَا قَالَ أَيُّوبُ: مُرْهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا - فَلَمَّا قَدِمْنَا لَمْ يَلْبَثْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أُصِيبَ، فَجَاءَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: وَاأَخَاهْ وَاصَاحِبَاهْ فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ تَعْلَمْ، أَوَ لَمْ تَسْمَعْ - قَالَ أَيُّوبُ: أَوْ قَالَ: أَوَلَمْ تَعْلَمْ أَوَلَمْ تَسْمَعْ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ، قَالَ: فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ فَأَرْسَلَهَا مُرْسَلَةً، وَأَمَّا عُمَرُ، فَقَالَ: بِبَعْضِ ) الشيخ : أرسلها مُرسلة يعني: قال هذه الكلمة غير مقيّدة، "ببعض"، وكلمة الإرسال وعدم الإرسال تُفهم من السّياق، فقد يظُنّ الظّان أرسلها مُرسلة يعني رواها بصفة الإرسال، وليس كذلك، المعنى: أنه أطلقها أي غير مقيّدة. القارئ : ( فَقُمْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَحَدَّثْتُهَا بِمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، فَقَالَتْ: لَا، وَاللهِ مَا قَالَه رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) الشيخ : ما قاله ، عندك بدون ضمير القارئ : بدون ضمير الشيخ : أنا عندي بضمير ، تجعل نسخة . القارئ : ( فقالت : لا والله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قَطُّ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْكَافِرَ يَزِيدُهُ اللهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا، وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ ((أَضْحَكَ وَأَبْكَ))((وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)). ) قَالَ أَيُّوبُ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ( لَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ، قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، قَالَتْ: إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونِّي عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ، وَلَا مُكَذَّبَيْنِ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ ). الشيخ : رضي الله عنها، يعني وسمعها لا يُخطئ! سبحان الله، على كل حال هذه تعارَض مُثبِتٌ وناف، فمن نُقدّم؟ المثبت، ما داما ليسا كاذبَين ولا مُكَذَّبَين فنقدّم المثبت ونقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الميّت يُعذَّبُ ببكاء أهله، وأما ما دفعته بقوله تعالى : ((ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ اخرى)) فنقول: إذا كان الكافر يُعذَّب ببكاء أهله، فقد وزِر وازرةٌ وزر أخرى، وإلا فما بال الكافر يُعَذَّب ببكاء أهله، وهل هذا إلا زيادة في تعذيبه؟ وحينئذٍ يكون صدقَ عليه أنه وزرت وازِرةٌ وزْرَ أخرى. وفي هذا دليل على أن الإنسان مهما بلغ من الوَرع، ومهما بلغ من العلم أنه قد يُخطئ، لأن الإيراد الذي يرد على تعذيب المسلم ببكاء أهله المسلمين بأنه لا تزرُ وازرة وزر اخرى يَرِد على الكافر، ولا فرق، نعم.
حدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد قال بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة قال توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة قال فجئنا لنشهدها قال فحضرها بن عمر وابن عباس قال وإني لجالس بينهما قال جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان وهو مواجهه ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقال بن عباس قد كان عمر يقول بعض ذلك ثم حدث فقال صدرت مع عمر من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل شجرة فقال اذهب فانظر من هؤلاء الركب فنظرت فإذا هو صهيب قال فأخبرته فقال ادعه لي قال فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق أمير المؤمنين فلما أن أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول وا أخاه وا صاحباه فقال عمر يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه.....
القارئ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: ( تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِمَكَّةَ، قَالَ: فَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، قَالَ: فَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي ) الشيخ : أيهما الأخير ؟ القارئ : ابن عباس الشيخ : إي نعم ابن عباس كما في الرواية الأولى القارئ : ( قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: وَهُوَ مُوَاجِهُهُ، أَلَا تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ، فَقَالَ: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ ) الشيخ : ما هو الذي روراه ابن عباس عن عمر الذي قال يقول بعض ذلك الطالب : ببعض بكاء أهله الشيخ : ببعض بكاء أهله نعم القارئ : ( حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ؟ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ صُهَيْبٌ، قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ادْعُهُ لِي، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ، فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا أَنْ أُصِيبَ عُمَرُ، دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي، يَقُولُ: وَا أَخَاهْ وَا صَاحِبَاهْ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيَّ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ )