وحدثنا بن نمير حدثنا أبو نعيم حدثنا موسى بن نافع قال ثم قدمت مكة متمتعا بعمرة قبل التروية بأربعة أيام فقال الناس تصير حجتك الآن مكية فدخلت على عطاء بن أبي رباح فاستفتيته فقال عطاء حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ساق الهدي معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلوا من إحرامكم فطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا وأقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة قالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج قال افعلوا ما آمركم به فإني لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله ففعلوا
القارئ : وحدّثنا ابن نميرٍ ، قال : حدّثنا أبو نعيمٍ ، قال : حدّثنا موسى بن نافعٍ ، قال : ( قدمت مكّة متمتّعًا بعمرةٍ ، قبل التّروية بأربعة أيّامٍ ، فقال النّاس : تصير حجّتك الآن مكّيّةً ، فدخلت على عطاء بن أبي رباحٍ فاستفتيته ) ، فقال عطاء : حدّثني جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله عنهما : ( أنّه حجّ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام ساق الهدي معه ، وقد أهلّوا بالحجّ مفردًا ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أحلّوا من إحرامكم ، فطوفوا بالبيت وبين الصّفا والمروة ، وقصّروا ، وأقيموا حلالًا حتّى إذا كان يوم التّروية فأهلّوا بالحجّ ، واجعلوا الّتي قدمتم بها متعةً، قالوا : كيف نجعلها متعةً وقد سمّينا الحجّ ؟ قال : افعلوا ما آمركم به ، فإنّي لولا أنّي سقت الهدي ، لفعلت مثل الّذي أمرتكم به ، ولكن لا يحلّ منّي حرام ، حتّى يبلغ الهدي محلّه ، ففعلوا ). الشيخ : في هذا الحديث : أولًا أنه ينبغي للمتمتع أن يقصّر ، وذلك من أجل أن يتوفّر الشعر للحج ، لأنه لو حلق لم يبق شعر للحج ، وإن بقي لم يبق إلا شيء قليل . وثانيًا : أنه يجوز أن يجعل الحج ، عمرة ليتمتع بها إلى الحج . وأما من جعل الحج عمرة لينسلخ ويهرب من الحج هذا حرام ، ووجه ذلك أن الأول انتقل من نسك إلى نسك أفضل ، وأما الثاني فقصده التهرّب والتحيّل والخداع ، فلا يحل ، أفهمتم الفرق ، الفرق : إنسان جاء حاجًّا مفردًا ، قدم مكة ، وفي هذه الحال يجب أن ينتظر فلا يحلّ إلّا يوم العيد ، لكنه حوّل الحاج إلى عمرة من أجل أن يتخلّص منه ويرجع إلى أهله ، فهل هذا جائز ؟ لا ، هذا لا يجوز ، أما لو جعل الحج عمرة ليصير متمتعًا ويحج من سنته ، فهذا جائز ، بل هو أفضل. ويستفاد من هذا الحديث أيضًا : أن الانتقال من المفضول إلى الأفضل جائز ولو عيّن الإنسان المفضول ، وهذا عامّ في كل شيء ، ومنه ما جاء في الحديث الصحيح أن رجلًا قال : يا رسول الله ، إن نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ، قال : ( صلّ ههنا ) فأعاد عليه قال : ( صلّ ههنا ) فأعاد عليه قال : ( شأنك إذن ) . فالمهم أن الانتقال من مفضول إلى أفضل لا بأس به ولو عين المفضول ، لأن الشريعة الإسلامية جاءت للمصالح تحصيلها أو زيادتها ، أما لو أراد التخلص من المفضول فهذا لا يجوز .
هل يجوز قلب الحج إلى عمرة لقصد الخروج من الحج لضرورة.؟
السائل : لو قلب الحج إلى عمرة بقصد الخروج من الحج لأجل لضرورة كمرض او أي عمل ؟ الشيخ : لأ ، لا يجوز ، إذا كان ضرورة فقد قال الله تعالى : (( فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي )) .
من نوى الحج مفردا ثم يعتمر في سفر آخر فهل هذا أفضل.؟
السائل : لو قال قائل أن يحج في أشهر الحج مفردا ثم ينشأ سفرأ أخرى للعمرة هل يقال أن ؟ الشيخ : شيخ الإسلام رحمه الله ذكر في منسكه أن هذا أفضل بلا خلاف ، يعني إفراد كل واحد بسفر ، يقول أفضل بلا خلاف لكن ، إن أراد أن يجعلهما في سفر واحد فالتمتع أفضل من القران .
اسائل : صالح : المفرد هل يجب عليه التمتع ؟ الشيخ : يعني معناه فسخ الحج إلى عمرة ، هذا في خلاف ، والصواب في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله ، أنه كان واجبًا على الصحابة فقط ، لأنهم الذين وجهوا بالأمر ولو تخلفوا لكانوا أسوة لمن بعدهم ، وأما من بعدهم فهذا على سبيل الاستحباب فقط . السائل : قول ابن عباس : لا يطوف بالبيت حاج ولا غيره إلا حل ؟ الشيخ : هذا رأيه رضي الله عنه ، لكنه رأي مرجوح مخالف لرأي لأبي بكر وعمر ، وهما أعلم منه وأفضل . لكن ما ذكره الشيخ رحمه الله هو أوجه ما يكون ، فإذا قيل : كيف يجب على الصحابة دون غيرهم ؟ قلنا : لأجل ألا يكونوا أسوة سيئة لمن بعدهم ، لأن الناس سيقولون : إذا تمرد الصحابة عن كلام الرسول ، فنحن من باب أولى ، فإذا طبّقوا الأمر وزال ما في نفوس الناس من تحريم العمرة في أشهر الحج حصل المقصود . نعم .
وحدثنا محمد بن معمر بن ربعي القيسي حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي عن أبي عوانة عن أبي بشر عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة ونحل قال وكان معه الهدي فلم يستطع أن يجعلها عمرة
القارئ : وحدّثنا محمّد بن معمر بن ربعيٍّ القيسيّ ، قال : حدّثنا أبو هشامٍ المغيرة بن سلمة المخزوميّ ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشرٍ ، عن عطاء بن أبي رباحٍ ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : ( قدمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مهلّين بالحجّ ، فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نجعلها عمرةً ونحلّ ، قال : وكان معه الهدي ، فلم يستطع أن يجعلها عمرةً ) .
حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة قال كان عباس يأمر بالمتعة وكان بن الزبير ينهى عنها قال فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام عمر قال إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله وأبتوا نكاح هذه النساء فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة
القارئ : حدّثنا محمّد بن المثنّى ، وابن بشّارٍ ، قال ابن المثنّى : حدّثنا محمّد بن جعفرٍ ، قال : حدّثنا شعبة ، قال : سمعت قتادة ، يحدّث عن أبي نضرة ، قال : ( كان ابن عبّاسٍ يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزّبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله ، فقال : على يديّ دار الحديث ، تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فلمّا قام عمر قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء ، وإنّ القرآن قد نزل منازله ، فـ (( أتمّوا الحجّ والعمرة للّه )) ، كما أمركم الله ، وأبتّوا نكاح هذه النّساء ، فلن أوتى برجلٍ نكح امرأةً إلى أجلٍ ، إلّا رجمته بالحجارة ).
وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا قتادة بهذا الإسناد وقال في الحديث فافصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم
القارئ : وحدّثنيه زهير بن حربٍ ، قال : حدّثنا عفّان ، قال حدّثنا همّام ، قال حدّثنا قتادة بهذا الإسناد ، وقال في الحديث : ( فافصلوا حجّكم من عمرتكم ، فإنّه أتمّ لحجّكم ، وأتمّ لعمرتكم ) .
وحدثنا خلف بن هشام وأبو الربيع وقتيبة جميعا عن حماد قال خلف حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال سمعت مجاهدا يحدث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول لبيك بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة
القارئ : وحدّثنا خلف بن هشامٍ ، وأبو الرّبيع ، وقتيبة ، جميعًا عن حمّادٍ ، قال خلف : حدّثنا حمّاد بن زيدٍ ، عن أيّوب ، قال : سمعت مجاهدًا ، يحدّث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : ( قدمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نقول : لبّيك ، بالحجّ ، فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نجعلها عمرةً ) . الشيخ : قول عمر رضي الله عنه : (إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء حين قام ) أي حين صار خليفة ، وقام في الناس خليفة ، ثم ذكر رضي الله عنه أن المتعة بمنزلة الزنا ، وهي النكاح إلى أجل ، فقال رضي الله عنه : ( أبتوا النكاح ـ نكاح هذه النساء ـ ، فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة ) يعني : إن كان محصنًا . وهذا يدل على أن المتعة - أعني متعة النساء - زنا ، لأن عمر رضي الله عنه لا يمكن أن يستحل قتل نفس مؤمنة إلّا بحق . وأما قوله رضي الله عنه : ( وإنّ القرآن قد نزل منازله فأتمّوا الحجّ والعمرة للّه ) مراده أنك إذا أحرمت بالحج ثم قلبته إلى عمرة فإنك لن تتمّه ، وقد قال الله تعالى : (( وأتموا الحج والعمرة لله )) . وهو رضي الله عنه نظر إلى نفس الصورة ، وهذا صحيح أنه لن يتم الحج ، لأنه إذا قلبه إلى عمرة وتحلل منه لم يكن أتمّ الحج . لكن الجواب على هذا أن يقال : إنه أتمّ الحج في الواقع ، وذلك أنه لما فسخ الحج إلى عمرة ليصير متمتعًا فقد أتى بعمرة مستقلّةٍ وحج مستقل ، لكن بالنظر إلى الصورة فقط قال بما قاله . ولا شك أن عمر رضي الله عنه كغيره من البشر ، يخطئ ويصيب ، فهو في هذا الرأي ليس بمصيب ، بل يقال : إن من فسخ الحج إلى عمرة فقد أتى بالحج ، وأتى بالعمرة . لكنه ينطبق على ما ذكرته لكم قبل قليل ، وهو إذا فسخ الحج إلى عمرة ليتخلص منه ، فهذا لا شك أنه لا يجوز وأنه حرام ، حتى لو كان له ضرورة ، لا يجوز له ذلك ، إذا كان له ضرورة فيكون محصرًا وقد علم حكم المحصر من الآية الكريمة .
السائل :سليم : شيخ عفى الله عنك ، لعل عمر هذا مراده ؟ الشيخ : هذا ليس مراده بارك الله فيك ، لأنه صح عنه أنه كان ينهى عن متعة الحج ويضرب على ذلك ويقول معللًا رضي الله عنه ذلك بأنه يريد أن يكون للبيت عمار ، أي أن الناس دائمًا يأتون البيت ، لأنه إذا كانوا لا يأتون البيت إلّا للحج وجعلوها عمرة تعطّل البيت ، وهذا في زمنهم ، لكن في زمننا والحمد لله الآن البيت لا يتعطل ، إيت في كل وقت تجده ملآن ، لكنه في وقت من الأوقات ، يعني نحن أدركنا إذا الإنسان إذا ذهب في غير وقت الحج ، يجده خاليًا ، يعني تطوف ليس معك إلّا رجل أو رجلين أدركنا هذا .
قول الراوي فكانت عائشة إذا حجت صنعت كما كانت تصنع مع رسول الله كيف ذاك.؟
السائل : قول أبي الزبير فكانت عائشة إذا حجت صنعت كما كانت تصنع مع رسول الله ؟ الشيخ : نعم الظاهر أن المراد إذا حج السنة كما صنعوا مع رسول الله ، إذا أصابها الحيض لا مطلقًا ، السائل : لماذا لا نحمله على الإطلاق ؟ الشيخ : لا نحمل على الإطلاق لأنها فقيهة رضي الله عنها ، وهي تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يخرجون إلى التنعيم بعد الحج .
ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم لسراقة:( بل لأبد ) .؟
السائل : قول الرسول صلى الله عليه وسلم لسراقة : ( بل لأبد ) مع ما قررنا من فسخ الصحابة ؟ الشيخ : لا لأ ، الذي للأبد يعني جواز فسخ الحج إلى العمرة ، لا وجوب ذلك . السائل : كيف أخذنا أنه للجواز ، لا للوجوب رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة ؟ الشيخ : لأنه كان في الجاهلية لا يمكن هذا إطلاقًا ، فخاف سراقة أنه في هذا العام فقط ، فقال : إلى الأبد ، لكن هل إلى الأبد هو الوجوب ؟ ليس كذلك .
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن حاتم قال أبو بكر حدثنا حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه قال دخلنا على جابر بن عبد الله فسأل عن القوم حتى انتهى إلي فقلت أنا محمد بن علي بن حسين فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زري الأعلى ثم نزع زري الأسفل ثم وضع كفه بين ثديي وأنا يومئذ غلام شاب فقال مرحبا بك يا بن أخي سل عما شئت فسألته وهو أعمى وحضر وقت الصلاة فقام في نساجة ملتحفا بها كلما وضعها علي منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها ورداؤه إلى جنبه على المشجب فصلى بنا فقلت أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بيده فعقد تسعا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع قال اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك
القارئ : حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، جميعًا عن حاتمٍ ، قال أبو بكرٍ : حدّثنا حاتم بن إسماعيل المدنيّ ، عن جعفر بن محمّدٍ ، عن أبيه ، قال : ( دخلنا على جابر بن عبد الله ، فسأل عن القوم حتّى انتهى إليّ ، فقلت : أنا محمّد بن عليّ بن حسينٍ ، فأهوى بيده إلى رأسي ) . الشيخ : ما نسبته إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟ القارئ : ابن ابنه ؟ الشيخ : محمد بن علي بن الحسين بن علي ، جد أبيه علي رضي الله عنه جد أبيه . القارئ : كيف دخل على جابر ،كيف أدرك جابر هذا الرجل ؟ الشيخ : محمد ؟ القارئ : أي نعم . الشيخ : أدركه لأنه أدركه . القارئ : يعني جابر قد أسن ؟ الشيخ : أي أسن نعم . القارئ : قال : ( دخلنا على جابر بن عبد الله ، فسأل عن القوم حتّى انتهى إليّ ، فقلت : أنا محمّد بن عليّ بن حسينٍ ، فأهوى بيده إلى رأسي ، فنزع زرّي الأعلى ، ثمّ نزع زرّي الأسفل ، ثمّ وضع كفّه بين ثدييّ وأنا يومئذٍ غلام شابّ ، فقال : مرحبًا بك يا ابن أخي ، سل عمّا شئت ، فسألته ، وهو أعمى ، وحضر وقت الصّلاة ، فقام في نساجةٍ ملتحفًا بها ، كلّما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها ، ورداؤه إلى جنبه ، على المشجب ، فصلّى بنا ، فقلت : أخبرني عن حجّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال بيده فعقد تسعًا ، فقال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحجّ ، ثمّ أذّن في النّاس في العاشرة ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاجّ ، فقدم المدينة بشر كثير ، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه ، حتّى أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت عميسٍ محمّد بن أبي بكرٍ ، فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : كيف أصنع ؟ قال : اغتسلي ، واستثفري بثوبٍ وأحرمي، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المسجد ، ثمّ ركب القصواء ، حتّى إذا استوت به ناقته على البيداء ، نظرت إلى مدّ بصري بين يديه ، من راكبٍ وماشٍ ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ). الشيخ : هذا لا شك بشر كثير ، أن يرى مد البصر من كل جهة وقد قدروا بنحو مائة ألف ، الذين حجوا مع الرسول ? ، يعني لم يبق من الصحابة غير أربع وعشرون ألف ، وإلّا فكلهم حجوا معهم ، لأنه أعلن عليه الصلاة والسلام الناس أنه سيحج ، فقدم الناس كلهم من أجل أن ينظروا إلى حجّ النبي ويقتدوا به . فإن قال قائل : لماذا لم يحج النبي ? في السنة التاسعة ؟ أو في السنة الثامنة ، أو في السنة السابعة مثلًا ؟ قلنا : أن ما قبل التاسعة فلا يمكن أن يكون الحج ، لأنها قبل الفتح كانت مكة تحت سيطرة المشركين ، وقد ردوه عن العمرة ، فكيف عن الحج ، وأما في الثامنة بعد الفتح فكان مشتغلًا ? بالجهاد ، فإنه لم يفرغ من ثقيف إلّا في آخر ذي القعدة ، فهو مشتغل عليه الصلاة والسلام ? وأما في السنة التاسعة فقيل إنّه لم يحج ، لأنّ هذا العام كان عام الوفود ، فإنّ العرب كانوا ينتظرون فتح مكة ، ولما فتحت انتظروا أيضًا القضاء على ثقيف ، لأنهم أمة لهم قوة ، فلما قضى عليهم النبي ? أذعنت العرب ، وصاروا يأتون أفواجًا إلى رسول الله ? بالمدينة ، فكان في المدينة يتلقى هؤلاء الوفود يعلمهم دينهم ?. وسبب آخر : أنه في السنة التاسعة حجّ المشركون مع المسلمين ، فأراد النبيّ ، أن يكون حجّه خالصًا للمسلمين ، ولهذا أذّن في التاسعة : ( ألّا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ) . هذا إن قلنا إن الحج فرض في التاسعة ، وإن قلنا أنه فرض في العاشرة فلا إشكال . أعلم النبيّ صلى الله عليه وسلم الناس أنه سيحج في العاشرة ، فاجتمع الخلق كما ذكر جابر رضي الله عنه .
شرح :( وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته قال جابر رضي الله عنه لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة )
القارئ : ( وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيءٍ عملنا به ، فأهلّ بالتّوحيد ) . الشيخ : يعرف تأويله بلا شك ، هو أعلم الناس بتأويل كتاب الله ، والمراد بالتأويل هنا : التفسير ، فإن أعلم الخلق بمعاني كلام الله عز وجل هو رسول الله ، ولهذا قال العلماء : يرجع في التفسير إلى القرآن ، ثم إلى السنة ، ثم إلى أقوال علماء الصحابة ، ثم إلى كلام التابعين الذين أخذوا عن الصحابة . القارئ : ( فأهل بالتوحيد : لبّيك اللهمّ ، لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنّعمة لك ، والملك لا شريك لك، وأهلّ النّاس بهذا الّذي يهلّون به ، فلم يردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهم شيئًا منه ، ولزم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلبيته ، قال جابر رضي الله عنه : لسنا ننوي إلّا الحجّ ، لسنا نعرف العمرة ).
الشيخ : في هذا الحديث من الفوائد فوائد كثيرة : أولًا : توقير آل النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني أقاربه ، وهذا مقيّد بما إذا كانوا أهلًا للتوقير بأن كانوا مسلمين ، لأنّ المسلمين من آل الرسول صلى الله عليه وسلم لهم حق الإسلام وحق قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله تعالى : (( قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى )) يعني إلّا أن تودّوا قرابتي ، وهذا أحد التفاسير في الآية ، وقيل : إلّا أن توادوني لقرابتي . ومنها : جواز صلاة الإنسان في الثوب الواحد ، لأن جابرًا رضي الله عنه فعل ذلك ، وكان رداؤه على المشجب ، والمشجب عبارة عما نسميه نحو : القنارة ، أتعرفونها ؟ أعواد ثلاثة تجمع رءوسها وتفرق أصولها حتى تقف وتوضع عليها الثياب . ومنها أيضًا - من فوائد هذا الحديث- : أنه ينبغي للإنسان إذا كان قدوة وأسوة في دين الله أن يبين للناس أنه سيفعل هذا الشيء من أجل أن يتأسوا به . ومن فوائده : أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أسوة . وهذا هو الأصل ، ولا يقال : لعل الفعل خاصّ به ، لأن الأصل عدم التخصيص ، ولهذا قال جابر رضي الله عنه : كلّ يلتمس أن يأتم برسول الله ? ويعمل مثل عمله ، وهو كذلك ، قال الله تعالى : (( قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) ، ولهذا لو أنّ أحدًا اقتدى أحد بفعله فقال قائل : هو خاص به ، قلنا : أين الدليل ؟ ولا يمكن أن يترك عمل الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلّا إذا قام الدليل على اختصاصه به ، ولهذا يذكر الله عز وجل خاصيته إذا كان الحكم خاصًا به كما في قوله : (( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين )) . ومنها : استحباب الغسل للإحرام ، للرجال والنساء ، حتى من لا تصلي فإنها تغتسل ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر رضي الله عنه أن تستثفر بثوب وتحرم وتغتسل ، أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم . ومنها : جواز الإحرام ممن عليه جنابة ، وجه ذلك أنه أمر النفساء أن تحرم ، والنفاس لا شك أنه موجب للغسل . ومنها : أن الإنسان لا ينقل إلّا ما بلغه علمه ، فإن جابرًا رضي الله عنه لم ينقل ما نقله عبد الله بن عمر أن النبي ? أهل حين استوى على ناقته ، بل قال : حتى إذا استوت به على البيداء ، وهذا بعد ذلك ، أي ما ذكره جابر فهو بعد ما ذكره عبد الله بن عمر . ومنها : أن التلبية توحيد خالص ، لأن الإنسان يقول : ( لبيك اللهم لبيك ) . و( لبيك ) هذه جواب لدعوة ، ولهذا إذا دعي أحد فقيل : يا فلان ، قال للداعي : لبيك ، وهي بصيغة التثنية ولكن المراد التكرار . ومن ثم يقول النحويون إنها ملحقة بالمثنى ، لأن لفظها لفظ لفظ التثنية ومعناها التكثير . والتلبية هي الإجابة ، فكأنك تقول : يا رب إجابة لك بعد إجابة . وتكرّر توكيدًا . ومنها : الثناء على الله عز وجل بالحمد والنعمة ، فإنه هو المتفضل عز وجل بذلك (( وما بكم من نعمة فمن الله )) . ومنها : انفراد الله تعالى بالملك ، لقوله : ( والملك لا شريك لك ) وقد مر علينا مثل هذا لكنّ جابر رضي الله عنه سمى ذلك توحيدًا . ومنها : جواز الزيادة على هذه التلبية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يسمعهم يزيدون ولا ينكر عليهم . وممن زاد في التلبية ما سبق في قول عمر وابنه : ( لبيك وسعديك والرغباء إليك والعمل ) ، وكما قال أنس رضي الله عنه : ( منا المهل ومنا المكبر ) وكان النبيصلى الله عليه وسلم ، يسمعهم ولا يرد عليهم شيئًا ، لكن لزوم تلبية الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل وأتم في التأسي . ومنها : أن الناس كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج ، بل إن العرب في الجاهلية يرونها من أفجر الفجور ، ويقولون لا يمكن أن تأتي إلى مكة بعمرة وحج ، بل لا بد أن تأتي بعمرة في سفر وحج في سفر ، وهم ينظرون إلى ذلك من ناحية اقتصادية ، حتى يكثر الزوار والحجاج ، وتكون الأسواق أكثر اشتغالًا .
السائل : ذكرنا أن يجوز الاحرام للجنب ألا نقيد جواز الإحرام للحنب بالحائض فقط ؟ الشيخ : لأ ، عام الحائض والنفساء ومن عليه جنابة . السائل : صعوبة التخلص ، الاغتسال ، الجنابة ؟ الشيخ : ما فيه دليل على الشرطية ، ما في دليل على شرط الطهارة .
قول جابر لسنا ننوي إلى الحج مع أن عائشة بينت أن منهم المعتمر.؟
السائل : قول جابر لا ننوي إلى الحج مع أن عائشة بينت أن بعضهم كان غير ذلك ، في ذي الحليفة ؟ الشيخ : لسنا ننوي الحج ، لسنا نعرف العمرة ، هذا على الأغلب مو على الكل . السائل : جابر حكى عن قومه . الشيخ : أي نعم عما عرف حكى عما عرف .
شرح :( قال جابر رضي الله عنه لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا )
القارئ : ( قال جابر رضي الله عنه لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتّى إذا أتينا البيت معه، استلم الرّكن فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا ) الشيخ : استلم الركن : يعني الحجر ، الحجر الأسود ، وأطلق عليه اسم الركن لأنه في الركن ، والاستلام قال العلماء معناه : أن يمسحه بيده هكذا هذا هو الاستلام ، وليس أن يضع يده عليه ، لأن الوضع ليس فيه استلام ، بل لا بد من المسح . القارئ : ( ثم نفذ غلى مقام إبراهيم ). الشيخ :( رمل ثلاثًا ومشى أربعًا ) الرّمل قال العلماء : سرعة المشي مع تقارب الخطى ، والظاهر أن مرادهم مع تقارب الخطى أي : أن الإنسان لا يمد خطوه ، لأن العادة أن الإنسان إذا أسرع تكون خطوته أبعد ، لكن يسرع وهو لا يمد خطوه ، بل يكون طبيعيًّا . ومشى أربعًا يعني الأربعة الباقية من الطواف ، والحكمة من الرّمل تتبين بمعرفة أصل مشروعيته ، أصل مشروعية الرمل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قاضى قريشًا في عمرة الحديبية على أن يرجع من العام القادم ، أرادت قريش أن تظهر الشماتة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقالوا : إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمّى يثرب ، يعني أضعفتهم ، ويثرب اسم للمدينة ، وكانت -أي المدينة- فيها الحمى حتى دعا النبي صلى اللله عليه وسلم الله تعالى أن ينقلها إلى الجحفة ، فأرادوا الشماتة بهم ، فجلسوا نحو الشمال من الكعبة من أجل أن يتفرّجوا على الصحابة ، فعلم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أي : علم بمكرهم ، لكنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ، فأمر أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة ، لكن لا على وجه استكمال الشوط بل يرملوا من الحجر إلى الركن اليماني ، ويمشوا ما بين الركنين ، لأنهم بين الركنين يستترون بالكعبة عن قريش ، ولم يشأ النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعبهم ، أما في حجة الوداع فإنه صلى الله عليه وسلم رمل أشواطه الثلاثة كلها من الحجر إلى الحجر . وعلى هذا فيكون الرمل الأول الذي كان في عمرة القضية يكون منسوخًا إلى الرمل في جميع الأشواط الثلاثة ، والرمل في الأشواط الثلاثة فقط فيه إظهار للقوة والجلد مع عدم المشقة ، فلو قطع على اثنين لكان شفعًا لا وترًا ، ولو قطع على أربع لكان شفعًا لا وترًا ، ولو قطع على خمس لكان فيه مشقة ، ولو قطع على واحدلم يحصل به بيان القوة ، فلذلك اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الرمل في الأشواط الثلاثة فقط . لأنه لو اقتصر على الشوط الأول لم تتبين القدرة والقوة ، ولو اقتصرعلى شوطين لقطعه على شفع ، والطواف كله وتر ، ولو قطعه على أربعة لقطعه على شفع ، ولو قطعه على خمسة لكان فيه مشقة ، فصار أحسن ما يكون قطعه على ثلاثة أشواط . ونكمل الباقي إن شاء الله في المستقبل . الشيخ : سم الله . القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . أما بعد فقد قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في كتاب الحج ، في سياق حجة النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال :
شرح :( ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبي يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد أبد )
القارئ : ( ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السّلام ، فقرأ : (( واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى )) فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول -ولا أعلمه ذكره إلّا عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- : كان يقرأ في الرّكعتين (( قل هو الله أحد ))(( وقل يا أيّها الكافرون )) ، ثمّ رجع إلى الرّكن فاستلمه ). الشيخ : الطواف انتهينا منه أمس ، وبينا أنه يرمل في الشواط الثلاث الأولى وبينا سبب مشروعية الرمل . وقوله : (( ثم نفذ إلى مقام إبراهيم )) يدل على أن هناك زحام ، وفي رواية : ثم تقدّم إلى مقام إبراهيم ، والجمع بينهما أنه نفذ متقدمًا إلى مقام إبراهيم ليصلي خلفه . ومقام إبراهيم هو الحجر الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم يرقى عليه لما ارتفع جدار الكعبة صار يرقى على هذا الحجر . فقرأ : (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) قرأ ذلك في حال نفوذه ، إشارة إلى أنه إنما فعل ذلك امتثالًا لأمر الله تعالى لقوله : (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) ، فجعل المقام بينه وبين البيت ، المقام أي مقام إبراهيم بينه وبين البيت ، وهذا يشعر بأن المقام في مكانه الحالي لأنه لو كان لاصق بالبيت كما في الرواية المشهورة ما احتاج أن يقول : يجعل المقام بينه وبين البيت لأن المقام لاصق بالبيت ، وهذه المسألة اختلف فيها المؤرخون وأكثر المؤرخين على أنه كان في أول الأمر ثم زحزح ، لكن الذي يظهر أنه من الأصل في مكانه هذا . وقوله : (( اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) استدل بعض العلماء استشهاد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية على أن ركعتي الطواف واجبة ، وهذا له حظ من النظر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسّر به الآية الدالة على الوجوب بالأمر بها ، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يدع ركعتي الطواف . وفيه : أنه يسن في هذين الركعتين أن يقرأ : (( قل هو الله أحد )) و0(( قل يا أيها الكافرون )) ، (( قل هو الله أحد )) في الثانية و(( قل يا أيها الكافرون )) في الأولى . قال أهل العلم : ويخففهما ، لأن المكان يحتاج الناس إليه ، فينبغي أن يخفف حتى يفرغ المكان لمن بعده ، فإن قرأ بسواهما فلا بأس ، لأن الذي يجب قراءته من السور هو الفاتحة فقط ، وما عدا ذلك فإنه سنة . والحكمة من قراءة هاتين السورتين أن فيهما التوحيد بنوعيه ، التوحيد الخبري والتوحيد العملي الطلبي ، فالتوحيد الخبري (( قل هو الله أحد )) والعملي الطلبي (( قل يا أيها الكافرون)) . نعم القارئ : ( ثمّ رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصّفا ، فلمّا دنا من الصّفا قرأ : (( إنّ الصّفا والمروة من شعائر الله ))(( أبدأ بما بدأ الله به )) فبدأ بالصّفا ، فرقي عليه ، حتّى رأى البيت فاستقبل القبلة ، فوحّد الله وكبّره ، وقال : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيءٍ قدير ، لا إله إلّا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثمّ دعا بين ذلك ، قال : مثل هذا ثلاث مرّاتٍ ، ثمّ نزل إلى المروة ، حتّى إذا انصبّت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتّى إذا صعدتا مشى ، حتّى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصّفا ، حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة ، فقال : لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، وجعلتها عمرةً ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ ، وليجعلها عمرةً ، فقام سراقة بن مالك بن جعشمٍ ، فقال : يا رسول الله ، ألعامنا هذا أم لأبدٍ ؟ فشبّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابعه واحدةً في الأخرى ، وقال : دخلت العمرة في الحجّ، مرّتين ، لا ، بل لأبد أبدٍ ) الشيخ : هذا السعي فيها أنه إذا أراد السعي ، وانتهى من صلاة ركعتين خلف المقام ، يستلم الركن مرة ثانية ، كالمودع للبيت في هذا العمل ، ولم ترد السنة بالتقبيل في هذا الموضع ، ولم ترد أيضًا الإشارة ، وعلى هذا فلا تقبيل ولا إشارة ، فإن تيسر أن تستلمه فهو سنة وإلا فدعه . وهذا فيمن خرج ليسعى ، وأما من طاف ولم يرد السعي فلا يرجع إلى الركن يستلمه ، وفيه أنه يخرج من باب الصفا ، فإنه الجهة التي يتجه منها إلى الصفا ، لأن ذلك أسهل . وفيه أيضًا : أنه لما دنا من الصفا قرأ : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله )) ، ولم يقرأ الآية حين صعد ، بل حين دنا ، إشارة إلى أنه إنما سعى لأن الله تعالى جعل الصفا من شعائر الله ، وإشارة أخرى إلى أنه بدأ من الصفا لأن الله بدأ بذكرها . ولهذا قال : ( أبدأ بما بدأ الله به ) من أجل أن يشعر نفسه ويوطنها أنه إنما فعل ذلك امتثالًا لأمر الله عز وجل . ولا يقال هذا الذكر إلّا إذا أقبل على الصفا من بعد الطواف ، فلا يقال بعد ذلك لا عند المروة ولا عند الصفا مرة ثانية لكن لأنه ليس ذكرًا يختص بالصعود ، وإنما ذكر يبين أن الابتداء سيكون من الصفا إنما هو لتقديم الله عز وجل له . وقوله : قرأ (( إن الصفا والمروة من شعائر الله )) يحتمل أنه قرأ الآية كلها ، وكان السلف يعبرون ببعض الآية عن جميعها ، ويحتمل أنه لم يقرأ إلّا هذا فقط الذي هو محل الشاهد ، وهو كون الصفا والمروة من شعائر الله ، وكون الصفا هو الذي يبدأ به ، وهذا هو المتعين ، وذلك لأن الأصل أن الصحابة ينقلون كل ما سمعوا ، وإذا لم يقل حتى ختام الآية فإنه اقتصر على ما نقل فقط . والشعائر جمع شعيرة ، وهي النسك أو العبادة المتميزة عن غيرها بتعظيم الله عزوجل . وفيه أيضاً أنه ينبغي للساعي أن يصعد على الصفا حتى يرى البيت ، ثم يستقبل القبلة ويُكبِّر ثلاثاَ . وقوله : فرقي عليه حتى رأي البيت ، هذا الرقي ليس بواجب ، وإنما هو سنة، وإلا فلو وقف على حد الصفا من الأسفل حصل المقصود ، لقوله تعالى: (( فلا جناح عليه أن يطوف بهما، ومن وصل إلى بهما فقد اطوف بهما )) وحد الواجب الآن هو حد هذه الأسياخ التي جعلوها للعربيات ، فهذا هو حد واجب ، وعلى هذا فلا يجب أن يصعد ويتقدم ولا سيما في أيام الزحام . وفيه أيضًا : أنه ينبغي استقبال القبلة على الصفا وتوحيد الله عز وجل وتكبيره . وقوله : ( وقال : لا إله إلا الله ) يحتمل أنه زائد على قوله فـ( وحد الله )، أو أنه تفسير له ، لكن وردت السنة بأنه يكبر ثلاث مرات ، ولكنه ليس كتكبير الجنازة كما يتوهمه بعض العامة حيث يقول ( الله أكبر ) بيديه يشير بها كما يشير بها في الصلاة ، هذا غلط ، لكن يرفع يديه ويكبر ثلاثًا . ويقول : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )( لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصرعبده وهزم الأحزاب وحده ) .