الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمّد خاتم النبيين وإمام المتقّين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فقد قال الله تعالى لنبيه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم: (( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم )). هذا الأمر الموجّه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم موجّه له وللأمّة أيضا، لأن الخطاب الموجّه لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم له ولأمّته، إما عن طريق التبعية، لأن الأمّة تبع له، وإما عن طريق التأسّي.
فالأول إذا قلنا عن طريق التبعية فالخطاب في المعنى له وللأمة، لكن خوطب به إمامها، لأنهم تبع له.
وأمّا على الوجه الثاني فيكون الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام أولا وآخرا، وتكون الأمة في امتثال المأمور به متأسية برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا أردت أن تعرف هذه القاعدة فاقرأ قوله تعالى: (( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن )) فخاطب بالنداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط (( يا أيها النبي ))، ثم جعل الحكم للعموم، فقال: (( إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن )).
إلا إذا قام الدليل على أن الخطاب خاص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن الخطاب يكون خاصا به.
مثاله: قوله تعالى (( ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عن وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك )) هذا الخطاب خاص بمن؟ بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

الشيخ : وعلى كل حال أمر الله نبيه أن يعلم بأنه لا إله إلا الله، فما معنى لا إله إلا الله؟ ما معنى لا إله إلا الله؟ هل المعنى لا إله موجود إلا الله؟ أو المعنى لا إله حق إلا الله؟ وما الفرق بين المعنيين؟
المعنى الثاني، أي: أنه لا معبود حق إلا الله، وعلى هذا فتكون جميع المعبودات من دون الله معبودة بالباطل، وتكون هي أيضا باطلة: (( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأنّ الله هو العلي الكبير )).
ولا يصح أن يكون المعنى لا إله موجود إلا الله، لا يصح هذا لأن الواقع يكذّب هذا، فإن هناك آلهة تعبد من دون الله ولكنها آلهة باطلة، قال الله تبارك وتعالى: (( ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربّه ))، قال (( إلها آخر )) فأثبت ألوهيّته، وقال تعالى: (( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربّك وما زادوهم غير تتبيب ))، (( ما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربّك وما زادوهم غير تتبيب )) أي: غير خسارة.
فإذا كان هذا هو المعنى لا إله حق إلا الله أي لا معبود حقّ إلا الله، فلماذا كان لا معبود حق إلا الله؟ لأن كل معبود دون الله فإنه باطل، لا يستحق أن يعبد، لأنه لا ينفع عابديه، لأنه لا ينفع عابديه، قال الله تعالى: (( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير )) القطمير هو القشرة التي تكون على النواة، أتدرون ما النواة؟ نواة التمر، هذه فيها ثلاثة أشياء ذكرها الله في كتابه، فتيل ونقير وقطمير (( ولا يظلمون نقيرا ))، (( ولا يظلمون فتيلا ))، (( ما يملكون من قطمير )) القطمير قلنا لكم إنه هو القشرة الملتفة على النواة، والفتيل هو العرق الذي يكون في بطن النواة، والنقير هي النقرة التي تكون في ظهر النواة.
ويضرب ذلك مثلا في القلة، فالذين يدعون من دون الله ما يملكون من قطمير، لا يملكون على سبيل الاستقلال من قطمير، لمن الملك؟ لمن الملك؟
الطالب : لله.
الشيخ : لله، (( ولله ملك السماوات والأرض )).
طيب، هل يملكون أن يدفعوا عنا ضررا؟ هل يملكون أن يدفعوا عن عابديهم ضررا؟ لا، (( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا )) على فرض السماع (( ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبّئك مثل خبير )) من الخبير؟ من الخبير؟
الطالب : الله.
الشيخ : الله عزّ وجلّ، يعني لا ينبّئك أحد عن هذه الأصنام التي تعبد ولا عن حالها ولا عن مآل عابديها مثل الله عزّ وجلّ.
(( يوم القيامة يكفرون بشرككم ))، هذه الأصنام التي تعبد تكفر بالذين عبدوها كما يبيّنه قوله تعالى: (( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين )) (( كانوا لهم أعداء )) من الذين يكونون أعداء؟ المعبودون (( كانوا )) أي المعبودون، (( لهم )) أي للعابدين (( أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين )) إذن لا معبود حقّ إلا الله، لأنّه هو الذي يستحق العبادة لكونه هو الذي يملك النفع والضرر ويملك إنزال الغيث وإنبات الأرض وكل شيء (( خلق كل شيء فقدّره تقديرا )).
وبهذا نعرف أن الذين يدعون الأولياء، يطوفون بقبورهم، يدعونهم من دون الله، يا فلان أدركني! يا فلان أنقذني! يا فلان أغثني! نعرف أن هؤلاء مشركون، مشركون بالله عزّ وجلّ، لا تنفعهم صلاة، ولا تنفعهم صدقة، ولا ينفعهم صيام، ولا ينفعهم حجّ، ولا ينفعهم عمرة لقول الله تعالى: (( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا )) أعطونا الآية! (( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون )) الصدقة وهي نفع متعدّ للغير لا تقبل، لا تقبل على أنها عبادة، لأنهم كفروا بالله ورسوله.
وقال عزّ وجلّ: (( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )) لا نفع فيه ولا خير فيه.
فإذا جاء رجل إلى قبر من يزعم أنه ولي، أقول يزعم لأنه قد يكون وليا وقد يكون عدوّا، قد يكون من أولياء الله وقد يكون من أعداء الله، من دعا الناس إلى عبادة نفسه فهل هو ولي؟ هل هو ولي لله أو لا؟
الطالب : ...
الشيخ : عدو لله، ربما يكون هذا الميت، يدعو الناس إلى عبادة نفسه، ثم يموت فيعكف الناس على قبره ويدعونه ويسألونه ويقولون هذا ولي الله! هذا ولي الله! فإذا دعاه قال سيدي مولاي، ولي ربي أدركني أغثني أعطني مالا، ارزقني ولدا كان بذلك مشركا، شركا أصغر أو أكبر؟
الطالب : ...
الشيخ : أكبر مخرجا عن الملة، فهو مشرك في دينه، ضال في عقله سفيه (( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه )) سفيه ليش؟ لأن هذا الرجل جثّة الآن وربما تكون الأرض قد أكلته ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا، كيف يملك لك؟! ولكن الشيطان أعاذني الله وإياكم منه يلعب بعقول بني آدم حتى يجعل الحليم سفيها والعاقل مجنونا، وإلا كيف يكون رجل حمل على الأكتاف ودفن في حفرة من الأرض قادرا على أن ينفعك أو يضرّك؟ فكّر فكّر عقليا هل يمكن هذا؟ لا يمكن، إذن لماذا تدعوه؟ بدلا من أن تقول يا فلان أغثني أدركني أنقذني ارزقني ولدا ارزقني مالا ردّ علي ضالتي وما أشبه ذلك، قل يا ربّ يا ربّ حتى تكون داعيا لله عزّ وجلّ، وإذا دعوت الله فلن تخيب، لن تخيب، سيحصل لك أمران ولا بد، سيحصل لك أمران ولا بد.
الأمر الأول: العبادة، لأن الدعاء عبادة (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن )) أيه؟
الطالب : (( عن عبادتي ))
الشيخ : (( عن عبادتي )) ما قال عن دعائي لأن الدعاء عبادة (( عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) فجعل الدعاء عبادة، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله شرك.
أقول: الذي يدعو الله لابد أن يحصل على أمرين، الأول منهما؟ الأول؟
الطالب : ...
الشيخ : العبادة مو إما أن، ما تقول إما، إما للتقسيم، استرح، الأول: العبادة، يحصل على العبادة، لأن الدعاء عبادة، وإذا كان عبادة فهو حسنة (( ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها )).
الثاني: إذا دعا الله شيئا أو إذا سأل الله شيئا إما أن يحصل له ذلك الشيء وهذا كثير، هذا كثير، يدعو الإنسان ربه فيحصل الشيء، هل تذكرون في القرآن من دعا الله بشيء فأجابه؟
الطالب : نعم.
الشيخ : هاه؟
الطالب : ... قال إبراهيم (( رب اجعل هذا بلدا آمنا )) ...
الشيخ : غير هذا؟ نبي شيئا أبين من ذلك، استرح.
(( وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين )) أي إنسان يغتم يقول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ينجّيه الله من الغمّ.
(( ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له )).
محمّد عليه الصلاة والسلام دعا الله في بدر استجاب له؟ أجيبوا! استجاب الله له، قتل من صناديد قريش الشيء الكثير، سبعون قتيلا من قريش، وسحب منهم أربعة وعشرون رجلا من كبرائهم جثثا ألقيت في قليب من قلوب بدر، حتى وقف الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم على القليب، وقال: ( يا فلان ابن فلان -يدعو كل واحد باسمه واسم أبيه- هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقّا، قالوا: يا رسول الله كيف تدعو أناسا قد جيّفوا؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ) يعني: يسمعونني أكثر مما تسمعون أنتم، ناداهم الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك توبيخا لهم، وما أعظم حسرتهم في تلك الساعة، والعياذ بالله.
في يوم من الأيام ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يخطب الناس يوم الجمعة فدخل رجل فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع يديه وقال اللهم أغثنا ثلاث مرات، فأنشأ الله السحاب فأمطر ولم ينزل الرسول عليه الصلاة والسلام من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته ) دعا فاستجاب الله له.
هذه واحدة، إذا دعا الإنسان ربّه فإما أن يستجيب الله له، وإما أن يصرف عنه من السوء ما هو أعظم مما سأل، وإما أن يدّخر له ذلك يوم القيامة، هذه نعمة.
فأنت لا تدعو هذا الميت، هذا الولي، هذا النبي، ولا جبريل ولا ميكائيل ولا إسرافيل ولا محمّد ولا إبراهيم ولا غيرهم، ادعوا ربّهم عزّ وجلّ، ادعوا الله، فإن دعوت غير الله لدفع الشدّة أو لجلب النّعمة فإنك مشرك كافر لا ينفعك صوم ولا صلاة ولا صدقة ولا حجّ ولا عمرة ولا غير ذلك.

الشيخ : لو دعا الرسول عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول الله أنقذني أنا فقير، يا رسول الله هيّء لي زوجة أنا أعزب، يا رسول الله هب لي ولدا أنا عقيم، يا رسول الله يسّر لي سيارة أنا ما عندي سيّارة، ما تقولون في هذا؟
الطالب : مشرك.
الشيخ : مشرك؟! سبحان الله! النبي عليه الصلاة والسلام أشرف الخلق، الرسول أشرف الخلق، كيف إذا دعاه يشرك؟ أليس النبي عليه الصلاة والسلام أكرم الخلق وما سئل شيئا إلا أعطاه؟
نقول: هذا في حياته، أما بعد موته فلا يستطيع.
طيب، لو قال: يا رسول الله ادع الله لي بكذا؟ ادع الله، ما دعا الرسول، قال ادع الله، ادع الله أن يرزقني مالا، وما قال: يا رسول الله ارزقني، ما يقول هذا، لكن يقول أبيه يدعو لي في قبره، نقول هذا خطأ ضلال، لماذا؟ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) لا يمكن أن يستغفر لك، لا يمكن أن يدعو لك أبدا، انقطع عمله، انتهى.
فإن سألنا سائل وقال: هل الشهيد أفضل أم النبي؟ هل الشهيد أفضل أم النبي؟ ما الجواب؟ النبي (( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين )) الشهداء في المرتبة الثالثة، المرتبة الأولى النبيون المرتبة الثالثة الشهداء، طيب الشهيد حيّ (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) إلى آخره، وأنت تقول النبي أفضل من الشهيد، فإذا كان الشهيد حيّا فالنبي حي من باب أولى لأنه أفضل، الصّديق حي لأنه أفضل من الشهيد، واضح يا جماعة؟ في هذه القبور الثلاثة التي نزورها إذا صلينا في المسجد النبوي نبي وصدّيق وشهيد، فإذا كان الشهيد حيّا فالنبي حيّ من باب أولى.
ماذا نقول لهذا الرجل؟ ماذا نقول؟ أجيبوا يا جماعة هذه ما هي مشكلة؟! أيش نقول؟ الذي يعرف يرفع يده، والذي يرفع يده يجيب بالصواب وإلا كان مخطأ، من؟ تفضّل.
الطالب : ...
الشيخ : نعم.
الطالب : ...
الشيخ : أي.

الشيخ : نقول الحياة: حياة الدّنيا وحياة البرزخ وحياة الآخرة وحياة الإنسان في بطن أمّه أربعة أنواع.
الحياة أربعة أنواع: حياة الإنسان في بطن أمّه، حياته في الحياة الدنيا، حياته في البرزخ، حياته في الآخرة، أربعة أنواع، حياته في بطن أمّه حياة ضعيفة لا يسمع ولا يبصر ولا يأكل ولا يشرب ولا يلبس ولا يتلذذ، إنما يأتيه الطعام من جهة الصّرّة الحبل حبل الصّرّة مشتبك بالرحم يتغذّى من دم أمّه، ولهذا نجد الأمّ الحامل تكون ضعيفة، حتى أنه يجوز أن تفطر في رمضان إذا خافت على الولد.
الحياة هذه ناقصة، حياة الدنيا أكمل يأكل الإنسان فيها ويشرب ويلبس وينكح ويتلذذ ويسمع ويبصر ويعلم، أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : وهذه الحياة تختلف عن الحياة الأولى، حياة البرزخ أكمل من حياة الدنيا لمن كان مؤمنا نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
الحضور : آمين.
الشيخ : حياة البرزخ أكمل من حياة الدنيا لمن كان مؤمنا ليش؟ لأن الإنسان في قبره إذا سئل من ربّك وما دينك ومن نبيّك؟ فقال ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمّد، نادى مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها ويمد له في قبره مدّ البصر ويفسح له في قبره مدّ البصر.
ولهذا إذا خرج الميت من بيته وهو مؤمن، وقد بشّر بالجنّة عند الاحتضار، تقول نفسه: قدّموني قدّموني ليش؟ لأن أمامها خير من الدنيا كلها، إذا كان غير ذلك، قال يا ويلها قالت النفس يا ويلها أين تذهبون بها؟! يا ويلها أين تذهبون بها؟! لأنها بشرت عند الاحتضار بالنار وغضب الجبار، نعوذ بالله من ذلك.
وهناك فرق بين حياة البرزخ وحياة الدنيا، لكن نعيم البرزخ أكمل من نعيم الدنيا، إلاّ أنّه دون نعيم الآخرة، لأن النعيم يكون على الروح وحدها، وربما تتّصل بالبدن أحيانا، لكن نعيم الآخرة إذا حشر الناس (( لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقّاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ))، وإذا دخلوا الجنّة رأوا من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، يذبح الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنّة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت.
تعلق الروح بالبدن في الحياة الآخرة أكمل من تعلقها بالبدن في البرزخ، ومن تعلقها بالبدن في الدنيا، ومن تعلقها بالبدن في بطن أمّه.
فأنواع الحياة أربعة، فحياة الشهداء ليست حياة دنيا، ولهذا ندفن الشهيد، لو كان حيا حياة الدنيا هل يجوز ندفنه؟ (( وإذا الموؤودة )) التي تدفن وهي حية (( وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ))، وهل يمكن للإنسان أن يدفن أباه وهو حي حياة دنيا؟ هل يمكن للإنسان أن يدفن أباه وهو حي حياة الدنيا؟ لا، حياة برزخية.
طيب، إذا كانت حياة برزخية فالإنسان فيها لا يحتاج إلى أكل ولا شرب من الدنيا ولا لباس ولا زوجة ولا يعمل، لا يعمل، ما الدليل أنه لا يعمل في القبر؟ (( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )) أي: الموت، بعد الموت ما في عبادة، ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، علم ينتفع به، ولد صالح يدعو له ).
فتبين بهذا أن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قبره ليست كحياته في الدنيا، لا يستطيع أن يدعو لك ولا أن يستغفر الله لك حتى تأتي تقول استغفر لي يا رسول الله أو ادعو الله لي.

الشيخ : بهذا نعرف أن الواجب علينا أن نتّجه في دعائنا، في رغباتنا في إزالة كرباتنا إلى من؟ إلى الله، إلى الله، إلى الله، هو الذي يملك ذلك، أما من سواه فلا.
يقول الله عزّ وجلّ لرسوله، استمع: (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله )) هذه واحدة، إذا لم يكن عنده خزائن الله هل يملك أن يرزق عباد الله؟! (( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم )) أيش؟ (( قلت لا أجد ما أحملكم عليه ))، (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب )) انتبه، لا أعلم الغيب، من يعلم الغيب؟
الطالب : الله.
الشيخ : الله، هو الذي يعلم الغيب (( عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم )) (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول )).
وعلى هذا فنقول ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يكون إلى يوم القيامة وما بعد يوم القيامة فهو من علم من؟ من علم الله، لولا أن الله أعلمه ما علمه.
(( ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك )) شف الآية التي في الأنعام، هذه في الأنعام (( ولا أقول لكم إني ملك ))، وفي سورة هود قال نوح لقومه (( ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك )) حذفت لكم في قصة نوح، في قصة محمّد جاءت لكم، اربط بين هذا وهذا، نوح أول الرسل ومحمّد آخر الرسل، كل واحد منهم يقول لا اقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك، فمن ادّعى أن محمّدا صلى الله عليه وآله وسلم يعلم من الغيب غير ما علّمه الله فهو كافر، كافر، لماذا؟ لأنه مكذّب لله ورسوله، قال الله تعالى (( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله )) وهنا أمر الرسول أن يقول (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك )) هل الرسول قالها لنا ولا لا؟ هل قالها لنا؟ يا جماعة! نعم، تلى علينا القرآن الذي فيه هذه الآية، إذن هو قالها لنا (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتّبع إلا ما يوحى إلي )) يعني ما أنا إلا رسول أتّبع ما يوحى إليّ فقط، وإذا ادّعى مدّع أن الرسول يعلم الغيب، فما الحكم فيه عندكم؟ أجيبوني!
الطالب : كافر.
الشيخ : كافر، لماذا ؟ لأنه كذّب الله وكذّب رسوله، كذّب الله لأن الله يقول (( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله )) كذّب الرسول لأن الرسول قال ( لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك ).
طيب، إذا ادّعى مدّع أنّ من دون الرسول بمراحل يعلم الغيب فهو أكفر وأكفر، لأنه إذا كان الرسول لا يعلم الغيب فمن دونه أيش؟ من باب أولى لا يعلم الغيب.
وبهذا نعلم أن ما يطالعنا في بعض الصّحف من أنّه سيكون في هذا العام كذا وكذا فإن المصدّق به كافر، ولهذا جاء في الحديث ( من أتى عرافا أو كاهنا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمّد )، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، وهذه من النّعمة أننا نؤمن بأن هؤلاء الدجالين الذين يقولون سيكون في هذا العام كذا وكذا كذابون إذ لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله عزّ وجلّ ولا أحد يشاركه في هذا، (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )).

الشيخ : أظن أننا فهمنا الآن أن التوحيد، فهمنا من التوحيد قسمين: توحيد الألوهية وأنه لا معبود حق إلا الله وتوحيد الربوبية بأن الذي يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعلم الغيب من؟
الطالب : الله.
الشيخ : هو الله، بقينا في توحيد الأسماء والصّفات، توحيد الأسماء والصّفات يعرفه حتى العامي، حتى العامي يعرفه، كل من قرأ القرآن وقرأ: (( إن الله عزيز حكيم )) فهم أنّ من أسماء الله العزيز ومن أسمائه الحكيم، وأن الله متّصف بالعزّة ومتّصف بالحكمة، واضح؟ كل من قرأ: (( إن الله هو السميع البصير )) يفهم أن من أسماء الله السميع ومن أسمائه البصير، وأن من أوصافه السّمع والبصر ،كل الناس على هذا، ولكن من الناس من اجتالته الشياطين عن هذه الفطرة، وقال: لا أصف الله، _انتبه للقاعدة عنده_ لا أصف الله إلا بما دل العقل على أنه يتّصف به، لا أصف الله إلا بما دل العقل على أنه موصوف به، وأما ما لم يدل العقل على أنه موصوف به فلا أصف الله به، فمرجع الصفات عند هذا الرجل أيش؟ العقل، مرجع الصفات العقل، ولهذا يثبت من الصفات ما شاء، وينفي ما شاء، يتحكّم فيما يجب لله عزّ وجلّ من صفات الكمال فيقول هذه صفة كمال أثبتها لله، هذه ليست صفة كمال لا أثبتها لله، فيرجع في أوصاف الله إلى عقله.
طيب، وبأي عقل نزن ذلك؟ بعقل زيد ولا عبيد؟! بأي عقل؟ ما أكثر اضطراب العقلانيين وما أكثر اختلافهم، يقول قائلهم:
" لعمري لقد طفت المعاهد كلها *** وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر *** على ذقن أو قارعا سن نـادم "
فهم أعني المتكلمين الذين حكّموا عقولهم فيما يجب لله عزّ وجلّ مضطربون أشد اضطرابا في الدنيا، الواحد منهم بنفسه يضطرب، تجده في بعض كتبه يقول هذا الوصف ثابت لله، واجب له، وفي بعض كتبه يقول هذا الوصف لا يوصف الله به.

الشيخ : وأضرب لكم مثلا جاء في القرآن في سبعة مواضع من كتاب الله، والشيء في كتاب الله يثبت إذا جاء في أيش؟
الطالب : في مرة واحدة.
الشيخ : في موضع واحد، يكفي مرّة واحدة، لأن كلام الله أصدق الكلام، لكن جاء في سبعة مواضع، في سبعة مواضع ما هو؟ ما هو أيها الإخوة؟
الطالب : الاستواء.
الشيخ : استواء الله على العرش، جاء في سبعة مواضع من كتاب الله: (( الرحمن على العرش استوى )) (( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيام ثم استوى على العرش )).
اسأل أي واحد عنده علم في اللغة العربية ولو قليلا، فقل: ما معنى استوى على العرش؟ اسأله؟ سيقول لك: معناه علا وارتفع على العرش، علا وارتفع على العرش.
طيب، هل مثل هذا التركيب يأتي بهذا المعنى، يعني استوى على كذا هل يأتي بهذا المعنى أي: علا وارتفع؟ نعم يأتي، قال الله تبارك وتعالى (( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه )) أيش معنى تستووا على ظهوره؟ تعلوا عليها، (( إذا استويتم عليه )) إذا علوتم عليه (( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك )) معناه؟ علوت على الفلك.
كل الناس يعرفون ذلك، والقرآن نزل بلغة عربيّة (( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين )) بأيّ لسان؟ (( بلسان عربي مبين ))، وقال جلّ ذكره: (( إنّا جعلناه قرآنا عربيّا لعلكم تعقلون )) لتفهموه فإذا فهمناه على مقتضى هذا اللسان العربي صارت الكلمة واضحة (( استوى على العرش )) علا عليه واستقر عليه، علا عليه وارتفع عليه.
لكن يأتيك الرجل يقول: إذن مثّلت الله بخلقه، إذن مثّلت الله بخلقه، حيث جعلت معنى (( استوى على العرش )) كالمعنى في قوله (( لتستووا على ظهوره )) .. استوى أي علا على العرش وارتفع، لكن ما قلت كاستواء الإنسان على البعير، وفرق بين إثبات أصل المعنى وإثبات الكيفية، أنا ما أثبت كيفية، لو قلت إنه استوى على هذه الكيفية فهذا حرام، لأني لا أعلم عن الكيفية، وقد قال الله تعالى: (( قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ))، وقال (( ولا تقف ما ليس لك به علم )).

الشيخ : واستمعوا إلى قصّة وقعت على إمام من أئمة المسلمين الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله، كان في مجلسه فقام رجل وقال: " يا أبا عبد الله (( الرحمن على العرش استوى )) كيف استوى؟ " كيف؟ ما قال ما معنى استوى؟ قال كيف استوى؟ فسأل عن أيه؟
الطالب : عن الكيفية.
الشيخ : عن الكيفية، خجل مالك من هذا السؤال واستحيى من الرب أن يسأل عن كيفية صفاته فأطرق برأسه هكذا حتى علاه الرحضاء، الرحضاء يعني العرق، وعلته أي صارت تصبب منه، من شدّة ما وقع على قلبه من السؤال ثم رفع رأسه وقال قولته المشهورة التي تستحق أن تكتب بماء الذهب، بأطراف الأصابع لا بريش الأقلام قال: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا، اخرج، فأمر به فأخرج من المسجد " الاستواء غير مجهول يعني؟ أنه معلوم في اللغة العربية، استوى على كذا أي علا وارتفع عليه، الكيف غير معقول ما نتحكّم فيه بعقولنا، ولا هناك دليل شرعي عليه، ولا يمكن أن يكيّف، والإيمان به؟ بإيش؟
الطالب : بالاستواء.
الشيخ : بالاستواء، واجب لأنّ الله أخبر به عن نفسه.