الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فإننا نشكر الله سبحانه وتعالى أن هيأ لنا هذا اللقاء في المسجد النبوي في المدينة النبوية مع إخوان لنا. ونسأله تعالى أن يجعله لقاء موفقا مباركا نافعا لنا ولإخواننا إنه على كل شيء قدير.
استمعنا إلى قراءة إمامنا في هذه الليلة في صلاة المغرب آيات من كتاب الله عز وجل فمن يخبرنا عن هذه الآيات التي تلاها إمامنا؟
الطالب : هذه آيات من سورة يونس.
الشيخ : نعم.
الطالب : (( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون )).
الشيخ : أحسنت. بارك الله فيك إلى آخر ما قرأ. (( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون )). جاء مثل هذه الآية في كتاب الله عز وجل في سورة آل عمران (( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات للأولي الألباب )). أي لأصحاب العقول الذين يتدبرون آيات الله عز وجل حتى يصلوا بها إلى الحال التي وصفها الله عز وجل في قوله : (( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم )) في كل حال يذكرون الله بقلوبهم ويذكرون الله بألسنتهم ويذكرون الله تعالى بجوارحهم. هؤلاء هم الذين ينتفعون بالآيات.

الشيخ : (( في خلق السماوات والأرض آيات )) هذه السماوات العظيمة العالية الشديدة القوية فيها آيات عظيمة. فيها الشمس والقمر والنجوم وغيرها مما لا نعلمه .كل هذا من آيات الله. انظر إلى الشمس هذه الشمس التي تطلع من المشرق وتغرب من المغرب هل يستطيع أحد أن يوجهها على العكس من هذا؟ أجيبوا. لا. هل يمكن لأحد أن يردها من المغرب إلى المشرق؟ لا. ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى عن الذي حاج إبراهيم في ربه فقال له إبراهيم : (( ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحيي و أميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب )). فماذا كان الجواب؟ (( بهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين )).

الشيخ : القمر قدره الله منازل حتى نعرف به عدد السنين والحساب تجده ينزل كل ليلة منزلة تختلف عن المنزلة الأخرى. فبينما تراه عند الغروب في المغرب إذا به عند الغروب في المشرق. فهو عند الإبدار يكون عند الغروب في أي مكان؟ عند الإبدار يعني إذا تم أربعة عشر يوما أين يكون عند الغروب؟ يكون في المشرق يا إخواننا. يكون في المشرق. ويختلف أيضا عن هيئته في المغرب. عند الهلال تجده في المغرب لكنه صغير. عند نصف الشهر تجده في المشرق عند الغروب لكنه كبير قد امتلأ نورا. من الذي يستطيع أن يملأ هذا الهلال نورا؟ الله عز وجل. من الذي يستطيع أن يقدره منازل؟ الله عز وجل. إذن في خلق السماوات في نجومها وشمسها وقمرها. وفي نفس السماوات آيات عظيمة يقول الله تبارك وتعالى : (( وبنينا فوقكم سبعا )) إيش؟ (( شدادا )) أي قوية. ولهذا قال : (( والسماء بنيناها بأييد )). أي بقوة.

الشيخ : الأرض أيضا فيها آيات. في خلق الأرض آيات عظيمة فيها البحار والأنهار والأودية والأحجار والجبال والسهول وغير ذلك من مخلوقات الله. فيها المعادن في الأرض قطع متجاورات. تجد هذه القطع جارة للقطع الأخرى وتختلف عنها اختلافا كثيرا. هذا حديد وهذا رصاص وهذا ذهب وهذا فضة وهذا معادن لا نعلمها. إذن فيها آيات فيها آيات عظيمة كما قال عز وجل : (( وفي الأرض آيات )) لمن؟ (( للموقنين )).

الشيخ : (( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار )) اختلاف الليل والنهار هل المراد اختلافهما في الحر والبرد أو في الطول والقصر أو فيما يحدث فيهما من الحوادث أو في الجميع؟ إننا سنعطيكم قاعدة وأظن أعطيناكم إياها سابقا. " إذا كان القرآن أو السنة يحتمل معاني متعددة وليس بينها منافاة ولا مرجح لأحد على الآخر فإنها تشمل الجميع ". إذن اختلاف الليل والنهار هل المعنى في الطول والقصر؟ نعم في الطول والقصر. بينما يكون الليل أطول ما يكون إذا به يرجع ويكون أقصر ما يكون. وكذلك في النهار. هذا فيه عبر من الذي يأتي بالليل إذا ذهب النهار؟ الله. ومن الذي يأتي بالنهار إذا ذهب الليل؟ الله عز وجل. ولا يستطيع أحد أن يفعل ذلك. قال الله تعالى : (( قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء )). الجواب : لا أحد. (( أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه )). الجواب : لا أحد. (( أفلا تبصرون )). إذن اختلاف الليل والنهار طولا وقصرا من آيات الله. اختلافهما حرا وبردا من آيات الله أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : بينما يكون الجو في يوم من الأيام حارا وهجا يكاد الإنسان يقول حولي نار قد وقدت. إذا به يكون باردا شديدا كأنه في ثلاجة. يجمد الماء في بعض الليالي. من الذي جعل هذا الاختلاف؟ الله عز وجل. سبحان الله! تجد الجو كله كأنه في فريزر من عند الله. تجده في شدة الحرارة كأنه نيران قد أوقدت حولك ويمر بك وهجها. كذلك أيضا اختلاف الليل والنهار فيما فيهما من الحوادث وهذا أعظم وأعظم كما قال عز وجل : (( وتلك الأيام نداولها بين الناس )). بينما تجد هذا في غنى واسع إذا به يعود فقيرا. وبينما ترى هذا فقيرا إذا به يعود غنيا. وبينما ترى هذا عزيزا إذا به يكون ذليلا. وبينما ترى هذا ذليلا إذا به يكون عزيزا. وبينما ترى - يرحمك الله -. وبينما ترى هذا مالكا إذا به يكون مملوكا. من الذي يقدر هذه الحوادث؟ الله عز وجل. ففيها آيات فيها عبر. الآن لو أن الإنسان فكر في التاريخ فكر في التاريخ وفكر أمما عظيمة بادت وكأن لم تكن. عاد استكبروا في الأرض وقالوا من أشد منا قوة أين ذهبوا؟ عادوا عن آخرهم هلكوا عن آخرهم. سلط الله عليهم الريح الريح اللطيفة السهلة سلطها الله على عاد فأهلكتهم تدمر كل شيء بأمر ربها. فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم. تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر. هذا من آيات الله عز وجل أمم عظيمة فكر فيها كيف بادت؟ كيف هلكت؟ كيف لم تكن شيئا مذكورا؟ انظر إلى عصرك الآن ألستم أدركتم أناسا معكم على ظهر الأرض يأكلون كما تأكلون ويشربون كما تشربون ويلبسون كما تلبسون ويتمتعون كما تتمتعون؟ أين هم؟ أين هم؟
الطالب : تحت التراب.
الشيخ : تحت التراب ذهبوا كأن لم يكونوا كأن لم يكونوا شيئا مذكورا. الإنسان الآن قبل ولادته لم يكن شيئا مذكورا كما قال عز وجل : (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا )). وبعد موته يكون مذكورا لكنه ليس يعني كأنه لم يكن على الأرض. لكنه يذكر .الإنسان قبل ولادته لا تستطيع أن تتحدث عنه. لكن بعد موته تستطيع أن تتحدث. وفي هذا يقول الشاعر الحكيم :
" بينا يرى الإنسان فيها مخبرا حتى يرى " إيش؟ " خبرا من الأخبار ". الآن نحن أحياء نخبر عن من مضى. وسيكون سيأتي اليوم الذي نكون خبرا يخبر عنا. يقال فلان كان في هذا المكان. كان يقول كذا كان يفعل كذا. وليس بشيء. راح إلى الآخرة (( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار )).

الشيخ : (( وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات قوم يتقون )). لكن هذه يا إخواني تحتاج إلى تفكير نحن نقرأ القرآن لكننا لا نفكر في المعنى. ولذلك ينقصنا كثيرا من آيات الله عز وجل لأننا لا نفكر بينما الصحابة رضي الله عنهم. أتدرون كيف يفعلون في القرآن؟ إنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل. قالوا : ( فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا ). أكثرنا اليوم يقرؤون القرآن للثواب فقط ، للتبرك به. ولا شك أن هذا قصد حسن. لكن يجب أن يضاف إليه شيء آخر وهو التدبر ثم الاتعاظ والتذكر. ولهذا قال الله تعالى : (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب )). لابد من تدبر لابد من اتعاظ وتذكر حتى ننتفع.

الشيخ : ثم قال عز وجل : (( لقوم يتقون )) أي يتقون الله. وتقوى الله أوجزها لكم بكلمتين هي - أعني التقوى - اتقاء ما يوجب العقاب والعذاب ، اتقاء ما يوجب العذاب والعقاب. ما رأيكم برجل لا يصلي مع الجماعة. أمتقٍ هو أم لا؟ نعم؟ لا. لأنه عرض نفسه للعقوبة. ما رأيكم في رجل يزني والعياذ بالله؟ أمتقٍ هو؟ لا لأنه لأنه لم يتق العقوبة. فإذن التقوى أن يتخذ الإنسان وقاية من عقوبة الله وعذابه. وبماذا تكون؟ تكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي. لابد من فعل الأوامر واجتناب النواهي. فمن أخل بالأوامر اختلت تقواه. ومن انتهك شيئا من المحرمات اختلت تقواه. ولكن الحمد لله الباب مفتوح لإيش؟ للتوبة. تب إلى الله وأنت إذا تبت إلى الله عز وجل فإنه سيتوب عليك إذا كانت التوبة نصوحا ولو كبر الذنب وعظم. استمع قال الله عز وجل : (( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر )) يعني لا يشركون (( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب )) إلا من تاب. تاب من إيه؟ من الشرك وقتل النفس والزنا. هذه من أعظم المحرمات : عدوان في حق الله ، عدوان في حق عباد الله بالقتل ، عدوان على أعراض الناس بالزنا. ومع هذا مع كبر هذه الذنوب إذا تاب الإنسان وعمل عملا صالحا فإن الله قال : (( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات )). اقرأ الآية يا أخ. شف هذا. اقرأ الآية.
الطالب : إنه ما يسمع عيد الآية.
الشيخ : اقرأها. قم ما تحفظها؟ لا حول ولا قوة إلا الله. طيب (( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات )).

الشيخ : فيا أخي المسلم لا يخلو الإنسان من تقصير. ولا يخلو من خطأ. ونستغفر الله ونتوب إليه. تب إلى الله عز وجل. ارجع عن المعاصي. أبدلها بطاعات. حافظ على الطاعات. لا تهملها وأبشر بالخير. والتوبة مفتوح بابها إلى حالين :الحال الأولى : إذا حضر الأجل فلا توبة. والحال الثانية : إذا طلعت الشمس من مغربها وذلك في آخر الدنيا فلا توبة. قال الله تعالى قال الله تبارك وتعالى : (( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن )). هذا ما له توبة. ويدل لذلك قصة فرعون. فرعون لما أدركه الغرق آمن ولكن لم ينفعه الإيمان. لماذا؟ نعم.
الطالب : لأنه وصل إلى موته.
الشيخ : نعم لأنه وصل إلى الموت. ولهذا قيل له (( آلئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين )) .كذلك إذا طلعت الشمس من مغربها فإن الناس إذا رأوها آمنوا أجمعون. ولكن يقول الله عز وجل : (( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خير قل انتظروا إنا منتظرون )).

الشيخ : (( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون )) استمع أربعةُ أوصاف. (( إن الذين لا يرجون لقاءنا )) هذا واحد. (( ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون )) هذه الأوصاف الأربعة يستحق من اتصف بها ما ذكره الله تعالى : (( أولئك مأواهم النار )). (( لا يرجون لقاءنا )) يعني لا يؤمنون بلقاء الله لأن من آمن بالشيء رجاه. لكن هم لا يؤمنون بلقاء الله مثل مثل الذين ينكرون البعث ويقولون : (( ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر )). ويقولون : (( ائتوا بأباءنا إن كنتم صادقين )). وكأنه قيل لهم إن أبائكم سيبعثون في الدنيا. والخبر على البعث إنما يكون في الآخرة بعد أن يموت الناس. لكن هؤلاء يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق. ولهذا أقول يا أخي صحح عقيدتك صحح العقيدة. اعلم أنك ستلاقي ربك كما قال عز وجل : (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )). لابد حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فيرى أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ويرى أشأم منه ) يعني على الشمال ( فلا يرى إلا ما قدم وينظر تلقاء وجه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة ). لابد من ملاقاة الله. الله أكبر! لابد. استعد لهذا اللقاء بماذا تجيب ربك؟ استعد لهذا (( ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها )) رضوا بها بدلا عن الآخرة. واطمأنوا بها استقروا ورأوا أنها هي قرارهم وأنه لا بعث. وما أكثر الذين يرضون بالحياة الدنيا اليوم ويطمأنون بها ولكنهم لا يرجون لقاء الله. نسأل الله العافية. (( والذين هم عن آياتنا غافلون )) يعني غافلون عن آيات الله ، أي عن وحيه الذي أنزله على رسله وعن مخلوقاته التي أُمروا أن يتفكروا فيها (( غافلون أولئك مأواهم النار جزاء )). نعم (( بما كانوا يكسبون )) أي بسبب كسبهم.

الشيخ : ويستفاد من قول الله عز وجل : ((مأواهم النار )) أن هناك مأوى بعد القبر وأن القبور ليست النهاية. هناك ما بعد القبور إما جنة وإما نار. وبهذا نعرف خطأ الكلمة المشهورة عند الناس وهي قولهم في الميت : " انتقل إلى مثواه الأخير ". هذه كلمة خطيرة يعني لو كان الإنسان يريد مدلولها لكان لازمه إنكار البعث ، لأنك إذا جعلت القبر هو المثوى الأخير معناه إيش معناه؟ لا بعث. وهذه كلمة خطيرة. وكثير من الناس اليوم يأخذون الكلمات على علاتها ولكن لا يفكرون في المعنى. وهذا غلط المثوى الأخير هو إما الجنة وإما النار. أما القبر فإنه معبر معبر يعبرون الناس إلى البعث (( ومن روائهم برزخ إلى يوم يبعثون )).

الشيخ : هنا قصة يقول إن رجلا كان يقرأ (( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر )). فسمعه أعرابي فقال : " والله إن وراء هذه القبور لحياة " ، لأن الزائر ليس بمقيم. شف فهم الأعرابي. الأعراب أحيانا يأتون بفهم يغيب عن كثير من الناس. الزائر ينزل عند صاحبه مدة ثم يرجع إلى بلده. أليس كذلك؟ وهنا سمى الله تعالى الدفن سماه زيارة. فقال : (( حتى زرتم المقابر )). إذن المقابر مقر أو محل زيارة؟ محل زيارة. لابد من بعث. والأعراب أحيانا يأتون بأشياء يدل على سلامة فهم الرجل العربي. هناك قصة أيضا ثانية سمع أعرابي رجلا يقرأ قول الله تعالى : (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم )) والله غفور رحيم. فقال الأعرابي أعد الآية فأعادها وهو يقرأ بغير مصحف أعادها. فقال : (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم )). قال أعدها. ما قبل الأعرابي بفطرته ما قبل أن يقول الله عز وجل اقطعوا أيديهما ثم يقول والله غفور رحيم لأن المغفرة والرحمة تقتضي رفع العقوبة عنهما. فقرأها الرجل المرة الثالثة وقال : (( السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم )). فقال : الآن أصبت عزّ وحكم فقطع ولو غفر ورحم ما قطع. سبحان الله! نستفيد من هذا أن ختام الآيات يكون مناسبا لما ذكر قبلها.

الشيخ : يقول الله عز وجل (( أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون )). بما كانوا يكسبون الباء هذه عند أهل العربية تسمى.
الطالب : باء السببية.
الشيخ : الأخ .
الطالب : باء السببية.
الشيخ : أنا أسأل واحدا قم.
الطالب : باء السببية.
الشيخ : لقنك. استرح تسمى باء السببية يعني أن مأواهم النار بسبب إيش؟ بسبب كسبهم كما أن الإيمان والعمل الصالح سبب لدخول الجنة. (( إن الذين آمنوا وعملو الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا )) (( أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون )). بعده.
الطالب : (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم )).
الشيخ : نعم لما ذكر حال المعرضين بيّن حال المقبلين إلى الله.

الشيخ : فقال : (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم )) اللهم اجعلنا منهم.
الطالب : آمين.
الشيخ : (( إن الذين آمنوا )) أي آمنوا بما يجب الإيمان به. ولا أحد أبين تفسيرا ولا أصدق تفسيرا من تفسير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. بماذا فسر الإيمان؟ قل. ما هو الإيمان؟ أسألك خلاص. سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما الإيمان؟ - اصبر يا أخي - ماذا قال الرسول ؟ - استرح. قم بارك الله فيك -. سأل جبريل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ما الإيمان؟ فماذا قال؟ كم أركان الإيمان؟ هاه ستة. قلها. أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. أحسنت استرح. إذا قيل الذين آمنوا بماذا؟ نقول : أصدق التفاسير وأحسنها وأوثقها تفسير من؟ تفسير النبي صلى الله عليه وسلم. وقد سأله جبريل ما الإيمان؟ قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ). طيب. (( عملوا الصالحات )) يعني عملوا الأعمال الصالحات. فما هي الأعمال الصالحات؟ الأعمال الصالحات كل ما أمر الله به فهو عمل صالح. لكن لابد أن يتضمن شيئين : الأول : الإخلاص لله عز وجل. والثاني : المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فمن عمل عملا برياء أيكون عمله صالحا؟ أجب يا إخواني. لا. لماذا؟ لأن الرياء شرك. قال الله تعالى في الحديث القدسي : ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ). ولهذا كان الإسرار بالعبادة أفضل من الجهر بها إلا إذا تضمن الجهر بها فائدة. فيكون الجهر أفضل وإلا فالأصل أن إسرار العبادة أفضل ما لم يتضمن مصلحة. فإن تضمن مصلحة كرجل مثلا تصدق وأظهر صدقته من أجل أن يقتدي الناس به هذا مصلحة. ولهذا امتدح الله الذين ينفقون سرا وعلانية. طيب. إذن الإيمان نعم العمل الصالح لابد فيه من الإخلاص ، لابد فيه من المتابعة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فمن عمل عملا ليس عليه أمر الله ورسوله فهو مردود. مهما كان من الاجتهاد ومهما كان من رقة القلب ومهما كان من خشوع القلب ومهما كان من بكاء العين في العمل إذا لم يكن على سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو مردود لا يقبل حتى لو أن الإنسان بكى وخشع قلبه ولان قلبه فإن هذا من الابتلاء. إذا كان العمل ليس على أمر الله ورسوله. وقوله عز وجل : (( يهديهم ربهم بإيمانهم )). أي يوفقهم للعمل الصالح بإيمانهم أي بسبب الإيمان ، لأنه كلما ازداد إيمان الإنسان ازداد عملا صالحا وهداية. ولهذا يسأل الآن كثير من الطلبة يسأل تشكل عليّ بعض الأمور في العلم وأنسى. فما هو الطريق إلى حفظ العلم والتوسع فيه. الطريق إيش؟ الإيمان كلما كان الإنسان أكثر إيمانا بالله وأقوى إيمانا بالله كان أكثر هداية. قال الله تعالى : (( والذين اهتدوا زادهم هدى وأتاهم تقواهم )). (( يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار )).

الشيخ : تأمل قوله : (( يهديهم ربهم بإيمانهم تجري )) قد تقول ما هي العلاقة؟ نقول : العلاقة أن الهداية هدايتان : هداية في الدنيا وهداية في الآخرة. فمن اهتدى في الدنيا لطريق الله هُدي في الآخرة لطريق الجنة. ولهذا قال : (( تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم )). جعلني الله وإياكم من هؤلاء إنه على كل شيء قدير.

الشيخ : (( دعواهم فيها )) أي في الجنة يعني شأنهم وأمرهم سبحانك اللهم وبحمدك (( سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام )) يعني أنهم يُلْهَمون التسبيح كما يلهمون النفس. دائما يسبحون الله عز وجل ويحمدون الله ويتلذذون بذلك الذكر لأنهم ألهموا إياه (( وتحيتهم فيها سلام )) نعم؟ يعني أن بعضهم يحيي بعضا بالسلام يعني بالسلامة من كل نقص ومن كل عيب ومن كل تكدير ، لأن أهل الجنة كما قال الله عز وجل : (( لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين )). لا يتعب الإنسان لا تعبا فكريا ولا تعبا جسميا ولا يخرج منها ولا يمرض ولا يجوع ولا يموت بل ولا ينام. من كان في الجنة لا ينام. ولعلك تسأل ليش ما ينام؟ النوم لنا راحة. والذي لا ينام يقال إنه في الدنيا يقال هذا متعب مريض. فكيف لا ينام أهل الجنة؟ نقول نعم لا ينامون لأنهم لو ناموا لحرموا لذة النعيم حال نومهم. ونعيم الجنة دائم مستمر ولأن النوم إنما يحتاج إليه الإنسان في الدنيا من أجل نقض التعب السابق وتجدد القوة للاحق. أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : ولهذا كلما كان الإنسان أتعب كان إلى النوم أشوق. فأهل الجنة مبرؤون من كل عيب من كل نقص. ولهذا قال : (( في جنات النعيم )) النعيم القلبي والنعيم البدني. في الدنيا قد ينعم الإنسان في قلبه وبدنه إذا منّ الله عليه ( نعم المال الصالح عند الرجل الصالح ). وقد ينعم في بدنه ولا ينعم في قلبه.كثير من الناس عندهم أموال كثيرة لا يحصيها إلا الله وقصور وسيارات فخمة وبنون وزوجات لكن قلبه في نكد دائم. هل ينتفع بهذا النعيم؟ لا. لا والله. كم من إنسان بالعكس. ليس عنده مال ولا أهل ولا بنون لكنه منعم القلب بذكر الله تعالى وطاعته. أيهما أسر؟ الأول أو الثاني؟ الثاني أسر. ولهذا قال بعض السلف : " لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونها عليه بالسيوف ". ولا أحد أطيب قلبا ولا أنعم بالا من المؤمن التقي. قال الله تعالى : (( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )). لم يقل فلنكثرن ماله وولده قال : (( لنحيينه حياة طيبة )). فهو في سرور القلب دائما. جنة الخلد - جعلني الله وإياكم منها بمنه وكرمه - جنة الخلد جنة نعيم نعيم قلب ونعيم بدن فهم دائما في سرور.

الشيخ : (( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )). يختمون كل ما يحصل بالحمد. إن أكلوا حمدوا إن شربوا حمدوا إن باشروا أهليهم حمدوا. كل شيء يختمونه بالحمد لله رب العالمين. ثم ذكر الله تعالى في بقية الآيات.

الشيخ : أنه (( لو يعجل الله الشر للناس استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم )) يعني أن الناس مقصرون وهم يسارعون إلى الشر ويتباطؤون في الخير. ولو أن الله سبحانه وتعالى عجل لهم الشر كما يستعجلون بالخير لهلكوا. لكنه عز وجل حليم يحلم على العباد ويمهلهم كما قال ابن القيم رحمه الله في النونية :
" وهو الحليم فلا يعاجل عبده *** بعقوبة ليتوب من عصيان ".
وصدق رحمه الله. إن الله لو يؤاخذ الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولهذا قال : (( لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون )).