الشيخ : على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أمابعد فقد استمعنا إلى قراءة إمامنا في صلاة الفجر هذا اليوم وقد قرأ الأخ أخبرنا ماذا قرأ؟
الطالب : من سورة الحشر.
الشيخ : من؟ من سورة الحشر؟ خطأ استرح قرأ.
الطالب : سورة الحشر.
الشيخ : سورة الحشر. ما الفرق بين من سورة الحشر أو سورة الحشر؟ الحشر كاملة ومن.
الطالب : بعضا من سورة الحشر.
الشيخ : أحسنت بارك الله فيك. أفهمت؟ قرأ سورة الحشر وهذه السورة نزلت في بني النضير. وبنو النضير إحدى القبائل الثلاثة اليهودية التي كانت في المدينة. وكانت القبائل في المدينة ثلاثا بنو قريظة وبنو قينقاع وبنو النضير. هذه القبائل أتت من الشام وذلك لأنهم قرؤوا في التوراة أنه سيبعث نبي يكون مبعثه مكة ومهاجره المدينة. ويعلمون صفة هذا النبي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويعرفون غايته ويعرفون ماذا تكون عاقبته. فقالوا نقدم على المدينة التي هي مهاجره ونسكن فيها ونغلب غيرنا لأن دين محمد صلى الله عليه وسلم قد تكفل الله أن يظهره على جميع الأديان. واليهود يعرفون معنى كلمة ظهور في قوله تعالى : (( ليظهره على الدين كله )). فاجتمعت هذه القبائل في المدينة لنصرة النبي الذي سيبعث والذي تكون نبوته عامة شاملة. (( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا )). لكن لما بُعث محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصار من العرب حسدوا العرب لأن العرب واليهود أبناء عم. العرب واليهود أبناء عم العرب بنو إسماعيل وهؤلاء بنو إسرائيل أي بنو يعقوب فهم أبناء عم. وغالبا ما تكون العداوة بين أبناء العم فهم حسدوا العرب أن يكون هذا النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهم فكفروا به. هذه الآية نزلت في بني النضير. ولما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجرى بينه وبين هؤلاء القبائل عهدا. ولكنهم نكثوا العهد. نكثوا العهد. وكانت الذلة على هؤلاء الناكثين للعهد. ومن أراد الاستزادة من ذلك فعليه بقراءة كتب التاريخ.

الشيخ : وإنني بهذه المناسبة أحث إخواننا على قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن قراءة سيرته تزيد في الإيمان به وفي محبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتكسب الإنسان اقتداء وتأسيا به. لو أننا سألنا الآن عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من طلاب العلم فضلا عن العامة لوجدت الخلل الكثير. وهذا لأنهم لا يقرؤون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. نتكلم في هذه الجلسة نتكلم عن بعض ما سمعنا. إذ أننا لو ذهبنا نتكلم على السورة كلها لطال بنا الوقت. ولكن نتكلم على ما يسر الله عز وجل.

الشيخ : من ذلك قوله تعالى : (( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدروهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاوؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم )). هؤلاء ثلاثة أصناف من الناس : المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. ونظير هذه الآية من هذا الوجه قوله تبارك وتعالى : (( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه )). فأصناف هذه الأمة ثلاثة : الصنف الأول : المهاجرون. والثاني : الأنصار. والثالث : المتبعون.
أما المهاجرون فهم الذين هاجروا ديارهم وأموالهم وأهليهم هاجروا إلى الله ورسوله. وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بُعث في مكة كما هو معروف ودعا إلى الله واستمر في الدعوة وخرج إلى أهل الطائف ودعاهم. ولكن كثيرا منهم لم يؤمنوا به. فأذن الله له أن يهاجر إلى المدينة. فهاجر إلى المدينة فوجد أناسا نصروه وواسوه وحموه مما يحمون منه أبناءهم. وهم الذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم. ولا شك أن المهاجرين أفضل من الأنصار ، لأن المهاجرين جمعوا بين أمرين بين الهجرة والنصرة. ولهذا قال : (( وينصرون الله ورسوله )). أما الأنصار فإنهم أتوا بالنصرة فقط. ناصروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنهم في بلادهم. ولهذا قال : (( والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم )). وهذا من حيث الجملة وإلا فقد يوجد واحد مثلا من الأنصار أفضل من واحد من المهاجرين لكن من حيث الجملة.

الشيخ : المهاجرون أفضل. (( الذين اتبعوهم بإحسان )) هم الذين سلكوا طريقتهم. سلكوا طريقتهم في الإيمان ، في العمل الصالح ، في الجهاد ، في كل شؤون الدين ، وكذلك أيضا في الأخلاق. هؤلاء الذين جاؤوا من بعدهم هم الذين اتبعوهم بإحسان وهم الذين يقرون لهم بالفضيلة والسبق. ماذا يقولون؟ الذين جاؤوا من بعدهم ماذا يقولون؟ إيش؟ الذين جاؤوا من بعدهم ماذا يقولون؟ تفضل. إي نعم.
الطالب : (( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم )).
الشيخ : أحسنت هذا واضح بالآية يا أخي (( الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )). سبقونا بالإيمان سبقا زمنيا أو سبقا زمنيا ومعنويا؟ أجيبوا يا أخواني. الأمرين فهم سبقوهم بالإيمان لأنهم آمنوا قبلهم وهؤلاء تابعون. سبقوهم أيضا. نعم سبقوهم بالإيمان زمنا سبقوهم أيضا بالإيمان معنى فإيمان الصحابة رضي الله عنهم أقوى من إيمان التابعين بلا شك. والمراد أيضا الجنس. فقد يكون بعض الصحابة أو واحد من الصحابة أقل من بعض التابعين. لكن التفضيل إنما يكون في الجنس لا في الواحد. ولهذا نقول أيما أفضل الرجال أم النساء؟
الطالب : الرجال.
الشيخ : الرجال أفضل. لكن من حيث الجنس. قد يكون في النساء من هو أفضل من كثير من الرجال. فمثلا أمهات المؤمنين خديجة وعائشة وأم سلمة وغيرهن. هؤلاء لا شك أنهن أفضل بكثير من الرجال. لكن المراد الجنس. (( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )). عودا على الآية (( الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )).

الشيخ : (( ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا )) غلا أي حقدا وبغضا للذين آمنوا ، أي ممن سبقوا أو ممن سبقوا ولحقوا؟ إخواننا. ممن سبقوا ولحقوا يعني لا تجعلنا نبغض الذين سبقونا بالإيمان من المهاجرين والأنصار. ولا نبغض الذين كانوا في عصرنا من المؤمنين. ولا نحمل لهم حقدا ولا غلا. وهذا الدعاء هو دعاء سؤال الله عز وجل. لكن يجب على الإنسان إذا دعا الله بشيء أن يفعل الأسباب الموصلة إليه. انتبه لهذه النقطة الإنسان يسأل الله عز وجل حاجاته الدينية والدنيوية. لكن إذا سأل الله فلا بد أن يفعل الأسباب الموصلة إليه. أرأيتم لو أن رجلا قال اللهم ارزقني ولدا صالحا ولكنه لم يتزوج. هل هذا لائق أو غير لائق؟
الطالب : غير لائق.
الشيخ : والله ما أدري يمكن جئت علشان يريد هذا. غير لائق كيف يريد أولاد بدون نكاح؟! هذا لا يمكن. كذلك إذا سألت الله أن يهديك ليس معناه أن تسأل الله أن يهديك وتبقى مستلقيا على ظهرك على فراشك. لابد أن تعمل افعل أسباب الهداية. فهنا (( لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا )). أنت تسأل الله أن لا يجعل في قلبك غلا إذن لا تتبع عورات إخوانك المؤمنين. لا تتبع عورات إخوانك المؤمنين ، لأنك إن تتبعت عوراتهم فلابد أن يقع في قلبك شيء. ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع عورات المؤمنين فقال : ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف أمه ). إذن ما دمت تسأل الله أن لا يجعل في قلبك غلا فلا تفعل ما يكون سببا للغل. لا تنهر أخاك ، لا تؤذه ، لا تبع على بيعه ، لا تشتر على شرائه ، لا تخطب على خطبته حتى يزول عنك ما في قلبك من الحقد وحتى يمتنع الحقد والغل في قلبك.

الشيخ : (( ربنا إنك رؤوف رحيم )) قال العلماء رؤوف رحيم معناهما متقارب لكن الرأفة أشد من الرحمة يعني هي رحمة وزيادة. فمن أسماء الله الرؤوف ومن أسمائه الرحيم.

الشيخ : ثم نتكلم عن ما في آخر السورة (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد )). اتقوا الله أمر بالتقوى. والتقوى ذكرناها في الليلة الماضية في أول هذه الليلة هي التقوى؟
الطالب : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية.
الشيخ : أحسنت. أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية. فبماذا تكون هذه الوقاية؟ بفعل الأوامر واجتناب النواهي. (( ولتنظر نفس ما قدمت لغد )) أي ليوم القيامة. انظر ماذا قدمت؟ لا تنظر ماذا قدمت ليومك في الدنيا. ولكن المهم أن تنظر ما قدمت لنفسك في الآخرة. (( ولتنظر نفس ما قدمت لغد )) ولْتنظر أو ولِتنظر هي بسكون اللام وإلا بالكسر؟
الطالب : السكون.
الشيخ : بسكون اللام؟ طيب. اللام هنا للأمر ولام الأمر مكسورة. قال الله تعالى : (( لِينفق ذو سعة من سعته )). اللام لام الأمر مكسورة فلماذا سكنت في قوله : (( ولتنظر )). الجواب : لأنها وقعت بعد الواو ولام الأمر إذا وقعت بعد الواو فإنها تكون مسكنة. الأخ أجب. هل نقول ولْتنظر ولا نقول ولِتنظر؟
الطالب : اللام.
الشيخ : هاه.
الطالب : ولْتنظر.
الشيخ : ولْتنظر لماذا سكناها ولام الأمر مكسورة ؟
الطالب : لام الأمر للنفي.
الشيخ : لا الظاهر أنك سرحت عنا. استرح طيب. لماذا سكناها مع أنها مكسورة؟ الأخ. أنت.
الطالب : لأنها سبقتها الواو.
الشيخ : أي نعم. وقعت بعد الواو. بارك الله فيك. وتسكن كذلك إذا وقعت بعد الفاء. وتسكن كذلك إذا وقعت بعد ثم. قال الله تعالى : (( ثم لْيقطع )) أتم (( فلْينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ )) (( من كان يظن أن لن ينصره الله فلْيمدد بسبب إلى السماء )) هذه ساكنة لأنها وقعت بعد الفاء (( ثم لْيقطع )) ساكنة لأنها وقعت بعد ثم. (( ولْتنظر )) ساكنة لأنها وقعت بعد الواو. (( ليكفروا بما أتيناهم ولْيتمتعوا )) وإلا ولِيتمتعوا؟ أنتم تقرؤون بالمصحف. الآن المصحف بين أيديكم هل هي مكسورة ولا ساكنة؟ قل.
الطالب : ساكنة.
الشيخ : ساكنة (( ليكفروا بما أتيناهم ولْيتمتعوا )).
الطالب : (( ولِيتمتعوا )).
الشيخ : مكسورة لماذا كسرت مع أنها بعد الواو
الطالب : هذه لام التعليل.
الشيخ : لأن هذه لام التعليل. نعم بارك الله فيك. انتبهوا للفرق. كثيرون من الناس وهم قراء وأئمة نسمعهم يقولون : (( ليكفروا بما أتيناهم ولْيتمتعوا )) وهذا لحن يخل بالمعنى فلا يجوز. بل قل (( ليكفروا بما أتيناهم ولِيتمتعوا )). طيب (( هذا بلاغ للناس ولينذروا به ولْيعلموا أنما هو إله واحد )). إن كنت أخطأت في هذا فقوموني. تفضل
الطالب : (( ولِينذروا به )) ... .
الشيخ : ولِينذروا هذا الصواب. إيه عالجت الداء بداء أشد استرح. من يعرف الصواب تفضل.
الطالب : ولِيعلموا.
الشيخ : نعم (( ولينذروا به ولِيعلموا )). لماذا وهي وقعت بعد الواو؟ لأن هذه لام التعليل. استرح. إذن اعرفوا الفرق بين لام التعليل ولام الأمر. واعلم أنك إذا وضعت لام التعليل في مكان لام الأمر أو بالعكس. فإنك لحنت لحنا إيش؟ يحيل بالمعنى يحيل المعنى. (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد )) أي ليوم القيامة.
فإن قال قائل : كيف قال الرب عز وجل لغد عنه بعيد؟
قلنا : إنه قد يراد بالغد ما بعد يومك ولو بعُد (( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )).

الشيخ : (( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم )) (( نسوا الله )) أي تركوه (( فأنسانهم أنفسهم )) أي جعلهم لا يقومون بمصالحهم. ولهذا أشد الناس ضياعا للوقت هم الذين يعصون الله. لا تجد أحدا خاسرا وقته خسارة شديدة إلا من إيش؟ من عصى الله. قال الله تعالى : (( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره )) إيش؟ (( فرطا )) ضائع ضائعا.
اللهم أحي قلوبنا بذكرك. اللهم أحي قلوبنا بذكرك. اللهم أحي قلوبنا بذكرك.
(( ولا تكونوا كالذين نسوا الله )) أي تركوا طاعته. (( فأنساهم أنفسهم )) أي جعلهم ينسون مصالحهم. (( أولئك هم الفاسقون )). الفاسقون الخارجون عن طاعة الله. ومنه قولهم : فسقت التمرة إذا خرجت عن قشرها وبرزت. فالفسق هو الخروج عن الطاعة.

الشيخ : (( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة )) يعني لا يتساوون. الفرق؟ (( أصحاب الجنة هم الفائزون )) يعني وأصحاب النار هم الخاسرون ولا شك في هذا. أصحاب الجنة هم الفائزون الذين فازوا بأعمالهم الصالحة. والفوز هو حصول المطلوب وزوال المكروه عكس أصحاب النار. فإذا كان الله تعالى نفى التساوي بين أصحاب النار وأصحاب الجنة فهذا يعني أنه يجب علينا أن نتبع من؟ أصحاب الجنة. يا أخي إن الله تعالى لم يخبرك بأنه لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة لتعلم هذا الخبر. ولكن لتحمل نفسك ، ولكن لتحمل نفسك على أن تقوم بالعمل الصالح الذي يجعلك من أهل الجنة. انتبهوا لهذه النقطة هل أراد الله منا لما قال : (( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة )) أن نعلم أنهم لا يتساوون؟ أو أراد منا شيئا آخر أهم وهو أن نعمل بعمل أهل الجنة؟ وما ذاك على الله بعزيز وليس علينا بصعب إذا يسره الله عز وجل.

الشيخ : (( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله )). لو أنزلنا هذا القرآن أيّ قرآن هو؟ أسألكم قرآن قريب. هذا القرآن هذا اسم إشارة يشار بها للقريب. (( لو أنزلنا هذا القرآن )) الذي بين أيديكم (( على جبل )) وهو الأصم الصلب الصعب (( لرأيته )) أي لرأيت الجبل (( خاشعا متصدعا من خشية الله )) هامدا يتصدع من خشية الله عز وجل. وذلك لعظم ما أُنزل عليه وهو القرآن. أما لو رأى الجبل رب العزة والجلال فماذا يكون؟ يكون دكا. ولهذا لما قال موسى صلى الله عليه وعلى آله صلى الله عليه وعلى إخوانه من المرسلين لما قال : (( رب أرني أنظر إليك )) لشدة اشتياقه إلى الله عز وجل ومحبته له. قال : (( انظر إلى الجبل )). اقرأ الآية يا أخ. إي نعم. قم بارك الله فيك. نعم. ما تعرف. هل قلبك حاضر أو غافل؟ طيب.

الشيخ : سأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه أن ينظر إليه. (( قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني )) لا يمكن. (( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا )). اندك الجبل الأصم الأشد. كيف عاد بنو آدم؟ إذا كان هذا الجبل لم يستقر لرؤية الله عز وجل. فكيف ببني آدم؟! ولهذا قال : (( جعله دكا )) فلما رأى موسى هذا الأمر هاله. (( وخر موسى صعقا )) صعق من هول ما رأى. (( فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين )). وهذا لا ينافي ما ثبت بالقرآن والسنة وإجماع السلف على أن الله تعالى يرى يوم القيامة. فإنه يرى لا شك. دل على هذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإجماع الصحابة أن الله في القيامة يرى رؤيا حقيقة بالعين. ولكن إذا رؤي بالعين هل يدركه الإنسان إذا رآه؟ أجيب يا أخي. لا يدركه. نحن الآن نرى الشمس هل ندركها بأعيننا؟ لا بل إنك ترى الإنسان نفسه لا تستطيع أن تدرك ملامحه كلها أبدا. نحن نرى الرب عز وجل ونسأله سبحانه وتعالى أن لا يحرمنا وإياكم من هذه الرؤية يوم القيامة لكن لا ندركه. ولهذا يعطي الله الناس يوم القيامة قوة فائقة لا يتصورها الإنسان. أدنى أهل الجنة منزلة من يرى ملكه مسيرة ألفي عام ألفين سنة. يرى أقصاه كما يرى أدناه. هل باستطاعتنا نحن أن ندرك هذا في الدنيا؟ لا. إذن الآخرة أحوالها أحوال أخرى. فالناس يوم القيامة يرون الله عز وجل. لكن لا يدركونه ، لأن الله قال : (( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار )). القرآن لو نزل على جبل لاندك الجبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. قلوبنا الآن ونحن نقرأ القرآن هل هي تخشع حتى تتصدع؟ أجيبوا يا إخوان. لا. كثير من الناس الآن يقرأ القرآن بلسانه ولكنه لا يقرؤه بقلبه. ولهذا قل تأثر القارئين للقرآن بالقرآن لأن كثيرا منهم يقرؤون بألسنتهم فقط. نسأل الله أن يعيننا وإياكم على استحضار معاني القرآن الكريم والخشوع عند قراءته. نعم.

الشيخ : (( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون )). الرب عز وجل يضرب الأمثال للناس حتى يتذكرون ويتفكروا في هذه الأمور. فهل تستطيعون أن تأتوا بِمَثَلٍ سوى هذا في القرآن الكريم؟ تفضل.
الطالب : قول الله تعالى : (( كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم )).
الشيخ : إيه وغير؟ تفضل .
الطالب : قوله تعالى : (( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون )).
الشيخ : أحسنت. (( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا )) أي طلب من غيره أن يوقد النار إلى آخر المثل. وقال الله تعالى : (( واتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث )). وقال الله تبارك وتعالى في اليهود : (( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها )) إيش؟ (( كمثل الحمار يحمل أثقالا )). فالله تبارك وتعالى يبين الأمور المعقولة بالأمور المحسوسة. وهذا تقريب للمعاني. ألم تعلموا أن الله تعالى ضرب مثلا للبعث بالمطر ينزل على الأرض وهي هامدة فإذا هي خضراء؟ (( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة )). وقال الله تبارك وتعالى : (( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة )) يعني هامدة ما فيها نبات. (( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير )). المهم أن ضرب الأمثال من طريقة القرآن ، لأنها تقرب إيش؟ المعاني. إذ أن تصور الإنسان للأمور المحسوسة أقرب من تصوره للأمور المعقولة. فلهذا يذكر الله تعالى الأمثال ليقرب للناس المعاني المعقولة.

الشيخ : ثم قال : (( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس )) إلى آخره. كم في هذه الآيات من أسماء الله؟ فكر. سبعة عشر؟ طيب نعدها تفضل.
الطالب : (( هو الله الذي لا إله )).
الشيخ : الله ما في الحي القيوم. اعقد لفظ الله هذا واحد.
الطالب : السلام الملك.
الشيخ : الملك قالها السلام المؤمن.
الطالب : العزيز الجبار المتكبر الخالق.
الشيخ : نعم.
الطالب : البارئ المصور.
الشيخ : هذا عشرة عشرة. نطالبك بسبعة. استرح. من يدركها ؟ تفضل .
الطالب : ...
الشيخ : اه.
الطالب : ... .
الشيخ : طيب نعد.
الطالب : الله.
الشيخ : نعم.
الطالب : الرحمن الرحيم.
الشيخ : الرحمن الرحيم.
الطالب : الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرازق الباقي المصور.
الشيخ : المصور كم هذه؟ طيب استرح.

الشيخ : يجب أن نعلم قواعد مهمة في أسماء الله. أولا : أسماء الله تبارك وتعالى أعلام وأوصاف أعلام وأوصاف. العَلَم ما يعين المسمى والوصف معنى زائد على التعيين. فمثلا نسمي الأسد هِزَبْر نسميه هزبر والضِرغام هذه أعلام تعين مسماها. نعرف إذا قلنا الهزبر أو الضرغام أنه الأسد. لكن هناك أسماء تفيد معنى آخر غير الدلالة على المسمى. وهي جميع أسماء الله عز وجل فإنها أعلام وأوصاف. وليست مجرد أعلام كما قاله المعتزلة الذين ينكرون دلالتها على صفات الله. بل هي أعلام وأوصاف. أضرب لكم مثلا العليم من أسماء الله. وما الوصف الذي تضمنه؟ العلم. هو ليس العليم مجرد اسم فقط بل هو اسم وصفة. فأسماء الله إذن أعلام وأوصاف. ومعنى قولنا أعلام أنها دالة على ذات الله عز وجل. ومعنى قولنا أوصاف أنها تحمل معنى يدل عليه الاسم. ولا يتم الإيمان إلا بأن تؤمن بأنها أعلام وأوصاف. فلو آمنت بأن السميع من أسماء الله فقط دون أن تؤمن بأنه يتضمن السمع فإنك لم تؤمن به. لابد أن تؤمن بالاسم وبما دل عليه من صفة. واضح يا جماعة؟ الخالق فيه الدلالة على الله وعلى صفة الخلق. الرازق الدلالة على الله وعلى صفة الرزق. الغفور الدلالة على الله وعلى صفة المغفرة. وهلم جرا. فهي أعلام وأوصاف. هذا واحد.

الشيخ : القاعدة الثانية : هل أسماء الله عز وجل محصورة بعدد معين لا تزيد عليه أو غير محصورة؟ هذا سؤال الجواب عليه : أسماء الله تعالى غير محصورة ما ندركها كلها. أعلمنا الله تعالى بشيء من أسمائه واستأثر بعلم أسماء أخرى. ويدل لهذا حديث عبد الله بن مسعود في دعاء الهم والكرب : ( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ). الشاهد من هذا قوله : ( استأثرت به في علم الغيب عندك ) فإن استئثار الله بعلم الشيء يعني أنه ليس محصورا ولا يمكننا حصره. وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) فالمعنى أن من أسمائه هذا العدد الذي إذا أحصاه الإنسان دخل الجنة. طيب.

الشيخ : أسماء الله هل هي توقيفية أو قياسية؟ بمعنى هل إن أسماء الله يُقتصر فيها على ما ورد ولا يقاس عليه أو هي قياسية؟
الجواب : بالأول أن أسماء الله توقيفية. فليس لنا أن نسمي الله بما لم يسم به نفسه لأن الله أعلم بنفسه وبغيره. فلو كان له هذا الاسم لأنزله في كتابه. فأسماء الله إذن توقيفية لا يمكن لأحد أن يحدث اسما من أسماء الله لم يسم به نفسه لا في القرآن ولا في السنة. وأهم شيء من هذه القواعد أن نعلم أن أسماء الله أسماء أعلام وإيش؟ وأوصاف. طيب. نبدأ بما تيسر من الكلام على هذه الأسماء الموجود في آخر سورة الحشر (( هو الله الذي لا إله إلا هو )).

الشيخ : الله هو أصل الأسماء وأعمها وأشملها. ولهذا تجد السنة تقول جاءت به قال الله تعالى قال الله تعالى قال الله تعالى. استبدل بعض الناس عنها بكلمة قال الحق. ولا شك أن الله هو الحق المبين. لكن لماذا نعدل عن طريق السلف؟ قال الله تعالى نأتي بقال الحق. دلالة الله أي هذا الاسم على الرب عز وجل أبلغ في القلوب من دلالة الحق ، لأن فيها الألوهية التي هي العبادة. أما الحق ففيها أن الله هو الحق الثابت الحقيقة الذي لاشك فيه. لكنه ليس كدلالة الله على العبادة. المهم أن التعبير بقال الله أحسن من التعبير بقال الحق. (( كذلكم قال الله من قبل )).