تفسير آيات من سورة الواقعة والمراد بالواقعة.
أما بعد : أيها الاخوة ، فإننا استمعنا فيما استمعنا إليه من كلام الله عز وجل سورة الواقعة التي ابتدأها الله تعالى بقوله : (( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا )) إلى آخره.
والمراد بالواقعة يوم القيامة، وقد سمى الله سبحانه وتعالى هذا اليوم بأسماء عظيمة، توجب للإنسان المؤمن أن يستعد لهذا اليوم العظيم الذي يبعث الناس فيه ليجازوا على أعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
يقول الله عز وجل : (( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا )).
معنى قوله تعالى :" وكنتم أزواجا ثلاثة . فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون أولئك المقربون ".
الأول: السابقون، والثاني : أصحاب اليمين، والثالث : أصحاب الشمال.
أما السابقون فقال : (( السابقون السابقون ))، وهاتان الكلمتان هما كلمة واحدة، لكن لكل كلمة معنى، السابقون إلى الخيرات هم السابقون يوم القيامة إلى الثواب، وليست هي كلمة مترادفة، بل هي كلمة لكل واحدة منها معنى، فكل من سبق في هذه الدنيا إلى العمل الصالح فإنه يسبق يوم القيامة إلى الثواب، ولهذا كان الناس يمرون على الصراط وهو الجسر المنصوب على جهنم، يمرون عليه على قدر أعمالهم، بحسب قبولهم ومسارعتهم إلى الخير واجتناب الشر.
هؤلاء السابقون هم المقربون إلى الله عز وجل، وهم أقرب المؤمنين إلى الله، ونحن نعلم أن الجنات درجات بعضها فوق بعض حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أهل الجنة ليتراءون إلى أصحاب الغرف العالية كما يتراءا الناس إلى الكوكب الدري الغابر في الأفق ) يعني: ينظرون إليهم أنوارا تتلألأ عالية جدا، لأن لكل درجات مما عملوا.
ثم ذكر الله جزاءهم، وذكر جزاء أصحاب اليمين، ثم جزاء أصحاب الجحيم أصحاب الشمال.
2 - معنى قوله تعالى :" وكنتم أزواجا ثلاثة . فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون أولئك المقربون ". أستمع حفظ
معنى قوله تعالى :" إنهم كانوا قبل ذلك مترفين - إلى قوله - لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم "
(( إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم ))، الحنث : الإثم، يصرون عليه، ولا يبالون به، وهو الشرك والكفر بالله عز وجل.
(( وكانوا يقولون )) منكرين للوعد الحق البعث (( أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ )) والاستفهام هنا للإنكار يعني ينكرون أن يبعثوا، يقولون: كيف نبعث وقد كنا عظاما ورفاتا؟ بل يقولون : كيف نبعث ويبعث آباؤنا الأولون؟ فيزيدون إنكارا على إنكار والعياذ بالله، إنكار أن يبعثوا وإنكار أن يبعث آباؤهم الأولون.
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في آية أخرى أنهم كانوا يتحدون ويقولون: إيتوا بآبائنا إن كنتم صادقين؟ يعني إن كنتم صادقين في البعث فاءتوا بآبائنا الذين ماتوا من قبل.
وهذا التحدي تحدي مكابرة، لأن الرسل عليهم الصلاة والسلام لم يقولوا للناس إن آباكم سيبعثون في الدنيا حتى يكون لهذا التحدي وجه، بل قالوا ستبعثون متى؟ في الآخرة يوم القيامة، وليست الرسل تقول : إنكم ستبعثون اليوم حتى يقولون أين آباؤنا إن كنتم صادقين. قال الله عز وجل : (( قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم )) الأولون والآخرون كلهم سيبعثون إلى ميقات يوم معلوم، وهذا اليوم المعلوم هل هو بعيد أو قريب؟
الطالب : قريب.
الشيخ : قريب، هذا اليوم قريب، ولكن الله تعالى يؤخره إلى أجل معلوم (( وما نؤخره إلا لأجل معدود ))، وما أحرى المعدود أن ينتهي.
ولذلك تمر الأيام على الإنسان وكأنها ساعة من نهار، كم مر علينا منذ العام الماضي من أيام ومن ساعات ومن دقائق ومن ثواني ومن لحظات، كم مر علينا ؟ مر علينا شيء كثير وكأنه لحظة واحدة. (( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ))، هذا الوقت المحدود المعدود ما أقربه! ما أقرب ما يقال فلان مات! وانتهى كل شيء، انتقل من الدنيا إلى الآخرة، ولم يبق لديه إلا العمل الصالح، ثم إذا بعث فالمجرمون يقولون : (( يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ))، كأنها نومة مهما طالت المدة وهو في القبر فكأنها نومة يقول (( يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ))، وإذا بالآخرة وإذا الإنسان يشاهد الحق، وإذا الناس ينقسمون فريق في الجنة وفريق في السعير، (( قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم )).
3 - معنى قوله تعالى :" إنهم كانوا قبل ذلك مترفين - إلى قوله - لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " أستمع حفظ
معنى قوله تعالى :" ثم إنكم أيها الضالون المكذبون - إلى قوله - نزلهم يوم الدين "
نعوذ بالله من هذا النزل.
(( أيها الضالون )) في عملكم (( المكذبون )) لرسلهم، فهم ضالون في العمل مكذبون للخبر (( لآكلون من شجر من زقوم )) وهذا الشجر والعياذ بالله شجر خبيث الرائحة خبيث الطعم كريه المنظر، قال الله تعالى في وصف هذه الشجرة : (( طلعها كأنه رؤوس الشياطين )) يأكلون هذا تجرعا لا عن لذة وشهوة، ومع ذلك فإنهم يملؤون منها بطونهم، مكرهين على هذا، ثم يعطشون عطشا شديدا، وإذا عطشوا فإن الماء لا يأتي إليهم بسهولة، بل يستغيثون ويسألون ويلحون (( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه )) نسأل الله العافية، (( يغاثوا بماء كالمهل )) من شدة حرارته (( يشوي الوجوه )) إذا أدنوه إلى وجوههم ليشربوا منه شوى وجوههم والعياذ بالله من شدة حرارته.
وهنا يقول : (( فمالؤون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم ))، الهيم هي الإبل العطاش، والإبل كما نعلم تشرب ماء كثيرا ولا سيما إذا كانت عطشى.
هذا الذي ذكر الله سبحانه وتعالى لهؤلاء المترفين في الدنيا الذين يصرون على الكفر والتكذيب إذا تأمله الإنسان فإنه يوجب لكل إنسان عاقل أن يفر من حال هؤلاء فراره من الأسد، وأن يتجنب كل ترف وتنعم يوجب له الكفر والتكذيب.
معنى قوله تعالى :" فلولا إذا بلغت الحلقوم - إلى قوله - فلولا إن كنتم غير مدنيين ترجعونها إن كنتم صاقين "
قال الله تعالى : (( فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )) (( لولا )) بمعنى هلا (( إن كنتم غير مدينين )) وهذا تحذير مشرب بالتحدي، يعني إن كنتم غير مجزيين بأعمالكم فردوها، ردوا الروح التي بلغت الحلقوم حتى ترجع في البدن، هل يمكن هذا؟ الجواب : لا يمكن أبدا.
ثم ذكر الله تعالى أن حال هؤلاء المحتضرين تنقسم إلى ثلاث أحوال : مقربون، وأصحاب يمين، وأصحاب شمال.
أما المقربون وأسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
5 - معنى قوله تعالى :" فلولا إذا بلغت الحلقوم - إلى قوله - فلولا إن كنتم غير مدنيين ترجعونها إن كنتم صاقين " أستمع حفظ
معنى قوله تعالى :" فأما إن كان من المقربين - إلى قوله - إن هذا لهو حق اليقين "
(( وأما إن كان من المكذبين الضالين )) وهم أصحاب الشمال (( فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين )) وسوف يجده المكذب إذا نزل به الموت، ربما يكذب الإنسان بهذا أو يشك، ولكن إذا نزل به الموت وعاين الحق عرف الحق.
في هذه الآية أو في هذه الآيات الأخيرة دليل على إثبات عذاب القبر، وعذاب القبر ثابت بدلالة القرآن والسنة وإجماع أهل الحق.
أما القرآن ففيه عدة آيات تشير إلى ذلك، منها هذه الآية (( إن كان من المقربين فروح وريحان )) متى يكون هذا؟ عند الاحتضار، وهذا يدل على أنه ينعم في قبره، (( إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم )) متى؟ عند الاحتضار، عند الموت، وهذا دليل على أنه يعذب في قبره. والمسلمون جميعا يقولون في صلاتهم : أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، وهذا إثبات له، لأنه لا يستعاذ إلا من شيء موجود، فيخشى الإنسان أن ينزل به، فيستعيذ بالله منه.
شرح حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال:" إنهما ليعذبان .." الحديث وما يستفاد منه.
معنى قوله : ( لا يستنزه من البول ) أي أنه لا يهتم بطهارة نفسه، يصيب البول ثوبه فلا يغسله، يصيب بدنه فلا يغسله ولا يهتم به.
أما الثاني فكان يمشي بالنميمة، وماهي النميمة؟ النميمة أن ينقل الإنسان كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم، فيأتي إلى الشخص ويقول : يا فلان ما سمعت كلام فلان فيك؟ وش الي قال؟ يقول : فلان بخيل وفلان سيء وفلان فاسق وفلان كذاب وفلان ظالم، وما أشبه ذلك. عرفت النميمة؟ ما هي؟
الطالب : نقل الكلام على وجه الإفساد.
الشيخ : نقول أجب
الطالب : نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد.
الشيخ : نقل الكلام بين الناس للإفساد بينهم. مثاله: يأتي إلى شخص ويقول : إن فلانا يقول فيك كذا وكذا، لأجل أن يفرق بينهما.
هذا النمام قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة قتات )، أي نمام، هذا النمام يعذب في قبره قبل يوم القيامة - نسأل الله العافية - .
وفي الحديث : ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير )، كيف يقول : ( ما يعذبان في كبير ) مع أن عدم التنزه من البول والنميمة من كبائر الذنوب؟
قال أهل العلم : المراد بقوله : ( وما يعذبان في كبير ) أي: في أمر شاق عليهما، فهو أمر سهل، لكن مع ذلك تهاونا به فأوقعهما في العذاب.
( ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين. فغرز في كل قبر واحدة. فقالوا : لم صنعت هذا يا رسول الله؟ قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ). أخذ بعض الناس من هذا الحديث أنه ينبغي أن يوضع على القبر جريدتان أو غصن أخضر من أي شجرة، فهل هذا الأخذ من هذا الحديث صحيح أو غير صحيح ؟ أنتم تقولون صحيح أو غير صحيح؟
الطالب : غير صحيح.
الشيخ : غير صحيح، نعم غير صحيح، ولا يجوز أن يستدل بهذا على أنه يستحب أن يوضع جريدة أو غصن شجرة أو ما أشبه ذلك على القبر، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن هذا لأمته مطلقا، وإنما فعله حين كشف له عن هذين الرجلين أنهما يعذبان، ولهذا استغرب الصحابة ذلك وقالوا : لم صنعت هذا؟ وهذا دليل على أنه ليس من سنته أن يفعل هذا في كل قبر، وأيضا إنما يفعل هذا حين نعلم أن صاحب القبر يعذب، وهل عندنا علم بأن صاحب القبر يعذب؟ لا.
ولهذا نقول للرجل إذا وضع مثل هذا على قبر قريبه: أنت الآن أول من يقدح في قريبك، وأول من يتهمه بالسوء، كيف ذلك ؟ لأن هذه الجريدة أو نحوها لا توضع إلا على من يعذب، فكأنك بوضعك لهذه الجريدة شهدت على قريبك بأنه يعذب، وهذا من أكبر القدح فيه. ولهذا نقول لهؤلاء الإخوة الذين يصنعون مثل هذا الشيء: تأملوا ما صنعتم تجدوا أنكم قد أخطاتم في ذلك، لأنكم الآن أو لأن لازم فعلكم أن هذا الذي في القبر يعذب، فأنت إذن أول قادح في قريبك من أب أو عم أو خال أو جد أو جدة أو ما أشبه ذلك.
طيب، المهم أن عذاب القبر ثابت بدلالة الكتاب والسنة، وقد أجمع عليه أهل الحق وأثبتوا ذلك في عقائدهم.
ولكن لو قال قائل : هل عذاب القبر من الأمور المحسوسة بحيث لو كشف عن صاحب القبر لوجد أثر العذاب فيه أو من أمور الغيب؟
نقول : هو من أمور الغيب، وهذه الأمور لا يمدح الإنسان فيها لو كان يشاهدها، لأن الإيمان بها لو كانت تشاهد إيمان بمشاهد لا يمدح عليه الإنسان.
لو قيل لك : يا فلان، هل تؤمن بهذه المنارات التي توجد بالمسجد الحرام؟ فقلت : نعم، هل في هذا مدح؟ ليس فيه مدح، الشيء المشاهد لا يمدح الإنسان على الإيمان به، لأنه لا يمكن إنكاره إلا مكابرة، لكن الذين يمدحون هم الذين يؤمنون بالغيب، ولهذا جعل الله هذه الأمور غيبا لا أحد يطلع عليها، ولا أحد يعلم بها إلا عن طريق الرسل، ولولا أن الله أخبرنا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأمور ما كنا نعلمها أبدا لأنها أمور غيبية، لا تمكن الإحاطة بها علما إلا عن طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام.
هذا ما أردنا أن نتكلم عليه فيما يتعلق بما سمعناه من قراءة أئمتنا، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الانتفاع بكتابه وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
عندنا الآن الحديث.
الطالب : الخامس.
الشيخ : الحديث الخامس، حديث ابن مسعود انتهينا من الكلام عليه، وفيه مسائل تحتاج إلى مناقشة الآن.
اصبر بارك الله فيك، ما جاء وقت السؤال، انتظر، السؤال له وقت، لا ما هي دقيقة، أكثر من دقيقة.
7 - شرح حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال:" إنهما ليعذبان .." الحديث وما يستفاد منه. أستمع حفظ
المناقشة حول الشطر الأخير من حديث ابن مسعود السابق "وإن الرجل ليعمل بعمل ....".
الطالب : يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس.
الشيخ : لا لا، أريد ( حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع )؟
الطالب : قرب الأجل.
الشيخ : هذا كناية عن قرب الأجل، لأن الجنة والنار إذا مات الإنسان عرف أنه في جنة أو نار. طيب. استرح.
إذا قال قائل : كيف يختم لهذا الرجل الذي يعمل العمل الصالح إلى قرب أجله، كيف يختم له بهذه الخاتمة السيئة؟ نعم، الأخ؟
الطالب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس ). والآخر يعمل بعمل أهل النار فيما يظهر للناس.
فيما يظهر للناس مرائي، يعمل أعمالا صالحة وطيبة، ولكن في القلب دسيسة خبيثة.
الشيخ : أدت به إلى سوء الخاتمة.
الطالب : ... .
الشيخ : أحسنت.
إذن نقول : هذا الرجل يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، لكن في قلبه دسيسة خبيثة أدت إلى هلاكه وإلى سوء خاتمته.
طيب، هل مثلنا بأمثلة لمثل هذه الدسائس الخبيثة؟
الطالب : الرجل الذي كان يجاهد فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليه : ( هو من أهل النار )، فراقبه أحد الصحابة فلما ضرب أخذ السيف فوضعه في صدره واتكأ عليه.
الشيخ : اتكأ عليه حتى خرج من ظهره، نحن أيضا ذكرنا أسبابا لهذه الدسائس، مثل ايش؟
الطالب : ... .
الشيخ : أي نعم. استرح. الحسد.
الحسد هذا دسيسة خبيثة، ربما يؤدي بالإنسان إلى سوء الخاتمة.
والحسد ذكرنا أنه كراهة نعمة الله على الغير، إذا أنعم الله على عباده نعمة كره الإنسان أن ينعم الله على هذا الرجل هذه النعمة، فهذا حسد. ويجب على الإنسان إذا أحس من نفسه هذا الخلق الذميم، يجب عليه أن يحاول التخلص منه، وأن يحدث نفسه فيقول : كيف تحسد هذا الرجل على نعمة الله؟ من الذي أنعم عليه بهذه النعمة؟ هو الله، وأنت إذا كرهت هذه النعمة التي أنعم الله بها عليه فكأنك كرهت قدر الله عز وجل. طيب.
ذكرنا أيضا مثالا آخر؟ نعم.
الطالب : الحقد على الإسلام.
الشيخ : أي نعم، الحقد على الإسلام والمسلمين، بحيث يكره الإنسان المسلمين إما على سبيل العموم أو على سبيل الخصوص. طيب، وغيره؟
الطالب : الربا.
الشيخ : الربا، وإن كان الربا في الواقع من الأعمال الظاهرة، لكن المتعاطي بالربا قد يصاب بسوء الخاتمة والعياذ بالله. طيب. استرح. الي خلف.
الطالب : النفاق.
الشيخ : تفضل.
الطالب : النفاق.
الشيخ : قف قائما.
الطالب : النفاق
الشيخ : كيف النفاق؟
الطالب : يظهر الحق ويخفي الباطل.
الشيخ : يعني هو مؤمن ظاهره، لكنه يكره الإسلام، هو يعمل بالإسلام ولكن يكرهه ويتثاقله، أليس كذلك؟ استرح.
يعني يكون الإنسان يعمل العمل الصالح ويفعله، لكن يكرهه ويتثاقله، ولولا أن الناس يعملونه لم يعمله، هذه مشكلة مصيبة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر )، فالصلوات والعبادات ثقيلة على هذا الرجل مثلا، لكن يرى الناس يفعلون فيفعل، ليس يفعلها انقيادا ورغبة ومحبة، لكن لأن الناس يفعلون فيفعل - أسأل الله لي ولكم العافية من هذا وأمثاله -.
طيب، على كل حال الله سبحانه وتعالى أكرم من عبده، لو صدق الإنسان في معاملة الله وكان عمله بعمل أهل الجنة عن صدق ورغبة في الخير ومحبة لله وتعظيما لله ما ساءت خاتمته، لأن الله أكرم من عبده، لكن كل هذه الأعمال الظاهرة على خلاف ما في القلب، فلذلك ابتلي بسوء الخاتمة.
ذكر أمثلة لحسن الخاتمة مع الحرص على سؤال الله ذلك.
الطالب : الرجل الذي أسلم ومن ثم دخل إلى الجهاد، وقتل ولم يصل لله ركعة، ولم يركع لله ركعة.
الشيخ : أي، ما تتذكر تعطينا اسمه.
الطالب : ...
الشيخ : نعم، يلا.
الطالب : ... .
الشيخ : لا لا، طيب.
الطالب : الأصيرم بن عمرو.
الشيخ : من بني عبد الأشهل.
الطالب : طيب، هذا الأصيرم من بني عبد الأشهل، رجل كافر، ولما سمع الصيحة أو الهيعة في غزوة أحد خرج رضي الله عنه إلى القتال. فقاتل فقتل شهيدا، فمر به أصحابه وهو في آخر رمق وآخر حياته، وقالوا له : ما جاء بك؟ لقد عهدناك تكره هذا الأمر - أي هذا الدين -. فأخبرهم أنه لما سمع الهيعة خرج وقاتل وطلب منهم أن يبلغوا رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام منه، فبلغوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فصار هذا الرجل خاتمته الشهادة ومعه السعادة.
ذكرنا أن هذه الجملة توجب ترغيبا وترهيبا ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار )، أي الجملتين التي توجب الترهيب؟
الطالب : الذي يعمل بعمل أهل الجنة ثم يعمل بعمل أهل النار.
الشيخ : أحسنت. طيب. التي توجب الترهيب : الذي يعمل بعمل أهل الجنة ثم يختم له بعمل أهل النار.
كل إنسان يخاف أن يختم له بالخاتمة السيئة، ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ( الأعمال بالخواتيم ). - أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة - .
فينبغي للإنسان دائما أن يسأل الله حسن الختام، فيقول : اللهم اجعل خير أعمالنا آخرها وخير أعمالنا خواتيمها، ( ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ).
وأي الجملتين توجب الأمل والرجاء؟
الطالب : من يعمل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة.
الشيخ : نعم. طيب.
الذي يعمل بعمل أهل النار ثم يعمل بعمل أهل الجنة، هذه توجب الأمل والرجاء، ولذلك لا تيأس، بعض الناس الآن إذا رأى شخصا ضالا أو كافرا وقيل له : ادعه إلى الخير وإلى الحق؟ قال : لا، هذا ما هو مهتد، والعياذ بالله، لا، هذا لا يجوز، اجعل الأمل أمامك مفتوحا وادعه إلى الخير، وربما يسلم ويؤمن حتى يجعل الله سبحانه وتعالى هدايته على يدك، وكم من أناس كانوا في الأول على جانب كبير من الفسق فهداهم الله حتى صاروا من أقوم الناس دينا.
نعم، الآن نبدأ نأخذ الحديث، من قارئ الليلة؟ أنت؟ طيب.
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم.
شرح الحديث الخامس من كتاب الأربعين النووية : وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم :"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى : وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشيخ : قلت وعن ؟
القارئ : عائشة.
الشيخ : اقرأ الكلام، اقرأ اقرأ.
القارئ : وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشيخ : كيف تقول رضي الله عنهما، عندك رضي الله عنهما؟ غلط، عنها، يلا.
القارئ : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ). رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
الشيخ : طيب. بسم الله الرحمن الرحيم.
يقول المؤلف رحمه الله في الحديث الخامس : عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها.
أم المؤمنين عائشة هي بنت أبي بكر الصديق، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي صغيرة لها ست سنوات، ودخل عليها وهي صغيرة أيضاً لها تسع سنوات، ومات عنها ولها ثماني عشرة سنة، ومع ذلك كان عندها من العلم الكثير ما نفع الله به الأمة.
وقوله : " أم عبد الله " هذه كنيتها، والصحيح أنها لم تلد، لم يأتها ولد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سقط ولا كامل، هذا هو الصحيح، لكن تكنت بهذه الكنية، قيل: إنها تكنت بها، لأن ابن أختها أسماء عبدالله بن الزبير كان محبوبا لديها، فكانت تتكنى به، والله أعلم لأي سبب تكنت بأم عبد الله، المهم أنه ليس لها ولد اسمه عبد الله.
تقول: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).
( أحدث ) : أي أتى بشيء جديد، و ( في أمرنا ): أي في ديننا، ( ما ليس منه ): أي باعتبار الشرع، فهو رد.
( رد ) بمعنى مردود، وكلمة ( رد ) يعرف القارؤون في اللغة العربية أنها مصدر، والفعل رد يرد ردا، ولكن أنتم قلتم الآن إن رد بمعنى مردود، يعني جعلتم المصدر بمعنى اسم المفعول، فهل يأتي المصدر بمعنى اسم المفعول في اللغة العربية؟ نعم يأتي، أين الشاهد من غير هذا الحديث؟
الطالب : ... .
الشيخ : لا، هذا فعيل بمعنى مفعول، لكن نريد المصدر بمعنى اسم المفعول؟ نعم.
الطالب : ... .
الشيخ : ارفع صوتك.
الطالب : ... .
الشيخ : طيب. استرح. نعم.
الطالب : ... .
الشيخ : لا.
الطالب : ... .
الشيخ : ايش؟
الطالب : ... .
الشيخ : نريد المصدر مو اسم الفاعل.
الطالب : ... .
الشيخ : ايش من كيسك؟ جبلنا شاهد من العربية.
الطالب : ... .
الشيخ : لو كان كذلك لقلنا: إتيان بمعنى مأتي، وسد بمعنى مسدود.
الطالب : ... .
الشيخ : طيب، (الحمل) مصدر بمعنى (محمول). الحمل الي في البطن أو لا ؟ (( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهم )) أولات حمل أي أولات محمول، أي صاحبات حمل، وهو الحمل في البطن.
على كل حال اللغة العربية يأتي فيها المصدر بمعنى اسم المفعول، أي مردود.
في هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بجملة شرطية أن من أحدث في دين الله ما ليس منه فهو رد مردود على صاحبه، و إن كان أحدثه عن حسن نية فإنه لا يقبل منه، لأن الله لا يقبل من الدين إلا ما شرع.
10 - شرح الحديث الخامس من كتاب الأربعين النووية : وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم :"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". أستمع حفظ
قاعدة : الأصل في العبادات الحضر والمنع حتى يقوم دليل على المشروعية والأصل في المعاملات والأفعال والأعيان الإباحة .
على العكس من ذلك الأصل في المعاملات والأفعال الأصل فيها الإباحة، الأصل في المعاملات والأفعال والأعيان الأصل فيها الإباحة.
المعاملات يعني مثل: البيع والشراء والإجارة والرهن والوقف وغير ذلك، الأصل فيها الحل حتى يقوم دليل على المنع.
فلو قال قائل لك : هذا البيع حرام، ماذا تقول له؟ أقول هات الدليل، إذا جئت بدليل فعلى العين والرأس، وإلا الأصل الحل.
الأصل في الأعمال أيضا وهنا نقول الأعمال غير التعبدية، الأصل في الأعمال الحل، فلو قال قائل مثلا: عملك هذا حرام، ليش مثلا تجعل في بيتك هذا العمل؟ ليش تجعل في سيارتك هذا الشيء؟ ليش تجعل في قلمك هذا الشيء؟ في ثوبك هذا الشيء؟ فما هو الأصل؟ الإباحة.
نقول : هات الدليل على أن هذا ممنوع وعلى العين والرأس.
الأصل في الأعيان الحل حتى يقوم دليل على المنع، ويش الأعيان؟ يعني مثل المأكولات والمشروبات، وكذلك الأواني وغيرها، الأصل فيها الحل حتى يقوم دليل على المنع.