الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد: فهذا هو اللقاء الرابع في شهر رمضان عام أربع عشر واربعمائة وألف الذي رتبه مكتب الدعوة في عنيزة في الجامع الكبير وهذا هو اللقاء الأخير باعتبار هذا العام نسأل الله تعالى أن يحسن لنا ولكم الختام
اقترح علينا الشيخ محمود في اللقاء السابق أن نتكلم على تفسير سورة سبح والكافرون والإخلاص على وجه مختصر وذلك لأن هذه السور الثلاث تقرأ في صلاة الوتر إذا أوتر الإنسان بثلاث وتقرأ سورة سبح في صلاة الجمعة وتقرأ كذلك في صلاة العيدين وتقرأ سورة الكافرون والإخلاص في سنة الفجر وفي ركعتي الطواف وفي سنة المغرب أيضا كلتاهما أعني السورتين (( قل يا أيها الكافرون )) و (( قل هو الله أحد )) تقرأ في هذه الصلوات لذلك كان الإلمام بشيء من تفسيرها من الأمور المفيدة فنقول وبالله نقول ونسأله الصواب وأن يعصمنا وإياكم من أن نقول في كلامه ما لا نعلم لأن كلام الله سبحانه وتعالى لا يجوز للإنسان أن يتكلم فيه بما لا يعلم لأنه أي المتكلم في كتاب الله يشهد على الله أنه أراد بكلامه كذا وكذا وهذه مسألة خطيرة لو أنك فسرت كلام عالم من العلماء وأخطأت لكان الأمر هينا بالنسبة إلى تفسير كلام الله ورسوله لذلك يجب على الإنسان أن يتحرز بالنسبة لتفسير كتاب الله عز وجل وألا يأخذ تفسيره إلا من ألسن العلماء الموثوقين أو من كتب التفسير الموثوقة.

الشيخ : يقول الله عز وجل : بسم الله الرحمن الرحيم هذه البسملة يؤتى بها في أول كل سورة أول سورة الفاتحة وآخر سورة الناس يؤتى بها في أول كل سورة إلا في سورة براءة فإنه ليس فيها بسملة لأنها لم تنزل للفصل بينها وبين الأنفال ولهذا أشكلت على الصحابة رضي الله عنهم فجعلوا بينهما فاصلا دون أن يضعوا البسملة وهذا يدل على شدة تحري الصحابة للقرآن الكريم وأنهم يتحرون فيه الشيء المؤكد دون الشيء الذي ليس بمؤكد هذه البسملة يؤتى بها في كل سورة ولكنها ليست من السورة التي تليها يعني ليست من الفاتحة ولا من البقرة ولا من آل عمران ولا من سورة الناس ولا من السور التي بين ذلك بل هي آية مستقلة هذا هو القول الراجح وذهب بعض العلماء إلى أنها آية من الفاتحة وليست آية من غيرها ولكن الصحيح أنها ليست آية لا من الفاتحة ولا من غيرها بل هي آية مستقلة وعلى هذا فتكون آيات الفاتحة كالتالي : الآية الأولى (( الحمد لله رب العالمين )) الآية الثانية (( الرحمن الرحيم )) الآية الثالثة (( مالك يوم الدين )) الآية الرابعة (( إياك نعبد وإياك نستعين )) الآية الخامسة (( اهدنا الصراط المستقيم )) الآية السادسة (( صراط الذين أنعمت عليهم )) الآية السابعة (( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) وهذه القسمة هي التي تجعل السورة نصفين الثلاث آيات الأولى منها لله والثلاث الأخيرة منها للعبد والرابعة منها بين الله وبين العبد فتبين أن الآية الوسطى هي قوله تعالى : (( إياك نعبد وإياك نستعين )) وقبلها ثلاث آيات وبعدها ثلاث آيات.

الشيخ : يقول الله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم (( سبح اسم ربك الأعلى )) أي نزه الله عز وجل التسبيح التنزيه نزه الله عن إيش ؟ عن كل نقص فالله تعالى كامل في ذاته وفي أسماءه وفي صفاته (( سبح اسم ربك الأعلى )) الذي هو فوق كل شيء جل وعلا فوق كل شيء لأنه استوى على العرش والعرش فوق المخلوقات الأرضون السبع والسماوات السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض حلقة الدرع صغيرة ألقها في فلاة من الأرض كم تستوعب من هذه المسافة؟ اجيبوا لا شيء قال : ( وفضل اعرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة ) إذن الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض والرب عز وجل فوق العرش وأكبر من كل شيء فهو الأعلى جل وعلا (( سبح اسم ربك الأعلى )).

الشيخ : (( الذي خلق فسوى )) هو الخالق هو الذي بدأ الكون بديع السماوات والأرض فسوى أي سواه من التسوية يعني أنه جعله خلقا سويا كاملا ليس فيه تناقض ولا اختلاف (( والذي قدر فهدى )) يعني قدر المقادير عز وجل وكان هذا التقدير قبل أن يخلق الله السماوات والأرض لأن الله تعالى خلق القلم والقلم لا تظن أنه كأقلامنا هذه قلم لا يعلمه إلا الله ثم أمره أن يكتب في اللوح المحفوظ اللوح المحفوظ ما هو ليست كألواحنا من خشب أو حديد أو زجاج أو ما أشبه ذلك لا نعلم من أين هو ولا تظنه صغير قال بعض العلماء إنه يسع السماوات والأرض هذا اللوح لأنه كتب فيه كل شيء ( خلق الله القلم قال له : اكتب قال القلم : رب وما أكتب ؟ ) لم يقل لن أكتب ( قال وما أكتب ) إذن هو عقل المعنى قال : ( اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة كتب في اللوح المحفوظ في كم مدة ؟ اجيبوا (( وما أمرنا إلا واحدة )) إيش ؟ (( كلمح بالبصر )) القلم كتب في الحال كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة .
(( والذي قدر فهدى )) أي فهدى المخلوقات هدى كل مخلوق لما خلق له هدى الآدمي حتى إن الجنين يسقط من بطن أمه وما الذي يطلب ؟ يطلب الثدي من الذي دله على الثدي ؟ أمه لو علمته ما نفعه التعليم لأنه طفل سقط الآن لكن الذي هداه هو الله عز وجل قال تعالى : (( وهديناه النجدين )) قال بعض العلماء : " أي الثديين " هو الذي اهتدى
أيضا الحوار حوار البعير يسقط من بطن أمه ومن الذي يدله على ضرع الأم ليشرب اللبن الأم لا تعرف وهو لا يعرف ولكن يهديه الله عز وجل. (( قدر فهدى )) جل وعلا كل مخلوق هداه لما خلق له حتى الحشرات مهدية لما خلقت له.

الشيخ : (( والذي أخرج المرعى * فجعله غثاء أحوى )) أخرج المرعى أي النبات والزروع فجعلها غثاء أحوى الغثاء معروف هو ما يحمله السيل من القشور والأعواد وما أشبه ذلك (( أحوى )) أسود قيل في معنى الآية أن الله تعالى جعل المرعى أخضر خضرة تامة حتى كاد لشدة خضرته أن يكون أسود وقيل بل المعنى أن هذا المرعى والنبات الغض الخضر يجعله الله تبارك وتعالى هامدا يابسا وهذا مثال لأعمال الكفار نضرة حسنة لكنها لا تنفعهم فالله أعلم.

الشيخ : (( سنقرئك فلا تنسى . إلا ما شاء الله )) سنقرئك من الذي يقرئ ؟ الله عز وجل يقرئ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بواسطة جبريل قال الله تعالى : (( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قراناه )) من الذي يقرأه ؟ جبريل لكن أضاف الله القراءة إليه لأن جبريل رسوله (( فإذا قراناه فاتبع قرءانه ثم إن علينا بيانه )) وهنا قال : (( سنقرئك فلا تنسى )) أي فلا تنسى ما نقرؤك بل سيبقى ويمكث في قلبك حتى تبلغه للناس (( إلا ما شاء الله )) يعني لكن إن شاء الله تعالى أن ينسيك آية من القرآن أنساك الله كما قال تعالى : (( ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها )).

الشيخ : (( إنه يعلم الجهر وما يخفى )) إنه أي الله عز وجل يعلم الجهر أي ما يجهر به الناس وما يخفى ما دون ذلك فهو يعلمه جل وعلا مهما نطقت من كلمة فالله يعلمها سرا كانت أو خفاء (( وسنيسرك لليسرى )) يعني النبي صلى الله عليه وسلم وعده الله بأنه ييسره لليسرى وما هي اليسرى ؟ اليسرى هي التيسير في كل شيء ولهذا كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم ميسرا فعمل عليه الصلاة والسلام أعمال أهل اليسرى في كل أحواله لأن الله وعده ذلك.

الشيخ : ثم قال : (( فذكر إن نفعت الذكرى )) ذكر الناس بما أوحى الله إليك من كتاب الله لكن إن نفعت الذكرى هذه الجملة قال بعض العلماء : " إن معناها ذكر على كل حال " فهو كقولنا علم فلان إن كان العلم ينفعه وهو معلوم بينفع (( ذكر إن نفعت الذكرى )) يعني والذكرى ستنفع وقال بعض العلماء : " بل هي شرطية والمعنى ذكر في الحال التي تنفع الذكرى فيها وأما إذا أيست ولم تطمع في تذكر الناس فلا تذكر من لا تطمع أن يتذكر "
لكن الأول أحسن (( ذكر إن نفعت الذكرى )) يعني إن كان هؤلاء القوم تنفع فيهم الذكرى ذكر المعنى ذكرهم على كل حال لعلها تنفعهم.

الشيخ : (( سيذكر من يخشى )) قسم الله الناس قسمين بعد أن يذكرهم الرسول عليه الصلاة والسلام رجل يخشى الله عز وجل فهذا يتذكر إذا تليت عليهم آيات الرحمن (( لم يخروا عليها صما وعميانا )) إذا كان يخشى الله وذكر بالله وخوف بالله تذكر وارتدع عن المحرم وقام بالواجب (( ويتجنبها )) أي يتجنب الذكرى (( الأشقى )) الذي كتبت له الشقاوة والعياذ بالله .
(( الذي يصلى النار الكبرى . ثم لا يموت فيها ولا يحيى )) يصلى النار يعني يصلى بها حتى يكون حمما والعياذ بالله (( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب )) والكبرى وصف للنار وليس المعنى أن فيه نار كبرى وصغرى هذا وصف للنار بانها كبرى وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنها ( فضلت على نار الدنيا بتسع وستين جزءا ) وأن نار الدنيا جزء من سبعين جزء من نار الآخرة ومع ذلك يصلاها الأشقى الذي لم يتذكر بالقرآن.
(( ثم لا يموت فيها ولا يحيى )) كيف لا يموت ولا يحيى هل فيه شيء غير الحياة والموت ؟ ما فيه إذن كيف ينفى الحياة والموت ينفى على وجه غير ما نفهم ليس المعنى أنه لا يموت ولا يحيى بل هو إما ميت وإلا حي لكنه لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة كريمة فيسلم من العذاب فالنفي هنا نفي كمال أي لا يموت موتا كاملا فيستريح ولا يحيى حياة كاملة فيسعد في حياته وإلا فإنهم أحياء يتمنون الموت قال الله تعالى : (( ونادوا يا مالك )) من الذي نادي ؟ أصحاب النار (( ونادوا يا مالك )) مالك خازن النار (( ليقض علينا ربك )) يعني ليهلكنا موتنا يستريح قال : (( إنكم ماكثون )) ما فيه موت ولا فيه حياة كريمة فصار لا يموت أي موتا كاملا يستريح به من العذاب ولا يحيى حياة كاملة يسعد بها.

الشيخ : ثم قال تعالى : (( قد أفلح من تزكى . وذكر اسم ربه فصلى )) قد أفلح الفلاح كلمة جامعة لحصول المطلوب والنجاة من المرهوب فهي سعادة (( من تزكى )) أي من زكى نفسه وطهرها من الشرك كما قال تعالى : (( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها )) (( وذكر اسم ربه فصلى )) ذكر اسم ربه في إيش؟ يعني ذكر الله عز وجل فعظمه وقام يصلي لأن الصلاة تشتمل على ذكر الله عز وجل وتنهى عن الفحشاء والمنكر.

الشيخ : ثم قال تعالى : (( بل تؤثرون الحياة الدنيا . والآخرة خير وأبقى )) بل هنا للإضراب الانتقالي لا للإضراب الإبطالي المعنى أنكم بعد هذه الذكرى تؤثرون الحياة الدنيا أي تقدمونها على الآخرة (( والآخرة خير وأبقى )) خير من الدنيا وأبقى من الدنيا فجمعت بين الخير الزمني والخير الذاتي الخير الزمني بماذا ؟ بقوله : (( أبقى )) والذاتي بقوله : (( خير )) ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ( أن موضع سوط أحدنا في الجنة خير من الدنيا ) وما فيها اللهم اجعلنا من أهل الجنة
(( بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى )) الدنيا ليست خيرا وليست بأبقى الدنيا متاعها قليل وما جاء فيها من صفو فإنه يكدر ولهذا قال الشاعر الحكيم :
" لا طيب للعيش ما دامت منغصة *** لذاته بادكار الموت والهرم "
وصدق أي طيب لعيش لذاته منغصة إذا تذكرت الموت والهرم لأنك أنت إن طالت بك الحياة صرت إيش ؟ هرما ضيقت حتى على أهلك وإن مت انتهيت من الدنيا فكيف يطيب العيش ؟
" فلا طيب للعيش ما دامت منغصة *** لذاته بادكار الموت والهرم "
أيضا الدنيا منغصة لذاتها قال الشاعر الحكيم أيضا :
" فيوم علينا ويوم لنا *** ويوم نساء ويوم نسر "
وهذا هو الصحيح لا تكاد يمر بك عشرة أيام صافية بدون كدر أبدا بل لا بد من كدر إما في نفسك أو أهلك أو جيرانك أو بلدك أو حكومتك أو الخارج الدنيا منغصة ثم مع ذلك هل تبقى ؟ الجواب : لا لا يدري الإنسان في أي ساعة يدعوه الداعي في أي لحظة كم من إنسان سقطت منه اللقمة من يده ومات وسقط منه فنجان الشاي ومات ما ندري إذن كيف نؤثر هذه الحياة على حياة الآخرة سفه.

الشيخ : ولهذا قال : (( والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى )) إن هذا المشار إليه ما سبق فقيل إنه قوله : (( بل تؤثرون الحياة الدنيا )) وقيل إنه من قوله : (( قد أفلح من تزكى )) وقيل إنه كل السورة وعلى كل حال فجميع الكتب السماوية كلها تحث على التذكر بالوحي وتلوم من آثر الحياة الدنيا على الآخرة (( صحف إبراهيم وموسى )).

الشيخ : أما سورة الكافرون فإن الله أمر نبيه أن يتبرأ من عبادة المشركين فقال : (( قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون )) ماذا يعبد الكافرون ؟ الأصنام الشجر الحجر الشمس القمر يقول : (( قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون )) يعني لا أعبد الذي تعبدونه أنا بريء منه.

الشيخ : (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) من الذي يعبده الرسول ؟ الله يعني أنتم لا تعبدون معبودي طيب فإذا قال إنسان أليسوا يعبدون الأصنام ويعبدون الله قلنا نعم بعضهم يعبد الله ويعبد الأصنام لكن عبادته لله ما تنفعه مع الشرك فلهذا نفاها قال : (( ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم . ولا أنتم عابدون ما أعبد )) الآن فيها تكرار أليس كذلك ؟ (( لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد . ولا أنا عابد ما عبدتم )) بمعنى لا أعبد ما تعبدون (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) نفس الألفاظ التي سبقت فاختلف العلماء كيف يكون هذا التكرار ؟ فأجابوا بعضهم بأن هذا من باب التوكيد وأن الأمور الهامة تؤكد بالتكرار مثل قوله تعالى : (( كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون )) (( لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين )) فالشيء المهم يحسن بمقتضى اللغة العربية أن يؤكد بالتكرار وقال بعض العلماء : " إنه ليس في الآية تكرار وأن قوله : (( لا أعبد ما تعبدون )) نفي للمعبودات (( ولا أنتم عابدون ما أعبد . ولا أنا عابد ما عبدتم )) نفي للعبادة لكيفيتها " كانه يقول : أنا لا أعبد الأصنام التي تعبدونها وأنا لا أعبد على شبه عبادتكم ولا أتمثل بها ولا أتشبه بها فيكون الأول باعتبار إيش؟ المعبود والثاني باعتبار العبادة يعني عبادتي ليست كعبادتكم معبودي ليس معبودكم وهذا جيد لأن هذا القول فيه السلامة من دعوى إيش؟ التكرار . فيه السلامة من دعوى التكرار
وقال بعض العلماء " بل الآية تختلف الأول بالفعل (( لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد )) والثاني للاستعداد والقبول ولهذا جاءت بالجملة الاسمية (( ولا أنتم عابدون ما أعبد . ولا أنا عابد ما عبدتم " وإلى هذا يميل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الآيتين الأوليين نفي للفعل والآيتين الأخريين نفي للقبول والاستعداد يعني أنا لا أفعل ولا يمكن أن أفعل ولا أقبل هذا ولا على كل حال فالمقام مقام عظيم ويجب على الإنسان ان يتبرأ من معبودات المشركين وأن يتبرأ من عبادة المشركين وأن يكون مخلصا لله في عبادته متبعا لرسوله.

الشيخ : قال : (( لكم دينكم ولي دين )) ولا بد أن يتميز دين المسلمين عن دين الكفار ولهذا جاء النهي عن التشبه بهم حتى في اللباس فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) لأن التشبه بهم في الظاهر يؤدي إلى التشبه بهم في الباطن والعقيدة والعمل.

الشيخ : أما سورة الإخلاص فهي (( قل هو الله أحد )) وهذه السورة ليست أعظم سورة في كتاب الله أعظم سورة في كتاب الله هي الفاتحةكما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام لكن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ولكنها لا تجزئ عن القرآن تعدل الثلث لكن لا تجزئ عنه ولهذا لو كررها الإنسان ثلاث مرات في الصلاة وقال أنا كررتها ثلاث مرات والمرة الواحدة ثلث القرآن أكون كأني قرأت القرآن كله فهل يجزئه ذلك عن قراءة الفاتحة في الصلاة ؟ لا إذن المعادلة لا يلزم منها المقابلة في الإجزاء يعني المقابلة في الثواب لا يلزم منها المقابلة في الإجزاء لكن تعدل ثلث القرآن كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الشيخ : والخطاب فيها لمن (( قل هو الله أحد )) الخطاب فيها للرسول عليه الصلاة والسلام والخطاب لرسول له وللأمة (( الله أحد )) أي متوحد جل وعلا في ذاته وفي أسماءه وفي صفاته وفي أحكامه له الحكم له الأمر له الخلق له التدبير فهو أحد في كل شيء (( الله الصمد )) الصمد يعني الكامل في صفاته فهو صمد مستغن عن غيره الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته كل الخلائق تصمد إليه ولهذا قال بعض العلماء في تفسيرها " الصمد هو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها " ولهذا لا يجد الإنسان من يصمد إليه عند الحوائج إلا الله أمر مفطور عليه الإنسان حتى الكافر إذا غشيهم موج كالظلل يدعون من ؟ دعوا الله فطري أمر فطري أن يتجه الإنسان إلى الله عز وجل في جميع حوائجه ومن اتجه إلى الله في حوائجه اتجاها صحيحا مظهرا للافتقار إلى الله موقنا بقدرة الله وإجابة الله فإن حاجته سوف تقضى بكل حال لكن الذي يعوزنا الصدق إما أن يكون لجؤنا إلى الله فيه ما فيه أو تصديقنا بوعده فيه ما فيه فيفوتنا خير كثير وإلا فمن لجأ إلى الله بصدق وإخلاص عصمه الله ولهذا ( لما جاء رجل من المشركين ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نائم تحت شجرة أخذ السيف ) سيف الرسول معلق بالشجرة ( أخذ السيف فاستيقظ النبي عليه الصلاة والسلام فقال الرجل المشرك : من يمنعك مني ؟ ) لو نظرنا إلى مقتضى الحال في أحد يمنعه ما حوله أحد الرسول عليه الصلاة والسلام من البشر ( من يمنعك مني ) السيف بيده وهو عدو يقدر يضر الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( يمنعك مني الله ) سبحان الله الصدق ( فلما قالها سقط السيف من يد الرجل ... فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ) ومن أراد أن يطلع على مثل هذه الأحوال فليرجع إلى كتاب الفرقان لشيخ الإسلام ابن تيمية بين أولياء الرحمن واولياء الشيطان ذكر فيه أشياء عجيبة جرت لبعض السلف الصالحين
فالحاصل أن نقول (( الله الصمد )) إيش معناه ؟ الكامل في صفاته الذي تصمد إليه جميع مخلوقاته (( لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا أحد )). لم يلد ردا لما زعمه النصارى ولما زعمه ..